في رحاب عاشوراء

في رحاب عاشوراء0%

في رحاب عاشوراء مؤلف:
الناشر: نشر الفقاهة
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 402

في رحاب عاشوراء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد مهدي الآصفي
الناشر: نشر الفقاهة
تصنيف: الصفحات: 402
المشاهدات: 208529
تحميل: 8572

توضيحات:

في رحاب عاشوراء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 402 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 208529 / تحميل: 8572
الحجم الحجم الحجم
في رحاب عاشوراء

في رحاب عاشوراء

مؤلف:
الناشر: نشر الفقاهة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولست أعرف تصويراً للموت أجمل من هذا التصوير، الذي يقدّمه الحسينعليه‌السلام للموت عَشِيّة خروجه إلى العراق.

ثمّ يقولعليه‌السلام : (وما أَولَهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف).

إنّ الموت عند الحسينعليه‌السلام لقاء الله، ولقاء أسلافه الصالحين إبراهيم وموسى وعيسى ورسول الله. وهو يشتاق إلى هذا اللقاء اشتياق يعقوب إلى يوسف. فهو غصن من تلك الشجرة وثمرة طيّبة لها، يحنّ إليها حنين الفرع إلى أصله. فليس بالموت يمكن ردع الحسينعليه‌السلام عن رسالته وقضيّته.

وهذه رسالة الحسينعليه‌السلام إلى طاغية عصره وإلى أنصاره معاً.

ثمّ يقولعليه‌السلام : (لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت). وهي صورة أخرى لنفس المشهد ولكن بلَون آخَر... فقد كان المشهد السابق مشهد الشوق والوَلَه إلى لقاء الله ولقاء أحبّائه، وهذا مشهد التسليم والرضا لأمر الله.

وهو نفس المشهد، ولكن بصيغة أخرى: وسواء عرَض الإمام هذه العاقبة من خلال الاشتياق والوَله أو من خلال التسليم والرضا، فالرسالة واحدة والنتيجة واحدة. ثمّ يقولعليه‌السلام : (لن تشذّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لُحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القُدس).

إنّه مِن لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ودمه، وبَضعةٌ من رسول الله، من جسمه وروحه، ووعْيه، وهُداه، وبصيرته، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الخير والهدى كلّه، وما تفرّق مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجتمع له في حظيرة القدس، ولا تشذّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحمة ولا بَضعة له.

ومَن أراد أن يجتمع برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مع الصدّيقين والصالحين في حظيرة القدس، فعَلَيه أن يلتحق بالحسينعليه‌السلام . ومَن شذّ عنهعليه‌السلام شذّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . ثمّ يختمعليه‌السلام كلامه بهذا الخطاب: (ألا ومَن كان باذلاً فينا مهجته، موطّناً على لقاء الله

٢٠١

نفسه فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله).

إنّ السبط الشهيد يسعى إلى لقاء الله، ويطلب من الناس مُهَجَهم، ويدعو الناس إلى أن ينتزعوا حبّ الدنيا من قلوبهم، ويوطّنوا أنفسهم للقاء الله.

وهو خطاب عجيب. قلّما نعهد نظيراً له في خطابات القادة السياسيين والعسكريين إذا دعوا الناس للقتال.

فهوعليه‌السلام لا يُمنّيهم بمالٍ ولا سلطان، إنّما يمنّيهم بلقاء الله، ويطلب منهم أن يوَطّنوا أنفسهم للقاء الله، ولا يرضى منهم بغير (مُهَجِهم).

ثمّ يقول لهم إنّه يتقدّمهم في هذه الرحلة: (فإنّي راحل مصبحاً غداً إن شاء الله)، ولست أدري ماذا تستبطن هذه الجملة القصيرة (فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله) من العزم، والإرادة، والقوّة، والبصيرة، والهدى، والتسليم لمشيئة الله وإرادته.

وقد شاء الله تعالى أن يكون هذا العزم والإرادة والبصيرة والتسليم مبدأ لبركات كثيرة في تاريخ الإسلام.

* * *

وفي منزل البيضة خطب الحسينعليه‌السلام في أصحاب الحرّ فقال: أيّها الناس إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (مَن رأى سلطاناً جائراً، ناكثاً عهده مخالفاً لسُنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفِعلٍ ولا قول، كان حقّاً على الله أن يُدخله مدخله).

