المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية0%

المذاهب الإسلامية مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 377

المذاهب الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 377
المشاهدات: 195132
تحميل: 7981

توضيحات:

المذاهب الإسلامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 195132 / تحميل: 7981
الحجم الحجم الحجم
المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وعلى مدينة النجف الأشرف، ويعودون ناهبين سارقين، وكانت البداية هي الهجوم على مدينة كربلاء عام 1216هـ، كما سبقت الإشارة إليه.

وقد اتّفقت كلمات المؤلّفين من الشيعة على أن ذلك الهجوم كان في يوم عيد الغدير المجيد؛ ذكرى تعيين النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الإمامَ عليّ بن أبي طالب خليفة له من بعده. (1)

يقول العلاّمة المرحوم السيّد محمّد جواد العاملي (2) :

(وقد منَّ الله سبحانه بفضله وإحسانه وببركة محمّد وآله - صلَّى اللهُ عليهم أجمعين ـ؛ لإتمام هذا الجزء من كتاب (مفتاح الكرامة)، بعد انتصاف اللّيل من اللّيلة التاسعة من شهر رمضان المبارك سنة 1225هـ على يد مصنّفه... وكان مع تشويش البال واختلال الحال، وقد أحاطت الأعراب؛ من عُنيزة القائلين بمقالة الوهّابيّ الخارجي، بالنجف الأشرف ومشهد الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد قطعوا الطّرق ونَهبوا زوّار الحسين (عليه السّلام) بعد منصرفهم من زيارة نصف شعبان، وقتلوا منهم جماعة غفيرة، وأكثر القتلى من العجم، وربّما قيل بأنهم مائة وخمسون، وقيل أقل...).

نعم، إنّ التوحيد الَّذي كان يدعو إليه محمّد بن عبد الوهّاب وجماعته - وكانوا يبيحون دماء وأموال مَن يرفض دعوتهم - هو القول بأنّ الله على العرش، يقول في الرسالة الحمويّة: إنّ الله سبحانه وتعالى فوق كلّ شيء، وعلى كلّ شيء، وإنّه فوق السماء.

____________________

(1) لمزيد من المعلومات عن عيد الغدير المجيد راجع: الغدير،ج1، الشيخ الأميني.

(2) في كتابه الفقهي القيّم مفتاح الكرامة: 7/653.

٣٠١

ثُمَّ يستدلّ على أنّه فوق السماء بقصة معراج الرسول إلى ربّه، ونزول الملائكة من عند الله وصعودهم إليه، إلى غير ذلك من الروايات.

ويستشهد بشعر عبد الله بن رواحة الّذي أنشده للنبيّ - حسب زعمه -:

شـهدت بـأنّ وعد الله حقّ

وأنّ الـنّار مثوى الكافرينا

وأنّ العرش فوق الماء طافٍ

وفوق العرش ربُّ العالمينا

إلى أمثال هذه الروايات الّتي استنتج منها أنّه سبحانه على العرش وله جهة. (1)

ونحن نقتصر على ذلك، فمَن حاول أن يقف على التوحيد الّذي دعا إليه فليرجع إلى الجزء الرابع من كتابنا (بحوث في الملل والنحل)، ولكن نقتصر في المقام بما ذكره ابن بطّوطة في رحلته، يقول: حضرتُ يوم الجمعة بدمشق المسجد الّذي يخطب فيه على منبر الجامع أحمد بن تيميّة، فكان من جملة كلامه: أنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يُعرف بابن الزهراء، وأنكر ما تكلّم به، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه، وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً. (2)

ويظهر من كتاب (الردّ على الأخنائي) لابن تيميّة أنّه كان يعتبر الأحاديث المرويَّة في فضل زيارة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أحاديث موضوعة، ويصرّح بأنّ من يعتقد بحياة رسول الله بعد وفاته، كحياته زمن حياته فقد ارتكب خطأً كبيراً.

____________________

(1) الرسالة الحمويّة الكبرى: الرسالة 11 من مجموع الرسائل الكبرى، ابن تيميّة: 429 - 432.

(2) ابن بطّوطة، الرحلة: 95 - 96، ط دار صادر.

٣٠٢

وهذا ما يعتقده محمّد بن عبد الوهّاب وأتباعه، وقد زادوا على ابن تيميّة في الانحراف والباطل.

لقد أدَّت معتقدات الوهّابيّين الباطلة ببعض الباحثين في الشأن الإسلامي إلى القول أن أولئك الّذين نظروا في كُتب الوهّابيّة وتعرَّفوا على الإسلام من مطبوعاتهم، اعتبروا الإسلام ديناً جامداً محدوداً لا يُنْتَفع به في كلّ العصُور والأزمان.

