المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية5%

المذاهب الإسلامية مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 377

المذاهب الإسلامية
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 204953 / تحميل: 8771
الحجم الحجم الحجم
المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

محمّد البدر، آخر أئمة الزيديّة، فليرجع إلى كتابنا (بحوث في الملل والنحل). (١)

فكما قامت للزيديّة دولة في المغرب واليمن، فهكذا قامت دولة زيديّة في طبرستان بين الأعوام (٢٥٠ - ٣٦٠هـ)؛ حيث ظهر الحسن بن زيد بن محمّد بن إسماعيل بن زيد بن الحسين في طبرستان أيّام المستعين الله، وتمكّن من بسط نفوذه على طبرستان وجُرجان، وقام بعده أخوه محمّد بن زيد، ودخل بلاد الديلم عام ٢٧٧هـ، ثُمَّ ملك طبرستان بعد ذلك الناصر للحق الحسن بن عليّ المعروف بالأطروش، وجاء بعده الحسن بن القاسم، وبعده محمّد بن الحسن بن القاسم المتوفّى ٣٦٠هـ.

هذه إلمامة موجزة وضعتها أمام القارئ عن ثوّارهم ودولهم.

عقائد الزيديّة

لم يكن زيد الشهيد صاحب نهج كلامي ولا فقهي، فلو كان يقول بالعدل والتوحيد ويكافح الجبر والتشبيه، فلأجل أنّه ورثهما عن آبائه (عليهم السّلام)، وإن كان يفتي في مورد أو موارد، فهو يصدر عن الحديث الّذي يرويه عن آبائه.

نعم، جاء بعد زيد مفكّرون وعاة، وهم بين دعاة للمذهب، أو بناة للدولة في اليمن وطبرستان، فساهموا في إرساء مذهب باسم المذهب الزيدي، متفتّحين في الأُصول والعقائد مع المعتزلة، وفي الفقه وكيفيّة الاستنباط مع الحنفيّة، ولكن الصلة بين ما كان عليه زيد الشهيد في الأُصول والفروع وما أرساه

____________________

(١) بحوث في الملل والنحل: ٧/٣٧١ - ٣٨٦.

٢٤١

هؤلاء في مجالي العقيدة والشريعة منقطعة إلاّ في القليل منهما.

ولا أُغالي إذا قلت: إنّ المذهب الزيدي مذهب ممزوج ومنتزع من مذاهب مختلفة في مجالي العقيدة والشريعة، ساقتهم إلى ذلك الظروف السائدة عليهم، وصار مطبوعاً بطابع مذهب زيد، وإن لم يكن له صلة بزيد إلاّ في القسم القليل.

ومن ثَمَّ التقت الزيديّة في العدل والتوحيد مع شيعة أهل البيت جميعاً، إذ شعارهم في جميع الظروف والأدوار رفض الجبر والتشبيه، والجميع في التديّن بذينك الأصلين عيال على الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، كما أنّهم التقوا في الأُصول الثلاثة: ـ

١ - الوعد والوعيد.

٢ - المنزلة بين المنزلتين.

٣ - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. - مع المعتزلة حيث أدخلوا هذه الأُصول في مذهبهم ورتّبوا عليه:

١ - خلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات بلا توبة، وحرمانه من الشفاعة؛ لأنّها للعدول دون الفسّاق.

٢ - الشفاعة؛ بمعنى ترفيع الدرجة، لا الحطّ من الذنوب.

٣ - الفاسق في منزلة بين المنزلتين؛ فهو عندهم لا مؤمن ولا كافر بل فاسق.

فاستنتجوا الأمرين الأوّلين من الأصل الأوّل، والثالث من الأصل الثاني.

٢٤٢

وأمّا الأصل الثالث، فهو ليس من خصائص الاعتزال، ولا الزيديّة، بل يشاركهم الإماميّة. هذه عقائدهم في الأُصول.

وأمّا الفروع فقد التفّت الزيديّة حول القياس والاستحسان والإجماع، وجعلوا الثالث بما هو هو حجّة، كما قالوا بحجيّة قول الصحابي وفعله، وبذلك صاروا أكثر فِرق الشيعة انفتاحاً على أهل السنّة.

ولكن العلامة الفارقة والنقطة الشاخصة الّتي تميّز هذا المذاهب عمّا سواه من المذاهب، ويسوقهم إلى الانفتاح على الإماميّة والإسماعيليّة، هو القول بإمامة عليّ والحسنين بالنصّ الجليّ أو الخفيّ عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، والقول بأنّ تقدّم غيرهم عليهم كان خطأ وباطلاً.

