في رحاب عاشوراء

في رحاب عاشوراء4%

في رحاب عاشوراء مؤلف:
الناشر: نشر الفقاهة
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 402

في رحاب عاشوراء
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 220228 / تحميل: 9250
الحجم الحجم الحجم
في رحاب عاشوراء

في رحاب عاشوراء

مؤلف:
الناشر: نشر الفقاهة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

فيُنادي مناد: الجَنّة تحت ظلال السيوف، فتكون الطعنة والضربة على الشهيد أهوَن من شرب الماء البارد في اليوم الصائِف.

وإذا زلَّ الشهيدُ عن فرسِه بطَعنَة أو ضَرْبة، لم يصل إلى الأرض حتّى يبعث الله (عزّ وجلّ) زوجته من الحُورِ العين، فتُبَشِّره بما أعدَّ الله له من الكرامة، وإذا وصلَ إلى الأرض، تقول له: مرحباً بالروح الطيِّبة الّتي أُخرِجتْ من البدنِ الطيِّب، أبشر، فإن لك ما لا عينَ رأتْ ولا أُذن سمعتْ ولا خطرَ على قلبِ بَشر.

ويقول الله (عزّ وجلّ): أنا خليفَته في أهلِه، ومَن أرضاهم فقد أرضاني، ومَن أسخطَهم فقد أسخطَني، ويجعل الله روحه في حواصلِ طَير خُضْر تسرح في الجَنّة حيث تشاء، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة بالعرش)(١) .

* ويقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : (لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَوْلَهُ:( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ) ، عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَةَ لا تَنْزِلُ بِنَا ورَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي أَخْبَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا؟

فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، إِنَّ أُمَّتِي سَيُفْتَنُونَ بَعْدِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولُ اللَّهِ، أَوَلَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي: يَوْمَ أُحُدٍ حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحِيزَتْ عَنِّي الشَّهَادَةُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَقُلْتَ لِي: أَبْشِرْ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ؟!

فَقَالَ لِي: إِنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ، فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذاً؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ، ولَكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَى والشُّكْرِ).

يقول ابن أبي الحديد(٣) ، في شرح هذه الفقرة من نهج البلاغة: (وهذا الخبر مرويٌّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد رواه كثير من الـمُحدِّثين عن عليّعليه‌السلام أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له: (إنّ الله قد كتبَ عليك جِهاد الـمَفتونين، كما كتَبَ عليَّ جِهاد

____________________

(١)بحار الأنوار: ١٠٠ / ١٢ - ١٣، نقلاً عن: صحيفة الإمام الرضا: ٢٦ - ٢٨، طبعة المعاهد بمصر.

ومُستدرَك الوسائل: ٢ / ٢٤٢ - ٢٤٣.

(٢)العنكبوت: ٢٠١.

(٣)شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ٩ / ١٥٧.

ونهج البلاغة لصبحي الصالح: ٢٢.

١٤١

الـمُشركين)، قال، فقلت: يا رسولَ الله، ما هذه الفتنة الّتي كُتبَ عليّ فيها الجهاد؟

قال: قوم يشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله، وهم مخالِفون للسُنّة.

فقلت: يا رسول الله، فعلامَ أُقاتلهم وهُم يشهدون كما أشهد؟

قال: على الإحداث في الدِين، ومُخالَفة الأمر.

قلت يا رسول الله: إنّك كنت وعدْتَني الشهادة، فاسأل الله أن يجعلها لي بين يديك.

قال: فمَن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين؟! أمّا إنّي وعدتك الشهادة وسَتَسْتشهِد، تُضرَب على هذه فتُخضب هذه، فكيف صبرك إذن؟

قلت: يا رسول الله، ليس ذا بمَوطِن صبر، هذا مَوطن شُكر.

قال: أجَل، أصَبْتَ)(١) .

* ويقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : (فوَ الله، لولا طَمَعي عند لقاءِ عَدوّي الشهادة، وتوطيني نفسي عند ذلك؛ لأحبَبْت ألاّ أبقى مع هؤلاء يوماً واحداً)(٢) .

ولمّا ضَرب ابن مُلجِم (لعنه الله) أميرَ المؤمنينعليه‌السلام على رأسه، قالعليه‌السلام : (فُزْتُ ورَبّ الكَعْبَة)(٣) .

* وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بعدما ضَرَبَه ابن مُلجم: (واللَّهِ مَا فَجَأَنِي مِنَ الْمَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ، ولا طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ، ومَا كُنْتُ إِلاّ كَقَارِبٍ وَرَدَ، وطَالِبٍ وَجَدَ)(٤) .

* عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، قال: سمعت أبي وهو بحضرة العدوّ يقول: (قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّ أبوابَ الجَنَّة تحت ظلال السيوف)، فقام رجُل رثّ الهيئة فقال: يا أبا موسى، أنتَ سمعتَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول هذا؟ قال:

____________________

(١)شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ٩ / ٢٠٦.

(٢)شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ٦ / ٩٣.

(٣)بحار الأنوار: ٤٢ / ٢٣٩.

(٤)شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ١٧ / ٦.

