المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية15%

المذاهب الإسلامية مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 377

المذاهب الإسلامية
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 204094 / تحميل: 8701
الحجم الحجم الحجم
المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الحركات الرجعيّة

١

٧

الجهميّة

قد عرفت أنّ المتّهمين بالقدرية كانوا دعاة الحرّية، لا نُفاة القضاء والقدر، بل كانوا قائلين بأنّه سبحانه تبارك وتعالى قدّر وقضى، ومع ذلك، لم يسلب الاختيار عن الإنسان، فخيّره بين الإيمان والكفر، بين الخير والشّر، فلو قدّر الخير فلعلم منه بأنّه يختار الخير عن اختيار، أو قدّر الشر فلعلم منه أنّ الفاعل يختار الشر كذلك، وهو نفس صميم الإسلام ولبّه، قال سبحانه: ( فَمَن شَاءَ فَلْيُوْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكُفُرْ ) (١) .

لكن ظهرت في القرن الثاني والثالث حركات رجعيّة استهدفت أركان الإسلام والعودة بالأُمّة إلى الأفكار الجاهلية الّتي سادت قبل الإسلام، من القول بالجبر والتجسيم، وإليك أبرز ممثّلي هذه الحركات الرجعية.

____________________

(١) الكهف: ٢٩.

٨١

الجهميّة:

إنّ سمات الجهميّة، هي: القول بالجبر والتعطيل، أسّسها جهم بن صفوان السمرقندي (المتوفّى ١٢٨هـ).

قال الذهبي: جهم بن صفوان أبو محرز السمرقندي الضال المبتدع، رأس الجهميّة في زمان صغار التابعين، وما علِمْته روى شيئاً، لكنّه زرع شرّاً عظيماً.

وقال المقريزي: الجهميّة،أتباع جهم بن صفوان الترمذي، مولى راسب، وقُتل في آخر دولة بني أُميّة، وتتلخّص عقائده في الأُمور التالية:

١ - ينفي الصفات الإلهيّة كلّها، ويقول: لا يجوز أن يوصف الباري بصفة يوصف بها خَلْقه.

٢ - إنّ الإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالقدرة ولا بالاستطاعة.

٣ - إنّ الجنّة والنّار يفنيان، وتنقطع حركات أهلهما.

٤ - إنّ من عرف الله ولم ينطق بالإيمان لم يكفر؛ لأنّ العلم لا يزول بالصمت، وهو مؤمن مع ذلك.

وقد كفّره المعتزلة في نفي الاستطاعة، وكفّره أهل السنّة بنفي الصفات وخلق القرآن ونفي الرؤية.

٥ - وانفرد بجواز الخروج على السلطان الجائر.

٦ - وزعم أنّ علم الله حادث لا بصفة يوصف بها غيره. (١)

____________________

(١). الخطط المقريزيّة: ٣/٣٤٩، ولاحظ: ص٣٥١.

٨٢

أقول: الظاهر أنّ قاعدة مذهبه أمران:

الأوّل: الجبر ونفي الاستطاعة، فجهم بن صفوان رأس الجبر وأساسه، ويُطْلق على أتباعه الجبريّة الخالصة، في مقابل غير الخالص منها.

الثاني: تعطيل ذاته سبحانه، عن التوصيف بصفات الجلال والجمال، ومن هنا نجمت المعطّلة.

وأمّا غير هذين الأمرين فمشكوك جداً.

التطورات الّتي مرّ بها مفهوم الجهمي:

لمّا كان نفي الصفات عن الله والقول بخلق القرآن ونفي الرؤية ممّا نسب إلى منهج الجهم، صار لفظ الجهمي رمزاً لكلِّ من قال بأحد هذه الأُمور، وإن كان غير قائل بالجبر ونفي القدر؛ ولأجل ذلك ربّما تطلق الجهميّة ويراد بها المعتزلة أو القدريّة، يقول أحد بن حنبل:

والقرآن كلام الله ليس بمخلوق، فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله ووقف، ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق، فهو أخبث من الأوّل، ومن زعم أنّ ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله، فهو جهمي، ومن لم يكفّر هؤلاء القوم كلّهم فهو مثلهم. (١)

____________________

(١) السنّة: ٤٩.

٨٣

الحركات الرجعيّة

٢

٨

المجسّمة

إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد، والبرهان عن التفكير، ألحق أضراراً جسيمة بالمجتمع الإسلامي، حيث ظهرت فيه حركات هدّامة ترمي إلى تقويض الأُسس الدينية والأخلاقيّة.

ومن تلك الحركات المجسّمة؛ الّتي رفع لواءها مقاتل بن سليمان المجسم (١) (المتوفّى عام ١٥٠هـ)، ونشر أقاصيص الأحبار والرهبان في القرن الثالث، فهو وجهم بن صفوان، مع تشاطرهما في دفع الأُمّة الإسلامية إلى حافة الجاهلية،على طرفي نقيض في مسألة التنزيه والتشبيه.

____________________

(١) مقاتل بن سليمان بن بشر الأزدي بالولاء، البلخي، أبو الحسن، من المفسرين، أصله من بلخ، انتقل إلى البصرة ودخل بغداد وحدّث بها، وتوفّي بالبصرة، كان متروك الحديث، من كتبه (التفسير الكبير)، و(نوادر التفسير)، و(الرّد على القدريّة)، و(متشابه القرآن)، و(الناسخ والمنسوخ)، و(القراءات)، و(الوجوه والنظائر)، [الأعلام: ٧/٢٨١].

٨٤

أمّا صفوان، فقد بالغ في التنزيه حتّى عطّل وصف ذاته بالصفات.

وأمّا مقاتل، فقد أفرط في التشبيه فصار مجسّماً، وقد نقل المفسرون آراء مقاتل في كتب التفاسير.

فليعرف القارئ مكانه في الوثاقة وتنزيه الربّ عن صفات الخلق.

قال ابن حبّان: كان يأخذ من اليهود والنصارى - في علم القرآن - الّذي يوافق كتبهم، وكان يشبّه الربّ بالمخلوقات، وكان يكذب في الحديث.

وقال أبو حنيفة: أفرط جهم في نفي التشبيه، حتّى قال إنّه تعالى ليس بشيء، وأفرط مقاتل في الإثبات حتى جعله مثل خلقه. (١)

____________________

(١) لاحظ: ميزان الاعتدال، ٤/١٧٣. وراجع تاريخ بغداد، ١٣/١٦٦.

٨٥

الحركات الرجعية

٣

٩

الكرّاميّة

وهذه الفرقة منسوبة إلى محمد بن كرام السجستاني (المتوفّى عام ٢٥٥هـ) شيخ الكرامية.

قال الذهبي: ساقط الحديث على بدعته، أكَثَر عن أحمد الجويباري، ومحمد بن تميم السعدي؛ وكانا كذّابين.

وقال ابن حبّان: خذل، حتّى التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها... وجعل الإيمان قولاً بلا معرفة.

وقال ابن حزم: قال ابن كرام: الإيمان قول باللسان، وإن اعتقد الكفر بقلبه، فهو مؤمن. ومن بِدَع الكرّاميّة قولهم في المعبود تعالى إنّه جسم لا كالأجسام، وقد سقت أخبار ابن كرّام في تاريخي الكبير، وله أتباع ومؤيّدون، وقد سجن في نيسابور لأجل بدعته ثمانية أعوام، ثُمَّ أُخرج وسار

٨٦

إلى بيت المقدس، ومات بالشام سنة ٢٥٥هـ. (١)

إنّ للكرّامية نظريات في موضوعات أُخر، ذكرها البغدادي، وقد بلغت جُرأتهم في باب النبوّة حتّى قال بعضهم: إنّ النبي أخطأ في تبليغ قوله[ تعالى]: ( وَمَنَاةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرَى ) ، حتّى قال بعده: (تلك الغرانيق العلى، وان شفاعتها لترتجى). (٢)

مع أنّ قصة الغرانيق أُقصوصة ابتدعها قوم من أهل الضلالة، وقد أوضحنا حالها في كتابنا (سيد المرسلين (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم».

ونكتفي بهذا النزر في بيان عقائدهم، وكلّها وليد إقصاء العقل والمنطق عن ساحة العقائد، والاكتفاء بالروايات مع ما فيها من أباطيل وترّهات وضعها الأعداء واختلقتها الأهواء، فهي من أسوأ الحركات الرجعيّة الظاهرة في أواسط القرن الثالث.

____________________

(١) ميزان الاعتدال: ٤/٢١.

(٢) الفرق بين الفِرق: ٢٢٢.

٨٧

الحركات الرّجعيّة

٤

١٠

الظاهرية

وهذا المذهب منسوب إلى داود بن علي الأصفهاني الظاهري (٢٠٠ - ٢٧٠هـ).

وقد أسّس مذهباً في الفروع، فالمصدر الأصلي في الفقه عنده هو النصوص، بلا رأي في حكم من أحكام الشرع، فهم يأخذون بالنصوص وحدها، فإذا لم يكن بالنص، أخذوا بالإباحة الأصليّة.