وها نحن نأتي برؤوس عقائدهم الّتي يلتقون في بعضها مع المعتزلة والإماميّة:

١ - صفاته سبحانه عين ذاته، خلافاً للأشاعرة.

٢ - إنّ الله سبحانه لا يُرى ولا تجوز عليه الرؤية.

٣ - العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها.

٤ - الله سبحانه مريد بإرادة حادثة.

٥ - إنّه سبحانه متكلّم بكلام، وكلامه سبحانه فعله: وهو الحروف والأصوات.

٦ - أفعال العباد ليست مخلوقة لله سبحانه.

٧ - تكليف ما يطاق قبيح، خلافاً للمجبّرة والأشاعرة.

٨ - المعاصي ليس بقضاء الله.

٢٤٣

٩ - الإمامة تجب شرعاً لا عقلاً، خلافاً للإمامية.

١٠ - النصّ على إمامة زيد والحسنين عند الأكثريّة.

١١ - القضاء في فدك صحيح، خلافاً للإماميّة.

١٢ - خطأ المتقدّمين على عليّ في الخلافة قطعيّ.

١٣ - خطأ طلحة والزبير وعائشة قطعيّ.

١٤ - توبة الناكثين صحيحة.

١٥ - معاوية بن أبي سفيان فاسق لبغيه لم تثبت توبته.

هذه رؤوس عقائد الزيديّة استخرجناها من كتاب (القلائد في تصحيح الاعتقاد)، المطبوع في مقدّمة البحر الزخّار. (١)

فرق الزيديّة:

قد ذكر مؤرّخو العقائد للزيديّة فِرقاً، بين مقتصر على الثلاث، وإلى مفيض إلى ست، وإلى ثمان، منهم: الجاروديّة والسليمانيّة والبتريّة والنعيميّة، إلى غير ذلك من الفِرق، وبما أنّ هذه الفِرق كلّها قد بادت وذهبت أدراج الريح، مع بقاء الزيديّة في اليمن، ولا يوجد اليوم في اليمن بين الزيديّة من المفاهيم الكلاميّة المنسوبة إلى الفِرق كالجاروديّة أو السليمانيّة أو البتريّة أو الصالحيّة إلاّ مفهوم واحد، وهو المفهوم العام الّذي تعرفت عليه، وهو القول بإمامة زيد والخروج

____________________

(١) البحر الزخّار: ٥٢ - ٩٦.

٢٤٤

على الظلمة، واستحقاق الإمامة بالطلب والفضل، لا بالوراثة، مع القول بتفضيل عليّ - كرم الله وجهه - وأولويتّه بالإمامة، وقصرها من بعده في البطنين الحسن والحسين.

وأمّا أسماء تلك الفِرق والعقائد المنسوب إليهم، فلا توجد اليوم إلاّ في بطون الكتب والمؤلَّفات في الفِرق الإسلاميّة كالمِلل والنحل ونحوها، فإذا كان الحال في اليمن كما ذكره الفضيل شرف الدين، فالبحث عن هذه الفِرق من ناحية إيجابيّاتها وسلبيّاتها ليس مهمّاً بعد ما أبادهم الدهر، وإنّما اللاّزم دراسة المفهوم الجامع بين فِرقهم.

٢٤٥

١٥

الإسماعيليّة

الإسماعيليّة فِرقة من الشيعة القائلة بأنّ الإمامة بالتنصيص من النبيّ أو الإمام القائم مقامه، غير أنّ هناك خلافاً بين الزيديّة والإماميّة والإسماعيليّة في عدد الأئمّة ومفهوم التنصيص.

فالأئمّة المنصوصة خلافتهم وإمامتهم بعد النبيّ عند الزيديّة لا يتجاوز عن الثلاثة: عليّ أمير المؤمنين (عليه السّلام)، والسبطين الكريمين: الحسن والحسين (عليهما السّلام)، وبشهادة الأخير أغلقت دائرة التنصيص وجاءت مرحلة الانتخاب بالبيعة كما تقدم.

وأمّا الأئمّة المنصوصون عند الإماميّة فاثنا عشر إماماً آخرهم غائبهم يظهره الله سبحانه عندما يشاء، وقد حوّل أمر الأُمّة - في زمان غيبته - إلى الفقيه العارف بالأحكام والسنن والواقف على مصالح المسلمين على النحو المقرّر في كتبهم وتآليفهم.