وهذا الحديث الذي يرويه السبط الشهيد عن جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهجاً في العمل السياسي والحركي للمسلمين، يختلف عن المنهج الذي تبنّاه بنو أُمية في عصرهم، ويلخّصه أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمَر بن الخطّاب في كلمته المعروفة (نحن مع مَن غلَب).

وقد عمل بنو أُمية على إشاعة هذا المنهج السياسي بين المسلمين، واختلقوا

٢٠٢

في ذلك الأحاديث، وبشّروا به مِن على المنابر؛ لإجهاض كلّ معارضة سياسية وحرَكية في وجوههم، ولإسباغ الشرعية على حُكمهم.

فمِن هذه الأحاديث....

روى الحجاج قال: قال لي أبو هريرة:

ممّن أنت؟ قلت: مِن أهل العراق. قال: يوشك أن يأتيك رجال من أهل الشام، فيأخذوا صدقتك. فإذا أتَوك فتلَقّهم بها، فإذا دخلوها، فكن في أقاصيها، وخلَِّ عنهم وعنها، وإيّاك وأن تسبّهم فإنّك إن سببْتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك، وإن صبرت جاءت في ميزانك يوم القيامة(1) .

وعن زيد بن وهب قال سمعت عبد الله قال: قال لنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّكم سترَون بعدي إثرة وأموراً تُنكرونها.

قالوا: فماذا تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدّوا إليهم حقّهم، وسلوا الله حقّكم(2) .

وعن جنادة بن أُمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت، وهو مريض، فقلنا: (أصلحك الله حدّثنا بحديث ينفعك الله به، سمعته من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: دعانا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعُسرنا ويُسرنا وإثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم مِن الله فيه برهان)(3) .

وهذا أقصى ما يطلبه الحكّام الظلمة من الناس، وفي كتُب الحديث، الكثير من هذه الروايات التي يأباها القرآن ويرفضها الإسلام.

____________________

(1)الشعر والشعراء / لابن قتيبة / ص572.

(2)صحيح البخاري 4 / 181 (كتاب الفتن) ط مصر 1286هـ.

(3)صحيح البخاري 4 / 181 (كتاب الفتن) ط مصر 1286 هـ.

٢٠٣

ونحن من دون أن نناقش هذه الأحاديث مناقشة سنَدية، نقطع بأنّها منحلّة موضوعة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونتّهم في ذلك بني أُمية أوّلاً. وقد خفيَ أمْر ذلك على كبار المحدّثين، الذين روَوا هذه الأحاديث وأكثروا من روايتها.

ودليلنا على ذلك هو القرآن.

ونعتقد أنّ المنهج العِلمي الصحيح في نقد الرواية هو عرْض الرواية على القرآن.

والنقد مِن حيث السنَد يأتي بعد العرْض على القرآن، فما خالف القرآن نرفضه ونردّه، صحّ سنده أمْ لم يصحّ. هذا هو منهج أهل البيتعليهم‌السلام في نقد الرواية.

ولذلك فنحن لا نطيل الوقوف عند مناقشة هذه الروايات ونقْدها من حيث السنَد، فالأمر عندنا أوضح مِن ذلك. ودليلنا على ذلك آيات محكَمات من كتاب الله تنهى عن الركون إلى الظالمين وعن طاعة المسرفين.

وإليك إضمامة من آيات كتاب الله:

يقول تعالى:( وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسّكُمْ النّارُ ) (1) .

ويقول تعالى:( وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ ) (2) .

ويقول تعالى:( وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) (3) .

ويقول تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ

____________________

(1)هود / 113.

(2)الشعراء / 151 - 152.

(3)الكهف / 28.

٢٠٤

مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُروا بِهِ وَيُرِيدُ الشّيْطَانُ أَن يُضِلّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً ) (1) .

وينهض أبو عبد الله سيد الشهداء يومئذٍ؛ لإزالة هذا اللبس عن سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيعلن في الناس، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (مَن رأى سلطاناً جائراً... فلم يُغيّر عليه بفِعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله).

وهي مسؤولية شاقّة وصعبة، وانطلاقاً من هذه المسؤولية خرج الحسينعليه‌السلام على طاغية عصره.

فإذا ابتلى الله تعالى المسلمين بسلطان جائر... فلا يسع المسلمين جميعاً إلاّ أن ينهضوا لتغييره، بفعل أو قول، ومَن يركن إلى الظالم ويسكت عنه (كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله)...

