الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد13%

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 440

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131164 / تحميل: 6164
الحجم الحجم الحجم
الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

٥

٦

الإهداء

إلى سليلة النبوّة

ونبعة الإمامة

وريحانة الزهراء

وأخت المجتبى الزكي

وشريكة الحسين في نهضته..

إلى مَن كابَدت المِحن

وتحدّت الزمن

وورثت الحسين والحسن

إلى مَن حَملت أسرار النبوّة

وحفظت أركان الإمامة

وسطّرت أروع مواقف التحدّي

بوجه الظلم والتعدّي

إلى العقيلة الكبرى، زينب بنت علي (عليهما السلام)

إليكِ يا مولاتي وسيّدتي وشفيعتي

أهدي هذا الجهد المتواضع.

رياض

٧

٨

تقريض

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي شعّر المشاعر، وجعلها أعلاماً لدينه، وأمرَ بتعظيمها حيث قال:( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (١) ، وحرّم إحلالها بالامتهان لها، حيث قال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ) (٢) .

والصلاة والسلام على صاحب الشريعة الخاتمة، الموعود بإظهار دينه على الدين كلّه ولوكره المشركون، وعلى آله نور الله الذي لا يُطفأ( وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٣) ،( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ والآصَال ) (٤) ،( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) (٥) .

وبعد، فإنّ الشعيرة الدينيّة ذات صلة وثيقة بهويّة المجتمع المسلم والمؤمن،

____________________

(١) الحج: ٣٢.

(٢) المائدة: ٢.

(٣) التوبة: ٣٢.

(٤) النور: ٣٦.

(٥) النور: ٣٧.

٩

فإنّها تعكس تراث الملّة، وهي شعار ورمز وصورة ومحتوى.

وهي بَوتقة لتربية المجتمع المسلم على المعارف الإلهيّة والأحكام والآداب الشرعيّة، وهي إشعاع لنشر معالم الدين والدعوة له، سواء للنسل والجيل الناشئ أو للأُمم الأخرى، لا على أن يكون الموقع الثاني على حساب الأوّل، بل لكلّ من الموقعَين أدواته وأسلوبه، كما أنّ إقامتها إقامة لصرح الدين الحنيف الذي ترتبط حياته بحياتها، فهي ظاهرة السلوك الاجتماعي على منهاج الهُدى، وهي العقيدة المتجسّدة والأدب المتمثّل، فمن ذلك حرصَ التشريع الإسلامي على تعظيمها وإحيائها وإقامتها ونشرها بالأشكال والأساليب المتعدّدة، لتسري في غالب سيرة الأفراد والجماعات.

وحيث احتلّت هذه الأهميّة والخطورة في الأداء الديني، احتدمَ الحديث عن ضوابطها وموازينها وأصولها التي تبتني عليها، وعن المعيار الثابت التشريعي والمتغيّر الزمني فيها، فجاءت هذه الأبحاث - التي ألقيناها على جمعٍ من الفضلاء بجوار حرم الحوراء عقيلة بني هاشم السيّدة زينب الكبرى (عليها السلام) - في ربيع الثاني صيف عام ١٤٢٠هـ، وقام السيّد النجيب والفاضل اللبيب ريّاض الموسوي بتقريرها وتنقيحها، مُكدّاً جهده في ضبط مادّة البحث ونكات الاستدلال، فأسأل الله تعالى له دوام التوفيق في نشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وبثّ علومه وإقامة أعلامه، إنّه وليّ قدير.

محمّد السند

قم - عش آل محمّد (عليهم السلام)

٣٠ شوال ١٤٢٣ هـ

١٠

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل تعظيمَ شعائره من تقوى القلوب، وكتبَ لمن قدّس حُرماته محوَ الذنوب، وشاء أن يَتمّ نورُه ويعلو ذِكرُه على مرّ الدهور وتصرّف الخُطوب.

وأفضل الصلاة والسلام على نبيّ الرحمة، وشفيع الأمّة، خير البريّة، وأفضل الخليقة، خاتم الأنبياء، وسيّد الـمُرسَلين أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، أُمناء الله على الدِين، والكهف الحصين، وغياث المضطرّ المستكين، الذين مَن والاهم فقد والى الله، ومَن عاداهم فقد عادى الله، وبعد:

فهذا الكتاب - الذي بين يديك عزيزي القارئ - يُمثِّل مجموعةَ بحوثٍ حول موضوع الشعائر الحسينيّة المباركة، وهو يتألّف من مقامَين:

المقام الأوّل: يتعرّض البحث فيه عن الشعائر الدينيّة بصورة عامّة، ويَجد القارئ في هذا المقام الأدلّة الإجماليّة من الكتاب العزيز والسُنّة الشريفة على عموم قاعدة الشعائر الدينيّة، وبعد ذلك يصل البحث إلى تفاصيل قاعدة الشعائر

١١

موضوعاً وحكماً، والجواب عن الاعتراضات والانتقادات المختلفة التي تُثار حول دائرة الشعائر المختلفة، ثُمّ إلى بيان العلاقة بين قاعدة الشعائر الدينيّة والأحكام الشرعيّة الأخرى.