١٤٢

نَعم.

قال: فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليهم السلام، ثمّ كسر جفْن سيفه، فألقاه، ثمّ مشى بسيفه إلى العدوِّ فضربَ به حتّى قُتِلَ)(١) .

* عن أنس بن مالك، قال: (جَاءَ نَاسٌ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله) فَقَالُوا: أَنْ ابْعَثْ مَعَنَا رِجَالاً يُعَلِّمُونَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ سَبْعِينَ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُمْ: (الْقُرَّاءُ)، فِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَدَارَسُونَ، بِاللَّيْلِ يَتَعَلَّمُونَ، وَكَانُوا بِالنَّهَارِ يَجِيئُونَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَحْتَطِبُونَ فَيَبِيعُونَهُ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ الطَّعَامَ لأَهْلِ الصُّفَّةِ وَلِلْفُقَرَاءِ.

فَبَعَثَهُمْ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله) إِلَيْهِمْ، فَعَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ، فَقَالُوا: اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ، وَرَضِيتَ عَنَّا.

قَالَ: وَأَتَى رَجُلٌ حَرَامًا خَالَ أَنَسٍ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ بِرُمْحٍ حَتَّى أَنْفَذَهُ، فَقَالَ حَرَامٌ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله) لأَصْحَابِهِ: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا، وَإِنَّهُمْ قَالُوا: اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا)(٢) .

* وعن ثابت قال، قَالَ أَنَسٌ: عَمِّيَ الَّذِي سُمِّيتُ بِهِ لَمْ يَشْهَدْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله) بَدْرًا فَشَقَّ عَلَيْهِ، قَالَ: أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله) غُيِّبْتُ عَنْهُ، وَإِنْ أَرَانِيَ اللَّهُ مَشْهَدًا فِيمَا بَعْدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله) لَيَرَانِي اللَّهُ مَا أَصْنَعُ.

قَالَ: فَهَابَ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا، قَالَ: فَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله) يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ لَهُ أَنَسٌ: يَا أَبَا عَمْرٍو، أَيْنَ؟ فَقَالَ: وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ أَجِدُهُ دُونَ أُحُدٍ، قَالَ: فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ.

قَالَ: فَوُجِدَ فِي جَسَدِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ وَطَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ، قَالَ: فَقَالَتْ أُخْتُهُ، عَمَّتِيَ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ النَّضْرِ: فَمَا عَرَفْتُ أَخِي إِلاّ بِبَنَانِهِ.

وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مّن قَضَى‏ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مّن يَنتَظِرُ وَمَا

____________________

(١)صحيح مسلم: ٥٦ / ٤٥، طبعة دار الفكر.

ورواه الترمذي في: السُنَن: ٤ / ١٨٦ الحديث ١٦٥٩.

(٢)صحيح مسلم: ٦ / ٤٥، ط. دار الفكر.

ورواه البخاري، وعنهما المنذري في: الترغيب والترهيب: ٢ / ٣١٦

١٤٣

بَدّلُوا تَبْدِيلاً ) (١) .

* وعن أنس، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يُؤتَى بالرجلِ من أهل الجنّة فيقول الله له: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي ربّ، خير مَنزل.

فيقول: سَلْ وتَمَنَّ، فيقول: وما أسألك وأتمنَّى؟! أسألُك أن تَردّني إلى الدُنيا، فأُقتل في سبيلِك عشر مرَّات؛ لِما يرى من فَضْلِ الشهادة)(٢) .

* وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (يُغفَر للشَهيدِ كلّ ذَنْبٍ إلاّ الدَّين)(٣) .

* وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (إنّ أوّل قطرة تنزل من دم الشهيد يُكفّر بها ذنوبه، والثانية يُكسى من حُلَلِ الإيمان، والثالثة يُزَوّج من حُورِ العِين)(٤) .

* وعن أبي هريرة، قال: ذُكِرَ الشهيد عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: (لا تَجِفُّ الأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ حَتَّى تَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ، كَأَنَّهُمَا ظِئْرَانِ أَضَلَّتَا فَصِيلَيْهِمَا فِي بَرَاحٍ مِنْ الأَرْضِ، وَفِي يَدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُلَّةٌ، خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)(٥) .

قال الـمُنذري في الترغيب - في التعليق على الحديث -: (الظِئْر) هي: الـمُرضِع، ومعناه: أنّ زوجتيه من الحُور العِين تبتدرانه وتَحنوان عليه وتُظَلّلانه، كما تَحنو الناقة الـمُرضِع على فصيلها.

* وعن ابن عبّاس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ - نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ -، فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيّاً)(٦) .

* وعن أنس بن مالك، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (إذا وقف العِبادُ للحِساب، جاء قوم

____________________

(١)صحيح مسلم: ٦ / ٤٦، طبعة دار الفكر.

والترغيب والترهيب: ٢ / ٣١٢ - ٣١٣.

(٢)كنز العمّال: ٤ / ٤٠٦ / حديث ١١١٣٥، طبعة دار الفكر.

والترغيب والترهيب: ٢ / ٣١١.

