المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل20%

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 397

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل
  • البداية
  • السابق
  • 397 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 119463 / تحميل: 8965
الحجم الحجم الحجم
المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

تمهيد

كلّ ما بحثناه حتى الآن، أمور تتعلّق بتاريخ المنبر الحسيني وماضيه، إنْ صح التعبير. ولكي تكتمل الصورة، وحتى نطّلع على المساحة التي يشغلها المنبر الحسيني حالياً، والدور الذي يمكن لخطيبه أنْ يقوم به من جهة، ولكي ننطلق من واقع هذا المنبر إلى التفكير بترشيده وتوجيهه، حتّى يؤتي أفضل الأُكل في المستقبل، من جهة أخرى. كان لابدّ لنا أنْ نتوقّف، وندرس المنبر الحسيني المعاصر، وأهم ما يتعلّق بخطيب هذا المنبر.

وهذه المهمّة، سيتكفّل بها الفصل الرابع هذا، من هذا البحث.

وسيكون البحث فيه منصبّاً على مسألتين:

الأولى: فيما يتعلّق بالمنبر الحسيني المعاصر، من حيث محتواه ومواسمه، واللجان المشرفة على إقامته، والأمكنة التي تُتّخذ لهذا المنبر، وأمور أخرى، تُجلي صورة هذه الظاهرة الدينية الاجتماعية.

والمسألة الثانية: في

٢٠١

أمور تتعلّق بخطيب هذا المنبر، وأوصافه، وكيف يتم إعداده لهذا النوع من الخطابة الدينية. محاولين إبراز موقع هذا الخطيب، في الأوساط التي تعنى بالمنبر الحسيني.

وعلى هذا سيكون الفصل الرابع من مبحثين هما:

المبحث الأول: المنبر الحسيني، صفته ومساحته اليوم

إنّ المنبر الحسيني، في بداياته كان مقتصراً على جانب الحزن والبكاء، ثمّ دخل عنصر الوعظ والإرشاد، مع هذا الجانب، وقد كان ذلك في زمن متقدّم نسبيّاً. فقد ذكرنا في الفصل الثاني، وفي نهاية مظاهر المأتم الحسيني أيام البويهيّين، وما بعدهم في بغداد، أنّه توفّي سنة ٥٩٨ هجرية في بغداد، قارئ أو منشد اسمه أبو منصور محمد بن مبارك الكرخي، ووصف بأنّه (يعظ في الأعزية)، (راجع ص١١٤).

وأخذ المنبر الحسيني، بعد ذلك، يهتمّ بسرد بعض الأحداث التاريخيّة.

وقد سبق كل ذلك عنصر مهم جدّاً، وسّع من دائرة المنبر الحسيني، والمناسبات التي يهتم بها، حيث لم يقتصر على ما يتعلّق بالإمام الحسين، بل راح يمتد في اهتماماته ليشمل مناسبات وذكريات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والسيدة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب، وبقية الأئمّة من أولادهعليهم‌السلام .

ولم تحدّد بالضبط، الفترة التي برزت فيها هذه التطوّرات. وأحسب أنّ الاهتمام بذكريات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت، والإشارة إلى

٢٠٢

بعض محنهم، كانت قد برزت في المرحلة الأولى، وتحديداً في قصيدة دعبل الخزاعي التائية، التي ألقاها على الإمام الثامن من أئمّة أهل البيت. وهو علي بن موسى الرضاعليه‌السلام (ت: ٢٠٣ هجرية). حيث أشار إلى قبور ضمت بعض رموز أهل البيت من الذين قضوا بعد الحسينعليه‌السلام . وبعض معاناة هؤلاء الرموز.

ثمّ استمر المنبر الحسيني في تطوّره، حتى وصل مرحلته الأخيرة، حيث راح خطيب هذا المنبر، يطرح مختلف القضايا، والشؤون التي تهم الإنسان المسلم، ويناقش العديد من المسائل الاجتماعيّة، والعقيدية، والتربويّة، وغيرها.

وأحسب أنّ فكرةً، ولو بسيطة، قد تكوّنت عندنا حينما ترجمنا للخطباء الأربعة، في نهاية الفصل الثالث، عن سعة الاهتمامات، التي أخذ المنبر الحسيني بتناولها.

ولمزيد من التوضيح، وللوقوف على مدى التطوّر، الذي حصل للمنبر الحسيني في عصرنا الحديث، وهي المرحلة الأخيرة من مراحل تطوّر، سنتوقّف عند بعض النقاط في هذا المبحث، وهي:

هيكليّة المنبر الحسيني

ونعني بها، الفقرات التي تشكّل الخطبة، التي يتناولها خطيب المنبر الحسيني، والتي يتميّز بها المنبر الحسيني، عن بقية أنواع الخطابة الدينيّة.

إنّ المنبر الحسيني اليوم، يختصر كلّ مراحل التطوّرات النوعيّة،

٢٠٣

والشكليّة، التي واكبت مسيرته، إلى عصرنا الحالي. إنّ هناك، ست فقرات أساسيّة، يتألّف منها خطاب المنبر الحسيني، والتي ينبغي على خطيبه مراعاتها، وإشباع كل فقرة منها. ويمكن توضيحها بالشكل التالي:

٢٠٤

١ - المقدّمة

ونعني بها، جُمَلاً يبدأ بها خطيب المنبر الحسيني محاضرته، وتقرأ بطورٍ خاصّ، وأُسلوبٍ قريب إلى بعض طُرق ترتيل القرآن الكريم. ولكلّ خطيب مقدّمة يختارها. وهي تقع ضمن فقرات؛ حمد الله تعالى، والصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله، ولابدّ أنْ يخصّ الإمام الحسينعليه‌السلام بصلاة خاصة، وربّما ذكر الشهداء معه كذلك، ثمّ لابدّ أنْ تنتهي كل مقدّمة بالجملة المعروفة والمشهورة عن خطباء المنبر الحسيني، عند عموم جمهور هذا المنبر، وهي جملة(يا ليتنا كنا معهم - أو معكم - فنفوز فوزاً عظيماً) (١) ، وهي فقرة وردت في الفصل الثاني، من هذا البحث، حينما تحدّثنا عن حثّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، على إقامة المآتم الحسينية، حيث ذكرنا حديث الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، مع أحد أصحابه، بقوله: (فقل كلّما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً). (راجع ص٨٤).

فإذا ذكر الخطيب هذا المقطع، علم المستمعون أنّه انتهى من المقدّمة وسينتقل إلى الفقرة الثانية.

وفيما يلي نموذج عن هذه المقدّمة:

(الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين.

صلّى الله عليك يا مولاي يا أبا عبد الله، صلّى الله عليك يا ابن

____________________

(١) وهذه الجملة، كما هو معلوم، مستلّة في الأساس من الآية القرآنية (٧٣) من سورة النساء، وهي قوله تعالى:( وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً ) .

٢٠٥

رسول الله

يا رحمة الله الواسعة وباب نجاة الأمّة

يا ليتنا كنّا معكم سادتي فنفوز فوزاً عظيماً)

وهذه الفقرة، من مبتكرات المرحلة الأخيرة، من مراحل تطوّر المنبر الحسين. إذ لم يرد لها ذكر في المراحل السابقة، فقد كان المنشد، أو الشاعر، يبدأ مباشرة بإنشاد القصيدة. كما أنّ كتب المجالس الحسينيّة، التي وصلت إلينا من المرحلة الثالثة من مراحل تطوّر المنبر الحسيني، حسب ما اخترناه، ومنها كتاب (المنتخب) للشيخ الطريحي: نجدها خالية من هذه المقدّمة.

٢ - القصيدة

وهي الفقرة الثانية، التي يتناولها خطيب المنبر الحسين. حيث يختار الخطيب، إحدى القصائد الرثائيّة المناسبة لمقتضى الحال، وطبيعة الموسم الخطابي، ونوعية المناسبة التي يقام المنبر الحسيني من أجلها.

ويرث خطيب المنبر الحسيني، في هذه الفقرة، ما كان يؤدّيه الشاعر، أو المنشد، الذي كان يفد على أحد أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، كما مرّ بنا سابقاً. والشعر الرثائي في الحسينعليه‌السلام أكثر من أنْ يُحصى. (وقد كثُر هذا النوع في أدب الشيعة كثرةً هائلةً. حتى إنّه ليندر أنْ تسمع بشاعرٍ شيعي لم يرثِ الحسين)(١) .

____________________

(١) نعمة، عبد الله: الأدب في ظلّ التشيّع ص١٦٦.

٢٠٦

لقد أحدث استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام ، مجالاً خصباً وثرياً للشعر. حيث راح الشعراء، قديماً وحديثاً، يتبارون في رثائه، وتعداد مواقفه، وشجب قتلته، والإشادة بأنصاره. وقد أُلّفت موسوعات في ترجمة الشعراء الذي رثوا الإمام الحسين(١) . الذي (قيل فيه من الشعر ما لم يُقَل في أحد على الإطلاق، إنْ من حيث الكمّية أو الكيفية أو عدد الشعراء الذي تغنّوا بكربلاء)(٢) .

وعلى خطيب المنبر الحسيني، أنْ يحفظ عيون الشعر الرثائي، الذي قيل في الإمام الحسين، ويتقنهُ، ثمّ يصوغه وينشده بأسلوبٍ فنّي رقيق، يتدّرج فيه الخطيب من الأسلوب الهادئ في بداية القصيدة، حتى يرفع من طريقة إنشاده، لتصل في النهاية إلى إنشاد حماسي حزين.

وهناك طُرق وأساليب وأطوار، معروفة بين خطباء المنبر الحسيني، ويألفها جمهور هذا المنبر. ويتفاعل جمهور المنبر الحسيني، مع بعض أطوار الإنشاد، بأنين يرفعونه في أصواتهم، فيكون هناك تناغم بين إنشاد الخطيب وأنين الحاضرين، وأكثر ما تبرز هذه الحالة، في مجالس منطقة الخليج العربية.

كما أنّ الخطباء المشهورين، عادةً، ما يتميّزون بأسلوبٍ خاص، في إنشاد الشعر الرثائي، حتى تعرف عنهم، طريقة خاصة. فإذا ما قرأ - مثلاً - خطيب شاب قصيدة ما، قال الحاضرون فيما بينهم، إنّ هذا الخطيب الشاب يقلّد الخطيب الفلاني، وطريقته شبيهة بطريقة ذاك

____________________

(١) حدّثني السيد محمد الموسوي الهندي، رئيس جماعة علماء الهند (مواليد النجف الأشرف ١٩٥٣م) أنّ هناك درساً في كلّيات الآداب في الهند اسمه (مرثيّة). وتدرّس فيه القصائد الرثائية التي قيلت في الإمام الحسين. مقابلة شخصية معه في لندن. ٧ محرّم ١٤٢١ هجرية / ١٢ نيسان ٢٠٠٠ م.

