المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية15%

المذاهب الإسلامية مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 377

المذاهب الإسلامية
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 204878 / تحميل: 8765
الحجم الحجم الحجم
المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

كما كانت أواصر الحبّ والودّ تجمعه بالإمام الصادق (عليه السّلام)، فلمّا بلغ نعيه إلى المدينة أخذ الناس يفدون إلى الإمام ويعزّونه. (١)

كما أخذ عن: أبان بن عثمان بن عفّان، وعبيد الله بن أبي رافع، وعروة بن الزبير.

وأمّا تلامذته، فقد روى عنه: الأجلح بن عبد الله الكندي، وآدم بن عبد الله الخثعمي، وإسحاق بن سالم، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وبسّام الصيرفي، وأبو حمزة ثابت بن أبي صفيّة الثمالي، وابنه حسين بن زيد بن عليّ، وخالد بن صفوان، وغيرهم.

آثاره العلمية:

كان وليد البيت العلويّ، مفسّراً للقرآن، عارفاً بالسنّة، ترك آثاراً علميّة؛ إمّا أملاها على تلاميذه، أو حررّها بقلمه ويراعه، ونأتي في المقام بما وقفنا عليه من الآثار:

١ - المجموع الفقهي.

٢ - المجموع الحديثي.

٣ - تفسير غريب القرآن.

٤ - الصفوة، وهي دراسة قرآنيّة هادئة تتبنّى بيان فضائل أهل البيت (عليهم السّلام) وتقديمهم على سائر الناس في مختلف المجالات.

٥ - رسالته إلى علماء الأُمّة، وهي رسالة بعثها الإمام الثائر إلى علماء

____________________

(١) الأغاني: ٧/٢٥١.

٢٢١

الأُمّة مبيّناً فيها تفاصيل دعوته وبيان أهدافه الّتي خرج مجاهداً من أجلها.

٦ - منسك الحجّ أو مناسك الحجّ، وهي رسالة في بيان أعمال الحجّ ومناسكه.

كلماته وخطبه:

كان زيد الشهيد فصيحاً، بليغاً، يأخذ بجوامع الكلم ويستعملها في موارده، وقد اعترف به الصديق والعدو، وقد كتب هشام بن عبد الملك إلى يوسف بن عمر: أشخص زيداً إلى المدينة، فإنّي أخاف أن يُخرجه أهل الكوفة؛ لأنّه حلو الكلام، شديد البيان، خليق بتمويه الكلام. (١)

وإليك نزراً يسيراً من خطبه وكلماته:

١ - روى أبو المؤيّد موفق بن أحمد المدعو بـ (أخطب خوارزم): قيل لزيد بن عليّ: الصمت خير أم الكلام؟، فقال: قبَّح الله المساكتة، ما أفسدها للبيان، وأجلبها للعيّ والحصر، والله للمماراة أسرع في هدم الفتن من النار في يبس العرفج، ومن السيل إلى الحدور. (٢)

٢ - ومن كلامه المعروف ما قاله لهشام: لم يكره قوم قط حدّ السيف إلاّ ذلّوا. (٣)

٣ - وروى ابن عساكر، أنّه قال: والله ما كره قوم الجهاد في سبيل الله إلاّ ضربهم الله تعالى بالذُّل. (٤)

____________________

(١) تذكرة الخواص: ٣٠٠، تاريخ اليعقوبي: ٢/٣٢٥.

(٢) أعيان الشيعة: ٧/١٢٣.

(٣) إرشاد المفيد: ٢٦٩.

(٤) مختصر تاريخ دمشق: ٩/١٥١.

٢٢٢

٤ - وقال لهشام أيضاً: إنّه ليس أحد يكبر عن تقوى الله، ولا يصغر دون تقوى الله. (١)

إلى غير ذلك من الكلمات.

هل دعا زيد إلى نفسه؟

هذا هو بيت القصيد في حياة زيد، فالزيديّة عامّة على أنّ زيداً دعا إلى إمامة نفسه، وأمّا الإماميّة فيعتقدون أنّه دعا إلى الرضا من العترة؛ فقد كان هو بصدد تمهيد السبيل للإمام المفترض الطاعة من بيت النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

نعم، تضافرت الروايات على بيعة جماعة كثيرة معه، لكن بايعوه على الجهاد في سبيل الله تحت إمرته، لا على الإمامة بعد الظفر.

نعم، زعمت الزيديّة أنّه ادّعى الإمامة لنفسه، وكان الجهاد وسيلة لنيل ذلك الهدف، لكن كلمات زيد تخلو من أيّة إشارة إلى ذلك، بل كلّها تُعرب عن دعم الموقف الأوّل، وأنّه قام للرضا من آل محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

كلمات لزيد تعرب عن موقفه:

١ - الحمد لله الّذي أكمل لي ديني بعد أن كنت استحيي من رسول الله؛ أن أرِدَ عليه ولم آمر أُمّته بمعروف ولم أنه عن منكر. (٢)

____________________

(١) مروج الذهب: ٣/٢٠٦.

(٢) الروض النضير: ١/١٠٢.

٢٢٣

٢ - واعلموا أنّه ما ترك قوم الجهاد قط إلاّ حُقّروا وذلّوا. (١)

٣ - أيّها الناس، أعينوني على أنباط الشام، فو الله لا يعينني عليهم منكم أحد إلاّ رجوت أن يأتيني يوم القيامة آمنا. (٢)

ولأجل ذلك تضافرت الروايات من طرقنا على أنّ زيداً ما دعا إلى نفسه، وإنّما دعا إلى الرضا من آل محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وأنّه لو ظفر لوفى، ومعنى هذه الروايات أنّه كان يمهّد الطريق لولاية الإمام المنصوص عليه في كلام النبيّ والأئمّة الصادقين.

١ - قال الصادق (عليه السّلام): « إنّ زيداً كان مؤمناً وكان عارفاً وكان صدوقاً، أمَا لو ظفر لوفى، أمَا إنّه لو ملك عرف كيف يضعها». (٣)

٢ - وقال (عليه السّلام): « إنّ زيداً كان عالماً وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، وإنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمّد، ولو ظفر لوفى بما دعاكم إليه، وإنّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه». (٤)

ثُمَّ هاهنا نكتة جديرة بالإشارة؛ وهي أن زيداً قام موطّناً نفسه على الشهادة، ومستميتاً، متيقّناً بأنّه سوف يُقتل ويُستشهّد، وقد سمع من أبيه وأخيه وابن أخيه أنّه سوف يُقتل ويُصلب في الكناسة، وأنّه لم يكن شاكّاً ولا متردّداً في هذا الأمر، ومن كان هذا مآله ومستقبله فهل يمكن أن يدّعي الإمامة بالمعنى المعروف بين

____________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) المصدر نفسه: ١/١٢٧ - ١٢٨.

(٣) الكافي: الروضة: الحديث ٣٨١.

(٤) رجال الكشّي: ٢٤٢ برقم ١٤٤.

٢٢٤

المتكلّمين؟؛ أي قيادة الأُمّة في جوانب شتى إلى الصلاح والفلاح، فإنّ القيام بهذا الواجب فرع الحياة، وهو كان على الطرف الخلاف من هذا، فلم يبق إلاّ أن يكون أميراً في الجهاد قائداً في النضال، وإن قصُرت حياته وقلّ بقاؤه.

اعترافه بإمامة الإمام الصادق (عليه السّلام):

١ - إنّ زيداً كان معترِفاً بإمامة ابن أخيه جعفر الصادق (عليه السّلام) بلا كلام، وكان يقول: من أراد الجهاد فإليّ، ومن أراد العلم فإلى ابن أخي جعفر. (١)

٢ - روى الصدوق في (الأمالي)، عن عمرو بن خالد: قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: في كلّ زمان رجل منّا أهل البيت يحتجّ الله به على خلقه، حجّة زماننا ابن أخي جعفر بن محمّد، لا يضِلّ من تبعه، ولا يهتدي من خالفه. (٢)

٣ - روى محمد بن مسلم: دخلت على زيد بن علي وقلت: إنّ قوماً يزعمون أنّك صاحب هذا الأمر، قال: لا، ولكنّي من العترة، قلت: فلمن يكون هذا الأمر بعدكم؟، قال: سبعة من الخلفاء؛ المهديّ منهم.

قال محمّد بن مسلم: دخلت على الباقر محمّد بن عليّ (عليه السّلام) فأخبرته بذلك، فقال: « صدق أخي زيد، سبيل هذا الأمر بعدي سبعة من الأوصياء، والمهديّ منهم»، ثُمَّ بكى (عليه السّلام) وقال: « وكأنّي به وقد صُلب في الكناسة. يابن مسلم حدّثني أبي، عن أبيه الحسين، قال: وضع رسول الله يده على كتفي، قال: ياحسين،

____________________

(١) كفاية الأثر: ٣٠٢.

(٢) أمالي الصدوق: ٥٤٢، بحار الأنوار: ٤٦/١٧٣.