وهي كلمة عجيبة، تستوقف الإنسان طويلاً، وتُشعر الإنسان بثقل المسؤولية الصعبة في ظروف الظلم والاستبداد السياسي. فلا يكفي ألاّ يركن الإنسان إلى الظالم ولا يتعاون معه، ولا يسنده حتّى لا يدخل مدخله في النار، وإنّما يجب عليه أن يسعى إلى تغييره بفعل أو قول، فإن لم يفعل كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله.

ثمّ يقولعليه‌السلام : (وأنا أحقّ مَن غيّر)، ومَن أَولى مِن ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينهض بالتغيير ويقود حركة التغيير ويدعو إلى التغيير.

وهوعليه‌السلام في هذه الرحلة قائد وقدوة، قائد يقود حركة التغيير ويدعو إلى التغيير (وأنا أحقّ مَن غيّر).

و (قدوة)، يتقدّمهم في كلّ محنة وعذاب، ويكون نصيبه منه الأوفى. يقولعليه‌السلام : (فإن تممتُم على بيعتكم تصيبوا رُشدكم. فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله. نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، ولكم فيّ أسوة).

____________________

(1)النساء / 60.

٢٠٥

ثمّ يقول: (وإن لم تفعلوا ونقضتُم بيعتي.... فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، ومَن نكث فإنّما ينكُث على نفسه).

إنّ آل أبي سفيان أعداء الناس، وقد تمكّنوا من رقاب الناس، وأفسدوا أخلاق الناس ودينهم وقيَمهم وأذلّوهم... والحسينعليه‌السلام يخرج ليقود حركة التغيير، وإن نقضوا عهدهم، فلم يضرّوا إلاّ أنفسهم، وأمكنوا آل أبي سفيان مِن رقابهم، ووطّئوا أنفسهم لظلم آل أبي سفيان واستكبارهم، وأورَثوا أبناءهم ذُلاًّ، ومَن نكث فإنّما ينكُث على نفسه.

٢٠٦

الولاء والبراءة في مرآة عاشوراء

* توحيد الولاء

* البراءة والمفاصلة

* التحدّي والصراع

* عاشوراء يوم الفرقان

* البراءة

* انتصار الثورة الإسلامية منطلق

ثوري، وقِيمة حضارية

٢٠٧

٢٠٨

الولاء والبراءة في مرآة عاشوراء

لـ (عاشوراء) علاقة وثيقة بـ (الولاء) و (البراءة).

فهي حركة سياسية كبرى في هذه الأُمّة في مواجهة الطاغوت نهض بها ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولهذه الحركة عُمق وامتداد. عُمْقٌ في حركة الأنبياءعليهم‌السلام في مواجهة طُغاة عصرهم، وامتداد في مواجهة الصالحين مِن هذه الأمّة ضدّ أئمّة الكفر.

وهذه الحركة بما لَها مِن عُمق وامتداد محفوفة بـ (الولاء) و (البراءة).

وفيما يلي توضيح لعلاقة (عاشوراء) بـ (الولاء والبراءة).

توحيد الولاء:

قبل أن ندخل في تفاصيل الكلام عن الولاء والبراءة، نقول: إنّ الولاء مِن مقولة التوحيد دائماً، فلا يقبل الولاء الشِرك مطلقاً، وتوحيد الولاء من أهمّ مقولات التوحيد.

وليس من الممكن أن يجمع الإنسان إلى ولاء الله ولاءً آخَر، مهما كان ذلك الولاء...

وأيّ ولاء آخَر غير ولاء الله، فهو لا محالة يقع في مقابل ولاء الله.

وإنّ أكثر مصاديق الشِرك الذي كان يحاربه الأنبياءعليهم‌السلام ، وينقله

٢٠٩

القرآن الكريم، هو مِن شِرك الولاء، وليس من الشِرك بالخالق.

فقليل من الناس الذين يُشركون بالخالق، ويعتقدون بوجود إله خالق غير الله لهذا الكون... ولكن الكثير من الناس مَن يُشرك بالله في الولاء، ويُشرك غير الله تعالى مع الله في ولائه، ويوزّع ولاءه وطاعتهُ لله تعالى ولغير الله معاً، ويعطي للطاغوت حظّاً من وَلائه. وصراع التوحيد والشِرك في حياة الأنبياء، في هذا الأمر بالذات في أغلب الحالات.

