المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل0%

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 397

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ فيصل الخالدي الكاظمي
تصنيف: الصفحات: 397
المشاهدات: 116127
تحميل: 8217

توضيحات:

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 397 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116127 / تحميل: 8217
الحجم الحجم الحجم
المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الدولة، وبعض الحوانيت، اعتباراً من اليوم السابع من المحرّم، وكان هذا سنة 404 هجرية.

9 - بروز المنشدين والنائحين، وقرّاء الشعر الرثائي في الدولة الفاطمية، كان أوضح في مراسم عاشوراء، من تلك التي كانت تقام في بغداد، حيث جاء وصف كيفيّة خروج المنشدين، بشكل جماعي من المساجد إلى قصور الخلفاء الفاطميّين. وكما مرّ بنا، أنّ قاضي القضاة قد أمر المنشدين بعدم التكسّب بالنياحة، وأنْ لا يثقلوا على الناس، في هذا الأمر. وأكّدنا على هذه النقطة بالذات؛ لأنّ المنشدين والنائحين يعتبرون أسلاف ما يعرف الآن بخطباء المنبر الحسيني.

ولعلّ الكثير من نقاط الاختلاف أعلاه، عائد إلى أنّ الفاطميين كانوا خلفاء مطلقي السلطة، بينما كان البويهيون أمراء ضمن الخلافة العباسية وإنْ كانت شكلية.

وبهذه المقارنة، بين مراسم العزاء الحسيني ومواصفاته، في عهدي البويّهيين في بغداد، والفاطميّين في القاهرة، ينتهي تمام حديثنا عن الفصل الثاني، من هذا البحث.

١٤١

ملحق

نص خطبة الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين، في مسجد دمشق

كما نقلها الموقف بن أحمد الخوارزمي في مقتل الحسينعليه‌السلام

ورُوي: أنّ يزيد أمرَ بمنبرٍ وخطيب، ليذكر للناس مساوئ للحسين وأبيه عليّعليه‌السلام ، فصعد الخطيب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد، فصاح به عليّ بن الحسين:

(ويلك، أيّها الخاطب! اشتريت رضا المخلوق بسخَط الخالق؟ فتبوّأ مقعدك من النار).

ثمّ قال: (يا يزيد! ائذن لي حتى أصعد هذه الأعواد فأتكلّم بكلمات فيهن لله رضا، ولهؤلاء الجالسين أجرٌ وثواب)، فأبى يزيد، فقال الناس: يا أمير المؤمنين! ائذن له ليصعد، فلعلّنا نسمع منه شيئاً، فقال لهم: إنْ صعد المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان، فقالوا: وما قدر ما يُحسِن هذا؟ فقال: إنّه من أهل بيتٍ قد زُقّوا العِلم زقّاً، ولم يزالوا به حتى أذِن له بالصعود، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ خطب خطبةً أبكى منها العيون؛ وأوجلّ منها القلوب، فقال فيها:

(أيّها الناس! أُعطينا ستّاً، وفُضّلنا بسبع: أُعطينا العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبّة في قلوب المؤمنين، وفضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنّا الصدّيق، ومنّا الطيّار، ومنّا أسد الله وأسد الرسول، ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول، ومنّا سبطا هذه الأمّة، وسيّد شباب أهل الجنّة، فمن عرفَني فقد عرفّني، ومَن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي: أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن زمزمَ والصفا، أنا ابن مَن حمَل الزكاة بأطراف الرداء، أنا ابن خير مَن ائتزر وارتدى، أنا ابن خير مَن انتعل واحتفى، أنا ابن خير مَن طاف

١٤٢

وسعى، أنا ابن خير مَن حجّ ولبّى، أنا ابن مَن حُمِل على البراق في الهوا، أنا ابن مَن أُسرِي به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان مَن أسرى، أنا ابن من بلغَ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن مَن دنا فتدلّى فكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن مَن صلّى بملائكة السما، أنا ابن مَن أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن مَن ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا: لا إله إلاّ الله، أنا ابن مَن ضرب بين يدَي رسول الله بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وصلّى إلى القبلتين، وقاتل ببدرٍ وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين.

أنا ابن صالح المؤمنين ووارث النبيّين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكّائين، وأصبر الصابرين، وأفضل القائمين من آل ياسين، ورسول ربّ العالمين، أنا ابن المؤيّد بجبرائيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمجاهد أعداءه الناصبين، وأفخر مَن مشى من قريش أجمعين، وأوّل مَن أجاب واستجاب لله من المؤمنين، وأقدم السابقين، وقاصم المعتدين، ومبير المشركين، وسهمٌ مِن مرامي الله على المنافقين، ولسان حكمة العابدين، ناصر دين الله، وولي أمر الله، وبستان حكمة الله، وعيبة علم الله، سمِحٌ سخي، بهلولٌ زكي أبطحي رضي مرضي، مقدامٌ همام، صابر صوّام، مهذّب قوّام، شجاع قُمقام، قاطع الأصلاب، ومفرّق الأحزاب، أربطهم جناناً، وأطبقهم عناناً، وأجرأهم لساناً، وأمضاهم عزيمة، وأشدّهم شكيمة، أسدٌ باسل، وغيث هاطل، يطحنهم في الحروب - إذا ازدلفت الأسنّة، وقَرُبت الأعنّة - طحن الرحى، ويذروهم ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز؛ وصاحب الإعجاز؛ وكبش العراق، الإمام بالنصّ والاستحقاق مكّيٌّ مدنيّ، أبطحيٌّ تهاميّ، خيفيّ عقبيّ، بدريٌّ أحديّ، شجريٌّ مهاجري، من