٢٢٥

يخرج من صلبك رجل يقال له زيد، يُقتل مظلوماً، إذا كان يوم القيامة حُشر أصحابه إلى الجنة». (١)

هذا هو زيد الشهيد، وهذا علمه، وفقهه، ومشايخه، وتلامذته، وهذه خطبه، وكلماته الّتي تُعرب عن مواقفه في الجهاد والنضال واعترافه بإمامة الصادق (عليه السّلام).

موقف أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) من خروج زيد:

إنّ موقف أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) من خروج زيد كان إيجابياً، وكانوا يرون أنّ خروجه وجهاده جاء وفقاً للكتاب والسنّة، بمعنى أنّ الخروج حينذاك لم يكن تكليفاً إلزاميّاً على الإمام ولا على غيره، ولكنّه لو خرج مسلم لإزالة الطغاة عن منصّة الحكم، وتقويض الظلم والفساد، من دون أن يدعو إلى نفسه، كان على المسلمين عونه ونصرته، وإجابة دعوته.

وكان خروج زيد على هذا الخطّ الّذي رسمناه، وهذا ما يُستفاد من الروايات المستفيضة، وإليك بعضها:

١ - لمّا بلغ قتل زيد إلى الإمام الصادق (عليه السّلام) قال: « إنّا لله وإنّا إليه راجعون، عند الله أحتسب عمّي، إنّه كان نِعم العمّ. إنّ عمّي كان رجلاً لدنيانا وآخرتنا، مضى والله شهيداً كشهداء استشهدوا مع رسول الله وعليّ والحسين صلوات الله عليهم». (٢)

____________________

(١) كفاية الأثر: ٣٠٦.

(٢) عيون أخبار الرضا: ١/٢٥٢، الباب ٢٥، الحديث ٦.

٢٢٦

٢ - وقال أيضاً في حديث: « إنّ الباكي على زيد فمعه في الجنّة، فأمّا الشامت فشريك في دمه». (١)

٣ - وقال الشيخ المفيد: لمّا قُتل زيد، بَلغ ذلك من أبي عبد الله (عليه السّلام) كلّ مبلغ، وحزن له حزناً عظيماً حتّى بان عليه، وفرّق من ماله في عيال من أُصيب معه من أصحابه ألف دينار، روى ذلك أبو خالد الواسطي، قال: سلّم إليّ أبو عبد الله (عليه السّلام) ألف دينار، أمرني أن أُقسّمها في عيال من أصيب مع زيد، فأصاب عيال عبد الله بن الزبير أخي فضيل الرسان أربعة دنانير. (٢)

٤ - روى الصدوق، عن عبد الله بن سيابة، أنّه أتى رسول بسّام الصيرفي بكتاب فيه: أمّا بعد، فإنّ زيد بن عليّ قد خرج يوم الأربعاء غرّة صفر، ومكث الأربعاء والخميس وقُتل يوم الجمعة، وقُتل معه فلان وفلان، فدخلنا على الصادق (عليه السّلام) فدفعنا إليه الكتاب، فقرأه وبكى، ثُمَّ قال: « إنّا لله وإنّا إليه راجعون. عند الله أحتسب عمّي، إنّه نِعم العمّ، إنّ عمّي كان رجلاً لدنيانا وآخرتنا ...» إلى آخر ما مرّ في الحديث الأوّل. (٣)

٥ - روى الكشّي في ترجمة السيّد الحميريّ، عن فضيل الرسان، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السّلام) بعدما قُتل زيد بن عليّ (عليه السّلام) فادخلت بيتاً في جوف بيت، وقال لي: «يا فضيل، قُتل عمّي زيد بن عليّ؟».

قلت: نعم جُعلت فداك، فقال: «رحمه الله، أمَا إنّه كان مؤمناً، وكان عارفاً،

____________________

(١) بحار الأنوار: ٤٦/١٩٣، الحديث ٦٣.

(٢) الإرشاد: ٢٦٩، الباب ١٧٥، حياة الإمام عليّ بن الحسين (عليه السّلام).

(٣) عيون أخبار الرضا: ١/٢٤٩، الباب ٢٥.

٢٢٧

وكان عالماً، وكان صدوقاً، أمَا إنّه لو ظفر لوفى،أمَا إنّه لو ملك لعرف كيف يضعها»، قلت: يا سيدي ألا أنشدك شعراً؟، قال: (أمهل)، ثُمَّ أمر بستور فسدلت، وبأبواب فتحت. ثُمَّ قال: أنشد.

فأنشدته:

لأُمّ عمرو باللّوى مربع

طامسة أعلامه بلقع (١)

هذه نماذج ممّا ورد عن أئمّة أهل البيت حول جهاد زيد واستشهاده، ولو ضُمّت إليها ما ورد عنهم من المدائح حال حياته وقبل ميلاده؛ ممّا تقدّم، لما بقي شكّ في أنّ ثائر أهل البيت كان رجلاً مثاليّاً، مُتّقياً، عادلاً، مخالفاً لهواه، لا يهمّه سوى تجسيد الإسلام بين الورى، وتبديد هياكل الظلم والطغيان.

____________________

(١) رجال الكشّي: ٢٤٢، برقم ١٣٣.

٢٢٨

ثورة زيد بن عليّ

كانت امتداداً لثورة الحسين (عليه السّلام)

إنّ نهضة الحسين بن عليّ (عليه السّلام)، ومنذ قيامها، صارت أُسوة وقدوة للمستضعفين، وقد لمس الثائرون مبدئيّة هذه النهضة، وأنّها قامت منذ البداية على مبادئ إلهيّة.

وقد أثارت وعي الأُمّة حتّى تتابعت ثورات عديدة ضد النظام الأُمويّ، نشير إلى عناوينها:

١ - ثورة أهل المدينة وإخراج عامل يزيد منها.

٢ - ثورة عبد الله بن الزبير.

٣ - ثورة التوّابين في الكوفة، بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي، وكانت له صحبة مع النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

٤ - ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي؛ الّتي أثلجت قلوب بني هاشم.

٥ - ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث.

هذه الثورات الخمس كانت مستلهمة من ثورة الحسين نوعاً ما، إلى أن وصلت النوبة إلى زيد.

٦ - ثورة زيد الشهيد؛ الّتي أنارت الطريق للثائرين الّذين أنهضهم زيد

٢٢٩

بثورته للقضاء على النظام الأُمويّ في مدّة لا تتجاوز عشر سنين.

وقد تنبّأ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بثورته وقتله، واصفاً أصحابه بأنّهم يدخلون الجنّة بغير حساب، وإليك بعض ما نقل عنه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

١ - قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مخاطباً ولده الحسين (عليه السّلام): «يا حسين، يخرج من صلبك رجل يقال له زيد، يتخطّى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرّاً محجّلين، يدخلون الجنّة بغير حساب». (١)

٢ - قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) - مشيراً إلى الحسين (عليه السّلام) ـ: «إنّه يخرج من ولده رجل يقال له زيد ويُقتل بالكوفة، ويُصلب بالكناسة، ويُخرَج من قبره نبشاً، تفتح لروحه أبواب السماء، وتبتهج به أهل السموات». (٢)

٣ - روى حذيفة، قال: نظر النبيّ إلى زيد بن حارثة، فقال: «المقتول في الله، والمصلوب في أُمّتي، المظلوم من أهل بيتي، سميّ هذا - وأشار بيده إلى زيد بن حارثة - ثُمَّ قال له: أُدن منّي يا زيد، زادك اسمك عندي حبّاً، فأنت سميّ الحبيب من أهل بيتي». (٣)

٤ - وقال أمير المؤمنين (عليه السّلام)، وقد وقف على موضع صَلبه بالكوفة، فبكى وأبكى أصحابه، فقالوا له: ما الّذي أبكاك؟، قال: «إنّ رجلاً من ولدي يُصلب في هذا الموضع، من رضى أن ينظر إلى عورته أكبّه الله على وجهه في النار». (٤)

____________________

(١) عيون أخبار الرضا: ٢٥٠، و٢٥١، الباب ٢٥.

(٢) السرائر: ٣/ قسم المستطرفات.

(٣) السرائر: ٣/ قسم المستطرفات.

(٤) الملاحم، ابن طاووس: الباب ٣١.

٢٣٠

أهداف ثورة زيد:

إنّ دراسة ما نُقل عنه يوقفنا على أهداف ثورته، فقد أجهر بها في غير موضع من المواضع، حتّى أنّ الحاكم الأُموي هشام بن عبد الملك اتّهمه بالوقوف ضد النظام، وهذا يُعرب عن أنّه كان يبوح بأهدافه بين آونة وأُخرى، وإليك هذه الكلمات:

١ - إنّما خرجت على الّذين أغاروا على المدينة يوم الحرّة ثُمَّ رموا بيت الله بحجر المنجنيق والنار. (١)

ويُشير ثائرنا بكلامه هذا، إلى ما ارتكبه الحجاج قائد الجيش الأُموي، يوم التجأ ابن الزبير إلى البيت، فحصبه بالحجارة، مستعيناً بالمنجنيق الّذي نصبه الجيش على جبل أبي قبيس المشرف على الكعبة.