وأمّا الإمامة عند الإسماعيليّة فهي تنتقل عندهم من الآباء إلى الأبناء، ويكون انتقالها عن طريق الميلاد الطبيعي، فيكون ذلك بمثابة نصّ من الأب بتعيين الابن، وإذا كان للأب عدّة أبناء فهو بما أُوتي من معرفة خارقة للعادة يستطيع أن يعرف من هو الإمام الّذي وقع عليه النص، فالقول بأنّ الإمامة عندهم بالوراثة أولى من القول بالتنصيص.

٢٤٦

وعلى كلّ حال فهذه الفِرقة منشقّة عن الشيعة، معتقدة بإمامة إسماعيل بن جعفر بن الإمام الصادق (عليه السّلام)، وإليك نبذة مختصرة عن سيرة إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السّلام) (١١٠ - ١٤٥هـ).

الإمام الأوّل للدعوة الإسماعيليّة:

إنّ إسماعيل هو الإمام الأوّل والمؤسّس للمذهب، فوالده الإمام الصادق (عليه السّلام) غنيّ عن التعريف وفضله أشهر من أن يُذكر، وأُمّه فاطمة بنت الحسين بن عليّ بن الحسين الّتي أنجبت أولاداً ثلاثة هم:

١ - إسماعيل بن جعفر.

٢ - عبد الله بن جعفر.

٣ - أُم فروة.

وكان إسماعيل أكبرهم، وكان أبو عبد الله (عليه السّلام) شديد المحبّة له والبرَّ به والإشفاق عليه، مات في حياة أبيه (عليه السلام) (بالعريض) وحمل على رقاب الرّجال إلى أبيه بالمدينة حتّى دفنه بالبقيع. (١)

استشهاد الإمام الصادق (عليه السّلام) على موته:

كان الإمام الصادق حريصاً على إفهام الشيعة بأنّ الإمامة لم تُكتب لإسماعيل، فليس هو من خلفاء الرسول الاثني عشر الّذين كُتبت لهم الخلافة والإمامة بأمر السماء وإبلاغ الرسول الأعظم.

____________________

(١) إرشاد المفيد: ٢٨٤.

٢٤٧

ومن الدواعي الّتي ساعدت على بثّ بذر الشبهة والشكّ في نفوس الشيعة في ذلك اليوم؛ هو ما اشتهر من أنّ الإمامة للولد الأكبر، وكان إسماعيل أكبر أولاده، فكانت أماني الشيعة معقودة عليه، ولأجل ذلك تركّزت جهود الإمام الصادق (عليه السّلام) على معالجة الوضع واجتثاث جذور تلك الشبهة وأنّ الإمامة لغيره، فتراه تارة ينصّ على ذلك، بقوله وكلامه، وأُخرى بالاستشهاد على موت إسماعيل وأنّه قد انتقل إلى رحمة الله ولن يصلح للقيادة والإمامة.

وإليك نموذجاً يؤيّد النهج الّذي انتهجه الإمام لتحقيق غرضه في إزالة تلك الشبهة.

روى النعماني عن زرارة بن أعين، أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السّلام) وعند يمينه سيّد ولده موسى (عليه السّلام) وقدّامه مرقد مغطّى، فقال لي: «يا زرارة جئني بداود بن كثير الرقي وحمران وأبي بصير» ودخل عليه المفضّل بن عمر، فخرجت فأحضرت من أمرني بإحضاره، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثر واحد حتّى صرنا في البيت ثلاثين رجلا.

فلمّا حشد المجلس قال: «يا داود اكشف لي عن وجه إسماعيل»، فكشف عن وجهه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا داود أحيٌّ هو أم ميّت؟» ، قال داود: يا مولاي هو ميّت، فجعل يعرض ذلك على رجل رجل، حتّى أتى على آخر من في المجلس، وانتهى عليهم بأسرهم، وكل يقول: هو ميّت يا مولاي، فقال: «اللّهم اشهد» ثُمَّ أمر بغسله وحنوطه، وإدراجه في أثوابه.

فلمّا فرغ منه قال للمفضّل: (يا مفضّل أحسر عن وجهه)، فحسر عن وجهه، فقال: «أحيُّ هو أم ميّت؟» فقال له: ميّت، قال(عليه السّلام): «اللّهم اشهد عليهم» ، ثُمَّ

٢٤٨

حمل إلى قبره، فلمّا وضع في لحده، قال: «يا مفضّل اكشف عن وجهه»، وقال للجماعة: (أحيّ هو أم ميّت؟)، قلنا له: ميّت، فقال: «اللّهم اشهد، واشهدوا فانّه سيرتاب المبطلون، يريدون إطفاء نور الله بأفواههم - ثُمَّ أومأ إلى موسى - والله متمّ نوره ولو كره المشركون»، ثُمَّ حثونا عليه التراب، ثُمَّ أعاد علينا القول، فقال: «الميّت، المحنّط، المكفّن المدفون في هذا اللحد من هو؟» قلنا: إسماعيل، قال: «اللّهم اشهد». ثُمَّ أخذ بيد موسى (عليه السّلام) وقال: «هو حقّ، والحقّ منه، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها». (١)