١٤٣

العرب سيّدها، ومن الوغى ليثها، وارث المشعرين، وأبو السبطين، الحسن والحسين، مُظهِر العجائب، ومفرّق الكتائب، والشهاب الثاقب، والنور العاقب، أسد الله الغالب، مطلوب كلّ طالب، غالب كلّ غالب، ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب.

أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء، أنا ابن الطهر البتول، أنا ابن بضعة الرسول).

قال: ولم يزل يقول:(أنا أنا) حتى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أنْ تكون فتنة، فأمرَ المؤذّن: أنْ يؤذن، فقطع عليه الكلام وسكت، فلمّا قال المؤذن: الله أكبر! قال علي بن الحسين:

(كبّرت كبيراً لا يقاس، ولا يُدرك بالحواس، لا شيء أكبر من الله)، فلمّا قال: أشهد أنّ لا إله إلاّ الله! قال علي:

(شهد بها شعري وبشري، ولحمي ودمي، ومخّي وعظمي)، فلمّا قال: أشهدُ أنّ محمداً رسول الله! التفت عليٌّ من أعلى المنبر إلى يزيد، وقال: (يا يزيد! محمد هذا جدّي أم جدك؟ فإنْ زعمت أنّه جدّك فقد كذبت، وإنْ قلت: أنّه جدي فلِمَ قتلت عترته؟)

قال: وفرغ المؤذّن من الأذان والإقامة، فتقدّم يزيد وصلّى صلاة الظهر.

(الخوارزمي، الموفّق بن أحمد: مقتل الحسين 2 / 76 - 78).

١٤٤

الفصل الثالث:

مراحل تطوّر المنبر الحسيني

١٤٥

١٤٦

تمهيد

لقد شهد المنبر الحسيني تطوّراً كبيراً، على صعيدي الشكل والمضمون. فمن يقف عند نصّ من النصوص، التي جاءت في الفصل الثاني، من هذا البحث، وهي تنقل كيف كان يفد شاعرٌ أو منشدٌ، إلى إمام من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وكيف كان يتفاعل معه الحاضرون القليلون آنذاك، باللّوعة والأسى، ثمّ يحضر - في هذه الأيام - مجلساً حسينياً، لأحد خطباء المنبر الحسيني المبرّزين، مبتدءاً محاضرته بنصٍ قرآني، أو حديث شريف، ثمّ ينتقل إلى فنونٍ عدّة، من علم الرجال والتفسير والأخلاق والعقائد، وهو يطعّم محاضراته، بشواهد من الأدب والتاريخ، وأرقام علمية، ثمّ يتخلّص من كل هذه المواضيع المتنوّعة، بأسلوبٍ فنّي دقيق، حيث لا يشعر المستمع، إلاّ وقد دخل في أجواء الحزن والبكاء، على الإمام الحسينعليه‌السلام ، في نهاية المحاضرة(1) ، ومع جمهورٍ كبيرٍ من الحاضرين.

إنّ مَن يقارن بين هاتين الصورتين، سوف يدرك، بلا ريب، مدى التطوّر الكبير الذي طرأ على المنبر الحسيني، وأداء خطبائه، وما ينتظره جمهور المنبر منه. (سيأتي تفصيل مواصفات المنبر الحسيني في عصرنا الحالي في الفصل الرابع، إنْ شاء الله تعالى).

____________________

(1) سيأتي بيان فقرات خطبة المنبر الحسيني، في موضوع (هيكليّة المنبر الحسيني) من الفصل القادم.

١٤٧

ولكي نواكب مسيرة التطوّر هذه - ولو عبر المفاصل الأساسية - لا بدّ أنْ نتابع وندرس، الأدوار أو المراحل التي مرّ بها المنبر الحسيني.

وخلال متابعتي لموضوع مراحل التطوّر هذه، وجدت أنّ هناك ثلاثة آراء هي:

1 - رأي طرحه الشيخ محمد مهدي شمس الدين(1) ، في كتابه (ثورة الحسن في الوجدان الشعبي) ويكاد يكون هذا الكتاب، أول من أثار هذا الموضوع، وبحثه. - حسب اطلاعي -.

2 - رأي ثانٍ، للخطيب داخل السيد حسن(2) ، في مدخل المجلّد الأوّل، من موسوعته (معجم الخطباء).