٢ - إنّما خرجت على الّذين قاتلوا جدّي الحسين (عليه السّلام). (٢)

٣ - روى عبد الله بن مسلم بن بابك، قال: خرجنا مع زيد بن عليّ إلى مكّة، فلمّا كان نصف الليل واستوت الثريّا، فقال: يا بابكي، ما ترى هذه الثريّا؟، أترى أنّ أحداً ينالها؟، قلت: لا، قال: والله لوددت أنّ يدي ملصقة بها فأقع إلى الأرض، أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة وأنّ الله أصلح بين أُمّة محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). (٣)

إنّ هذه الكلمة إشراقة من كلام الحسين ووصيّته إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة:

____________________

(١) الفَرق بين الفِرق: ٣٥ - ٣٦.

(٢) المصدر السابق.

(٣) مقاتل الطالبيّين: ٨٧.

٢٣١

«إنّي ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؛ أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين». (١)

نرى أنّ بين الكلمتين تقارناً، بل توافقاً، وهذا ما يدفعنا إلى القول بأنّ ثورته كانت امتداداً لثورة الحسين (عليه السّلام).

٤ - أقام زيد الثائر بالكوفة، وبايعه أصحابه، وكانت بيعته الّتي يبايع عليها الناس: إنّا ندعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسم هذا الفيء بين أهله بالسواء، وردّ الظالمين، وإقفال المجمر، ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا، وجهل حقّنا. أتبايعون على ذلك؟، فإذا قالوا نعم، وضع يده على يده، ثُمَّ يقول: عليك عهد الله وميثاقه وذمّته وذمّة رسوله لتفينّ ببيعتي ولتقاتلنّ عدوي، ولتنصحنّ لي في السرّ والعلانيّة، فإذا قال: نعم، مسح يده على يده، ثُمَّ قال: اللّهم اشهد. (٢)

٥ - ومن كلامه: إنّا ندعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيه، وإلى السنن أن تحيا، وإلى البدع أن تُدفع، فإن أنتم أجبتمونا سعدتم، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل. (٣)

____________________

(١) بحار الأنوار: ٤٤/٣٢٩.

(٢) تاريخ الطبري: ٥/٤٩٢.

(٣) تاريخ الطبري: ٥/٤٩٨.

٢٣٢

توطين النفس على الشهادة:

خرج زيد موطّناً نفسه على الشهادة، مقدّماً المنيّة على الدنيا الدنيّة، وقتْلة العزّ على عيش الذل، كيف وهو الّذي كان يترنّم بقوله:

فـأجبتها أن المنيّة منهل

لابدّ أن أُسقى بذاك المنهل

ومن كان هذا كلامه، ويترنّم بما ماثله أيضاً، لا يخرج لطلب المُلك والإمارة وكسب الجاه والمقام وهو مشرف على القتل، وطلب الجاه من شؤون من يريد البقاء والالتذاذ بلذائذ الدنيا لا من يُريد ركوب الرماح والأسنّة.

ومن أراد اتّهام زيد بطلب الإمارة والخلافة فلم يعرف نفسيّته ولا بيئته وظروفه المُحْدِقة به، فإنّها كانت تحتّم عليه الموت، وهو كان يرى الشهادة أمامه.

وهناك من يفسّر شهادة زيد بطلب الإمارة والخلافة، أو بسائر الأحداث الجزئيّة؛ كإهانة هشام له، إلى غير ذلك من الأُمور الّتي لا يتفوّه بها إلاّ الجاهل بتاريخ زيد وسيرته.

ثورته:

دخل زيد الكوفة في النصف الثاني من عام ١٢٠هـ، وأقام بها، وأقبلت الشيعة تختلف إليه وتأمره بالخروج، ويقولون: إنّا لنرجو أن تكون أنت المنصور، وكان لمكانته ومنزلته بين الناس تأثير بالغ في اجتذاب الناس والتفافهم حوله، ولمّا كان الداعي عالماً بارعاً، وفقيهاً ورعاً، يأخذ بمجامع القلوب، ويؤثّر في الشعوب، التفّ حوله جماعة من الفقهاء ونقلة الآثار، منهم:

٢٣٣

١ - منصور بن المعتمر.

٢ - النعمان بن ثابت (أبو حنيفة) (٨٠ - ١٥٠هـ).

٣ - سليمان بن مهران (الأعمش).

٤ - محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري (٧٤ - ١٤٨هـ).

٥ - هلال بن حباب.

٦ - زبيد بن الحارث اليامي.

٧ - يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي.

٨ - قيس بن ربيع الأسدي (المتوفّى ١٦٨هـ).

٩ - سلمة بن كهيل.

١٠ - هارون بن سعد العجلي.

١١ - أبو هاشم الرماني.

١٢ - الحجّاج بن دينار.

١٣ - سفيان الثوري.

١٤ - مسعر بن كدام الفدكي.

ثُمَّ إنّه بثّ دعاته في الأطراف والأكناف، وقد سجّل التاريخ أسماءَهم، وهو ينم عن علو همّة زيد وسعة دعوته، وفي مقابل ذلك حذّره جماعة من القيام، ولكنّه اعتذر عن قبول نصائحهم، وإنّه موطّن نفسه على الشهادة، سواء أنال بغيته أم لا، وذلك لأنّ من أهدافه العالية إنهاض همم المسلمين إلى الثورة، ولو بقتله واستشهاده في سبيل الله، حتّى يُقوّضوا صرح حكم بني أُميّة.

٢٣٤

الكوفة في مخاض الثورة:

كان يوسف بن عمر عامل هشام في العراق، وكان يسكن بالحيرة وهي بلدة بين الكوفة والنجف، وخليفته في الكوفة هو الحكم بن الصلت، ورئيس شرطته عمرو بن عبد الرحمن، ومع ما كان لهم من عيون وجواسيس، لم يطّلعوا على ما كان يجري في الكوفة وما والاها، وهذا يدلّ على حنكة الثائر؛ حيث صانها من الفشل والتسرّب إلى الخارج، وقد كان التخطيط دقيقاً للغاية، حيث كان الناس يبايعون زيداً ولا يعرفون مكانه، وذلك لأن معمر بن خيثم وفضيل بن الزبير يُدْخِلان الناس عليه وعليهم براقع لا يعرفون موقع زيد، فيأتيان بهم من مكان لا يبصرون شيئاً حتّى يدخلوا عليه ويبايعون. (١)

كانت الثورة تستفحل إلى أن وافت رسالة هشام إلى عامله؛ أطلعه على الأمر وشتمه وسفّهه، فلمّا اطّلع يوسف بن عمر على استفحال الثورة، وأنّ زيداً قد أزمع على الخروج في زمان محدود، أراد فصل الناس عن زيد والحيلولة بين القائد وقاعدته، فوقف زيد على انكشاف أمره، فعند ذاك عزم زيد على الخروج عالماً أنّه لو تأخر وتماهل في الخروج ربّما كشف العدو مخبأه، فاستعدّ للقتال بإلقاء خطب تحثّ الأشخاص للقيام، فقام خطيباً أمام الثوار:

أيّها النّاس، عليكم بالجهاد فإنّه قوام الدين وعمود الإسلام ومنار الإيمان، واعلموا أنّه ما ترك قوم الجهاد قط إلاّ حقروا وذلّوا.. ثُمَّ قرأ الفاتحة إلى قوله

____________________

(١) الروض النضير: ١/١٣٠.

٢٣٥

( الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، وقال: الصراط المستقيم هو دين الله، وسنامه وقوامه الجهاد، ثُمَّ ذكر ما نزل من القرآن في فضل الجهاد من أوّل القرآن إلى آخره. (١)

روى الإمام المهديّ في (المنهاج)، والإمام أبو طالب في (الأمالي)، والسيّد أبو العبّاس في (المصابيح)، عن سعيد بن خثيم، قال: إنّ زيداً (عليه السّلام) كتَّب كتائبه، فلمّا خفقت راياته رفع يديه إلى السماء، فقال: الحمد لله الّذي أكمل لي دِيني، والله ما يسرّني أنّي لقيت محمّداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ولم آمر في أُمّته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر، والله ما أُبالي إذا أقمت كتاب الله وسنّة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أن أُجِّجت لي نار ثُمَّ قُذفتُ فيها، ثُمَّ صرت بعد ذلك إلى رحمة الله تعالى، والله لا ينصرني أحد إلاّ كان في الرفيق الأعلى مع محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام).