هل كان عمل الإمام تغطية لستره؟

إنّ الإسماعيليّة تدّعي أنّ ما قام به الإمام الصادق (عليه السّلام) كان تغطية؛ لستره عن أعين العباسيّين، الّذين كانوا يطاردونه بسبب نشاطه المتزايد في نشر التعاليم الّتي اعتبرتها الدولة العباسيّة منافية لقوانينها. والمعروف أنّه توجّه إلى سلمية ومنها إلى دمشق فعلم به عامل الخليفة، وهذا ما جعله يغادرها إلى البصرة ليعيش فيها متستّراً بقيّة حياته.

مات في البصرة سنة ١٤٣هـ، وكان أخوه موسى بن جعفر الكاظم حجاباً عليه، أمّا وليّ عهده محمّد فكان له من العمر أربع عشرة سنة عند موته. (٢)

ما ذكره أُسطورة حاكتها يدُ الخيال، ولم يكن الإمام الصادق (عليه السّلام) ولا أصحابه الأجلاّء، ممّن تتلمذوا في مدرسة الحركات السريّة، حتّى يفتعل موت ابنه بمرأى ومسمع من الناس وهو بعد حيّ يرزق، ولم يكن عامل الخليفة

____________________

(١) غيبة النعماني: ٣٢٧، الحديث ٨، ولاحظ؛ بحار الأنوار: ٤٨/٢١.

(٢) عارف تامر: الإمامة في الإسلام: ١٨٠.

٢٤٩

بالمدينة المنوّرة بليداً، يكتفي بالتمويه، حتّى يتسلّم المحضر ويبعث به إلى دار الخلافة العبّاسيّة.

والظاهر أنّ إصرارهم بعدم موت إسماعيل في حياة أبيه جعفر الصادق (عليه السّلام)، لأجل تصحيح إمامة ابنه عبد الله بن إسماعيل؛ حتّى يتسنّى له أخذ الإمامة من أبيه الحيّ بعد حياة الإمام الصادق (عليه السّلام).

لكن الحقّ أنّه توفّي أيّام حياة أبيه، بشهادة الأخبار المتضافرة الّتي تعرّفت عليها، وهل يمكن إغفال أُمّة كبيرة وفيهم جواسيس الخليفة وعمّالها؟!، وستْر رحيل إسماعيل إلى البصرة بتمثيل جنازة بطريقة مسرحيّة يُعلن بها موته، فإنّه منهج وأُسلوب السياسيّين المخادعين، المعروفين بالتخطيط والمؤامرة، ومن يريد تفسير فعل الإمام عن هذا الطريق فهو من هؤلاء الجماعة (وكلّ إناء بالّذي فيه ينضح). وأين هذا من وضع الجنازة مرّات وكشف وجهه والاستشهاد على موته وكتابة الشهادة على كفنه؟!

والتاريخ يشهد على أنّه لم يكن لإسماعيل ولا لولَده الإمام الثاني، أيّة دعوة في زمان أبي جعفر المنصور ولا ولَده المهدي العبّاسي، بشهادة أنّ ابن المفضّل كتب كتاباً ذكر فيه صنوف الفِرق، ثُمَّ قرأ الكتاب على الناس، فلم يذكر فيه شيئاً من تلك الفِرقة مع أنّه ذكر سائر الفِرق الشيعيّة البائدة.

والحق إنّ إسماعيل كان رجلاً ثقة، محبوباً للوالد، وتوفّي في حياة والده وهو عنه راض، ولم تكن له أي دعوة للإمامة، ولم تظهر أي دعوة باسمه أيّام خلافة المهدي العبّاسي الّذي توفّي عام ١٦٩هـ، وقد مضى على وفاة الإمام الصادق (عليه السّلام) إحدى وعشرون سنة.

٢٥٠

الخطوط العريضة للمذهب الإسماعيلي

إنّ للمذهب الإسماعيلي آراء وعقائداً:

الأُولى: انتماؤهم إلى بيت الوحي والرسالة:

كانت الدعوة الإسماعيليّة يوم نشوئها دعوة بسيطة لا تتبنّى سوى: إمامة المسلمين، وخلافة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) واستلام الحكم من العباسيّين بحجة ظلمهم وتعسّفهم، غير أنّ دعوة بهذه السذاجة لا يُكتب لها البقاء إلاّ باستخدام عوامل تضمن لها البقاء، وتستقطب أهواء الناس وميولهم.

