المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل0%

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 397

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ فيصل الخالدي الكاظمي
تصنيف: الصفحات: 397
المشاهدات: 116104
تحميل: 8217

توضيحات:

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 397 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116104 / تحميل: 8217
الحجم الحجم الحجم
المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مشروع المرجع السيّد محمد باقر الصدر والشيخ أحمد الوائلي

يعتبر آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر، من المفكّرين الإسلاميين الذين أغنوا الساحة بآثارهم العلمية ومواقفهم الإسلامية. ومن جوانب اهتمامات هذا المرجع الإسلامي، جانب المنبر الحسيني، فقد ذكر الشيخ أحمد الوائلي أمراً كان يدور بينه وبين السيد محمد باقر الصدر، وذلك عام 1978م في النجف الأشرف. حيث يذكر: (كنت أتردّد على مجلس آية الله(1) الشهيد الصدر محمد باقر، تغمّده الله برحمته... وكان يطرح هموم الساحة من كل أبعادها، ومن الهموم التي شغلت باله، قضيّة المنبر الحسيني، وكان يدعوني إلى تحمّل شيء من مسؤولية المنبر، ولو بعمل بسيط يتطوّر بعد ذلك.

وبعد محاولات كثيرة، انتهى الأمر إلى أنْ قال (أي السيد محمد باقر الصدر): إنّ لك عليّ الأمور التالية:

1 - أنْ أدمج خطباء المنبر بالحوزة العلمية، حتى يحصلوا على ما يحصل عليه طالب العلم، من مكاسب ماديّة وروحيّة وعلميّة. وبذلك تزول كثير من المشاكل عن طريقهم.

2 - أنْ أعمل على إيجاد صيغة تؤمّن لهم ضماناً لأيام عجزهم، حتى لا يتعرّضوا لذلٍ أو ضياع كما هو الوضع السائد.

3 - أنْ تكون لهم مؤسّسة مركزي، يصدرون عنها في مناهج موحّدة، وتوجيهات تصدر لهم في ذلك، كما تعمل هذه المؤسّس، على التعريف بهم في داخل العراق وخارجه ممّا

____________________

(1) آية الله: مصطلح متداول في الحوزات العلمية الشيعية يطلق على من بلغ مرحلة الاجتهاد في الأحكام الشرعية.

٣٦١

يعطيهم زخماً ومكانة معترف بها، وتكون هذه المؤسّسة تحت ظلّ المرجعية.

أمّا الذي عليك - يخاطبني - فهو أنْ تضع خبرتك في هذا الميدان تحت أيدي طلاّب هذه المؤسّسة، وتتعاون مع زملائك الذين تعرفهم بالكفاءة، لسدّ الثغرات المحتملة. وتقومون بأدوار تنويه عن هذه المؤسّسة، في التجمعّات ذات الشأن، وفي الوقت ذاته أنْ تستمرّوا في تطوير أنفسكم...)(1) .

وفي مقال للشيخ أحمد الوائلي، في مجلّة المنهاج، تحت عنوان: (هموم المنبر عند الشهيد السيد محمد باقر الصدر)، يذكر تفصيلات أكثر للحوار الذي كان يجري بينه وبين السيد السيد الصدر. حين كان يعطي تصوراته عن تطوير المنبر الحسيني وتوجيهه، وكذلك فيما يعلّق بأوصاف خطيب هذا المنبر، حتى انتهى مع الشيخ الوائلي إلى ضرورة العمل، على تنفيذ تلك الأفكار، بتبنّي وإعداد نخبة ممّن يكونون مؤهّلين لاعتلاء أعواده، كانت هناك تفصيلات أدق في الخطوات العملية، من أجل إنشاء معهد أو مؤسّسة، ترعى وتتبنّى خطباء المنبر الحسيني الجُدد.

فيذكر الشيخ الوائلي تلك الخطوات كما يلي:

1 - أنْ يُتم العمل لذلك بهدوء ومن دون واجهات بارزة، وإنّما بعمل بسيط وفي خطوات حذرة، ومن دون استفزاز للآخرين. مع التبيّن بعد كلّ خطوة في مدى صوابها قبل البدء بالخطوة الثانية. وذلك تحاشياً للمضاعفات، وهذه الأمور استفدتها قبل ذلك من تجربة (جمعية منتدى النشر العلميّة) في النجف

____________________

(1) الوائلي، أحمد: تجاربي مع المنبر - ص141 / 143.

٣٦٢

الأشرف، عند البدء بتأسيس معهد الخطابة الذي انتهى إلى الإخفاق، فلا ينبغي أنْ تتكرّر التجربة ما دام معظم العوامل لا يزال قائماً بالفعل)!!

2 - أنْ يتمّ اختيار مجموعة من المأمولين، يتراوح عددها بين الخمسة والعشرة أشخاص، تكون خميرة التجربة، والنموذج الممثّل لما يراد الحصول عليه من المنبر ليطرح في الساحة، وإذا قدّر له النجاح فسيخدم فكرة إيجاد مؤسّسة للخطابة.