ويحكم أمَا ترون هذا القرآن بين أظهركم، جاء به محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ونحن بنوه؟، يا معاشر الفقهاء، ويا أهل الحجا، أنا حجذة الله عليكم، هذه يدي مع أيديكم على أن نقيم حدود الله، ونعمل بكتاب الله، ونقسم فيئكم بينكم بالسويّة، فسلوني عن معالم دينكم، فإن لم أُنبّئكم عمّا سألتم، فولّوا من شئتم ممّن علمتم أنّه أعلم منّي، والله لقد علمتُ علم أبي عليّ بن الحسين، وعلم جدّي الحسين، علم عليّ بن أبي طالب وصيّ رسول الله وعيبة علمه، وإنّي لأعلم أهل بيتي، والله ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت محرّماً لله عزّ وجلّ منذ عرفت أنّ الله يؤاخذني. (٢)

____________________

(١) الروض النضير: ١/١٠٦.

(٢) المصدر نفسه: ١/١٢٨.

٢٣٦

تكتيب الكتائب والهجوم على الكوفة والحيرة:

غادر زيد ليلة الأربعاء، دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري، واستقرّ خارج الكوفة فأمر برفع الهراوي، فكلّما أكل النار هروياً، رفعوا آخر، فما زالوا كذلك حتّى طلع الفجر، فلمّا أصبح، أمر بعض أصحابه بالنداء والشعار لغاية تقاطر المبايعين إلى النقطة الّتي استقرّ فيها لإرسال الكتائب منها إلى الكوفة والحيرة ولفتح البلدين، ومحاربة المانعين من أبناء البيت الأُمويّ وأنصارهم، فكان التخطيط تخطيطاً عسكريّاً بارعاً لولا أنّ القضاء سبق التدبير، وتسرّب أسرار الثورة إلى الخارج، وحال العامل وخليفته بينه وبين وثوب الناس واجتماعهم لديه.

أصبح زيد وتعجب من قلّة الحاضرين، وقال: أين الناس؟!، فقيل له: هم في المسجد الأعظم محصورون، فقال: لا والله ما هذا لمن بايعنا بعذر، ولم يجد بدّاً من القتال بمن معه، موطّناً نفسه على الاستشهاد. وقد ذكر المؤرّخون كيفية قتاله وقتال أصحابه الموفين بعهدهم وبيعتهم.

قال المسعودي: مضى زيد إلى الكوفة وخرج عنها ومعه القرّاء والأشراف، فحاربه يوسف بن عمر الثقفي، فلمّا قامت الحرب انهزم أصحاب زيد وبقي في جماعة يسيرة، فقاتلهم أشدّ قتال، وهو يقول متمثّلاً:

أذلّ الـحياة وعـزّ الـممات

وكــلاًّ أراه طـعاماً وبـيلا

فـإن كـان لابـدّ مـن واحد

فسيري إلى الموت سيراً جميلا

وحال المساء بين الفريقين، فراح زيد مثخناً بالجراح، وقد أصابه سهم

٢٣٧

في جبهته، فطلبوا من ينزع النصل، فأُتي بحجّام من بعض القرى فاستكتموه أمره، فاستخرج النصل، فمات من ساعته، فدفنوه في ساقية ماء، وجعلوا على قبره التراب والحشيش وأُجري الماء على ذلك، وحضر الحجّام مواراته، فعرف الموضع، فلمّا أصبح، مضى إلى يوسف متنصّحاً فدلّه على موضع قبره، فاستخرجه يوسف وبعث برأسه إلى هشام، فكتب إليه هشام: أن اصلبه عُرياناً، فصلبه يوسف كذلك، ففي ذلك يقول بعض شعراء بني أُميّة يخاطب آل أبي طالب وشيعتهم في أبيات:

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة

ولم أر مهديّاً على الجذع يُصلب

وبنى تحت خشبته عموداً، ثُمّ كتب هشام إلى يوسف يأمره بإحراقه وذروه في الرياح. (١)

وفي معجم البلدان: وعلى باب الكورتين، مشهد زيد، فيه مدفن رأس زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، الّذي ق،تل بالكوفة، وأُحرق، وحُمل رأسه فطيف به الشام، ثُمَّ حُمل إلى مصر فدفن هناك. (٢)

إنّ وعّاظ السلاطين، وشعراء البلاط الأُمويّ كانوا ينقمون من زيد، وينظمون القريض في ذمِّه، ولمّا صُلب قالوا في حقّه ما قالوا، ومنها ما عرفت من قولهم:

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة

ولم أر مهديّاً على الجذع يُصلب

____________________

(١) مروج الذهب: ٣/٢٠٧.

(٢) معجم البلدان: ٨/٧٧، مادة مصر.

٢٣٨

فردّ عليه شعراء الشيعة بقصائدٍ نذكر منها بعض ما جادت به قريحة سيدنا العلاّمة محسن الأمين، حيث قال:

فـإن تـصلبوا زيـداً عـناداً لجده

فـقد قُـتلت رُسـل الإله وصلّبوا

وإنّـا نـعدُّ الـقتل أعـظم فخرنا

بـيوم بـه شـمس النهار تُحجب

فـمالكم والـفخر بـالحرب إنّـها

إذا مـا انـتمت تنمى إلينا وتُنسب

هداة الورى في ظلمة الجهل والعمى

إذا غـاب مـنهم كوكب بان كوكب

كـفاهم فـخاراً أنّ أحـمد مـنهم

وغيرهم أن يدّعوا الفخر كذّبوا (١)

الثائرون بعد الإمام زيد:

إنّ ثورة زيد بن عليّ كانت ثورة عارمة بوجه الظالمين، هزّت وضعضعت أركان الدولة الأُمويّة، ولإيقاف القارئ على الأحداث الّتي أعقبت ثورته، نذكر أسماء الّذين نهجوا منهجه وساروا على دربه، وأخذوا بزمام الثورة وقادوها، وهم:

١ - يحيى بن زيد؛ الّذي شارك مع أبيه في الثورة وبقي بعد مقتل أبيه.

٢ - محمّد بن عبد الله بن الحسن؛ المعروف بالنفس الزكيّة؛ الّذي استشهد عام ١٤٥هـ.

٣ - إبراهيم بن عبد الله؛ الّذي استشهد في البصرة في العام الّذي استشهد فيه أخوه.

____________________

(١) زيد الشهيد: ٧٨.

٢٣٩

٤ - إدريس بن عبد الله، حيث ذهب إلى المغرب بعد قتل محمّد بن عبد الله، فأجابه خلق من الناس.

٥ - إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن؛ مؤسّس دولة الأدارسة في المغرب.

٦ - عيسى بن زيد بن عليّ؛ أخو يحيى بن زيد، وقد توارى بعد ثورة أخيه، فمات متوارياً عام ١٦٦هـ.

٧ - محمّد بن إبراهيم الطباطبا، فقد خرج في خلافة المأمون ودعا إلى الرضا من آل محمد، توفّي عام ١٩٩هـ.

٨ - محمّد بن محمّد بن زيد بن عليّ، وكان أبو السرايا قائداً عاماً لجيشه، وكان قبل ذلك داعية لابن طباطبا.

٩ - محمّد بن القاسم بن عليّ بن عمر الأشرف بن عليّ بن الحسين، فقد ظهر في طالقان عام ٢١٩هـ ودعا إلى الرضا من آل محمّد.

١٠ - يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد، خرج بالكوفة عام ٢٥٠هـ.

١١ - يحيى بن الحسين بن القاسم؛ المعروف بـ طباطبا، وقد دعا إلى نفسه بصعدة وبويع للإمامة، ثُمَّ إنّ الإمام يحيى بن الحسين أسّس دولة زيديّة باليمن وقام بأعباء الإمامة، ومن بعده أولاده إلى أن أُقصيت الزيديّة عن الحكم في اليمن بحلول الجمهوريّة، وذلك في شهر ربيع الأوّل من سنة ١٣٨٢هـ.

ومن حاول أن يقف على أسماء الأئمة الّذين دعوا إلى أنفسهم، إلى الإمام

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الْعِقابِ ) . انّ العذاب الشديد غير مخالف لرحمته الواسعة ، كما لا يتوهّم أحدا انّ رحمته العامّة هي إعطاء الفرصة للظالمين ان يفعلوا ما يريدون. لانّه في هذه الموارد يكون شديد العقاب ، والحصول على نتائج هذه الصفتين للربّ يعني( لَذُو مَغْفِرَةٍ ) و( لَشَدِيدُ الْعِقابِ ) مرهون بسلوك الإنسان نفسه.

* * *

ملاحظتان

1 ـ لماذا التعجّب في الخلق الجديد؟

يستفاد من خلال آيات متعدّده في القرآن الكريم انّ من جملة مشاكل الأنبياء مع المشركين اثبات «المعاد الجسماني» لانّهم كانوا يتعجّبون دائما من هذا الموضوع وهو : كيف يبعث الإنسان من جديد بعد ان صار ترابا؟ كما اشارت اليه الآية السابقة( أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) وهناك سبع آيات اخرى تشير الى هذا الموضوع (الآية 35 و 82 من سورة المؤمنون 7 ـ 2 النمل 6 ـ 1 و 53 الصافات ـ 3 ق 7 ـ 4 الواقعة).

