المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل0%

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 397

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ فيصل الخالدي الكاظمي
تصنيف: الصفحات: 397
المشاهدات: 116132
تحميل: 8217

توضيحات:

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 397 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 116132 / تحميل: 8217
الحجم الحجم الحجم
المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

المنبر الحسيني نشوؤه وحاضره وآفاق المستقبل

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الحسين لابن زياد(1) ، جعله في طست وجعل يضرب ثناياه(2) بقضيب ويقول: ما رأيت مثل هذا حسناً، إنْ كان لحَسَن الثغر! وكان عنده أنَس فبكى. وقال: كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورواه الترمذي وغيره)(3) .

3 - زيد بن أرقم(4) : جاء في الأخبار الطوال: (ولما أُدخل رأس الحسينعليه‌السلام على ابن زياد فوضع بين يديه، جعل ابن زياد ينكت بالخيزرانه ثنايا الحسين، وعنده زيد بن أرقم، صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له: مَه، ارفع قضيبك عن هذه الثنايا، فلقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلثمها، ثمّ خنقته العبرة فبكى، فقال ابن زياد: ممّ تبكي؟ أبكى الله عينيك، والله لولا أنّك شيخ قد خرفت لضربت عنقك)(5) .

____________________

(1) هو عبيد الله بن زياد بن أبيه والٍ وفاتح معروف ولد في البصرة 28 للهجرة. ولاّه معاوية خراسان سنة 53 للهجرة، ثمّ البصرة سنة 55 للهجرة، أقرّه يزيد على البصرة وضمّ إليه الكوفة (60 هـ) لمّا بلغه تحرّك الإمام الحسين إليها. أمر بقتل الحسن سنة 61 للجرة. ثار عليه أهل البصرة سنة 65 للهجرة. هرب إلى الشام ثمّ عاد إلى العراق فقتل في واقعة الزاب سنة 67 للهجرة. (الزركلي، خير الدين: الأعلام، 4 / 192).

(2) ثنايا جمع ثنية، وهي أسنان مقدّم الفم، اثنتان من أعلى وأثنتان من أسفل.

(3) العسقلاني، أحمد بن حجر: الصواعق المحرقة، صفحة 300. البخاري، محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري. (لم يذكر البخاري بكاء أنس). 5 / 32. سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي: تذكرة الخواصّ صفحة 231. الترمذي، محمد بن عيسى: صحيح الترمذي، 5 / 653.

(4) زيد ابن أرقم بن قيس بن النعمان الخزرجي الأنصاري. مختلف في كنيته. استصغر سنّة يوم أحد، وأول مشاهده الخندق، غزا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع عشرة غزوة، له حديث كثير شهد صفّين مع علي، مات بالكوفة أيام المختار سنة 66 للهجرة. (العسقلاني، أحمد بن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 1 / 56).

(5) الدينوري، أحمد بن داود: الأخبار الطوال، ص260. الطبري، محمد بن جرير: تاريخ الأمم والملوك، 4 / 349. ابن الأثير، علي بن عبد الواحد: الكامل في التاريخ، ص296. العسقلاني، أحمد بن حجر: الصواعق المحرقة، ص300. سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي: تذكرة الخواص، ص231. القسطلاني، أحمد بن محمد: إرشاد الساري في شرح البخاري، 6 / 129.

٤١

4 - مأتم لعبد الله بن جعفر(1) : جاء في تاريخ الطبري: (لمّا بلغ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، مقتل ابنيه مع الحسين، دخل عليه بعض مواليه والناس يعزّونه... ثمّ أقبل على جلسائه فقال: الحمد لله عزّ وجل على مصرع الحسين، إنْ لا يكن آستْ حسيناً يدي فقد آساه ولدي)(2) .

5 - الحسن البصري(3) : ور د في تذكرة الخواص: (ولمّا بلغ الحسن البصري قتْل الحسين بكى حتى اختلج صدغاه(4) ثمّ قال: وا ذلّ أمّة قتلت ابن بنت نبيّها. والله ليردّن رأس الحسين إلى جسده، ثمّ لينتقمن له جدّه وأبوه من ابن مرجانة(5))(6) .

هذه هي خمسة نماذج، لبعض أعلام المسلمين من الصحابة وتابعي واحد، سجّلت لنا بعض المصادر التاريخية، تأثّرهم بواقعة كربلاء وبكاءهم للحسين.

____________________

(1) عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي القرشي أبو هاشم وأمّه أسماء بنت عميس، صحابي ولد في بأرض الحبشة سنة 1 للهجرة لمّا هاجر أبواه إليها. وهو أول من ولد بها من المسلمين. أتى البصرة والكوفة والشام. وكان كريماً يسمّى بحر الجود وقطب السخاء وللشعراء فيه مدائح. أحد أمراء جيش علي يوم صفّين. مات بالمدينة سنة 80 للهجرة. (العسقلاني، أحمد بن حجر: الإصابة 2 / 289).

(2) الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، 4 / 357. ابن الأثير، علي بن عبد الواحد، الكامل في التاريخ 3 / 301.

(3) الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد، تابعي ولد في المدينة سنة 21 هجرية. وكان إمام أهل البصرة وصفه الغزالي بأنه أقرب الناس هدياً من الصحابة، له مواقف مع الحجاج بن يوسف له كتاب في فضائل مكة. توفي بالبصرة سنة 110 هجرية (وقبره لا يزال مشهوراً فيها)(الزركلي، خير الدين، الأعلام 2 / 226).

(4) اختلج صدغاه، اختلج: أي اضطرب وتحرك، والصدغ: هو ما بين العين إلى الإذن واختلج صدغاه بيان لشدّة البكاء.

(5) ابن مرجانة: لقب لعبيد الله بن زياد، يعيّر بأمٍّ كانت لأبيه زياد في الجاهلية.

(6) سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي: تذكرة الخواص، 265. البلاذري، أحمد بن يحيى: أنساب الأشراف، 3 / 227. الطبراني، إسماعيل بن أحمد: المعجم الكبير، 3 / 127.

٤٢

كما سجّل لنا التاريخ، بعض مظاهر الحزن والعزاء العامّة، والتي أطلقنا عليها مصطلح (المآتم العفوية) والتي رافقت أحداث ما بعد قتل الإمام الحسينعليه‌السلام .