يقول (لو تروب ستو دارد) الأمريكي:

(... وقام على أثر ذلك عدد من النَّقَدة، اتّخذوا الوهّابية دليلاً لكلامهم، وقالوا: إنّ الإسلام - بجوهره وطبائعه - غير قابل للتكيّف على حسَب مقتضيات العصور ومُماشاة أحوال الترقّي والتبدّل، وليس إلفاً لتطوّرات الأزمنة وتغيّرات الأيّام...). (1)

ومن الجدير بالذكر أنّ علماء المذهب الحنبلي ثاروا ضدّ محمّد بن عبد الوهّاب وحكموا بانحرافه وبطلان عقائده منذ البداية.

وأوّل من تصدّى له وأعلن الحرب عليه هو أبوه الشيخ عبد الوهّاب، ثُمَّ أخوه الشيخ سليمان، و كلاهما من علماء الحنابلة.

وقد كتب الشيخ سليمان كتاباً بعنوان: (الصواعق الإلهيّة في الردّ على الوهّابيّة)، ردَّ فيه على أباطيل أخيه وخُزُعْبُلاته.

يقول زيني دحلان - ما معناه -:

(... وكان عبد الوهّاب - والد الشيخ محمّد - رجلاً صالحاً من أهل العلم،

____________________

(1) حاضِر العالَم الإسلامي: 1/264.

٣٠٣

وكان الشيخ سليمان - أخو محمّد - من أهل العلم أيضاً، وبما أنّ الشيخ عبد الوهّاب والشيخ سليمان كانا من بداية الأمر - أي من يوم كان محمّد يواصل دراسته في المدينة المنوّرة - على علم بأفكار محمّد الشاذّة، لذلك كانا يلومانه على أقواله ويُحذّران الناس منه...) (1) .

ويقول عبّاس محمود العقّاد المصري: (... وأكبر مَن خالف الشيخ في ذلك أخوه الشيخ سليمان - صاحب كتاب الصواعق الإلهيّة - وهو لا يُسلّم لأخيه بمنزلة الاجتهاد والاستقلال بفهم الكتاب والسنّة...) (2) .

ويرى الشيخ سليمان أنّ البدَع التي يمرّ بها الأئمّة - جيلاً بعد جيل - ولا يُكفّرون أصحابها، لا يكون الكفر فيها من اللزوم الَّذي يوجب القطع به ويُستباح من أجله القتال، ويقول الشيخ سليمان في ذلك: إنّ هذه الأُمور حدثت من قبل زمن الإمام أحمد بن حنبل في زمان أئمّة الإسلام، وأنكرها من أنكرها منهم، ولا زالت حتّى ملأت بلاد الإسلام كلّها، وفُعلتْ هذه الأفاعيل كلّها الّتي تُكفِّرون بها، ولم يُروَ عن أحدٍ من أئمّة المسلمين أنّهم كفَّروا بذلك، ولا قالوا هؤلاء مرتدُّون، ولا أمروا بجهادهم، ولا سمُّوا بلاد المسلمين بلاد شرك وحرب كما قلتم أنتم، بل كفَّرتم من لم يُكفّر بهذه الأفاعيل وإن لم يفعلها...). (3)

____________________

(1) الفتوحات الإسلاميّة: 2/357.

(2) هذه الجملة تستدعي التوقّف والتأمّل، فمحمّد بن عبد الوهّاب كان يدّعي بلوغه درجة الاجتهاد والاستقلال بفهم الكتاب والسنّة، ولكن أخاهُ الشيخ سليمان كان يردّ عليه هذا الادّعاء ويعتبره دون منزلة الاجتهاد والاستقلال بالرأي - وأهل البيت أدرى بما فيه ـ؛ إذن: آراء محمّد بن عبد الوهّاب وأفكاره كلّها باطلة وخاطئة بشهادة أخيه الشيخ؛ لأنّها نابعة من علم ناقص وفكر هابط.

(3) الإسلام في القرن العشرين حاضره ومستقبله: 72 - 73، ط نهضة مصر.

٣٠٤

هذا... وقد سبق أنّ محمّد بن عبد الوهّاب ليس أوّل مبتدع في آرائه وأفكاره؛ بل سبقه إلى ذلك - بقرون عديدة - ابن تيميّة الحرّاني وتلميذه ابن القيّم الجوزيّة وأمثالهما، إلاّ أنّ أفكارهم لم تتّخذ لنفسها طابع المذهب كما أحدث ذلك ابن عبد الوهّاب.