ومن تلك العوامل الّتي لها رصيد شعبي كبير هو ادّعاء انتماء أئمّتهم إلى بيت الوحي والرسالة وكونهم من ذريّة الرسول وأبناء بنته الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السّلام)، وكان المسلمون منذ عهد الرسول يتعاطفون مع أهل بيت النبيّ، وقد كانت محبّتهم وموالاتهم شعار كلّ مسلم واع.

وممّا يشير إلى ذلك أنّ الثورات الّتي نشبت ضد الأُمويّين كانت تحمل شعار حبّ أهل البيت (عليهم السّلام) والاقتداء بهم والتفاني دونهم، ومن هذا المنطلق صارت الإسماعيليّة تفتخر بانتماء أئمّتهم إلى النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، حتّى إذا تسلّموا مقاليد الحكم وقامت دولتهم اشتهروا بالفاطميّين، وكانت التسمية يومذاك تهزّ المشاعر وتجذب العواطف بحجّة أنّ الأبناء يرثون ما للآباء من الفضائل والمآثر، وأنّ

٢٥١

تكريم ذريّة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تكريم له (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فشتّان ما بين بيت أُسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه وبيت أُسّس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم.

الثانية: تأويل الظواهر:

إنّ تأويل الظواهر وإرجاعها إلى خلاف ما يتبادر منها في عرف المتشرّعة هي السمة البارزة الثانية للدعوة الإسماعيليّة، وهي إحدى الدعائم الأساسيّة؛ بحيث لو انسلخت الدعوة عن التأويل واكتفت بالظواهر لم تتميّز عن سائر الفِرق الشيعيّة إلاّ بصرف الإمامة عن الإمام الكاظم (عليه السّلام) إلى أخيه إسماعيل بن جعفر، وقد بنوا على هذه الدعامة مذهبهم في مجالي العقيدة والشريعة، وخصوصاً فيما يرجع إلى تفسير الإمامة وتصنيفها إلى أصناف.

إنّ تأويل الظواهر والتلاعب بآيات الذكر الحكيم وتفسيرها بالأهواء والميول جعل المذهب الإسماعيلي يتطوّر مع تطوّر الزمان، ويتكيّف بمكيّفاته، ولا ترى الدعوة أمامها أي مانع من مماشاة المستجدات وإن كانت على خلاف الشارع أو الضرورة الدينيّة.

الثالثة: تطعيم مذهبهم بالمسائل الفلسفيّة:

إنّ ظاهرة الجمود على النصوص والظواهر ورفض العقل في مجالات العقائد، كانت من أهم ميّزات العصر العبّاسي، هذه الظاهرة ولّدت رد فعل عند أئمّة الإسماعيليّة، فانجرفوا في تيّارات المسائل الفلسفيّة وجعلوها من صميم

٢٥٢

الدّين وجذوره، وانقلب المذهب إلى منهج فلسفي يتطوّر مع تطوّر الزمن، ويتبنّى أُصولاً لا تجد منها في الشريعة الإسلاميّة عيناً ولا أثراً.

يقول المؤرّخ الإسماعيلي المعاصر مصطفى غالب: إنّ كلمة (إسماعيليّة) كانت في بادئ الأمر تدلّ على أنّها من إحدى الفِرق الشيعيّة المعتدلة، لكنّها صارت مع تطوّر الزمن حركة عقليّة تدلّ على أصحاب مذاهب دينيّة مختلفة، وأحزاب سياسيّة واجتماعيّة متعدّدة، وآراء فلسفيّة وعلميّة متنوّعة. (١)

الرابعة: تنظيم الدعوة:

ظهرت الدعوة الإسماعيليّة في ظروف ساد فيها سلطان العبّاسيّين شرق الأرض وغربها، ونشروا في كلِّ بقعة جواسيس وعيوناً ينقلون الأخبار إلى مركز الخلافة الإسلاميّة، ففي مثل هذه الظروف العصيبة لا يُكتب النجاح لكلّ دعوة تقوم ضدّ السلطة إلاّ إذا امتلكت تنظيماً وتخطيطاً متقناً يضمن استمرارها، ويصون دعاتها وأتباعها من حبائل النظام الحاكم وكشف أسرارهم.