3 - لابدّ مِن تضير الوسائل اللازمة؛ من مفردات المنهجين الحوزوي والخطابي، في حدود القدرات المتاحة، حتى يبدأ العمل فوراً...

4 - ممّا يكلّف به هؤلاء الطلاّب، وفي أثناء الدراسة، تأليف مواضيع خطابية متنوّعة، ويسايرهم الأستاذ في خطواتهم حل ذلك، ثم يكلّفون بقراءتها في مجلس، يتمّ فيه حضور زملائهم...

5 - يفترض وجود حدّ أدنى، لا بدّ من أنْ يصل إليه الخطيب، قبل ترشيحه لممارسة رسالته....

6 - في أثناء ذلك يتم ترويض أذهان الجمهور، لقبوله عن طريق التنويه به والإشادة لمؤهّلاته، وإعلان اجتيازه للامتحان، فيما إذا اجتازه بنجاح...

7 - إذا تمّ له اجتياز العقَبات ينصرف إلى العمل....

8 - ليس من الضروري أنْ تكون فعّاليات الدراسة هذه، في محلّ معيّن خاص، بل تتم على نمط الدراسة الحوزوية الحرّة، في مسجد أو بيت أو مؤسّسة، إلى أنْ يُتاح لنا الوصول بعد ذلك إلى مدرسة متخصّصة.

٣٦٣

9 - في ما يخصّ المنهجين المذكورين، من الدراسة الحوزوية والدراسة الخطابيّة، فقد تكفّل السيد بالمنهج الأوّل عن طريق توفير المدرٍسين، والكتب. أمّا المنهج الثاني، فقد اتفقنا على أنّ أقوم أنا مع اثنين مع زملائي اللذين اختارهما، بتهيئة المنهج الثاني...)(1) .

وبعد الوصول لكل هذه التفصيلات، فقد كان الشيخ الوائلي متفائلاً بنجاح هذا المشروع، علّه يبلغ ما لم يبلغه مشروع جمعية منتدى النشر قبل ذلك، بما يقارب الثلاثين عاماً، حيث يقول:(وتابعت المشروع معه، يشجعني على ذلك صدره الرحب، واستيعابه لمشاكل الساحة، ووضوحه في المطارحة، وشجاعته التي لا تعترف بالصعاب، وفوق ذك كلّه إيمان عميق ونزوع لخدمة الإسلام ومبادئ أهل البيت واستباق للوقت، ينمّ عن شعوره واستلهامه لقصر المدّة التي يعيشها، فكأنّه والشهادة على ميعاد)!!

وهذا ما حدث فعلاً، حيث أُعلن عن نبأ استشهاد السيد محمد باقر الصدر في ذي القعدة عام 1399 الموافق لشهر نيسان عام 1980م. (حيث نزل علينا نبأ استشهاده نزول الصاعقة، وشعرنا بفداحة الخطب وشراسة الهجمة)(2) .

وهكذا أُحبط هذا المشروع. الذي توافرت فيه أقوى عوامل النجاح، من حيث تبنّي المرجعية الدينية له من جهة، وبرعاية واهتمام أبرز خطباء المنبر الحسيني المعاصرين من جهة ثانية، ولكونه في حاضره النجَف الأشرف، حيث الحوزة العلمية والعدد الأكبر، من طلبة العلوم الدينية والعلماء والخطباء، من جهة ثالثة.

____________________

(1) مجلة المنهاج - العدد 17 - ص 407 / 409. مقالة للشيخ أحمد الوائلي.

(2) الوائلي، أحمد: تجاربي مع المنبر ص142.

٣٦٤

وكان إحباط هذا المشروع هذه المرّة، لأمر خارج عن أجواء الحوزة العلمية وعقباتها الذاتية.

ولا يزال الشيخ الوائلي يرى، كما يرى أغلب العلماء وخطباء المنبر الحسيني، إنّ (الجهة التي نراها متعينة، هي المرجعية الدينية فتكون (مؤسّسة الخطابة)، مؤسّسة من مؤسّسات المرجعية الحوزوية)(1) .

وحينما يعطي الشيخ الوائلي رأيه في هذه القضية، فإنّه يدعم هذا الرأي بعدة نقاط هي.

(أ - توفير الجانب الروحي في ممارسات المنبر، وسلوكيته والتقيد بأخلاقيات الحوزة العلمية.

ب - ضمانة مسألة علمية المنبر وتظلّعه بأهم المقوّمات، وهي العلوم الإسلامية التي تشكّل القاعدة الأساسية لثقافة المنبر وفعاليته المطلوبة....

ج - توفير عملية ربط المنبر بالمرجعية، ضماناً للخطيب الذي قد يعجز عن ممارسة مهمته؛ لكبرٍ أو لتعذّر الحصول على مجلس يمارس فيه القراءة...

د - يوجد ذا الانتماء تلاحماً في كل الهيئات، ذات الارتباط بالمرجعية، وخصوصاً الخطباء، لقيامهم بدورٍ هام، في تثبيت أركان المرجعية، ودعوة القواعد للارتباط بأئمتها)(2) .