هذا كلّه، مع بحوث فرعيّة فقهيّة وأصوليّة وكلاميّة تَطّلِعُ عليها في هذا المقام من الكتاب.

ومن الأمور الواضحة في هذا المقام، أن يجري إلقاء الضوء على أهميّة قاعدة الشعائر الدينيّة، وبيان أنّها تُجسِّد نظام الإعلام الديني، والقاعدة التي تتكفّل الإنذار والتبليغ والتعليم، وتتحمّل مسؤوليّة النشر والبثّ الإسلامي، وذلك عن طريق توفّر الركنَين الأساسيَّين في هذه القاعدة، وهما:

ركن البث والإعلام، وركن الإعلاء والإعزاز لمعاني الدين ومقدّساته.

أمّا المقام الثاني للكتاب - وهو بيت القصيد -: فيتعلّق بالشعائر الحسينيّة، والحديث عن نهضة سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) بقدرٍ من التفصيل، والشموليّة لكلّ ما يتعلّق بمظاهر الشعائر الحسينيّة، مع التوقّف عند الزوايا المهمّة لنهضته، والمُعطيات الخالدة لثورته (عليه السلام)..

وإنّ استمراريّة المحافظة على تلك الأهداف والغايات السامية؛ إنّما يتحقّق تحت ظلّ الشعائر الحسينيّة المختلفة والواعية من قِبَل شيعة الحسين (عليه السلام) وأوليائه.

وشعائر الحسين (عليه السلام) - من مجالس، ومواكب، ومراثي، ومسيراتِ حزنٍ وغيرها - هي مدارس يتعلّم المسلم فيها نصرةَ الدين والإحساس بالمسؤوليّة الشرعيّة للحفاظ على رسالة السماء، ويتلقّن فيها صوَر الجهاد، ويتعرّف على أشكال

١٢

التضحية لنُصرة القيَم الفاضلة والمبادئ السامية للدين الحنيف، ويعيش بكلّ تصميم وإرادة لترك الدنيا، والتغلّب على ملاذها وشهواتها المؤقّتة.

إنّها مدارس الحسين (عليه السلام)، يعي فيها المسلم كيف يقدّم كلّ ما يملك في سبيل عقيدته وفي طريق تضميد بدن الإسلام الجريح، ويبذل أغلى ما يملك للدفاع عن حريم المبدأ الحنيف.

وفي هذا المقام، تطرّق سماحة الشيخ الأستاذ المحاضر - دام عزّه - إلى بعض مصاديق الشعائر الحسينيّة، وأشبعَ البحث بالأدلّة القرآنيّة، والسنّة النبويّة والعَلويّة، ممّا لا يبقي مجالاً للشكّ في كون تلك الشعائر والمظاهر الحسينيّة من أركان الشريعة المقدّسة، مثل: ما أتحفنا به في بحث البكاء على سيّد الشهداء (عليه السلام)، ومثل: بحث لبس السواد، أو بحث إثبات ضرورة التنديد بأعداء الدين من القرآن الكريم، وجعلهم في دائرة لعنة الأجيال والتاريخ، أو إثبات أنّ العزاء والرثاء سُنّة قرآنيّة، وغير ذلك من البحوث الحيويّة والشيّقة المؤيَّدة بالحُجج والأدلّة والبراهين الشرعيّة.

وقد يكون لهذا الكتاب مزيّة على بعض الكتب الأخرى التي تعرّضت لهذا الموضوع، وبحثت حول الشعائر الدينيّة والحسينيّة، وهو أنّه يتضمّن بحوثاً فقهيّة وأصوليّة دقيقة، حاولَ سماحة الشيخ الأستاذ المحاضر (دامت بركاته) أن يُحرّرها مع شيء من التفصيل والتحقيق، كما تجد ذلك في طيّ أبحاث الكتاب في المقامَين، ويمكن ملاحظة عناوين هذه الأبحاث في أحد الفهارس الملحقة في آخر الكتاب.