وقد وقف الدعاة على خطورة الموقف، وأحسّوا بلزوم إتقان التخطيط والتنظيم، وبلغوا فيه الذروة؛ بحيث لو قُورنت مع أحدث التنظيمات الحزبيّة العصريّة، لفاقتها وكانت لهم القدح المعلّى في هذا المضمار، وقد ابتكروا أساليب دقيقة يقف عليها من سبر تراجمهم وقرأ تاريخهم، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل جعلوا تنظيمات الدعوة من صميم العقيدة وفلسفتها.

____________________

(١) تاريخ الدعوة الإسماعيليّة: ١٤.

٢٥٣

الخامسة: تربية الفدائيّين للدفاع عن المذهب:

إنّ الأقلّية المعارضة من أجل الحفاظ على كيانها لا مناص لها من تربية فدائيّين مضحّين بأنفسهم في سبيل الدعوة؛ لصيانة أئمتهم ودعاتهم من تعرّض الأعداء، فينتقون من العناصر المخلصة المعروفة بالتضحية والإقدام، والشجاعة النادرة، والجرأة الخارقة ويكلّفون بالتضحيات الجسديّة، وتنفيذ أوامر الإمام أو نائبه، وإليك هذا النموذج:

في سنة ٥٠٠ هـ فكّر فخر الملك بن نظام وزير السلطان سنجر، أن يُهاجم قلاع الإسماعيليّة، فأوفد إليه الحسن بن الصباح أحد فدائيّيه فقتله بطعنة خنجر، ولقد كانت قلاعه في حصار مستمر من قبل السلجوقيّين.

السادسة: كتمان الوثائق:

إنّ استعراض تاريخ الدعوات الباطنيّة السرّيّة وتنظيماتها رهن الوقوف على وثائقها ومصادرها الّتي تنير الدرب لاستجلاء كنهها، وكشف حقيقتها وما غمض من رموزها ومصطلحاتها، ولكن للأسف الشديد أنّ الإسماعيليّة كتموا وثائقهم وكتاباتهم ومؤلّفاتهم وكلّ شيء يعود لهم، ولم يبذلوها لأحد سواهم، فصار البحث عن الإسماعيليّة بطوائفها أمراً مستعصياً، إلاّ أن يستند الباحث إلى كتب خصومهم وما قيل فيهم، ومن المعلوم أنّ القضاء في حقّ طائفة استناداً إلى كلمات مخالفيهم خارج عن أدب البحث النزيه.

٢٥٤

السابعة: الأئمّة المستورون والظاهرون:

إنّ الإسماعيليّة أعطت للإمامة مركزاً شامخاً، وصنّفوا الإمامة إلى رُتب ودرجات، وزوّدوها بصلاحيّات واختصاصات واسعة، غير أنّ المهمَّ هنا الإشارة إلى تصنيفهم الإمام إلى مستور دخل كهف الاستتار، وظاهر يملك جاهاً وسلطاناً في المجتمع، فالأئمّة المستورون هم الّذين نشروا الدعوة سرّاً وكتماناً، وهم:

١ - إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السّلام) (١١٠ - ١٤٥هـ).

٢ - محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الحبيب) (١٣٢ - ١٩٣هـ)، ولد في المدينة المنوّرة وتسلّم شؤون الإمامة واستتر عن الأنظار خشية وقوعه بيد الأعداء. ولقّب بالإمام المكتوم لأنّه لم يعلن دعوته وأخذ في بسطها خفية.

٣ - عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الوافي) (١٧٩ - ٢١٢هـ)، ولد في مدينة محمّد آباد، وتولّى الإمامة عام ١٩٣هـ بعد وفاة أبيه، وسكن السلمية عام ١٩٤هـ مصطَحباً بعدد من أتباعه؛ وهو الّذي نظّم الدعوة تنظيماً دقيقاً.

٤ - أحمد بن عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (التقي) (١٩٨ - ٢٦٥هـ)، وتولّى الإمامة عام ٢١٢هـ، سكن السلمية سرّاً حيث أصبحت مركزاً لنشر الدعوة.

٥ - الحسين بن أحمد بن عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الرضي) (٢١٢ - ٢٨٩هـ) تولّى الإمامة عام ٢٦٥هـ، ويقال أنّه اتّخذ عبد الله بن ميمون القدّاح حجّة له وحجاباً عليه.

٢٥٥

الأئمّة الظاهرون:

٦ - عبيد الله المهدي (٢٦٠ - ٣٢٢هـ) والمعروف بين الإسماعيليّة أنّ عبيد الله المهدي الّذي هاجر إلى المغرب وأسّس هناك الدولة الفاطميّة كان ابتداءً لعهد الأئمّة الظاهرين الّذين جهروا بالدعوة وأخرجوها عن الاستتار.