ولنقف عند هذه المآتم بشكل موجز:

1 - بكاء من حضر وداع السيدة زينب(1) عليها‌السلام ، لجسد أخيها الحسينعليه‌السلام ، يوم الحادي عشر من المحرّم، حينما أخذت النساء المسبيّات إلى الكوفة. فقد ورد في تاريخ الطبري: (قال: فما نسيت من الأشياء، لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة، حين مرّت بأخيها الحسين بالعراء مرمّلٌ بالدماء(2) مقطّع الأعضاء، يا محمداه... وبناتك سبايا وذريّتك مقتّلة، تسفي(3) عليها الصبا. قال: فأبكت والله كل عدوّ وصديق)(4) .

2 - بكاء أهل الكوفة حين وصول السبايا إليها: ضجّت الكوفة بأهلها، حين دخول ركب السبايا. فـ (عن خدّام الأسدي قال: دخلتُ الكوفة، سنة أحدى وستين وهي السنة التي قتل فيها الحسينعليه‌السلام - فرأيت نساء أهل الكوفة يومئذ، يلتدمن، مهتّكات الجيوب(5) . ورأيت علي ابن

____________________

(1) هي السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب شقيقة الحسن والحسين، ولدت سنة 7 للهجرة في المدينة المنورة. تزوّجت من ابن عمّها عبد الله بن جعفر. رافقت أخاها الحسين في خروجه من العراق ثمّ أخذت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام. وكانت ثابتة الجنان رفيعة القدر خطيبة فصيحة، لها أخبار وتوفّيت سنة 62 للهجرة (الزركلي، خير الدين: الأعلام 2 / 66).

(2) المرمّل: هو الملطّخ بالدماء.

(3) أي تسرع رياح الصبا الرمال على تلك الأجساد.

(4) الطبري، محمد بن جرير: تاريخ الأمم والملوك، 4 / 61. ابن الأثير، علي بن عبد الواحد: الكامل في التاريخ 3 / 296. سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي: تذكرة الخواص صفحة 231.

(5) يلتدمن: يضربن صدورهن ووجوههن. الجيوب جمع جيب وهي الصدور.

إنّ هتك المرأة لجيبها، وإبراز صدرها، محرّم على غير المحارم باتفاق جمهور المسلمين على اختلاف اتجاهاتهم الفقهية. وحينما نورد نصّاً تاريخياً في بحثنا هذا، فإنّنا نذكره كما =

٤٣

الحسينعليه‌السلام (1) وهو يقول بصوت قد نحل من المرض: (يا أهل الكوفة، إنّكم تبكون علينا فمن قلتنا غيركم؟!)(2) .

وعلت أصوات الكوفيين بالبكاء. وكذلك كان الأمر بعد خطبة السيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالبعليه‌السلام (3) حيث وصَفت حالة الناس بعد خطبتها (فرأيت الناس حيارى، وقد ردّوا أيديهم إلى أفواههم ورأيت شيخاً كبيراً من بني جحفى، وقد اخضلّت لحيته من دموع عينيه وهو يقول:

كهولهم خيرُ الكهول ونسلهم

إذا عُدّ نسلُ لا يبور ولا يخزى)(4)

3 - نساء أمويات يبكين الحسين في الشام: يقول الطبري: (ثمّ أُدخل نساء الحسين على يزيد، فصاح آل يزيد وبنات معاوية وأهله،

____________________

= أوردته المصادر، وإنْ كان لنا على بعضها ملاحظات. وسيأتي تعليق أحد العلماء الشيعة على ما ذكرته بعض كتب التاريخ من خروج النساء - أيام البويهيين في بغداد - ناشرات الشعور. ص54).

(1) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشيعليه‌السلام . ولد في المدينة المنورة عام 38 هـ. أمّه شاه زنان بنت الملك يزدجر. وله عدّة ألقاب من أشهرها زين العابدين. خرج مع أبيه الحسين إلى كربلاء، ومرض بمرض حال دون قتاله، أرادوا قتله يوم عاشوراء فأنجاه الله. انحصرت فيه ذرّية الحسين. عرف بكثرة عبادته ودعائه توفّي بالمدينة عام 95 هـ. (الحسني، هاشم معروف: سيرة الأئمّة الاثنا عشر، 2 / 109).

(2) ابن طيفور، أحمد بن أبي طاهر - بلاغات النساء - ص34 / 35ك الخوارزمي، الموفّق بن أحمد: مقتل الحسين - 2 / 40. ابن أبي يعقوب، أحمد: تاريخ اليعقوبي 2 / 158، وكذلك البراقي، حسين بن أحمد: تاريخ الكوفة، ص460.

(3) أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب الهاشمية القرشية وأمّها السيدة فاطمة الزهراءعليها‌السلام بنت رسول الله ولدت في المدينة سنة 5 للهجرة خرجت مع أخيها الحسين إلى كربلاء وأُخذت مسبيّة إلى الكوفة فالشام ثمّ عادت إلى المدينة، ويقال أنّها توفّيت فيها بعد بضع سنين. تعرف أيضاً بزينب الصغرى، تذكر بعض المصادر تزويجها من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. وتوقّف آخرون عن ذلك (الحكيمي، أحمد رضا، أعيان النساء عبر العصور المختلفة: ص51).

(4) بنت الشاطئ، عائشة عبد الرحمان: السيدة زينب ص152، 155. يبور، من البوار: أي الهلاك. يخزى: يذل ويهون..

٤٤

وولوَلن...)(1) .

وقال ابن الأثير: (لم تبقَ امرأة من آل يزيد إلاّ أتتهن وأقمن المآتم)(2) وأضاف سبط ابن الجوزي في التذكرة:(فأقاموا عليه المناحة ثلاثاً) (3) .

4 - بكاء أهل الشام في الجامع الأموي بدمشق: أقيمت الصلاة في دمشق، لمّا وصلها رأس الحسين، وطلب علي بن الحسينعليه‌السلام - في خبر طويل - من يزيد أنْ يأذن له في أن يكلّم الناس، وبعد إلحاح بعض الحاضرين، أذن للإمام علي بن الحسين أنْ يخطب... (ولم يزل يقول: أنا أنا، حتى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أنْ تكون فتنة، فأمر المؤذّن أنْ يؤذّن، فقطع عليه الكلام وسكت)(4) .

