الفصل الثالث:
الملحمة الحسينيّة والشهيد المطهّري
الملحمة الحسينيّة لمَنْ؟
إنّ الكثيرين يعتقدون أنّ كتاب (الملحمة الحسينيّة) هو من تأليف الشهيد السعيد العلاّمة الشيخ مرتضى المطهّري (رحمه الله تعالى)؛ ولأجل ذلك فهم يطمئنون إليه ويثقون به ويعتمدون عليه.
ولكنّ الحقيقة هي أنّ هذا الكتاب المكوّن من ثلاثة أجزاء ليس من تأليف هذا الشهيد السعيد، وإن كان - ربما - يشتمل على كثير من أفكاره التي يتبنّاها ويلتزم بها.
وإنّما هو من تأليف رجل آخر، وقد صرّح مؤلّفه في مقدّماته لأجزاء الكتاب المطبوعة باللغة الفارسية بأنّه قد جمعه وطبعه بعد استشهاد الشهيد المطهّري بزمان؛ فإنّ تاريخ استشهادهرحمهالله
هو سنة 1358 هجري شمسي، أمّا تاريخ الطبعة الأولى للكتاب فهو سنة 1361 هجري شمسي، ونحن الآن في أواخر سنة 1378 من هذا التاريخ. والتاريخ الشمسي الهجري هو الذي يتداوله الإيرانيون ويؤرّخون به.
والملفت للنظر أنّ الطبعة العربية قد حُذفت هذه المقدّمات من أجزائها، ولا ندري لماذا؟!
ومهما يكن من أمرٍ فإنّ هذا الكتاب لا يصح نسبته إلى هذا الشهيد السعيد، وهو لا يرضى أيضاً بنسبته إليه. وحتّى لو كنّا نطمئن إلى أنّ المؤلّف قد أخذ مطالب الكتاب من هذا الشهيد السعيد، فإنّنا لا نستطيع الجزم بأنّ المكتوب في هذا الكتاب يُمثل رأيه النهائي بكلّ دقائقه وتفاصيله.
ونحن نوضّح هنا هذا الأمر، طالبين من القارئ الكريم أن يتحلّى بالصبر إلى آخر الفصل؛ لأنّ ما فيه إنّما يُعطي النتيجة التي أشرنا إليها من حيث هو مجموع ومنضمّ بعضه إلى بعض، لا بما هو جزيئات متفرّقة ومتناثرة فليلحظ ذلك؛ فإنّه مهمّ جدّاً في تحصيل ما نرمي إليه.
فنقول:
شواهد من المقدّمة:
يوجد عندي من المطبوع باللغة الفارسية لهذا الكتاب (الملحمة الحسينيّة) جزءان فقط، لهما مقدّمتان شرحتا عمل المؤلّف فيهما، وأنا أورد بعض ما أشار إليه فيهما فيما يلي:
1 - قد صرّح المؤلّف في المقدّمة بأنّه استخرج من أشرطة التسجيل محاضرات للشهيد مطهّري كانرحمهالله
قد ألقاها في مناسبات مختلفة، فجعل المؤلّف هذه المحاضرات في ضمن الكتاب المعروف باسم (الملحمة الحسينيّة)، وهو المنشور والمتداول.
2 - إنّه يقول: إنّ قسماً ممّا نشره في هذا الكتاب مأخوذ من أشرطة مسجلة لم يطّلع مؤلّف الكتاب عليها، وإنّما اطّلع على متون مستخرجة منها فقط.
3 - ويقول: إنّ بعض مطالب الكتاب هي أنصاف محاضرات كان الشهيد قد ألقاها في بعض المناسبات، أو في جلسات في بعض البيوت كانرحمهالله
يُلقي فيها دروساً، فصادف بعضها أيام عاشوراء، فاستطرد في طائفة من حديثه ومحاضراته إلى شؤون كربلائية وعاشورائية؛ احتراماً منه للمناسبة واحتفاءً بها.
