المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية0%

المذاهب الإسلامية مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 377

المذاهب الإسلامية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 377
المشاهدات: 194855
تحميل: 7969

توضيحات:

المذاهب الإسلامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194855 / تحميل: 7969
الحجم الحجم الحجم
المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

4

الماتريدية

في الوقت الّذي ظهر مذهب الإمام الأشعري بطابع الفرعيّة لمذهب أهل الحديث، ظهر مذهب آخر بهذا اللون والشكل لغاية نصرة السنّة وأهلها، وإقصاء المعتزلة عن الساحة الإسلامية، وهو مذهب الإمام محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي (المتوفّى 333هـ)؛ أي بعد 9 أو ثلاثة أعوام من وفاة الإمام الأشعري.

والداعيان كانا في عصر واحد، ويعملان على صعيد واحد، ولم تكن بينهما أيّة صلة، فالإمام الأشعري كان يكافح الاعتزال ويناصر السنّة في العراق، متقلّداً مذهب الشافعي في الفقه، والماتريدي ينازل المعتزلة في أقصى الشرق الإسلامي (ماوراء النهر)، متقلّداً رأي الإمام أبي حنيفة في الفقه، فكانت البصرة يومذاك محط الأهواء والعقائد ومَعْقَلِها، كما كانت أرض خُراسان مأوى أهل الحديث ومهبطهم.

منهج الإمام الماتريدي موروث عن أبي حنيفة:

المنهج الّذي اختاره الماتريدي، وأرسى قواعده، وأوضح براهينه،

٦١

هو المنهج الموروث عن أبي حنيفة (المتوفّى 150هـ) في العقائد، والكلام، والفقه ومبادئه، والتاريخ يحدثنا أنّ أبا حنيفة كان صاحب حلقة في الكلام قبل تفرّغه لعلم الفقه، وقبل اتّصاله بحمّاد بن أبي سليمان الّذي أخذ عنه الفقه.

وليس الماتريدي نسيج وحده في هذا الأمر، بل معاصره أبو جعفر الطحاوي صاحب (العقيدة الطحاوية) (المتوفّى 321هـ) مقتفٍ أثر أبي حنيفة، حتّى عَنْوَن صدر رسالته المعروفة (بالعقيدة الطحاوية) بقوله: (بيان عقيدة فقهاء الملّة): أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن. (1)

لمحة إلى سيرة الماتريدي:

اتفق المترجمون له على أنّه توفّى عام 333هـ، ولم يعيّنوا ميلاده، لكن القرائن تشهد أنّه من مواليد عام 248هـ، وقد ولد بـ (ماتريد)، وهي من توابع سمرقند في بلاد في ماوراء نهر جيحون، ويوصف بالماتريدي تارة، وبالسمرقندي أُخرى، ونسبه ينتهي إلى أبي أيوب خالد بن زيد بن كليب الأنصاري مضيّف النبيّ في دار الهجرة.

مشايخه:

قد أخذ العلم عن عدّة من المشايخ، هم:

1 - أبو بكر أحمد بن إسحاق الجوزجاني.

2 - أبو نصر أحمد بن العياضي.

____________________

(1) شرح العقيدة الطحاوية: 25.

٦٢

3 - نصير بن يحيى، تلميذ حفص بن سالم (أبو مقاتل).

4 - محمد بن مقاتل الرازي.

قال الزبيدي: تخرّج الماتريدي على الإمام أبي نصر العياضي. ومن شيوخه الإمام أبو بكر أحمد بن إسحاق بن صالح الجوزجاني صاحب الفرق والتمييز، ومن مشايخه محمد بن مقاتل الرازي قاضي الريّ.

والأوّلان من تلاميذ أبي سليمان موسى بن سليمان الجوزجاني، وهو من تلاميذ أبي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني.

وأمّا شيخه الرابع - أعني: محمد بن مقاتل ـ؛ فقد تخرَّج على تلميذ أبي حنيفة مباشرة، وعلى ذلك، فالماتريدي يتّصل بإمامه تارة بثلاثة وسائط، وأُخرى بواسطتين، فعن طريق الأوّلين بوسائط ثلاث، وعن طريق الثالث بواسطتين. (1)

تلاميذه:

تخرّج عليه عدة من العلماء، منهم:

1 - أبو القاسم إسحاق بن محمد بن إسماعيل الشهير بالحكيم السمرقندي (المتوفّى 340هـ).