5 - بكاء الهاشميات والأنصار في المدينة: لمّا وصل خبر قتل الحسين، إلى المدينة، (... فصاح نساء بني هاشم، وخرجت ابنة عقيل بن أبي طالب، ومعها نساؤها حاسرةً تلوي ثوبها وهي تقول:

ماذا تـقولون إنْ قـال الـنبي لـكم

ماذا فـعـلتم وأنـتـم آخـرالأُمـمِ

بـعـتـرتي وبـأهـلي بـعـد مفتقدي

مـنهم أُسـارى وقتلى ضرّجوا(5) بدمِ

مـا كـان هـذا جزائي إذ نصحت لكم

أنْ تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي)(6)

____________________

(1) ولولت المرأة: دعت بالويل وأعولت: أي رفعت صوتها بالبكاء والصياح. الطبري، محمد بن جرير: تاريخ الأمم والملوك 4 / 355.

(2) ابن الأثير، علي بن عبد الواحد، الكامل 3 / 299.

(3) سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي: تذكرة الخواصّ، ص231. وانظر كذلك ابن عبد ربّه أحمد بن محمد: العقد الفريد، 4 / 183.

(4) الخوارزمي، الموفق بن أحمد: مقتل الحسين، 2 / 17. سيد الأهل، عبد العزيز: الإمام زين العابدين، ص29.

(5) ضرّجوا أي لُطّخوا.

(6) ابن الأثير، علي بن عبد الواحد: الكامل، 3 / 300 الطبري - تاريخ الأمم والملوك - 4 / 357. المسعودي، علي بن الحسين: مروج الذهب 3 / 68. سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي: تذكرة الخواص ص90.ابن كثير، البداية والنهاية، الدمشقي، إسماعيل بن كثير: 8 / 198.

٤٥

(ولمّا دخل حرم الحسينعليه‌السلام المدينة، عجّت نساء بني هاشم، وصارت المدينة، صيحة واحدة)(1) .

(.. تصارخت النساء من كل ناحية، حتى ارتفعت المدينة، بالرجّة التي ما سمع بمثلها قط)(2) .

و(وضجّت بنو هاشم والأنصار، ضجّة لم يسمع بمثلها من قبل)(3) .

وفي مقاتل الطالبيين، حينما يذكر أخوة الحسين الأربعة، الذين قتلوا معه في كربلاء، وأمّهم أمّ البنين(4) (وكانت أُم البنين، أُم هؤلاء الأربعة الأخوة القتلى، ترجع إلى البقيع، فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها. فيجتمع الناس إليها يسمعون منها. فكان مروان(5) يجيء لذلك، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي...)(6) .

____________________

(1) الخوارزمي، الموفق بن أحمد: مقتل الحسين 2 / 76.

(2) ابن أبي يعقوب، أحمد: تاريخ اليعقوبي، 2 / 159.

(3) سيد الأهل، عبد العزيز: زينب عقيلة بني هاشم، ص96.

(4) أم البنين: هي فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابي، تزوجها علي بن أبي طالب بإشارة من أخيه عقيل بن أبي طالب الذي كان عالماً بأنساب العرب، فأولدها أربعة قتلوا مع أخيهم الحسن في كربلاء وهم العباس وعبد الله وعثمان وجعفر وذلك يوم عاشوراء سنة 61 للهجرة. (بحر العلوم، محمد تقي: مقتل الحسين، ص210).

(5) مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي القرشي.. أبو عبد الملك، خليفة أموي، وهو أول من ملك من بني الكم بن أبي العاص. ولد سنة 2 هـ ونشأ بالطائف وسكن المدينة. خرج مع طلحة والزبير إلى البصرة في حرب الجمل. ولاّه معاوية المدينة من 42 - 49 هـ. بويع له بالخلافة 64 هـ مات بدمشق سنة 65 هـ بالطاعون، وقيل غطّته زوجته أم خالد بوسادة وهو نائم فقتلته. (الزركلي، خير الدين: الأعلام، 7 / 207).

(6) الأصفهاني، علي بن الحسين (أبو الفرج): مقاتل الطالبين - ص56.

٤٦

6 - استقبال أهل مصر للسيدة زينبعليها‌السلام بالبكاء: لمّا قدمت زينب بنت علي من الشام، مع النساء والصبيان، ثارت فتنة بينها وبين عَمْر بن سعيد الأشدق والي الأمويين من قِبل يزيد فكتب إلى يزيد، يشير عليه بنفيّها من المدينة، ويقول له: (إنّ وجودها بين أهل المدينة مهيّج للخواطر، وأنّها فصيحة عالمة لبيبة، وقد عزمت هي ومَن معها، على القيام للأخذ بثأر الحسين). فرجع الأمر من يزيد بإخراجها من المدينة. ولكنّها رفضت ذلك قائلةً:(قد علم والله ما صار إلينا، قُتل خيُّرنا وسيق الباقون كما تساق الأغنام، وحُملنا على الأقتاب، فوالله لا خرجنا وإْن أريقت دماؤنا) .

ولكن نساء بني هاشم أشفقن عليها، فدخلت عليها زينب بنت عقيل بن أبي طالب قائلة:(يا ابنة عمّي، قد صدَقنا الله وعده، وأورثنا في الأرض نتبوأ (1) منها حيث نشاء، وسيجزي الله الظالمين. ارحلي إلى بلد آمن). فخرجت من المدينة إلى مصر، فقدمتها لأيام بقين من رجب واستقبلها الوالي، وهو مسلمة بن مخلّد الأنصاري، في شعبان من سنة 61 للهجرة.

وجاء الناس لاستقبالها عند قرية قرب (بلبيس)(2) ؛ وفيهم العلماء والوجهاء والوالي. فلمّا أطلت عليهم، أجهشوا بالبكاء (فتقدّم إليها مسلمة بن مخلّد، وعبد الله بن الحارث، وأبو عميرة المزني فعزّاها مسلمة وبكى، فبكت، وبكى الحاضرون، وقالت: هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون، ثمّ احتملها إلى داره بالحمراء)(3) .

____________________

(1) اللبيبة: العاقلة، ما صار إلينا: أي ما جرى علينا، الأقتاب: القتب وهو رحل البعير، نتبوأ: نتّخذ.

(2) بلبيس: بكسر البائين، مدينة بينها وبين فسطاط مصر عشرة فراسخ، على طريق الشام، فتحت سنة 18 أو 19 هـ على يد عمرو بن العاص. ذكرها المتنبي في بعض شعره. (الحموي، ياقوت بن عبد الله: معجم البلدان 1 / 479).

(3) العبيدلي، يحيى بن الحسن: أخبار الزينبات ص116 - 120.

٤٧

إذن فالمسلمون عموماً، قد تأثّروا لما جرى على الحسين؛ من قتل، ومعه أولاده وأهل بيه وأصابه، ثمّ لمّا جرى على النساء والأطفال، بعد ذلك من السبي، وما صاحبه من المحن والآلام.