3 - رأي ثالث، لمركز دراسات الإمام الحسين في لندن، في مجلد (معجم خطباء المنبر الحسيني)، ضمن موسوعة (دائرة المعارف

____________________

(1) الشيخ محمد مهدي ابن عبد الكريم الحارثي الهمداني العاملي، عالم فقيه ومفكّر ومؤلّف إسلامي بارز، ولد في النجف الأشرف سنة 1931م. أنهى المقدمات الدراسية وحضور الدروس العليا، على أكابر العلماء والمجتهدين. هاجر إلى لبنان سنة 1969م، وعُيّن نائباً لرئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ثمّ رئيساً له عام 1993م. حاضر وشارك في العديد من المؤتمرات واللقاءات الدينية والفكريّة. (توفّي في بيروت سنة 2001) من آثاره: بين الجاهلية والإسلام، دراسات في نهج البلاغة، نظام الحكم والإدارة في الإسلام، ثورة الحسين ظروفها الاجتماعية، ثورة الحسين في الوجدان الشعبي، العلمانيّة... وآثار أخرى. (الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأدب في النجف 2 / 757).

(2) السيد داخل السيد حسن الخضري: ولد في مدينة الخضر التابعة لمحافظة المثنى (جنوب العراق) عام 1952، وهاجر إلى النجف الأشرف للدراسة الدينية عام 1967م. انخرط في صفوف طلبة العلوم الدينية، وكان يمارس الخطابة الحسينية، من خطباء المنبر الحسيني المعروفين المعاصرين، من مؤلّفاته: من لا يحضره الخطيب، أدب المنبر الحسيني، ومعجم الخطباء. (الكرباسي، محمد صادق: معجم خطباء المنبر الحسيني، ص184).

١٤٨

الحسينية)، والتي صدر منها أكثر من عشرين مجلّداً حتى الآن.

وذلك حسب التسلسل التاريخي لصدور هذه الآراء فالأوّل سنة 1980م، والثاني سنة 1996م، والثالث في سنة 1999م.

فبالنسبة للرأي الأوّل، فقد ذكر الشيخ محمد شمس الدين، ثلاثة أدوار لهذا التطوّر وهي:

الدول الأول: من سنة 61 للهجرة إلى سقوط بغداد على يد هولاكو(1) سنة 654 هـ أو قبل ذلك بقليل.

الدور الثاني: من سقوط بغداد، وما تلته من قرون التخلّف، حتى عصر النهضة الحديث.

الدور الثالث: من بدايات العصر الحديث إلى الآن(2) .

أمّا بالنسبة للرأي الثاني، فقد أشار السيد داخل السيد حسن، إلى ثلاثة أدوار كالآتي:

الدور الأول: المآتم التي أقامها أهل البيت، أثناء رحلة السبا، في كربلاء والكوفة ودمشق والمدينة.

الدور الثاني: أدب الرثاء والفن والقصص، حيث كان يفد الشعراء، على أئمّة أهل البيت، وبروز القصّاصين.

الدور الثالث: تلخيص النشاطات الحسينية المختلفة في المجلس

____________________

(1) هولاكو: وهو حفيد جنكيز خان، ولد في سنة 1217م. فاتح مغولي، ومؤسّس دولة المغول الايلخانية في إيران. وصل بغداد وقتل آخر الخلفاء العباسيين المستعصم بالله عام 1258م واحتلّ سورية ثمّ عاد إلى إيران. مات سنة 1265م. (1661 هـ) (معلوف، لويس: المنجد 2 / 734).

(2) شمس الدين، محمد مهدي: ثورة الحسين في الوجدان الشعبي، ص249.

١٤٩

الحسيني الحالي(1) .

في حين أنّ مركز دراسات الإمام الحسينعليه‌السلام ، في لندن، وسّع هذه الأدوار في مجلّد (معجم خطباء المنبر الحسيني) ليجعل مراحل التطوّر، تمتدّ إلى سبع مراحل(2) ، سنذكرها عند مناقشة هذا الرأي. حيث تجمع المرحلة الأولى، الدورين الأوّل والثاني، اللذين ذكرهما الرأي الثاني أعلاه. فيما يذكر خمس مراحل، للفترة الانتقالية، منذ نهاية فترة أئمّة أهل البيت، حتى العصر الحديث، ومعه مرحلة المستقبل.

المبحث الأوّل: الراء في مراحل تطورّ المنبر الحسيني

سنحاول مناقشة الآراء الثلاثة الواردة أعلاه، واستخلاص ما نراه الأدق من هذه التقسيمات.

الرأي الأوّل ومناقشته

لقد اعتمد هذا الرأي، على مصدرين، في متابعة الأدوار التي مرّ بها المنبر الحسيني، وهما كتب المقتل، والشعر الرثائي. واعتبر المصدر الأوّل، مصدراً أساسياً، فيما اعتبر المصدر الثاني (الشعر) مصدراً ثانوياً. وما اعتمده الشيخ محمد مهدي شمس الدين، صاحب هذا الرأي، بيّنهُ بأنّ (الذي حملنا على اعتبار كتب المقتل، مصدراً أساسياً لهذا البحث، هو ما نعلمه من أنّ المؤلّفين الشيعة، قد كتبوا كثيراً في مقتل الحسينعليه‌السلام .