4 - قد صرّح المؤلّف أيضاً بأنّه قد أتمّ الجمل الناقصة، وأصلح منها ما يحتاج إلى إصلاح.
تصريحات الكتاب تشهد:
أضف إلى ما تقدّم أنّ كتاب الملحمة الحسينيّة نفسه يشهد على نفسه بأنّه ليس من تأليف هذا الشهيد السعيد، ونذكر هنا بعضاً من ذلك، فنقول:
1 - إنّه في حين يقول: إنّه لم يتصرّف في كلام الشهيد إلاّ في موارد يسيرة تمّم فيها عبارة ناقصة، أو أصلح خطأ ما، فإنّه يصرّح في بعض الموارد في الكتاب بأنّه قد لخّص خطبة بأكملها، فهو يقول:
2 - خلاصة خطاب للمؤلّف الشهيد بعنوان (الحماسة الدينيّة).
والتلخيص يستبطن درجة عالية من التصرّف المباشر الذي يحتاج إلى درجة أعلى من الاستعداد العقلي؛ من حيث اعتماده على مستوى من الإدراك للمطالب، وعلى القدرة على جمع شتات الأفكار، وتحقيق قدر من التلاحم والانسجام فيما بين متفرّقاتها في نطاق الصياغة والأداء.
3 - ثمّ هو يقول ويصرّح في بعض الموارد بأنّه ينقل عن أوراق كانت للشهيد، قال في بعض الهوامش: (سيتم نشر موضوع هذه الأوراق في سلسلة مذكّرات الشهيد).
4 - ويقول أيضاً عن القسم العاشر من الكتاب: إنّ هذا القسم عبارة عن (حواش نقدية حول كتاب الشهيد الخالد).
5 - ويقول في بعض الهوامش: (هكذا ورد في النسخة الخطّية للأستاذ الشهيد).
6 - ويقول: (وقد أوردت في هذا الكتاب في فصل: ملاحظات حول النهضة الحسينيّة، مزيداً من الأدلّة بهذا الاتجاه، أرجو مراجعة الملاحظتين (10 – 11) بهذا الخصوص).
7 - ويقول: (ونحن بدورنا نشير إلى تلك الاستعدادات في أوراقنا التي سيأتي ذكرها في فصل: ملاحظات حول النهضة الحسينيّة، تحت الرقم 38).
فأين كلّ هذه النصوص من تصريح مؤلّف الكتاب في جزئيه الأوّلين بأنّهما عبارة عن محاضرات استخرجت من أشرطة التسجيل، وتصريحه في بعض موارد الجزء الثالث: أنّه قد لخّص بعض خطاباتهرحمهالله
.
تعليقنا على النصّين الأخيرين:
أ - انظر إلى كلمة (أوراقنا)، وكلمة (في فصل)، وقوله: (تحت الرقم 38)؛ فإنّ كلّ ذلك يشير إلى أنّ الأوراق هي لهذا الذي جمع الكتاب، وإلى أنّه هو الذي يفصّل الفصول، وهو الذي يضع الأرقام للفقرات.
ولكن تصريحاته السالفة التي ذكرناها تشير إلى أنّه ملتزم بدقّة النقل عن نسخة الشهيد الخطية! فكيف نوفّق بين الأمرين؟!
ب - وانظر أيضاً إلى قوله: (نشير إلى تلك الاستعدادات)؛ فإنّ سياق الكلام يدلّ على أنّ الذي يورد المطلب هو نفسه الذي يقوم بجمع مادة الكتاب ويؤلّف بين متفرّقاته، ويجعل له فصولاً وأرقام فقرات.
ج - وأوضح من ذلك قوله في رقم 5 الآنف الذكر: (وقد أوردت في هذا الكتاب في فصل: ملاحظات حول النهضة الحسينيّة، مزيداً من الأدلّة).
فهذا يدلّ على أنّ المؤلّف هو الذي يأتي بالأدلّة، وهو الذي يوردها في هذا الفصل أو في ذاك.