2 - أبو الليث البخاري.

3 - أبو محمد عبد الكريم بن موسى البزدوي، جدّ محمد بن محمد بن عبد الكريم البزدوي مؤلّف (أُصول الدين).

____________________

(1) إتحاف السادة المتّقين: 2/5.

٦٣

مصنّفاته:

سجَّل المترجمون للماتريدي كُتُباً له تعرب عن ولعه بالكتابة والتدوين والإمعان والتحقيق، غير أنّ الحوادث لعبت بها، ولم يبقَ منها إلاّ ثلاثة:

1 - كتاب (التوحيد) وهو المصدر الأوّل لطلاّب المدرسة الماتريديّة وشيوخها، الّذين جاءوا بعد الماتريدي، واعتنقوا مذهبه، وهو يستمد في دعم آرائه من الكتاب والسنّة والعقل، ويعطي للعقل سلطاناً أكبر من النقل.

وقد قام بتحقيق نصوصه ونشره الدكتور فتح الله خليف عام 1390هـ، وطبع الكتاب في بيروت مع فهارسه في 412 الصّفحة.

2 - (تأويلات أهل السنّة) في تفسير القرآن الكريم، وهو تفسير في نطاق العقيدة السنّية، وقد مزجه بآرائه الفقهيّة والأُصوليّة وآراء أُستاذه الإمام أبي حنيفة، فصار بذلك تفسيراً عقائديّاً فقهيّاً، وهو تفسير عام لجميع السور، والجزء الأخير منه يفسّر سورة المنافقين إلى آخر القرآن، وقد وقفنا من المطبوع منه على الجزء الأوّل وينتهي إلى تفسير الآية 114 من سورة البقرة.

حقّقه الدكتور إبراهيم عوضين، وطبع في القاهرة عام 1390هـ.

وأمّا كُتبه الأُخرى، فإليك بيانها:

3 - المقالات.

4 - مآخذ الشرائع.

5 - الجدل في أُصول الفقه.

٦٤

6 - بيان وهم المعتزلة.

7 - رد كتاب الأُصول الخمسة للباهلي.

8 - كتاب رد الإمامة.

9 - الرد على أُصول القرامطة.

10 - رد تهذيب الجدل للكعبي.

إذا عرفت مؤسّس المذهب وشيوخه وتلامذته ومؤلّفاته، فلنعرج على أُصول المذهب الماتريدي، فنقول:

إنّ المذهب الأشعري والماتريدي يتحرّكان في فلك واحد، وكانت الغاية هي الدفاع عن عقيدة أهل السنّة والوقوف في وجه المعتزلة، ومع ذلك لا يمكن أن يتّفقان في جميع الأُصول الرئيسيّة، فضلاً عن التفاريع؛ وذلك لأنّ الأشعري اختار مذهب الإمام أحمد، وطابع منهجه هو الجمود على الظواهر وعدم العناية بالعقل والبرهان.

وأمّا الماتريدي، فقد تربّى على منهج تلامذة الإمام أبي حنيفة، ويعلو على ذلك المنهج الطابع العقلي والاستدلالي، كيف ومن أُسس منهجه الفقهي هو العمل بالقياس والاستحسان.

وعلى ضوء هذا فلا يمكن أن يكون التلميذان متوافقين في الأُصول.

والّذي تبيّن لي بعد التأمّل في آراء الماتريدي في كثير من المسائل الكلاميّة، أنّ منهجه كان يتمتّع بسِمَات ثلاث:

1 - إنّ الماتريدي أعطى للعقل سلطاناً أكبر، ومجالاً أوسع، وذلك هو الحجر الأساس للسِمَتين الأخيرتين.

٦٥

2 - إنّ منهج الماتريدي أبعد عن التشبيه والتجسيم من الأشعري، وأقرب إلى التنزيه.

3 - إنّه وإن كان يّشُنُّ هجوماً عنيفاً على المعتزلة، ولكنّه إلى منهجهم أقرب من الإمام الأشعري.