(٢) نصر الله، حسن عباس وآينة، صادق: الأدب السياسي الملتزم في الإسلام، ص٩٨.

٢٠٧

الخطيب المشهور.

وحتى نوضّح الصورة، فإنّ ذلك شبيه، بتميّز بعض قرّاء القرآن الكريم، بأساليب وطرق في التلاوة، ترتيلاً وتجويداً بحيث يعرف بها قارئ عن آخر(١) .

وعادةً، ما يختم خطيب المنبر الحسيني، قصيدته الرثائيّة، بأبيات من الشعر الرثائي الشعبي العراقي، وأحياناً البحراني. وهي الأبيات التي تؤجّج حالة التفاعل العاطفي، وتقرأ كذلك بأسلوب وطريقة خاصة، ويتميّز بها، كذلك، خطيب حسيني عن آخر. وهنا يبرز عنصر الصوت ورخامته، وحسنه، في تألّق بعض الخطباء وانشداد الجماهير إليهم.

وقد صنفت بعض الكتب، التي جمعت القصائد الرثائيّة، من النوعين، القريض الفصيح، والشعبي المتداول. وهي تشكّل رصيداً جاهزاً لمن أراد أنْ يعتلي أعواد هذا المنبر.

ولعلّ من أشهر مصنّفات الشعر الرثائي القريض، والتي ضمّت أشهر قصائد الرثاء، من المحدّثين والقدامى، كتاب؛ (الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد) لمصنّفه السيد محسن الأمن العاملي، وكتاب (رياض المدح والرثائي للسادة النجباء) للشيخ حسين علي البلادي البحراني.

وأمّا ما صنّف، من كتب الشعر الشعبي، لشعراء العراق، والمنطقة العربية في إيران، وشعراء البحرين، والمنطقة الشرقية في

____________________

(١) لا يمكن بما لا يقبل الشك أن يقاس كلام الله المجيد بأيّ كلام آخر. ولكن المشبّه به (أساليب، تلاوة القرآن الكريم لبعض مشاهير القرّاء) هو أجلى وضوحاً وانتشاراً عند كل المسلمين... وذكرته لأوضّح تميّز بعض خطباء المنبر الحسيني بأُسلوبٍ خاص في إنشاد الشعر وهو المشبّ هنا. وجهة الشبة هو التميّز هنا وهناك.

٢٠٨

السعودية. فهي كتب ومصنّفات، يصعب إحصاؤها؛ لكثرتها ووفرتها، واستمرارية ظهروها في الأسواق. وتحظى بعض دواوين الشعر الرثائي الشعبي، باهتمام خاص، وشهرة، ما عُرف بجزالة اللفظ، وروعة التصوير، واتقاد العاطفة. إنّ للشعر الشعبي الذي قيل في الإمام الحسين، مجالات واسعة للحديث، تخرج بنا عن خطّة هذا البحث حتى صارت، بعض مقاطع الشعر الحسيني الشعبي أمثلة، تردّدها الألسن في مناسباتها.

وعلى خطيب المنبر الحسيني، أنْ يختار القصيدة الملائمة للمناسبة التي يحييها. إذ لكلّ ليلة من الليالي العشر الأوائل، من المحرّم، قصائد خاصة بها، كما أنّ قصائد العشرة الثانية من المحرّم، إلى نهاية شهر صفر، تركز على حالة السبايا بعد العاشر من المحرّم.

في حين أنّ لوفيّات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأهل البيتعليهم‌السلام قصائد خاصة، في كلّ مناسبة)(١) .

ومن النتائج الإيجابية، لتعامل خطباء المنبر الحسيني مع الشعر، وتذوّقهم لغرره؛ نمو الحسّ الأدبي، وتفتح القريحة الشعرية، عند العديد منهم. فقلّما نجد خطيباً حسينياً مشهوراً، لا يكتب شعراً أو هو شاعر بالفعل، مسلّم بشعره وإجادته.

ولو رجعنا إلى الشكل التوضيحي السابق، لرأينا أنّ هذه الفقرة. أي القصيدة. خطّطت بخط متقطّع، وهدفي؛ أنْ أوضّح أنّ فقرة القصيدة، لا تعتبر أساسيّة في كل حال.

حيث يمكن الاستغناء عنها، في بعض المجالس، مثل مجالس

____________________

(١) يضاف إلى ذلك مجالس تأبين الموتى، حيث تقرأ قصائد الوعظ والإرشاد. وسيأتي لاحقاً تفصيل هذه المجالس ومناسباتها في فقرة (مواسم الخطابة الحسينيّة).

٢٠٩

شهر رمضان الفضيل. كما أنّ الاهتمام بالقصيدة، يختلف من بيئة إلى أخرى. فمجالس الطبقات المثقّفة، وبعض تجمّعات المغتربين، وبعض المجالس المهمّة في المدن الشيعية الكبرى، قد تستغني عن القصيدة. حيث يبدأ الخطيب بمحاضرته مباشرة بعد المقدّمة.

وكان ممّا ميّز أشر خطيب حسيني معاصر، وهو الدكتور الشيخ أحمد الوائلي، أنّه لا يبدأ بقصيدة رثاء، وإذا أراد ذلك اكتفى ببعض أبيات، تقرأ بهدوء واسترسال. إذا ما تطلب الموقف ذلك، مثل مجلس ليلة عاشوراء.

في حين، تعتبر القصيدة أمراً أساسيّاً في مجالس العشرة الأولى من المحرّم، بل وفي كل مجلس، في مآتم منطقة الخليج، ومجالس لبنان وأغلب مجالس التأبين، ومجالس البيوت الخاصّة.

٣ - المحاضرة

كان من نتائج التطوّرات، التي حدثت على المنبر الحسيني، أنّه لم يعد مقتصراً على الجانب المأساوي والعاطفي لأحداث كربلاء. فقد تحوّل المنبر إلى مؤسّسة ثقافيّة وتربوية بارزة، في الأوساط الشيعية. وأخذ المشرفون على إقامة المنابر الحسينيّة، ومعهم طبقات الواعين والمثقّفين، يولون شروطاً أخرى، في خطيب المنبر الحسيني، الذي يُرشّح لإحياء مناسبة ما، غير شروط أجادة إنشاد الشعر الرثائي، والتفنن في الجانب العاطفي الحزين.

وتمثلت تلك الشروط الجديدة، بثقافة خطيب المنبر الحسيني، وتمكّنه من معالجة القضايا التي تهمّ الإنسان، من قضايا تربوية أو سلوكيّة، أو اجتماعيّة، أو اقتصاديّة، وحتى سياسيّة أو جهاديّة، إذا سمحت الظروف بذلك، أو اقتض الحاجة والمصلحة العامّة.

٢١٠

إنّ ثقافة الخطيب، وسعة معلوماته، صارت شرطاً أساسيّاً في المجالس المهمّة، والرئيسيّة، في العالم الشيعي، حيث (قد غدت هذه الدراسات الإسلاميّة، والقرآنيّة في بلاد كثيرة، ولدى مساحات واسعة من الرأي العام، مقياساً تعتمد عليه الجماهير، في الإقبال على المأتم الحسيني، أو انكفائها عنه، كما أنّ المقياس يعتمد، في اختيار الخطيب الحسيني، المجوّد في هذا الشأن)(١) .

لقد غدت مسألة اختيار خطيب المنبر الحسيني، المثقّف، والمربّي، والقادر على معالجة حاجات العصر، غدت مسألة يهتم بها المشرفون على إقامة المجالس الحسينيّة، ولاسيما العلماء منهم.

وكمثال، فقد ورد في ترجمة الشيخ حسين معتوق العاملي (١٣٣٠ - ١٤٠١ هجرية)، وبيان نوعي اهتماماته، حينما عاد إلى بيروت، قادماً من النجف الأشرف، بعد فترة قضاها في طلب العلم هناك (١٣٤٧ - ١٣٧١ هـ) حيث عاد عالماً في منطقة الغبيري، ببيروت.

إنّ من تلك الاهتمامات؛ كانت مسألة المجالس الحسينيّة، فيذكر: (وفي هذا المجال، يظهر دوره التأسيسي واضحاً، إذ كانت المجالس قل قدومه، وفي الفترة الأولى لاستقراره في بيروت. بدائيّة سطحية، لا تتناسب مع مستوى هذه الذكرى، ومعطيات تلك الثورة العظيمة، فكان دائماً (ما) يفكّر في تطويرها، بحيث تلتقي مع المستوى الثقافي، الذي كان يرتقي شيئاً فشيئاً، في بيروت وخاصة على صعيد الشباب، وبالأخص طلاب الجامعات، فكان أنْ اهتدى أخيراً إلى فكرة استقدام قارئ من أفذاذ النجف الأشرف، التي يتخصّص فيها، بعض أصحاب الكفاءات، في قراءة المجالس الحسينية، ويتفرّغون لكيفيّة تطويرها، بحيث تتلاءم مع هذا الزمن)(٢) .

____________________

(١) شمس الدين، محمد مهدي: ثورة الإمام الحسين في الوجدان الشعبي، ص٢٦٦.

(٢) معتوق، أحمد: الحسين مهاجراً وثائراً، ص١٣.

٢١١

إنّ عظَم مهمّة خطيب المنبر الحسيني وأهمّيتها في المجالات، الثقافيّة، والتربويّة، والاجتماعية، وغيرها، أملت عليه أنْ يجهد نفسه، ويتعبها في المطالعة المستمرّة، والدراسات العلمية المتواصلة، ومتابعة الإصدارات الثقافيّة، والأدبية، والإسلاميّة العامّة. كما صار الخطيب الذي يريد لمنبره أنْ يكون نافعاً ومستقطباً للجماهير، أنْ يعيش في حالة طوارئ ثقافية وفكريّة - إنّ صحّ التعبير - فهو دائم الملاحظة يسجّل الشاردة والواردة، لا يمرّ به بيت شعر يُمكن توظيفه في محاضرته إلاّ وسجّله، أو فكرة هنا، أو خبر علمي هناك، أو فقرة ثقافيّة أو فكريّة يجدها في كتاب أو مقالة، إلاّ أودعه في دفتر ملاحظاته.

ولكلّ خطيب من خطباء المنبر الحسيني، مجموعة خاصّة به، يسجل فيها كل ما يُمكن، أنْ يُغني محاضراته. وسنأتي على مزيد من توضيح هذه النقطة، في فقرة أخرى، حينما نتحدّث عن الأوصاف المطلوبة في خطيب المنبر الحسيني.