ومن هنا يتّضح انّ هذا التساؤل كان مهمّا بالنسبة إليهم حيث كانوا يكرّرونه في كلّ فرصة ، ولكن القرآن الكريم يجيبهم بعبارات قصيرة وقاطعة ، فمثلا الآية (29) من سورة الأعراف :( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) تتكوّن من كلمات قليلة ولكنّها مفحمة لهم ، وفي مكان آخر يقول تعالى :( وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) لانّكم في الخلق الاوّل لم تكونوا شيئا امّا الآن فتوجد على الأقل عظام نخرة مع التراب المتبقّي منكم.

وفي بعض الأحيان يأخذ بأيدي الناس ويدعوهم الى التفكّر والإمعان في عظمة وقدرة الخالق( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) .

٣٤١

2 ـ هل انّ الله يعفو عن الظالمين؟

قرانا في الآيات المتقدّمة انّ الله يعفو ويغفر للذين ظلموا ، وهذا الغفران غير لازم لمن يصرّ على ظلمه ، ولكنّه من باب إعطاء الفرصة لهم لان يصلحوا أنفسهم ، والّا فهو تعالى شديد العقاب.

ويمكن ان نستفيد من هذه الآية انّ الذنوب الكبيرة ـ ومن جملتها الظلم ـ قابلة للغفران (ولكن بتحقّق شروطها) ، وهو ردّ على قول المعتزلة بأنّ الذنوب الكبيرة لا يغفرها الله ابدا.

وعلى ايّة حال فـ «المغفرة الواسعة» و «العقاب الشديد» في الواقع تجعل كل المعترفين بوجود الله بين «الخوف» و «الرجاء» الذي يعتبر من العوامل المهمّة لتربية الإنسان ، فلا ييأس من رحمة الله لكثرة الذنوب ، ولا يأمن من العذاب لقلّتها.

ولهذا جاء في الحديث عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنئ احد العيش ، ولولا وعيد الله وعقابه لاتّكل كلّ واحد»(1) .

ومن هنا يتّضح انّ الذين يقولون ـ أثناء ارتكابهم المعاصي ـ انّ الله كريم ، يكذبون في اتّكالهم على كرم الله ، فهم في الواقع يستهزءون بعقاب الله.

* * *

__________________

(1) مجمع البيان ، المجلد 5 و 6 ، ص 278 ـ تفسير القرطبي ، المجلّد السّادس ، ص 3514.

٣٤٢

الآية

( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ(7) )

التّفسير

ذريعة اخرى!

بعد ما أشرنا في الآيات السّابقة الى مسألة «التوحيد» و «المعاد» ، تتطرّق هذه الآية الى واحدة من اعتراضات المشركين المعاندين حول مسألة النبوّة :( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) .

ومن الواضح انّ احدى وظائف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اظهار معاجزه لكي يدلّ على صدقه وصلته بالوحي الالهي ، والذي يبحث عن الحقيقة له الحقّ في المطالبة بالمعجزة أثناء شكّه وتردّده في تصديق الدعوة ، او تتّضح له دلائل النبوّة عن طريق آخر.

ولكن يجب ان نلتفت الى هذه النقطة وهي : انّ اعداء الأنبياء لم يكن لديهم حسن نيّة او اتّباع للحقّ عند طلبهم المعجزة ، بل لعنادهم وعدم تسليمهم للأمر الواقع ولذلك كانوا يقترحون بين فترة واخرى معاجز عجيبة وغريبة. وهذه ما

٣٤٣

يسمّى بـ «المعجزات الاخلاقية».

اقتراحهم للمعاجز لم يكن لكشف الحقيقة ، ولهذا لم يستجب الأنبياء لمطاليبهم ، وفي الحقيقة كانت هذه الفئة من الكفّار المعاندين يعتقدون انّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدّعي القدرة على انجاز اي عمل خارق للعادة ، وايّ واحد منهم يقترح عليه انجاز عمل ما سوف يلبّي مطاليبه.

ولكن الأنبياء كانوا يقولون لهم الحقيقة وهي انّ المعاجز بيد الله ، ورسالتنا هداية الناس.

ولذلك نقرا في تكملة الآية قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) .

* * *

بحثان

هنا يرد سؤالان :

1 ـ هل الآية «انّما أنت منذر ...» جواب للكفّار؟

كيف يمكن لجملة( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ان تكون جوابا للكفّار عند طلبهم المعجزة؟

الجواب : بالاضافة الى ما قلناه سابقا فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليست له القدرة الغيبية المطلقة كي يطلبوا منه الاعجاز ، لانّ الوظيفة الاولى له هي إنذار أولئك الذين يسيرون في طريق الضلال ، والدعوة الى الصراط المستقيم ، وإذا ما احتاجت هذه الدعوة الى المعجزة فسوف يأتي بها النّبي ، ولكن لا يأتي بها للمعاندين البعيدين عن هذه المسيرة.

فمعنى الآية : انّ الكفّار نسوا انّ هدف الأنبياء الإنذار والدعوة الى الله ، واعتقدوا انّ وظيفتهم القيام بالمعاجز.

٣٤٤

2 ـ ما هو المقصود من جملة( لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ؟

قال بعض المفسّرين : انّ هاتين الصفتين (منذر) و (هاد) صفتان للرسول ، فأصل الجملة تكون (أنت منذر وهاد لكلّ قوم).

ولكن هذا التّفسير خلاف الظاهر ، لانّ الواو في جملة( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) تفصل بين جملة( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ) ولو كانت كلمة «هاد» قبل «لِكُلِّ قَوْمٍ » كان المعنى السّابق صحيحا. ولكن الأمر ليس كذلك.

والشيء الآخر هو انّ هدف الآية بيان انّ هناك قسمين من الدعوة الى الله : أحدهما ان يكون عمل الداعي هو الإنذار فقط. والآخر : ان يكون العمل هو الهداية.

وسوف تسألون حتما : ما هو وجه التفاوت بين (الإنذار) و (الهداية)؟ نقول في جواب هذا السؤال : انّ الإنذار للذين اضلّوا الطريق ودعوتهم تكون الى الصراط المستقيم ، ولكن الهداية والاستقامة للذين آمنوا.

وفي الحقيقة انّ المنذر مثل العلّة المحدثة ، امّا الهادي فبمنزلة العلّة الباقية وهذه هي التي تعبّر عنها بالرّسول والامام ، فالرّسول يقوم بتأسيس الشريعة والامام يقوم بحفظها وحراستها. (ليس من شكّ انّ الهداية في آيات اخرى مطلقة للرسول ، ولكن بقرينة المنذر في هذه الآية نفهم انّ المقصود من الهادي هو الشخص الحافظ والحامي للشريعة).

هناك روايات عديدة تؤكّد ما قلناه سابقا ، فقد قال الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انا المنذر وعلي الهادي».

ولا بأس ان نشير الى عدّة من هذه الرّوايات :

1 ـ في ذيل هذه الآية من تفسير الفخر الرازي مرفوعا عن ابن عبّاس قال : وضع رسول الله يده على صدره فقال : «انا المنذر» ثمّ اومأ الى منكب عليعليه‌السلام وقال : (أنت الهادي بك يهتدي المهتدون من بعدي) هذه الرّواية ذكرها العلّامة

٣٤٥

«ابن كثير» في تفسيره ، والعلّامة «ابن الصبّاغ المالكي» في الفصول المهمّة ، و «الكنجي» الشافعي في كفاية الطالب و «الطبري» في تفسيره ، و «ابو حيّان الاندلسي» في تفسيره البحر المحيط ، وكذلك «العلّامة النيسابوري» في تفسيره الكشّاف ، وعدد آخر من المفسّرين.

2 ـ نقل «الحمويني» وهو من علماء اهل السنّة المعروفين في كتابه فرائد السمطين عن ابو هريرة قال «ان المراد بالهادي عليعليه‌السلام ».

3 ـ «مير غياث الدين» مؤلّف كتاب (حبيب السيّد) كتب يقول في المجلّد الثّاني صفحة 12 : «قد ثبت بطرق متعدّدة انّه لمّا نزل قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) قال لعلي : «انا المنذر وأنت الهادي بك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي».

كما نقل هذا الحديث «الآلوسي» في (روح المعاني) و «الشبلنجي» في (نور الأبصار) والشيخ «سليمان القندوزي» في (ينابيع المودّة).

وبما انّ اكثر هذه الرّوايات مسنده الى ابن عبّاس فإنّه لم يكن الشخص الوحيد الذي روى ذلك ، فأبو هريرة نقل ذلك فيما ذكره الحمويني ، وحتّى علي نفسه ـ طبقا لما نقله الثعلبي ـ قد قال : «المنذر النّبي والهادي رجل من بني هاشم» يعني نفسه(1) .