وإليك بيان بعض الفوارق بين المنهجين:

1. معرفته سبحانه واجبة عقلاً:

اختلف المتكلّمون في وجوب المعرفة، فالأشعري وأتباعه على أنّه سمعي؛ بمعنى أنّه أمَرَ سبحانه بمعرفته، والمعتزلة على أنّه عقلي.

وأمّا الماتريدي، فيقول: هو كالمعتزلة في وجوبها عقلاً، قال البياضي:

ويجب بمجرد العقل في مدَّة الاستدلال، معرفة وجوده تعالى، ووحدته، وعلمه، وقدرته، وكلامه، وإرادته، وحدوث العالم، ودلالة المعجزة على صدق الرسول، ويجب تصديقه، ويحرم الكفر والتكذيب به، لا من البعثة (1) وبلوغ الدعوة. (2)

إنّ القول بوجوب هذه الأُمور من جانب العقل مِن قَبْل أن يجيء الشرع دفعاً لمحذور الدور، يُعرب عن كون الداعي أعطى للعقل سلطاناً أكبر ممّا أعطاه الأشعري له.

____________________

(1) كذا في المصدر، والظاهر زيادة (لا)؛ والصحيح: (من البعثة).

(2) إشارات المرام: 53.

٦٦

2. الاعتراف بالتحسين والتقبيح العقليّين:

قد أنكر الشيخ الأشعري التحسين والتقبيح العقليّين حذراً من أنّ القول به تحديد لقدرة الله سبحانه وإرادته، ولكنّ الماتريدي قال بالتحسين والتقبيح العقليّين في الجملة، قال البياضي:

والحسن بمعنى استحقاق المدح والثواب، والقبيح بمعنى استحقاق الذم والعقاب على التكذيب عنده (أبو منصور الماتريدي) إجمالاً عقلي، أي يُعْلَم به حُكْم الصانع - إلى أن قال: ويستحيل عقلاً اتّصافه تعالى بالجور وما لا ينبغي، فلا يجوز تعذيب المطيع ولا العفو عن الكفر عقلاً، لمنافاته للحكمة، فيجزم العقل بعدم جوازه. (1)

وعلى ضوء ذلك فقد اعترف الماتريدي بما هو المهم في باب التحسين والتقبيح العقليّين؛ أعني:

أوّلاً: استقلال العقل بالمدح والذم في بعض الأفعال .

وثانيا ً: استقلال العقل بكونه سبحانه عادلاً، فلا يجوز عليه تعذيب المُطيع.

نعم أنكر الشيخ الماتريدي إيجاب العقل للحسن والقبح.

3. التكليف بما لا يطاق:

ذهب الأشعري إلى جواز التكليف بما لا يُطاق، ولكن الماتريدي يقول

____________________

(1) إشارات المرام، فصل الخلافيّات بين الماتريدية والأشاعرة، 54.

٦٧

بخلافه، قال البياضي: ولا يجوز التكليف بما لا يُطاق لعدم القدرة أو لعدم الشرط. (1)

هذا ما نقله البياضي عن الماتريدية، وأمّا نفس الإمام أبي منصور الماتريدي، فقد فصَّل في كتابه (التوحيد)، بين مضيّع القدرة فيجوز تكليفه، وبين غيره فلا يجوز.

قال: إنّ تكليف من مُنِع عن الطاقة فاسد في العقل، وأمّا من ضيَّع القوة، فهو حق أن يُكلَّف مثلُه، ولو كان لا يُكلَّف مثلُه، لكان لا يُكلَّف إلاّ من مطيع. (2)

4. أفعال الله سبحانه معلّلة بالأغراض:

ذهبت الأشاعرة إلى أنّ أفعاله سبحانه ليست معلّلة بالأغراض، وأنّه لا يجب عليه شيء، ولا يقبح عليه شيء، واستدّلوا على ذلك بما يلي:

لو كان فعله تعالى لغرض، لكان ناقصاً لذاته، مستكْمِلاً بتحصيل ذلك الغرض، لأنّه لا يصلح غرضاً للفاعل إلاّ ما هو أصلح له من عدمه، وهو معنى الكمال. (3)

وقالت الماتريدية: أفعاله تعالى معلّلة بالمصالح والحِكَم؛ تفضّلاً على العباد، فلا يلزم الاستكمال ولا وجوب الأصلح. واختاره صاحب المقاصد. (4)

____________________

(1) المصدر السابق: 54.