فقد المحاضرة، تبدأ عادة إمّا بآية من القرآن الكريم، أو حديث شريف، أو مقطوعة من نهج البلاغة، أو ربّما بيت أو بيتين من الشعر، ثمّ يشرع الخطيب بعد ذلك بالشرح، وبيان ما يمكنه استفادته من النصّ في جوانب عدّة. وينقل مستمعيه، من فكرة إلى أخرى، ومن قضية إلى ثانية، مستعيناً في ذلك، بالشواهد الأدبية والتاريخية، وربّما العلمية، وبعض الإحصائيات، بما يوضّح الفكرة من جهة، وبما يرفع الملل والسأم عن المستمعين من جهة أخرى.

بل، وقد نجد بعض الخطباء، أحياناً، يذكرون بعض اللطائف الخفيفة، وربّما يضحك المستمعون لها(١) ، من أجل شدّ الأذهان،

____________________

(١) لم يعد خطيب المنبر الحسيني محصوّراً في حقل إنشاد الشعر الرثائي أو قراءة مقطع من أحداث واقعة كربلاء، بل توسّع الأمر ليتحوّل المنبر الحسيني إلى محاضرات تلقى فيها موضوعات مختلفة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ البعد الزمني للمنبر الحسيني =

٢١٢

ورفع حالة الملل، أو الرتابة، عن أجوا المحاضرة.

ويتميّز الخطباء في قوّة الطرح، ويتفاوتون فيما بينهم. فهذا الخطيب يُعرف عنه بأنّه صاحب منهج في تفسير القرآن الكريم، وخطيب آخر، يعرف عنه، أنّه خطيب يهتم بالجوانب العلمية الحديثة وربطها بالإسلام، وثالث يغلب على محاضراته والوعظ والإرشاد أو الأبحاث التاريخيّة وهكذا(١) .

وهناك مجالس تُعقد في تأبين الموتى، وفيها يركّز الخطيب، على مجالات الوعظ، وذكر الموت والآخرة.

٤ - التخلّص

وهي الفقرة الرابعة، من فقرات المنبر الحسيني، في عصره الأخير. والتخلّص هنا بمعنى؛ انتقال خطيب المنبر الحسيني، من المحاضرة التي كان يلقيها، والموضوع الذي كان يتناوله، إلى أجواء الحزن والبكاء على الإمام الحسينعليه‌السلام والذي يختم بها محاضرته. ويتم هذا الانتقال، بطريقة فنّية، وأُسلوبٍ انسيابي، بحيث لا يشعر المستمع، إلاّ وقد نقله الخطيب، من أجواء تلك المحاضرة، وآفاقها المختلفة، إلى أجواء كربلاء وأحداثها المحزنة.

إنّ هذه الطريقة تسمّى (التخلّص)، أي يتخلّص من موضوعه،

____________________

= شهد توسّعاً كذلك، حيث لم يعد الزمن محصوراً بأيام عاشوراء ذات البعد العاطفي الواضح، بل راح المنبر الحسيني يغطّي محاضرات في كل شهور السنة. وهذا ما يفسّر حاجة المحاضرة أحياناً للطيفة تطرح بشكل عابر في أثناء المحاصرة. إنّ البكاء أصبح فقرة تأتي في آخر المحاضرة. وقد يمتدح بعض خطباء المنبر الحسيني، بأنّه يمتلك قدرة فاقئة في نقل الحاضرين من أجواء الضحك إلى أجواء البكاء (المصنّف).

(١) سيأتي بيان المدارس الخطابية الحاليّة في الفصل الخامس، من هذا البحث.

٢١٣

إلى موضوع آخر، وقد ورد في لسان العرب: خَلَصَ (الشيء)، يَخلَصُ خُلُوصاً وخَلاصاً، إذا كان قد نشب ثمّ نجا وسلِم، والتخليص: التّنجِيَة من كل منشَب(١) .

و(التخلّص، أمر معروف في الشعر العربي، منذ أقدم العصور. فكلّما شعر السامع، بأنّه يعيش بأجواء ذهنية، ونفسية، متجانسة، مع الانتقال، من موضوع إلى آخر، كان دليلاً على توفيق الشاعر، وإجادته وإحسانه، والشواهد على التخلّص، في الشعر العربي، أكثر من أنْ تحصى، ومنها قول زهير بن أبي سلمى(٢) :

إنّ البخيل ملومٌ حيث كان ولـ

ـكنّ الجواد على علاّته هَرِمُ(٣) .

إنّ الخطيب الحسيني المُبدع، هو ذلك الخطيب، الذي يحسن كيفيّة نقل مستمعيه، من أجواء محاضراته إلى أجواء كربلاء. بأنّ يجد مسألة متشابهة، بين محاضرته، وبين مفردةٍ أو موقف، جرى في كربلاء وأحداثها. فإذا كان الخطيب يتحدَث - فرضاً - عن الطفل في المنظور الإسلامي، وكيفية تربيته، كعنوان لمحاضرته، فإنّ عليه أنْ يربط، نهاية هذه المحاضرة، وبطريقة فنّية، مع طفل الإمام الحسينعليه‌السلام ، الذي رُمي يوم عاشوراء، وقتل وهو في أحضان أبيه(٤) . كأن يقول - مثلاً - وهو يذكر اهتمام الإسلام بالطفل ورعايته..

____________________

(١) ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب، ٧ / ٢٦.

(٢) زهير بن أبي سلمى بن ربيعة بن رباح المزني: شاعر جاهلي من أصحاب المعلّقات شعره يميل إلى الحكمة. وذكر في معلقته سعيه نحو الصلح. ولد نحو ٥٣٠م توفّي نحو ٦٠٩م. (الزركلي، خير الدين: الأعلام: ٣ / ٥٢).

(٣) شمس الدين، محمد مهدي: ثورة الإمام الحسين في الوجدان الشعبي، ص٣٠٠.

حيث تخلّص الشاعر (زهير) من موضوع ذمّ البخيل إلى مدح صاحبه الجواد، وهرم هذا، اسم رجل كان صاحباً لزهير واسمه: هرم بن سنان بن أبي حارثة المري (راجع ابن منظور - لسان العرب ١٢ / ٦٠٨).

(٤) جاء في تذكرة الخواص، في ذكر من قتل مع الحسينعليه‌السلام من أهله: (وقُتل عبد الله بن الحسين، وأمّة الرباب بنت امرئ القيس...) (سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي، =

٢١٤

هكذا هي مفاهيم الإسلام، وتعاليمه في حق الطفل والطفولة، ولكن لا أعلم - والحديث لا يزال للخطيب الحسيني - أين ذهبت هذه التعاليم، ولماذا لم تُرعَ مع أطفال الحسين يوم عاشوراء؟، نعم لقد نسيُت تعاليم السماء، مع ذرّية وأبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كربلاء..

ثمّ يزيد خطيب المنبر الحسيني، من تفصيلات ذلك، وكيف جاء الإمام الحسين حاملاً لطفله، يطلب له الماء. وبهذا نقل الجمهور من محاضرة عامّة حول الطفل وحقوقه، إلى مسألة خاصة، بأحداث عاشوراء، وهي مسألة قتل طفل من أطفال الحسينعليه‌السلام . (وسنورد، في نهاية هذا الفصل، نموذجاً لمحاضرة من محاضرات المنبر الحسيني).

وكلّما كان خطيب المنبر الحسيني، مطّلعاً على تفاصيل أحداث كربلاء، وسيرة الحسينعليه‌السلام ، وكل ما يتعلّق بحركته، كان أقدر على اختيار وجه الشبه المناسب، الذي يعتبره جسراً ينتقل عليه من محاضرته، إلى أجواء المصيبة.

يُضاف إلى ذلك، حسّ الخطيب الأدبي، وتجربته الطويلة، وبما استفاده من أساتذته وربّما من خطباء آخرين مثله.

____________________

= تذكرة الخواص ص٢٢٩).

وفي البداية والنهاية: (ثمّ إنّ الحسين أعيا، فقعد على باب فسطاطه، وأُتي بصبي صغير من أولاده، اسمه عبد الله، فأجلسه في حجره، ثمّ جعل يقبّله ويشمّه ويودّعُه، ويوصي أهله، فرماه رجل من بني أسد يقال له ابن موقد النار بسهم فذبح ذلك الغلام...) (ابن كثير، إسماعيل الدمشقي، البداية والنهاية، ٨ / ٢٠٣).

وأورد الطبري حديثاً للإمام محمد بن عليّ بن الحسينعليه‌السلام مع رجل من بني أسد قال فيه:(إنّ لنا فيكم يا بني أسد دماً) ، ولما سألهُ الأسدي عن ذلك قال:(أُتيَ الحسين بصبيّ له فهو فيّ حجره، إذا رماه أحدكم يا بني أسد، بسهم فذبحه فتلقّى الحسين دمه فلمّا ملأ كفّيه صبّه في الأرض...) (الطبري، محمد بن جرير: تاريخ الأمم والملوك، ٤ / ٣٤٢). ويمكن كذلك مراجعة تاريخ اليعقوبي، ٢ / ١٥٨. ومقتل الخوارزمي ٢ / ٣٧ وغيرها من المصادر.

٢١٥

إنّ فقرة التخلّص في المنبر الحسيني، هي من التطوّرات الشكلية والفنّية، التي طرأت عليه في المرحلة الأخيرة، من مراحل تطوّره.

ومرّ بنا، في ترجمة الخطيب الشيخ كاظم سبتي (ت: ١٣٤٠ هـ)، في نهاية الفصل الثالث، إنّ المترجم له هو أوّل من ابتكر هذه الطريقة، والأسلوب الفنّي، في أداء المنبر الحسيني، وقد تطوّر التخلّص، مع تراكم الخبرات، وتجارب كبار خطباء المنبر الحسيني، حتى تميّز به بعض الخطباء، حيث يشيد به الناس، ويقولون: إنّ أُسلوب الخطيب الفلاني في التخلّص، فنّي ودقيق جدّاً، وعاطفي بشكلٍ واضح.

لقد أُلّفتْ بعض الكتب، التي يمكن أنْ تُعَدّ مصدراً لمجموعة كبيرة من حالات (التخلّص)، التي يحتاج إليها خطيب المنبر الحسيني ولاسيما المبتدئ منهم(١) .