ما هو السبب لظهور هذا المذهب؟

إنّ إقصاء العقل عن ساحة العقائد يستلزم طرده عن ساحة الفقه بوجه أولى، لأنّ أساسه هو التعبُّد بالنصوص، وعدم الإفتاء بشيء لا يوجد له أصل في الكتاب والسنّة، لكن الجمود على حرفيّة النصوص شيء، والتعبّد بالنصوص وعدم الإفتاء في مورد لا يوجد فيه أصل ودلالة في المصدرين الرئيسيّين شيء آخر،

٨٨

فالظاهرية على الأوّل، والفقهاء على الثاني، ولأجل إيضاح الحال نأتي بمثالين:

١ - إنّ الشكّل الأوّل من الأشكال الأربعة ضروري الإنتاج، من غير فرق بين الأُمور التكوينيّة أو الأحكام الشرعيّة؛ فكما أنّ الحكم بحدوث العالم نتيجة حتمية لقولنا: العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث، فهكذا الحكم بحرمة كلّ مسكر، نتيجة قطعيّة لقولنا: الفقاع مسكر، وكل مسكر حرام، فالفقاع حرام؛ لكنّ الظاهري يقبل المقدّمتين، ولكن لا يفتي بالنتيجة؛ بحجة أنّها غير مذكورة في النصوص.

٢ - ما يسمّيه الفقهاء بلحن الخطاب، وإن كان شيئاً غير مذكور في نفس الخطاب، لكنّه من اللوازم البيّنة له، بحيث يتبادر إلى الذّهن من سماعه، فإذا خاطبنا سبحانه بقوله: ( فَلَا تَقُل لَهُمَا أُفٍ ) (١) ، يتوجّه الذهن إلى حرمة ضربهما وشتمهما بطريق أولى، ولكن الفقيه الظاهري يأبى عن الأخذ به بحجّة كونه غير منصوص.

قال سبحانه: ( قُل لِلّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنّتُ الْأَوّلِينَ ) (٢) .

فالموضوع للحكم (مغفرة ما سلف عند الانتهاء)؛ وإن كان هو الكافر، لكن الذهن السليم يتبادر إلى فهم شيء آخر، لازم لهذا الحكم بالضرورة، وهو تعميم الحكم إلى المسلم أيضاً بوجه آكد، ولكنّ الظاهري يتركه؛ بحجة أنّه غير مذكور في النص.

____________________

(١) الإسراء: ٢٣.

(٢) الأنفال: ٣٨.

٨٩

وهذا النوع من الجمود يجعل النصوص غير كافلة لاستخراج الفروع الكثيرة، وتصبح الشريعة ناقصة من حيث التشريع والتقنين، وغير صالحة لجميع الأجيال والعصور، وفاقدة للمرونة اللازمة الّتي عليها أساس خاتميّة نبوّة نبيّناً محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وكتابه وسنّته.

ثمَّ إنّ الاكتفاء بظاهر الشريعة؛ وأخذ الأحكام من ظواهر النصوص؛ له تفسيران: أحدهما صحيح جداً، والآخر باطل، فإن أُريد منه نفي الظنون؛ الّتي لم يدلّ على صحة الاحتجاج بها دليل، فهو نفس نص الكتاب العزيز، قال سبحانه: ( قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ ) (١) ، فالشيعة الإماميّة، وبفضل النصوص الوافرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المتّصلة اسنادها إلى الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، استطاعت أن تستخرج أحكام الحوادث والموضوعات الكثيرة منها، وامتنعت عن العمل بالقياس والاستحسان وغيرهما من الأدلّة الظنية؛ الّتي لم يقم الدليل القطعي على صحّة الاحتجاج بها، بل قام الدليل على حرمة العمل على بعضها، كالقياس، وقد ورد في نصوص أئمتهم (عليهم السلام): «إنّ السنّة إذا قيست مُحق الدين» (٢) .

وإن أُريد بها لوازم الخطاب؛ أي ما يكون في نظر العقلاء، كالمذكور أخذاً بقولهم: (الكناية أبلغ من التصريح)، ويكون التفكيك بينهما أمراً غير صحيح، فليس ذلك عملاً بغير المنصوص. نعم ليس عملاً بالظاهر الحرفي، ولكنّه عمل بها بما يفهمه المخاطبون بها.

____________________

(١) يونس: ٥٩.

(٢) الوسائل: ١٨، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي، الحديث ١٠.

٩٠

أُفول نجمه:

إنّ هذا المذهب لأجل حرفيته قد أفل نجمه بسرعة.

نعم قد تبعه فقيه آخر باسم ابن حزم (٣٨٤ - ٤٥٨هـ)، وأعاد هذا المذهب إلى الساحة، وألّف حوله كتباً ورسائل، وخدمه بالتآليف التالية:

١ - الإحكام في أُصول الأحكام: بيّن فيه أُصول المذهب الظاهري.

٢ - النُّبَذ: وهو خلاصة ذلك الكتاب.

٣ - المحلّى: وهو كتاب كبير نشر في عشرة أجزاء، جمع أحاديث الأحكام وفقه علماء الأمصار، طبع في بيروت بتحقيق أحمد محمد شاكر، وله آراء شاذة - كبطلان الاجتهاد في استخراج الأحكام الفقهية، وجواز مس المصحف للمجنب، وقاتل الإمام عليّ كان مجتهداً - ذكرناها في موسوعتنا. (١)

وقد ذكرنا هذا المذهب، مع أنّه فقهي؛ لأجل اشتراكه مع ما سبق في الرجعيّة، وإقصاء العقل عن ساحة الاجتهاد الفقهي.

____________________

(١) بحوث في الملل والنحل: ٣/١٤١ - ١٤٦.

٩١

١١

المعتزلة

المعتزلة بين المدارس الكلاميّة المختلفة؛ مدرسة فكريّة عقليّة أعطت للعقل القسط الأوفر، ومن المؤسف أنّ هوى العصبية، بل يد الخيانة، لعبت بكثير من مخلّفاتهم الفكريّة، فأطاحت به فأضاعتها بالخرق والتمزيق، فلم يبق فيما بأيدينا من آثارهم إلاّ الشيء القليل، وأكثرها يرجع إلى كتب عبد الجبار المعتزلي (المتوفّى عام ٤١٥هـ)، ولأجل ذلك فقد اعتمد في تحرير هذا المذهب غير واحد من الباحثين على كتب خصومهم كالأشاعرة، ومن المعلوم أنّ الاعتماد على كتاب الخصم لا يُورث يقيناً.

وقد اهتمّ المستشرقون في العصور الأخيرة بدراسة مذهب الاعتزال، ولقد أُعجبوا بمنهج الاعتزال في حرّية الإنسان وأفعاله، وصار ذلك سبباً لرجوع المعتزلة إلى الساحة من قبل المفكّرين الإسلاميّين، ولذلك نُشرت في هذه الآونة الأخيرة كتباً حول المعتزلة.

ومؤسّس المذهب هو واصل بن عطاء تلميذ الحسن البصري، نقل الشهرستاني أنّه دخل شخص على الحسن البصري، فقال: يا إمام الدين!، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم تُخرج به

٩٢

عن الملّة، وهم وعيديّة الخوارج، وجماعة يُرجئون أصحاب الكبائر، ويقولون لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأُمّة، فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً؟

فتفكّر الحسن في ذلك، وقبل أن يجيب، قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً، ولا كافر مطلقاً، بل هو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر، ثُمّ قام واعتزل إلى اسطوانة المسجد؛ يقرّر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنّا واصل، فسمّي هو وأصحابه: معتزلة. (١)

سائر ألقاب المعتزلة:

إنّ للمعتزلة ألقاباً أُخر:

١ - العدليّة: لقولهم بعدل الله سبحانه وحكمته.

٢ - الموحّدة: لقولهم لا قديم مع الله، وينفون قدم القرآن.

٣ - أهل الحق: لأنّهم يعتبرون أنفسهم أهل الحق.

٤ - القدريّة: يُعبَّر عن المعتزلة في الكتب الكلاميّة بالقدريّة، والمعتزلة يطلقونها على خصومهم، وذلك لما رُوي عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «أنّ القدريّة مجوس هذه الأُمّة». فلو قلنا بأنّ القدريّة منسوبة إلى القدر؛ عِدْل القضاء، فتنطبق على

____________________

(١) الملل والنحل: ١/٦٢.

٩٣

خُصَماء المعتزلة؛ القائلين بالقدر السالب للاختيار. ولو قلنا بأنّها منسوبة إلى القدرة؛ أي القائلين بتأثير قدرة الإنسان في فعله واختياره وتمكّنه في إيجاده، فتنطبق - على زعم الخُصَماء - على المعتزلة؛ لقولهم بتأثير قدرة الإنسان في فعله. وقد طال الكلام بين المتكلّمين في تفسير الحديث وذِكْر كلِّ طائفة وجهاً لانطباقه على خصمها. (١)

٥ - الثنويّة: ولعلّ وجهه ما يتراءى من بعضهم من نسبة الخير إلى الله والشر إلى العبد.

٦ - الوعيدية: لقولهم إنّ الله صادق في وعده، كما هو صادق في وعيده، وإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ بعد التوبة، فلو مات بدونها يكون معذّباً قطعاً ويخلَّد في النار.