٧ - محمّد بن عبيد الله القائم بأمر الله (٢٨٠ - ٣٣٤هـ)، ولد بالسلمية، ارتحل مع أبيه عبيد الله المهدي إلى المغرب وعهد إليه بالإمامة من بعده.

٨ - إسماعيل المنصور بالله (٣٠٣ - ٣٤٦هـ)، ولد بالقيروان، تسلّم شؤون الإمامة بعد وفاة أبيه سنة ٣٣٤هـ.

٩ - معد بن إسماعيل المعزّ لدين الله (٣١٩ - ٣٦٥هـ)، مؤسس الدولة الفاطميّة في مصر.

١٠ - نزار بن معد العزيز بالله (٣٤٤ - ٣٨٦هـ)، ولي العهد بمصر سنة ٣٦٥هـ، واستقلّ بالأمر بعد وفاة أبيه، وكانت خلافته إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفاً.

١١ - منصور بن نزار الحاكم بأمر الله (٣٧٥ - ٤١١هـ)، بويع بالخلافة سنة ٣٨٦هـ وكان عمره أحد عشر عاماً ونصف العام، وهو من الشخصيّات القليلة الّتي لم تتجلّ شخصيّته بوضوح، وقام بأعمال إصلاحيّة زعم مناوئوه أنّها من البدع.

وأمّا عن مصير الحاكم، فمجمل القول فيه أنّه فُقد في سنة ٤١١هـ، ولم يُعلم مصيره، وحامت حول كيفيّة اغتياله أساطير لا تتلاءم مع الحاكم المقتدر.

٢٥٦

وبعد اختفائه انشقّت فِرقة من الإسماعيليّة ذهبت إلى إلوهيّة الحاكم وغيبته، وهم المعروفون اليوم بـ (الدروز) يقطنون لبنان.

١٢ - عليّ بن منصور الظاهر لإعزاز دين الله (٣٩٥ - ٤٢٧هـ)، بويع بالخلافة وعمره ستة عشر عاماً، وشنّ حرباً على الدروز محاولاً إرجاعهم إلى العقيدة الفاطميّة الأصيلة.

١٣ - معد بن عليّ المستنصر بالله (٤٢٠ - ٤٨٧هـ)، بويع بالخلافة عام ٤٢٧هـ، وكان له من العمر سبعة أعوام، وقد ظلّ في الحكم ستّين عاماً، وهي أطول مدّة في تاريخ الخلافة الإسلاميّة.

إلى هنا تمّت ترجمة الأئمّة الثلاثة عشر الّذين اتّفقت كلمة الإسماعيليّة على إمامتهم وخلافتهم، ولم يشذّ منهم سوى الدروز الّذين انشقوا عن الإسماعيليّة في عهد خلافة الحاكم بأمر الله، وصار وفاة المستنصر بالله سبباً لانشقاق آخر وظهور طائفتين من الإسماعيليّة، بين مستعلية تقول بإمامة أحمد المستعلي بن المستنصر بالله، ونزاريّة تقول بإمامة نزار بن المستنصر.

وسنأتي بالحديث عن الإسماعيليّة المستعلية والنزاريّة فيما يلي.

٢٥٧

الإسماعيليّة المستعلية

صارت وفاة المستنصر بالله سبباً لانشقاق الإسماعيليّة مرّة ثانية - بعد انشقاق الدروز في المرّة الأُولى - فمنهم من ذهب إلى إمامة أحمد المستعلي بن المستنصر بالله، ومنهم من ذهب إلى إمامة نزار من المستنصر بالله، وإليك الكلام في أئمّة المستعلية في هذا الفصل مقتصرين على أسمائهم وتاريخ ولادتهم ووفاتهم:

١ - الإمام أحمد بن معد بن عليّ المستعلي بالله (٤٦٧ - ٤٩٥هـ).

٢ - الإمام منصور بن أحمد الآمر بأحكام الله (٤٩٠ - ٥٢٤هـ).

قال ابن خلّكان: مات الآمر بأحكام الله ولم يعقب، وربّما يقال: أنّ الآمر مات وامرأته حامل بالطيّب. فلأجل ذلك عهد الآمر بأحكام الله الخلافة إلى الحافظ، الظافر، الفائز، ثُمَّ إلى العاضد، وبما أنّ هؤلاء لم يكونوا من صلب الإمام السابق، بل كانوا من أبناء عمّه صاروا دعاة؛ حيث لم يكن في الساحة إمام، ودخلت الدعوة المستعلية بعد اختفاء الطيّب بالستر، وما تزال تنتظر عودته، وتوقّفت عن السير وراء الركب الإمامي واتّبعت نظام الدعاة المطلقين.