إنّ توسّع آفاق المنبر الحسيني، وتناوله لأبعاد مختلفة للحياة، قد وسّعت من مجالات الاستفادة من أدق تفاصيل واقعة كربلاء. إنّ (باستطاعة المرء، أنْ يتحدّث عن أي شيء ثمّ يربطه بكربلاء.. كربلاء لها علاقة بكل شيء في الحياة)(٢) .

وفي الأوساط الشعبية العراقيّة، والخليجيّة، يُعرف التخلّص بلفظ؛ (الگريز) بالكاف الأعجميّة، وهو يعني الانتقال. ويرى بعض شيوخ خطباء المنبر(٣) ، هذا اللفظ جاء من (القريض)، ثمّ صحّف شعبيّاً فصار (الگُريز). إذ يذكر الخطيب بعد التخلّص، أبياتاً في الرثاء، من الشعر الفصيح، أي القريض.

____________________

(١) ومن تلك الكتب كتاب (الخصائص الحسينيّة) لمؤلّفه الشيخ جعفر التستري (ت ١٣٠٣ هجرية).

(٢) هويدي، فهمي: إيران من الداخل، ص٢٢٥.

(٣) هو الخطيب الحسيني المعروف السيد عبد الزهراء الحسيني، صاحب كتاب مصادر نهج البلاغة وأسانيده (ت ١٤١٤ - ١٩٩٤).

٢١٦

٥ - المصيبة

سبق وعرفنا أنّ المنبر الحسيني، إنّما نشأ أساساً في بداياته البسيطة، لأجل تذكّر الأحداث المؤلمة والمفجعة، التي مرّ بها الحسين وأهل بيته، ثمّ يُتلى الشعر الرثائي المذكر بذلك، فيتفاعل الحاضرون بالبكاء والحسرة وهو ما نعنيه بـ (المصيبة) هنا.

ومع كل التطوّر، الذي طرأ على المنبر الحسيني، وتوسّع الأمور التي يعالجها في أبحاثه، فإنّ عنصر المصيبة، وذكرها مع ما يناسبها من شعر رثائي حزين، وتصوير ذلك تصويراً عاطفيّاً، يبقى هو العنصر الثابت، في كل مراحل تطوّر المنبر الحسيني.

فإذا كان المنبر الحسيني في بدايته، لا يعني سوى الشعر الرثائي والحزن والبكاء، فإنّ هذه الفقرة لم تُلغَ، وإنّما تحرّكت لتصير في نهاية محاضرة المنبر الحسيني اليوم. إذ لابدّ لكل خطيب، من خطباء المنبر الحسيني، أنّ يذكر حادثة أو موقفاً ما من الحوادث والمواقف المحزنة، ويصوغها صياغة عاطفيّة متقنة، مع تهيئة ما يناسبها من شعر رثائي، بالأُسلوبين الفصيح والشعبي، وبأطوار وطرق خاصّة، فيتفاعل معها الحاضرون باللوعة والبكاء.

وإنّ ممّا يعين خطيب المنبر الحسيني، على اختيار الحدث المأساوي المناسب، مع محاضرته التي كان يتناولها، ويريد أنْ ينتقل منها إلى فترة المصيبة، ما يعينه على ذلك ما تركه الشعراء من شعر رقيق، قد تناول أدق التفاصيل، التي جرت للحسين وأهل بيته وأصحابه، وحال نسائه بعد شهادته. فهناك شعر رثائي، يتناسب مع كل حدث من أحداث حركة الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ منذ خروجه إلى مكة من المدينة، وحتى أحداث كربلاء ثمّ العودة إلى المدينة.

وفي فقرة المصيبة هذه، تظهر كفاءة الخطيب، ومقدرته الفنية،

٢١٧

على تصوير الواقعة، وبأطوارٍ، وطرق إنشاد حزينة، بما يجعل جمهور المجلس يتجاوبون معه عاطفياً. ينقل أحد الأدباء المصريّين، تأثره وبكاءه، حينما حضر عند أحد خطباء المنبر الحسيني، بقوله: (وصديقنا الأستاذ محمد نجيب زهر الدين، هو خطيب منبر الحسين، وفارسهُ المظفّر، وقد جلسنا إليه وسمعنا منه، فلم نملك للدمع طرفاً فنمنعه أنْ يسيل، ولا للقلب جلداً فنحبسهُ أنْ يطير، ولا للنفس مسكةً، فنبقي عليها دون أنْ تتمزّق أو تتفرّق...)(١) وكلّما كان الخطيب أقدر على إذكاء العاطفة، واستدرار الدموع، كان هو المطلوب الأكثر، وصاحب الحظ الأوفر. حيث تنهال عليه الطلبات، في إحياء مواسم المنبر الحسنين هنا وهناك.

إنّ المجالس الشعبية، ومجالس القُرى، وبعض المجالس التي تُعقد في البيوت، تعتبر المصيبة، وعذوبه صوت الخطيب الحسيني، وإجادته في عرض أحزان كربلاء، هي أهم ما يطلب في الخطيب. أمّا في مجالس الطبقات المثقّفة، والتي يشرف عليها الواعون من علماء ورساليين، والتي عادة ما تكون في المدن الكبرى والمراكز الإسلاميّة المهمّة، وبعض تجمّعات المغتربين، فإنّ محاضرة الخطيب تعتبر هي الأهم في اختياره، مع عدم إغفال جانب المصيبة، التي تبرز أهميتها، وبشكل واضح في مجالس عاشوراء، حيث موسم الحزن والأسى الأبرز، في مواسم المنبر الحسيني.

إنّ اختيار المصيبة ونوعيتها يختلف من مناسبة لأخرى، ومن موسم خطابي لآخر..

فالخطيب، يكون حرّاً في اختيار المصيبة، التي يختم بها

____________________

(١) سيد الأهل، عبد العزيز: زينب عقيلة بني هاشم - ص١٠، والطَرفْ: العين، الجلَد: الصبر، مسكة: بقيّة.

٢١٨

محاضرته، في شهر رمضان، أو شهر صفر، أو تلك التي تعقد في العشرة الثانية، والثالثة من المحرّم، وبشكل أقل. بل وفي كل المجالس التي تعقد طوال السنة.

أمّا العشرة الأولى من المحرّم، فإنّ الخطيب ملزم، بأنْ ينهي محاضرته في كل ليلة، بنقطة خاصة، وحديث معيّن، يتعلّق بحركة الإمام الحسين، وأبرز شهداء كربلاء. فمع إنّ كل شهداء كربلاء قتلوا في يومٍ واحد وهو يوم عاشوراء سنة ٦١ هـ. إلاّ أنّه جرت العادة، على أنْ تنتهي محاضرات ومجالس العشرة الأولى من المحرّم، على الشكل التالي:

في الليلة الأولى: في أهمية إقامة المآتم الحسينية، وفوائدها، وحثّ أئمّة أهل البيت، شيعتهم عليها. (وكأمثلة على ذلك ما أوردناه في ص٨١ وما بعدها).

في الليلة الثانية: خروج الإمام الحسينعليه‌السلام من المدينة، ووداعه قبر جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأهل بيته.

في الليلة الثالثة: خروج الإمام الحسينعليه‌السلام ، من مكة، يوم ٨ من ذي الحجّة، وبكاء المودعين له.

في الليلة الرابعة: وصول الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء، ومحاصرة الجيش الأموي له.

في الليلة الخامسة: حركة مسلم بن عقيل(١) بن أبي طالبعليه‌السلام واستشهاده في الكوفة.

____________________

(١) مسلم بن عقيل بن أبي طالب أمّه أمّ ولد تسمّى عليّة، أرسله الإمام الحسين إلى الكوفة لمّا راسله أهلها، يطلبون مجيئه إليهم، وصل الكوفة وبايع له ثمانية عشر ألف رجل، ثمّ قتل بعد ذلك في ٨ ذي الحجّة ٦٠ للهجرة وقبره مشهور في الكوفة. (الزنجاني، إبراهيم: وسيلة الدارين في أنصار الحسين، ص٢٣٤).

٢١٩

في الليلة السادسة: أنصار الحسين، ومواقفهم، واستبسالهم في شهادتهم.

في الليلة السابعة: في استشهاد العباس(١) بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

في الليلة الثامنة: في استشهاد القاسم(٢) بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

في الليلة التاسعة: في استشهاد علي الأكبر(٣) بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

في الليلة العاشرة: في استشهاد الطفل الرضيع(٤) عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب. أو وداع الحسينعليه‌السلام عياله وأطفاله يوم عاشوراء(٥) .

أمّا بالنسبة للمجالس، التي تعقد في وفيّات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأهل البيت من الأئمّةعليهم‌السلام ، فإنّ المصيبة، تنتهي بذكر وفاته والحزن الذي تركه، ثمّ يُعرّج إلى واقعة كربلاء. في حين أنّ مجالس تأبين الموتى، تُختم بمصيبة الحسينعليه‌السلام ، إذا كان المتوفّي رجلاً ومصيبة علي

____________________

(١) العباس بن علي بن أبي طالب أمّه فاطمة بنت حزام الكلابية، ولد سنة ٢٦ للهجرة وهو أكبر مَن قُتل من أولاد علي والهاشميين، يوم عاشوراء، كان يحمل لواء الحسين. قُتل في كربلاء سنة ٦١ للهجرة، وقبره معروف وبارز. (المصدر نفسه، ص٢٦٤).

(٢) القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، أمّه ولد تسمّى رملة، ولد في المدينة سنة ٤٧ للهجرة. قُتل مع عمّه الحسين وله ثلاث عشرة سنة. (المصدر نفسه ٢٧٧).

(٣) علي الأكبر بن الحسين، ولد سنة ٤٢ للهجرة، أُمّه ليلى بنت مرّة الثقفية، قتل مع أبيه الحسين في عاشوراء ٦١ للهجرة. (المصدر نفسه، ص٢٨٥).

(٤) عبد الله بن الحسين: طفل رضيع، أمع تسمّى الرباب بنت امرئ القيس الكلابية. قُتل في حِجر أبيه الحسين، وله ستة أشهر. (المصدر نفسه، ص٢٨٠).

(٥) هذا الترتيب لموضوعات المنبر الحسيني في العشرة الأولى من المحرّم هو الأشهر، وقد يوجد بعض التغيير في تقديم موضوع ليلة على أخرى، في بعض الأقاليم الشيعية. (الوحدة الثقافية المركزيّة - زاد المنبر الحسيني).

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

٨٤ ـ في مجمع البيان وعن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: كل معروف صدقة وما وقى الرجل به عرضه فهو صدقة، وما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامنا إلّا ما كان من نفقة في بنيان أو معصية.