الردود على قائد الوهّابيّين:

إنّ حركة محمّد بن عبد الوهّاب هي امتداد لحركة أُستاذه ابن تيميّة الحرّاني الدمشقي الّذي خرج من (حرّان) دمشق في القرن الثامن الهجري، وقد تبنّى عقائد منحرفة وآراء شاذّة بلبلت أذهان المسلمين، ومزّقت وحدتهم، وفرّقت جماعتهم، وأوقدت نيران الفتنة في مجتمعهم، ونظراً لآرائه السقيمة وأفكاره المنحرفة فقد تصدّى علماء عصره لنقد آرائه والحكم بانحرافه، وخاصّة بعد ما كتب عقائده الباطلة ونشَرها بين الناس.

وقد تلخّصت الحرب الدينيّة ضدّ ابن تيميّة في نقطتين:

الأُولى: تأليف الكتب وكتابة الردود على أفكاره الباطلة، وتزييفها على ضوء القرآن والسنَّة الشريفة.

وكنموذج من ذلك نُشير إلى بعض ما صدر ضدّه من الكتب:

1 - شفاء السقام في زيارة قبر الإمام: بقلم تقيّ الدين السبكي.

2 - الدرّة المضيئة في الردّ على ابن تيميّة: بقلم المؤلّف السابق.

3 - المقالة المرضيّة: تأليف قاضي قضاة المالكيّة تقيّ الدين أبي عبد الله الأخنائي.

٣٠٥

4 - نجم المهتدي ورجم المقتدي: بقلم فخر بن محمّد القرشي.

5 - دفع الشبهة: بقلم تقيّ الدين الحصني.

6 - التحفة المختارة في الردّ على منكر الزيارة: بقلم تاج الدين.

هذه بعض الردود الّتي كُتبت ضدّ عقائد ابن تيميّة وآرائه السقيمة، وكشفتْ عن سفاهتها وقشريَّتها.

الثانية: هجوم العلماء والفقهاء عليه، وإصدار الحكم والفتوى بفسقه تارةً، وبكفره تارةً أُخرى، والتحذير من البدَع الّتي أحدثها في الدين الحنيف.

ومنهم قاضي القضاة في مصر (البدر بن جماعة)، فقد كتبوا إليه رأي ابن تيميّة في زيارة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فكتب قاضي القضاة:

(إنّ زيارة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) سُنَّة مستحبّة، وقد اتّفق العلماء على ذلك، وكلّ من يرى حرمة زيارته يجب على العلماء زجره ونهيه عن مثل هذه الآراء، فإن لم يردعه ذلك لزم حبسُه وفضحه بين الناس حتّى لا يقتدوا به).

وليس هذا القاضي الشافعي في مصر وحيداً في فتواه هذه، بل أصدر قضاة المالكيّة والحنبليّة فتاوى مماثلة في تفسيق ابن تيميّة والحكم بضلاله وانحرافه. (1)

وبالإضافة إلى ذلك كلّه، فقد كتب الذهبي الَّذي يُعتبر من علماء القرن الثامن الهجري، وله تأليفات قيّمة في الحديث والرجال - وكان مُعاصراً لابن

____________________

(1) للتفصيل راجع: دفع الشبهة، تأليف: تقي الدين الحصني.

٣٠٦

تيميّة - كتب رسالة ودّية إليه ينهاه فيها عن منكراته، وشبَّهه فيها بالحجّاج الثقفي في ضلاله وفساده. (1)

إلى أن أهْلك الله ابنَ تيميّة في عام 728هـ في سجن الشام، فحاول تلميذه ابن القيّم أن يواصل نهج أُستاذه، لكنّه لم يفلح في ذلك، فماتت أفكار ابن تيميّة بموته، وفنيتْ بفنائه، وزالت بزواله، واستراح المؤمنون من بدعه وضلالاته.

إلى أن ألقى الشيطان حبائله من جديد، فجاء محمّد بن عبد الوهّاب حاملاً أفكار ابن تيميّة البائدة واتفق مع آل سعود ليقوم كلّ منهما بتأييد الآخر، هذا في الحكم وذاك في التشريع، فعاد الضلال يَنشر خيوطه في (نجد) وانتشرت الوهّابيّة في بلاد نجد انتشار السرطان الأثيم في الجسم، فانخدع جمعٌ من الناس، وتحزَّبوا - ومع كلّ أسف - باسم التوحيد للقضاء على أهل التوحيد، وأراقوا دماء المسلمين باسم الجهاد مع المشركين، وراح الأُلوف من الناس - رجالاً ونساءً وصغاراً وكباراً - ضحيَّة لهذه البِدَع والأباطيل، وتوسَّعت شُقّة الخلاف بين المسلمين، وأُضيف على مذاهبهم المتعدّدة، مذهب جديد.