(٣)الترغيب والترهيب: ٢ / ٣١١.

(٤)كنز العمّال: ٤ / ٤٠٧ / حديث ١١١٤١.

(٥)الترغيب والترهيب: ٢ / ٢٢٢.

(٦)الترغيب والترهيب: ٢ / ٢٢٣.

وكنز العمّال: ٤ / ٣٩٧ / الحديث ١١٠٩٩.

١٤٤

واضِعي سيوفهم على رقابِهم، تقطرُ دَماً، فازدَحموا على بابِ الجَنّة، فقيل: مَن هؤلاء؟

قيل: هؤلاء الشهداء، كانوا أحياءً مَرزوقِين)(١) .

* وعن نعيم بن عمّار:(أنّ رجلاً سألَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أَيُّ الشُّهَدَاءِ أَفْضَلُ؟

قالَ: الَّذِينَ إِنْ يُلْقَوْا فِي الصَّفِّ يَلْفِتُونَ وُجُوهَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا، أُولَئِكَ يَنْطَلِقُونَ فِي الْغُرَفِ الْعُلَى مِنْ الْجَنَّةِ)(٢) .

وعن أنس قال:قال رسول الله: (ألا أُخبركم عن الأجوَد؟!

الله الأجْوَد الأجْوَد، وأنا أجوَد ولد آدم، وأجودهم من بعدي، رَجُل عَلِمَ عِلْماً فنَشَرَ عِلمه، يُبْعَث يومَ القيامةِ أُمّة واحدة، ورَجُل جَادَ بنَفْسِهِ للهِ عزَّ وجَلَّ حتّى يُقْتَل). رواه أبو يعلى والبيهقي(٣) .

* عن رجلٍ من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : (أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلاّ الشَّهِيدَ؟

قَالَ: كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً). رواه النسائي(٤) .

* عن أنس بن مالك: (أنّ رجلاً أسود أتَى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسولَ الله، إنّي أسود مُنْتن الرَيْحِ قَبيْح الوَجْهِ، لا مال لي، فإنْ أنا قاتَلْتُ هؤلاء حتّى أُقتل، فأين أنا؟

قال: في الجَنّة.

فقاتل حتّى قُتِلَ، فأتاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: قَدْ بَيّضَ اللهُ وجْهَك وطَيَّبَ ريْحَك وأكثَر مَالك)(٥) .

* (جاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جَسَدِ شَهيدٍ نَجْدي، فقَعَدَ عند رَأسِه مُسْتَبْشِرَاً يَضْحَك، ثُمَّ

____________________

(١)الترغيب والترهيب: ٢ / ٣١٨.

ورواه الطبراني، وقال المنذري في الترغيب: إسناده حسن.

(٢)الترغيب والترهيب: ٢ / ٣١٨ - ٣١٩.

وقريب منه في: كنزل العمال: ٤ / ٣٩٨ / الحديث ١١١٠٤.

(٣)الترغيب والترهيب: ٢ / ٣٢٠.

(٤)الترغيب والترهيب: ٢ / ٣٢٣ - ٣٢٤.

(٥)الترغيب والترهيب: ٢ / ٣٢٤.

١٤٥

أعرَضَ عَنه، فقُلْنا: يا رسول الله، رأيناكَ مُسْتَبْشِراً تَضحك ثُمّ أعرَضْتَ عنه!

فقال: أمّا ما رَأيتم مِن اسْتبشاري، فلمّا رأيْتُ مِن كرامةِ روحِه على الله عَزَّ وجَلّ، وأمّا إعراضِي عنه، فإنَّ زوجَته من الحُورِ العِين الآنَ عند رأسه). رواه البيهقي، بإسناد حسن(١) .

* عن عامر بن سَعد، عن أبيه: (أنّ رجُلاً جاء إلى الصلاة والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يُصلِّي، فقال - حين انتهى الصف -: اللّهمَّ آتني أفْضَل ما تُؤتي عبادك الصالحين. فلمّا قَضى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة قال: مَنْ الـمُتكلِّم آنفاً؟

فقالَ الرجلُ: أنا يا رسول الله.

قال: إذاً يُعْفَر بجَوادِكَ وتسْتَشْهد). رواه أبو يعلى، والبَزّاز، وابن حيّان في صحيحه، وقال: صحيح على شَرطِ مُسلم(٢) .

* عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (الشهداءُ عند الله على مَنابِر من ياقوتٍ في ظلِّ عَرْشِ الله، يوم لا ظلَّ إلاّ ظِلّه، على كَثِيبٍ من مِسْك، فيقولُ لهم الرَبُّ: ألمْ أوفِ لَكم وأصْدُقكُم؟ فيقولون: بلى وَرَبّنا)(٣) .

* عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (أوّل ما يُهراق من دمِ الشَهيد، يُغْفَر لَه ذَنْبه كلّه إلاّ الدَّيْن)(٤) .

يُعطَى الشهيد ثلاثاً:

أوّل دفعة من دَمِه يُغفَر له ذنوبه

وأوَّل مَن يَمسَح الترابَ عن وَجهِه زوجته من الحُور العِين.