٨٥ ـ وعن أبي أمامة قال: انكم تأولون هذه الآية في غير تأويلها( وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والا فصمنا يقول: إياكم والسرف في المال والنفقة وعليكم بالاقتصاد فما افتقر قوم قط اقتصدوا.

٨٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثنا علي بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن حسان عن هاشم بن عمار يرفعه في قوله:( وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ ) قال:( كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) رسلهم معشار ما آتينا محمدا وآل محمدعليهم‌السلام .

٨٧ ـ حدّثنا جعفر بن أحمد قال حدّثنا عبد الكريم بن عبد الرحيم عن محمد بن علي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قولهعزوجل :( قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) قال: انما أعظكم بولاية عليٍّ هي الواحدة التي قال اللهعزوجل .

٨٨ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشا عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قوله تعالى:( قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) فقال: انما أعظكم بولاية عليٍّعليه‌السلام هي الواحدة التي قال الله تبارك وتعالى( إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) .

٨٩ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه واما قوله:( إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) فان الله جل ذكره أنزل عزائم الشرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة فكان أول ما قيدهم به الإقرار بالوحدانية والربوبية والشهادة بان لا اله إلّا الله، فلما أقروا بذلك تلاه بالإقرار لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة والشهادة له بالرسالة، فلما انقادوا لذلك فرض عليهم الصلوة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم

٣٤١

الزكاة ثم الصدقات وما يجرى مجراها من مال الفيء، فقال المنافقون: هل بقي لربك علينا بعد الذي فرض علينا شيء آخر يفترضه فتذكره لتسكن أنفسنا إلى انه لم يبق غيره؟ فأنزل الله في ذلك:( قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) يعنى الولاية فانزل الله:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) .

٩٠ ـ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب الباقر والصادقعليهما‌السلام في قوله تعالى:( قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) قال: الولاية أنْ تقوموا لله مثنى قال: الائمة وذريتهما(١) .

٩١ ـ في روضة الكافي علي بن محمد عن علي بن العباس عن علي بن حماد عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله اللهعزوجل :( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) قال: من تولى الأوصياء من آل محمد واتبع آثارهم فذلك يزيده ولاية من معى من النبيين والمؤمنين الأولين، حتى يصل ولايتهم إلى آدمعليه‌السلام ، وهو قول اللهعزوجل :( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها ) ندخله الجنة وهو قولهعزوجل :( قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) يقول: أجر المودة التي لم أسألكم غيره فهو لكم تهتدون به، وتنجون من عذاب يوم القيامة، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٩٢ ـ في مجمع البيان( قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) إلى قوله وقال الماوردي: معناه أنّ أجر ما دعوتكم إليه من إجابتي وذخره هو لكم دوني وهو المروي عن أبي جعفرعليه‌السلام .

٩٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سأل قومه أنْ يودوا أقاربه ولا يؤذونه، واما قوله: «فهو لكم» يقول: ثوابه لكم.

٩٤ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان قال: أو لم اسمعيل فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : عليك بالمساكين فأشبعهم، فان الله

__________________

(١) كذا.

٣٤٢

عزوجل يقول: وما يبدئ الباطل وما يعيد.

٩٥ ـ في مجمع البيان قال ابن مسعود: دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مكة وحول البيت ثلاثمأة وستون صنما فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول:( جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ) .( جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ ) .

في أمالي شيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى عليّ بن موسى عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام مثل ما نقلنا عن مجمع البيان.

٩٦ ـ في مجمع البيان( وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ) قال أبو حمزة الثمالي: سمعت علي بن الحسين والحسن بن علي يقولان: هو جيش البيداء يؤخذون من تحت اقدامهم.

٩٧ ـ وروى عن حذيفة بن اليمان أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب، قال: فبينما هم كذلك يخرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فورد ذلك حتى ينزل دمشق فيبعث جيشين جيشا إلى المشرق وآخر إلى المدينة حتى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة يعنى بغداد، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويفضحون أكثر من مأة امرأة، ويقتلون فيها ثلاثمأة كبش من بنى العباس، ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخرجون ما حولها ثم يخرجون متوجهين إلى الشام فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم، ويحل الجيش الثاني بالمدينة فينهبونها ثلاثة أيام بلياليها، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبرئيل فيقول: يا جبرئيل اذهب فأبدهم فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم عندها ولا يفلت منهم إلّا رجلان من جهينة فلذلك جاء القول: «وعند جهينة الخبر اليقين» فلذلك قوله:( وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا ) إلى آخره أورده الثعلبي في تفسيره، وروى أصحابنا في أحاديث المهدي عن أبي جعفر وأبى عبد اللهعليهما‌السلام مثله.

٩٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقال علي بن إبراهيمرحمه‌الله في قولهعزوجل :( وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ ) فانه حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس

٣٤٣

عن أبي خالد الكابلي قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : والله لكأنى انظر إلى القائم وقد أسند ظهره إلى الحجر ثم ينشد الله حقه ثم يقول: يا ايها الناس من يحاجني في الله فانا أولى بالله، ايها الناس من يحاجني في آدم فانا اولى بآدم، ايها الناس من يحاجني في نوح فانا اولى بنوح، ايها الناس من يحاجني بإبراهيم فانا اولى بإبراهيم، ايها الناس من يحاجني بموسى فانا أولى بموسى، ايها الناس من يحاجني بعيسى فانا اولى بعيسى، ايها الناس من يحاجني بمحمد فانا اولى بمحمد ايها الناس من يحاجني بكتاب الله فانا اولى بكتاب الله، ثم ينتهى إلى المقام فيصلى ركعتين وينشد الله حقه، ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام : هو والله المضطر في كتاب الله في قوله:( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ ) فيكون اولى من يبايعه جبرئيل، ثم الثلاثمأة والثلاثة عشر، فمن كان ابتلى بالمسير وافي، ومن لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه، وهو قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : هم المفقودون عن فرشهم، وذلك قول الله:( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً ) قال: الخيرات الولاية وقال في موضع آخر:( وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ) وهم أصحاب القائم صلوات الله عليه يجتمعون والله إليه في ساعة واحدة، فاذا جاء إلى البيداء يخرج إليه جيش السفياني، فيأمر اللهعزوجل الأرض فتأخذ باقدامهم وهو قولهعزوجل :( وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وَقالُوا آمَنَّا بِهِ ) يعنى بالقائم من آل محمد صلوات الله عليهم وانى لهم التناوش من مكان بعيد وحيل بينهم وبين ما يشتهون يعنى أنْ لا يعذبوا كما فعل بأشياعهم يعنى من كان قبلهم من المكذبين هلكوا من قبل انهم كانوا في شك مريب.

٩٩ ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل :( وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ ) قال: من الصوت وذلك الصوت من السماء وقولهعزوجل :( وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ) قال: من تحت اقدامهم خسف بهم.

١٠٠ ـ أخبرنا الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن ابن محبوب عن أبي حمزة قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قولهعزوجل :( وَأَنَّى لَهُمُ

٣٤٤

التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ) قال انهم طلبوا الهدى من حيث لا ينال وقد كان لهم مبذولا من حيث ينال.

بسم الله الرحمن الرحيم

١ ـ في كتاب ثواب الأعمال باسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: الحمدين حمد سبأ وحمد فاطر من قرأهما في ليلة لم يزل في ليلته في حفظ الله وكلائته، فمن قرأهما في نهاره لم يصبه في نهاره مكروه، واعطى من خير الدنيا وخير الاخرة ما لم يخطر على قلبه ولم يبلغ مناه.

٢ ـ في مجمع البيان أبي بن كعب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: من قرأ سورة الملائكة دعته يوم القيامة ثلاثة أبواب من الجنة أنْ ادخل من أي الأبواب شئت.

٣ ـ في كتاب الخصال في احتجاج عليٍّعليه‌السلام على أبي بكر قال: فأنشدك بالله أخوك المزين بالجناحين في الجنة يطير بهما مع الملائكة أم أخى؟ قال: بل أخوك.

٤ ـ وفيه في احتجاج عليٍّعليه‌السلام يوم الشورى على الناس: نشدتكم بالله هل فيكم أحد له أخ مثل أخى جعفر المزين بالجناحين في الجنة يحل فيها حيث يشاء غيري؟ قالوا: أللّهمّ لا.

٥ ـ وفيه أيضا في مناقب أمير المؤمنين وتعدادها قالعليه‌السلام : واما السادسة والعشرون فان جعفرا أخي الطيار في الجنة مع الملائكة المزين بالجناحين من در وياقوت وزبرجد.

٦ ـ وفيه أيضا فيها قالعليه‌السلام : واما الثامنة والأربعون فان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتانى في منزلي ولم نكن طعمنا منذ ثلاثة أيام، فقال: يا عليُّ هل عندك شيء؟ فقلت: والذي أكرمك بالكرامة واصطفاك بالرسالة ما طعمت وزوجتي وابناي منذ ثلاثة أيام فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فاطمة ادخلى البيت وانظري هل تجدين شيئا؟ فقالت: خرجت الساعة فقلت: يا رسول الله ادخله أنا، فقال: ادخل وقل: بسم الله، فدخلت فاذا انا

٣٤٥

بطبق موضوع عليه رطب وجفنة(١) من ثريد فحملتها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا عليُّ رأيت الرسول الذي حمل الطعام؟ فقلت: نعم، فقال صفه لي فقلت: من بين أحمر وأخضر وأصفر، فقال: تلك خطط جناح جبرئيل مكللة بالدر والياقوت، فأكلنا من الثريد حتى شبعنا فما أرى الاخدش أيدينا وأصابعنا، ولم ينقص من الطعام شيء فحصنى الله بذلك من بين أصحابه.

٧ ـ عن يحيى بن وثاب عن ابن عمر قال: كان على الحسن والحسين تعويذان حشوهما من زغب(٢) جناح جبرئيلعليه‌السلام .

٨ ـ عن محمد بن طلحة باسناده يرفعه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: الملائكة على ثلاثة أجزاء: فجزء لهم جناحان، وجزء لهم ثلاثة أجنحة، وجزء لهم أربعة أجنحة.

٩ ـ عن ثابت بن أبي صفية قال: قال علي بن الحسينعليه‌السلام : رحم الله العباس يعنى ابن عليّ فلقد آثر أبي وفدى أبي بنفسه قطعت يداه فأبد له الله بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وان للعباس عند الله تبارك وتعالى لمنزلة يغبطه بهما جميع الشهداء يوم القيامة.

