الحسين نبراس الإصلاح العالمي

الحسين نبراس الإصلاح العالمي0%

الحسين نبراس الإصلاح العالمي مؤلف:
المحقق: السيد علي جلال الشرخات
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 114

الحسين نبراس الإصلاح العالمي

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
المحقق: السيد علي جلال الشرخات
تصنيف:

الصفحات: 114
المشاهدات: 50504
تحميل: 5656

توضيحات:

الحسين نبراس الإصلاح العالمي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 114 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50504 / تحميل: 5656
الحجم الحجم الحجم
الحسين نبراس الإصلاح العالمي

الحسين نبراس الإصلاح العالمي

مؤلف:
العربية

ويقول فيما يقول:(إنَّنا لا يُمكن أنْ نواجه مذهب التشيُّع عِبر الفلسفات الغربيَّة، وعِبر الإنتاج الحداثوي - الهيرمونطيقي - الغربي؛ لأنَّ هذا المذهب يجمع بين ثوابت الدين وبين استيعاب كلِّ مُتغيِّر و اعتماد الوحي في الفهم والعقل، ونبذ ما هو طالح فيه ورسم وإقامة ما هو صالح، ومِن ثَمَّ فإنَّ عُمق فكر المذهب الشيعي ليس على النحو الذي نتصوُّر أنْ نُهاجمه مِن خلال فلسفة أو فكر مُعيَّن؛ لأنَّ فيه قابليَّة استيعاب كبيرة للمتغيِّرات، فهو يجمع بين هذه الثوابت الدينيَّة وبين تحكيم العقل في قراءة كلِّ المستجَّدات والمتغيِّرات، لنبذ كلِّ ما هو سيِّء منها وإقامة ما هو صالح).

فمذهب أهل البيتعليهم‌السلام آخذ في الانتشار، وإنَّ الله (عَزَّ وجلَّ) حتَّم أنَّ هذا المنهج الصائب هو الذي يسود البشريَّة، تمهيداً للحُجَّة (عجَّل الله فرجه)، لكنَّ الكلام في ما هي مسؤوليَّتنا ودورنا في هذا الموقع.

٦١

علينا تجسيد أخلاق أهل البيتعليهم‌السلام في عاشوراء:

إذا كان الموسم عاشوراء، فلابُدَّ أنْ نُجسِّد البطولة في الأخلاق؛ لأنَّ أعضاء ملحمة كربلاء، كانت لهم بطولة في الأخلاق، قبل أنْ تكون لهم بطولة في الفروسيَّة والشجاعة. هل نُقيم نحن مراسم عاشوراء بهذه النموذجيَّة؟ يجب أنْ نكون قُدوة(... دُعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإنَّ ذلك داعية) (١) ؛ لأنَّ هذا الدين، دين عملاق وقَيِّم وعظيم، فمَن الذي يَحمله للبشريَّة؟

____________________

١ - الكافي ج ٢ ص٧٨.

٦٢

نحن نعيش الآن في عصر الإغراءات الشديدة، وإنْ كنَّا نُريد أنْ نكون بمُستوى المسؤوليَّة، وبمُستوى العصر، بمُستوى هذه الحِقبة البشريَّة، بمُستوى هذه الرسالة العظيمة في هذه الحِقبة، التي هي أصعب الحِقب، الموطِّئة للإصلاح الشامل، إنْ كنَّا نُريد أنْ نكون فائزين، علينا خلق إرادة قويَّة لدينا، مُقابل الإغراء الشديد، نحتاج إلى رياضة روحيَّة شديدة، وإلاَّ كان المصيد هو الانزلاق أمام الإغراء، وبدل أنْ نكون دُعاة إلى أهل البيتعليهم‌السلام ، نُسبب النفور عن مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام . والحال أنَّهمعليهم‌السلام خاطبونا، أنْ نتدارس فكرهم ونستنير ببصائرهم، ونتحمَّل هذا الفكر بخَلقِنا مِن أنفسنا نماذج أُمثوليَّة؛ لنجذب الناس بدل أنْ نبعدهم عن مذهب أهل البيتعليهم‌السلام .