وإذا وَجَبَ جَنْبه في الأرض وقَعَ في الجَنّة)(٥) . (الدارقطني في الإفراد، والديلمي والرافعي عن أنس).

____________________

(١)الترغيب والترهيب: ٢ / ٣٢٤ - ٣٢٥.

(٢)الترغيب والترهيب: ٢ / ٣٢٧ - ٣٢٨.

(٣)كنز العمّال: ٤ / ٣٩٧ الحديث ١١١٠٠.

(٤)كنز العمّال: ٤ / ٣٩٩ الحديث ١١١٠٩.

(٥)كنز العمال: ٤ / ٤١٠ الحديث ١١١٥٣.

١٤٦

خطاب الاستنصار الحسيني:

* أ - الاستعراض

* نماذج من الاستنصار الحسيني

* ب - الدِلالات

* الدلالات الأربعة لخطاب

الاستنصار الحسيني

١٤٧

١٤٨

خِطابُ الاستنصار الحُسيني

الاستعراض والدلالات:

( فَلَمّا أَحَسّ عِيسَى‏ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إَلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ)

آل عمران: ٥٢

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ فَآمَنَت طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَائِفَةٌ فَأَيّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَى‏ عَدُوّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ)

الصف / ١٤

الاستنصار الحُسيني:

يقول الشيخ جعفر التُسْتَري (رحمه الله) في الخصائص الحسينيَّة: (إنّ الحسينعليه‌السلام (استنصر) الناس سبع مرّات و (استغاث) سبعاً.

ثمّ يقول (رحمه الله): إنّ التَلبيات السبعة الواردة في زيارة الحُسينعليه‌السلام (لبّيك داعي الله)، إجابة وإشارة إلى هذه الاستنصارات والاستغاثات)(١) .

____________________

(١)الخصائص الحُسينيَّة: ١٧٧ - ١٧٨.

١٤٩

وفيما يلي نستعرض طائفة من استنصارات الحسينعليه‌السلام ، واستغاثته بالمسلمين، منذ خروجه من المدينة إلى اليوم العاشر من الـمُحرَّم سَنة (٦١ هـ) في كربلاء.

ثُمّ نقوم بدراسة دلالات الاستنصار الحُسيني.

١٥٠

أ - الاستعراض

نَماذِج من الاستنصار الحُسيني

في المدينة:

١ - خرج الحسينعليه‌السلام من المدينة مُتوجّهاً نحو مكّة، ليلة الأحد لِيومَين بَقيا من رجب، ومعه بنوه وإخوته وبنو أخيه الحسنعليه‌السلام وأهل بيته، وكتب قبل أن يخرج من المدينة وصيّته الّتي يستنصر فيها المسلمين، وأودَعها عند أخيه محمّد بن الحَنَفيّة.

قال فيها:

(بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أوصى به الحسين بن عليّعليهما‌السلام إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة:

إنّ الحسين يشهد أن لا اله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، جاء بالحقّ من عنده، وأنّ الجنّة حقّ والنار حقّ، والساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث مَن في القبور...

وأنّي لم أخرج أشِراً ولا بطِراً، ولا مُفسِداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب.

فمَن قَبلني بقبول الحقّ، فالله أولى بالحقّ، ومَن ردّ عليَّ هذا، أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم، وهو خير الحاكمين).

١٥١

ثمّ طَوى الكتاب وختمَه، ودفعه إلى أخيه محمّد(١) .

٢ - واستنصر الحُسين عبد الله بن عُمَر بن الخطّاب ، وقال لعبد الله بن عُمَر - لمّا طلب منه البقاء في المدينة -:

(يا عبد الله، إنّ من هوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريّا يُهدَى إلى بَغيٍّ من بغايا بني إسرائيل، وأنّ رأسي يُهدى إلى بغيٍّ من بَني أُميّة)(٢) .

ولما عرف ابن عُمَر من الحسين العزم على مغادرة المدينة، قال له: يا أبا عبد الله، اكشف لي عن الموضع الذي لم يَزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقبِّله منك، فكشف له عن سُرّته، فقَبَّلها ثلاثاً وبكى(٣) .

فقال له: (اتقِ الله يا أبا عبد الرحمان، ولا تدعنَّ نصرتي)(٤) .

في مكّة:

٣ - وكتب الحسين نسخة واحدة (تَعميماً) إلى رُؤساء الأخماس بالبصرة، وهُم:

مالك بن مسمع البكري، والأحنف بن القَيس، والجارود بن المنذر، ومسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم، وعمرو بن عبيد بن معمّر، وأرسله مع مولى له يُقال له سليمان(٥) ، وفيه:

(أمّا بعد، فإنّ الله اصطفى محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله على خلْقه، وأكرمه بنبوّته واختاره لرسالته، ثمّ قبضه إليه، وقد نصح لعباده وبلّغَ ما

____________________

(١)مقتل العوالم: ٥٤.

(٢)مقتل الحسين، للسيّد عبد الرزاق المقرّم: ١٣٩.

(٣)أمالي الصدوق: ص٩٣ / الـمَجلِس ٣٠.

(٤)اللهوف: ص١٧.