٧ - المعطّلة: لتعطيل ذاته سبحانه عن الصفات الذاتية، ولكن هذا اللقب أُلصق بالجهميّة، وأمّا المعتزلة فلهم في الصفات مذهبان:

أ - القول بالنيابة، أي خلو الذات عن الصفات، ولكن تنوب الذّات مكان الصفات في الآثار المطلوبة منها، وقد اشتهر قولهم: (خُذ الغايات واترك المبادئ)، وهذا مخالف لكتاب الله والسنّة والعقل. فإنّ النقل يدلّ بوضوح على اتّصافه سبحانه بالصفات الكماليّة، وأمّا العقل، فحدِّث عنه ولا حرج؛ لأنّ الكمال يساوق الوجود، وكلّما كان الوجود أعلى وأشرف، تكون الكمالات فيه آكد.

____________________

(١) كشف المراد: ١٩٥، شرح المقاصد للتفتازاني: ٢/١٤٣.

٩٤

ب - عينيّة الصفات مع الذّات واشتمالها على حقائقها، من دون أن يكون ذات وصفة، بل الذّات بلغت في الكمال إلى درجة صار نفس العلم قدرة.

٨ - الجهميّة، وهذا اللّقب منحه أحمد بن حنبل لهم، فكل ما يقول: قالت الجهميّة، أو يصف القائل بأنّه جهميّ؛ يُريد به المعتزلة، لِمَا وجد من موافقتهم الجهميّة في بعض المسائل.

٩ - المفنية.

١٠ - اللّفظيّة.

وهذان اللّقبان ذكرهما المقريزي وقال: إنّهم يوصفون بالمفنية، لما نسب إلى أبي الهذيل من فناء حركات أهل الجنة والنار؛ واللفظية لقولهم: ألفاظ القرآن مخلوقة. (١)

الأُصول الخمسة عند المعتزلة:

اشتهرت المعتزلة بأُصول خمسة، فمن دان بها فهو معتزلي، ومن نقص منها أو زاد عليها فليس منهم، وتلك الأُصول المرتبة حسب أهميتها عبارة عن: التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فمن دان بها، ثُمَّ خالف بقية المعتزلة في تفاصيلها، لم يخرج بذلك عنهم.

وإليك تفصيل هذه الأُصول بنحو موجز:

____________________

(١) الخطط المقريزيّة: ٤/١٦٩.

٩٥

إيعاز إلى الأُصول الخمسة

وقبل كلّ شيء نطرح هذه الأُصول على وجه الإجمال، حتّى يُعلم ماذا يريد منها المعتزلة، ثُمَّ نأخذ بشرحها واحداً بعد احد؛ فنقول:

١ - التوحيد: ويراد منه العلم بأنّ الله واحد، لا يشاركه غيره فيما يستحقُّ من الصفات نفياً وإثباتاً على الحدّ الّذي يستحقّه. والتوحيد عندهم رمز لتنزيهه سبحانه عن شوائب الإمكان ووهم المثليّة وغيرهما ممّا يجب تنزيه ساحته عنه، كالتجسيم والتشبيه وإمكان الرؤية وطروء الحوادث عليه. غير أنّ المهمّ في هذا الأصل؛ هو الوقوف على كيفيّة جريان صفاته عليه سبحانه، ونفي الرؤية، وغيرهما يقع في الدّرجة الثانية من الأهمية في هذا الأصل؛ لأنّ كثيراً منها لم يختلف المسلمون فيه، إلاّ القليل منهم.

٢ - العدل: إذا قيل إنّه تعالى عادل، فالمراد أنّ أفعاله كلّها حسنة، وأنّه لا يفعل القبيح، وأنّه لا يَخِلّ بما هو واجب عليه. وعلى ضوء هذا: لا يكذب في خبره، ولا يجور في حكمه، ولا يعذِّب أطفال المشركين بذنوب آبائهم، ولا يُظهر المعجزة على أيدي الكذّابين، ولا يكلِّف العباد وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، بل يُقْدِرهم على ما كلّفهم، ويعلِّمهم صفة ما كلّفهم، ويدلّهم على ذلك، ويبيّن لهم ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ ) (١) ، وأنّه إذا كلّف المكلّف وأتى بما كلّف على الوجه الّذي كُلِّف، فإنّه يثيبه لا محالة، وأنّه سبحانه إذا آلم وأسقم، فإنّما فعله لصلاحه ومنافعه، وإلاّ كان مخلاًّ بواجب...

٣ - الوعد والوعيد: والمراد منه أنّ الله وعد المطيعين بالثواب، وتوعّد

____________________

(١) الأنفال: ٤٢.

٩٦

العصاة بالعقاب، وأنّه يفعل ما وعد به وتوعّد عليه لا محالة. ولا يجوز الخُلف، لأنّه يستلزم الكذب. فإذا أخبر عن الفعل، ثُمَّ تركه، يكون كذباً. ولو أخبر عن العزم، فبما أنّه محال عليه، كان معناه الإخبار عن نفس الفعل، فيكون الخُلف كذباً. وعلى ضوء هذا الأصل، حكموا بتخليد مرتكب الكبائر في النار؛ إذا مات بلا توبة.

٤ - المنزلة بين المنزلتين: وتلقّب بمسألة الأسماء والأحكام؛ وهي أنّ صاحب الكبيرة ليس بكافر كما عليه الخوارج، ولا منافق كما عليه الحسن البصري، ولا مؤمن كما عليه بعضهم، بل فاسق لا يحكم عليه بالكفر ولا بالإيمان.

٥ - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والمعروف: كلّ فعل عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه، والمنكر: كلّ فعل عرف فاعله قبحه أو دلّ عليه. ولا خلاف بين المسلمين في وجوبهما؛ إنّما الخلاف في أنّه هل يُعلم عقلاً أو لا يُعلم إلاّ سمعاً؟، ذهب أبو عليّ (المتوفّى ٣٠٣هـ) إلى أنّه يُعلم عقلاً وسمعاً، وأبو هاشم (المتوفّى ٣٢١هـ) إلى أنّه يُعلم سمعاً، ولوجوبه شروط تُذكر في محلّها، ومنها أن لا يؤدّي إلى مضرّة في ماله أو نفسه، إلاّ أن يكون في تحمّله لتلك المذلّة إعزاز للدّين.

قال القاضي: وعلى هذا يحمل ما كان من الحسين بن عليّ (عليهما السّلام)؛ لِمَا كان في صبره على ما صبر، إعزاز لدين الله عزّ وجلّ، ولهذا نباهي به سائر الأُمم، فنقول: لم يبق من ولْد الرّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلاّ سبط واحد، فلم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتّى قتل دون ذلك. (١)

____________________

(١) الأُصول الخمسة: ١٤٢، نقلاً عن، بحوث في الملل والنحل: ٣/٢٥٤ - ٢٥٥.

٩٧

سبب الاقتصار على هذه الأُصول الخمسة:

هناك سؤال يطرح نفسه، وهو:

لماذا اقتصروا على هذه الأُصول، مع أنّ أمر النبوّة والمعاد أولى بأن يُعدَّ من الأُصول؟

وقد ذكروا في وجه ذلك أُموراً لا يُعتمد عليها، والحق أن يقال: إنّ الأُصول الخمسة الّتي يتبنّاها المعتزلة، مؤلّفة من أُمور تعدُّ من أُصول الدين كالتوحيد والعدل على وجه، ومن أُصول كلاميّة أنتجوها من البحث والنقاش، وأقحموها في الأُصول لغاية ردِّ الفرق المخالفة؛ الّتي لا توافقهم في هذه المسائل الكلامية.

وعند ذلك يستنتج القارئ أنّ ما اتّخذته المعتزلة من الأُصول، وجعلته في صدر آرائها، ليست إلاّ آراء كلاميّة لهذه الفرقة، تظاهروا بها للردّ على المجبّرة والمشبّهة والمرجئة والإماميّة وغيرهم من الفرق، على نحو لو لا تلكم الفِرَق لما سمعت من هذه الأُصول ذكراً.

أئمة المعتزلة:

المراد بأئمتهم؛ مشايخهم الكبار؛ الّذين نضج المذهب بأفكارهم وآرائهم، ووصل إلى القمة في الكمال.

نعم، في مقابل أئمة المذهب، أعلامهم الّذين كان لهم دور في تبيين هذا المنهج من دون أن يتركوا أثراً يستحق الذكر في الأُصول الخمسة، وها نحن نذكر من الطائفيتن نماذج:

٩٨

١. واصل بن عطاء (٨٠ - ١٣١هـ):

أبو حذيفة واصل بن عطاء، مؤسّس الاعتزال، المعروف بالغزّال، يقول ابن خلّكان: كان واصل أحد الأعاجيب، وذلك أنّه كان ألثغ، قبيح اللثغة في الرّاء، فكان يُخلِّص كلامه من الرّاء ولا يُفطن لذلك، لاقتداره على الكلام وسهولة ألفاظه، ففي ذلك يقول أبو الطروق؛ يمدحه بإطالة الخطب واجتنابه الراء على كثرة تردّدها في الكلام، حتّى كأنّها ليست فيه.