٦٣

فالمفروض في موسم عاشوراء أنْ نعيش حالة مثاليَّة روحيَّة فائقة جِدَّاً، بجانب تعايشنا حالة الحُزن والبُكاء ومُدارسة المدرسة الحسينيَّة، لكنَّنا لابُدَّ أنْ نتشدَّد في الجهات الأخلاقيَّة أيضاً؛ لكي يكون انجذاب الآخرين إلى المرسم الحسيني وإلى المهرجان الحسيني كبير، ولا يكون رُعاة ضيوف الاستقبال مُنفرين، وإنْ شاء الله هذا هو المأمول مِن الجميع، أنْ نُجسِّم أخلاقيَّات كربلاء، وأخلاقيَّات سيِّد الشهداء، الذي يتشدَّد في الصغيرة والكبيرة مِن المبادئ. هذا مسلم بن عقيل، وهذا أبو الفضل العباس، وهذا عليُّ الأكبر، نماذج قِمَم روحيَّة في الأخلاق في كلِّ خُطواتهم، وحتَّى في حالة اضطراب الوضع العسكري والروحي والنفسي، لا يفقدون الأخلاقيَّات.

٦٤

لاحظ شدَّة المِحنة، وشِدَّة الزلزال والبُركان، عندما كان مسلم بن عقيل مُهدَّداً في نفسه وفي مسيرة سيِّد الشهداء، لكنَّه لم يتناسَ المبدأ، فـ(الإسلام قيّد الفتك) (١) ! ولم يُبرِّر لنفسه بأنَّه: الآن في بُركان، وفي هذه الحالة يدوس على المبادئ! هذا يحتاج إلى تنمية عظيمة؛ لكي نكون كنموذج سفير الحسينعليه‌السلام ، سفير هذه المدرسة. آتني بدُعاة إصلاحيِّين كهكذا نماذج، يعيش الزلزال ولا يفقد توازنه ومبادئه وأخلاقيَّاته! والنماذج كثيرة في كربلاء؛ ليُخاطبوا الوجدان البشري، فأنتم أيُّها الإصلاحيُّون إذا فُتنتم بالإصلاح والتغيير، لا تفقدوا الأخلاقيَّات، لا تفقدوا الشعارات ولا تفقدوا المبادئ.

____________________

١ - مقتل الحسينعليه‌السلام ص ٣٣.

٦٥

إذا أردنا أنْ نلبس السواد - إنْ شاء الله نُوصل ركبنا بركب سيِّد الشهداء - يجب حين ذاك أنْ نعيش هذه الأخلاقيَّات في ظِلِّ هذا الجوِّ؛ لكي نكون دُعاةً للمدرسة الحسينيَّة، بدل أنْ نكون مُعوِّقين.

ولا نجسد هكذا أخلاق سيِّد الشهداء، ولا ندعو بسلوكنا القاصر إلى نهج سيِّد الشهداء، ومجيئنا إلى المراسم الدينيَّة الحسينيَّة لإقامتها وإقامة العزاء لجذب الناس، لا لتنفيرهم وتعكير صفو صورة سيِّد الشهداء؛ فيجب على ذلك أنْ نكون بقدر المسؤوليَّة.

وصلَّى الله على محمد وآله الطيِّبين الطاهرين..

٦٦

القسم الثاني: أسئلة و أجوبة الأسئلة بعد الندوة العلميَّة:

تميُّز حركة سيِّد الشهداء:

السؤال:

تميَّز الإمام الحسينعليه‌السلام عن غيره مِن الأئمَّة، بأنَّ حركته ارتبطت بمواجهة مُباشرة مع السُّلطات الحاكمة، فهل هي حالة استثنائيَّة؟ أم هو ظرف تاريخيٌّ خاصٌّ فرِض على الإمام الحسين (سلام الله عليه) القيام بهذا العمل؟

٦٧

الجواب:

في الواقع، مواجهة إصلاح السُّلطة في النظام الاجتماعي، لم يكن حالة استثنائية عند الأئمَّةعليهم‌السلام ، ولا مِن قَبلهم عند جَدِّهم سيِّد الأنبياء، بلْ هي حالة ديمومية؛ لأنَّ الدين هو الذي يأتي لإدارة وتدبير البشر في ظِلِّ نظامهم الاجتماعي المعيشي، وتلاؤمه مع مسيرهم في العوالم الأُخرى، فالإنسان ذو أبعاد مُختلفة، والإنسان ذو طبقات مُختلفة، فقيادة النظام الاجتماعي دنياً وعوالم أُخرى، بدناً وروحاً، هو الهَمُّ والغَمُّ الذي حُمّل على عاتق النبيّ وأهل بيتهعليهم‌السلام ؛ وبالتالي فإنَّ مواجهة السُّلطة بأشكال وأساليب مُختلفة، وإصلاح سُلطة البشر، هو هَمُّ الأنبياء، والمحور الأصلي في مسيرة النبي وأهل بيتهعليهم‌السلام .