____________________

(1) السيد حسن، داخل: معجم الخطباء: 1 / 41 - 46 (اقتصرنا على نقل عناوين الأدوار).

(2) مركز دراسات الإمام الحسين، معجم خطباء المنبر الحسيني، ص37 - 77.

١٥٠

وإذا كان البعض منهم، قد كتب في هذا الموضوع، استجابة لحافز علمي محض، فإنّنا نقدّر أنّ هذا الفريق من المؤلّفين في هذا الموضوع نادرٌ وقليل، ولا شك أنّ أكثر المؤلّفين قد كتبوا، استجابة لحافزين متكاملين:

أحدهما: حافز التقوى الدينيّة، والولاء العاطفي لأهل البيت. ثانيهما: تلبيةً لحاجة الجماهير إلى مادّة مكتوبة، مبرمجة، لمقتل الحسين، لاستعمالها في التجمّعات، والمجالس، التي تُعقد في العصور التي دوّنت فيها. إذ أنّها بلا شك مرآة للنظرة العامّة إلى المأتم، ومحتواه الثقافي، والعناصر المكونة لهذا المحتوى)(1) .

أمّا بالنسبة لما اعتبره مصدراً مساعداً فإنّه يقول عنه:

(وأمّا المصدر المساعد، فهو شعر الرثاء الحسيني، في مختلف العصور الإسلامية. حيث إنّه يعكس - من بعض الجهات - حالة المآتم في عصره. وإنْ كان يفقد الدقّة النسبيّة في تصوير واقع المأتم الحسيني؛ لأنّ العامل الشخصي والذاتي فيه، يغلب على الجانب الموضوعي، الذي يفترض أنّه سمة الكتابة النثرية في كتب المقتل)(2) .

إنّ ما ذكره الشيخ محمد مهدي شمس الدين، في اعتماده على كتب المقتل والشعر الرثائي، حيث يعتبران المصدران اللّذان يكاد ينحصر البحث فيهما، بالنسبة لهذا الموضوع. إذ لم يكتب أحد من القدامى، في مسألة تطوّر المنبر، أو يرصد حركته في بحث أو كتاب مستقل، بل لا بد للباحث اليوم، أنْ يتابع كتب الأدب، والتراجم، وغيرها، علّه يحصل على ما يعينه على هذا البحث.

____________________

(1) شمس الدين، محمد مهدي: ثورة الحسين في الوجدان الشعبي، ص250 - 251.

(2) المصدر نفسه، ص273.

١٥١

ثمّ يذكر الشيخ محمد مهدي شمس الدين، أسماء المصادر التي اعتمدها من كتب المقتل وهي:

(1 - مقتل الحسين، لأبي مخنف لوط بن يحيى(1) ، وهو النصّ الموجود، في تاريخ محمد بن جرير الطبري(2) .

2 - مقاتل الطالبين: لأبي الفرج الأصفهاني (توفّي سنة 356).

3 - وآيات ابن أعثم(3) أبي محمد أحمد (توفّي سنة 314) المنقولة في مقتل الحسين للخوارزمي.

4 - كتاب الإرشاد، للشيخ المفيد محمد بن النعمان البغدادي(4) (توفّي 413 للهجرة).

5 - مقتل الحسين للخوارزمي(5)(6) .

____________________

(1) لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف، يُعرَف بأبي مخنف، وجدّه مخنف بن سليم، صحابي شهد الجمل مع الإمام علي وكان يحمل راية الأزد وقتل فيها 36 هـ من أقدم مؤرّخي العرب ومحدّثيهم، له رسائل عن حوادث القرن الأول الهجري، احتفظ الطبري بالكثير منها في تاريخه، توفّي سنة 157 هـ. (القمّي، عباس: الكنى والألقاب 1 / 155).

(2) محمد بن جرير الطبري، أبو يعقوب، مؤرّخ موسوعي، مفسّر ومحدّث، ولد في آمل بطبرستان، تنقّل بين إيران والعراق والشام ومصر، أقام أخيراً في بغداد حيث توفّي سنة 310 هـ له مذهب في الفقه، وله عدّة آثار، أشهرها كتابُه: تاريخ الأمم والملوك، (معروف، لويس، المنجد، الأعلام، ص434).

(3) أبو محمد أحمد بن أعثم الكوفي، المؤرّخ، له كتاب الفتوح، معروف ذكر فيه إلى أيام الرشيد، وله كتاب التاريخ إلى أيام المقتدر. توفّي سنة 314 هـ (القمّي، عباس: الكنى والألقاب، 1 / 215).