وقد بلغت المصيبةُ ذروتَها عندما سقط الحَرَمان الشريفان - مكّة والمدينة - في قبضة هذه الزمرة المنحرفة، وعَمد النجديّون الوهّابيّون - وبالتعاون مع بريطانيا الحاقدة الّتي كانت تهدف إلى تقسيم الدولة الإسلاميّة إلى دويلات صغيرة تحدُّها الحدود الجغرافيّة - عمدوا إلى محو الآثار الإسلاميّة في مكّة

____________________

(1) نُشرت هذه الرسالة في كتاب تكملة السيف الصقيل، ص190، كما نَشر نَصّها الشيخ الأميني في كتاب الغدير: 5/87 - 89، فراجع.

٣٠٧

والمدينة، وهدْم قبور أولياء الله وهتك حرمة آل رسول الله، وغير ذلك من الجرائم والمنكرات الّتي يهتزّ لها ضمير المسلم.

يقول بعض المؤرّخين:

(بادر الوهّابيّون - لمّا استولوا على مكّة - بالمساحي فهدموا - أوّلاً - ما في (المعلّى)[من] مقابر قريش من اِلقباب، وهي كثيرة، منها قُبَّة سيّدنا عبد المطّلب جدّ النّبيّ(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وقُبَّة سيّدنا أبي طالب (رضوان الله عليه)، وقبَّة السيدة خديجة (رضوان الله عليها)، كما هدموا قبَّة مولد النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ومولد أبي بكر ومولد الإمام عليّ (عليه السّلام)، وهدموا قبَّة زمزم والقباب التي حول الكعبة، وتتبّعوا جميع المواضع الّتي فيها آثار الصالحين فهدموها، وكانوا عند الهدم يرتجزون ويضربون بالطبول ويُغنُّون ويُبالغُون في شتم القبور... حتّى قيل إنّ بعضهم بال على قبر السيّد المحجوب!!...). (1)

قال العلاّمة المغفور له السيّد صدر الدين الصدر:

لـعمري إنّ فـاجِعةَ الـبقيع

يُـشيبُ لهولها فؤود الرضيع

وسـوف تكون فاتحة الرزايا

إذا لـم يُصحَ من هذا الهجوع

أمـا مِـن مـسلم لله يرعى

حـقوق نـبيِّه الهادي الشفيع

وقال آخر:

تـبّاً لأحـفاد اليهود بما جَنَوا

لـم يكسبوا من ذاك إلاّ العارا

____________________

(1) كشف الارتياب: 22، نقلاً عن تاريخ الجبرتي.

٣٠٨

هـتكوا حـريم محمّدٍ في آلِه

يـاويلهم قـد خالفوا الجبّارا

هَدموا قبور الصالحين بحقدهم

بُعداً لهم قد أغضبوا المختارا

وانطلاقاً من قول النّبي - (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) -:«إذا ظهرت البِدَع فعلى العالِم أن يُظهر عِلمه، وإلاّ فعليه لعنة الله» فقد تصدّى علماء الشيعة - وعلماء السنّة أيضاً كما ذكرنا - لهذا الغزو الوهّابي الحاقد، وكتبوا الكتب ونشروا المنشورات، في فضح هذا الرجل - الَّذي جاء يُحقق أهداف بريطانيا في ثوب جديد - وكشف القناع عن حقيقته والردّ على آرائه الشاذّة.

وأوّل كتاب صدر في الردّ على ابن عبد الوهّاب هو كتاب (الصواعق الإلهيّة في الردّ على الوهّابيّة) بقلم أخيه الشيخ سليمان. كما أنّ أوّل كتاب صدر ضدَّه من علماء الشيعة هو كتاب (منهج الرشاد) للشيخ الكبير المرحوم الشيخ جعفر كاشف الغطاء (المتوفّى سنة 1228هـ)؛ وقد كتب كتابه هذا جواباً على رسالة بعثها إليه الأمير عبد العزيز بن سعود - أحد الأُمراء السعوديّين في وقته - وقد زيَّف في كتابه أفكار محمّد بن عبد الوهّاب وأثبت بطلانها على ضوء القرآن والسنّة. وقد طبع الكتاب في عام 1343هـ في النجف الأشرف في العراق.