وهذا الكتاب يُعتبر حلقةً ضمن سلسلة من جهود لبيان وتثبيت العقائد الدينيّة

١٣

بالدليل العلمي والأسلوب الثقافي، إضافةً إلى إعطاء القوّة الكافية للدفاع عن تلك المبادئ الحقّة، ولردّ الشُبهات والانتقادات التي تُثار حول الشعائر الدينيّة عُموماً والحسينيّة خصوصاً.

والله أسأل، وببركة سيّد الشهداء (عليه السلام) وبمقامه ودرجته الرفيعة عند الله أتوسّل، أن يجعل هذا الجهد ذُخراً لأستاذنا العزيز سماحة الشيخ محمّد السند (حفظه الله) ولي، يوم لا ينفع مالٌ ولا بَنون إلاّ مَن أتى الله بقلب سليم، وأن يُحسَب من العِلم النافع الذي لا ينقطع أثره، ولا تخبو أعلامه، والصلاة على محمّد وآله.

السيّد رياض الموسوي

مشهد المقدّسة - غرّة صفر سنة ١٤٢٤ هـ

١٤

ديباجةُ الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

قد كثُر الكلام حول الشعائر الدينيّة، واختلفت أطراف الكلام في بحثها بين النقض والإبرام، والتأييد والانتقاد، وقبل الخوض في تفاصيل البحث وفروعه المختلفة، لا بأس بذكر جوانبٍ لها ارتباط بالبحث:

الجانب الأوّل: تنوّع موارد الشعائر

فمنها: ما يُثار من قِبَل أتباع بعض الفِرق الإسلاميّة حول إحياء المواليد والذكريات، حيث ينتقدون المظاهر لإحياء المواليد ومراسم الاحتفالات والمناسبات الدينيّة العامّة، ويطعنون عليها بأنّها مُستحدَثة، وكلّ مستحدَث بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار.

ومنها: محاولة إنكار ضرورة الاهتمام بأيّام الإسلام الخالدة الأخرى التي وقعت فيها حوادث هامّة وانتصارات خالدة، مثل: غزوة بدر الكبرى، غزوة الخندق، فتح مكّة، ذكرى المبعث النبوي الشريف، ذكرى الإسراء والمعراج، ذكرى هجرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ذكرى يوم المباهلة، وذكرى واقعة الغدير، وغير ذلك.

١٥

ومنها: البحث بدرجة من الشدّة والخطورة بين المسلمين حول مسألة بناء القبور وعمرانها وتَعاهُدها، ومن المعلوم أنّ أتباع بعض الفِرق يحاربون ظاهرة عمران القبور وتعاهدها، ويتّهمون زوّارها بالضلال، بل يُكفِّرون عُمّارها حتّى لو كانت تلك القبور هي قبور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيته الطاهرين (عليه السلام).

ومنها: الاهتمام بالأماكن الجغرافيّة، والآثار المكانيّة الخالدة لمواضع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولمواقع إسلاميّة مشهورة والاختلاف إليها، من قبيل: موضع غزوة بدر، وموضع غدير خُمّ، وغار حراء، والمساجد التي تشرّفت بصلاة النبي، وما شابه ذلك.

وتُثار الشكوك ويتوجّه الطعن حول تكريم تلك البقاع، تذرّعاً بما يُروى عن عمر بن الخطاب بأنّه: أمرَ بقطع الشجرة التي بويعَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تحتها بيعة الرضوان في عُمرة الحُدَيبيّة(١) ، واستفادوا من ذلك: أنّ زيارة تلك الآثار المكانيّة أو الجغرافيّة يسبّب إزواء المسجد الحرام، أو بيت الله الحرام، أو المسجد النبوي والتقليل من أهمّيّتها، فتجنّباً عن خمول الذكر، وإهمال العمران للمسجد النبوي حملة عشواء لمحاربة الأماكن المقدّسة الأخرى، وفي هذه الذريعة يتمسّكون

____________________

(١) وردَ في شرح نهج البلاغة ١٢: ١٠١: (لأنّ المسلمين بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يأتونها فيقيلون تحتها، فلمّا تكرّر ذلك أوعَدهم عمر فيها ثُمّ أمرَ بها فقُطعت)، وفي نفس المصدر: (روى المغيرة بن سويد، قال: خرجنا مع عمر في حجّة حجّها، فقرأ بنا الفجر( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) و( لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ) ، فلمّا فرغَ رأى الناس يبادرون إليه، فناداهم فقال: هكذا هلكَ أهل الكتاب قبلكم! اتّخذوا آثار أنبيائهم بيعاً، مَن عَرضت له صلاة في هذا المسجد فليصلِّ، ومَن لم تعرُض له صلاة فليمضِ).