ولهذا فإنّ القسطلاني، في باب(مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما) يقول: (ولما قُتل الحسين بكى الناس فأكثروا...)(1) .

وممّا أسهم في ازدياد تأثر الناس بأحداث كربلاء، عودة (الجنود إلى بلدانهم وقبائلهم، ينشرون الأخبار عن الهول الذي رأوه، وشاركوا في صنعه، وعن النهاية الفاجعة للثائرين. وشاهد الناس، على امتداد الطرق؛ من كربلاء والكوفة والشام والمدينة؛ قافلة السبايا والرؤوس، وانفعلوا بالمآتم العرضية العائلية، التي كانت تقام هنا وهناك.

ولابدّ أنّ الانفعال العفوي بالثورة ونهايتها المأساوية، بما يثيره من حزنٍ عميق وأسىً بالغ، قد أعطى الناس الذين عرفوا بما حدث، مبرّراً للتجمّع، ومادّة للحديث وحافزاً على مراجعة المواقف والآراء...)(2) .

وظاهرة الحزن والبكاء، التي برزت في أكثر من موضع في الأقاليم الإسلاميّة، قامت بتهيئة الأجواء لتلك المآتم، التي تقام على الحسينعليه‌السلام بقصدٍ وإعدادٍ مُسبَقَين، والتي هي موضوع دراستنا هنا، والتي عرّفناها بـ: (المآتم الهادفة).

وهذه (المآتم الهادفة) قامت بعملية استمرار للمآتم العفوية، والتي كان من المتوقّع أنْ تخبو جذوتُها، وتخمد حرقُتها بعد مدّة تطول أو تقصر، مع تقادم الأيام، وابتعاد

____________________

(1) القسطلاني، أحمد بن محمد: إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري - 6 / 134.

(2) شمس الدين، محمد مهدي: ثورة الحسين في الوجدان الشعبي، ص233.

٤٨

الناس عن واقعة كربلاء زمنياً ونفسياً.

إذاً فقد كانت هناك مآتم مصاحبة للفاجعة، وهي عادة ما تصاحب الأحداث ذات الإثارة العاطفية البارزة، ثمّ نشأت مآتم أخرى بعد عصر الفاجعة بقصد وهدف.

فمتى نشأت هذه المآتم الهادفة؟ ومن دعا الناس إلى التجمّع بهدف البكاء على الحسينعليه‌السلام بحيث برز البعض، ممّن يجيد فن النوح، وإنشاد الشعر الرثائي بحزن. وهذا البعض؛ كان هو السلف القديم، لخطيب المنبر الحسيني اليوم.

المبحث الأول: الآراء في نشوء المنبر الحسيني

لقد ذكرت آراء عدّة، في مسألة نشوء المآتم الهادفة، والتي شكّلت الأساس لقيام المنبر الحسيني وتوسّع مدرسته. وأهم هذه الآراء هي:

الرأي الأوّل: التوّابون (1)

يذهب أحد المستشرقين، إلى أنّ أوّل من أقام المآتم على

____________________

(1) التّوابون: جيش كوفي قوامه أربعة آلاف رجل، ممّن ندم على خذلانه الحسين وعدم نصرته له. فتوجّهوا إلى كربلاء سنة 65 هـ. وأبرزوا ندمهم وتوبتهم، ثمّ اتجهوا إلى بلاد الشام حتى كانت معركة عين الوردة في أعالي نهر الفرات سنة 65 هـ. ولم يرجع منهم إلاّ القليل بعد قتالٍ شديد مع الجيش الأموي، وقد عرف هذا الجيش بـ (التوابون) لما أبرزوه من ندمٍ وتوبة. واسم (التوابون) قديم، حيث نجد أنّ ابن الأثير في الكامل يضع عنواناً حول التوابين وأخبارهم. وأنّ التوابين هم من أطلق هذا الاسم. حيث كانوا (قد أحسّوا بالخطر الفادح بخذلانهم الحسينعليه‌السلام ، ورأوا أنّ هذا الخذلان لا يغسله إلاّ قتل من قتله، أو القتل =

٤٩

الحسين، هم جيش التوابين، حينما غادروا الكوفة، ووصلوا إلى موضع قبور شهداء كربلاء، حيث أقاموا المأتم ثلاثاً، وعلت أصواتهم بالبكاء والنحيب، عند قبر الحسين(1) ، إذ (عندما ثار التوابون سنة 65 للهجرة (684م)، أخذوا أسلحتهم إلى هناك ورفعوا عقائرهم(2) معاً، في نحيب عالٍ. وبكوا وابتهلوا إلى الله أنْ يغفر لهم تخلّيهم عن حفيد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ساعة ضيقة. وصاح زعيمهم(3) : اللهم ارحم حسيناً الشهيد ابن الشهيد، المهدي بن المهدي، الصدّيق ابن الصدّيق. اللهم اشهد إنّنا على دينهم وسبيلهم، وأعداء مقاتليهم وأولياء محبّيهم.

وهنا تكمن، نواة التعزية، ومسرحيات المآتم، التي تمثّل كل عام، في العاشر من محرّم حيثما وجد الشيعة)(4) .

وهذا هو الرأي الأوّل، في مسألة نشوء المنبر الحسيني، التي عبّر بها بـ (التعزية) - وهو المصطلح الشائع في البلاد الهندية اليوم - ونشوء ظاهرة تمثيل الواقعة، والتي هي ليست محل دراستنا هنا.

ومن المناسب هنا، أنْ نذكر أنّ هذا البكاء والنحيب العام، الذي أطلقه التّوابون عند قبر الحسينعليه‌السلام بكربلاء سنة 65 هجرية، رافقه في تلك الفترة حدث آخر، سجلته بعض المصادر التاريخية

____________________

= في سبيله، وأكثروا من البكاء على الحسين، وسمّوا أنفسهم التوابين) (الحسني، هاشم معروف: الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ، ص324). وعين الوردة: رأس عين، المدينة المشهورة بالجزيرة، كانت فيها وقعة للعرب، ويوم من أيّامهم، وكان أحد رؤسائهم يومئذ: رفاعة بن شدّاد. (الحموي، ياقوت بن عبد الله: معجم البلدان، 4 / 180).

(1) لمزيد من التفصيل في أمر التوابين يراجع (تاريخ الطبري 4 / 427) و(تاريخ ابن الأثير 3 / 332 و 341).

و(مروج الذهب للمسعودي 3 / 93)، ومصادر أخرى.

(2) عقائرهم جمع عقيرة وهي الصوت.