وفي لقاءات وحوارات عدّة، أجريتها مع الشيخ الوائلي، حيث وجدّته لا ينفك عن تأكيده على ضرورة تبنّي المرجعية الدينية لهذا

____________________

(1) المصدر نفسه: ص80.

(2) المصدر نفسه: ص80 / 81.

٣٦٥

المشروع...

فقمتُ بدوري، باللقاء بالسيد محمد حسين فضل الله في بيروت، وسألته عن مدى استعداده، باعتباره أحد المراجع لتبنّي مشروع المعهد الخطابي، فكان سماحته يؤكّد لي، أنّه من المهتمّين بهذه المسألة ودائماً ما كان يطرحها مع الشيخ الوائلي، وعدّة من أساتذة المنبر الحسيني ثمّ قال:

(لقد درسنا الموضوع، وتمّ الاتّفاق على افتتاح معهد للخطابة في حوزة المرتضى بمنطقة السيدة زينب بالشام، ووضعت الشروط المطلوبة، إلاّ أنّ الفكرة لم تُنفّذ لقلّة المتقدّمين للمعهد، ممّا حدانا أنْ نحوّل المشروع، ولكن بمستوى أقل من الطموح إلى المعهد الشرعي الإسلامي، لتكون الخطابة الحسينية ضمن الفقرات الدراسية للمعهد)(1) .

وهذا ما حداني أنْ آخذ أوراقي، إلى بناية المعهد الشرعي الإسلامي ببيروت والتقيت مديره، الدكتور خنجر حمية(2) حيث سألته عن مسألة إدراج درس الخطابة الحسينية ضمن دروس المعهد فقال:

(إنّه كانت هناك فكرة لإعداد دورة خطابية، ولكن لم يتهيّأ العدد الكافي لذلك، ولهذا عمدَت إدارة المعهد الشرعي الإسلامي، إلى ابتكار طريقة جديدة في مسألة تهيئة وإعداد خطباء

____________________

(1) لقاء شخصي مع السيد محمد حسين فضل الله، بيروت، 26 جمادي الأولى 1422 هـ 16 / 8 / 2001م.

(2) خنجر حمية من مواليد 1966 البقاع، إجازة في الفلسفة من الجامعة اللبنانية ودبلوم دراسات عليا في الفلسفة، ثمّ الدكتوراه في الفلسفة. إضافة إلى دراسة دينية في قم لمدّة 4 سنوات له أبحاث منشورة، في الصحف والمجلاّت. مدير المعهد الشرعي الإسلامي حالياً. (المترجم له).

٣٦٦

المنبر الحسيني، وذلك بافتتاح درس خاص في المعهد الشرعي، باسم (درس الخطابة الحسينية)(1) .

ثمّ سألته عن ماهية هذا الدرس، وشروط المنضمين إليه، فأجاب:

(الدرس على مدى ساعتين أسبوعياً، يتضمّن أصول الخطابة العامّة، ثمّ ما يميّز الخطابة الحسينية، مع كل ما يتعلّق بالثورة الحسينية من تاريخ وسيرة وتحليل. ممّا يجعل بين يدي الطالب، مادّة يمكن اعتمادها في محاضراته المنبرية المستقبلية.

كما ويركز على الطالب، في مسالة صقل موهبته في طرح قضايا مستجدّة راهنة، واستجلاء الموقف المناسب من واقعة كربلاء.

إضافة إلى المسألة المهمّة في المنبر الحسيني، وهي مسألة إنشاد الشعر، وكيفية التعريج على واقعة كربلاء.

أمّا بالنسبة للشروط المطلوبة في الطلاب فهي:

أ - أنْ يكون من طلاب المعهد الشرعي.

ب - أنْ يمتلك الرغبة في الخطابة الحسينية.

ج - أنْ يتوافر على بعض المؤهّلات المطلوبة ، مثل حسن السمت ورقّة الصوت وغيرها)(2) .

أمّا أوّل معهد خطابي رأى النور فهو:

____________________

(1) مقابلة شخصية في بيروت. الاثنين 24/9/2001م. الموافق لـ 6 رجب 1422هـ.

(2) المصدر نفسه.

٣٦٧

معهد الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للخطابة والتبليغ في (قم)

وهذا هو اسم المعهد، الذي أبرزه إلى الوجود، مجموعة من العلماء وخطباء المنبر الحسيني، من العراقيين المهاجرين إلى مدينة قم الإيرانية، في عام 1406 هـ 1986م، أي بعد ما يقارب من أربعين عاماً على تجربة منتدى النشر.