وهذا الصراع في جوهره صراع عقائدي حضاري.

والبشرية تنشطر شطْرَين حَول هذه المسألة:

ـ شطْر يوحّد الله بالولاء والطاعة، ولا يقبل لله تعالى شريكاً في الولاية و الحاكمية.

ـ وشطْر آخَر يتّخذ في الحياة محاور أخرى للولاية، وينقاد لها...

وقد يكون الولاء للهوى، وقد يكون الولاء للطاغوت... ولا يختلف الأمر كثيراً.

والصراع بين هذين الشطرَين في حياة البشرية يعتبر كبرى قضايا الإنسان، وأهمّ الأحداث التي عاشتها البشرية على وجه الأرض في التاريخ.

عناصر الولاء:

الولاء: هو الارتباط بالله سبحانه وتعالى، وأهمّ عناصر الولاء هو:

أوّلاً: في الطاعة والانقياد والتسليم.

( إِنّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنَا ) (1) .

____________________

(1)النور / 51.

٢١٠

( وَإِن تُطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُم مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (1) .

( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) (2) .

( قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ ) (3) .

( وَأَطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (4) .

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (5) .

( قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ ) (6) .

وكما إنّ الولاء لله يتطلّب الطاعة لله وللرسول والانقياد والتسليم... كذلك يتطلّب رفْض الطاعة لغير الله.

( فَاتّقُوا اللّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ) (7) .

ثانياً: الحبّ والإخلاص لله سبحانه وتعالى.

( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبّ إِلَيْكُم مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبّصُوا حَتّى‏ يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) (8) .

( وَمِنَ النّاسِ مَن يَتّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْدَاداً يُحِبّونَهُمْ كَحُبّ اللّهِ وَالّذِينَ آمَنُوا

____________________

(1)الحجرات / 14.

(2)النساء / 13.

(3)آل عمران / 32.

(4)آل عمران / 132.

(5)النساء / 59.

(6)النور / 54.

(7)الشعراء / 150 و151.

(8)التوبة / 24.

٢١١

أَشَدّ حُبّاً للّهِ ) ‏ِ (1) .

ثالثاً: النُصرة لله ولرسوله وللمؤمنين.

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ ) (2) .

( وَلَيَنصُرَنّ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِيٌ عَزِيزٌ ) (3) .

قِيمة الولاية:

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: (بُنيَ الإسلام على خمسٍ على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء، كما نوديَ بالولاية)(4) .

وعن عجلان أبي صالح قال: (قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أَوقِفْني على حدود الإيمان. فقال: بشهادة أن لا إله إلاّ الله، وأن محمّداً رسول الله، والإقرار بما جاء مِن عند الله، وصلاة الخَمس، وأداء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحجّ البيت، وولاية وليّنا، وعداوة عدوّنا، والدخول مع الصادقين) (5).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: (بُنيَ الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية).

قال زرارة (راوي الحديث): فقلت: وأيّ شيء مِن ذلك أفضل؟ قال: الولاية أفضل؛ لأنّها مفتاحُهنَّ، والوالي هو الدليل عليهنّ... ثمّ قال: ذروَة الأمر، وسنامه ومفتاحه، وباب الأشياء، ورضى الرحمن، الطاعة للإمام بعد معرفته.

____________________

(1)البقرة / 165.

(2)محمّد / 7.

(3)الحج / 40.

(4)أصول الكافي 2 / 18.

(5)نفس المصدر السابق.

٢١٢

إنّ الله عزّ وجلّ يقول:( مَن يُطِعِ الرّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلّى‏ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) (1) .

أما لو أنّ رجُلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدّق بجميع مالِه، وحجّ بجميع دهره، ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله حقّ في ثوابه ولا كان مِن أهل الإيمان. ثمّ قال: (أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنّة بفضل رحمته)(2) .

وهذا الحديث يوقِف الإنسان للتأمّل طويلاً، فمَن قام ليله وصام نهاره... ولم يعرف وليّ الله لم يكن له على الله حقّ في ثواب، ولا كان من أهل الإيمان.

الولاية ومسألة الحاكمية والسيادة:

ولا تتمّ الولاية، من دون ممارسة فِعلية للحاكمية والسيادة في حياة الناس.