١٦

بعموم الحديث النبوي:(لا تُشدّ الرِّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى) (١) .

لذا نجد المحاولات الحثيثة والمستمرّة لطمس تلك الآثار المكانيّة والمواقع الجغرافيّة، في المدينة المنوّرة، وفي مكّة المكرّمة، أو في غيرها.

ومنها: الشعائر الحسينيّة (وهو محلّ البحث في نفس الوسط الداخليّ للطائفة من جهة، وكذلك بينها وبين الطوائف الأخرى)، فقد أُثيرت حول هذا المورد بالخصوص كثير من التساؤلات، واحتفّ به المزيد من الشكوك.

ومنها: الأدعية، والأوراد، والختومات، إذا عُقِدت وأُقيمت على نحو جماعي مشترك، فتكون شعيرة تُتّخَذ، وطقساً من الطقوس.

ورُبّما تُستجدّ وتُستحدَث طقوس ورسوم شعيريّة تُتّخذ من أبناء الطائفة الواحدة في مراسم أخرى غير الشعائر الحسينيّة، مثل: شعائر ذكريات ومناسبات تتعلّق بإحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام)، فتُواجه بالنكير من الوسط الخاص للطائفة نفسها، أو من الوسط الإسلامي العام.

الجانب الثاني: الإشكالات حول الشعائر الدينيّة

نذكر الانتقادات والإشكالات الّتي توجّه أو تُثار حول الشعائر الدينيّة؛ لنعرف مدى جدّيّة البحث وحسّاسيّته وحيويّته، إضافةً إلى خطورته في الممارسات والانتقادات الدينيّة، وأهمّ هذه الإشكالات:

١٧

الإشكال الأوّل: وهو الذي يوجِّه النكير والانتقاد إلى الرسوم والشعائر، معتمداً على مبنىً معيّن وقاعدة محدّدة، هي: أنّ كلّ شعيرة ورسم وطَقس يُتّخذ، ينبغي أن يكون جَعلهُ واتّخاذه من الشارع نفسه، وإلاّ فهو بدعة وضلال، وافتراء على الله سبحانه.

وهذا المبنى، أو هذه المقولة، أعمّ من كونه إشكالاً موجّهاً من قِبَل الطوائف الأخرى، أو أنّه موجّه من طائفة خاصّة متعصّبة، أو لعلّه ينقدح في انتقادات الوسط الداخلي للطائفة.

وهذا النمط من الإشكال مُعتمد على هذه القاعدة أو هذا المبنى القائل: بأنّ أيّ شعيرة أو رسم أو طقس من الطقوس يجب أن يستند بخصوصيّاته إلى جعل الشارع وتشريعه، وإلاّ فهو ممّا يصدق عليه البدعة والضلالة.

الإشكال الثاني: أنّ الشارع المقدّس لو فوّضَ أمر الشعائر والطقوس وأوكلها إلى العرف والمتشرِّعة، لنتجَ من ذلك أنّهم سيتحوّلون إلى مشرِّعين، حيث فوّضَ أمر التشريع إليهم، وهذا التفويض غير صحيح وهو ممتنع..

الإشكال الثالث: لو أوكلَ الشارعُ المقدّس أمر الشعائر والرسوم الدينيّة إلى العرف، لنتجَ من ذلك تحليل الحرام، وتحريم الحلال.

حيث إنّ العرف قد يتّخذ ما هو محرّم ومبغوض للشرع شعيرةً، وقد يتّخذ ما هو محلّل شعيرة يجب احترامها ويحرم هتكها، فيلزم من ذلك تحليل الحرام، وتحريم الحلال.

الإشكال الرابع: وهذا من سنخ الإشكالَين السابقَين، وهو: لو أنّنا جعلنا اتّخاذ الشعائر والرسوم والطقوس بيد العرف، للزمَ من ذلك العبث بثوابت الشريعة

١٨

الناتج من قِبَل العُرف والمتشرّعة بسبب اختلاف الظروف الزمنيّة والبيئيّة.

مثلاً: اتّخاذ موضع ما مزاراً؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد صلّى فيه أو انتصر فيه، وهكذا سوف تحصل مزارات عديدة وكثيرة جدّاً، وسوف يصعب الموازنة بين هذه المزارات العديدة وبين ما جعلهُ الشارع المقدّس وحثّ عليه بالخصوص..