عـليم بـإبدال الحروف وقامع

لـكلّ خطيب يغلب الحقَّ باطلُه

وقال الآخر:

ويـجعل البرّ قمحاً في تصرّفه

وخالف الرّاء حتّى احتال للشعر

ولـم يطق مطراً والقول يعجله

فـعاذ بالغيث اشفاقاً من المطر

من آرائه ومصنّفاته:

إنّ واصل هو أوّل من أظهر المنزلة بين المنزلتين؛ لأنّ الناس كانوا في أسماء أهل الكبائر من أهل الصلاة على أقوال: كانت الخوارج تسمّيهم بالكفر والشرك، والمرجئة تسمّيهم بالإيمان، وكان الحسن وأصحابه يسمّونهم بالنفاق.

مؤلّفاته:

ذكر ابن النديم في (الفهرست)، وتبعه ابن خلّكان: إنّ لواصل التصانيف التالية:

٩٩

١ - كتاب أصناف المرجئة.

٢ - كتاب التوبة.

٣ - كتاب المنزلة المنزلتين.

٤ - كتاب خطبه الّتي أخرج منها الرّاء.

٥ - كتاب معاني القرآن.

٦ - كتاب الخُطب في التوحيد والعدل.

ومن المحتمل أنّه قام بجمع خطب الإمام عليّ (عليه السّلام) في التوحيد والعدل فأفرده تأليفاً.

٧ - كتاب ما جرى بينه وبين عمرو بن عبيد.

٨ - كتاب السبيل إلى معرفة الحق.

٩ - كتاب في الدعوة.

١٠ - كتاب طبقات أهل العلم والجهل. (١)

٢. عمرو بن عبيد (٨٠ - ١٤٣هـ):

وهو الإمام الثاني للمعتزلة بعد واصل بن عطاء، وكان من أعضاء حلقة الحسن البصري، مثل واصل، لكن التحق به بعد مناظرة جرت بينهما في مرتكب الكبيرة.

روى ابن المرتضى، عن الجاحظ، أنّه قال: صلَّى عمرو أربعين عاماً صلاة

____________________

(١) فهرست ابن النديم: ٢٠٣، الفن الأوّل من المقالة الخامسة.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

وتفسير الطبريّ ( ج ١٠؛ ٦ ) وفتح القدير ( ج ٢؛ ٢٩٥ ) والدّرّ المنثور ( ج ٣؛ ١٨٧ ) وسنن النسائي ( ج ٧؛ ١٢١ ) وصحيح البخاري ( ج ٣؛ ٣٦ ) وصحيح مسلم ( ج ٢؛ ٧٢ ) ومسند أحمد ( ج ١؛ ٢٩٤ ) وشرح النهج ( ج ١٦؛ ٢٣٠ - ٢٣١ ) و ( ج ١٢؛ ٨٣ ) والمصنف لابن أبي شيبة ( ج ١٢؛ ٤٧١ / الحديث ١٥٢٩٧ ) و ( ج ٥؛ ٢٣٨ / الحديث ٩٤٠٨ ) و ( ج ١٢؛ ٤٧٢ / الحديث ١٥٣٠١ ) والسنن الكبرى ( ج ٦؛ ٣٤٤ ) ومشكل الآثار ( ج ٢؛ ٣٦ ) والأموال (٣٣٢). وانظر النصّ والاجتهاد (١١١).

رضيت وإن انتهكت الحرم

إنّ انتهاك القوم حرمة عليّعليه‌السلام ، وحرمة الزهراءعليها‌السلام ، وحرمة الدين، ثابت بالأدلّة القطعيّة، حتّى أنّ عليّاعليه‌السلام صرّح بظلامته في كثير من الموارد، وصرّح بلفظ استحلال حرمته أيضا في خطبه وكلماته، ففي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٠٢ ) في خطبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام قال فيها: اللهم إنّي استعديك على قريش، فخذ لي بحقّي؛ ولا تدع مظلمتي لها، وطالبهم يا ربّ بحقّي فإنّك الحكم العدل، فإنّ قريشا صغّرت قدري، واستحلّت المحارم منّي، واستخفّت بعرضي وعشيرتي إلى آخر الخطبة. والخطبة في كتاب العدد القويّة ( ١٨٩ - ١٩٠ / الحديث ١٩ ).

ونقلها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٨؛ ١٦٩ ) نقلا عن كتاب العدد نقلا عن كتاب « الإرشاد لكيفيّة الطلب في أئمّة العباد » للصفار.

وانظر كلامه القريب من ذلك في نهج البلاغة ( ج ٢؛ ٨٥ / الخطبة ١٧٢ ) و ( ج ٢؛ ٢٠٢ ) والإمامة والسياسة ( ج ١؛ ١٧٦ ).

وسيأتي انتهاكهم حرمة عليّعليه‌السلام في الطّرفة الثامنة والعشرين عند قوله: « وبعثوا إليك طاغيتهم يدعوك إلى البيعة، ثمّ لبّبت بثوبك، وتقاد كما يقاد الشارد من الإبل »، وفي الطّرفة التاسعة عشر انتهاكهم حرمة الزهراء والحسنينعليهم‌السلام ، عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « وويل لمن انتهك حرمتها »، وما بعده من حرق الباب وضربها وإسقاط جنينها وشجّ جنبيها.

٣٤١

وعطّلت السنن

إنّ تلاعب الثلاثة - ومن بعدهم معاوية - بالأحكام ممّا لا ينكره ذو عقل، ولا يجحده إلاّ مكابر، وقد ألّفت الكتب في ذلك، ومخالفاتهم لسنّة رسول الله مبثوثة في كتب المسلمين، وفي أغلب أبواب الفقه، بل في أمّهات أبوابه وأساسيّات مسائله، وذلك جهلا منهم بالأحكام وعداوة لله ولرسوله، ولذلك كان أئمّة أهل البيت يؤكّدون هذه الحقيقة ويصدعون بها ويبيّنونها للمسلمين.

ففي الكافي ( ج ٨؛ ٣٢ ) قول عليّعليه‌السلام في الخطبة الطالوتيّة: ولكن سلكتم سبيل الظلام فأظلمت عليكم دنياكم برحبها، وسدّت عليكم أبواب العلم، فقلتم بأهوائكم، واختلفتم في دينكم، فأفتيتم في دين الله بغير علم، واتّبعتم الغواة فأغوتكم، وتركتم الأئمّة فتركوكم، فأصبحتم تحكمون بأهوائكم ...

وفي تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ١٦ ) عن الصادقعليه‌السلام ، قال: لا يرفع الأمر والخلافة إلى آل أبي بكر أبدا، ولا إلى آل عمر، ولا إلى آل بني أميّة، ولا في ولد طلحة والزبير أبدا، وذلك أنّهم بتروا القرآن وأبطلوا السنن، وعطّلوا الأحكام.

وفي الكافي ( ج ٨؛ ٥٨ ) بسنده عن سليم بن قيس الهلالي، قال: خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ صلّى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ قال: إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها ويتّخذونها سنّة، فإذا غيّر منها شيء قيل: قد غيّرت السنّة ثمّ أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصّته وشيعته، فقال:

قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسنته، ولو حملت الناس على تركها - وحوّلتها إلى مواضعها، وإلى ما كانت في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - لتفرّق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي، أو قليل من شيعتي، الّذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيمعليه‌السلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

٣٤٢

ورددت فدك إلى ورثة فاطمةعليها‌السلام ، ورددت صاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما كان، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ورددت ما قسم من أرض خيبر، ومحوت دواوين العطايا، وأعطيت كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعطي بالسويّة ولم أجعلها دولة بين الأغنياء، وألقيت المساحة، وسوّيت بين المناكح، وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عزّ وجلّ وفرضه، ورددت مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما كان عليه، وسددت ما فتح فيه من الأبواب، وفتحت ما سدّ منه، وحرّمت المسح على الخفّين، وحددت على النبيذ، وأمرت بإحلال المتعتين، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم، وأخرجت من أدخل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده ممّن كان رسول الله أخرجه، وأدخلت من أخرج بعد رسول الله ممّن كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أدخله، وحملت الناس على حكم القرآن، وعلى الطلاق على السنّة، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها إذا لتفرّقوا عنّي ما لقيت من هذه الأمّة، من الفرقة وطاعة أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار ....

وفي مصباح الكفعمي ( ٥٥٢، ٥٥٣ ) المروي عن ابن عبّاس أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يقنت به، فيه قولهعليه‌السلام : اللهم العن صنمي قريش وجبتيها وطاغوتيها وأفّاكيها وابنتيهما، الّذين خالفا أمرك وحرّفا كتابك وعطّلا أحكامك، وأبطلا فرائضك اللهم العنهم بعدد كلّ منكر أتوه، وحقّ أخفوه وفرض غيّروه، وأثر أنكروه وخبر بدّلوه، وكفر نصبوه، وإرث غصبوه، وفيء اقتطعوه، وسحت أكلوه، وخمس استحلّوه وحلال حرّموه وحرام أحلّوه اللهم العنهم بكلّ آية حرّفوها، وفريضة تركوها، وسنّة غيّروها، ورسوم منعوها، وأحكام عطّلوها ...