وفي رسالة جوابية، بعثتها إدارة المعهد لي، أثر رسالة أرسلتها إلى المعهد، مستفسراً عن بعض المعلومات حوله. حيث ذكت هذه الرسالة؛ أنْ (مدة الدراسة في هذا المعهد هي سنتان، ويدرس الطلاب فيهما دروساً في علوم القرآن وآيات الأحكام، والتاريخ الإسلامي، والفلسفة وعلم النفس والأخلاق، إضافة إلى ما يمس الخطابة الحسينية بشكل خاص، حيث تدرّس نصوص من نهج البلاغة، ونصوص من الشعر الرثائي، باللغة العربية الفصحى، واللهجة العراقية الشعبية المستخدمة في فقرة المصيبة، إضافة إلى دراسة فنّ الخطابة العام وفنّ الخطابة الحسينية بشكلٍ خاص، ويتولّى هذه المهمّة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية، وأساتذة المنبر الحسيني، ويستوعب هذا المعهد ثلاثين طالباً كل عام).

وفي سؤال عن شروط القبول، كان الجواب: (إنّ مِن شرط القبول أنْ يكون المتقدّم للدراسة، قد أنهى الدراسة الثانوية ثمّ أضاف عليها أربع سنوات من دراسة العلوم الدينية، ضمن منهج الحوزة العلمية. أو يكون المتقدّم، قد تخرّج من أحدى كليات الدراسات الإسلامية، مثل كلية الفقه في النجف، أو كلية أصول الدين في بغداد).

٣٦٨

ثمّ يكون (المتقدم من أصحاب الخلق الملتزم، والاستقامة في السلوك، ويشهد له اثنان من العلماء. بعد ذلك يخضع المتقدّم لمقابلة شخصية، من قبل لجنة خاصة. ومن الأمور التي تلاحظ في مسالة القبول؛ عنصر الصوت ورقّته، حيث يكون لهُ الأثر المهم في نجاح خطيب المنبر الحسيني).

(واستمر المعهد حتى خرّج ثلاث دفعات.... برز منهم الآن خطباء معروفون، يُطلبون في مناطق عدّة من الأماكن التي تهتم بالمنبر الحسيني)(1) .

ولكن هذا المعهد لم يستمر بعد ذلك بسبب انقطاع المدد المالي، الذي كان يصل من بعض مناطق الخليج.

ثمّ أنشأت بعده معاهد، تتفاوت في سعتها واستمراريتها، إلاّ أنّها لا تمثّل الطموح المنشود، في معهد يقوم على أُسس علمية رسالية هادفة.

المعهد الخطابي أفضل طرق إعداد خطيب المنبر الحسيني

من خلال عدّة لقاءات وحوارات أجريتها مع نخبة من العلماء وخطباء المنبر الحسيني، وجدت أنْ فكرة المعهد الخطابي، تعدّ في نظر الجميع أفضل الطرق من أجل السعي، إلى ترشيد المنبر الحسيني ورفع مستوى أدائه عبر تربية وأعداد طلبة ينهضون بهذه المهمّة، حينما يبرزون كخطباء للمنبر الحسيني.

____________________

(1) المعلومات عن المعهد مأخوذة عن رسالة جوابية احتفظ بها ردّاً على أسئلة بعثها إلى إدارة هذا المعهد، في 2 جمادى الأولى 1419 هـ.

٣٦٩

ففي لقاء لي مع السيد محمد حسين فضل الله، وحوار معه بشأن المنبر الحسيني كان رأيه:

(إنّي أرى، أنّ المعهد الخطابي هو أفضل الطرق التي يمكن أنْ تُعتمد، من أجل إيجاد خطيب حسيني، واع ومفيد، ينهض بمهمّات المنبر، ويؤدّي دوره المنتظر منه)(1) .

وفي لقاء آخر في بيروت مع الشيخ حسن طراد(2) حيث حاورت سماحته، حول أفضل طرق إعداد خطباء المنبر الحسيني، فكان جوابه:

(إنّي أؤكّد أنّ أفضل طريقة لإعداد الخطباء، ي طريقة المعهد الخطابي)(3) ولقاء ثالث، في بيروت أيضاً مع الشيخ عبد لأمير قبلان(4) ، في دار الإفتاء الجعفري، حيث أثرت مع سماحته مسألة المنبر الحسيني، وكيف يتأتّى لنا تهيئة خطباء أكفّاء، ودور المعهد الخطابي في ذلك. فكان جوابه لي عبر كلمة وجّهها إلى جمع كبير

____________________

(1) لقاء شخصي مع سماحته ببيروت لي يوم الخميس 16/8/2001م، 26 جمادي الأوّل 1419هـ.

(2) الشيخ حسن بن محمد بن حسين طراد العاملي - ولد في مدينة معركة بجنوب لبنان عام 1931. عالم جليل وأستاذ مبرّز في الحوزات العلمية، بدأ دراساته الدينية في جبل عامل، ثمّ هاجر إلى النجف عام 1954 وأكمل دراسته هناك حتى بلغ درجاتها العليا وحضر على أبرز فقهاء ومراجع النجف وحوزتها. عاد إلى لبنان عم 1981 وما زال إمام مسجد المهدي في منطقة الغبيري وأستاذ لدراسات العليا في حوزات بيروت، صدرت له عدّة مؤلّفات منها فلسفة الصلاة في الإسلام، فلسفة الحج، وله مخطوطات في علمي الفقه والأصول (من المترجم له).