الإشكال الخامس: لا وجه في تخصيص صلاحيّة المتشرِّعة باتّخاذ الشعائر والرسوم والطقوس الدينيّة في أبواب خاصّة، وعدم تسويغ ذلك في أبواب أخرى.

إذ لو كان ذلك الأمر جائزاً وسائغاً، لأجريناه في أبواب: الصلاة، والصيام، والحجّ، والزكاة، والخُمس، ولاتّخذ المتشرِّعة في هذه الأبواب شرائط وقيود وموانع حسبَ ما يرونه مناسباً، ثُمّ يتشكّل في بوتقة الشعائر ويَتَعَنْوَن بعِنوان الشعيرة،

فليس هناك دليل على التفكيك بين الأبواب المختلفة.

الإشكال السادس: الهتك والإساءة لمباني الإسلام وأركان الشريعة ومعاني الدين والمذهب العالية الشامخة؛ فقد يقال: بأنّ مقتضى هذا الرسم أو الطقس أو الشعيرة التي أوكلناها إلى العرف، قد لا تناسب مُجريات العصر، ولا تتّفق مع لغة العصر، وقد يكون فيها إساءة لذات المضامين الشامخة والتعاليم الإسلاميّة الفاضلة.

الإشكال السابع: لزوم الضرر من بعض الطقوس، خصوصاً بعض الشعائر الحسينيّة أو غيرها، ويجب شرعاً دفع الضرر بكلّ درجاته ومراتبه وأشكاله.

هذه هي أهمّ الإشكالات والانتقادات والتشكيكات التي تُثار حول الشعائر الدينيّة، وسنحاول معالجة ذلك بالتفصيل من خلال طيّات البحث..

١٩

الجانب الثالث:

إنّ بحث الشعائر لم يُبحث بالتفصيل كقاعدةٍ فقهيّة أو كلاميّة، من قِبَل العلماء والمحققين إلاّ نادراً.

وقد تظهر الإشارة إليه من خلال كلمات العلماء بشكلٍ متناثر وفي أبواب متعدّدة، مع ما له من الأهميّة القصوى في حفظ العناوين الخالدة والرموز السامية للدين الحنيف.

وهذا البحث، وإن كان بالنظر الأوّلي واضحاً وجليّاً إجمالاً.

أمّا بالنظر الدقيق العلمي فهو يفتقر إلى الموازين الاستدلاليّة، وإعمال الخبرة الأصوليّة والفقهيّة في أبوابه المختلفة وموارده المتنوّعة..

لذلك تبدو في أفق بحث الشعائر الدينيّة التساؤلات التالية:

هل الشعائر الدينيّة هي من مقولة العناوين الثانويّة، أم من مقولة العناوين الأوّليّة؟

هل هي حقيقة شرعيّة، أم هي حقيقة عُرفيّة؟

ما هو حكمها؟ وما هي حدود موضوعها؟

هل أنّ الحُكم فيها يُغاير حكم الأبواب الفقهيّة، أم هو حكم مُندمج ومتّحد مع حكم الأبواب الفقهيّة المتنوّعة؟

هل الشعائر في الحجّ تحمل نفس حكم أعمال الحجّ، أم لها حكم آخر متميّز ومنفرد بها..

ما هي النسبة بين بحث الشعائر، كعنوان - سواء جعلناه حكماً أوّليّاً، أو جعلناه حُكماً ثانويّاً - وبين العناوين الأوّليّة من جهة، وبينه وبين العناوين الثانويّة

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

قبل أن يستوفي حقّه منه ، فإذا استوفاه منه ، كان مضموناً عليه. ولو فضل منه فضلة ، فالأقرب : أنّها أمانة.

ولو قال : وفيه دراهم خُذْه(١) بدراهمك ، وكانت الدراهم التي فيه مجهولةَ القدر ، أو كانت أكثر من دراهمه ، لم يملكه ، ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد. وإن كانت معلومةً وبقدر حقّه ، ملَكه.

ج - لو قال : خُذْ هذا العبد بحقّك ، ولم يكن سَلَماً فقَبِل ، ملَكه. وإن لم يقبل وأخذه ، دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد.

مسألة ١٨٠ : إذا احتاج الرهن إلى مؤونة يبقى بها الرهن - كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابّة - كانت على الراهن ؛ لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الرهن من راهنه ، له غُنْمه ، وعليه غُرْمه »(٢) .

قولهعليه‌السلام : « من راهنه » أي : من ضمان راهنه.