لا شكّ انّ هذه الأحاديث لا تصرّح بالخلافة ، ولكن بالنظر الى ما تحتويه هذه الكلمة (الهداية) من المعنى الواسع ، فإنّها غير منحصرة بعليعليه‌السلام بل تشمل جميع العلماء واصحاب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين كانوا يقومون بنفس المهمّة ، فإنّه يتّضح لنا تخصيص علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذه الرّوايات بهذا العنوان يدلّ على انّه المصداق البارز له ، وذلك لما يمتاز به من الخصوصيات ، وهذا المطلب لا يكون منفصلا عن خلافة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتما.

* * *

__________________

(1) للمزيد من الاطلاع راجع كتاب احقاق الحقّ ، المجلّد الثّالث ، ص 87 وما بعدها.

٣٤٦

الآيات

( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (8) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (9) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (10) )

التّفسير

علم الله المطلق :

نقرا في هذه الآيات قسما من صفات الخالق ، والتي تكمل بحث التوحيد والمعاد ، فالحديث عن علمه الواسع ومعرفته بكلّ شيء ، هو ذاك العلم الذي يقوم عليه نظام التكوين وعجائب الخلقة وآيات التوحيد ، وهو العلم الذي يكون أساسا للمعاد والعدالة الالهيّة يوم القيامة وهذه الآيات استندت الى هذين القسمين : (العلم بنظام التكوين ، والعلم بأعمال العباد).

تقول الآية اوّلا :( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ) في رحمها ، سواء من أنثى الإنسان او الحيوان( وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ ) اي تنقص قبل موعدها المقرّر( وَما

٣٤٧

تَزْدادُ ) (1) اي يعلم بما تزيد عن موعدها المقرّر.

في تفسير هذه الجمل الثلاث هناك آراء مختلفة بين المفسّرين :

يعتقد البعض ـ انّها تشير ـ كما ذكرنا آنفا ـ الى وقت الولادة ، وهي على ثلاثة انواع : فمرّة يولد المولود قبل موعده. ومرّة في موعده ، واخرى بعد الموعد المقرّر. فالله يعلم كلّ ذلك ويعلم لحظة الولادة بالتحديد ، وهذه من الأمور التي لا يستطيع اي احد او جهاز ان يحدّد موعده ، وهذا العلم خاص بذات الله المنزّهة ، وسببه واضح لانّ استعدادات الأرحام والاجنّة مختلفة ، ولا احد يعلم بهذا التفاوت.

وقال بعض آخر : انّها تشير الى ثلاث حالات مختلفة للرحم ايّام الحمل ، فالجملة الاولى تشير الى نفس الجنين الذي تحفظه ، والجملة الثانية تشير الى دم الحيض الذي ينصبفي الرحم ويمصّه الجنين ، والجملة الثالثة اشارة الى الدم الاضافي الذي يخرج أثناء الحمل أحيانا ، او دم النفاس أثناء الولادة(2) .

وهناك عدّة احتمالات اخرى في تفسير هذه الآية دون ان تكون متناقضة فيما بينها ، ويمكن ان يكون مراد الآية اشارة الى مجموع هذه التفاسير ، ولكن الظاهر انّ التّفسير الاوّل اقرب ، بدليل جملة (تحمل) المقصود منها الجنين والجمل (تغيض) و (تزداد) بقرينة الجملة السابقة تشير الى الزيادة والنقصان في فترات الحمل.

روى الشيخ الكليني في الكافي عن الامام الصادقعليه‌السلام او الامام الباقرعليه‌السلام

__________________

(1) «تغيض» أصلها الغيض بمعنى ابتلاع السائل وهبوط مستوى الماء. وتأتي بمعنى النقصان والفساد ، و «الغيضة» المكان الذي يقف فيه الماء فيبتلعه ، و «ليلة غائضة» اي مظلمة.

(2) يقول صاحب الميزان مؤيّدا هذا الراي : إنّ بعض روايات ائمّة اهل البيت يؤيّد هذا الراي. وابن عبّاس ممّن يؤيّد هذا الراي ايضا ، ولكن بالنظر الى الرّوايات المنقولة في تفسير نور الثقلين في ذيل الآية فإنّ أكثرها يؤيّد ما قلناه في الراي الاوّل.

٣٤٨

في تفسير الآية انّ «الغيض كلّ حمل دون تسعة أشهر ، وما تزداد كلّ شيء حمل على تسعة أشهر». وفي تكملة الحديث يقول : «كلّما رأت المراة الدم الخالص في حملها فإنّها تزداد وبعدد الايّام التي زاد فيها في حملها من الدم»(1) .

( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) ولكي لا يتصوّر احد انّ هذه الزيادة والنقصان بدون حساب ودليل ، بل انّ كلّ ساعة وثانية ولحظة لا تمرّ دون حساب ، كما انّ للجنين ودم الرحم حساب وكتاب ايضا. فالآية التي بعدها تؤكّد ما قلناه في الآية السابقة حيث تقول :( عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) فعلمه بالغيب والشهادة لهذا السبب( الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ ) فهو يحيط بكلّ شيء ، ولا يخفى عنه شيء.

ولتكميل هذا البحث وتأكيد علمه المطلق يضيف القرآن الكريم :( سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ ) (2) وهذا هو الحقّ فالذي يوجد في كلّ مكان لا معنى للغيب والشهادة او الليل والنهار عنده ، فهو محيط بها وعالم بأخبارها بشكل متساو.

* * *

بحوث

1 ـ القرآن وعلم الاجنّة

أشار القرآن المجيد مرارا الى مسألة الجنين وعجائب تكوينه ليكون احد الادلّة على التوحيد ومعرفة الله وعلمه المطلق ، وبالطبع فإنّ علم الاجنّة واحد من العلوم الحديثة وكان سابقا عبارة عن معلومات اوّليّة محدودة ثمّ توسعت في هذا العصر. ولكن بتقدّم العلم والمعرفة حدثت قفزة في هذا المجال كشف عن

__________________

(1) نور الثقلين ، ج 2 ، صفحة 485.

(2) «سارب» من سرب على وزن ضرر ، بمعنى الماء الجاري ، ويقال للشخص الذاهب الى عمل ايضا.

٣٤٩

كثير من اسرار هذا العالم الساكن والهادىء وعن كثير من عجائبه بحيث نستطيع ان نقول : انّ اكبر درس للتوحيد ومعرفة الله كامن في تكوين الجنين ومراحل تكامله.

فمن هذا الذي يرعى هذا الكائن المخفي وبتعبير القرآن واقع «في ظلمات ثلاث» الذي يمتاز بالظرافة ودقّة التكوين وان يوصل له المقدار اللازم من الغذاء ويرشده مراحل حياته؟

وعند ما تقول الآية السابقة :( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ) فليس المقصود من علمه بالذكر والأنثى فقط ، بل بكلّ خصائصه والطاقة الكامنة فيه ، هذه الأشياء لا يستطيع احد وبأي وسيلة ان يتعرّف عليها ، وعلى هذا فإنّ وجود هذا النظام الدقيق والمعقّد للجنين ومراحل تكامله لا يمكن ان يكون بدون صانع عالم وقدير.

2 ـ كلّ شيء له مقدار

نحن نقرا في آيات مختلفة من القرآن الكريم انّ كلّ شيء له حدّ محدود ولا يتجاوزه ، ففي الآية (3) من سورة الطلاق يقول تعالى :( قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) وفي الآية 21 سورة الحجر يقول تعالى :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) والآية التي نحن بصددها( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) .

كلّ هذه تشير الى انّه ليس هناك شيء في العالم بدون حساب ، حتّى الموجودات في الطبيعة التي نعتبرها في بعض الأحيان غير مهمّة ، فإنّ وجودها على أساس حساب دقيق ، علمنا بذلك ام لم نعلم ، وأساسا فإنّ معنى حكمة الله هو ان يجعل لكلّ ما في الكون حدّا ومقدارا ونظاما.

وكلّ ما حصلناه اليوم من اسرار الكون بواسطة العلوم يؤكّد هذه الحقيقة ، فمثلا نرى انّ دم الإنسان ـ الذي هو المادّة الحياتية لوجود الإنسان والذي يقوم

٣٥٠

بنقل المواد الضروريّة اللازمة لخلايا الجسم ـ يتركّب من عشرين مادّة او اكثر ، وبنسب ثابتة دقيقة بحيث لو تمّ اي تغيير فيها لتعرّضت سلامة الإنسان للخطر ، ولهذا السبب ولمعرفة النقص الحاصل في الجسم يقومون بتحليل الدم وقياس نسبة السكر والدهن وسائر مركّبات الدم الاخرى ، ويتمّ تشخيص العلّة بواسطة معرفة زيادة او نقصان هذه النسب ، وليس دم الإنسان وحده له هذه الميزة ، بل كلّ ما في الوجود له نفس هذه الدقّة في النظام.