(٥)هذا في تاريخ الطبري: ٦ / ٢٠٠.

وفي اللهوف: ٢١ (يُكنَّى أبا رزين).

وفي مُثير الأحزان: ص ١٢ (أرسله مع ذراع السدوسي).

١٥٢

أُرسل بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكُنّا أهله وأولياءه وأوصياءه ووَرَثته، وأحقّ الناس بمَقامه في الناس.

فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا، وكرهنا الفُرقة وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ الـمُستَحق علينا ممّن توَلاّه.

وقد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسُنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أُميتَتْ، والبُدعَة قد أُحييتْ.

فإن تسمعوا قَوْلي، أُهدِكم إلى سبيل الرشاد).

فسلّم الجارود بن الـمُنذر العبدي رسولَ الحسين إلى ابن زياد، فصلبه عشيّة الليلة التي خرجَ في صبيحتها إلى الكوفة ليسبق الحسين إليها(١) . وكانت ابنة الجارود (بخرية) زوجة ابن زياد، فزعم أن يكون الرسول دسيساً من ابن زياد.

وأمّا الأحنف، فإنّه كتب إلى الحسينعليه‌السلام : (أمّا بعد، فاصبر، إنّ وعد الله حقّ ولا يَستخفنّك الّذين لا يُوقنون(٢) .

وأمّا يزيد بن مسعود(٣) ، فإنّه جمع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد، فلمّا حضروا قال: (يا بني تميم، كيف ترون موضعي فيكم وحسَبي منكم؟

قالوا: بَخٍ بَخٍ! أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر، حللتَ في الشرفِ وسطاً وتقدّمت فيه فرطاً، قال: فإنّي قد جمعتكم لأمرٍ أُريد أن أُشاوركم فيه، وأستعين بكم عليه فقالوا:

____________________

(١)تاريخ الطبري: ٦ / ٢٠٠.

(٢)مثير الأحزان: ١٣.

(٣)هذا في مثير الأحزان، وعند الطبري، وابن الأثير (مسعود بن عمرو).

وقال ابن حزم في: جمهرة أنساب العرب، ص٢١٨: (كان عباد بن مسعود بن خالد بن مالك النهشلي سيّداً، وأخته ليلى بنت مسعود تحت علي بن أبي طالب، ولدت له أبا بكر قتل مع الحسين، وعبد الله كان مع مصعب ابن الزبير على المختار وقُتل يوم هزيمة أصحاب المختار، وذكرنا في (زيد الشهيد: ص ١٠١، طبع ثاني) نصوص المؤرّخين في قتله بالمذار، من سواد البصرة، ولم يُعلم قاتله.

وفي الخرايج للراوندي، في معجزات عليعليه‌السلام : وُجِد مذبوحاً في فسطاطه، ولم يُعلَم ذابحه.

١٥٣

إنّا والله نمنحك النصيحة، ونجهد لك الرأي، فقُل حتّى نسمع.

فقال: إنّ معاوية مات، فأهوِن به والله هالكاً ومفقوداً، ألا وأنّه قد انكسر باب الجَور والإثم، وتضعضعت أركان الظلم، وكان قد أحدث بيعة عقدَ بها أمراً ظنّ أنّه قد أحكَمه، وهيهات الذي أراد، اجتهدَ والله ففشلَ، وشاورَ فخُذلَ، وقد قام يزيد - شارب الخمور ورأس الفجور - يدّعي الخلافة على المسلمين، ويتآمر عليهم بغير رضاً منهم، مع قصر حلْمٍ وقلّة علم، لا يعرف من الحقّ موطأ قدميه.

فأُقسم بالله قَسَماً مبروراً، لَجهاده على الدِين أفضل من جهاد المشركين، وهذا الحسين بن عليّ، وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل، له فضل لا يُوصَف وعِلم لا ينزف، وهو أَولى بهذا الأمر؛ لسابقته وسنّه وقِدمه وقَرابته، يعطف على الصغير ويُحسِن إلى الكبير، فأكرم به راعي رعيَّة، وإمام قوم وجبتْ لله به الحُجَّة، وبلغتْ به الموعظة، فلا تعشو عن نور الحقّ، ولا تَكْسَعوا في وهدِ الباطل، فقد كان صخر بن قيس انخذلَ بكم يوم الجَمَل، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصرته.

والله، لا يُقَصّر أحدكم عن نصرته، إلاّ أورثه الله تعالى الذلّ في ولده، والقلّة في عشيرته.

وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها، وادّرعتُ لها بدِرعِها.

مَن لم يُقتَل يَمُت، ومَن يهرب لم يَفتْ، فأحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب.

فقالت بنو حنظلة: يا أبا خالد، نحن نَبْلُ كنانتك، وفرسان عشيرتك، إن رميتَ بنا أصَبتْ، وإن غزوتَ بنا فتحتْ، لا تخوض والله غمرة إلاّ خضناها، ولا تَلقى والله شدّة إلاّ لقيناها، ننصرك بأسيافنا، ونقيك بأبداننا إذا شئت.