(2) التوحيد: 266.

(3) المواقف: 331.

(4) إشارات المرام: 54.

٦٨

5. الصفات الخبرية:

إنّ تفسير الصفات الخبرية - كالاستواء واليد والعين - أوجد اختلافاً عميقاً بين المتكلّمين، فأهل الحديث والأشاعرة من المثبتين لها، ولذلك اشتهروا بالصفاتيّة، في مقابل المعتزلة الّذين يؤوّلونها، ولا يثبتونها بما يتبادر منها في ظواهرها.

وأقصى ما عند الأشاعرة في إثباتها لله سبحانه هو إثباتها بلا كيفيّة، وإنّه سبحانه مستوٍ على العرش بلا كيفيّة، وله يد بلا كيفيّة، وهكذا سائر الصفات الواردة في الكتاب والسنّة. وهم في هذا المقام يتذرّعون بقولهم: (بلا كيف، وبلا تشبيه).

وأمّا الماتريدية، فالظاهر أنّ منهجهم هو التنزيه، ظاهراً وباطناً، ولكنّهم بين مفوِّضٍ معانيها لله سبحانه أو مفسِّرٍ لها مثل العدليّة الّذين سمّتهم الأشاعرة بالمؤوِّلة.

مثلاً؛ يقول أبو منصور - أحد أقطاب الماتريدية: ليس في الارتفاع إلى ما يعلو من مكان - للجلوس أو القيام - شرف ولا علوّ، ولا وصف بالعظمة والكبرياء، كمن يعلو السطوح والجبال فإنّه لا يستحق الرفعة على من دونه عند استواء الجوهر، فلا يجوز صرف تأويل الآية إليه، مع ما فيها من ذكر العظمة والجلال، إذ ذكر في قوله تعالى: ( إِنّ رَبّكُمُ اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّماوَاتِ والْأَرْضَ ) (1) ، فذلك على تعظيم العرش. (2)

____________________

(1) الأعراف: 54.

(2) التوحيد: 69 و70.

٦٩

وفي خاتمة المطاف نلفت نظر القارئ إلى ما ذكره الكاتب المصري أحمد أمين حول عقيدة الأشاعرة في الصفات الخبريّة، قال:

وأمّا الأشاعرة، فقالوا: إنّها مجازات عن معان ظاهرة، فاليد مجاز عن القدرة، والوجه عن الوجود، والعين عن البصر، والاستواء عن الاستيلاء، واليدان عن كمال القدرة، والنزول عن البرد والعطاء، والضحك عن عفوه. (1)

وما ذكره هو نفس عقيدة المعتزلة، لا الأشاعرة ولا الماتريدية، فالمعتزلة هم المؤوِّلة، يؤوّلون الصفات بما ذكره، والأشاعرة من المثْبِتة، لكن بقيد (بلا كيف)، والماتريدية هم المفوِّضة، يفوّضون معانيها إلى قائلها.

6. صفاته عين ذاته:

ذهبت الأشاعرة إلى أنّ صفاته سبحانه زائدة على ذاته، وأمّا الماتريدية فذهبوا إلى ما اختارته العدليّة من عينيّة الصفات للذّات، يقول النسفي - الّذي هو من الماتريدية:

ثُمَّ اعلم أنّ عبارة متكلّمي أهل الحديث في هذه المسألة، أن يقال: إنّ الله تعالى عالم بعلم، وكذا فيما وراء ذلك من الصفات، وأكثر مشايخنا امتنعوا عن هذه العبارة؛ احترازاً عمّا تُوهم أنّ العلم آلة وأداة؛ يقولون: إنّ الله تعالى، عالم، وله علم، وكذا فيما وراء ذلك من الصفات، والشيخ أبو منصور الماتريدي يقول: إنّ الله عالم بذاته، حيٌّ بذاته، قادر بذاته، ولا يُرِيد منه نفي الصفات؛ لأنّه أَثْبَت الصفات في جميع مصنّفاته، وأتى بالدلائل لإثباتها، ودفع شبهاتهم على وجه لا

____________________

(1) ظهر الإسلام: 4/ 94، ط الثالثة، عام 1964.