ولا بدّ هنا من التنبيه على انّ ما يظهر لنا في بعض الأحيان من عدم النظام في عالم الوجود هو في الواقع ناتج من قصور في علومنا ومعرفتنا ، فالإنسان الذي يؤمن بالله لا يمكن ان يتصوّر ذلك ، وبتطوّر العلوم تتأكّد لنا هذه الحقيقة.

وكي نستطيع ان نتعلّم هذا الدرس وهو انّ المجتمع الانساني الذي هو جزء من عالم الوجود إذا أراد له العيش بسلام ، فعليه ان يجعل شعار( كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) يسود جميع جوانبه ، ويجتنب الإفراط والتفريط في اعماله وتخضع جميع مؤسساته الاجتماعية للحساب والموازين.

3 ـ الغيب والشهادة سواء عند الله

استندت هذه الآيات الى انّ الغيب والشهادة معلومان عند الله ، فهما مفهومان نسبيان وتستخدمان للكائن الذي علمه ووجوده محدود ، وعلى سبيل المثال نحن نمتلك حواسا ذات مدى نسبي ، فمتى ما كان الشيء داخلا في هذا المدى فهو شاهد بالنسبة لنا ، وما كان خارجا عنه فهو غيب ، فلو فرضنا انّ أبصارنا لها قدرة غير محدودة ويمكنها النفوذ في باطن الأشياء وإدراكها ، فإنّ كلّ شيء يعتبر شاهد عندنا.

وبما انّ كلّ شيء له حدّ محدود غير الذات الالهيّة ، فإنّ لغير الله تعالى غيب وشهادة ، ولانّ ذات الله غير محدودة ووجوده عام ومطلق فإنّ كلّ شيء بالنسبة

٣٥١

اليه شهادة ، ولا معنى للغيب بالنسبة اليه ، وإذا ما قلنا ـ انّ الله عالم الغيب والشهادة فهو ما نعتبره نحن غيب وشهادة ، امّا هو فهما عنده سواء. لنفترض انّنا ننظر ما في أيدينا في النهار ، فهل نجهل ما فيها؟! جميع الكون في مقابل علم الله أوضح من هذا واظهر.

4 ـ الآثار التربوية في إدراكنا لعلم الله

أثناء قراءتنا للآيات الماضية التي تقول : انّ الله يعلم السرّ والجهر من القول وحركاتكم في الليل والنهار وكلّها مشهودة عنده ، هل نجد في أنفسنا ايمانا بهذه الحقيقة؟ لو كنّا مؤمنين بذلك حقّا ونشعر بأنّ الله تعالى مطّلع علينا فإنّ هذا الايمان والاحساس الباطني يبعث على تغيير عميق في روحنا وفكرنا وقولنا وضمائرنا؟.

نقل عن الامام الصادقعليه‌السلام في جوابه لمن سأله عن طريقتهم في الحياة قال : «علمت انّ الله مطلع عليّ فاستحييت».

كما نشاهد كثيرا من المواقف من تأريخ المسلمين وحياتهم تتجلّى فيها هذه الحقيقة ، يقال : دخل أب وابنه في بستان ، فتسلّق الأب شجرة ليقطف ثمارها دون اذن صاحبها ، بينما بقي الابن أسفل الشجرة لمراقبة الأوضاع. وفجأة صاح الابن الذي كان مؤمنا ومتعلّما ونادى أباه بأن ينزل بسرعة ، عندها خاف الأب ونزل فورا وسأل من الذي رآني؟ قال : الذي هو فوقنا ، فنظر الأب الى الأعلى فلم يجد أحدا ، وسأل من الذي رآني؟ قال : الذي هو فوقنا ، فنظر الأب الى الأعلى فلم يجد أحدا ، فقال الابن : كان قصدي هو الله المحيط بنا جميعا ، كيف يمكن ان تخاف ان يراك الإنسان ، ولا تخاف ان يراك الله؟! اين الايمان؟!

* * *

٣٥٢

الآية

( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (11) )

التّفسير

المعقّبات الغيبية!

علمنا في الآيات السابقة انّ الله بما انّه عالم الغيب والشهادة فإنّه يعلم أسرار الناس وخفاياهم ، وتضيف هذه الآية انّه مع حفظ وحراسة الله لعبادة فإنّ( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ) (1) .

ولكي لا يتصوّر احد انّ هذا الحفظ بدون شروط وينغمس في المزلّات ، او يرتكب الذنوب الموجبة للعقاب ، ومع كلّ ذلك ينتظر من الله او الملائكة ان يحفظوه ، يعلّل القرآن ذلك بقوله :( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما

__________________

(1) هناك حديث بين المفسرين في ان الضمير (له) لمن يعود ، وكما تشير الآية فإنه يعود للإنسان كما تؤكد عليه الآيات السابقة ، ولكن بعضهم قال : يعود للنبي او لله. وهذا يخالف ما جاء في ذيل الآية [فتأمل].

٣٥٣

بِأَنْفُسِهِمْ ) .

وكي لا يتبادر الى الأذهان انّه مع وجود الملائكة الحافظة فأيّ معنى للعذاب او الجزاء؟ هنا تضيف الآية( وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ ) ولهذا السبب فإنّه حين صدور العذاب الالهي على قوم او امّة ، فسوف ينتهي دور المعقّبات ويتركون الإنسان عرضة للحوادث

* * *

بحوث

1 ـ ما هي المعقّبات؟

«المعقّبات» كما جاء في مجمع البيان للعلّامة الطبرسي وكما قاله بعض المفسّرين جمع (معقبة) وهي بدورها جمع (معقّب) ومعناه المجموعة التي تعمل بشكل متناوب ومستمر. والظاهر من الآية انّ الله سبحانه وتعالى امر مجموعة من الملائكة بأن يحفظوا الإنسان في الليل والنهار ومن بين يديه ومن خلفه.

انّ الإنسان ـ بدون شك ـ معرّض في حياته الى كثير من الحوادث الروحية والجسمية ، فالامراض والمتغيّرات في السّماء والأرض محيطة بالإنسان ، وخصوصا في مرحلة الطفولة التي لا يدرك فيها ما يجري حوله ويكون هدفا سهلا للإصابة بها ، فقد يتعجّب الإنسان كيف ينجو الطفل وينمو من بين جميع هذه الحوادث ، وخصوصا في العوائل التي لا تدرك هذه المسائل وتعاني من قلّة الامكانيات كأبناء الريف الذين يعانون من الحرمان والفقر وهم معرضون للامراض اكثر من غيرهم.

وإذا ما امعنّا النظر في هذه المسائل فسوف نجد انّ هناك قوى محافظة ، تحفظ الإنسان في مقابل هذه الحوادث كالدرع الواقي.

وكثيرا ما يتعرّض الإنسان الى حوادث خطرة ويتخلّص منها بشكل

٣٥٤

اعجازي تجعله يشعر انّ كلّ ذلك ليس صدفة وانّما هناك قوى محافظة تحميه.

وهناك كثير من الأحاديث المنقولة عن ائمّة المسلمين تؤكّد ذلك ومن جملتها : الحديث المروي عن الامام الباقرعليه‌السلام في تفسير هذه الآية يقول : «يحفظ بأمر الله من ان يقع في ركي او يقع عليه حائط او يصيبه شيء ، حتّى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه يدفعونه الى المقادير ، وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان من نهار يتعاقبانه».

وفي حديث آخر عن الامام الصادقعليه‌السلام يقول : «ما من عبد الّا ومعه ملكان يحفظانه فإذا جاء الأمر من عند الله خليا بينه وبين امر الله».

ونقرا في نهج البلاغة عن امير المؤمنينعليه‌السلام «انّ مع كلّ انسان ملكين يحفظانه فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه».

كما نقرا في نهج البلاغة في وصف الملائكة من الخطبة الاولى «ومنهم الحفظة لعباده».

انّ عدم إدراكنا لوجود المعقّبات عن طريق الحسّ او التجربة العلمية ليس دليلا على عدم وجودهم ، لانّه غير منحصر في هذا المجال فقط ، فالقرآن الكريم والمصادر المعرفية الاخرى اشارت الى امور كثيرة وراء الحسّ والتي لا يمكن إثباتها بالطرق العادية. واكثر من ذلك ما قلنا سابقا من انّنا نتعرّض في حياتنا الى كثير من المخاطر والتي لا يمكن النجاة منها الّا بوجود هذه القوى المحافظة (ورأيت في حياتي بعض من هذه النماذج المحيّرة ، والتي كانت بالنسبة لي كشخص صعب التصديق دليلا على وجود هذا المعقّب اللامرئي).

2 ـ التغيير يبدأ من النفس (قانون عام)

تبيّن الجملة( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ ) والتي جاءت في موردين متفاوتين في القرآن الكريم ، انّها قانون عام ، قانون حاسم ومنذر!