وهذا المؤلّف نفسه ملتزم بدقّة النقل عن النسخة الخطّية! وهو نفسه يلخص هذا الخطاب أو ذاك! فتبارك الله أحسن الخالقين!
شواهد اُخرى من الكتاب:
ثمّ إنّ مَنْ يراجع كتاب الملحمة يخرج بحقيقة: أنّ الكتاب لا يمكن أن يكون من تأليف الشهيد مطهّريرحمهالله
؛ إذ لا يمكن لمفكّر يحترم نفسه، وقد بلغ هذا المقام الرفيع من المعرفة، والخبرة بالشأن الثقافي، وفنّ التأليف أن يقدّم للناس كتاباً بمواصفات كتاب الملحمة الحسينيّة.
ونستطيع أن نلخّص بعض ما نرمي إليه ضمن النقاط التالية:
أولاً:
إنّ طائفة من النصوص قد جاءت بطريقة غير مألوفة؛ فقد وردت في الكتاب على ثلاثة أنحاء:
أحدها: إنّه أورد كلاماً كثيراً للعقّاد وللصالحي ولغيرهما، بالإضافة إلى نصوص كثيرة هنا وهناك أيضاً، ولكنّه لم يعلّق عليها بشيء، فلماذا؟!
الثاني: إنّه يورد أحياناً نصوصاً ويعلّق عليها، ولكنّها تعليقات مجتزأة وموجزة جدّاً، وقد جاءت على شكل نتف متناثرة، أو تعليقات تحتاج إلى مزيد من المعالجة؛ لإنضاج نتائجها بشكل حاسم وقوي. وهذا كثير أيضاً.
الثالث: إنّه يفيض في تحليل نصوص اُخرى أيضاً، ويوفيها البحث والمناقشة بما لا مزيد عليه. فلماذا هذا التفاوت والاختلاف في المعالجة ومستوياتها؟!
ثانياً:
إنّ المعروف عن الشهيد السعيد العلاّمة المطهّري أنّه حين يطرح الشبهة فإنّه يلاحقها بالنقد القوي، وبالنقض والإبرام، ويشحن ذهن القارئ أو السامع بالشواهد والدلائل. ولكنّنا نرى في بعض فصول هذا الكتاب كمَّاً كبيراً جدّاً من التساؤلات، والشبهات الحساسة إلى درجة كبيرة قد طُرحت من دون أن يقدّم أيّة إجابة عليها.
وقد سُردت على القارئ بطريقة تجعله يستفظع الأمر، وينبهر أمام عددها الكبير، ويسقط في مواجهتها، ويأخذ عليه إتقانها وتفريعاتها الحاصرة كلّ المهارب والمسارب حتّى يقع فريسة الحيرة القاتلة، ولتلج الشكوك - من ثمّ - في عقله وفكره دونما سدود أو حدود؛ فتفتك في يقينياته، وتعيث فساداً فيما لديه من مسلّمات إيمانيّة فطرية، وعقلية ووجدانية.
ثالثاً:
إنّ الكتاب يعاني من خلل كبير في سبك وترصيف مطالبه؛ فتارة تظهر المطالب فيه بمثابة كشكول؛ حيث تذكر الفكرة القصيرة والصغيرة إلى جانب المفصّلة والكبيرة مع عدم وجود أيّ ربط بينهما، وأُخرى تظهر الفكرة في حلة الخطابة والخطابيات، وثالثة يظهر عليها اُسلوب تأليف وتصنيف له منهجيته وأهدافه، يتميز بالموضوعية والرصانة.
وبعبارة أُخرى: تأتي المطالب تارةً على شكل نتف وتعليقات، وأُخرى على شكل بحوث وتحقيقات، وثالثة على شكل خطابة وخطابيات.
ثمّ إنّك تارة تراه يورد نصوصاً مختلفة ومن دون تعليق، وأُخرى يوردها مع تعليقات، وتارة تأتي التعليقات موجزة، وتارة تأتي مطولة مسهبة.