١٠ ـ عن زيد بن وهب قال: سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن قدرة اللهعزوجل فقام خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال: إنّ لله تبارك وتعالى ملائكة لو أنَّ ملكا منهم هبط إلى الأرض ما وسعته لعظم خلقته وكثرة أجنحته، ومنهم من لو كلفت الجن والانس أنْ يصفوه ما وصفوه لبعد ما بين مفاصله وحسن تركيب صورته، وكيف يوصف من ملائكته من سبعمائة عام ما بين منكبيه وشحمة أذنيه، ومنهم من يسد الأفق بجناح من أجنحته دون عظم بدنه، ومنهم من السموات إلى حجزته(٣) ومنهم من قدمه على غير قرار في جو الهواء الأسفل والأرضون إلى ركبتيه، ومنهم من لو ألقى

__________________

(١) الجفنة: القصعة وعن الكسائي أنّه قال: أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة تشبع العشرة ثم الصحفة تشبع الخمسة إلى آخر ما ذكره.

(٢) الزغب: صغار الريش وقيل أول ما يبدو منه.

(٣) الحجزة: معقد الإزار.

٣٤٦

في نقرة إبهامه جميعه المياه لوسعتها، ومنهم من لو ألقيت السفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين،( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) .

١١ ـ عن أبي أيّوب الأنصاري عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل يقول فيه للزهراء فاطمةعليها‌السلام : يا فاطمة انا أهل بيت أعطينا سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين قبلنا ولا يدركها أحد من الآخرين بعدنا: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة وهو جعفر، ومنا سبطا هذه الامة وهما ابناك.

١٢ ـ في كتاب التوحيد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: إنّ لله تبارك وتعالى ملكا من الملائكة نصف جسده الأعلى نار ونصفه الأسفل ثلج، فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفي النار، وهو قائم ينادى بصوت له رفيع: سبحان الذي كف حر هذه النار فلا تذيب الثلج، وكيف برد هذا الثلج فلا يطفي حر النار، أللّهمّ [يا] مؤلفا بين الثلج والنار، الف بين قلوب عبادك المؤمنين على طاعتك.

١٣ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى مجاهد قال: قال ابن عباس: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: إنّ الله تبارك وتعالى ملكا يقال له دردائيل، كان له ستة ـ عشر ألف جناح ما بين الجناح والجناح هوى والهوى كما بين السماء والأرض، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٤ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن خالد عن محمد ابن القاسم عن الحسين بن أبي العلا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: يا حسين ـ وضرب بيده إلى مساور(١) في البيت ـ مساور طال ما انكبت عليها الملائكة وربما التقطنا من زغبها.

١٥ ـ محمد عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم قال: حدّثني مالك بن عطية الأحمسي عن أبي حمزة الثمالي قال: دخلت على علي بن الحسينعليهما‌السلام فاحتبست في الدار ساعة، ثم دخلت البيت وهو يلتقط شيئا وأدخل يده من وراء الستر فناوله من

__________________

(١) المساور جمع المسور: متكأمن جلد.

٣٤٧

كان في البيت، فقلت: جعلت فداك هذا الذي تلتقطه أي شيء هو؟ قال: فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا خلونا نجعله سيحا(١) لأولادنا فقلت: جعلت فداك وانهم ليأتونكم؟ فقال: يا أبا حمزة انهم ليزاحمونا على تكأتنا(٢) .

١٦ ـ في بصائر الدرجات أحمد بن موسى عن أحمد المعروف بغزال مولى حرب بن زياد البجلي عن محمد أبي جعفر الحمامي الكوفي عن الأزهر البطيخي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ اللهعزوجل عرض ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام فقبلتها الملائكة وأباها ملكة يقال له فطرس، فكسر الله جناحه فلما ولد الحسين بن عليعليهما‌السلام بعث الله جبرئيل في سبعين ألف ملك إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله يهنئهم بولادته، فمر بفطرس فقال له فطرس: إلى أين تذهب؟ قال: بعثني الله إلى محمّد أهنئهم بمولود ولد في هذه الليلة، فقال له فطرس: احملني معك وسل محمّدا يدعو لي، فقال له جبرئيل: اركب جناحي فركب جناحه فأتى محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله فدخل عليه وهنّأه فقال له: يا رسول الله إنَّ فطرس بيني وبينه اخوة، وسألنى أنْ اسألك أنْ تدعو الله ان أنْ يرد عليه جناحه، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا فطرس أتفعل؟ قال: نعم فعرض عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولاية أمير المؤمنين فقبلها، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : شأنك المهد فتمسح به وتمرغ فيه، قال: فمشى فطرس إلى مهد الحسين بن علي ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو قال رسول الله: فنظرت إلى ريشه وانه ليطلع ويجرى فيه الدم ويطول حتى لحق بجناحه الاخر وعرج مع جبرئيل إلى السماء وصار إلى موضعه.

١٧ ـ أحمد بن الحسين بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي قال: أصبت شيئا كان على وسائد كانت في منزل أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال له بعض أصحابنا: ما هذا جعلت فداك؟ ـ وكان يشبه شيئا يكون في الحشيش كثيرا كأنه جوزة ـ فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : هذا مما يسقط من أجنحة الملائكة ثم قال :

__________________

(١) السيح: ضرب من البرود.

(٢) تكأة ـ كهمزة ـ: أيعتمد عليه حين الجلوس.

٣٤٨

يا عمار إنَّ الملائكة لتزاحمنا على نمارقنا(١) .

١٨ ـ إبراهيم بن هاشم عن عبد الله بن حماد عن المفضل بن عمر قال: دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فبينا انا عنده جالس إذا أقبل موسى ابنهعليهما‌السلام وفي رقبته قلادة فيها ريش غلاظ، فدعوت به فقبلته وضممته إلى ثم قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك أي شيء هذا الذي في رقبة موسى؟ فقال: هذا من أجنحة الملائكة، قال: قلت: وانها لتأتيكم؟ فقال: نعم انها لتأتينا وتعفر في فرشنا، وان هذا الذي في رقبة موسى من أجنحتها.

١٩ ـ أحمد بن الحسين عن الحسن بن برة الأصم عن ابن بكير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: إنَّ الملائكة لتنزل علينا في رحالنا وتنقلب على فرشنا وتحضر موائدنا وتأتينا من كل نبات في زمانه رطب ويابس، وتقلب علينا أجنحتها وتقلب أجنحتها على صبياننا.

٢٠ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قال الصادق صلوات الله عليه: خلق الله الملائكة مختلفة، وقد أتى رسول الله جبرئيلعليه‌السلام وله ستمائة جناح على ساقه الدر مثل القطر على البقل، قد ملاء ما بين السماء والأرض، وقال: إذا أمر اللهعزوجل ميكائيل بالهبوط إلى الدنيا صارت رجله في السماء السابعة والاخرى في الأرضين السابعة وان لله ملائكة أنصافهم من برد، وأنصافهم من نار، يقولون: يا مؤلفا بين البرد والنار ثبت قلوبنا على طاعتك، وقال: إنَّ لله ملكا بعد ما بين شحمة اذنه إلى عينه مسيرة خمسمائة عام بخفقان الطير، وقال: إنَّ الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون وانما يعيشون بنسيم العرش، وان للهعزوجل ملائكة ركعا إلى يوم القيامة، وان للهعزوجل ملائكة سجدا إلى يوم القيامة، ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما من شيء مما خلق اللهعزوجل أكثر من الملائكة وانه ليهبط في كل يوم أو في كل ليلة سبعون ألف ملك، فيأتون البيت الحرام فيطوفون به، ثم يأتون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم يأتون أمير المؤمنين صلوات الله عليه فيسلمون، ثم يأتون الحسين صلوات الله عليه

__________________

(١) نمارق جمع نمرقة: الوسادة الصغيرة يتكأ عليها.

٣٤٩

فيقيمون عنده، فاذا كان عند السحر وضع لهم معراج إلى السماء ثم لا يعودون أبدا.

٢١ ـ وقال أبو جعفرعليه‌السلام : إنّ اللهعزوجل خلق إسرافيل وجبرئيل وميكائيلعليهم‌السلام من تسبيحة واحدة، وجعل لهم السمع والبصر وجودة العقل(١) وسرعة الفهم.

٢٢ ـ وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في خلقه الملائكة وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سمواتك، فليس فيهم فترة، ولا عندهم غفلة، ولا فيهم معصية هم أعلم خلقك بك، وأخوف خلقك منك، وأقرب خلقك منك، وأعملهم بطاعتك لا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، لم يسكنوا الأصلاب ولم يضمهم الأرحام، ولم تخلقهم من ماء مهين، انشأتهم إنشاء فأسكنتهم سمواتك، وأكرمتهم بجوارك، وائتمنتهم على وحيك، وجنبتهم الآفات ووقيتهم البليات، وطهرتم من الذنوب، ولو لا قوتك لم يقووا ولولا تثبيتك لم يثبتوا، ولولا رحمك لم يطيعوا، ولو لا أنت لم يكونوا، اما انهم على مكانتهم منك وطاعتهم إياك ومنزلتهم عندك، وقلة غفلتهم عن أمرك لو عاينوا ما خفي عنهم منك لاحتقروا أعمالهم، ولأزروا على أنفسهم(٢) ولعلموا انهم لم يعبدوك حق عبادتك سبحانك خالقا ومعبودا ما أحسن بلاؤك عند خلقك: ٢٣ ـ في عيون الأخبار في باب فيما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار المجموعة وباسناده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حسنوا القرآن بأصواتكم فان الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا وقرء يزيد في الخلق ما يشاء.

٢٤ ـ في كتاب التوحيد حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن زرارة عن عبد الله بن سليمان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: إنَّ القضاء والقدر خلقان من خلق الله والله يزيد في الخلق ما يشاء.

٢٥ ـ في مجمع البيان( يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ ) وروى أبو هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن.

٢٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد

__________________

(١) هذا هو الظاهر الموافق للمصدر وفي بعض النسخ «وموجود العقل».

(٢) أزرى عليه: عابه وعاتبه.

٣٥٠

عن مالك بن عبد الله بن أسلم عن أبيه عن رجل من الكوفيين عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله:( ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها ) قال: والمتعة من ذلك.

قال عز من قائل( إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) الآية.

٢٧ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى الأصبغ بن نباته قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : قال الله تبارك وتعالى لموسىعليه‌السلام : يا موسى احفظ وصيتي لك بأربعة إلى أنْ قال: والرابعة ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا تأمن مكره.

٢٨ ـ وباسناده إلى أبان الأحمر عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام انه جاء إليه رجل فقال هل: بأبى أنت وأمي عظني موعظة، فقالعليه‌السلام : إنْ كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا؟والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن حسان عن هاشم بن عمار يرفعه في قوله:( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ ) قال: نزلت في زريق وحبتر(١) .