(4) محمد بن النعمان البغدادي، أبو عبد الله، فقيه، توفّي في 28 رمضان 413 هـ / 1022 وكان قد ولد في 338 هـ / 949 م من آثاره: كتاب أوائل المقالات في المذاهب والمختارات. (كحالة، عمر رضا: معجم المؤلّفين 12 / 80).

(5) أبو بكر محمد بن أحمد الخوارزمي، من أهل خراسان، شاعر عالم من أئمّة الكتّاب، ثقة في اللغة ومعرفة الأنساب، اتصل الوزير العتبي، توفّي في نيسابور سنة 1997م - 387 هـ له كتاب (مفاتيح العلوم) ويُعَد من أقدم ما صنّفه العرب على الطريقة الموسوعية. (الزركلي، خير الدين: الأعلام، 5 / 312).

(6) شمس الدين، محمد مهدي: ثورة الحسين في الوجدان الشعبي، ص289.

١٥٢

والملاحظ، أنّ الشيخ محمد مهدي شمس الدين، لم يستفد من هذه المقاتل في الدور الأول، من أدوار المأتم الحسيني، كما لم يستفد منها كذلك في الدور الثالث. وهو يعلّق على عدم استفادته من المقاتل، التي كتبت في الدور الثالث، بقوله: (إنّ كتب المقتل التي كتبت في هذا الدور، لم تعد تصلح أنْ تصبح مصدراً لرصد التغيرات الشكليّة والنوعيّة، التي دخلت على المأتم الحسيني، في هذا الدور، إلاّ في حدود ضيّقة. فن المأتم ذات طبيعة، تختلف اختلافاً أساسياً، عن كتب المقتل فهذه الكتب مختصّة بحكاية قصّة الواقعة. وسنرى أنّ التغيّرات جعلت المأتم يتجاوز قصّة الواقعة إلى أغراض ومضامين أخرى)(1) .

أقول: وأودّ هنا أنْ أناقش ما أورده الشيخ شمس الدين، حينما اعتبر كتب المقتل، كمصدر أساسي في معرفة أدوار المنبر الحسيني، حيث إنّه لم يبيّن الفرق بين الكتب، التي أوردت قصّة واقعة كربلاء وأحداثها، وهي التي تعرف بكتب المقتل، وبين تلك الكتب التي أُلّفت على شكل موضوعات تُتلى، في المآتم الحسينية، تشتمل الموعظة، وأبيات العشر الرثائي، إضافة إلى ذكرها، بعضاً من تاريخ واقعة كربلاء.

فكتاب المقتل اليوم، هو كتاب المقتل نفسه قبل ألف سنة أو يزيد؛ لأنّ موضوعه واحد؛ وهو تسجيل واقعة كربلاء وأحداثها. وعلى هذا فإنّي أرى أنّ الاعتماد على كتب المقتل، بما هي كتب، جاءت لتسجيل أحداث كربلاء، لا تُعيننا على موضوعنا. نعم إنّما يفي بالغرض هنا، ما كُتب من مؤلّفات، على شكل مجالس، وموضوعات تتلى في المآتم، التي تقام أيام عاشوراء وغيرها. وهو ما وفّق إليه الشيخ شمس الدين، حينما اعتمد على كتاب المنتخب، للشيخ فخر

____________________

(1) المصدر نفسه، ص289.

١٥٣

الدين الطريحي النجفي(1) ، الذي أُلّف لغرض تلاوته كمجالس.

وأمّا كتاب مثير الأحزان، لابن نما الحلّي(2) فلم يكن كتاب مجالس حسينية ككتاب الطريحي، وإنّما كان كتاب مقتل، من ثلاثة أجزاء؛ في الأحداث قبل كربلاء، ثمّ أحداث يوم عاشوراء، وأخيراً الحوادث المتأخّرة عن القتل، وهي نفس الأجزاء في كتاب(اللهوف في قتلى الطفوف) وهو كتاب مقتل، ولكن المؤلّف وهو السيد ابن طاووس الحلّي(3) قد وضع له مقدّمة حزينة وختمه بأخرى، ولمّا أراد الشيخ شمس الدين، الاستشهاد بهذا الكتاب، فقد جاء موضعُه من خاتمة المؤلّف، ولم يورد شيئاً من نفس نصّ المقتل، للسبب الذي قلناه من أنّ كتب المقتل بحدّ ذاتها، هي تاريخ أحداث جرت ليس إلاّ.

ولهذا السبب أيضاً، لم يتمكّن الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، من الاستفادة مِن كتب المقتل بما هي كتب مقتل،

____________________

(1) هو الشيخ فخر الدين بن محمد علي الطريحي، ولد في النجف عام 979 للهجرة وتوفّي عام 1085 للهجرة، من آثاره: تفسير غريب القرآن، مجمع البحرين، جواهر المطالب، والمنتخب، وكتاب المنتخب مؤلّف من جزئين، في كل جزء عشرة مجالس، وقد خُصّص كل مجلس ليلةٍ من ليالي العشرة الأولى، من شهر محرّم الحرام. أقول ولا يزال هذا الكتاب معتمداً في مآتم منطقة الخليج إلى الآن. وعادة ما يُتلى شيء منه قبل أنْ يترقّي خطيب المنبر الحسيني المنبر. (القمّي، عباس: الكنى والألقاب، 2 / 448) (الكرباسي، محمد صادق: معجم الخطباء المنبر الحسيني ص60).