وبينما هو يوجز إلى درجة الإخلال تجده يطنب ويسهب إلى حدّ الإملال.
كما إنّه تارة يجيب على كلّ سؤال يثيره مهما كان بسيطاً أو غير بسيط، بل ولو كان في غاية التعقيد، وأُخرى يطرح عشرات الأسئلة الهامة جدّاً ولا يجيب على شيء منها.
رابعاً:
أضف إلى ذلك كلّه أنّ هذا الكتاب يُعاني من مشكلة التكرار لبعض مطالبه بكلّ تفصيلاتها، وبمختلف نصوصها وتقسيماتها - تقريباً - رغم أنّها تستغرق صفحات كثيرة.
طريقة عمل مؤلّف الكتاب:
قد اتّضح ممّا قدّمناه وفصّلناه أنّ المؤلّف حسبما قال وصرّح، وكذلك حسبما أظهره لنا فعله ووضَّح، قد جرت طريقته وفق ما يلي:
1 - إنّه قد أخذ بعض المحاضرات عن أشرطة التسجيل.
2 - قد أخذ بعض أنصاف المحاضرات أيضاً كذلك عن الأشرطة المسجّلة.
3 - قد حصل على بعض المحاضرات من أناس هم استخرجوها من أشرطة التسجيل، ولم يرَ هو تلك الأشرطة.
4 - قد لخّص بعض خطابات الشهيد.
5 - قد حصل على بعض الأوراق التي كتب عليها الشهيد نتفاً من الأفكار.
6 - إنّ المؤلّف قد أدخل في كتابه مضمون قصّاصات كتب عليها مقاطع لأُناس آخرين، وربما يكون الشهيد نفسه قد جمعها؛ إمّا بهدف تفنيدها، أو بهدف تأييدها، أو لأجل الاستشهاد والتأييد بها، ولكنّهرحمهالله
لم يعلّق عليها بشيء.
7 - قد حصل على أوراق كتب عليها الشهيد مقاطع لبعض المؤلّفين، وعلّق عليها باختصار، وأدخلها في الكتاب أيضاً.
8 - قد حصل على أوراق كتب عليها الشهيد أسئلة، ربما كان يعدّها للإجابة عليها في محاضراته، أو في كتاباته، وجعلها أيضاً في ضمن الكتاب.
9 - قد أضاف المؤلّف عناوين وفصل، وقسّم فصولاً وأقساماً.
10 - قد أنشأ المؤلّف كلاماً كثيراً من عند نفسه وأدخله في ضمن المطالب التي سجّلها.
11 - قد صحح العبارات الواردة في ما حصل عليه من محاضرات التي رأى أنّها بحاجة إلى التصحيح، وأتمّ العبارات التي رأى أنّها تحتاج إلى تتميم.
الشهيد لا يرضى بنسبة الكتاب إليه:
وبعد ما تقدّم نقول: إنّنا نكاد نطمئن إلى أنّ كتاباً هذه حالاته، وتلك هي ميزاته ومواصفاته لا يمكن أن يرضى الشهيد السعيد العلاّمة المطهّري بأن يُنسب إليه، خصوصاً إذا قيس بسائر مؤلّفاته التي تتميّز بالإحكام وبالانسجام.
ولو أنّه كانرحمهالله
على قيد الحياة لم يرضَ بنشره وعليه اسمه؛ لأنّه - وهو بهذه الحال - يحطّ من مقامه العلمي الرفيع، ويسيء إلى موقعه الثقافي المميّز، ولكانرحمهالله
قد زاد عليه وحذف منه، وقلّم وطعّم وغيّر وبدّل الشيء الكثير.
وكيف يمكن أن يرضىرحمهالله
بأن يعمد أحد إلى أشرطة سُجّلت عليها محاضرات كان قد ألقاها قبل وفاته بسنوات كثيرة، ويستخرج ما فيها وينشره بعجره وبجره وعلى ما هو عليه؟!