ومن طريق الخاصّة : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الظهر يُركب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يركبه نفقته ، والدَّرُّ يُشرب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يشرب نفقته »(٣) .

وقد قلنا : إنّ المرتهن ممنوع من التصرّف ، وإنّ المنافع للراهن ، فتكون نفقته عليه.

وفي معناه سقي الأشجار ومؤونة الجذاذ وتجفيف الأثمار واُجرة‌ الإصطبل والبيت الذي يُحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرّع به المرتهن أو

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « خذ ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) ورد نصّه في المغني ٤ : ٤٦٨ ، ونحوه في سنن الدارقطني ٣ : ٣٣ / ١٢٣ ، وسنن البيهقي ٦ : ٣٩ ، و التمهيد - لابن عبد البر - ٦ : ٤٢٦ ، و ٤٣٠.

(٣) الفقيه ٣ : ١٩٥ / ٨٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧ ١٧٦ / ٧٧٥.

٢٦١

العَدْل ، خلافاً لأبي حنيفة في اُجرة الإصطبل والبيت(١) واُجرة مَنْ يردّ العبد من الإباق ، وما أشبه ذلك(٢) .

إذا عرفت هذا ، فهل يُجبر الراهن على أداء هذه المؤونة حتى يقوم بها من خالص ماله؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه يُجبر لتبقى وثيقة المرتهن.

والثاني : أنّه لا يُجبر عند الامتناع ، بل يبيع القاضي جزءاً من المرهون بحسب الحاجة ، فلو كانت تستوعب الرهن قبل الأجل ، فعلى الثاني يلحق بما يفسد قبل الأجل ، فيباع ويُجعل ثمنه رهناً(٢) .

قيل عليه : هذا إمّا أن يلحق بمالا يتسارع إليه الفساد ثمّ عرض ما أفسده ، أو بما يتسارع إليه الفساد. والأوّل باطل ؛ لأنّ العارض هناك اتّفاقي غير متوقّع ، والحاجة إلى المؤونة معلومة متحقّقة. وإن كان الثاني ، لزم إثبات الخلاف المذكور في رهن ما يتسارع إليه الفساد في رهن كلّ ما يحتاج إلى نفقة أو مكان يحفظ فيه(٣) .

وعلى الأوّل - وهو الأصحّ عندهم - لو لم يكن للراهن شي‌ء أو لم يكن حاضراً ، باع الحاكم جزءاً من المرهون ، واكترى به بيتاً يحفظ فيه الرهن(٤) .

وأمّا المؤونة الزائدة فيمكن أن يقال : حكمها حكم ما لو هرب‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٤٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٠ و ١٣١ ،الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٧ ، المغني ٤ : ٤٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٥ - ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

٢٦٢

الجمّال وترك الجِمال المستأجرة أو عجز عن الإنفاق عليها.

مسألة ١٨١ : يجوز للراهن أن يفعل بالمرهون ما فيه مصلحته ، وليس للمرتهن منعه منه ، كفصد العبد وحجامته والمعالجة بالأدوية والمراهم ، لكن لا يُجبر عليها ، بخلاف النفقة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة(١) .

ثمّ إن كانت المداواة ممّا يرجى نفعه ولا يُخاف غائلته ، جاز : وإن كان ممّا يخاف ، فالأقوى عدم المنع أيضاً منه ، ويكتفى بأنّ الغالب منه السلامة.

وللشافعيّة وجهان ، ويجريان في قطع اليد المتآكلة إذا كان في قطعها وتركها خطر ، فإن كان الخطر في الترك دون القطع ، فله القطع ، وليس له قطع سِلْعَة(٢) ولا إصبع لا خطر في تركها إذا خِيف منه ضرر. وإن كان الغالب فيه السلامة ، ففيه الخلاف(٣) .

وله أن يختن العبد والأمة في وقت اعتدال الهواء إن كان يندمل قبل حلول الأجل ؛ لأنّه أمر لا بُدَّ منه ، الغالب فيه السلامة. وإن لم يندمل وكان فيه نقص ، لم يجز. وكذا لو كان به عارض يخاف معه من الختان.

وللراهن تأبير النخل المرهونة.

ولو ازدحمت وقال أهل الخبرة : تحويلها أنفع ؛ جاز تحويلها.

وكذا لو رأوا قطع البعض لصلاح الأكثر.

وما يُقطع منها أو يجفّ فهو مرهون ، بخلاف ما يحدث من السعف

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٣.