(3) مقابلة شخصية لي معه في بيروت السبت 18/8/2001م.

(4) الشيخ عبد الأمير بن الشيخ محمد بن علي بن الشيخ موسى العاملي. ولد في عام 1357 هـ / 1926م بعد أخذه المقدّمات من والده وعلماء آخرين هاجر إلى النجف عام 1952م وتتلمذ على كبار علمائها ومجتهديها. عاد عام 1964م ليتولّى المسؤولية الدينيّة في منقطة برج البراجنة ببيروت من قبل المرجع السيد محسن الحكيم. له مشاريع اجتماعية ودينية عديدة. تولّى منصب المفتي الجعفري الممتاز ونيابة رئيس المجلس =

٣٧٠

من العلماء، في بناية المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بقوله:

(علينا أنْ ننشئ معهداً لتعليم الخطابة، والتخصّص في مبادئ وأهداف الثورة الحسينية. فإذا نجحنا في إنشاء المعهد نكون قد وضعنا الخطيب الحسيني على جادّة الصواب. نحن بحاجة ماسّة إلى خطيب فيه علم، وبحاجة ماسّة إلى خطيب متدين ملتزم متقي)(1) .

وقد كان المرحوم، الشيخ محمد مهدي شمس الدين قد نبّه على هذه النقطة في وقت مبكر حينما ذكر في أثره المهم، (ثورة الحسين الوجدان الشعبي) وهو يتحدّث عن مشكلات المنبر الحسيني المستقبلية، وكيفية حلّها، وأنّ الحلّ لا يتم إلاّ باعتماد الأسلوب العلمي، الذي بدوره (لا يتمّ إلاّ بإنشاء معهد دراسي ذي مرحلتين ثانوية وعامّة)(2) .

فهو رحمه الله لم يكتفِ بمجرّد عرض الفكرة وإنّما أعطى بعض التفصيلات في شأنها.

وإزاء هذا الإجماع من قبل أغلب علماء الشيعة، على أهمية المعهد الخطابي، ودوره المؤمّل في إبراز الوجه الناصع والمرتجى، من المنبر الحسيني، فإنّنا نفاجأ إذا عرفنا أنّه رغم كل ما قيل وما يمكن له يقال، فإنّه لا يوجد في ساحة الواقع أي معهد خطابي لإعداد وتهيئة خطباء المنبر الحسيني!! وإنْ وجد فهو بشكل محدود. حسب المعلومات المتوافرة عندي، فالمسألة لا زالت

____________________

= الإسلامي الشيعي الأعلى. (الأميني، محمد هادي: معجم رجال الفكر والأدب في النجف، 3 / 971).

(1) بحث للشيخ عبد الأمير قبلان في يوم 88/2001 الموافق لـ 18 جمادى الأولى 1422 هـ بعنوان: الإعلام والإعلام الإسلامي.

(2) شمس الدين، محمد مهدي، ثورة الإمام الحسين في الوجدان الشعبي - ص312.

٣٧١

مجرّد أمنيات وأفكار...

وحتى (معهد الرسول الأعظم للخطابة والتبليغ) الذي ذكر سابقاً، لم تعد الحياة إليه إذ لا يزال معطّلاً رغم المستويات الجيدة، التي رفد بها ساحة المنبر الحسيني ضمن الخطباء الذين تخرّجوا منه.

ولا تزال طريقة البناء الذاتي، وطريقة الدورات الخطابية هما المعتمدتان واقعياً في هذا المجال.

ولمّا سألت الشيخ نعيم قاسم، مساعد الأمين العام لحزب الله في بيروت عن خطط الحزب واهتماماته، بموضوع الخطباء الحسينيين، وإعداد نخبة من الخطباء الواعين فكان جوابه:

(منذ فترة فكرّنا أنّ هذا الأمر، ينبغي أنْ لا يبقى متروكاً وأنْ لا يبقى في دائرة الاستعداد الشخصي، فأجرينا عدّة دورات، التي ساعدت بتأهيل عدد من قرّاء العزاء، من أجل تكوين المادّة والأسلوب والقدرة على العطاء. والوحدة الثقافية هي المعنية بشكل مركزي، في الإشراف على الموضوع.... والأمر لا يقتصر على الدورات التي نقيمها، بل نستعين بالقدرات الموجودة في الساحة؛ لأنّه بكل صراحة لم تصل حوزاتنا إلى مستوى إعداد معهد منظم، يستطيع أنْ يُخرّج العدد الكافي، أو يهيّئ كل ما هو مطلوب، فنحن نقوم الآن بما يسدّ الثغرات، أكثر ممّا نقوم بما تنشئ قارئاً قديراً وفاعلاً)(1) .