فإنّ الإسلام شريعة قائدة في حياة الإنسان يتولّى تنظيم وإدارة المجتمع، وتوجيه المجتمع الإسلامي باتّجاه تحقيق أهداف الدعوة وغاياتها، ولا يمكن أن يتحقّق شيء من ذلك دون وجود ممارسة فِعلية للقيادة والحاكمية في المجتمع الإسلامي.

وهذه القيادة و الحاكمية هي التي يسمّيها القرآن الكريم بـ (الإمامة).

وهي شيء آخَر غير الجانب التشريعي من هذا الدِين، فإنّ الطاعة فيما يبّلغ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من أحكام وتشريعات، إنّما هي طاعة لله تعالى، وليس للأنبياء في ذلك دَور غير التبليغ والتوجيه.

____________________

(1)آل عمران: 79.

(2)أصول الكافي: ج2 ص18، وبحار الأنوار 68: 332 - 333.

٢١٣

والقرآن يصرّح بوجوب طاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وطاعة أُولي الأمر من بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في امتداد طاعة الله ومِن بعد طاعة الله.

( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) .

وهذه الطاعة ليست هي طاعة الله في امتثال أحكامه، والالتزام بالحلال والحرام؛ وإلاّ لم يكن شيئاً آخَر غير طاعة الله.. ولم يكن معنى لطاعة الرسول وأُولي الأمر، بعد طاعة الله تعالى وفي امتداده.

فهي طاعة أخرى إذن غير طاعة الله، وإن كانت في امتدادها... تأتي في مساحة الفراغ التي تتركها الشريعة لأولياء أمور المسلمين، وتتطلّبه مصلحة الأمّة والإسلام، ممّا لا يمكن ضبطها في الشريعة بأحكام ثابتة؛ ولأجْل أن يمارس هذا الدِين دَوره في حياة الإنسان، لابدّ مِن وجود ممارسة فِعلية لهذه القيادة و الحاكمية في حياة الناس.

البراءة والمفاصلة:

إنّ طبيعة هذا الدِين طبيعة حرَكية جهادية؛ ذلك أنَّ مهمّة هذا الدِين إبلاغ رسالة التوحيد إلى البشرية جميعاً، وتحرير الإنسان من الطاغوت، وتعبيده لله تعالى. وتقرير إلوهية الله في حياة الناس. وهذا كلّه ممّا يغيظ الكفر، ويصادر نفوذهم وسلطانهم، ويدفعهم إلى عرقلة مسيرة هذا الدين وتطويقه وإعاقة حركته...

ولكي تستطيع هذه الأمّة أن تحتفظ بأصالتها في هذا الصراع الحضاري، وبموقعها الحضاري على وجه الأرض في الدعوة إلى الله، لابدّ لها من أن تقاوم كيد أئمّة الكفر ومكرهم، وتدخل معهم في مواجهة حقيقية أوّلاً، وتُعلن المفاصلة عنهم ثانياً. والأوّل (الجهاد)، والثاني (البراءة).

وهذه المفاصلة هي التي يقول تعالى عنها:( بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الّذِينَ

٢١٤

عَاهَدْتُم مِنَ الْمُشْرِكِينَ... وَأَذَانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجّ الأَكْبَرِ أَنّ اللّهَ بَرِي‏ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ) (1) .

المواصلة والمفاصلة في المجتمع الإسلامي:

إنّ طبيعة هذا الدِين الحرَكية ورسالته تتطلّبان مِن الأمّة حالتين في الداخل والخارج:

التماسك والترابط في الداخل،( الّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (2) .

( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ ) (3) .

حتّى كأنَّ الأمّة جسم واحد متضامن الأعضاء والأطراف.

(مثَل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى)(4) .

(المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدُّ بعضه بعضاً)(5) .

(تواصلوا وتبارّوا وتراحموا وكونوا إخْوة بَرَرة، كما أمركم الله)(6) .

هذا فيما يتعلّق بالعلاقة بين أطراف هذه الأمّة من الداخل، وأمّا العلاقة مع الخارج، مع أعداء الله ورسوله وأئمّة الكفر وقادة الاستكبار، فهي المفاصلة

____________________

(1)التوبة / 1 و3.

(2)الأنفال / 72.

(3)التوبة / 71.

(4)رواهما عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مسلم في صحيحه 8 / 4، دار الفكر.

(5)رواهما عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مسلم في صحيحه 8 / 4، دار الفكر.

(6)بحار الأنوار 74 / 399.