(٢) السِّلْعة : الضواة ، وهي زيادة تحدث في الجسد مثل الغُدّة. لسان العرب‌ ٨ : ١٦٠ « سلع ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٣.

٢٦٣

ويجفّ ، فإنّ الراهن مختصّ به ، وينزّل منزلة النماء.

ولا يمنع من رعي الماشية في وقت الأمن ، وتؤوى ليلاً إلى يد المرتهن أو العَدْل.

ولو أراد الراهن أن يبعد لطلب الرعي وبالقرب ما يكفيها ، فللمرتهن المنع ، وإلّا فلا.

وتؤوى إلى يد عَدْلٍ يتّفقان عليه أو ينصبه الحاكم.

ولو أراد المرتهن ذلك وليس بالقرب ما يكفي ، لم يُمنع.

وكذا لو أراد نقل المتاع من بيتٍ ليس بحرزٍ إلى حرزٍ.

ولو نَبا(١) بهما المكان وأرادا الانتقال ، فإن كان إلى أرضٍ واحدة ، فلا إشكال ، وإلّا جُعلت الماشية مع الراهن ، ويحتاط ليلاً ، كما تقدّم.

____________________

(١) نبا به منزله وفراشه : لم يوافقْه. ونبَتْ بي تلك الأرض : لم أجد بها قراراً. لسان العرب ١٥ : ٣٠٢ « نبا ».

٢٦٤

٢٦٥

الفصل الخامس : في وضع الرهن على يد العَدْل‌

مسألة ١٨٢ : يجوز أن يشترط المتراهنان وضع الرهن على يد أحدهما أو ثالثٍ غيرهما‌ ، سواء تعدّد أو اتّحد ؛ عملاً بقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ ذلك العَدْل يكون وكيلاً للمرتهن نائباً عنه في القبض ، فمتى قبضه صحّ قبضه - وبه قال علماؤنا ، وجماعة الفقهاء ، منهم : عطاء وعمرو بن دينار ومالك والثوري وابن المبارك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لأنّه قبض في عقدٍ ، فجاز فيه التوكيل ، كسائر القبوض.

وقال الحكم والحارث العكلي وقتادة وداوُد وابن أبي ليلى : لا يكون مقبوضاً بذلك ؛ لأنّ القبض من تمام العقد يتعلّق بأحد المتعاقدين ، كالإيجاب والقبول(٣) .

والفرق بينه وبين القبول : أنّ الإيجاب إذا كان لشخصٍ كان القبول منه ؛ لأنّه مخاطَب. ولو كلّ في الإيجاب والقبول قبل أن يوجب له ، صحّ.

وما ذكروه ينتقض بالقبض في البيع فيما يعتبر القبض فيه.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٢) المغني ٤ : ٤١٨ - ٤١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٨.

(٣) المغني ٤ : ٤١٨ ٤١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٨.

٢٦٦

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز أن يجعلا الرهن على يد مَنْ يجوز‌ توكيله ، وهو جائز التصرّف ، سواء مسلماً أو كافراً ، عَدْلاً أو فاسقاً ، ذكراً كان أو اُنثى.

ولا يجوز أن يكون صبيّاً ؛ لأنّه غير جائز التصرّف مطلقاً ، فإن فعلا ذلك ، كان قبضه وعدم قبضه واحداً.

ولا يجوز أن يكون عبداً بغير إذن سيّده ؛ لأنّ منافع العبد لسيّده ، ولا يجوز تضييعها في الحفظ بغير إذنه ، فإن أذن مولاه ، جاز.

وأمّا المكاتب فإن كان بجُعْلٍ ، جاز ؛ لأنّه مكتسب ، وهو سائغ له بغير إذن السيّد. وإن كان بغير جُعْلٍ ، لم يجز ؛ لأنّه التبرّع بمنافعه.

مسألة ١٨٣ : لو شرط جَعْل الرهن على يد عَدْلٍ وشرطا له أن يبيعه عند حلول الحقّ ، صحّ؛ لأنّ ذلك [ يكون ] توكيلاً(١) في البيع منجّزاً ، وإنّما الشرط في التصرّف. وصحّ بيعه ، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد(٢) .

وإن عزل الراهن العَدْلَ عن البيع ، قال الشيخرحمه‌الله : لا ينعزل ، ولا تنفسخ وكالته ، وكان له بيع الرهن(٣) - وبه قال أبو حنيفة ومالك(٤) - لأنّ وكالته صارت من حقوق الرهن ، فلم يكن للراهن إسقاطها(٥) ، كسائر‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجرية : « ولأنّ ذلك توكيلاً ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٢ ، الوسيط ٣ : ٥٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤.