ومن خلال حديث لشيخ نعيم قاسم أعلاه، حيث إشارة إلى أنّ الوحدة الثقافية في حزب الله هي المسؤولة عن مسألة إعداد وتهيئة خطباء المنبر الحسيني، ممّا حداني أنْ أُراجع مسؤول هذه الوحدة،

____________________

(1) لقاء شخصي مع الشيخ نعيم قاسم بيروت الخميس. في 16/8/2001.

٣٧٢

وهو الشيخ أكرم بركات(1) حيث طرحت معه هذا الموضوع، وكيفية اهتمام الوحدة الثقافية فأجاب:

(إنّ الاستعدادات قد كملت تقريباً، لافتتاح المعهد الخطابي، وعيّن المكان الذي سيشغله، والمعهد يهدف إلى أمرين:

الأوّل: تدريب العلماء على القواعد العلمية والفنية، في الحوار والمقابلات.

والثاني: رفع كفاءة خطباء المنبر الحسيني، بحيث يقوّى على طرح الموضوعات التربوية والاجتماعية، إضافة إلى ما صحّ من السيرة الحسينية(2) .

وأثناء إعداد هذا الكتاب، أعلن عن افتتاح معهد خطابي في ضاحية بيروت الجنوبية، تحت اسم (معهد سيد الشهداء للتبليغ والمنبر الحسيني). وإكمالاً للتحقيق، فقد أجريت مقابلة شخصية مع المشرف على هذا المعهد، هو السيد علي الحجازي(3) . ووجهت له بعض الأسئلة.

متى أنشئ هذا المعهد؟

____________________

(1) الشيخ أكرم بن أحمد بركات، مواليد ثلاثين قضاء مرجعيون عام 1968، ماجستير في الفلسفة ودراسات عليا في حوزة قم الدينية. له جولات تبليغية في أمريكا الجنوبية يتولّى إمامة مسجد القائم في الضاحية الجنوبية لبيروت. ومسؤولية الوحدة الثقافية لحزب الله. له عدّة مؤلّفات منها، دروس في علم الدراية، محاضرات عاشورائية. (المترجم له).

(2) لقاء شخصي مع الشيخ أكرم بركات، ببيروت، 2 شهر رمضان 1422 هـ، 17/10/2001م.

(3) السيد علي بن عبد علي حجازي مواليد طبريخا 1963، أنهى الدراسة الثانوية 1981، ثم ّسافر إلى إيران، واتجه نحو الدراسة الحوزوية في قم منذ عام 1983 إلى 2001 حيث عاد إلى لبنان بعدما حضر دروس أكابر العلماء، والآن يشرف على إدارة معهد سيد الشهداء، للتبليغ والمنبر الحسيني. (من المترجم له).

٣٧٣

ج: كانت فكرة إنشاء معهد خاص بالمنبر الحسيني من توصيات المؤتمر العاشورائي، وبعد ذلك أخذت الفكرة مجالها بالبحث والحوار وإعداد البرامج، حتى تمّ افتتاح المعهد في السابع من ذي القعدة 1422 هـ الموافق لـ 21/1/2002م.

وعن سؤال، حول الخطوات التي خطاها المعهد في صدد إعداد خطباء المنبر الحسيني، أجاب:

(بدأت أُولى خطوات المعهد بدورات مجالس عزاء، وبعدّة مستويات. فكان هناك دورة للأخوة العلماء المعمّمين، ودورة أخرى لطلاّب الحوزات من غير المعمّمين، ودورة ثالثة للمبتدئين).

وسؤال ثالث، حول برامج هذا المعهد، أجاب السيد علي حجازي:

(إنّ برنامج المعهد يشمل إضافة إلى تعليم أساليب مجالس العزاء، موضوعات في الخطابة وعلم الأديان، والتعريف بالمكتبة التاريخية، وخاصة فيما يتعلّق بالنهضة الحسينية، وأساليب التبليغ ومناهج التحقيق التاريخي).

وعن الآفاق المستقبلية لمشروعات المعهد، قال:

(إنّ المعهد يسعى إلى تأسيس مكتبة خاصة، بالسيرة الحسينية ودراساتها وثقافاتها، وكذلك يسعى إلى إصدار مجلّة خاصة بشؤون النهضة الحسينية.

كما ويهتم المعهد بإصدار خاص في أيام عاشوراء يتناول الموضوعات التي يمكن أنْ تُطرح من خلال المنبر العاشورائي). (صورة عن هذا الإصدار آخر الفصل).

(كما يأمل المعهد إلى سدّ حاجة كل الأراضي اللبنانية لخطباء

٣٧٤

المنبر الحسيني)(1) .

فهل ستحتضن بيروت معهداً للخطابة الحسينية، غاب عن ساحات النجف وقم وغيرهما من مناطق الحوزات العلمية الشيعية العريقة؟

أين يقام المعهد الخطابي؟

هذا السؤال قد يبدو غريباً لأوّل وهلة؛ لأنّ المعهد الخطابي ينبغي أنْ يكون ضمن بقية المؤسّسات الدينية، التي تعنى بتربية الطلاب ضمن الدراسات الشرعية، ولهذا فالكلام الأنسب لها هي بلاد المسلمين، ولاسيما المدن التي تضمّ حوزات علمية ومدارس شرعية، وحيث يتوافر العدد الكافي والمؤهّل من طلبة العلوم الدينية، الذين يودّون الانخراط في مجال خطابة المنبر الحسيني.