٧٠

محيص للخصوم عن ذلك، غير أنّه أراد بذلك دفع وهم المغايرة، وأنّ ذاته يستحيل أن لا يكون عالماً. (1)

هذه نماذج ممّا اختلفت فيها الماتريدية والأشاعرة، وإن كان مورد الاختلاف أكثر من ذلك.

وبذلك ظهر أنّ جنوح الماتريدية إلى العدليّة أكثر من الأشاعرة.

أعيان الماتريدية:

قد عَرفت أنّ مؤسّس الماتريدي هو الإمام محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي (المتوفّى عام 333هـ)، وقد ربّى جيلاً وأنصاراً قاموا بنصرة المذهب ونشره وإشاعته، وإليك بعض أعلام مذهبه:

1 - القاضي الإمام أبو اليسر محمد بن محمد بن عبد الكريم البزدوي (421 - 493هـ)، له كتاب (أُصول الدين).

2 - أبو المعين النسفي (المتوفّى 502هـ)، وهو من أعاظم أنصار ذلك المذهب، له كتاب (تبصرة الأدّلة) الّذي مازال مخطوطاً حتّى الآن، ويُعدّ الينبوع الثاني بعد كتاب (التوحيد) للماتريدية.

3 - الشيخ نجم الدين أبو حفص عمر بن محمد النسفي (المتوفّى 537هـ)، مؤلّف (عقائد النسفي)، ومازال هذا الكتاب محور الدراسة في الأزهر إلى يومنا هذا.

____________________

(1) العقائد النسفيّة: 76.

٧١

4 - الشيخ مسعود بن عمر التفتازاني (المتوفّى 791هـ)، أحد المتضلّعين في العلوم العربيّة والمنطق والكلام، وهو شارح (العقائد النسفيّة).

5 - الشيخ كمال الدين محمد بن همام الدين الشهير بابن الهمام (المتوفّى 861هـ)، صاحب كتاب (المسايرة) في علم الكلام. نشره وشرحه محمد محيي الدين عبد الحميد، وطبع بالقاهرة.

6 - العلاّمة كمال الدين أحمد البياضي الحنفي، مؤلّف كتاب (إشارات المرام من عبارات الإمام)، أحد علماء القرن الحادي عشر الهجري، ويُعدّ كتابه هذا أحد مصادر الماتريدية.

7 - الشيخ محمد زاهد بن الحسن الكوثري المصري (المتوفّى 1372هـ)، وكيل المشيخة الإسلاميّة في الخلافة العثمانيّة، أحد المتضلّعين في الحديث والتاريخ والملل والنحل.

٧٢

5

المرجئة

وهو مأخوذ من الإرجاء، بمعنى: التأخير، وقد قيل في تسمية هؤلاء بالمرجئة أنّهم يقدّمون الإيمان ويؤخّرون العمل، فالإيمان عندهم عبارة عن مجرّد الإقرار بالقول، وإن لم يكن مصاحِباً للعمل، فأخذوا منه جانب القول وطردوا جانب العمل، فاشتهروا بالمرجئة؛ أي المؤخِّرة، وشعارهم: (لا تضرّ مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة)، وهؤلاء والخوارج في هذه المسألة على جانبي نقيض، فالمرجئة لا تشترط العمل في حقيقة الإيمان، وترى العاصي مؤمناً وإن ترك الصلاة والصوم، ولكن الخوارج يضيّقون الأمر، فيرون مرتكب الكبيرة كافراً مخلَّداً في النار.

ويقابلهما المعتزلة؛ فإنّ مرتكب الكبيرة عندهم لا مؤمن ولا فاسق، بل في منزلة بين الأمرين، فزعمت أنّها أخذت بالقول الوسط بين المرجئة والخوارج.

والمعروف بين المسلمين أنّ مرتكب الكبيرة مؤمن فاسق. وبتقييد الإيمان بالفسق خالفت المرجئةُ، وبوصفه بالإيمان خالفوا الخوارج والمعتزلة.