ثُمَّ تتابَع الردّ والنقد في ظروف مختلفة، وصدرت الكُتب تترى واحدة تلو الأُخرى، حتّى زماننا هذا.

٣٠٩

وفي عصرنا الحاضر صعَّد الوهّابيّون حَملاتهم المسعورة ضدّ مخالفيهم من المسلمين، بفضل الثروة الطائلة الّتي يجنيها آل سعود من أرباح البترول العائدة إليهم فقط.

لقد خصّصت السلطة السعوديّة جزءاً كبيراً من أرباح البترول لترويج هذا المذهب المفرِّق ونشره بين المسلمين، ولولا هذه الأموال الطائلة لمَا عاش هذا المذهب الواهي إلى هذا الوقت.

لقد وَجد الاستعمار ضالَّته في هذا المذهب، واتّخذه خير وسيلة لإلقاء التفرقة بين المسلمين وتشتيت صفوفهم، وضرْب بعضهم البعض.

وقد حقّق هذا المذهب أهداف الاستعمار الغاشم الأثيم، فتراه قد أوجد الفتنة بين المسلمين، هذا يُفسّق ذاك وذاك يُكفّر هذا... ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

٣١٠

عقائد الوهابية

1

تحريم بناء القبور وهدم المشاهد عليها

إنّ مسألة بناء القبور وتشييد مراقد الأنبياء وأولياء الله الصالحين من المسائل الحسّاسة عند الوهابيّين، وقد كان ابن تيميّة، وبعده ابن قيّم، أوّل من أفتى بحرمة بنائها ووجوب هدمها، يقول ابن القيّم:

يجب هدم المشاهد الّتي بنيت على القبور، ولا يجوز إبقاؤها - بعد القدرة على هدمها وإبطالها - يوماً واحداً. (1)

وعلى هذا الأصل لمّا استولى السعوديّون على الحرمين الشريفين هدموا المراقد المقدّسة في البقيع، وبيوت أهل البيت (عليهم السّلام)، بعدما رفعوا سؤالاً إلى علماء المدينة المنوّرة، وإليك السؤال والجواب:

السؤال: (ما قول علماء المدينة المنوّرة - زادهم الله فهماً وعلماً - في البناء على القبور، واتّخاذها مساجد، فهل هو جائز أم لا؟، وإذا كان غير جائز بل ممنوع منهي عنه نهياً شديداً، فهل يجب هدمها ومنع الصلاة عندها أم لا؟، وإذا كان البناء في مسبلة كالبقيع، وهو مانع من الانتفاع بالمقدار المبني عليه، فهل هو غصب يجب رفعه لمَا فيه من ظلم المستحقّين ومنعهم استحقاقهم أم لا؟)

____________________

(1) زاد المعاد في هدي خير العباد: 661.

٣١١

الجواب: (أمّا البناء على القبور فهو ممنوع إجماعاً، لصحّة الأحاديث الواردة في منعه، ولذا أفتى كثير من العلماء بوجوب هدمه، مستندين بحديث عليّ (رضي الله عنه) أنّه قال لأبي الهياج: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله، أن لا تدع تمثالاً إلاّ طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلاّ سوّيته. (1)

يُلاحظ على ما ذكره: إنّه كيف يدّعي إجماع المسلمين على حرمة البناء مع أنّ سيرة المسلمين وعملهم منذ أن ارتحل النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى يومنا هذا هي البناء على القبور، فقد دُفن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في بيته الرفيع ولم يخطر ببال أحد من الصحابة الحضور أن البناء على القبر حرام، وأنّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) نهى عنه نهياً شديداً، ولمّا كان البيت متعلّقاً بزوجته عائشة جعلوا في وسطه ساتراً، ولمّا توفّى الشيخان أوصيا بدفنهما في حجرة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تبركاً بذاته ومكانه، ولم يخطر ببال أحد أنّه على خلاف الدين والشرع.

وأمّا الحديث الّذي استدلّ به، فلا يدلّ على ما رامه؛ لأنّ محلَّ الشاهد في الحديث هو قوله: «إلاّ سويته» ؛ وهو يستعمل على وجهين:

أ - يُطلق ويُراد منه مساواة شيء بشيء، فيتعدى إلى المفعول الثاني بحرف التعدية كالباء، قال سبحانه: ( إِذْ نُسَوّيكُم بِرَبّ الْعَالَمِينَ ) (2) .

أي نعدّ الآلهة المكذوبة متساوين مع ربّ العالمين، فنضيف إليكم ما نضيف إلى ربّ العالمين.