وتكلّمتْ بنو عامر بن تميم، فقالوا: يا أبا خالد، نحن بنو أبيك وحلفاؤك، لا نرضى إن غضبت، ولا نبقى إن ظَعَنْتْ، والأمر إليك، فادعُنا إذا شئت.

وقالت بنو سعد بن زيد: أبا خالد، إنّ أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج عن

١٥٤

رأيك، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترْك القتال يوم الجمَل، فحمدنا ما أمرنا، وبقي عزّنا فينا، فأمهلنا نراجع المشورة ونأتيك برأينا.

فقال لهم: لئن فعلتموها، لا رفع الله السيف عنكم أبداً، ولا زال سيفكم فيكم.

ثُمّ كتب إلى الحسينعليه‌السلام : أمّا بعد فقد وصل إليّ كتابك، وفهمتُ ما ندبتَني إليه، ودعوتني له من الأخذ بحظّي من طاعتك، والفوز بنصيبي من نُصرتك، وإنّ الله لم يخل الأرض قطّ من عامل عليها بخير، ودليل على سبيل نجاة، وأنتم حُجّة الله على خلْقه، ووديعته في أرضه، تفرّعتم من زيتونة أحمديّة، هو أصلها وأنتم فرعها، فأقدم سعدت بأسعد طائر، فقد ذلّلت لك أعناق بني تميم، وتركتهم أشدّ تتابعاً في طاعتك من الإبلِ الظماء لورود الماء يوم خمْسها، وقد ذلّلت لك رقاب بني سعد، وغسلت دَرَن قلوبها سحاب مُزْن حين استهلّ بَرقُها فلَمَع.

فلمّا قرأ الحسينعليه‌السلام كتابه قال: (آمنكَ الله من الخوف وأعزّك، وأرواك يوم العَطش الأكبر).

ولمّا تجهّز ابن مسعود إلى المسير، بلَغه قتل الحسينعليه‌السلام ، فأشتدّ جزعة وكثُر أسَفه لفوات الأُمنية من السعادة بالشهادة(١) .

وكانت (مارية) - ابنة سعد، أو منقذ - من الشيعة الـمُخلصين ودارها مَألَفاً لهم، يتحدّثون فيه فضل أهل البيتعليهم‌السلام ، فقال يزيد بن نبيط - وهو من عبد القيس - لأولاده، وهم عشرة: أيّكم يخرج معي؟ فانتدب منهم اثنين، عبد الله وعبيد الله، وقال له أصحابه - في بيت تلك المرأة -: نخاف عليك أصحاب ابن زياد، قال: والله لو قد استوَت أخفافها بالجُدَد، لهانَ عليَّ طلبُ مَن طلبَني(٢) .

وصحبه مولاه عامر،

____________________

(١)مُثير الأحزان: ص ١٣. واللهوف: ص٢١.

(٢)تاريخ الطبري: ٦ / ١٩٨.

١٥٥

وسيف بن مالك، والأدهم بن أُميّة(١) ، فوافَوا الحسين بمكّة وضمّوا رحلهم إلى رحله، حتّى وردوا كربلاء وقُتلوا معه.

٤ - وخطب الحسين عليه‌السلام في المسلمين عشيّة خروجه من مكّة، وقال:

(خُطّ الموت على وُلد آدم مَخطّ القِلادة على جِيد الفتاة، وما أَولَهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخُيّر لي مَصرَع أنا لاقيه.

كأنّي بأوصالي تُقطّعها عُسلان الفلَوات بين النواويس وكربلاء، فيملأنّ منّي أكراشاً جوَفاً، وأجربةً سغَباً، لا مَحيص من يوم خُطّ بالقلم.

رضا الله رضانا أهل البيت. نصبر على بلائه، ويُوَفّينا أُجور الصابرين.

لن تشذّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لُحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده.

ألا ومَن كان فينا باذِلاً مُهجَته، مُوطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فإنّي راحل مُصبحاً إن شاء الله)(٢) .

وفي هذه الخطبة، ينعى الإمام نفسه، ويستنصر المسلمين ويطلب منهم مُهجَهم، ويطلب ممَّن يُريد أن يخرج معه أن يُوطِّن نفسه للقاء الله، ويعلن للمسلمين أنّه يخرج غداً إلى العراق، ومَن أراد أن يلتحق به، فليعدّ نفسه للخروج منذ الليلة.

وهي دعوة غريبة من نوعها في تاريخ الثائرين والخارجين، فلا يُمنّيهم الحسينعليه‌السلام بمُلك ولا سلطان، وإنّما يدعوهم إلى القتل.

وهذه الدعوة بهذه الخصوصيّة، ممّا تتميَّز بها ثورة الحسينعليه‌السلام في التاريخ عن غيرها من الثورات والحركات.

____________________

(١)ذخيرة الدارين: ص٢٢٤.

(٢)اللهوف: ٣٣. وابن نما: ٢٠. والمقرّم: ١٧٣.

١٥٦

إنّ الحسينعليه‌السلام يطلب من الناس مُهجَهم، ويطلب منهم أن ينتزعوا أنفسهم من الدنيا ويوطّنوا أنفسهم للقاء الله.