والحاصل: إنّ تحديد الإيمان بالإقرار دون العمل، أو تحديده بالمعرفة القلبية دون القيام بالأركان، يعدّ ركناً ركيناً لهذه الطائفة، بحيث

٧٣

كلّما أُطلقت المرجئة، لا يتبادر منها إلاّ من تبنّى هذا المعنى.

ثم إنّهم رتّبوا على تلك العقيدة أُموراً:

1 - إنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأنّ أمر التصديق دائر بين الوجود والعدم، ومثله تفسير الإيمان بالإقرار باللسان، فهو أيضاً كذلك، وليس العمل داخلاً في حقيقته حتّى يقال: إنّ العمل يكثُر ويقل.

2 - إنّ مرتكب الكبيرة مؤمن حقيقة؛ لكفاية التصديق القلبي أو الإقرار باللسان في الاتّصاف بالإيمان. وهؤلاء - في هذه العقيدة - يخالفون[ طائفتي] الخوارج والمعتزلة.

أمّا الأُولى: فلأنّهم يعدّون العمل عنصراً مؤثِّراً في الإيمان؛ بحيث يكون تارك العمل كافراً، وقد اشتهر عنهم بأنّ مرتكب الكبائر كافر، وليس المؤمن إلاّ من تحرّز من الكبائر.

وأمّا الثانية: فلأنّهم يعتقدون أنّ مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر. والمعتزلة أخفُّ وطأة من الخوارج، وإن كانت الطائفتان مشتركتين في إدخال العمل في حقيقة الإيمان.

3 - إنّ مرتكب الكبيرة لا يخلَّد في النار وإن لم يتب، ولا يُحكم عليه بالوعيد والعذاب قطعاً؛ لاحتمال شمول عفوه سبحانه له، خلافاً للمعتزلة الّذين يرون أنّ صاحب الكبيرة يستحقّ العقوبة إذا لم يتب، وإنّ من مات بلا توبة يدخل النار، وقد كتبه الله على نفسه، فلا يعفو. (1)

____________________

(1) لاحظ: مقالات الإسلاميين، 126 - 147.

٧٤

مؤسّس المرجئة:

إنّ التاريخ لم يسجّل مبدأ تكوّن فكرة الإرجاء، والمؤرّخون ينسبونه إلى الحسن بن محمد بن الحنفية (المتوفّى عام 99هـ)، ولكنّه بعدُ غيرُ ثابتٍ، وعلى فرض ثبوته، فالإرجاء الّذي قال به غير الإرجاء المعروف، فقد نقلوا عنه أنّه تُكُلِّم في عليّ وعثمان وطلحة والزبير في محضره، فأكثروا وهو ساكت، ثم تكلَّم؛ فقال: قد سمعت مقالكم، أرى أن يُرجأ عليّ وعثمان وطلحة والزبير، فلا يُتولّى ولا يُتبرّى منهم. (1)

غير أنّ الإرجاء الّذي تكلّم فيه الحسن بن محمد غير الإرجاء المعروف عند أهل السنّة المتعلّق بالإيمان، فإنّ الإرجاء عند أهل السنّة هو تقديم الإيمان وتأخير العمل، ولعل الحافز لابن الحنفية إلى ترويج الإرجاء بالمعنى المذكور، هو إيقاف الهجمة على جدِّه أمير المؤمنين، والله أعلم.

ولعلّ الإرجاء بالمعنى الأوّل، الّذي صدر عن ابن الحنفية عن غاية صحيحة، صار أساساً للمعنى الثاني، أمّا تقديم الإيمان وتأخير العمل، فقد استعمله الأُمويّون؛ لتبرئتهم حيث كانوا غارقين في العصيان والفساد.

وبذلك يُعلم أنّ أصل الإرجاء هو التوقّف وترك الكلام في حق بعض الصحابة، لكن نُسي الإرجاء بهذا المعنى وأخذ أصل آخر مكانه، وهو تحديد الإيمان بالإقرار دون العمل، أو المعرفة القلبية دون القيام بالأركان.

____________________

(1) تاريخ ابن عساكر: 4/346، ط دمشق، 1332هـ.

٧٥

ولمّا كان كلا الأصلين لصالح الأُمويّين؛ حيث يلزم التوقّف في حق عثمان وأعماله؛ كما أنّه يبرِّر ما اقترفه الأُمويّون من الجرائم، أخذوا يروّجونه بحماس.