____________________

(1) جريدة أُم القرى، وقد نشرت نص الاستفتاء وجوابه في العدد الصادر بتاريخ 17 شوال 1344هـ.

(2) الشعراء: 98.

٣١٢

ب - يُطلق ويُراد منه ما هو وصف لنفس الشيء لا بملاحظة شيء آخر، فيكتفي بمفعول واحد، قال سبحانه: ( الّذِي خَلَقَ فَسَوّى ) (1) وقال سبحانه: ( بَلَى‏ قَادِرِينَ عَلَى‏ أَن نّسَوّيَ بَنَانَهُ ) (2) ، ففي هذين الموردين وضعت التسوية وصفاً لنفس الشيء بلا إضافة إلى غيره، وعندئذ يكتفي بمفعول واحد، ويكون المراد من التسوية حسب اختلاف الموارد تارة كمال الخلقة واستقامتها في مقابل نقصها واعوجاجها، وهذا هو المراد في الآيتين المذكورتين، وأُخرى تسطيحه مقابل اعوجاجه وبسطه مقابل كونه كالسنام.

إذا عرفت هذا فلنعد إلى الحديث ولنطبق الضابطة عليه، فبما أنّه استعمل مع مفعول واحد فلا يراد منه المعنى الأوّل، أي مساواته بالأرض، وإلاّ كان عليه أن يقول سويته بالأرض، بل يراد ما هو وصف لنفس القبر، والمعنى المناسب هو تسطيح القبر في مقابل تسنيمه، وبسطه في مقابل اعوجاجه، وهذا هو الّذي فهمه شرّاح الحديث.

قال القرطبي: قال علماؤنا: ظاهر حديث أبي الهياج منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون واطئة. (3)

وقال النووي في شرح الحديث: إنّ السنّة أنّ القبر لا يُرفع عن الأرض رفعاً كثيراً، ولا يسنّم، بل يرفع نحو شبر. وهذا مذهب الشافعي ومن وافقه. (4)

ويؤيّد ذلك أنّ مسلماً - صاحب الصحيح - ذكر الحديث تحت عنوان باب تسوية القبور. (5)

____________________

(1) الأعلى: 2.

(2) القيامة: 4.

(3) تفسير القرطبي: 2/380.

(4) صحيح مسلم بشرح النووي: 7/36، ط الثالثة.

(5) المصدر نفسه.

٣١٣

عقائد الوهابية

2

حرمة بناء المساجد على القبور والصلاة فيها

ذهبت الوهّابيّة إلى حرمة بناء المساجد على القبور، وحرمة قصد الصلاة فيها حتّى قال ابن تيميّة: إنّ المسجد والقبر لا يجتمعان (1) ؛ مستدلاًّ بما روي عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد. (2)

وقد استغلّت الوهّابيّة هذا الحديث وخرجوا بالنتيجة التالية:

حرمة بناء المساجد على القبور، وحرمة قصد الصلاة فيها.

وقبل تحليل الحديث نعرض المسألة على القرآن الكريم.

إنّ القرآن صادق مصدّق لا يأتيه الباطل، يذكر سبحانه فيه قصة أصحاب الكهف وأنّ القوم لمّا عثروا على أجسادهم الطريّة في الغار اختلفوا على قولين:

1 - ( فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ) .

2 - ( قَالَ الّذِينَ غَلَبُوا عَلَى‏ أَمْرِهِمْ لَنَتّخِذَنَ عَلَيْهِم مّسْجِداً ) .

____________________

(1) مجموعة الرسائل والمسائل: 1/59 - 60، زاد المعاد: 661.

(2) للوقوف على مصادر هذا الحديث وأشباهه راجع: صحيح البخاري: 2/111، كتاب الجنائز، سنن النسائي: 2/871، صحيح مسلم: 2/568.

٣١٤

فالآية صريحة في أنّ القوم بعدما عثروا عليهم اختلفوا في كيفيّة تكريمهم على قولين:

1 - البناء على قبورهم: ( ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً ) .

2 - بناء المسجد على قبورهم: ( لَنَتّخِذَنَ عَلَيْهِم مّسْجِداً ) .

والقرآن الكريم يذكر كلا القولين من دون ردّ وطعن، فلو كان كلّ من القولين خصوصاً القول الثاني على خلاف الهداية وفي جانب الضلالة لأشار إلى ردّه وطعنه، فسكوت القرآن تجاه هذين القولين ونقلهما عن القوم بصورة كونه عملاً مستحسناً؛ لأنّهم اقترحوا ذينك العملين لتكريم أصحاب الكهف، أقوى شاهد على جواز العمل في الأُمّة المحمديّة.