ولكن وجه الغرابة ينتهي، حينما نعرض رأياً للدكتور الشيخ الوائلي الذي يرى أنّ البلدان الإسلامية لم تعد مهيّأة، لاحتضان هكذا معهد، فلا يبقى سوى بلدان المهاجر في العالم الغربي! حيث نجد الشيخ الوائلي يطرح سؤالاً، ثمّ يجيب عنه: (مكان المعهد أين سيكون؟ وهنا لابد من افتراض كونه مستقلاً، لا يحسب على جهة من الجهات، سَواء كانت حكومية أم حوزوية ولكن البلدان الإسلامية في أغلب الظن لا تسمح بوجود مؤسّسة، مهمّتها نشر الفكر الإسلامي والشيعي فيه خصوصاً دون أنْ تجنّدها في خطوطها العامّة.

كما أنّها قد لا تسلم من المشكلات، وتنفرد بخطّها فيما لو حسبت على جهة حوزوية معيّنة. من أجل هذا لابدّ من وجوده - المعهد - في مكان لا يرتبط وجوده بأي التزامات، والجهة المتصوّرة

____________________

(1) لقاء شخصي مع السيد علي حجازي، مدير معهد سيد الشهداء للتبليغ والمنبر الحسيني. بيروت في 25 صفر 1423 هـ الموافق لـ 8/5/2002م.

٣٧٥

فعلاً هي أوروبا لا غيرها، مع وجود إشكالات من نواحٍ أخرى، أهمّها ارتفاع التكاليف في كل جهات المعهد، وبعده عن الجهات التي تمدّ بالطلاّب، وكون المناخ الاجتماعي إلى حدّ ما غريباً عن طبيعة أمثال هذه المؤسّسات، إلى غير ذلك من إشكالات...)(1) .

هكذا يطرح الشيخ الوائلي رأيه في مسألة مكان المعهد الخطابي.

ولي عليه ملاحظتان:

الأولى: إنّ أحد المحذورين اللذين ذكرهما، كسبب لعدم أهلية البلدان الإسلامية لمشروع المعهد، وهو أنّ المعهد سوف يحسب على جهة دون أخرى، فإنّ هذا المحذور موجود حتى في البلدان الأوروبية؛ لأنّ مادّة المعهد هم المسلمون الشيعة. وهم كبقية الناس يحملن ولاءاتهم وانتماءاتهم معهم، أينما حلّوا أو ارتحلوا، فكيف سيتخلّص معهد الخطابة في أوروبا، من هذه المحسوبية، على هذه الجهة أو تلك...

ففي لندن، عاصمة بريطانيا، توجد مكاتب للمرجعيات الشيعية، الموجودة في مدينة النجف بالعراق وقم بإيران، وكل المؤسّسات الإسلامية الشيعية وهي محسوبة على طرف من الأطراف، فكيف سينجو المعهد الخطابي من هذه الظاهرة؟ وأعتقد أنّ المشكلة - إنْ وجدت - لا تكمن في أنْ تحسب هذه المؤسّسة أو تلك، على هذه الجهة أو تلك، بقدر المنهج الذي ينبغي العمل بمقتضاه، من حيث الانفتاح على الآخرين وروح التعاون وعدم التشنّج من الآخر.

الملاحظة الثانية: إنّ التطوّر الذي حدث في العالم، أثر حوادث

____________________

(1) الوائلي، أحمد: تجاربي مع المنبر - ص193.

٣٧٦

11/9/2001 في نيويورك، وانعكاس ذلك على وضع المسلمين عموماً في العالم الغربي، ومؤسّساتهم ونشاطاتهم، ستفقد المعهد الخطابي هناك من بعض ميزته، في تخلصه من هيمنة الأنظمة في بلدان المسلمين.

هذا كل ما لدينا من موضع المعهد الخطابي والآراء حوله وبه ينتهي من المبحث الثاني.

٣٧٧

المبحث الثالث:

المنبر الحسيني بين تحدّيات الواقع وآفاق المستقبل

التحدّيات التي تواجه المنبر حاضراً ومستقبلاً

يشترك المنبر الحسيني، مع بقية المؤسّسات الدينية الإسلامية، التي تتولّى مهمّة التبليغ والوعظ والإرشاد، يشترك معها، في جملة من التحدّيات التي تواجه هذه المؤسّسات، إضافة إلى تحدّيات تخصّه دون غيره.