ولعلّه وهو يرتجل كلامه (وارتجال الكلام يختزن في داخله فوات فرص التأمّل والتدقيق) قد عمم في مورد التخصيص، وأطلق فيما يحتاج إلى التقييد، ولعلّه أطنب في موضع الاختصار، وقدّم ما يستحق التأخير، وغفل عمّا كان ينبغي الالتفات والإلفات إليه؟!
وكيف يرضىرحمهالله
أن يُضمّن كتابه أسئلة تشكيكية خطيرة دون أن يشير إلى الإجابة عنها، وهو الذي كان قد أخذ على نفسه الذبّ عن حياض هذا الدين، والحفاظ على حقائقه وحراسته من كلّ سوء يُراد به؟!
وكيف يمكن أن يرضى بعرض أخطر وأعظم القضايا، وأكثرها حساسية، وأبعدها أثراً في حياة وبقاء الإسلام والإيمان من خلال قصاصات تركها كان قد كتبها لأغراض مختلفة، وفي حالات متفاوتة؟!
فهل يرضى أن ترتهن أخطر قضية وأغلاها، وأعظمها وأسماها بهذه القصاصات التي قد لا تُمثّل الرأي النهائي لكاتبها؟! بل قد يكون ما كتبه عليها هو الرأي الآخر لمَنْ كان يهيِّئ للردّ عليهم وتفنيد أقوالهم.
ولعلّه أشار إلى جزء أو بعض الفكرة، ولم يشر إلى البعض أو الجزء الآخر منها؛ اعتماداً منه على ذاكرته، أو على بداهة الأمر في عمق وعيه.
ولعلّه قد سجّل عليها تحفّظات افتراضية، ولم يسجّل عليها سائر ما يدور في خلده من أجوبة أو من حيثيات، وخصوصيات وشروحات ومؤيّدات.
وكلّ ذلك يوضّح أنّه لا يمكن أخذ رأي الشهيد من كتابٍ هذه حاله، وإلى ذلك كان مآله. فلعلّه كان يريد العودة إلى مضامين محاضراته وخطاباته وإلى قصّاصاته؛ ليقلِّم ويطعّم، وينقّح ويصحّح، ويقدّم ويؤخّر، ويتأمّل ويتدبّر، ويضيف إليها ما استجدّ له من دلائل وشواهد.
ولعلّه يريد تخصيص بعض عموماتها، وتقييد بعض مطلقاتها، خصوصاً فيما جاء على سبيل الخطابة والارتجال فضلاً عن غيره.
ومن جهة أُخرى: لعلّهرحمهالله
لا يرضيه تلخيص هذا أو ذاك لكلامه، ويجد أنّه لم يستوعب ما يرمي إليه، وأنّه قد أخلّ بمقاصده.
وربما لا ترضيه العناوين التي أدخلها الآخرون، ولا التقسيمات التي مارسها المقسّمون، ولا التصحيحات التي أعملوها، ولا الإضافات التي قاموا بها لإكمال عبارة هنا أو نصّ هناك، إلى غير ذلك من اُمور لا يصعب ملاحظتها على الكتاب المذكور.
وأخيراً نقول: لقد عوّدنا علماؤنا الأبرار أن لا ينسبوا بصورة القطع والحتم ما يورده حتّى أعلام الأُمّة في تقريرات دروس أساتذتهم إلى اُولئك الأساتذة، فلا ينسبون ما جاء في أجود التقريرات مثلاً إلى الشيخ النائيني بالقطع والحتم، بل يقولون: نُقل أو حُكي عن الشيخ النائيني، أو نُسب إليه قوله؛ وذلك لمراعاة احتمال ضئيل جدّاً وهو أن يكون ثمّة أدنى خلل في تلقّي العبارة عنه، ممّا قد يوجب تغييراً في مفاد الكلام.
فكيف يجوز لنا أن ننسب للشهيد المطهّري كتاباً قد ظهرت هناته، وتلك هي حالاته وميزاته؟! مع أنّ الدرس مبني على توخّي الدقّة في التعبير من قِبَل الاُستاذ، أمّا القصاصة والمحاضرة والخطاب فإنّ الحديث فيه مبني على التسامح والارتجال والعفوية كما قلنا.