وقد اتّفق المفسرّون على أنّ القول الثاني كان للموحّدين، ويدلّ على ذلك ما جاء في التاريخ أنّ العثور على أصحاب الكهف وانكشاف أمرهم كان في عصر انتصار التوحيد على الشرك، وكان قادة المشركين الداعين إلى عبادة الأصنام - مندحرين مغلوبين، فاقتراح بناء المسجد على قبور الصالحين أو بجوارها علامة على الشرك، فلماذا صدر هذا الاقتراح من المؤمنين؟!

إنّ هذا تقرير من القرآن على صحّة اقتراح أُولئك المؤمنين، ومن المعلوم أنّ تقرير القرآن حجّة شرعيّة لا ينازعه شيء.

وأمّا الحديث الّذي استدلّت به الوهّابيّة على حرمة بناء المساجد على القبور، فالمراد بناء المساجد على القبور والسجدة لصاحب القبر أو اتّخاذه قِبلة؛

٣١٥

لا مجرد من اتخذ القبور مسجداً مجرداً عن أي شرك، أو إذا كانت إقامة الصلاة عند قبورهم من باب التبرّك بهم.

وممّا يدلّ على أنّ المراد هو بناء المساجد على القبور والسجود لهم أو إليها هو أنّ بعض الروايات وصفت هؤلاء بأنّهم شرار الناس، ففي حديث: فاعلموا أنّ شرار الناس الّذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد، إنّ توصيفهم بأنّهم شرار الخلق عند الله يميط الستر عن حقيقة عملهم، إذ لا يوصف الإنسان بالشرّ المطلق، إلاّ إذا كان مشركاً، قال سبحانه: ( إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِندَ اللّهِ الصّمّ الْبُكْمُ الّذِينَ لاَيَعْقِلُونَ ) (1) .

كلّ ذلك يكشف عن مغزى الحديث، وأنّ عملهم لم يكن عملاً مجرداً مثل صرف بناء المسجد على القبر والصلاة فيه، أو إقامة الصلاة عند القبور؛ بل كان عملاً مقترناً بالشرك بألوانه وصوره المختلفة كاتخاذ القبر إلهاً ومعبوداً أو قبلة عند الصلاة أو السجدة عليها بمعنى اتّخاذها مسجوداً.

وقد فهم غير واحد من العلماء نفس ما ذكرناه من الحديث، يقول القسطلاني في (إرشاد الساري) نقلاً عن البيضاوي:

لمّا كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصلاة نحوها واتّخذوها أوثاناً، لعنهم النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ومنع المسلمون عن مثل ذلك، فأمّا من اتّخذ مسجداً في جوار صالح وقصد التبرّك بالقرب منه - لا للتعظيم ولا للتوجه إليه - فلا يدخل في الوعيد المذكور. (2)

____________________

(1) الأنفال: 22.

(2) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: 2/437 - 438، باب بناء المساجد على القبر.

٣١٦

هذا كلّه حول بناء المساجد، وأمّا الصلاة على القبور فلأجل أنّ لمشاهد الأولياء ومراقدهم شرفاً وفضيلة خاصّة لا توجد في غيرها.

إنّ القرآن الكريم يأمر حجاج بيت الله الحرام بإقامة الصلاة عند مقام إبراهيم وهي الصخرة الّتي وقف عليها إبراهيم لبناء الكعبة، فيقول:

( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنّاسِ وَأَمْناً وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى ) (1) .

إنّ الصلاة في مقام إبراهيم لأجل التبرّك بمقام النبيّ إبراهيم. فلو كانت عبادة الله تبارك وتعالى مقرونة بالتبرّك بمكان المخلوق شركاً، فلماذا أمر به سبحانه، فهل هناك فرق بين مقامهم ومثواهم؟!إنّ المسلمين جميعاً يصلّون في حجر إسماعيل مع أنّ الحجر مدفنه ومدفن أُمّه هاجر، فأيّ فرق بين مرقد النبيّ ومدفن أبيه إسماعيل؟!

إذا كانت الصلاة عند القبر محرّمة في الشريعة الإسلاميّة، فلماذا قضت عائشة عمرها في البيت الّذي دُفن فيه الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟

وإنّ السيّدة فاطمة الزهراء - الّتي قال في حقّها النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): إنّ الله يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها - كانت تزور قبر عمّها حمزة كلّ جمعة أو في كل أُسبوع مرّتين، فتصلّي وتبكي عنده. (2)

____________________

(1) البقرة: 125.