(3) وهو الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي. المقتول في واقعة عين الوردة سنة 65 هـ.

(4) تكلسن، ريولد: تاريخ العرب الأدبي في الجاهلية وصدر الإسلام، ص329.

٥٠

وهذه المرّة من رجل آخر، رفع شعار طلب ثأر الإمام الحسينعليه‌السلام وهو المختار بن أبي عبيدة الثقفي(1) ، الذي سيطر على الكوفة، بُعيد خروج التوابين إلى الشام، لمواجهة الجيش الأموي، في واقعة عين الوردة عام 65 هجرية.

إذ لما بلغ المختار بن أبي عبيدة الثقفي، عدم رضا محمد بن الحنفية(2) عنه، لأنّه يُجلس عمر بن سعد(3) ، على وسائده (... قال المختار لأبي عمرو صاحب حرَسه: استأجر لي نوائح يبكين الحسين، قال عمر لابنه حفص: يا بني، ائت الأمير فقل له: ما شأن النوائح يبكين الحسين على بابي؟)(4) .

فهنا نجد أنّ المختار قصد استئجار نساء ينُحْ على الحسين، أي أنّه أمر بإقامة مأتم يندب فيه الحسين. ممّا يمكننا القول، بأنّه من أوائل المآتم التي أقيمت بقصدٍ بعد واقعة كربلاء. ولكنّنا لم نجد من

____________________

(1) المختار بن أبي عُبيدة بن المسعود الثقفي، أبو إسحاق، من زعماء الثائرين على بني أمية. ولد سنة 1 للهجرة بالطائف، ثمّ انتقل إلى المدينة بعد أبيه الذي استشهد في فتوح فارس. نزل مسلم بن عقيل بن أبي طالب في منزله بالكوفة حينما بعثه الحسين إلى أهلها. سجنه ابن زياد ثمّ بايع عبد الله بن الزبير وعاد إلى الكوفة. قتل الكثير ممّن شرك في قتل الحسين. ثمّ قُتِل في معركة مع مصعب بن الزبير عام 67 للهجرة. (ودفن في الكوفة وقبره معروف)(الزركلي، خير الدين: الأعلام 7 / 192).

(2) محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، أبو القاسم، عرف بنسبه إلى أمّه الحنفيّة وهي خولة بنت جعفر بن قيس، من بني حنيفة، من الأبطال الأشدّاء في صدر الإسلام. ولد سنة 21 للهجرة في المدينة. توفي في المدينة 81 للهجرة. (بحر العلوم، محمد تقي: مقتل الحسين، 136).

(3) عمر بن سعد بن أبي وقّاص الزهري القريشي، أبو حفص من الأمراء والقادة، سيّره عُبيد الله بن زياد على أربعة آلاف لقتال الديلم وكتب له عهده على الريّ. فلمّا علم ابن زياد بمسير الحسين في الكوفة، كتب إليه أنْ يعود. فلمّا عاد ولاّه قتال الحسين فاستعفاه فهدّده ابن زياد فأطاعه. حتى خرج لقتال الحسين في كربلاء 61 للهجرة. ثمّ بقي في الكوفة حتى قتله جماعة المختار الثقفي سنة 66 للهجرة. (الزركلي، خير الدين: الأعلام 5 / 47).

(4) ابن قتيبة، عبد الله: الإمامة والسياسة 2 / 24.

٥١

يذهب إلى أنّ المختار، هو أوّل من أسّس، ودعا إلى إقامة المآتم على الإمام الحسينعليه‌السلام . ربّما لأنّ التوابين قد سبقوه إلى إقامة تلك النياحة الكبرى، عند قبر الإمام الحسين، والتي كانت مسألة أشهُر فقط.

والنتيجة؛ أنّ التوابين أقاموا مأتماً كبيراً على قبر الحسين بكربلاء، وهناك رأي يقول: أنّ التوابين - بذلك - هم المؤسّسون للعزاء والمآتم الحسينية وإنّ هم وضعوا نواة ذلك.

مناقشة الرأي الأوّل:

لو أردنا مناقشة هذا الرأي، فيمكن أنْ نسجّل عليه هذه الملاحظات:

(1) إنّ المأتم أو النواح، الذي أقامه التوابون عند قبر الحسين واستمرّ ثلاثة أيام، هو من المآتم العفوية، وليس من المآتم الهادفة، والتي هي موضوع بحثنا؛ لأنّ التوابين حينما توجّهوا إلى كربلاء، لم يتوجّهوا إليها بهدف إقامة مراسم العزاء، ولكنّهم مرّوا على كربلاء - وهم في طريقهم إلى مواجهة أعدائهم الأمويين - من أجل تجديد العهد، على الأخذ بثأره، وقتال من أمَر بقتله. ثمّ إنّ العواطف أخذت مأخذها، حينما رأوا القبور، وتذكّروا ما جرى يوم عاشوراء سنة 61 هـ ولهذا فإنّ المأتم الذي دعا إليه المختار، يمكن أنْ يكون أقرب إلى المأتم الهادفة، من بكاء التوابين عند قبر الحسينعليه‌السلام بكربلاء.

(2) لقد مرّ بنا أن المأّتم أخرى عفوية، قد رافقت مسيرة السبايا في كربلاء والكوفة والشام حتى المدينة، فلماذا لا تعتبر تلك المآتم هي (نواة التعزية). خاصة أنّها تتضمّن بكاء بعضٍ من أهل البيت، ومجموعة من الصحابة وسادة المسلمين، ممّا يعطيها قدسية خاصة.

(3) مهما قيل في نبل موقف التوابين وصدق نياتهم، حتى مضوا

٥٢

في واقعةٍ من أندر الوقائع التاريخية، التي اندفع أصحابها للقتل بشكل تضحوي بارز، رغم كل ذلك، فإنّ التوابين لا يملكون المؤهّلات الشرعية والدينية التي تجعل تصرّفاتهم سنّة يستنّ بها الشيعة، ويُعظّمها أئمتُهم وعلماؤهم.