(2) الشيخ جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله الحلّي، المتوفّي سنة 680 للهجرة من مشايخ العلامة الحلّي من آثاره: قرّة العين في أخذ ثأر الحسين، ومثير الأحزان، وهو مؤلّف من ثلاثة فصول. (القمّي، عباس: الكنى والألقاب 1 / 442).

(3) هو السيد رضي الدين علي ابن موسى بن جعفر ابن محمد بن طاووس الحسيني الحلي، ولد سنة 589 هجرية في مدينة الحلة في وسط العراق. درس في بغداد والنجف وتولّى نقابة الطالبين عام 661، توفّي سنة 664 هجرية. من آثاره: إغاثة الداعي، الإقبال لصالح الأعمال، الدروس الوفيّة. وغيرها ومنها: كتاب اللّهوف في قتلى الطفوف؛ من مقدمةٍ وثلاثة فصول وخاتمة. (القمّي، عباس؛ الكنى والألقاب، 1 / 3392).

١٥٤

والتي ذكرها آنفاً مثل: مقتل أبي مخنف، ومقتل الخوارزمي، ومقاتل الطالبيين، وما ذكره الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد من مقتل الحسين.

إنّ العرف الشيعيّ اليوم، يميّز بين كتب المقتل، وكتب المجالس الحسينية. حيث تهتم الأولى بتاريخ أحداث كربلاء، فيما تهتم الثانيّة، بإعداد مجالس ومحاضرات، تتناول شؤوناً مختلفة. إلاّ أنّها صيغت على شكل خاص، بحيث تنتهي بذكر بعض المصائب التي جرت يوم عاشوراء، أو بعده على الحسينعليه‌السلام أو أهل بيته.

وأمّا بالنسبة للمصدر الثاني، الذي اعتمده الشيخ شمس الدين، في كتابه (ثورة الحسين في الوجدان الشعبي) - الذي يعتبر فتحاً مهمّاً في المكتبة الحسينية في عصرنا الحالي - وهو الشعر الرثائي، الذي اعتمده كمؤشّر لمدى التطوّر، الذي طرأ على المأتم والمنبر الحسيني عبر مراحلهِ الثلاث، فلي عنده توقّف.

هذا التوقّف مفاده، إنّ الشعر الذي قيل في الإمام الحسينعليه‌السلام ، عبر القرون، ومنذ واقعة كربلاء، إنّما يعكس - فيما يعكس - مقدار وعي الأمّة عبر شعرائها، لأبعاد وأهداف ومرامي واقعة كربلاء، فقد كان الشعر بُعَيد الواقعة (ساذجاً في طبيعة الرثاء، ثمّ أخذ في التدرّج الطبيعي، تبعاً للخصائص والإمكانيات التي تظلّه، من الثقافة والزمان والبيئة والمواهب... وكان ذلك بعد مدّة طويلة من حادثة الطف..)(1) .

أمّا مسألة توظيف الشعر الرثائي في المنبر الحسيني، فمسألة تعود - وإلى حدّ كبير - إلى اختيار الراثي أو المنشد، شعراً دون آخر، أو أبياتاً بالخصوص دون غيرها، يجد فيها هذا الراثي، إذكاءً

____________________

(1) نعمة، عبد الله: الأدب في ظل التشيع، ص166.

١٥٥

للعواطف وشدّاً لجماهير المنبر(1) ، وهو ما نراه الآن في خطباء المنبر الحسيني المعاصرين. فمستوى وعي الخطيب، وتذوّقه الأدبي، وأدائه الثقافي، وظروف أخرى كلّها تسهمُ في اختيار القصيدة الشعرية، أو مقاطع منها.

ولهذا لو كانت دراسة الشعر الرثائي، باعتباره مؤشّراً على تطوّر المنبر الحسيني، عبر مراحله، قد اهتمت بالشعر الذي يذكر أثناء المجالس الحسينية، كما أورد ذلك - على سبيل المثال - الشيخ الطريحي في كتابه (المنتخب)، المارّ ذكره، نعم لو كانت الدراسة متابعة، لهذا اللون من الشعر، لكانت الدراسة - حسب اعتقادي - أكثر دقّة حيث ندرس الشعر المستخدم فعلاً في المنبر الحسيني، لا أي شعر رثاء قيل في الإمام الحسينعليه‌السلام .