وانظر الأحكام الّتي بدّلوها والسنن الّتي عطّلوها في بحار الأنوار ( ج ٨؛ الباب ٢٢ / ٢٣ - ٢٥ ) في تفصيل مطاعن الأوّل والثاني والثالث على التوالي، ودلائل الصدق ( ج ٣؛ ٥ - ١٠٥ ) في مطاعن الأوّل، ( ١٠٧ - ٢٣٧ ) في مطاعن الثاني، ( ٢٤١ - ٣٤١ ) في مطاعن الثالث،

٣٤٣

والغدير ( ج ٧؛ ٩٥ - ١٨١ ) فيما يتعلّق بالأوّل، ( ج ٦؛ ٨٣ - ٣٣٣ ) في مطاعن الثاني بعنوان « نوادر الأثر في علم عمر »، ( ج ٨؛ ٩٧ - ٣٢٣ ) فيما يتعلّق بعثمان، النصّ والاجتهاد في ابتداعاتهم جميعا، والطرائف ( ٣٩٩ - ٤٩٨ ) في مطاعنهم جميعا.

ومزّق الكتاب

روى الشيخ الصدوق في الخصال (١٧٥) بسنده عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله: المصحف والمسجد والعترة، يقول المصحف: يا ربّ حرّقوني ومزّقوني وانظر بحار الأنوار ( ج ٢؛ ٨٦ ) عن المستدرك المخطوط لابن البطريق، وفي بصائر الدرجات ( ٤٣٣، ٤٣٤ ) بلفظ ( حرّفوا ) بدلا عن ( حرّقوا ).

وفي مقتل الحسين للخوارزمي ( ج ٢؛ ٨٥ ) بسنده عن جابر الأنصاريّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يجيء يوم القيامة ثلاثة: المصحف والمسجد والعترة، فيقول المصحف: حرقوني ومزّقوني ونقله الإمام المظفر في دلائل الصدق ( ج ٣؛ ٤٠٥ ) عن كنز العمال ( ج ٦؛ ٤٦ ) عن الديلمي عن جابر أيضا، وعن أحمد والطبراني وسعيد بن منصور، عن أبي أمامة، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي حديث أصحاب الرايات الخمس التي ترد يوم القيامة، أنّهم يسألون عن الكتاب والعترة، فيقول أصحاب أربع رايات منها: أمّا الأكبر فكذّبناه ومزّقناه كما في اليقين ( ٢٧٥، ٢٧٦ ) والخصال (٤٥٩) وتفسير القمّي ( ج ١؛ ١٠٩ ). وستأتي تخريجات هذا الخبر ومتنه في الطّرفة الثانية والثلاثين عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ابيضّت وجوه واسودّت وجوه، وسعد أقوام وشقي آخرون »، وفيها التصريح بأنّ الثلاثة هم أصحاب الرايات الثلاثة الأول، وهم القائلون هذا القول، فلاحظه.

وقد ثبت أنّ عثمان بن عفان هو الّذي أحرق المصاحف واستهان بها، وكان ذلك ممّا نقمه عليه المسلمون، حتّى كسر عثمان أضلاع ابن مسعود لمعارضته حرق المصاحف.

ففي تقريب المعارف (٢٩٦) عن زيد بن أرقم أنّه سئل: بأي شيء كفّرتم عثمان؟ فقال:

٣٤٤

كفّرناه بثلاث: مزّق كتاب الله ونبذه في الحشوش الخ.

وفي إرشاد القلوب (٣٤١) قول حذيفة بن اليمان: وأمّا كتاب الله فمزّقوه كلّ ممزّق ....

وفي المسترشد (٤٢٦) في كتاب عليّ الّذي أخرجه للناس، قال في شأن عثمان: وأنحى على كتاب الله يحرّقه ويحرّفه ...

وفي كتاب سليم بن قيس (١٢٢) وفي الاحتجاج ( ج ١؛ ١٥٣ ) قول طلحة: وقد عهد عثمان حين أخذ ما ألّف عمر، فجمع له الكتّاب، وحمل الناس على قراءة واحدة، فمزّق مصحف أبي بن كعب وابن مسعود وأحرقهما بالنار ....

وانظر في حرق المصاحف وتمزيقها تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٥٧ ) وتاريخ المدينة المنوّرة ( ج ٣؛ ٩٩١ )، عن أنس وبكير، وصحيح البخاريّ ( ج ٦؛ ٩٦ ) وكنز العمال ( ج ٢؛ ٥٨١ ) بسند عن الزهريّ، عن أنس، وفيه لفظ « وأمر بسوى ذلك في صحيفة أو مصحف أن يحرق »، ثمّ كتب « ابن سعد خ ت ن، وابن أبي داود وابن الأنباريّ معا « في المصاحف » حب، ق » انتهى.

وفي تاريخ الطبريّ ( ج ٧؛ ١٦٠ ) ذكر تسمية الناس لعثمان من بعد « شقّاق المصاحف »، وكان كلّ ذلك بسبب غصب الخلافة من آل محمّد، وتسلّط من لا علم له بالدين على أمور المسلمين بالقهر والمؤامرات، فصاروا يهتكون حرمات الله دون رادع ولا وازع، حتّى آل الأمر إلى أن يستفتح الوليد بن يزيد - خليفة المسلمين!! - بكتاب الله، فإذا هو بقوله تعالى:( وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) (١) ، فنصب القرآن غرضا ومزّقه بالسهام، وأنشد يقول:

تهدّد كلّ جبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربّك يوم حشر

فقل يا ربّ مزّقني الوليد

انظر تمزيق الوليد للمصحف في مروج الذهب ( ج ٣؛ ٢٢٨، ٢٢٩ ) والفتوح ( ج ٤؛ ٣٣٣ )

__________________

(١) إبراهيم؛ ١٥

٣٤٥

والكامل في التاريخ ( ج ٥؛ ٢٩٠ ) والأغاني ( ج ٧؛ ٤٩ ) والبدء والتاريخ ( ج ٦؛ ٥٣ ).

وهدّمت الكعبة

في بصائر الدرجات ( ٤٣٣، ٤٣٤ ) بسنده عن جابر، عن الباقرعليه‌السلام ، قال: دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بمنى فقال: يا أيّها الناس، إنّي تارك فيكم حرمات الله، وعترتي، والكعبة البيت الحرام، ثمّ قال أبو جعفر: أمّا كتاب الله فحرّفوا، وأمّا الكعبة فهدموا ...

ويدلّ عليه ما مرّ من حديث المصحف والمسجد والعترة، لأنّ المراد من المسجد، مسجد بيت الله الحرام، حيث يقول المسجد: يا ربّ خرّبوني وعطّلوني وضيّعوني، وهو أشرف المساجد وأوّلها.

وعلى كلّ حال، فقد أحرقت الكعبة وهدمت مرتين، الأولى على يد الحصين بن نمير، والثانية على يد الحجّاج لعنهما الله، وكانت المرّتان بسبب اعتصام عبد الله بن الزبير ومقاتلته في الكعبة:

أمّا الأولى : فقد أحرق الحصين بن نمير الكعبة المشرّفة وهدمها في أواخر أيّام يزيد لعنه الله، وبأمر منه، وذلك بعد وقعة الحرّة وانتهاك حرمة المدينة.

قال الطبريّ في تاريخه ( ج ٧؛ ١٤ ) في أحداث سنة ٦٤: قذفوا البيت بالمجانيق وحرقوه بالنار، وأخذوا يرتجزون ويقولون:

خطارة مثل الفنيق المزبد

نرمي بها أعواد هذا المسجد

وقال المسعوديّ في مروج الذهب ( ج ٣؛ ٨١ ): ونصب الحصين فيمن معه من أهل الشام المجانيق والعرّادات على مكّة والمسجد، من الجبال والفجاج فتواردت أحجار المجانيق والعرّادات على البيت، ورمي مع الأحجار بالنار والنفط ومشاقات الكتّان وغير ذلك من المحرقات، وانهدمت الكعبة واحترقت البنيّة.

وقال ابن أعثم الكوفيّ في الفتوح ( ج ٣؛ ١٨٥ - ١٨٦ ): والحصين بن نمير قد أمر بالمجانيق فنصبت، فجعل يرمي أهل مكّة رميا متداركا، لا يفتر من الرمي، فجعل رجل من

٣٤٦

أهل مكة يقول في ذلك:

ابن نمير بئس ما تولّى

قد أحرق المقام والمصلّى

وبيت ذي العرش العليّ الأعلى

قبلة من حجّ له وصلّى

وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ( ج ٢؛ ١٦، ١٧ ): ونصب [ الحصين ] عليها العرّادات والمجانيق، وفرض على أصحابه عشرة آلاف صخرة في كلّ يوم، يرمونها بها وكانت المجانيق قد أصابت ناحية من البيت الشريف فهدمته مع الحريق الّذي أصابه.

وانظر في ذلك الكامل في التاريخ ( ج ٤؛ ١٢٤ ) وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ٢٥١ ) والأخبار الطوال ( ٢٦٧، ٢٦٨ ) والبدء والتاريخ ( ج ٦؛ ١٥ ).