الرأي الثاني: البويهيّون (1)

إنّ مَن يراجع المصادر التاريخية، التي تحدثت عن حوادث سنة ثلاثمِئة واثنتين وخمسين للهجرة، أي بعد ما يقارب من ثلاثة قرون على واقعة كربلاء، وحينما كان البويهيون، يسيطرون على مقاليد الخلافة العبّاسية في بغداد، يجد أنّ تلك المصادر سجّلت ما أمر به معزّ الدولة البويهي يوم عاشوراء من تلك السنة. يقول ابن الأثير في الكامل: (في هذه السنة عاشر المحرّم. أمر معزّ الدولة(2) الناس أنْ يغلقوا دكاكينهم ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء. وأنْ يُظهِروا النياحة، ويلبسوا قباباً عملوها بالمسوح(3) ، وأنْ تخرج النساء، منشّرات الشعور، مسودّات الوجوه، وقد شقَقن ثيابهن في البلد ويلطمن وجوهن، على الحسين بن

____________________

(1) بنو بويه: أسرة فارسية من أصل ديلمي، حكمت (334 - 447هـ) الموافق (932 - 1055م) أسّس حكمهم أبو شجاع بويه. استولى أولاده علي عماد الدولة والحسن ركن الدولة، وأحمد معزّ الدولة على أصفهان وشيراز وكرمان وبغداد. وبقوا في حكم بغداد حتى غلبهم السلطان السلجوقي طغرل بك سنة 447 هـ 1055 م (معلوف، لويس: المنجد / الأعلام ص155).

(2) معزّ الدولة: أحمد بن بويه بن فناخسرو بن تمام، من سلالة سابور ذي الأكتاف الساساني ولد سنة 303 هجرية في بلاد الديلم. فارسي الأصل مستعرب. يقال له الأقطع لأنّ يده اليسرى قطعت في معركة مع الأكراد. سيطر على بغداد سنة 334 هجرية في خلافة المستكفي. حكم 22 عاماً، مات ببغداد سنة 356 هجرية. (الزركلي، خير الدين: الأعلام، 1 / 105).

(3) المسوح: جمعهُ مِسْح وهو الكساء من الشَعر.

٥٣

علي رضي الله عنهما ففعل الناس ذلك...)(1) .

هذا، وقد شكّك علماء الشيعة، ببعض ما ذكر آنفاً:

يقول: السيد محسن الأمين في موسوعة (أعيان الشيعة) معلّقاً على ما ذكرته المصادر التاريخية من خروج النساء على تلك الهيئة التي وصفت، فيقول: (مُبالغ فيه فإبراز النساء شعورهن أمام الأجانب محرّم بضرورة الدين، فكيف يقدم عليه وهو إنّما يفعل ذلك تدّيناً؟ وكيف يمكّنه أهل الدين منه)؟(2) ويذكر أحد العلماء، إنّ مواكب الحزن والبكاء هذه، لم يكن فيها اختلاط بين الرجال والنساء (فكانت النساء تخرج ليلاً والرجال نهاراً)(3) .

وعلى كل حال، فقد رصد هذه الظاهرة، في بغداد، كل المصادر التي تحدثت عن تلك الفترة.

ولكن بعض هذه المصادر، لم تكتفِ برصد الظاهرة وتسجيلها، بل أبدى بعض المؤرِّخين رأياً فيها، فالحافظ جلال الدين السيوطي، يعلّق بعد ذكره لحوادث يوم عاشوراء ذاك فيقول: (وهذا أوّل يوم نِيْحَ على الحسينعليه‌السلام فيه ببغداد.

ويقول الذهبي في تاريخ الإسلام: (هذا أوّل يوم نيح عليه ببغداد)(5) .

____________________

(1) ابن الأثير، علي بن عبد الواحد، الكامل في التاريخ، 7 / 7 راجع كذلك (السيوطي، عبد الرحمان بن أبي بكر: تاريخ الخلفاء ص401)، (ابن كثير: إسماعيل الدمشقي: البداية والنهاية - 11 / 243)، (ابن الجوزي، عبد الرحمان، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، 7 / 15) ولم يؤرّخ الطبري ذلك؛ لأنّ آخر سنة أرّخها هي 310 هجرية.

(2) الأمين، محسن: أعيان الشيعة، 2 / 486.

(3) الشهرستاني، هبة الدين: نهضة الحسين، ص175.

(4) السيوطي، عبد الرحمان بن أبي بكر: تاريخ الخلفاء ص401.

(5) الذهبي، محمد بن أحمد: تاريخ الإسلام. حوادث (357 - 480هـ) 17 / 11، وقاله الذهبي كذلك في كتابه (العِبر في خبر من غبر، 2 / 89).

٥٤

وردّد هذه المقالة آخرون من القدماء والمحدثين(1) حتى تولّد فهم مفاده أن ّّّالبويهيّين، هم أول مَن أقام المأتم الحسيني (المنبر الحسيني). باعتبار إنّ مظاهر العزاء المذكورة، يصاحبها إنشاد للشعر الرثائي، وقراءة لمقتل الحسينعليه‌السلام ، وهما العنصران المؤسّسان، لظاهرة المنبر الحسيني، كما سيأتي بيانها.

مناقشة الرأي الثاني:

وهنا لابدّ أنْ نثير بعض النقاط:

(1) إنّ المصادر التاريخية، التي أرّخت ليوم عاشوراء عام 352هـ، قد ذكرت؛ أنّه أوّل يوم نيح فيه على الحسينعليه‌السلام ببغداد، ولم تقل أنّه أوّل يوم أقيمت فيه المأتم على الحسين مطلقاً. وفي كل البلدان. فلا يمنع هذا القول من احتمال قيام مآتم للحسين، سبقت هذا التاريخ، في بلدان أخرى غير بغداد، لو سلمّنا بما قالته هذه المصادر.

(2) إنّ البويهيّين، ومهما قيل عنهم، فإنّهم لا يعدون أنْ يكونوا سلاطين وأُمراء، كانت لهم مقادير الحكم في بغداد. ولكنّهم لا يمتلكون الأهلية الشرعية، والقداسة الدينية، حتى يمكن أنْ يكون عملهم سنّة وقدوة. فإذا كان التوّابون مع كل ما عُرفوا به، من صدق وإخلاص واندفاع نحو الموت، وفيهم بعض الصحابة، ومع ذلك قلنا: إنّ مأتمهم في كربلاء، لا يصلح أنْ يكون سنّةً ومبرّراً شرعياً عند الشيعة في هذه المسألة، فكيف يمكن أنْ يكون ذلك لبني بويه، وهم دون التوّابين في تديّنهم والتزامهم؟ أي إنّ ما قيل في مناقشة الرأي

____________________

(1) على سبيل المثال، ما ذكره د. فاروق عمر في كتابه (الخلافة العباسية في عصر الفوضى العسكرية)، ص11 حيث جاء فيه: (إنّ معزّ الدولة، هو الذي استنّ (هكذا) سُنّة النواح على الحسين (رض) في يوم عاشوراء، وجعلها عزاءً رسمياً، ولم تكن كذلك قبله. فأمر بغلق الدكاكين والأسواق، وإظهار النواح).