٣٠ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن أسباط عن أحمد بن عمر الحلال عن علي بن سويد عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سألته عن العجب الذي يفسد العمل، فقال: العجب درجات منها أنْ يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ويحسب انه يحسن صنعا.

٣١ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن أسباط عن رجل من أصحابنا من أهل خراسان من ولد إبراهيم بن يسار يرفعه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ الله علم أنّ الذنب خير للمؤمن من العجب، ولو لا ذلك ما ابتلى مؤمن بذنب أبدا.

٣٢ ـ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بينما موسىعليه‌السلام جالسا إذ أقبل إبليس

__________________

(١) كناية عن الاول والثاني وقد مر.

٣٥١

وعليه برنس(١) ذو ألوان فلما دنى من موسى خلع البرنس وقام إلى موسى فسلم عليه، فقال له موسى: من أنت؟ قال: انا إبليس، قال: أنت فلا قرب الله دارك قال: إنّي انما جئت لأسلم لمكانك من الله فقال له موسى: فما هذا البرنس؟ قال: به اختطف قلوب بنى آدم، فقال له موسى: فأخبرنى بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ قال: إذا أعجبته نفسه واستكثر عمله وصغر في عينه ذنبه.

٣٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن العزرمي عن أبيه عن أبي إسحاق عن حارث الأعور عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: سئل عن السحاب أين يكون؟ قال يكون على شجر كثيف على ساحل البحر يأوى إليها، فاذا أراد الله أنْ يرسله أرسل ريحا فأثاره ووكل به ملائكة يضربونه بالمخاريق وهو البرق فيرتفع.

٣٤ ـ في روضة الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين ابن سعيد عن ابن العزرمي رفعه قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : وسئل عن السحاب أين يكون؟ قال: يكون على شجر على كثيب على شاطئ البحر يأوى اليه، فاذا أراد اللهعزوجل أنْ يرسله أرسل ريحا فأثارته ووكل به ملائكة يضربونه بالمخاريق وهو البرق، فيرتفع ثم قرأ هذه الآية:( وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إلى بَلَدٍ مَيِّتٍ ) الآية والملك اسمه الرعد.

قال عز من قائل: كذلك النشور.

٣٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إذا أراد الله أنْ يبعث الخلق أمطر السماء على الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال(٢) ونبتت اللحوم. وفي أمالي الصدوقرحمه‌الله مثله سواء.

٣٦ ـ في مجمع البيان: ولله العزة جميعا روى أنس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ ربكم يقول كل يوم: أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز.

٣٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ )

__________________

(١) البرنس: كل ثوب رأسه ملتزق به.

(٢) قال الجوهري: الأوصال: المفاصل وقال غيره: مجتمع العظام.

٣٥٢

الصالح يرفعه قال: كلمة الإخلاص والإقرار بما جاء به من عند الله من الفرائض والولاية، يرفع العمل الصالح إلى اللهعزوجل وعن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: الكلم الطيب قول المؤمن لا إله إلّا الله محمّد رسول الله عليٌّ ولي الله وخليفة رسول الله، قال :والعمل الصالح الاعتقاد بالقلب، إنّ هذا هو الحق من عند الله، لا شك فيه من ربّ العالمين.

٣٨ـ وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنَّ لكل قول مصداقا من عمل يصدقه أو يكذّبه، فاذا قال ابن آدم وصدّق قوله بعمله رفع قوله بعمله إلى الله، وإذا قال وخالف عمله قوله ردّ قوله على عمله الخبيث وهوى به في النار.

٣٩ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى زيد بن علي عن أبيه سيد العابدين حديث طويل وفيه يقول سيد العابدينعليه‌السلام : وان لله تبارك وتعالى بقاعا في سماواته، فمن عرج به إلى بقعة منها فقد عرج به اليه، ألا تسمع اللهعزوجل يقول:( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ) ويقولعزوجل في قصة عيسى بن مريمعليه‌السلام :( بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ ) ويقولعزوجل :( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) . وفي الفقيه مثله سواء.

٤٠ ـ في أصول الكافي علي بن محمد وغيره عن سهل بن زياد عن يعقوب بن يزيد عن زياد القندي عن عمار الأسدي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) ولايتنا أهل البيت وأهوى بيده إلى صدره، فمن لم يتولنا لم يرفع الله له عملا.

٤١ ـ في نهج البلاغة ولو لا إقرارهن(١) له بالربوبية وإذعانهن له بالطواغية(٢) لما جعلهن موضعا لعرشه ولا مسكنا لملائكته، ولا مصعدا للكلم الطيب والعمل الصالح من خلقه.

٤٢ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث

__________________

(١) مرجع الضمير في قولهعليه‌السلام هو السماوات المذكور في كلامه (ع) قبيل ذلك.

(٢) الطوعية: الطاعة يقال فلان حسن الطواعية لك أي حسن الطاعة لك.

٣٥٣

طويل وفيه قال ابن الكوا: يا أمير المؤمنين! فما ثواب من قال: لا إله إلّا الله؟ قال: من قال: لا إله إلّا الله مخلصا طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الأسود من الرق الأبيض فاذا قال ثانية: لا إله إلّا الله مخلصا خرقت أبواب السماء وصفوف الملائكة حتى يقول الملائكة بعضها لبعض: اخشعوا لعظمة الله، فاذا قال ثالثة مخلصا لا إله إلّا الله لم تنته دون العرش فيقول الجليل: اسكني فو عزتي وجلالي لأغفرن لقائلك بما كان فيه، ثم تلا هذه الآية( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) يعنى إذا كان عمله خالصا ارتفع قوله وكلامه.

٤٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقال علي بن إبراهيمرحمه‌الله :( وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ ) يعنى يكتب في كتاب وهو رد على من ينكر البداء.

٤٤ ـ في جوامع الجامع وقيل: معناه لا يطول عمر ولا ينقص إلّا في كتاب، وهو أنْ يكتب في اللوح لو أطاع الله فلان بقي إلى وقت كذا، وإذا عصى نقص من عمره الذي وقت له، واليه أشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله: إنَّ الصدقة وصلة الرحم تعمران الديار وتزيدان في الاعمار.

٤٥ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن صفوان بن يحيى عن إسحق ابن عمار قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما نعلم شيئا يزيد في العمر إلّا صلة الرحم، حتى أنّ الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وصولا للرحم فيزيد الله في عمره ثلاثين سنة، فيجعلها ثلاثا وثلاثين سنة، ويكون أجله ثلاثا وثلاثين سنة، فيكون قاطعا للرحم فينقصه الله جل وعز ثلاثين سنة، ويجعل أجله إلى ثلاث سنين.

الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشا عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام مثله. قال مؤلف هذا الكتاب عفي عنه: في معنى هذين الحديثين أحاديث كثيرة في أصول الكافي تطلب لمن أراد هناك.

٤٦ ـ في كتاب الخصال عن ابن شهاب عن انس بن مالك قال: سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: من سره أنْ يبسط في رزقه وينسى له في أجله فليصل رحمه.

٤٧ ـ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: في كتاب عليّعليه‌السلام : ثلاث خصال لا يموت

٣٥٤

صاحبهن حتى يرى وبالهن: البغي وقطيعة الرحم واليمين الكاذبة يبارز الله بها، إلى قولهعليه‌السلام : وان القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمى أموالهم فيبرون فيزاد في أعمارهم، فان اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذران الديار بلاقع من أهلها(١) .

٤٨ ـ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من صدق لسانه زكا عمله، ومن حسنت نيته زاد الله في رزقه، ومن حسن بره في أهله زاد الله في عمره.

٤٩ ـ عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر المسلمين إياكم والزنا فان فيه ست خصال: ثلاث في الدنيا وثلاث في الاخرة، اما التي في الدنيا فانه يذهب بالبهاء ويورث الفقر وينقص العمر، الحديث.

وعن علي بن أبي طالب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في وصيته له مثله بتغيير يسير. وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله كذلك.

٥٠ ـ في كتاب التوحيد في باب مجلس الرضا مع سليمان المروزي قال الرضاعليه‌السلام : لقد أخبرنى أبي عن آبائه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إنّ اللهعزوجل أوحى إلى نبي من أنبيائه أنْ أخبر فلان الملك انى متوفيه إلى كذا وكذا، فأتاه ذلك النبي فأخبره فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير، فقال: يا رب أجلنى حتى يشب طفلي وأقضى أمري فأوحى اللهعزوجل إلى ذلك النبي أنْ ائت فلان الملك فأعلمه انى قد أنسيت في أجله وزدت في عمره خمس عشرة سنة، فقال ذلك النبي: يا رب انك تعلم انى لم أكذب قط فأوحى اللهعزوجل إليه انما أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك، والله لا يسأل عما يفعل وفي عيون الأخبار مثله سواء.

٥١ ـ في روضة الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان ابن عيسى عن أبي إسحق الجرجاني عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ اللهعزوجل جعل لمن جعل سلطانا أجلا ومدة من ليالي وأيام وسنين وشهور، فان عدلوا في الناس أمر الله

__________________

(١) قال الجزري وفيه: اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع: البلاقع جمع بلقع وبلقعا وهي الأرض القفر التي لا شيء بها، يريدان الحالف بها يفتقر ويذهب ما في صيته من الرزق، وقيل هو أنْ يفرق الله شمله ويغير عليه ما أولاه من نعمه.

٣٥٥

عزوجل صاحب الفلك أنْ يبطئ بإدارته فطالت ايامهم ولياليهم وسنوهم وشهورهم، وان هم جاروا في الناس ولم يعدلوا أمر اللهعزوجل صاحب الفلك فأسرع بإدارته فقصرت لياليهم وايامهم وسنيهم وشهورهم وقد وفيعزوجل بعد الليالي والشهور.

٥٢ ـ في إرشاد المفيدرحمه‌الله وروى المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى الناس عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لا يولد له فيهم أنثى.

٥٣ ـ في تهذيب الأحكام أبو القاسم جعفر بن محمد عن الحسين بن علي بن زكريا عن الهيثم بن عبد الله عن الرضا علي بن موسى عن أبيهعليهم‌السلام قال: قال الصادقعليه‌السلام : إنَّ أيام زائري الحسين بن عليعليهما‌السلام لا تعد من آجالهم.