(2) سنن البيهقي: 4/78، المستدرك: 1/377.

٣١٧

عقائد الوهابية

3

جواز زيارة القبور وحرمة شدّ الرحال إليها

اتّفق المسلمون على استحباب زيارة القبور لما فيه من فوائد تربويّة ذكرها النبيّ في حديثه المعروف.

روى أصحاب السنن عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنّه قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنّها تزهّد في الدنيا وتذكّر الآخرة». (1)

وقد اتّفق المسلمون أيضاً - غير ابن تيميّة - على استحباب زيارة قبر النبيّ خصوصاً، وأفضل دليل على ذلك هو السيرة المستمرَّة من عصر رحيل الرسول إلى يومنا هذا، مضافاً إلى الروايات المتوفرة من أنّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: «من زار قبري وجبت له شفاعتي». (2)

ولكن المروي عن محمّد بن عبد الوهّاب في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية: تسنّ زيارة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلاّ أنّه لا يُشدّ الرحال إلاّ لزيارة المسجد والصلاة فيه.

____________________

(1) سنن ابن ماجة: 1/501، باب ما جاء في زيارة القبور.

(2) راجع مصادر هذا الحديث في وفاء الوفا: 4/1336.

٣١٨

والدليل الّذي يتمسّكون به في تحريم الزيارة هو الحديث المذكور في صحاحهم عن أبي هريرة أنّه قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

«لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، والمسجد الأقصى».

وروي هذا الحديث بصورة أُخرى، وهي:

«إنّما يُسَافَر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيليا».

وروي أيضاً بصورة ثالثة، وهي:

«تُشدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد...» . (1)

لكن مفاد الحديث لا يصلح للاستدلال؛ لأنّ الاستثناء في الحديث مُفْرَغ؛ بمعنى أنّ المستثنى منه غير مذكور، وبما أنّ المستثنى هو المساجد الثلاثة فيكون قرينة على أنّ المستثنى منه هو لفظة مسجد، فيكون معنى الحديث لا تشدُّ إلى أيّ مسجد من المساجد سوى المساجد الثلاثة، وأين هذا من شدّ الرحال إلى زيارة قبر النبي؟!

نعم لو كان المستثنى منه - وهو لفظة مكان - لدلّ على ما يرتئيه الوهّابيّون من تحريم شدّ الرحال؛ فيكون معنى الحديث: لا تُشدّ الرحال إلى مكان من الأمكنة إلاّ إلى المساجد الثلاثة، ومن المعلوم أنّ هذا باطل، إذ لو كان الهدف حُرمة السفرات الدينيّة كافّة؛ باستثناء السفر إلى المساجد الثلاثة، فلماذا تشدّ الرحال إلى هذه المناطق؟

____________________

(1) أورد مسلم هذه الأحاديث الثلاثة في صحيحه: 4/126، باب لا تُشدّ الرحال من كتاب الحجّ.

٣١٩

مع أنّ القرآن الكريم أشار إلى بعض السفرات الدينيّة ورغَّب فيها، كالسفر لأجل الجهاد، وطلب العلم، وصلة الرحم، وزيارة الوالدين.

وفي الختام لابدّ من الإشارة إلى أنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عندما قال: «لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد...» ، فإنّه لا يعني أنّ شدّ الرحال إلى المساجد الأُخرى حرام؛ بل معناه أنّ المساجد الأُخرى لا تستحقّ شدّ الرحال إليها وتحمّل مشاقّ السفر من أجل زيارتها؛ لأنّ المساجد الأُخرى لا تختلف من حيث الفضيلة مع الآخر اختلافاً كبيراً، فلا داعي إلى أن يشدّ الإنسان الرحال إلى المسجد، أمّا إذا شدّ الرحال إليه، فليس عمله هذا حرّاماً ولا مخالفاً للسنّة الشريفة، ويدلّ عليه ما رواه أصحاب الصحاح والسُّنن:

(كان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يأتي مسجد قبا راكباً وماشياً فيصلّي فيه ركعتين). (1)

ولنا أنّ نتساءل: كيف يمكن أن يكون شدّ الرحال وقطع المسافات من أجل إقامة الصلاة مخلصاً لله في بيت من بيوته سبحانه حراماً ومنهيّاً عنه؟!

إذا كانت الصلاة في المسجد مستحبة، فانّ الظاهر أنّ مقدّمة المستحب مستحبّة أيضاً.

____________________

(1) صحيح مسلم: 4/127.

٣٢٠