٣ - الداعي عبد المجيد بن أبي القاسم محمّد بن المستنصر الحافظ لدين الله (٤٦٧ - ٥٤٤هـ).

٤ - الداعي إسماعيل بن عبد المجيد الظافر بأمر الله (٥٢٧ - ٥٤٩ هـ).

٢٥٨

٥ - الداعي عيسى بن إسماعيل الفائز بنصر الله (٥٤٤ - ٥٥٥هـ).

٦ - عبد الله بن يوسف العاضد لدين الله (٥٤٦ - ٥٦٧هـ).

ثُمَّ إنّ العاضد فوّض الوزارة إلى صلاح الدين الأيّوبي الّذي بذل الأموال على أصحابه وأضعف العاضد باستنفاد ما عنده من المال، فلم يزل أمره في ازدياد وأمر العاضد في نقصان، حتّى تلاشى العاضد وانحلّ أمره، ولم يبق له سوى إقامة ذكره في الخطبة، وتتبّع صلاح الدين جُند العاضد، وأخذ دور الأمراء وإقطاعاتهم فوهبها لأصحابه، وبعث إلى أبيه وإخوته وأهله، فقدموا من الشام عليه، وعزل قُضاة مصر الشيعة، واختفى مذهب الشيعة إلى أنّ نُسي من مصر، وقد زادت المضايقات على العاضد وأهل بيته، حتّى مرض ومات وعمره إحدى وعشرون سنة إلاّ عشرة أيام، وهو آخر الخلفاء الفاطميّين بمصر، وكانت مدّتهم بالمغرب ومصر منذ قام عبيد الله المهدي إلى أن مات العاضد ٢٧٢ سنة، منها بالقاهرة ٢٠٨ سنين.(١)

تتابع الدعاة عند المستعلية:

قد عرفت أنّ ركب الإمامة قد توقّف عند المستعلية وانتهى الأمر إلى الدعاة الّذين تتابعوا إلى زمان ٩٩٩هـ، وعند ذلك افترقت المستعلية إلى فِرقتين: داوديّة، وسليمانيّة، وذلك بعد وفاة الداعي المطلق داود بن عجب شاه، انتخبت مستعلية كجرات داود بن قطب شاه خلفاً له، ولكن اليمانيّين عارضوا ذلك وانتخبوا داعياً آخر، يُدعى سليمان بن

____________________

(١) انظر الخطط المقريزيّة: ١/٣٥٨ - ٣٥٩.

٢٥٩

الحسن، ويقولون: إنّ داود قد أوصى له بموجب وثيقة ما تزال محفوظة.

إنّ الداعي المطلق للفِرقة الإسماعيليّة المستعلية الداوديّة اليوم هو طاهر سيف الدّين، ويُقيم في بومباي الهند، أمّا الداعي المطلق للفِرقة المستعلية السليمانيّة فهو عليّ بن الحسين، ويقيم في مقاطعة نجران بالحجاز. (١)

جناية التاريخ على الفاطميّين:

لاشكّ أنّ كلّ دولة يرأسها غير معصوم لا تخلو من أخطاء وهفوات، وربّما تنتابها بين آونة وأُخرى حوادث وفتن تضعضع كيانها وتشرفها على الانهيار.

والدولة الفاطميّة غير مستثناة عن هذا الخط السائد؛ فقد كانت لديها زلاّت وعثرات، إلاّ أنّها قامت بأعمال ومشاريع كبيرة لا تقوم بها إلاّ الدولة المؤمنة بالله سبحانه وشريعته، كالجامع الأزهر الّذي ظلّ عبر الدهور يُنير الدرب لأكثر من ألف سنة، كما أنّهم أنشأوا جوامع كبيرة ومدارس عظيمة مذكورة في تاريخهم، وبذلك رفعوا الثقافة الإسلاميّة إلى مرتبة عالية، وتلك الأعمال جعلت لهم في قلوب الناس مكانة عالية.

غير أنّا نرى أنّ أكثر المؤرّخين يصوّرها بأنّها من أكثر العصور ظلاماً في التاريخ؛ شأنها في ذلك شأن سائر الفراعنة، وليس هذا إلاّ حدسيّات وتخمينات أخذها أصحاب أقلام السِّير والتاريخ من رُماة القول على عواهنه دون أن يُمعنوا فيه.

____________________

(١) عارف تامر: الإمامة في الإسلام: ١٦٢.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377