والحسينعليه‌السلام يقصد ما يقول.

ولو خرج يومئذٍ مع الحسينعليه‌السلام ناس يريدون الدنيا، وليس وجه الله، ويطلبون المال والسلطان في خروجهم مع الحسينعليه‌السلام ؛ لأخلّوا بهذه الحركة، وأفقدوها قيمتها وتأثيرها العميق الخالد في التاريخ.

وبهذه الطريقة، يُعلن الحسينعليه‌السلام - من بدء خروجه - عن رفضه لأُولئك الذين يريدون أن يلتحقوا به للمال والسُلطان والدنيا.

هذه الخطبة عجيبة في لَهْجتها، عجيبة في مضامينها ودعوتها، وتتضمَّن الاستنصار، والاستماتة، والترغيب والتزهيد، والدعوة والرفض.

٥ - في الحاجر:

ولمّا بلغ الحاجر(١) من بطن الرمة، كتب إلى أهل الكوفة جواب كتاب مسلم ابن عقيل، وبعثه مع قيس بن مسهر الصيداوي(٢) ، وفيه: (أمّا بعد، فقد ورَد عليَّ كتاب مسلم بن عقيل، يُخبرني باجتماعكم على نصرنا، والطلب بحقّنا، فسألت الله

____________________

(١)في معجم البلدان: (الحاجر: ما يُمسك الماء من شفة الوادي وفيه): ج٤ / ص٢٩٠، (بطن الرمة: منزل لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة، وفيه تجتمع أهل الكوفة والبصرة).

وفي تاج العروس: ج٣ / ص١٣٦: (الحاجر: مكان بطريق مكّة).

(٢)في روضة الواعظين لعلي بن محمّد الفتّال النيسابوري: ص١٥٢ (يُقال: بعثه مع عبد الله بن يقطر، ويجوز أنّه أرسل إليهم كتابين، أحدهما مع عبد الله بن يقطر، والآخر مع قيس بن مسهر).

وفي الإصابة: ج٣ / ص٤٩٢، بعد أن ذكرَ نسب قيس، قال: (وكان مع الحسين لمّا قُتلَ بالطفّ، وهو اشتباه، فإنّ ابن زياد قتله بالكوفة).

١٥٧

أن يُحسن لنا الصنع، ويُثيبكم على ذلك أعظم الأجر، وقد شخصت إليكم من مكّة، يوم الثلاثاء لثمانٍ مضين من ذي الحُجّة، فإذا قدم عليكم رسولي، فانكمشوا في أمركم، فإنّي قادم في أيّامي هذه).

ولمّا وصل قيس إلى القادسيّة، أخذه الحُصين بن نمير التميمي - وكان صاحب شرَطة ابن زياد -، أمَره أن ينظِم الخيل ما بين القادسيّة إلى خفان(١) ، ومنها إلى القُطْقطانة، فأراد أن يُفتِّشه، فأخرج قيس الكتاب وخرّقه.

ولمّا مثُل بين يدي ابن زياد، قال: لماذا خرّقت الكتاب؟ قال: لئلاّ تطَّلع عليه، فأصرّ ابن زياد على الإخبار بما فيه، فأبى قيس، فقال: إن لم تخبرني، فاصعد المنبر وسُبّ الحسين وأباه وأخاه، وإلاّ قطّعتُك إرباً إرباً.

فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبيّ وآله، وأكثر من الترحُّم على أمير المؤمنين والحسن والحسين، ولعن عُبيد الله بن زياد وأباه، وبني أُميّة.

ثُمّ قال: أيّها الناس، أنا رسول الحسين إليكم، وقد خلّفته في موضع كذا، فأجيبوه.

فأمر ابن زياد أن يُرمَى من أعلى القصر، فتكسّرت عظامه ومات(٢) .

ويُقال: أمر ابن زياد أن يُرمى مكتوفاً، فرُمي من أعلى القصر(٣) ، وكان به رَمَق، فقام إليه عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه، فعِيب عليه، قال: أردتُ أن أُريحه(٤) .

____________________

(١)في معجم البلدان: ج٣ ص٤٥١: (خفان: موضع قرب الكوفة، وهو عين عليا قرية لولد عيسى ابن موسى الهاشمي)، وفيه: ج ٧ / ص١٣٥: (القُطْقطانة، بالضمّ ثُمّ السكون: قُرب الكوفة، تبعد عن الرهيمة نيّفاً وعشرين ميلاً).

(٢)تاريخ الطبري: ٦ / ٣٢٤. والبداية: ٨ / ١٦٨. والإرشاد للمفيد. وروضة الواعظين: ص١٥٢. وأعلام الورى: ص١٣٦.

(٣)الإرشاد للمفيد: ج٢ / ص٧١.

(٤)روضة الواعظين. والإرشاد. وفي ميزان الاعتدال: ٢ / ١٥١.

١٥٨

٦ - في زرود:

ونزل الحسين في زرود، ونزل بالقرب منه زهير بن القَين البجلي، وكان غير مُشايع له، ويكره النزول معه، ولكنّ الماء جمعهم في المكان.