٢١٥

والبراءة. وتحريم موالاتهم ومودّتهم والتحبّب إليهم.

( لاَ يَتّخِدِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) .

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) (2) .

( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنّصَارَى‏ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلّهُم مِنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ ) (3) .

( لاَ تَتّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ ) (4) .

وهاتان الحالتان: الترابط والتماسك من الداخل والمفاصلة من الخارج، يتطلّبان وجود قيادة مركزية، تربط هذه الأمّة بعضها ببعض في كُتلة متراصّة واحدة من الداخل، وتفصلها عن أعدائها الذين يريدون بها سوءاً من الخارج(5) .

ثمّ تُوَجّه هذه الكُتلة المجتمعة باتّجاه تحقيق الأهداف الكبرى لهذه الدعوة على وجه الأرض.

وهذه القيادة المركزية التي تمتلك من الأمّة الطاعة والنصرة والحبّ (العناصر الثلاثة للولاء)... هي التي يصطلح عليها القرآن الكريم باسْم (الوليّ) أو (الإمام).

وولايته على الأمّة امتداد لولاية الله ورسوله، وطاعته ونصرته وحبّه امتداد لِما يجب على المؤمنين مِن الطاعة والحبّ والنصرة لله تعالى، وليس محوَراً آخَر في عرْض هذا المحوَر.

____________________

(1)آل عمران / 28.

(2)النساء / 144.

(3)المائدة / 51.

(4)التوبة / 23.

(5)راجع البحث القيّم الذي كتَبه سماحة آية الله السيد عليّ الخامنئي وليّ أ مر المسلمين حفظه الله. بعنوان (الولاية).

٢١٦

التوحيد والشِرك في الولاء:

ذلك أنّ الولاء من مقولة التوحيد، ولا ولاية لأحد إلاّ في امتداد ولاية الله وبأمْرٍ وإذنٍ مِن الله.

والولاء لله إمّا أن يكون أو لا يكون... فإذا كان فلابدّ أن يكون بوجْهَيه الإيجابي والسلبي، ولا تقلّ قِيمة الوجه السلبي عن الوجه الإيجابي... والوجه السلبي هنا رفْض الولاء لغير الله... ولا يتمّ الولاء لله تعالى إلاّ برفض أيّ ولاء آخَر من دون إذن الله.

وقبول أيّ ولاء بغير إذن الله يعني الشِرك بالله العظيم، وأكثر مصاديق الشِرك في القرآن ليس هو الشِرك بالخالق، وإنّما هو الشِرك في الولاء.

تأمّلوا في قوله تعالى:

( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مَتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً... ) (1) .

يضرب الله لنا مثلاً في التوحيد والشِرك برجُلين: رجُل يتنازعه شركاء متشاكسون، كلٌّ له ولاية وسلطان عليه، وهُم فيما بينهم متشاكسون مختلفون، وهو موزّع بين هؤلاء الشركاء المشاكسين. ورجلٌ قد أسلَم أمره إلى رجُل واحد آخَر (ورجُلاً سَلماً لرجُل) يطيعه في كلّ شيء، وينقاد له، ويتقبّل ولايته و حاكميته.

كذلك التوحيد والشِرك، فالموحّدون من الناس كالرجُل الذي أسلم أمره لرجُل آخَر في راحةٍ مِن أمْره. والمشركون مِن الناس كالذي يتنازعه شركاء

____________________

(1)الزمر / 29.

٢١٧

متشاكسون... وواضح مِن هذا المثال أنّ المقصود بالشِرك والتوحيد، الشِرك في الولاء، والتوحيد في الولاء.

يقول القرآن عن لسان يوسفعليه‌السلام :

( يَا صَاحِبَيِ السّجْنِ أَأَرْبَابٌ مّتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ ) (1).

إنّ صاحبَي يوسفعليه‌السلام لم يكونوا يُنكرون الله الواحد القهّار، وإنّما كانوا يُشركون أرباباً متفرّقين مع الله في الولاية و الحاكمية، فيُنكر عليهم يوسفعليه‌السلام ذلك؛ لأنّهم لم يُسلموا أمْرهم كلّه لله الواحد القهار.

يقول أمير المؤمنينعليه‌السلام في أسباب البِعثة: (بعَث الله محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ليُخرج عباده من عبادة عِباده، إلى عبادته، ومِن عهود عِباده إلى عهده، ومن طاعة عِباده إلى طاعته، ومن ولاية عباده إلى ولايته)(2) .