ويمكن أنْ نجمل هذه التحدّيات بما يلي:

1) تحدّيات تواجه ثقافة المنبر وأفكاره

إنّ التطوّر النوعي والكمّي الثقافي، الذي طرأ على الأمّة، حتّمتْ على خطيب المنبر الحسيني، أنْ يرتفع بمستوى الرؤى والأفكار المطروحة؛ لتواكب هذا التطوّر النوعي والكمّي، وعلى الخطيب أنْ يوسع من آفاقه الثقافية والمعلوماتية، حتى يفلح في شدّ الناس إلى منبره، حيث يجدون المستوى الذي يناغم ثقافتهم، والطرح الذي يزيدهم معرفة وعلماً.

2) تحدّيات تواجه لغة المنبر وأُسلوبه

كما أنّ التغيّر أو التطوّر الفكري والثقافي، قد يصاحب بتطوّر في استخدام لغة جديدة في التخاطب، وألفاظ ومصطلحات جديدة في

٣٧٨

عملية إيصال المعلومة والمفهوم إلى الآخرين.

وعلى خطيب المنبر الحسيني - بل على كل داعية إسلامي - أنْ يراعي هذه المسألة؛ في استخدام اللغة والأُسلوب والمصطلح الملائم، مع التطوّر الثقافي والمعلوماتي.

وفي اللغة العربية كنزٌ هائل لمصطلحات أصيلة، تراعي كل تطوّر في عالم الأفكار والثقافة. وهذا يؤكّد أنّ استخدام لغة جديدة في الخطاب، لا يعني ترك لغتنا أو إغفال أصولها.

وإضافة إلى لغة الخطاب، تبرز مسألة موازية في أهميتها لمسألة اللغة والخطاب، وهي فيما يخص الأسلوب والمنهج، الذي لابدّ للخطيب أنْ يراعيهما في عرضه للأفكار والمبادئ الإسلامية، وصياغتها ضمن منهجية علمية وأسلوب رصين، يشدّ إليه المستمعين، فيخرجون منه عن علم، ويصدرون منه عن ثقافة ودين.

وما أروع أنْ يتحلّى الداعية المسلم، بالأسلوب العلمي الأكاديمي، وهو يصيغ مبادئ الإسلام بعمق وأصالة، ومراعياً الأسلوب الهادف، واللغة الملائمة.

إنّ وسائل الإعلام تتبع أساليب متنوّعة من أجل شدّ الجماهير، وتشويقهم إلى برامجها. وعلى الدعاة إلى الإسلام، أنْ يولوا هذه المسألة اهتماماً كبيراً.

إذ (لابدّ أنْ تستجيب المؤسّسة الثقافية الاجتماعية، ذات المحتوى الديني الإسلامي، لوسائل عصرها المتطوّرة لتكون أكثر فاعلية وتأثيراً في الجمهور الذي تخاطبه وتتعامل معه، ولتكون مساوية في القدرة مع المؤسّسات الأخرى المنافسة لها، ولتكون قادرة على تغطية مساحة من الجمهور بنشاطها)(1) .

____________________

(1) شمس الدين، محمد مهدي: ثورة الحسين في الوجدان الشعبي ص307.

٣٧٩

3) تحدّيات تواجه رسالة المنبر

كن المنبر الحسيني، قد نشأ في أوّل الأمر ليذكّر الناس بواقعة كربلاء، ثم تطوّر الأمر - كما مر بنا في هذا الكتاب - حتى راح هذا المنبر يعالج قضايا الإسلام الكبرى، ومهمات التربية والإعداد الروحي والبناء الفكري، والثقافة الإسلامية العامة.

وعلى خطيب المنبر الحسيني، مراعاة رسالة المنبر هذه. فكلّما كانت المواضيع التي يتناولها ذات مساس بواقع الناس وحاجاتهم، وما يعيشون من آمال وآلام، كان المنبر أكثر توافراً على أداء رسالته ومهمّاته.

وهذا الأمر نجده واضحاً في جماهير المنبر الحسيني، حيث نراها تؤم خطيباً دون آخر، وربّما قصدته لمسافات بعيدة نسبياً. وتكون حريصة على اقتناء أشرطة محاضراته المسجّلة؛ لأنّها تجده خطيباً يعيش معها في أبعاد حياتها وهمومها.

ونجد لذلك مثالاً واقعياً، في قصد المصلين مسجداً دون آخر، لأداء فريضة صلاة الجمعة؛ لأنّهم يجدون في إمام هذا المسجد وخطبهِ ما لا يجدونه في خطب إمام مسجد آخر، من حيث طرحه لمواضيع الحياة اليومية، ومشاغل الإنسان المعاصر.

إضافة إلى مهمّة أخرى، تقع على عاتق خطيب المنبر الحسيني، وهي إبقاء مسألة الشحنة العاطفية، وبأسلوبٍ راقٍ يتناسب مع ثقافة المجتمع وتطوّره، عبر اختيار الشعر الرثائي الرصين، والكلمة الأدبية المناسبة وإتباع الأُسلوب المؤثّر روحياً وعاطفياً.

إذ (لابدّ في المأتم الحسيني من المحافظة على مبرِّر وجوده؛ وهو تاريخ ثورة الإمام الحسين، فلا يلغى تاريخها من المأتم تحت

٣٨٠