٥٤ ـ وعنه عن محمّد بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن محمّد بن عبد الحميد عن سيف ابن عميرة عن منصور بن حازم قال: سمعته يقول: من أتى عليه حول ولم يأت قبر الحسينعليه‌السلام نقص الله من عمره حولا، ولو قلت: إنَّ أحدكم ليموت قبل أجله بثلاثين سنة لكنت صادقا، وذلك انكم تتركون زيارته. فلا تدعوها يمد الله في أعماركم، ويزيد في أرزاقكم وإذا تركتم زيارته نقص الله من أعماركم وأرزاقكم.

٥٥ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من أخبار هذه المجموعة وباسناده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليُّ كرامة المؤمن على الله انه لم يجعل لأجله وقتا حتى يهم ببائقة(١) فاذا هم ببائقه قبضه اليه.

٥٦ ـ قال: وقال جعفر بن محمدعليهما‌السلام : تجنبوا البوائق بمدكم في الاعمار.

٥٧ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم البجلي عن علي بن جعفر قال: جاءني محمد بن اسمعيل(٢) وقد اعتمرنا عمرة رجب ونحن يومئذ بمكة، فقال: يا عم انى أريد بغداد وقد أحببت أنْ أودع عمّى أبا الحسن يعنى موسى بن جعفرعليه‌السلام وأحببت أنْ تذهب معى اليه، فخرجت معه نحو أخى وهو في

__________________

(١) البائقة: الشر الظلم والجمع بوائق.

(٢) هو ابن إسماعيل بن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

٣٥٦

داره التي بالحوبة وذلك بعد الغروب بقليل، فضربت الباب فأجابنى أخي فقال من هذا؟ فقلت: على، فقال: هو ذا أخرج وكان بطيء الوضوء، فقلت: العجل قال وأعجل فخرج وعليه إزار ممشق(١) قد عقده في عنقه حتى قعد تحت عتبة الباب فقال علي بن جعفر: فانكببت عليه فقبلت رأسه وقلت: قد جئتك في أمر إنْ تره صوابا فالله وفق له وإنْ يكن غير ذلك فما أكثر ما نخطئ، قال: وما هو؟ قلت: هذا ابن أخيك يريد أنْ يودعك ويخرج إلى بغداد فقال له: ادنه فدعوته وكان متنحيا فدنا منه فقبل رأسه وقال: جعلت فداك: أوصني، فقال أوصيك أنْ تتقى الله في دمي، فقال: من أرادك بسوء فعل الله به وفعل، ثم عاد فقبل رأسه ثم قال: يا عم أوصنى فقال: أوصيك أنْ تتقى الله في دمي، فدعا على من أراده بسوء ثم تنحى عنه، ومضيت معه، فقال لي أخى: يا عليُّ مكانك فقمت مكاني فدخل منزله، ثم دعاني فدخلت إليه فتناول صرة فيها مأة دينار فأعطانيها وقال: قل لابن أخيك يستعين بها على سفره قال على: فأخذتها فأدرجتها في حاشية ردائي ثم ناولني مأة اخرى وقال: أعطه أيضا ثم ناولني صرة اخرى وقال: أعطه أيضا، فقلت: جعلت فداك إذا كنت تخاف منه مثل الذي ذكرت فلم تعينه على نفسك؟ فقال إذا وصلته وقطعني قطع الله أجله، ثم تناول مخدة أدم فيها ثلاثة آلاف درهم وضح(٢) فقال: أعطه هذه أيضا قال: فخرجت إليه فأعطيته المأة الاولى ففرح بها فرحا شديدا ودعا لعمه، ثم أعطيته الثانية والثالثة ففرح حتى ظننت انه سيرجع ولا يخرج، ثم أعطيته الثلاثة آلاف درهم فمضى على وجهه حتى دخل على هارون فسلم عليه بالخلافة وقال: ما ظننت أنّ في الأرض خليفتين حتى رأيت عمّى موسى بن جعفر يسلم عليه بالخلافة فأرسل هارون إليه بمأة الف درهم فرماه الله بالذبحة(٣) فما نظر منها إلى درهم ولا مسّه.

٥٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قولهعزوجل : وما يستوي البحران هذا عذاب فرات وهذا ملح أجاج و

__________________

(١) ممشق أي مصبوغ بالمشق وهو الطين الأمر.

(٢) الوضح: الدرهم الصحيح.

(٣) الذبحة: وجع في الحلق أو دم يخنق فيقتل.

٣٥٧

الأجاج المر.

٥٩ ـ وفيه حدّثني أبي عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال للأبرش يا أبرش هو كما وصف نفسه كان عرشه على الماء والماء على الهواء والهواء لا يحد ولم يكن يومئذ خلق غيرهما والماء يومئذ عذب فرات إلى أنْ قال وكانت السماء خضراء على لون الماء الأخضر، وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٠ ـ وقال علي بن إبراهيمرحمه‌الله في قولهعزوجل :( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ) قال: الجلدة الرقيقة التي على ظهر النوى.

٦١ ـ وقولهعزوجل :( وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ) مثل ضربه اللهعزوجل للمؤمن والكافر( وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ) فالظل الناس والحرور البهائم ثم قال:( إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) قال هؤلاء الكفار لا يسمعون منك كما لا يسمع أهل القبور.

٦٢ ـ وقولهعزوجل :( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ ) قال: لكل زمان امام.

٦٣ ـ في أصول الكافي باسناده إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال: يا معشر الشيعة خاصموا بسورة انا أنزلناه تفلجوا، فو الله انها لحجة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانها لسيدة دينكم وانها لغاية علمنا، يا معشر الشيعة خاصموا( حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ) فانها لولاة الأمر خاصة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا معشر الشيعة يقول الله تبارك وتعالى:( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ ) قيل: يا أبا جعفر نذيرها محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: صدقت فهل كان نذير وهو حي من البعثة في أقطار الأرض؟ فقال السائل: لا، قال أبو جعفرعليه‌السلام : أرأيت بعيثه أليس نذيره؟ كما ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعثته من اللهعزوجل نذير؟ فقال: بلى، قال: فكذلك لم يمت محمّد إلّا وله بعيث نذير، قال: فانْ قلت لا، فقد ضيع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من في أصلاب الرجال من أمته، قال: وما يكفيهم القرآن؟ قال: بلى إنْ وجدوا له مفسّرا قال: وما فسّره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: بلى قد فسّره لرجل واحد، وفسّر للأمّة شأن

٣٥٨

ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(١) .

٦٤ ـ في كتاب الاحتجاج للطبرسيرحمه‌الله في احتجاج أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال السائل: فأخبرنى عن المجوس أفبعث إليهم نبيا فانى أجد لهم كتبا محكمة ومواعظ بليغة وأمثالا شافية، ويقرون بالثواب والعقاب ولهم شرايع يعملون بها قال:( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ ) وقد بعث إليهم نبي بكتاب من عند الله فانكروه وجحدوا كتابه.

٦٥ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن بعض أصحابه عن صالح بن حمزة رفعه قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إنَّ من العبادة شدة الخوف من اللهعزوجل يقول اللهعزوجل :( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٦ ـ في روضة الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلى بن إبراهيم عن أبيه جميعا عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن أبي حمزة قال: قال علي بن الحسينعليهما‌السلام : وما العلم بالله والعمل إلّا إلفان مؤتلفان، فمن عرف الله خافه، وحثه الخوف على العمل بطاعة الله، وان أرباب العلم واتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه وقد قال الله:( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٧ ـ في مجمع البيان وروى عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: يعنى بالعلماء من صدق قوله فعله، ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم، وفي الحديث أعلمكم بالله أخوفكم لله.

__________________

(١) أقول وذكر الكليني (ره) في أصول الكافي حديثا آخر فيه تفسير لهذه الاية الكريمة وقد أهمله المؤلف (ره) وهو: «عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عمن ذكره عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: انكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفوا حتى تصدقوا ولا تصدقوا حتى تسلموا أبوابا أربعة لا يصلح أولها إلّا بآخرها ـ إلى أنْ قال عليه‌السلام ـ إنَّ الله قد استخلص الرسل لأمره ثم استخلصهم مصدقين بذلك في نذره فقال:( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ ) تاه من جهل واهتدى من أبصر وعقل اه».

٣٥٩

٦٨ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام : ودليل الخشية التعظيم لله والتمسك بخالص الطاعة وأوامره والخوف والحذر ودليلهما العلم، قال الله تعالى:( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) .

٦٩ ـ في مصباح شيخ الطائفةقدس‌سره في دعاء يوم الأربعاء أللّهمّ أشد خلقك خشية لك أعلمهم بك، وأفضل خلقك لك عملا أخوفهم لك، لا علم إلّا خشيتك ولا حكم إلّا الايمان بك، وليس لمن لم يخشك علم، ولا لمن لم يؤمن بك حكم.

٧٠ ـ في مجمع البيان:( وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) الآية وعن عبد الله بن عبيد الله بن عمر الليثي قال: قام رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول الله ما لي لا أحب الموت؟ قال: ألك مال؟ قال: نعم قال: فقدمه قال: لا أستطيع، قال: فان قلب الرجل مع ماله ان قدمه أحب أن يلحق به وان أخره، أحب أن يتأخر معه.

٧١ ـ في من لا يحضره الفقيه وقالعليه‌السلام : انما أعطاكم الله هذه الفضول من الأموال لتوجهوها حيث وجهها اللهعزوجل ولم يعطكموها لتكثروها.

٧٢ ـ في كتاب الخصال عن هشام بن معاذ قال: كنت جليس عمر بن عبد العزيز حيث دخل المدينة فامر مناديه فنادى: من كانت له مظلمة أو ظلامة فليأت الباب، فأتاه محمد بن علي يعنى الباقرعليه‌السلام فدخل إليه مولاه مزاحم فقال: إنَّ محمد بن علي بالباب فقال له: ادخله يا مزاحم قال: فدخل وعمر يمسح عينيه من الدموع فقال محمد بن علي: ما أبكاك يا عمر؟ فقال هشام: أبكاه كذا وكذا يا ابن رسول الله، فقال محمد ابن على: يا عمر انما الدنيا سوق من الأسواق منها خرج قوم بما ينفعهم ومنها خرجوا بما يضرهم إلى قولهعليه‌السلام : واجعل في قلبك اثنتين تنظر الذي تحب ان يكون معك إذا قدمت على ربك فقدمه بين يديك، وتنظر الذي تكره أن يكون معك إذا قدمت على ربك فابتغ به البدل، ولا تذهبن إلى سلعة قد بادت على من كان قبلك ترجو أن تجوز عنك والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٧٣ ـ في مجمع البيان روى ابن مسعود عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في قوله:( وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) هو الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليه معروفا في الدنيا.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397