وأمّا المرّة الثانية: فقد أحرق الحجّاج الكعبة المشرّفة في محاصرته لعبد الله بن الزبير في سنة ٧٣ ه‍، حيث طال الحصار ستّة أشهر وسبع عشرة ليلة كما نصّ عليه الطبريّ في تاريخه ( ج ٧؛ ٢٠٢ ) وكانت مكّة والبيت الحرام بيده من سنة ٦٤ ه‍ حتّى سنة ٧٣ ه‍، وكان هو يقيم الحجّ للناس، وكان يأخذ البيعة لنفسه من الحجّاج، فمنع عبد الملك بن مروان أهل الشام من الحجّ وبنى الصخرة في بيت المقدس، فكان الناس يحضرونها يوم عرفة ويقفون عندها. انظر في ذلك وفيات الأعيان ( ج ٣؛ ٧١ - ٧٢ ) في ترجمة عبد الله بن الزبير، وهل بعد هذا التلاعب في الدين من تلاعب؟!

وعلى أيّ حال، فإنّ الكعبة المشرّفة أحرقت مرّة ثانية، وكان الحجّاج يرمي الكعبة بنفسه، قال ابن الأثير في الكامل ( ج ٤؛ ٣٥١ ) في أحداث سنة ٧٣:

وأوّل ما رمي بالمنجنيق إلى الكعبة رعدت السماء وبرقت، وعلا صوت الرعد على الحجارة، فأعظم ذلك أهل الشام وأمسكوا أيديهم، فأخذ الحجّاج حجر المنجنيق بيده، فوضعه فيه ورمى به معهم.

وقال اليعقوبي في تاريخه ( ج ٢؛ ٦٦ ): وقدم الحجّاج فقاتلهم قتالا شديدا، وتحصّن [ ابن الزبير ] بالبيت، فوضع عليه المجانيق، فلم يزل يرميه بالمنجنيق حتّى هدم البيت.

وقال ابن أعثم الكوفي في الفتوح ( ج ٣؛ ٣٨٦ ): وجعلوا يرمون البيت الحرام بالحجارة،

٣٤٧

وهم يرتجزون بالأشعار فلم يزل الحجّاج وأصحابه يرمون بيت الله الحرام بالحجارة حتّى انصدع الحائط الّذي على بئر زمزم عن آخره، وانتقضت الكعبة من جوانبها، قال: ثمّ أمرهم الحجّاج فرموا بكيزان النفط والنار، حتّى احترقت الستارات كلّها فصارت رمادا، والحجّاج واقف ينظر في ذلك كيف تحترق الستارات، وهو يرتجز ويقول:

أما تراها صاعدا غبارها

والله فيما يزعمون جارها

فقد وهت وصدعت أحجارها

ونفرت منها معا أطيارها

وحان من كعبته دمارها

وحرقت منها معا أستارها

لما علاها نفطها ونارها

وانظر في ذلك الإمامة والسياسة ( ج ٢؛ ٣٨ ) والأخبار الطوال (٣١٤) وتاريخ الطبريّ ( ج ٧؛ ٢٠٢ ) ومروج الذهب ( ج ٣؛ ١٢٠ ) والخرائج والجرائح (٢٤١).

وخضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط

هذا الإخبار من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام بشهادته وقاتله، يعدّ من دلائل وعلامات نبوّة نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد اتّفق على نقل هذا الإخبار جميع المسلمين في كتبهم ومصادرهم الروائيّة، واتّفقوا على أنّ عليّاعليه‌السلام كان يقول: ما ينتظر أشقاها، عهد إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لتخضبنّ هذه من هذا. رواه ابن المغازلي في مناقبه (٢٠٥).

وفي كتاب سليم بن قيس (٩٤) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : تقتل شهيدا، تخضب لحيتك من دم رأسك.

وفي أمالي الصدوق (٩٩) بسنده، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أمّا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فيضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته.

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ٤٢٧ ) عن عليّعليه‌السلام ، قال: إنّي سمعت رسول الله الصادق المصدّقصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّك ستضرب ضربة هاهنا - وأشار إلى صدغيه - فيسيل دمها حتّى تخضب

٣٤٨

لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود.

وانظر في ذلك روضة الواعظين (٢٨٨) والخرائج والجرائح ( ١١٥، ١٧٦ ) وأمالي الطوسي (٦٦) والخصال ( ٣٠٠، ٣٧٧ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٧٢ ) و ( ج ٢؛ ١١٨ ) وإرشاد المفيد (١٦٨) وإرشاد القلوب (٣٥٨) وبشارة المصطفى (١٩٨) ومقاتل الطالبيين (٣١) وشرح النهج ( ج ٤؛ ٣٦٩ ) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ٣٤ - ٣٥ ) وتذكرة الخواص ( ١٧٢ - ١٧٥ ) ومناقب الخوارزمي (٢٧٥) ومسند أحمد ( ج ٤؛ ٢٦٣ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٣؛ ١١٣، ١٤٠ ) وخصائص النسائي ( ١٢٩ - ١٣٠ ) ونزل الأبرار ( ٦١ - ٦٢ ) وكفاية الطالب (٤٦٣) وكنز العمال ( ج ١١؛ ٦١٧ ) وتاريخ دمشق ( ج ٣؛ ٢٧٠ / الحديث ١٣٤٨ ) و ( ٢٧٩ الحديث ١٣٦٥ ) و ( ٢٨٥ / الحديث ١٣٧٥ ) و ( ٢٩٣ / الحديث ١٣٩١ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٣٦، ١٣٧، ١٣٨ ) وأنساب الأشراف ( ج ٢؛ ٤٩٩ / الحديث ٥٤٤ ) ونظم درر السمطين (١٣٦) وجواهر المطالب ( ج ٢؛ ٨٧ ).

وقد علم من التاريخ ضرورة، أنّ عليّا استشهد على يد أشقى البريّة عبد الرحمن بن ملجم الخارجي، وذكرت كلّ التواريخ قول عليّعليه‌السلام : « فزت وربّ الكعبة »، فمضى صابرا محتسبا حتّى لقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تمسّه النار ودفعت إلى عليّعليه‌السلام

ذكر الكليني في الكافي ( ج ١؛ ٢٧٩ - ٢٨٤ ) أربعة أحاديث حول هذه الوصيّة المختومة الّتي نزل بها جبرئيل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في باب « أنّ الأئمّة لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلاّ بعهد من الله وأمر منه لا يتجاوزونه »، الأولى: بسنده عن معاذ بن كثير، عن الصادقعليه‌السلام ، والثانية: عن محمّد بن أحمد بن عبيد الله العمريّ، عن أبيه، عن جدّه، عن الصادقعليه‌السلام ، والثالثة: عن ضريس الكناسي، عن الباقرعليه‌السلام ، والرابعة: عن عيسى بن المستفاد، عن الكاظمعليه‌السلام ، وهي الطّرفة المذكورة في متن الطّرف. وإليك نصّ الرواية الثانية:

أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن محمّد، عن

٣٤٩

أبي الحسن الكناني، عن جعفر بن نجيح الكنديّ، عن محمّد بن أحمد بن عبيد الله العمريّ، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: إنّ الله عزّ وجلّ أنزل على نبيّه كتابا قبل وفاته، فقال: يا محمّد هذه وصيّتك إلى النّجبة من أهلك، قال: وما النّجبة يا جبرئيل؟ فقال: عليّ بن أبي طالب وولده، وكان على الكتاب خواتيم من ذهب، فدفعه النبي إلى أمير المؤمنين، وأمره أن يفكّ خاتما منه ويعمل بما فيه، ففكّ أمير المؤمنينعليه‌السلام خاتما وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى ابنه الحسنعليه‌السلام ، ففكّ خاتما وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى الحسينعليه‌السلام ، ففكّ خاتما فوجد فيه أن « أخرج بقوم إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلاّ معك، واشر نفسك لله عزّ وجلّ » ففعل، ثمّ دفعه إلى عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، ففكّ خاتما فوجد فيه أن « أطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين » ففعل، ثمّ دفعه إلى ابنه محمّد بن عليّعليهما‌السلام ، ففكّ خاتما فوجد فيه « حدّث الناس وأفتهم ولا تخافنّ إلاّ الله عزّ وجلّ، فإنّه لا سبيل لأحد عليك » ففعل، ثمّ دفعه إلى ابنه جعفرعليه‌السلام ، ففكّ خاتما فوجد فيه « حدّث الناس وأفتهم وانشر علوم أهل بيتك، وصدّق آباءك الصالحين، ولا تخافنّ إلاّ الله عزّ وجلّ وأنت في حرز وأمان » ففعل، ثمّ دفعه إلى ابنه موسىعليه‌السلام ، وكذلك يدفعه موسى إلى الّذي بعده، ثمّ كذلك إلى قيام المهديّ صلّى الله عليه.

وفي الحديث الأوّل قال الصادقعليه‌السلام : إنّ الوصيّة نزلت من السماء على محمّد كتابا، لم ينزل على محمّد كتاب مختوم إلاّ الوصيّة، فقال جبرئيل: يا محمّد، هذه وصيّتك في أمّتك عند أهل بيتك، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّ أهل بيتي يا جبرئيل؟ قال: نجيب الله منهم وذريّته، ليرثك علم النبوّة كما ورثه إبراهيم، وميراثه لعليّ وذريتك من صلبه، قال: وكان عليها خواتيم ....