خطر المرجئة على أخلاق المجتمع:

إنّ تجريد الإيمان من العمل فكرة خاطئة، تَسير بالمجتمع - وخصوصاً الشباب - إلى الخلاعة والانحلال الأخلاقي وترك القيم، بحجّة أنّه يكفي في اتّصاف الإنسان بالإيمان وانخراطه في مسلك المؤمنين الإقرار باللسان أو الإذعان بالقلب، ولا نحتاج وراء ذلك إلى شيء من الصوم والصلاة، ولا يضرّه شرب الخمر وفعل الميسر، ويجتمع مع حفظ العفاف وتركه.

ولو قُدِّر لهذه الفكرة أن تسود في المجتمع، لم يبق من الإسلام إلاّ رسمه ومن الدين إلاّ اسمه، ويكون المتديّن بهذه الفكرة كافراً واقعيّاً، اتّخذها واجهة لما يكنّ في ضميره.

ولقد شعر أئمَّة أهل البيت (عليهم السّلام) بخطورة الموقف، وعلموا بأنّ إشاعة هذه الفكرة بين المسلمين عامّة، والشيعة بوجه خاص، سترجعهم إلى الجاهليّة، فقاموا بتحذير الشيعة وأولادهم من خطر المرجئة، فقالوا:

«بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة». (1)

وفكرة الإرجاء فكرة خاطئة، تضرُّ بالمجتمع عامّة، وإنّما خصّ الإمام منهم الشباب؛ لكونهم سريعي التقبّل لهذه الفكرة، لما فيها من إعطاء الضوء الأخضر

____________________

(1) الكافي: 6/47، الحديث 5.

٧٦

للشباب باقتراف الذنوب، والانحلال الأخلاقي، والانكباب وراء الشهوات، مع كونهم مؤمنين.

ولو صحّ أنّ ما ادّعته المرجئة في الإيمان والمعرفة القلبيّة، والمحبّة لإله العالم، لوجب أنّ تكون لتلك المحبة القلبيّة مظاهر في الحياة، فإنّها رائدة الإنسان وراسمة حياته، والإنسان أسير الحب وسجين العشق، فلو كان عارفاً بالله محباً له، لاتبع أوامره ونواهيه، وتجنّب ما يسخطه وتبع ما يرضيه، فما معنى هذه المحبّة للخالق وليس لها أثر في حياة المحب؟!، ولقد وردت الإشارة إلى التأثير الّذي يتركه الحب والود في نفس المحب في كلام الإمام الصادق (عليه السّلام)؛ حيث قال: «ما أحبَّ الله عزّ وجلّ من عصاه» ، ثُمَّ أنشد الإمام (عليه السّلام)، قائلاً:

تعصي الإله وأنت تُظهر حبّه

هـذا مـحال في الفعال بديع

لـو كان حبك صادقاً لأطعته

إنّ المحبَّ لمن يُحبُّ مطيع (1)

____________________

(1) سفينة البحار: 1/199، مادة حبب.

٧٧

6

القدريّة

إنّ لفظ القدريّة منسوب إلى القدَر، ومقتضى القاعدة النحويّة أن يُفسّر بالمنسوب إلى القدر، أي التقدير والقضاء، فالقدريّة: هم القائلون بالقضاء والقدر. كما أنّ العدليّة هم القائلون بالعدل، لا نُفاته.

ولكن أصحاب المقالات فسّروه بنفاة القدر، وهو في بابه غريب، إذ لم يثبت هذا النوع من الاستعمال.

ثُمَّ إنّ الّذين اتّهموا بالقدرية في أيام الأُمويّين كانوا دعاة الحرّيّة، ويقولون بأنّ الإنسان مخيّر في تفكيره وعمله، وليس بمسيّر، فاستنتج المخالفون لهؤلاء الجماعة أنّهم من نُفاة القضاء والقدر، وكأَنّ القول بالحرّية لا يجتمع مع القول بالتقدير.

ثُمَّ إنّهم لم يقتصروا على ذلك، فرووا عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، أنّه قال: «القدرية مجوس هذه الأُمّة»، فقالوا المراد هذه الطائفة، أي دعاة الحرّية، ونُفاة الجبر.