فالولاية إذن لله سبحانه وتعالى، وتمتدُّ الولاية الإلهية إلى مَن يشاء ومَن يرتضي مِن عِباده، فلن تكون ولاية في قِبال ولاية الله، ولن تكون ولاية بغير إذن الله.

مصدر الحاكمية في حياة الإنسان هو الله:

ويجب أن نقف عند هذه النقطة قليلاً، فإنّ الولاية المشروعة في حياة الأمّة لمّا كانت امتداداً لولاية الله، لابدّ أن تكون الولاية بإذن الله وأمْره، وما لم يأذن الله لأحد بأن يلي أمْر عباده، لن يكون له الحقّ في أن يتولّى شيئاً مِن أمور الأُمّة.

وبمراجعة القرآن الكريم نجد هذه الحقيقة واضحة، فيما يحكي الله تعالى لنا

____________________

(1)يوسف / 39.

(2)الوافي 3 / 22.

٢١٨

مِن تنصيب عِبادٍ له؛ ليكونوا أولياء وأئمّة على الناس، ولا تتمّ لهم إمامة وولاية على الناس، لولا أنّ الله تعالى قد خصّهم بذلك، وأناط إليهم هذا الأمر. ففي قضية إبراهيم يقول تعالى:

( قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (1) .

والإمامة هنا بمعنى الولاية... وقد جعل الله تعالى إبراهيمعليه‌السلام إماماً بعد أن كان نبيّاً.

وفي قصّة داودعليه‌السلام يقول تعالى:

( يَا دَاوُدُ إِنّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقّ ) (2) .

والخلافة هنا بقرينة (فاحكم بين الناس بالحقّ) هي الولاية و الحاكمية.

ويقول تعالى في ذرّية إبراهيم لمّا نجّاه الله تعالى مِن القوم الظالمين:

( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (3) .

ولسنا نريد أن نُسْهب هنا في هذا القول، فله مجاله الخاصّ به في البحث، وإنّما نريد أن نشير إشارة سريعة فقط إلى أنّ مصدر الحاكمية والسلطان في حياة الإنسان هو الله تعالى، وليست الأمّة كما تُفسّر ذلك النُظُم والاتّجاهات الديمقراطية... فليس لأحد من دون إرادة الله أن يتولّى أمراً من أمور المسلمين.

والله عزّ وجلّ هو مصدر السلطة و الحاكمية في حياة الناس، ولا يقتصر أمر

____________________

(1)البقرة / 124.

(2)ص / 26.

(3)الأنبياء / 72 و73.

٢١٩

ولاية الله في حياة الناس على نفوذ الأحكام الشرعية المحدّدة مِن قِبَل الله في عباده، وإنّما تشمل الممارسة الفعلية للحاكمية، والأمر والنهي في حياة الإنسان من خلال الذين اتّخذهم الله أولياء وجعَلَهم أئمّة وخلفاء على الناس.

التحدّي والصراع:

وهذه الحقيقة تُقرِّر حتميّة الصراع بين محورَي الولاية والطاغوت بشكلٍ دائم في تاريخ الإنسان.

إنّ هذين المحورَين يعملان باتّجاهين متعاكسين في حياة الإنسان، وكلّ منهما يعمل لاستقطاب ولاء الناس، وقطع الإنسان من المحوَر الآخَر.

إنّ مهمّة هذا الدِين ورسالته هي استقطاب ولاء الناس لله تعالى، وإنقاذ الناس من التشتّت والتَيْه والضياع والاختلاف، وتحرير الإنسان من عبودية الطاغوت والهوى، وإزالة العقَبات من أمام طريق الإنسان إلى الله تعالى. وربط الإنسان بالله وتعبيده لله تعالى، وإخراجه من الظلمات إلى النور.

وفي قِبال هذا المحور الربّاني، يعمل الطاغوت على استقطاب ولاء الناس، ووضع الحواجز والعقبات في طريق الناس إلى الله تعالى، واستعباد الإنسان وإخراجه من النور إلى الظلمات.

وإلى هذا الصراع بين المحورَين، تشير الآية الكريمة:

( اللّهُ وَلِيّ الّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ وَالّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النّورِ إِلَى الظّلُمَاتِ أُولئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (1) .

____________________

(1) البقرة / 257.

٢٢٠