نعم، الأُسلوب الخاصُّ، والشكل الخاصُّ الذي قام به سيِّد الشهداء هو بنحو مُتميِّز، عمَّا قام به بقيَّة الأئمَّةعليهم‌السلام .

٦٨

الخنوع أو المواجهة عند المدارس الإسلاميَّة الأُخرى:

السؤال:

كيف يوازن بين المنهجين المطروحين عند أهل السُّنَّة، بين الخنوع والذِّلِّ بين يدي السلطان، والمواجهة المسلحة ضِدَّ الحاكم؟

٦٩

الجواب:

هذه الموازنة المعقَّدة هي التي قام أهل البيتعليهم‌السلام وبالذات سيِّد الشهداء، في ظلِّ جدليَّة تتجاذب مع المجتمع والإنسان وعقله وفكره، أنْ لا يُفرِّط في المكاسب، وأنْ لا يُهادن في المفاسد، وكيف يُحافظ و يوازن بين دفع المفاسد والإبقاء والادِّخار للمكاسب، هذا هو الأُسلوب المتميِّز لسيِّد الشهداء، أنَّه حاول ألاَّ يقرَّ الفساد والخطأ والوضع العَفن، في حين لم يُفرِّط بالمنجزات الصحيحة في الواقع السائد، فلا إفراط ولا تفريط.

يرى البعض - على ضوء ذلك - أنَّ سيِّد الشهداء تصرَّف بأُسلوب ساخن، وأنَّ الإمام الحسن تصرَّف بأُسلوب بارد، وفي الواقع، إنَّ أسلوب سيِّد الشهداء وأُسلوب الإمام الحسنعليهما‌السلام ، يجتمعان وأسلوب أبيهما سيِّد الأوصياء وجَدِّهما سيِّد الأنبياء.. كان أُسلوب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مَكَّة لثلاث عشرة سنة أُسلوب الهُدنة، وكذلك في المدينة، فهناك فرق بين نهج النبي والوصي والسبطين وبين نهج الخلفاء في الفتوحات - طبعاً هذا شيء مُختلف - أو نهج السُّلطة الأُمويَّة أو السلطة العباسيَّة.

٧٠

نهج الأربعة أصحاب الكساء نهج مُتميِّز خاصٌّ، فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت له دعوات للأُمم في الدخول والانطواء تحت دين الله (عَزَّ وجَلَّ)، فهم بطوعانيَّة انجذابهم إلى النموذج الإسلامي يدخلون، أمَّا حرب مؤتة أو غيرها، فكلُّها حروب وقائيَّة؛ لأنَّ المشركين أرادوا أنْ يباغتوا المسلمين والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومِن ثمَّ أعدَّ لهم الجيش في تبوك أو في مَكَّة أو غيرهم، وكذلك انظر إلى الخلفية التاريخيَّة لبدر وأُحد والأحزاب وحُنين.. وغيرها، التي رُصدت في حروب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو بمنطق العرف القانوني كحروب وقائيَّة، وكذلك الحال في سيِّد الشهداء، في حين تميَّز منهجه بالدم، وتميَّز بالتضحية، مِن دون أنْ يُبادر بهدر دم الطرف الآخر، وإنَّما يُضحِّي بدمه وكلِّ مُقدراته (سلام الله عليه)، في مُقابل عدم الرضوخ للوضع الفاسد.

٧١

راية ضلال:

السؤال:

كيف نفهم هذه الرواية فهماً صحيحاً:(كلُّ راية تخرج قبل قيام الإمام المهدي عليه‌السلام فهي راية ضلال) ؟(١) .

____________________

١ - الكافي ج ٨ ص ٢٩٥، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢، غيبة النعماني ص ١١١، البحار ج٥٢ ص١٤٢.

٧٢

الجواب:

هذه الرواية هي ضمن مجموعة روايات عديدة، ومفادها في قراءتي الخاصَّة، لا يعني الدعوة إلى الخمول والجمود، أو عدم مُحاولة تغيير المنكر الاجتماعي أو السياسي.. وغيره، إنَّما مصبُّ هذه الرواية ومثيلها مِن الروايات، أمران:

الأمر الأوَّل: أيُّ قيادة في الطائفة الشيعيَّة، تُريد أنْ تقوم بهيكل سياسيٍّ أو شرعيٍّ، لا يُمكن أنْ تتسنَّم كلَّ صلاحيَّات الإمام المعصوم، نعم تقوم بإقامة الحكومة، كما ذكر ذلك الفُقهاء الأقدمون، وإدارة المجتمع الشيعي والطائفة والدولة الشيعيَّة، أو الدولة الإسلاميَّة، لكنَّ صلاحيَّتها في الدولة ليست كصلاحيَّات الإمام المعصوم، في التشريع وفي التنفيذ وفي القضاء.. وبعبارة أُخرى كالصلاحيَّات المفتوحة للمعصوم. المعصوم هو مصدر الشرعيَّة، وليس ذلك للفُقهاء، إنَّما هم حُفَّاظ على ما هو فوقهم مِن تراث أهل البيت، هذا أمرٌ تُريد أنْ تُثيره الروايات؛ كي لا يُختطَّ في الحركات التغييريَّة الشيعيَّة أنْ تخرج عن نهج الأئمَّة الاثني عشر، فتُصبح زيديَّة أو تُصبح إسماعيليَّة أو ما شابه ذلك، هذا مطمح ترومه وتُشير إليه الروايات.

٧٣

لذلك يفهمنا أبناء المذاهب الإسلاميَّة الأُخرى بشكل خاطئ، فيظنُّون أنَّ الفُقهاء عندما شيَّدوا نظام الجمهوريَّة الإسلاميَّة، قد تخلُّوا عن شرطيَّة العصمة، هذا خطأ في قراءة مسار الشيعة، فالإمامة والعصمة لا يُمكن رفع اليد عنها، نعم نقول: إنَّ النظام البشري لا يُمكن أنْ يقوده إلاَّ معصوم، فالذي يُدير البشريَّة بشكل خفيٍّ الآن هو المهدي (عجَّل الله فرجه) مع شبكته الخفيَّة، لا مع مجموعات الدجل والاحتيال، التي تدَّعي السفارة، مهزلة استعماريَّة إنكليزيَّة معروفة، كلامنا في ما هو واقع الأبدال والأوتاد والنُّقباء وعِبْرهم هو (سلام الله عليه) يُدير البشريَّة والنظام البشري.

وهناك مِن الآيات القرآنيَّة الصريحة في ذلك، أنَّ وظيفة المعصوم، كعلي بن أبي طالب، والذي يُقال: بقعوده خمساً وعشرين سنة في البيت، هي مقولة خاطئة! بلْ هو يُدير البشريَّة. إبراهيم لم يتسلَّم في العلن سلطة رسميَّة، لكنَّه في الخفاء، بيده أزمَّة إدارة أنظمة البشريَّة - بشكل سريٍّ -، كما هو موجود الآن، كما أنَّ القوى التي تُدير البشريَّة حالياً قوى خفيَّة أكثر مِن كونها قوى علنيَّة رسميَّة.

٧٤

المقصود: إنَّنا في رؤيتنا الشيعيَّة لا نتخلَّى - أبداً - عن المعصوم الذي تُحفَظ به البشريَّة، و ما الفُقهاء إلاَّ وكلاء ونوَّاب ورؤساء مُحافظات له، والمحور الأصلي هو المعصوم. فقراءة المذاهب الإسلاميَّة الأُخرى لمسار الشيعة، مثلاً تجربة إيران كجمهوريَّة إسلاميَّة، قراءتهم لها خاطئة، فلا يعني تشييد النظام الإسلامي أنَّنا تخلَّينا عن العصمة، بلْ على العكس، إنَّا نحن في ظِلِّ العصمة. هذه نكتة مُهمَّة؛ ولذلك - ولله الحمد - شيعة إيران تحت ظِلِّ الفقهاء، لم يُصبحوا فرقة شيعيَّة جديدة، مثل الزيديَّة أو الوافقة وغيرهم؛ لأنَّهم يلتفتون إلى معنى قيادة الفقهاء تحت ظلِّ العصمة، ومِن ثمَّ يستمرُّون على النهج الاثني عشري.

٧٥

الأمر الثاني: نُكتة أُخرى إعجازيَّة، تُشير لها هذه الروايات - وتختلف قراءتي لهذه الروايات عن قراءة جماعات عديدة مِن الفقهاء -، قراءة أُخرى ألمسها في هذه الروايات تُريد أنْ تُشيد بنُكتة مُعيَّنة وهو ضمان التسديد والنجاح في الأُسلوب التوعوي و الإرشادي التثقيفي العملي والتربوي الإصلاحي، وأنَّكم في التأثير على المدِّ الاجتماعي والتغيير الاجتماعي، ليس مِن الضروري أنْ تكشفوا أوراقكم على العَلن. فمِن باب المثال - الذي يضرب مِن جِهة ولا يُقاس به مِن كلِّ جِهة - الصهيونيَّة هدَّ الله أركانها ليست قوَّتها على البشريَّة الآن في إسرائيل، مع أنَّ صندوق النقد الدولي بيدها، والمصرف الدولي بيدها، والشركات النفطيَّة العملاقة بيدها، وشركات الأسلحة بيدها، وشركات وكالات الإعلام الضخمة التي تُهيمن على كلِّ الفضائيَّات بيدها، فأيُّ قطَّاع عامٍّ بشريٍّ رأسماليٍّ مُسيطر هو بيدها، وهم لم يصلوا إليها أبداً عِبر دولة رسميَّة، إنَّما عِبر العمل تحت السطح.