إنّ العصر الأُموي كان يسوده القول بالجبر؛ الّذي يصوّر الإنسان والمجتمع أنّهما مسيّران لا مخيّران، وأنّ كلّ ما يجري في الكون من صلاح وفساد، وسعة

٧٨

وضيق، وجوع وكظّة، وصلح وقتال بين الناس، أمر حتمي قُضي به عليهم، وليس للبشر فيه أيّ صنع وتصرّف.

وقد اتّخذت الطغمة الأُمويّة هذه الفكرة غطاءً لأفعالهم الشنيعة؛ حتّى يسدّوا بذلك باب الاعتراض على أفعالهم، بحجّة أنّ الاعتراض عليهم اعتراض على صنعه سبحانه وقضائه وقدره، وأنّ الله سبحانه فرض على الإنسان حكم ابن آكلة الأكباد وابنه السكّير، فأبناء البيت الأُموي الخبيث يعيشون عيشة رغد ورخاء وترف، ويعيش الآخرون حياة البؤس والشقاء.

وعلى ذلك، فمن سُجِّلت أسماؤهم في القدريّة، لم يكن لهم ذنب سوى أنّهم كانوا دعاة الحرّية ونُفاة الجبر، نظراء:

1 - معبد بن عبد الله الجهني البصري (المتوفّى عام 80هـ).

2 - غيلان بن مسلم الدمشقي، المصلوب بدمشق عام 105هـ.

3 - عطاء بن يسار (المتوفّى 103هـ).

إنّ نضال هؤلاء الثلاثة في العهد الأُموي كان ضد ولاة الجور؛ الّذين كانوا يسفكون الدماء وينسبونه إلى قضاء الله وقدره، فهؤلاء الأحرار قاموا في وجههم، وأنكروا القدر بالمعنى الّذي استغلته السلطة وبرّرت به أعمالها الشنيعة، وإلاّ فمن البعيد جداً،من مسلمٍ واعٍ، أن ينكر القضاء والقدر الواردين في الكتاب والسنّة على وجه لا يَسْلِب الحرّية من الإنسان ولا يجعله مكتوف الأيدي.

إنّ هذا التاريخ يدلّنا على أنّ رجال العيث والفساد، إذا أرادوا إخفاء دعوة الصالحين اتّهموهم بالكفر والزّندّقة ومخالفة الكتاب والسنّة.

٧٩

والحاصل: إنّ تفسير القدرية في حق هؤلاء؛ بتفويض الإنسان إلى نفسه وأفعاله، وأنّه ليس لله أي صنع في فعله، هو تفسير جديد حدث بعد هؤلاء، فلم يكن لمعبد الجهني وغيلان الدمشقي والقاضي عطاء بن يسار وغيرهم إلاّ نقد الفكرة الفاسدة؛ وهي كون الإنسان والمجتمع مسيّراً لا مخيّراً، لا يُسأل عن أفعاله، ومن عجيب الأمر أنّ عبد الله بن عمر روى أنّ رسول الله قال: «إنّ القدرية مجوس هذه الأُمّة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم». (1)

فكلّ من دعاة الحرّية والجبر فسروه بالمخالف، ولكنّ الحديث ضعيف سنداً جداً، ولفظ الحديث حاك أنّه صُنع بعد رحيل الرسول، كما كثُر ما يُروى في هذا المقام.

ثمَّ إنّ للصاحب بن عباد (326 - 385هـ) رسالة في الردّ على القدريّة بمعنى المجبِّرة، نشرناها في كتابنا (بحوث في الملل والنحل) الجزء الثالث من الصّفحة 132 إلى 138؛ كما أنّ للحسن بن محمد بن الحنفية، والقاضي حسن بن يسار المعروف بالحسن البصري، رسالة في نفي القدر بمعنى الجبر نشرناها في نفس الكتاب.

***

ولمّا كانت دعوة معبد الجهني وأضرابه دعوة إلى الحرّية والتفكير، ظهرت آنذاك حركات رجعيّة تُعرقل الأُمّة عن التقدّم، ونشير إلى هذه الدعوات والنحل المخالفة لمبادئ الإسلام بصورة موجزة.

____________________

(1) جامع الأُصول: 10/526.

٨٠