٣٥٥

هذا القانون الذي هو واحد من القوانين الاساسيّة لعلم الاجتماع في الإسلام ، يقول لنا : انّ ما يصيبكم هو من عند أنفسكم ، وما أصاب القوم من السعادة والشقاء هو ممّا عملت أيديهم ، وما يقال من الحظّ والصدفة وما يحتمله المنجّمون ليس له أساس من الصحّة ، فالأساس والقاعدة هي ارادة الامّة إذا أرادت العزّة والافتخار والتقدّم ، او العكس ان أرادت هي الذلّة والهزيمة ، حتّى اللطف الالهي او العقاب لا يكون الّا بمقدّمة. فتلك ارادة الأمم في تغيير ما بأنفسهم حتّى يشملهم اللطف او العذاب الالهي.

وبتعبير آخر : انّ هذا الأصل القرآني الذي يبيّن واحدا من اهمّ المسائل الاجتماعية في الإسلام ، يؤكّد لنا ان اي تغيير خارجي للأمم مرتبط بالتغيير الداخلي لها ، واي نجاح او فشل يصيب الامّة ناشئ من هذا الأمر ، والذين يبحثون عن العوامل الخارجية لتبرير اعمالهم وتصرّفاتهم ويعتبرون القوى المستعمرة والمتسلّطة هي السبب في شقائهم يقعون في خطأ كبير ، لانّ هذه القوى الجهنميّة لا تستطيع ان تفعل شيئا إذا لم تكن لديها قدرة ومركز في داخل المجتمع.

المهمّ ان نطهّر مجتمعاتنا من هذه المقرّات والمراكز للمستعمرين ولا نجعلها تنفذ في داخل مجتمعنا ، فهؤلاء بمنزلة الشياطين ، ونحن نعلم انّ الشيطان ليس له سبيل على عباد الله المخلصين ، فهو يتسلّط على الذي مهّد له السبيل في داخله.

يقول هذا الأصل القرآني : انّنا يجب ان نثور من الداخل كي ننهي حالة الشقاء والحرمان ، ثورة فكرية وثقافية ، ثورة ايمانيّة وأخلاقية ، وأثناء وقوعنا في مخالب الشقاء يجب ان نبحث فورا عن نقاط الضعف فينا ، ونطهّر أنفسنا منها بالتوبة والرجوع الى الله ونبدأ حياة جديدة مفعمة بالنّور والحركة ، كي نستطيع في ظلّها ان نبدّل الهزيمة الى نصر ، لا ان نخفي نقاط الضعف وعوامل الهزيمة هذه ونبحث عنها في خارج المجتمع ونظلّ ندور في الطرق الملتوية.

٣٥٦

هناك كتب ومؤلّفات كثيرة كتبت عن عوامل انتصار المسلمين الأوائل ثمّ تضعضع سلطانهم بعد حين ، وكثير من تلك الأبحاث ظلّت تتعثّر في الطرق الملتوية ، ولكن إذا ما أردنا ان نستلهم من الأصل أعلاه والصادر من منبع الوحي فيجب ان نبحث عن ذاك النصر او تلك الهزيمة وعن عواملها الفكرية والعقائدية والاخلاقية في المسلمين. ففي الثورات المعاصرة ومن جملتها الثورة الاسلامية في ايران ، او ثورة الجزائر او ثورة المسلمين الافغان ، نشاهد بوضوح انطباق هذا الأصل القرآني عليها. فقبل ان تغيّر الدول المستعمرة والمستكبرة طريقتها في التعامل معنا ، غيّرنا نحن ما بأنفسنا فتغيّر كلّ شيء.

وعلى ايّة حال فهذا درس ليومنا ولغدنا ولمستقبلنا ولكلّ المسلمين والأجيال القادمة. ونحن نرى انّ القيادات المنتصرة فقط هي التي استطاعت ان تقود وتغيّر شعوبها على أساس هذا الأصل الخالد ، وفي تاريخ المسلمين والإسلام شواهد على ذلك كثيرة.

* * *

٣٥٧

الآيات

( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (15) )

التّفسير

قسم آخر من دلائل عظمة الله :

يتطرّق القرآن الكريم مرّة ثانية الى آيات التوحيد وعلائم العظمة واسرار الخلقة. فهذه الآيات تحاول ان تقرّب العلاقة بين الإنسان وربّه من خلال الاشارة الى بعض الظواهر الطبيعيّة بشكل موجز وعميق المعنى لكي يشعّ نور الايمان في

٣٥٨

قلوب الناس ، فتشير اوّلا الى البرق( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ) فالبرق بشعاعه يبهر العيون من جانب ، ويحدث صوتا مخيفا وهو الرعد من جانب آخر ، وقد يسبّب أحيانا الحرائق للناس وخصوصا في المناطق الصحراوية فيبعث على خوفهم ومن جانب آخر فإنّه يسبّب هطول الأمطار ويروي ظمأ الصحراء ويسقي المزروعات فيطمع فيه الناس ، وبين هذا الخوف والرجاء تمرّ عليهم لحظات حسّاسة. ثمّ تضيف الآية( وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ ) القادرة على ارواء ظمأ الاراضي الزراعية.

بركات الرعد والبرق :

نحن نعلم انّ ظاهرة البرق في المفهوم العلمي هي اقتراب سحابتين إحداهما من الاخرى ، وهما تحملان شحنات سالبة وموجبة ، فيتمّ تفريغ الشحنات بين السحابتين فتحدث شرارة عظيمة ، ويحدث مثل ذلك عند اقتراب سلكين أحدهما سالب والآخر موجب ، وإذا كنّا قريبين منهما فإنّنا نسمع صوتا خفيفا ، ولكن لاحتواء الغيوم على شحنات هائلة من الالكترونات فانّهما تحدثان صوتا شديدا يسمّى الرعد.

وإذا ما اقتربت سحابة تحمل الشحنة الموجبة من الأرض التي تحتوي على شحنات سالبة فستحدث شرارة تسمّى بالصاعقة ، وخطورتها تكمن في انّ الأرض والمناطق المرتفعة تعتبر راس السلك السالب ، حتّى الإنسان في الصحراء يمكن ان يمثّل هذا السلك فيحدث تفريغ للشحنات يحوّل الإنسان الى رماد في لحظة واحدة ، ولهذا السبب عند وقوع البرق والرعد في الصحراء يجب ان يلجأ الإنسان الى شجرة او حائط او الى الجبال او الى اي مرتفع آخر ، او ان يستلقي في ارض منخفضة.

وعلى ايّة حال فإنّ للبرق ـ الذي يسمّى في بعض الأحيان مزاح الطبيعة ـ

٣٥٩

فوائد جمّة عرفت من خلال ما كشفه العلم الحديث. ونشير هنا الى ثلاثة منها :

1 ـ السقي : ـ من الطبيعي انّ البرق تتولّد منه حرارة عالية جدّا قد تصل بعض الأحيان الى (15) الف درجة مئوية ، وهذه الحرارة كافية لان تحرق الهواء المحيط بها ، وفي النتيجة يقلّ الضغط الجوي ، فيسبّب سقوط الأمطار. ولهذا السبب نرى هطول الأمطار الغزيرة بعد حدوث البرق.

وهذه في الواقع واحدة من وظائف البرق (السقي).

2 ـ التعقيم : ـ ونتيجة للحرارة العالية التي يسبّبها البرق فسوف يزداد مقدار الاوكسجين في قطرات الماء ، ويسمّى هذا الماء بالماء الثقيل او الماء المؤكسد (2 O 2 H ) ومن آثاره قتل المكروبات ، ولهذا السبب يستعمل لغسل الجروح ، فعند نزول هذه القطرات الى الأرض سوف تبيد بيوض الحشرات والآفات الزراعية ، ولهذا السبب يقال انّ السنة الكثيرة الآفات الزراعية هي السنة القليلة البرق والرعد.

3 ـ التغذية والتسميد : ـ تتفاعل قطرات الماء مع الحرارة العالية للبرق لتنتج حامض الكاربون ، وعند نزولها الى الأرض وتركيبها مع محتوياتها تضع نوعا من السّماد النباتي ، فتتمّ تغذية النبات من هذا الطريق.

يقول بعض العلماء : انّ مقدار ما ينتجه البرق من الاسمدة في السنة يصل الى عشرات الملايين من الاطنان ، وهذه كميّة كبيرة جدّا.

وعلى ايّة حال نرى من خلال ظاهرة طبيعيّة صغيرة كلّ هذه المنافع والبركات ، فهي تقوم بالسقي ورشّ السموم والتغذية ، فيمكن ان تكون دليلا واضحا لمعرفة الله ، كلّ ذلك من بركات البرق. كما انّه يمكن ان يكون البرق عاملا مهمّا في إشعال الحرائق من خلال الصاعقة ، وقد تحرق الإنسان او الأشجار ، ومع انّها نادرة الحدوث ويمكن الوقاية منها ، فهي مع ذلك عامل خوف للناس ، فمفهوم الخوف والطمع للبرق قد يكون اشارة الى جميع هذه الأمور.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377