٥٥

الأول، يقال هنا وبشكل أقوى وأكثر دلالة.

(3) ونعود إلى ما ذكره المؤرّخون، من تحديد يوم عاشوراء سنة 352 هـ، من أنّه أول يوم نيح على الحسينعليه‌السلام فيه. ونسأل: هل يمكن لنا أنْ نجد ما يثبت، أنّ هناك مآتم كانت موجودة في بغداد أو غيرها قبل هذا التاريخ أم لا؟ فإذا لم يثبت ذلك، رجّحت كفّة قول هؤلاء المؤرّخين. وإنْ وجدنا إنّ هناك مآتم أقيمت في غيرها، فهذا يدل على أنّ المأتم الحسيني، عُرف له وجودٌ قبل هذا التاريخ في غير مدينة بغداد. أمّا إذا وجدنا، أنّ ّهناك مآتم، كانت قائمةً حتى في بغداد وقل هذا التاريخ، فإنّ من حقّنا أنْ نسجّل ملاحظة على دقّة ما ذكره بعض المؤرّخين سابقاً، حول هذه النقطة.

رصد بعض أدلّة وجود المنبر الحسيني قبل البويهيّين

قد بذلت ما بوسعي من جهد، لرصد ما أمكنني رصده، من تلك الأدلة، ولا يخفى أنّ هذا العمل تكتنفه الصعوبة من جوانب عدّة، منها:

1 - أنّ كتب التاريخ، إنّما تهتم - عادةً - بتسجيل أعمال وأحداث الخلفاء والحكّام والسلاطين، الذين حكموا بلاد المسلمين، ورصد بعض الوقائع في عهودهم. ولولا أنّ البويهيّين كانوا قد حكموا بغداد، لما اهتمّت كتب التاريخ بأمرهم ولما رصدته أساساً، ومنه ما كان يوم عاشوراء عام 352 هـ. وعليه، فإنّ المصادر التاريخية لم تتعرّض إلى موضوع المأتم الحسيني إلاّ ما جاء عرضاً.

2 - ولا نريد أنْ نغفل بعض الأجواء المذهبية، والظروف التاريخية، والتي جعلت المنبر الحسيني ينحصر في الشيعة، دون بقية مذاهب المسلمين، ممّا يعني عدم إيلاء عموم كتب المسلمين

٥٦

مسألة المنبر الحسيني اهتماماً، ممّا يجعل البحث أكثر صعوبة. ببداهة، أنّ البحث في مسألة أو أمر يهتمّ به جميع المسلمين، غير البحث في مسألة خاصة، ببعض مذاهبهم ومدارسهم. ممّا يعني بالتالي، قلّة المصادر وندرة المراجع.

3 - لعل للأجواء السياسية الضاغطة والمتحسّسة، من مسألة إقامة المآتم على الحسينعليه‌السلام في فترة الحكم الأموي؛ بما تتضمّنه المآتم من إدانة لقتلته، قد ساهمت بشكل كبير، في إبقاء هذه المآتم في أجواء التكتّم. وقد أشارت بعض المصادر إلى هذه المسألة. وكمثال؛ ما علّق به ابن الأثير في الكامل، على قصيدةٍ لأعشى همدان(1) قالها في رثاء التوابين بقوله: (وهي ممّا يكتّم ذلك الزمان)(2) ، ومطلع القصيدة:

ألّمَّ خيال منك يا أمّ غالب

فحيّيت عنّا مَن حييت بجانبِ

ثمّ إنّ العباسيّين، بعد ذلك، كانوا كالأمويّين في تحسّسهم من مسألة المأتم الحسيني، كما سيتّضح لاحقاً.

4 - إنّ الساحة الإسلامية، لم تبرز دولاً شيعية قبل البويهيّين في بغداد، والحمدانيّين في حلَب والفاطميّين في مصر، والتي جاءت بفترات زمنية متقاربة، وما أدرانا لو أنّ الشيعة حكموا قبل هذا التاريخ، لجاءت المصادر مسجّلةً للمآتم الحسينية عنهم، بمثل ما جاءت كتب التاريخ وسجّلته عن البويهيين في بغداد.

وبعد عرض النقاط الأربع الآنفة، نعود إلى بحثنا حيث لابدّ أنْ نذكّر، أنّا نرصد المآتم التي أقيمت بوعيٍ وقصد، بعد انتهاء واقعة كربلاء،

____________________

(1) أعشى همدان: عبد الرحمان بن عبد الله بن الحارث بن نظام بن جشم الهمداني. شاعر اليمانيين بالكوفة وفارسهم في عصره. من شعراء الدولة الأموية. غزا الديلم وله شعر كثير في وصف بلادهم. انضمّ إلى عبد الرحمان بن الأشعث. أسر وأمر به الحجاج فضرب عنقه سنة 83 للهجرة. (الزركلي، خير الدين: الأعلام، 3 / 312).

(2) ابن الأثير، علي بن عبد الواحد: الكامل في التاريخ 3 / 345.

٥٧

ولسنا معنيين بتلك المآتم العفوية، التي رافقت حوادث كربلاء وما تلاها.

المآتم الحسينية قبل سنة 352 هـ

من المآتم التي أقيمت بقصد ما يلي:

(1) المأتم الذي أقامه التوابون، عند قبور شهداء كربلاء عام 65 للهجرة (وقد سبقت الإشارة إليه)، وباعتباره مأتماً أقيم بعد واقعة كربلاء بأربع سنين، حسب بعض الآراء.

(2) ما أمر به المختار بن عبيدة الثقفي، لنوائح يُنحن على الحسين، عند باب عمر بن سعد (وقد سبقت الإشارة إليه أيضاً) سنة 65 أو 66 للهجرة.

(3) ذكرت بعض المصادر الأدبية، أنّ السيدة سكينة بنت الحسين(1) كانت تولي شعر النياحة اهتماماً كبيراً، (وقال ابن جامع(2) : وحدثني جماعة من شيوخ أهل مكّة أنّهم حدّثوا: إنّ سكينة بنت الحسين، بعثت إلى ابن سريج(3) بشعر أمرته أنْ يصوغ فيه لحناً يناح به، فصانج(4) به، وهو الآن داخل في غنائه، والشعر:

____________________

(1) السيدة سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمية القريشيّة. نبيلة من سيّدات المسلمين. روي عنها مجالستها لأجلّة الشعراء من قريش. ونفاها قوم آخرون. تزوجها مصعب بن الزبير. (كانت سبية مع أهلها في واقعة كربلاء). توفّيت في المدينة سنة 117 هجرية. (الزركلي، خير الدين: الأعلام، 3 / 106).