إنّ واقع المنبر الحسيني المعاصر، يمكن أنْ يعيننا على تلمّس واقعة في الأدوار السابقة، حيث نجد اليوم بين أيدينا مساهمات نوعيّة في الأدب والشعر، ولكبار شعراء العصر، في كربلاء وموقف الإمام الحسين، ومع ذلك فإنّ هناك لوناً خاصاً وذوقاً معيّناً لخطباء المنبر الحسيني، في اختيارهم لقصائد الشعراء، التي لها إطلالة أخرى على واقعة كربلاء، إطلالة فيها إشباع للجانب العاطفي، والحماسي بشكل واضح.

نعم إنّ خطيب المنبر الحسيني - بلا شكّ - يراعي الذوق العام

____________________

(1) يعتبر الجانب العاطفي ركناً أساسياً في خطبة المنبر الحسيني على طول المراحل التي مرّبها هذا المنبرفي تطوره.بل ان بدايته كانت عبارة عن قصيدة رثاء تتلى بأسلوب عاطفي

حزين، كما مرّ بنا في وفود بعض الشعراء على بعض أئمّة أهل البيت. وفي عصرنا الحديث، فإنّ ما يميّز الخطبة الدينية العامّة عن خصوص خطبة المنبر الحسيني، هو التعريج آخر الخطبة الثانية على جانب عاطفي وإشباعه بالشعر والرثاء المناسب. (وسيأتي مزيدُ توضيحُ لهذه النقطة في الفصل الرابع في مسألة هيكلية المنبر الحسيني).

١٥٦

في اختيار الشعر الرثائي، ولعلّ هذه المراعاة تسهم في انعكاس الوعي العام - ومستويات مختلفة - على شعر الرثاء المستخدم في المأتم الحسيني.

ومِن هنا يمكن فهم اعتماد الشيخ شمس الدين، على الشعر الرثائي عبر العصور، في رأيه الذي تبقى له أهمّية وأسبقيّته.

الرأي الثاني

هذا كلّه فيما يتعلّق بالرأي الأوّل، الذي أورده الشيخ محمد مهدي شمس الدين، في بحث أدوار تطوّر المنبر الحسيني. وهناك رأي ثان، أورده الخطيب داخل السيد حسن، حيث قسّم الأدوار إلى ثلاثة: أعتبر الأوّل منها المآتم التي كانت تُعقد أيام السبا، وهي المآتم التي لم نعتبرها في بحثنا هذا، تخضع لبحث المنبر الحسيني؛ لأنّ تلك مآتم، كانت تتجاوب عفويّاً، مع مأساة كربلاء وأحداثها المحزنة، بينما نحن نبحث في المأتم الذي كان يقام، عن قصد تخطيط، بعد انتهاء واقعة كربلاء.

كما أنّ هذا الرأي، لم يتعرض أبداً لفترة الركود التي مرّ بها عموم الوضع المسلم، في الفترات المظلمة، كما لم يتعرّض هذا الرأي، لتأثير الدول الشيعيّة في تطوير المنبر الحسيني وتوسيع دائرته. ولم يحدّد تاريخاً معيّناً لبداية كل دور أو نهايته.

إنّ هذا الرأي أورد بشكل سريع، لم يقصد فيه صاحبه - كما يبدو - التحقيق في المسألة، بل ذكر هذه الأدوار، من أجل توضيح صورة ولو إجماليّة للأدوار، التي مرّ بها المنبر الحسيني.

١٥٧

الرأي الثالث

إنّ الاختصار الواضح في الأدوار التي مرّ بها المنبر الحسيني تاريخياً في الرأي الثاني. نجد خلافه في الرأي الثالث هذا، حيث قد وسع من هذه المراحل، والأدوار لتكون سبعة جاءت كالتالي:

1 - المرحلة الأولى: منذ استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام 61 للهجرة، إلى نهاية الغيبة الصغرى، للإمام الثاني عشر؛ وهو الإمام المهدي المنتظرعليه‌السلام (1) ، عام 329 للهجرة. وهي فترة حياة أئمّة أهل البيت. وقُسّمت هذه المرحلة إلى فترتين؛ الأولى تأسيسيّة: حيث كان يتولّى أهل البيت الخطابة بعد واقعة كربلاء، وأثناء رحلة السبا، في الأمصار التي مرّوا بها. والثانية؛ الانتقالية: وهي الفترة التي كان يحثّ أئمّة أهل البيت فيها الشعراء، والمنشدين، وشيعتهم، على إقامة المآتم.

2 - المرحلة الثانية: منذ سنة 329 للهجرة إلى بداية القرن السابع الهجري. وهي الفترة التي شهدت ظهور دول شيعيّة؛ في بغداد، وحلب والقاهرة، حيث شهد المنبر الحسيني تطوّراً كبيراً.