٧٦

هذه الروايات تُريد أنْ تُشير إلى هذا المطلب: أنَّ العمل - وليس الجمود و الخمول - إنَّما العمل تحت السطح يضمن الأمان في نجاح العمل، نعم قد تأتي ظروف استثنائيَّة شبيهة بنهج الحسينعليه‌السلام ، ولابُدَّ حينها أنْ يكون العمل فوق السطح، مِثل انتصار الثورة الإسلاميَّة في إيران، لكنْ كبرنامج عامٍّ، العمل تحت السطح مضمون السلامة ومضمون النجاح؛ لأنَّ الخفاء يفقد العدو الاستهداف أو العلم بالخفايا والنوايا وأهداف البرامج. وهذه قراءة أُخرى أيضاً لهذه الروايات.

٧٧

التشابه بين منهج الزيديَّة ومنهج الخوارج:

السؤال:

ذكرتم أنَّ هناك تشابُهاً بين ثورة زيد بن علي وبين الخوارج، أرجو توضيح التشابه بينهما.

الجواب:

نفس شخص زيد بن علي له شأن خاصٌّ، وأمر مَن يُحيط بزيد بن علي أو استمرَّ على نهجه هو أمر آخر، يجب أنْ نُفكِّك الأوراق والحساب، فقد وصف الإمام الرضاعليه‌السلام زيداً الشهيد بأنَّه كان عالماً مِن علماء آل محمد، ولكنَّ مَن كان يُحيط بزيد، أو مَن خَلَف زيد بن عليٍّ في هذا المسار، نعم يوجد هناك أوجه اشتراك بينهم وبين الخوارج.

٧٨

ففي حين تصحيح جملة مِن خطوات زيد بن علي ونهجه والإنجازات التي صنعها، تنشأ بعض المؤاخذات مِن المعصومين حول رشادة البرنامج الذي قام به زيد، فلو استرشد بالمعصومين أكثر، لرُبَّما أُهِّلَ لنجاح أكبر - وعلى أيِّ حال - مُحاسبة نفس زيد وخطواته وإيجابيَّة نهجه، يختلف عن مُحاسبة مَن يُحيط به، أو عن مَن خلفه في هذا النهج.

فالكلام - إذاً - في مَن خلفه، أيْ نهج المذهب الزيدي بعبارة أُخرى، فجهات الاشتراك بينهم وبين الخوارج هي:

٧٩

١ - أنَّ التغيير لابُدَّ أنْ يكون بابتداء الأُسلوب الساخن المفرط، هذا أمر مُشترك - تقريباً - بين النهج الزيدي ونهج الخوارج، أنَّه إذا استتمَّت الشرائط، فالأُسلوب الساخن هو الذي يبتدئ ويتمُّ اعتماده، والأُسلوب الساخن إذا ابتدأ رُبَّما يُفرَّط في الكثير مِن المقدَّرات الصحيحة، أو الحُرمات الصحيحة، أو الإنجازات الاجتماعيَّة الصحيحة، هذه جِهة اشتراك موجودة بين النهج الزيدي ونهج الخوارج.

٢ - جهة اشتراك أُخرى بين المذهب الزيدي ومذهب الخوارج، هو في عدم الحساسيَّة اللازمة الشديدة حول الشرعيَّة، كما هو الحال في الخوارج، بينما نرى تحسُّسهم حول السلطة السياسيَّة فقط، فلا تحسُّس حول مصدر التشريع، ومِن المفروض أنَّ الشرعيَّة في مصدر التشريع لها حسَّاسيَّة بالغة، وأنَّهم مِن أين يستقون شرعهم؟ كما أنَّ الأمر كذلك بالنسبة لأفراد بعض الحركات الإسلاميَّة: مِن أين يستقون أوامرهم وفقههم السياسي، التنظيمي، العسكري؟ فليس كلُّ مَن تزيَّى بالشكل الإسلامي المتنسِّك هو مصدر لشرعيَّة!

٨٠