وانظر حديث هذه الصحيفة المختومة الّتي نزل بها جبرئيل في أمالي الصدوق (٣٢٨) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٩٨، ٢٩٩ ) عن الصادقعليه‌السلام ، ثمّ قال: « وقد روى نحو هذا الخبر أبو بكر بن أبي شيبة، عن محمّد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »، وبصائر الدرجات ( ١٦٦ / الحديث ٢٤ من الباب ١٢

٣٥٠

من الجزء الثالث ) و ( ١٧٠ / الحديث ١٧ من الباب ١٣ من الجزء الثالث ) وإكمال الدين ( ٢٣١، ٢٣٢ / الحديث ٣٥ من الباب ٢٢ ) و ( ٦٦٩ - ٦٧٠ / الحديث ١٥ من الباب ٥٨ ) والإمامة والتبصرة ( ٣٨ - ٣٩ ) وأشار إليه في الصفحة ١٢ أيضا، وعلل الشرائع ( ١٧١ / الحديث الأوّل من الباب ١٣٥ ) والغيبة للنعماني (٢٤) وأمالي الطوسي ( ٤٤١ / الحديث ٩٩٠ ). وانظر روايات هذه الصحيفة السماويّة المباركة في بحار الأنوار ( ج ٢٦؛ ١٨ / الباب الأوّل « ما عندهم من الكتب » و ( ج ٣٦؛ ١٩٢ - ٢٢٦ / الباب ٤٠ ).

٣٥١

٣٥٢

الطّرفة الخامسة عشر

روى هذه الطّرفة الشريف الرضي في كتاب خصائص الأئمّة (٧٢) ورواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٢ - ٤٨٣ ) عن كتاب الطّرف، عن خصائص الأئمّة، وهي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩١، ٩٢ )، حيث نقلها العلاّمة البياضي باختصار.

وهذه الطّرفة موضوعها متعلّق بما سبقها من حديث الصحيفة المختومة، وأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاها لعليّعليه‌السلام ، وأمره وولده أن يعملوا بما فيها، فعملوا طبق ما في هذه الوصيّة، ولم يجاوزوا ما فيها، فوردوا على رسول الله لا مقصّرين ولا مفرّطين. والمطالب الفرعيّة الموجودة في الطّرفة كلّها مرّ بعضها، وسيأتي بعضها الآخر.

٣٥٣

٣٥٤

الطّرفة السادسة عشر

روى هذه الطّرفة الشريف الرضي في كتاب خصائص الأئمّة ( ٧٢ - ٧٣ ) ورواها العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٣ - ٤٨٤ ) عن كتاب الطّرف، وعن خصائص الأئمّة، ونقلها العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٩٢ ) باختصار.

اتّفقت الكلمة على أنّ عليّاعليه‌السلام وأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا عند رسول الله قبل موته، وأنّهم هم الّذين قاموا بأمره، وتظافرت الروايات من طرق الفريقين أنّ النبي مات ورأسه في حجر عليّ، أو أنّ عليّا كان مسنّده، ولم يزعم أحد غير ذلك إلاّ عائشة، فقد ادّعت لوحدها ذلك، ولم يقرّها عليه المسلمون، بل كان عليّعليه‌السلام هو القائم بشأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد دعاه رسول الله في مرضه وأسرّ له جميع الأسرار، وأخبره بكلّ ما يجري من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ففي الخصال (٦٤٢) بسنده عن أمّ سلمة، قالت: قال رسول الله في مرضه الّذي توفّي فيه: ادعوا لي خليلي، فأرسلت عائشة إلى أبيها، فلمّا جاء غطّى رسول الله وجهه، وقال: ادعوا لي خليلي، فرجع أبو بكر، وبعثت حفصة إلى أبيها، فلمّا جاء غطّى رسول الله وجهه، وقال: ادعوا لي خليلي، فرجع عمر، وأرسلت فاطمةعليها‌السلام إلى عليّعليه‌السلام ، فلمّا جاء قام رسول الله فدخل، ثمّ جلّل عليّا بثوبه، قال عليّ: فحدّثني بألف حديث، يفتح كلّ حديث ألف حديث، حتّى عرقت وعرق رسول الله، فسال عليّ عرقه وسال عليه عرقي.

وفيه أيضا (٦٤٣) عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: سمعته يقول: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علّمني ألف باب من الحلال والحرام، وممّا كان إلى يوم القيامة، كلّ باب منها

٣٥٥

يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتّى علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب.

وفي بصائر الدرجات (٣٢٤) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة وحفصة في مرضه الّذي توفي فيه: ادعيا لي خليلي، فأرسلتا إلى أبويهما، فلمّا نظر إليهما أعرض عنهما، ثم قال: ادعيا لي خليلي، فأرسلتا إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فلمّا نظر إليه أكب عليه يحدّثه، فلمّا خرج لقياه، فقالا له: ما حدّثك خليلك؟ فقال: حدّثني خليلي ألف باب، ففتح لي كلّ باب ألف باب.

وفيه أيضا (٣٢٥) بسنده عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، قال: سمعته يقول: إنّ رسول الله علّمني ألف باب من الحلال والحرام، وممّا كان وما هو كائن وممّا يكون إلى يوم القيامة، كلّ يوم يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتّى علمت المنايا والوصايا وفصل الخطاب.

فدعوة المرأتين أبويهما، وسؤال أبويهما عليّا عمّا حدّثه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقول عليّ: أنّه علّمه ما كان وما هو كائن وما سيكون، يدلّ على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عليّاعليه‌السلام بما سيصنعه القوم، وما سيكون من بعده، وقد كان عليّعليه‌السلام يصرّح بأنّه سكت لعهد من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يأمره فيه بالسكوت.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٦ ) قال: الطبريّ في الولاية، والدار قطني في الصحيح، والسمعاني في الفضائل، وجماعة من رجال الشيعة، عن الحسين بن عليّ ابن الحسن، وعبد الله بن عبّاس، وأبي سعيد الخدريّ، وعبد الله بن الحارث، واللّفظ الصحيح أنّ عائشة قالت: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في بيتها لمّا حضره الموت: ادعوا لي حبيبي، فدعوت له أبا بكر، فنظر إليه ثمّ وضع رأسه، ثمّ قال: ادعوا لي حبيبي، فدعوا له عمر، فلمّا نظر إليه، قال: ادعوا لي حبيبي، فقلت: ويلكم، ادعوا له عليّ بن أبي طالب، فو الله ما يريد غيره، فلمّا رآه أفرج الثوب الّذي كان عليه، ثمّ أدخله فيه ولم يزل يحتضنه، حتّى قبض ويده عليه.

وفي فضائل ابن شاذان ( ١٤١ - ١٤٢ ) بسنده يرفعه إلى سليم بن قيس، أنّه قال: لمّا

٣٥٦

قتل الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، بكى ابن عبّاس بكاء شديدا، ثمّ قال: ولقد دخلت على عليّ ابن أبي طالب ابن عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذي قار، فأخرج لي صحيفة، وقال: يا بن عبّاس، هذه الصحيفة إملاء رسول الله وخطّي بيدي، قال: فقلت يا أمير المؤمنين اقرأها عليّ، فقرأها وإذا فيها كلّ شيء منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم قتل الحسينعليه‌السلام وكان فيها لمّا قرأها أمر أبي بكر وعمر وعثمان وكم يملك كلّ إنسان منهم فلمّا أدرج الصحيفة، قلت: يا أمير المؤمنين، لو كنت قرأت عليّ بقية الصحيفة، قال: ولكنّي أحدّثك بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ عند موته بيدي، ففتح لي ألف باب من العلم، تنفتح من كلّ باب ألف باب، وأبو بكر وعمر ينظرون إليّ، وهو يشير لي بذلك، فلمّا خرجت قالا: ما قال لك؟ قال: فحدّثتهم بما قال، فحرّكا أيديهما ثمّ حكيا قولي، ثمّ ولّيا يردّدان قولي ويخطران بأيديهما ورواه العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٨؛ ٧٣ / الحديث ٣٢ عن كتاب الروضة ) - لأحد علماء القرن السابع - بسنده إلى سليم بن قيس.