دعوة إلى كلّ المخلصين:
وفي ختام هذا الفصل اُوجّه الدعوة إلى كلّ المخلصين الذين يحملون همّ حمل الإسلام الصافي والطاهر، والنقي والدقيق والعميق إلى الناس بأمانة وإخلاص، ويجهدون في هذا السبيل، أدعوهم إلى أن يوجّهوا بعضاً من اهتمامهم إلى تراث هذا الشهيد السعيد، وإلى أن يعقدوا المؤتمرات التي يحضرها المتخصّصون والعارفون لتقييم مؤلّفاتهرحمهالله
، وتحديد ما كتبه منها بخطّ يده، واعتباره هو الذي يمثّل آراءه النهائية التي يمكن الاعتماد عليها في مقام التأييد أو التفنيد.
والاهتمام إلى جانب ذلك بالمؤلّفات التي استُخرجت من أشرطة التسجيل؛ ببذل المحاولة الجادّة للتعرّف على قيمتها الحقيقية، وقدرتها على إعطاء رأيه العلمي والنهائي المستند إلى الأدلّة والبراهين المعقولة والمقبولة.
ولعلّ من المفيد هنا القيام بمقارنات فيما بينها وبين المؤلّفات التي تصدّى هو بنفسه لإنجازها، بعد تأمّل وتروٍّ وتفكير وتدبّر؛ ليكون هذا القسم الثاني هو الذي يُعطي الانطباع الحقيقي عن واقع آرائه وتوجّهاته.
كما إنّه قد يكون من المفيد أيضاً التعرّف على معايير التفكير التي كانرحمهالله
يرتضيها حكماً، ويمارسها عملاً في مختلف الميادين؛ لتكون هي المرجع في الأخذ أو في الردِّ لِما كان قد ألقاه على الناس بطريقة الارتجال التي تسلب معها فرصة التأمّل والتدقيق، ويقلّ معها الالتفات إلى ضرورة تخصيص لعام هنا، أو تقييد لمطلق هناك، وتسجيل تحفّظ على هذه القضية ورفضها، أو الالتزام بتلك القضية وتأكيدها وتأييدها من دون أيّ تحفّظ.
إلى غير ذلك من حالات تعتري حالة الارتجال والخطابة، وتقلل من درجة الدقّة لدى الخطيب، ولينعكس ذلك من ثَمّ على درجة التلقّي والأخذ منه.
وكذلك لا بدّ من دراسة ما نُسب إليه اعتماداً على قصّاصات، أو كتابات مذكراتية تامّة أو ناقصة.
وفي جميع الأحوال نقول: إنّ المؤلّفات التي تصدّى هو للتخطيط، ثمّ الإنجاز لها تبقى هي الفيصل، وهي الأساس في الحكم، ولا بدّ من الانتهاء إليها في الردّ أو في القبول.
نعم، إنّ لفكر الشهيد العلاّمة مرتضى المطهّري، ولكتبه تأثيراً عظيماً في المجال الثقافي؛ وذلك يفرض علينا توثيقها، والتأكد من أنّها تعكس آراءه الحقيقية بدقّة بالغة، فلا بدّ من ملاحظة كلّ خصوصية تدخل في نطاق بلورة الرأي الذي ينتمي إليه.
فالخطابات والمحاضرات لا تمتلك نفس القدرة التي تتوفّر للكتاب الذي توفّرت لمؤلّفه حال إنجازه أجواء التأمّل والهدوء، والتروّي والتدبّر.
نقول هذا مع تأكيدنا على أنّ كتاب (الملحمة الحسينيّة) الذي عرفنا جانباً من إشكالاته، واطّلعنا على بعض هناته ليس قادراً أبداً أن يعكس رأي الشهيد السعيد العلاّمة المطهّري في شؤون عاشوراء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.