روى السدّي، عن رجل من بني فزارة - كان يُرافِق زهيراً (رحمه الله) في السفر الّذي التحق فيه بالحسين - قال:

(كُنّا مع زهير بن القَين البجلي (رحمه الله) حين أقبلنا مكّة نُساير الحسينعليه‌السلام ، فلم يكن شيء أبغض إلينا من أن نُسايره في منزله، فإذا سار الحسينعليه‌السلام تخلّف زهير بن القَين، وإذا نزل الحسين تقدَّم زهير، حتّى نزلنا يومئذ في منزل لم نجد بُدّاً من أن نُنازِله فيه، فنزل الحسينعليه‌السلام في جانب، ونزلنا في جانب، فبينما نحن جلوس نتغذّى من طعام لنا، إذ أقبل رسول الحسينعليه‌السلام حتّى سلّم ثُمّ دخل، فقال:

يا زهير بن القَين، إنّ أبا عبد الله الحسين بن عليعليهما‌السلام بعثني إليك لتأتيه، قال: فطرح كلّ إنسان ما في يده، حتّى كأنّنا على رؤوسنا الطَير.

قال أبو مَخنف: فحدّثتني دلهم بنت عمرو - امرأة زهير بن القَين -، قالت، فقلت له: أيبعث إليك ابن رسول الله ثُمّ لا تأتيه؟! سبحان الله! لو أتيته فسمعت من كلامه ثُمّ انصرفت.

قالت: فأتاه زهير بن القَين، فما لبث أن جاء مُستبشِراً قد أسفر وجهه.

قالت: فأمر بفسطاطه وثِقْله ومتاعه فقَدم [ فقوّض ظ ] وحُمِل إلى الحسينعليه‌السلام ، ثمّ قال لامرأته: أنتِ طالق، الحقي بأهلك، فإنّي لا أُحبّ أن يُصيبك بسببي إلاّ خير)(١) .

وفي رواية الملهوف قال: (قد عزمتُ على صُحبة الحسينعليه‌السلام لأفديه بنفسي،

____________________

(١)تاريخ الطبري: ٧ / ٢٩٠.

١٥٩

وأقيه بروحي، ثُمّ أعطاها مالها، وسلَّمها إلى بعض بني عمِّها ليُوصلها إلى أهلها، فقامت إليه وبكَتْ وودّعته، وقالت: كان الله عوناً ومُعيناً، خارَ الله لك، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسينعليه‌السلام (١) .

قال الطبري: ثُمّ قال لأصحابه: مَن أحبَّ منكم أن يتبعني، وإلاّ فإنّه آخِر العهد، إنّي سأُحدِّثكم حديثاً:

غزونا بَلَنْجَر(٢) ففتحَ الله علينا وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الباهلي - وفي روايات أُخر سلمان الفارسي (رضي الله عنه) -: أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من المغانم؟! فقلنا: نعم، فقال: إذا أدركتم سيّد شباب آل محمّدعليهم‌السلام ، فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معهم بما أصبتم من الغنائم.

فأمّا أنا، فإنّي أستودعكم الله.

قال: ثُمّ والله ما زال في أوّل القوم حتّى قُتل (رضوان الله عليه)(٣) .

____________________

(١)الملهوف: ٦٤.

(٢)بَلَنْجَر: من بلاد التُرك، غزاهم المسلمون وأصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في سنة ٢٢ هـ.

وفي القمقام: (بلنجر - بفتح الموحّدة واللام وسكون النون وجيم مفتوحة وراء -: مدينة ببلاد الخَزَر، خلف باب الأبواب، قالوا: فتحها عبد الرحمان بن ربيعة.

وقال البلاذري: سلمان (أي فتحها سلمان) بن ربيعة الباهلي، وتجاوزها، ولَقِيَه خاقان في جيشه خلف بلنجر، فاستشهد هو وأصحابه، وكانوا أربعة آلاف، وكان في أوّل الأمر قد خافهم التُرك، وقالوا إنّ هؤلاء ملائكة لا يعمل فيهم السلاح، فاتّفق أنّ تركيّاً اختفى في غيضه (يعني بيشه) ورشقَ مسلماً بسَهم فقتله، فنادى في قومه أنّ هؤلاء يموتون كما تموتون فلِمَ تخافونهم، فأجرَوا عليهم وأوقعوهم حتّى استشهد عبد الرحمان بن ربيعة، وأخذ الراية أخوه، ولم يزل يُقاتل حتّى أمكنه دفن أخيه بنواحي (بلنجر)، ورجع ببقيّة المسلمين على طريق جيلان وقُتل سلمان بن ربيعة وأصحابه، وكانوا ينظرون في كلّ ليلة نوراً على مصارعهم، فأخذوا سلمان بن ربيعة وجعلوه في تابوت، فهُم يستسقون به إذا فحطوا (منه).

واحتمل أنّ الكلمة (بالبَحْرِ) وليس (بَلَنْجر)، وقد اخطأ النُسّاخ في كتابة الكلمة.

وقد بدأ المسلمون في ذلك التاريخ بغزوات البحر.

(٣)نفس المهموم للسيّد عبّاس القمّي: ١٨٠ - ١٨٢.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402