وانظر مناجاة النبي ومسارّته لعليّ عند موته، وإخبارهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا بكلّ ما كان وما يكون، وتعلّمه ألف ألف باب من العلم، ودعوة المرأتين أبويهما للنبي وإعراضهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنهما، في أمالي الصدوق (٥٠٩) وبصائر الدرجات ( ٣٢٢ - ٣٢٧ ) وفيه عدّة أحاديث / في الباب ١٦ من الجزء السادس « في ذكر الأبواب الّتي علّم رسول الله أمير المؤمنين »، ( ٣٩٧ - ٣٩٨ ) الباب ٣ من الجزء الثامن « باب في الأئمّة أن عندهم أسرار الله، يؤدي بعضهم إلى بعض، وهم أمناؤه » وفيه ستّة أحاديث في أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أسرّ كلّ شيء إلى عليّعليه‌السلام ، وكفاية الأثر ( ١٢٤ - ١٢٦ ) والخصال ( ٦٤٢ - ٦٥٢ ) وفيه أحاديث كثيرة، وروضة الواعظين (٧٥) والتهاب نيران الأحزان ( ٤٣ - ٤٤ ) وأمالي الطوسي (٣٣٢) والاختصاص (٢٨٥) والإرشاد (٩٩) وفيه « أنّ عليّا قال لهم: علّمني ألف باب من العلم، فتح لي كلّ باب ألف باب، وأوصاني بما أنا قائم به إن شاء الله »، وإعلام الورى (٨٣) والطرائف (١٥٤) والكافي ( ج ١؛ ٢٩٦ ).

وهو في تاريخ ابن عساكر ( ج ٢؛ ٤٨٥ / الحديث ١٠٠٣ ) وفيه « أنّهم دعوا له عثمان

٣٥٧

فأعرض عنه »، ( ج ٣؛ ١٥ / الحديث ١٠٢٧ ) ومناقب الخوارزمي (٢٩) عن ابن مردويه، وبحار الأنوار ( ج ٣٨؛ ٣٣١ ) عن كتاب الأربعين، وقال المظفر في دلائل الصدق ( ج ٢؛ ٦٣٩ ): « إنّ الحديث ذكره السيوطي في اللآلئ المصنوعة عن الدار قطني، ثمّ حكم بضعفه، وقال: أنّ له طريقا آخر إلى ابن عمر أيضا »، وقد ناقش المظفر تضعيف السيوطي فراجعه. ومهما يكن من شيء فهو ثابت وطرقه كثيرة، وهو دالّ على محتوى الطّرفة، وأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عليّاعليه‌السلام بما سيجري، وأوصاه بوصايا، فقام بها عليّعليه‌السلام جميعا.

أنّ القوم سيشغلهم عنّي ما يريدون من عرض الدنيا وهم عليه قادرون، فلا يشغلك عنّي ما يشغلهم

لهذا المطلب أكثر من دليل ودليل، فقد علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بما كانوا ينوونه من غصب الخلافة، والتهافت على الدنيا، فبعثهم في جيش أسامة، ولعن من تخلّف عنه، وأبقى عليّا وأهل بيتهعليهم‌السلام ليقودوا الأمّة، ويستلموا الخلافة، وصرّح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في رواياتنا أنّه إنّما بعثهم لذلك، ولتتمّ عليهم الحجّة، وأخبرصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاعليه‌السلام بأنّه المظلوم والمضطهد من بعده، وأنّ الأمّة ستغدر به، وأنّه المبتلى والمبتلى به؛ كما مرّ كلّ ذلك، وقد تحقّق ما أخبر بهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتنازع القوم على الخلافة، وغصبوها في سقيفة بني ساعدة، وتركوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ملقى في بيته، والحزن يغمر عليّا، وأهل بيت النبي صلوات الله عليهم، وقد احتجّت فاطمةعليها‌السلام على الأنصار والمهاجرين بأحقّيّة عليّعليه‌السلام ، فاعتذروا بأنّ عليّا لو كان حاضرا في السقيفة لبايعوه، فقال الإمامعليه‌السلام : أفأترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة وأنازع الأمر؟! فقالت الزهراءعليها‌السلام : ما فعل أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي، وهذا كلّه ثابت في التواريخ والمناقب والتراجم، وقد اتّفقت كلمة أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم على ذلك.

ففي تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٣٣٠ ) عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: فلمّا قبض نبي الله، كان الذي كان؛ لما قد قضي من الاختلاف، وعمد عمر فبايع أبا بكر، ولم يدفن رسول الله بعد. وإليك بعض النصوص في ذلك من كتب العامّة.

٣٥٨

فقد قام الشيخان يعرض كلّ منهما لصاحبه، فيقول هذا لصاحبه: ابسط يدك لأبايعك، ويقول الآخر: بل أنت، وكلّ منهما يريد أن يفتح يد صاحبه ويبايعه، ومعهما أبو عبيدة الجراح - حفّار القبور بالمدينة - يدعو الناس إليهما. تاريخ الطبريّ ( ج ٣؛ ١٩٩ ). وعليّ والعترةعليهم‌السلام وبنو هاشم ألهاهم النبي، وهو مسجّى بين أيديهم، وقد أغلق دونه الباب أهله. سيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣٣٦ ).

وخلّى أصحابه بينه وبين أهله فولوا إجنانه. طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٣٠١ ).

ومكثصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أيّام لا يدفن. تاريخ ابن كثير ( ج ٥؛ ٢٧١ ) وتاريخ أبي الفداء ( ج ١؛ ١٥٢ ).

أو مكث من يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء أو ليلته. طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٢٧٣ - ٢٧٤، ٢٩٠ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣٤٣ - ٣٤٤ ) ومسند أحمد ( ج ٦؛ ٢٧٤ ) وسنن ابن ماجة ( ج ١؛ ٤٩٩ ) وتاريخ أبي الفداء ( ج ١؛ ١٥٢ ) قال: « والأصحّ دفنه ليلة الأربعاء »، وتاريخ ابن كثير ( ج ٥؛ ١٧١ ) قال: « وهو المشهور عن الجمهور، والصحيح أنّه دفن ليلة الأربعاء »، وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١١٣ - ١١٤ ).

فدفنه أهله، ولم يله إلاّ أقاربه. طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٣٠٤ ).

دفنوه في اللّيل، أو في آخره. سنن ابن ماجة ( ج ١؛ ٤٩٩ ) ومسند أحمد ( ج ٦؛ ٢٧٤ ).

ولم يعلم به القوم إلاّ بعد سماع صريف المساحي، وهم في بيوتهم في جوف اللّيل.

طبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٣٠٤ - ٣٠٥ ) ومسند أحمد ( ج ٦؛ ٢٧٤ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣٤٤ ) وتاريخ ابن كثير ( ج ٥؛ ٢٧٠ ).

ولم يشهد الشيخان دفنه. أخرجه ابن أبي شيبة؛ كما في كنز العمال ( ج ٣؛ ١٤٠ ).

وقالت عائشة: ما علمنا بدفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى سمعنا صوت المساحي في جوف اللّيل؛ ليلة الأربعاء. سيرة ابن هشام ( ج ٤؛ ٣١٤ )، تاريخ الطبري ( ج ٣؛ ٢٠٥ )، شرح النهج ( ج ١٣؛ ٣٩ ).

٣٥٩

إنّما مثلك في الأمّة مثل الكعبة وإنّما تؤتى ولا تأتي

في المسترشد (٣٩٤) بسنده عن عليّعليه‌السلام ، قال:( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (١) فلو ترك الناس الحجّ لم يكن البيت ليكفر بتركهم إيّاه، ولكن كانوا يكفرون بتركه؛ لأنّ الله تبارك وتعالى قد نصبه لهم علما، وكذلك نصّبني علما، حيث قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، أنت بمنزلة الكعبة، يؤتى إليها ولا تأتي.

وفي أسد الغابة ( ج ٤؛ ٣١ ) بسنده عن عليّعليه‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت بمنزلة الكعبة، تؤتى ولا تأتي، فإن أتاك هؤلاء القوم فسلّموها إليك - يعني الخلافة - فاقبل منهم، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتّى يأتوك.

وقد روت كتب الفريقين هذا الحديث بمعنى واحد، وألفاظ مختلفة، فورد في بعضها « أن مثل عليّ مثل الكعبة، يحجّ إليها ولا تحجّ » و « إنّما أنا كالكعبة أقصد ولا أقصد » و « مثل عليّ كمثل بيت الله الحرام، يزار ولا يزور »، وما شاكلها وقاربها من الألفاظ. انظر في ذلك الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٧٥ ) وكشف اليقين (٢٩٨) وكفاية الأثر ( ١٩٩، ٢٤٨ ) وبشارة المصطفى (٢٧٧) وإرشاد القلوب (٣٨٣) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٦٢ ) ( ج ٣؛ ٢٠٢، ٢٦٨ ) وأمالي الصدوق (١٧) والتحصين (٦٠٩) وتفسير فرات ( ٨١ - ٨٢ ) ودلائل الإمامة (١٢) والمسترشد (٣٨٧) وبحار الأنوار ( ج ٤٠؛ ٧٥ - ٧٨ ) نقلا عن الفردوس للديلمي.

وهو في مناقب ابن المغازلي (١٠٧) وتاريخ دمشق ( ج ٢؛ ٤٠٧ / الحديث ٩٠٥ ) وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٧ ) ونور الهداية للدواني المطبوع في الرسائل المختارة (١٢٦) وكنوز الحقائق (١٨٨).

وأئمّة آل البيتعليهم‌السلام كلّهم كالكعبة، ففي الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٧٥ ) قال: أسند ابن جبر في نخبه إلى الصادقعليه‌السلام ، قوله: « نحن كعبة الله، ونحن قبلة الله » وفي هذا وجوب

__________________

(١) آل عمران؛ ٩٧.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377