3 - المرحلة الثالثة: منذ أوائل القرن السابع الهجري، إلى نهاية

____________________

(1) يعتقد الشيعة الاثنا عشرية، إنّ الأئمةعليهم‌السلام هم اثنا عشر إماماً، أولهم الإمام علي ابن أبي طالب، وآخرهم الإمام المهدي المنتظر وهو، محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. هم يذكرون إنّ الإمام المهدي ولد في سامراء في العراق سنة 255 هجرية، وتولّي الإمامة بعد وفاة أبيه سنة 260 هجرية. وبقي لقرابة سبعين عاماً يتولّى الأمور عبر أربعة من الوكلاء واحداً تلو الآخر، وتسمّى الغيبة الصغرى ثمّ بدأت الغيبة الكبرى، حيث يتولّى الفقهاء، أمور الناس وتوجيههم، وينتهي دورهم بظهوره في مكّة بين الركن والمقام. (المظفر، محمد رضا: عقائد الإمامية، ص77) (السبحاني، جعفر: الأئمّة الاثنا عشر ص122).

أمّا الشيعة الإسماعيلية والشيعة الزيدية فلا يذهبون إلى ما ذهبت إليه الشيعة الاثنا عشرية في تحديد اسم الإمام المهدي المنتظر فضلاً عن القول بالغيبة الصغرى أو الكبرى.

١٥٨

القرن التاسع الهجري، وهي فترة سقطت فيها الدول الشيعية تلك، واشتدّت فيها الضغوط على الشيعة. ولهذا شهد المنبر الحسيني انحساراً من بعض مناطقه، وتضييقاً في مناطق أخرى.

4 - المرحلة الرابعة: تبدأ بأوائل القرن العاشر الهجري، أو قبله بقليل، وتنتهي تقريباً في القرن الثالث عشر الهجري. وهي مرحلة شهدت بروز خطباء حسينيين، كتبوا كتباً خاصة، تقرأ على المنبر، ممّا أشاع مجالس الوعظ والإرشاد، في المنبر الحسيني.

5 - المرحلة الخامسة: من منتصف القرن الثالث عشر الهجري، وتنتهي بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجري، حيث برز فيها خطباء عظام، أحدثوا نقلة نوعيّة في أساليب الطرح على المنبر الحسيني، فحالوا دون انهيار مؤسّسة المنبر الحسيني أمام تطوّر الوسائل الإعلامية الحديثة، مع بداية عصر الاستعمار، والأحداث الساخنة في العالم.

6 - المرحلة السادسة: بعد منتصف القرن الرابع عشر للهجرة، حيث بدأ الاستعمار الغربي، بالجلاء عن الوطن الإسلامي، وبروز تحدّيات كبيرة أمام الإسلام والمسلمين، ممّا حتّم ضرورة بروز خطباء حسينيين كفوئين، يواجهون تحدّيات المرحلة وحاجة الأمّة. وهكذا شهد المنبر الحسيني خطباء كباراً كان لهم الفضل الكبير، في تطوّر المنبر الحسيني ونموّه.

7 - المرحلة السابعة: وهي مرحلة المستقبل وكيفيّة العمل، ليواكب المنبر الحسيني آفاق الغد(1) .

____________________

(1) مركز دراسات الإمام الحسين، معجم خطباء المنبر الحسيني، من ص37 إلى صفحة 77 باختصار وبعض التصرّف.

١٥٩

لقد أكثر هذا الرأي، من الأدوار بشكل واضح، دون بيان الأُسس التي اعتمدها في عملية التطوّر، وجعل - في المرحلة الأولى - المآتم العفوية، والمآتم الهادفة على حدٍّ سواء في هذا الموضوع. وفي هذا الرأي إيجابية مهمة، حين أشار إلى تأثير الدول الشيعية على تطوّر المنبر الحسيني.

المقارنة بين الآراء الثلاثة

لأول وهلة، ونحن نقارن بين هذه التقسيمات، التي أوردتها الآراء الثلاثة المتقدمة، نجد أنّ الرأي الثالث أورد أدواراً ومراحل أكثر ممّا أورده الرأي الأول (مع العلم أنّ الشيخ محمد مهدي شمس الدين، لم يجعل للمستقبل مرحلة خاصة، ضمن مراحل تطوّر المنبر الحسيني، وإنّما خصّص له فصلاً خاصاً في كتابه). والشيء نفسه يقال عن الأدوار الثلاثة التي أوردها الرأي الثاني.

ولو أردنا المقارنة بين هذه الآراء، وما جاء في كل منها من أدوار ومراحل تطوّر المنبر الحسيني، فسنجد ما يلي:

1 - إنّ الرأي الأول، و هو للشيخ محمد مهدي شمس الدين، يبدو أكثر علمية، حينما ذكر الأدوات والمصادر التي يعتمدها، في ملاحقة مسألة تطوّر المنبر الحسيني، وهي كتب المقتل والشعر الرثائي، كما بيّن سابقاً. في حين أنّ الرأيين الثاني والثالث، أهملا ولم يوضّحا الأسس، التي اعتمدا عليها في بيان المراحل والأدوار.

2 - وظّف الرأي الأول، نصوصاً من كتب المقاتل، والكتب التي كانت متداولة، في فترات زمنية، ومقاطع شعرية، ضمن الأدوار التي يذكرها. فيما لم يذكر الرأي الثاني أو الثالث نصوصاً تُعيّن على بيان مراحلهما تلك.

١٦٠