(2) أبو القاسم إسماعيل بن جامع السهلي القريشي. ويعرف أيضاً بابن أبي وداعة. من أشهر المغنّين ومن أحفظ الناس للقرآن الكريم. ولد بمكّة ومن ثمّ انتقل إلى المدينة المنوّرة واحترف الغناء حتى اشتهر فيها. اتصل بالرشيد فحظي عنده حتى مات سنة 192 هجرية. (الزركلي، خير الدين، الأعلام، 1 / 311).

(3) ابن سريج: هو أبو يحيى عبيد الله بن سريح، ولد في مكة، مغنٍ وملحّن، ويُقال هو أوّل من أدخل العود الفارسي إلى مكة، وقد تعلّم الضرب من صنّاع الفرس الذين أعادوا بناء الكعبة. اشتهر بصياغة الألحان توفّي بعد 724 م. (معلوف، لويس: المنجد 2 / 354).

(4) صانج: اسم فاعل من الصنج (فارسية) معناها: الصوت المستخدم في الغناء. والصنج =

٥٨

يا أرضُ ويحك أكرمي أمواتي

فلقد ظفرتِ بسادتي وحُماتي

فقدّمه ذلك عند أهل الحرمين، على جميع ناحية مكّة والمدينة والطائف)(1) .

ولا نحتاج إلى مزيد اهتمام، لنربط بين اهتمام السيدة سكينة بالنوح، وبين كون هذا النوح هو على الإمام الحسينعليه‌السلام .

وهذا النصّ، يدلّ على وجود مختصّين بشعر النياحة وإنشاده، في مكة والمدينة والطائف، على الأقل تقيّداً بما ذكره النصّ. ولا شكّ أنّ بعض هؤلاء النياحة، قد وجد في شعر الرثاء الحسيني مادةً خصبة لتخصّصه.

ثمّ يذكر أنّ السيدة سكينة، لم تكتف بنوح ابن سريج بل (بعثت إلى ابن سريج، بمملوك لها، يقال له عبد الملك، وأمرته أنْ يعلّمه النياحة، فلم يزل يعلّمه مدّة طويلة)(2) .

(4)_ورد في ترجمة السيد الحِمْيَري(3) ، كما جاء في الأغاني، أنّه قد (ذكر التميمي - وهو علي بن إسماعيل - عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد(4) ، إذ استأذن آذنه للسيد، فأمره بإيصاله،

____________________

= صفيحة من النحاس (الصُفر) مدوّرة تضرب على أخرى مثلها عند الغناء. (ابن منظور، محمد بن مكرم: لسان العرب 20 / 311).

(1) الأصفهاني، علي بن الحسين: الأغاني - 1 / 255 ولابدّ أنْ نسجّل هنا تحفّظنا على ما ذكره صاحب الأغاني من أمور أُلصقت بالسيدة سكينة لا تناسب موقعها الديني ووضعها والنفسي، خاصّة بعد استشهاد أبيها الحسينعليه‌السلام .

(2) المصدر نفسه 1 / 205.

(3) السيد الحميري: أبو جعفر محمد بن وهيب الحميري البصري، ولد في البصرة وعاش في بغداد. كان يتكسب المديح ويتشيع. له مراثٍ في أهل البيت. (كان من أبوين أباضيّين). عهد إليه بتأديب الفتح بن خاقان. توفّي سنة 115 هجرية. (الزركلي، خير الدين: الأعلام، 7 / 134).

(4) أبو عبد الله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أمّه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر. ولد في المدينة سنة 83 للهجرة. من أئمّة المسلمين =

٥٩

وأقعد حرمه خلف ستر، ودخل فسلّم وجلس، فاستنشده فانشد، قوله:

أُمرر على جَدَثِ الحس

ين وقل لأعظمهِ الزكيّة

أأعـظماً لا زلـتِ مِن

وطـفاء سـاكبةٍ رويّـة

وإذا مررتِ بـقبرهِ

فأطـل بهِ وقفَ المطيّة

وأبـكِ الـمطهّر لـلمط

هّـرِ والـمطهّرةِ النقيّة

كـبكاء مـعولةٍ أتـت

يوماً لواحدها المنيّة(1)

قال: فرأيت دموع جعفر بن محمّد تنحدر على خدّيه، وارتفع الصراخ من داره، حتى أمره بالإمساك فأمسك)(2) .

فهذا النصّ، يكشف أنّ الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام ، قد طلب من الشاعر، السيد الحميري، أنْ يُنشده شعراً في رثاء الحسينعليه‌السلام ، ولم يكتف بذلك بل أقام ستاراً وأجلس نساءه خلفه.

ولمّا أنشد الحميري، بكى الإمام الصادق، وارتفعت أصوات الصراخ من الدار.

وفي مكان آخر من الأغاني، (قال التميمي، وحدّثني أبي قال: قال لي فضيل الرسّان: وأُنشد جعفر بن محمّد الصادق قصيدة السيّد:

____________________

= والسادس من أئمّة أهل البيت شهد بفضله وعلمه كبار الفقهاء والعلماء. انتقل من المدينة إلى الكوفة بطلبته ومدرسته، له عدّة ألقاب، أشهرها الصادق، مات سنة 148 هجرية ودفن في البقيع. (الأربلي، علي بن عيسى: كشف الغمة في معرفة الأئمة، 2 / 367).

(1) الجَدَث هو القبر، والوطفاء هي جمع وُطُفُ وهي المطر، والمُعولة هي التي تبكي مع رفع الصوت. ومعنى الأبيات: أنّها دعوة لِمن يمرّ على قبر الحسين أنْ يقف عنده وهو يخاطب جسده وإنّما خوطبت العظام لأنّها آخر ما يبقى من الميت في قبره، وهكذا جرت عادة شعراء العرب. يخاطب تلك العظام الزكية ويدعو لها بأنْ تدوم عليها الأمطار الساكبة الغزيرة، وأنْ يقف طويلاً إذا وصل القبر. ولا يكتفي بالوقوف حتى يشفعه بالبكاء؛ لأنّه مطهّر بن مطهّر بن مطهّرة وهما علي وفاطمة. وأنْ يكون بكاؤه بحرقة وحزن كبكاء أمٍّ فقدت ولدها الوحيد.

(2) الأصفهاني، علي بن الحسين (أبو الفرج): الأغاني 7 / 240.

٦٠