(٣) الخلاف ٣ : ٢٤٣ ، المسألة ٤١ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٧٩ - ٨٠ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٥١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « إسقاطه ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٦٧

حقوقه.

وقال الشافعي وأحمد : يصحّ العزل ، ولا يملك البيع ؛ لأنّ الوكالة عقد جائز ، فلم يلزم العاقد المقام عليها ، كسائر الوكالات.

قالوا : وكونه من حقوق الرهن لا يمنع بقاءه على جوازه ، كما أنّ الرهن إذا شُرط في البيع لا يصير لازماً قبل القبض ، فإن عزله عن البيع ، فعلى صحّة العزل يكون للمرتهن فسخ البيع الذي جعل الرهن ثمنه ، كما لو امتنع الراهن من تسليم الرهن المشروط في البيع(١) .

هذا إذا كانت الوكالة شرطاً في عقد الرهن ، ولو شرطاها بعده ، انفسخت بعزل الموكّل والوكيل إجماعاً.

وأمّا إن عزله المرتهن ، فلا ينعزل ، قاله الشيخ(٢) - وبه قال أحمد والشافعي في أحد قوليه(٣) - لأنّ العدل وكيل الراهن ؛ إذ المرهون ملكه ، ولو انفرد بتوكيله صحّ ، فلم ينعزل بعزل غيره.

والثاني : له عزله(٤) ، على معنى أنّ لكلّ واحدٍ منهما منعه من البيع ؛ لأنّ المرتهن له أن يمنعه من البيع ، لأنّ البيع إنّما يستحقّ بمطالبته ، فإذا لم يطالب بالبيع ومنعه منه ، لم يجز ، فأمّا أن يكون ذلك فسخاً فلا.

مسألة ١٨٤ : إذا وضعا الرهن عند عَدْلٍ وشرطا أن يبيعه عند المحلّ ، جاز.

قال الشيخرحمه‌الله : وليس للعَدْل أن يبيعه حتى يستأذن المرتهن بإذنٍ‌

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٤ - ٤٥٥.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٤٣ ، المسألة ٤٢ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٣ و ٤ ) المغني ٤ : ٤٢٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

٢٦٨

مجدَّد(١) - وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال أحمد(٢) - لأنّ البيع لحقه ، فإذا لم يطالب به ، لم يجز بيعه ، بل يراجع ليعرف أنّه مطالِبٌ أو مهمل أو مبرئ.

والثاني : أنّه لا يراجع ؛ لأنّ غرضه توفية الحقّ(٣) .

وأمّا الراهن فقال الشيخعليه‌السلام : لا يشترط تجديد إذنه ولا مراجعته ثانياً عند البيع(٤) - وهو أحد قولي الشافعي(٥) - لأنّ الأصل دوام الإذن الأوّل.

والثاني : أنّه يشترط تجديد إذنه ؛ لأنّه قد يكون له غرض في استبقاء المرهون ويريد قضاء الحقّ من غيره وإبقاء الرهن لنفسه(٦) .

ولو مات الراهن أو المرتهن ، بطلت الوكالة.

وإذا قلنا : إنّ الوكيل لا ينعزل بعزل المرتهن ، فلو عاد إلى الإذن ، جاز البيع ، ولم يشترط تجديد توكيل من الراهن.

قال بعض الشافعيّة : مساق هذا أنّه لو عزله الراهن ثمّ عاد ووكّل ، افتقر إلى إذنٍ جديد للمرتهن ، ويلزم عليه أن يقال : لا يعتدّ بإذن المرتهن قبل توكيل الراهن(٧) .

ولو وضعا الرهن على يد عَدْلٍ فمات ، فإنّ اتّفق الراهن والمرتهن‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٤ ، المسألة ٤٣ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢١٧.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩ ، المغني ٤ : ٤٢٣ - ٤٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٤) الخلاف ٣ : ٢٤٤ ، المسألة ٤٣ ، المبسوط للطوسي ٢ : ٢١٧ ٢١٨.

(٥ و ٦ ) حلية العلماء ٤ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٩.

(٧) الوسيط ٣ : ٥٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠.

٢٦٩

على كونه في يد عَدْلٍ آخَر أو في يد أحدهما ، كان لهما. وان اختلفا ، كان للحاكم أن يضعه عند عَدْلٍ يرتضيه.

ولو كان الرهن في يد المرتهن فمات ، فالرهن بحاله ، فإن رضي الراهن أن يكون في يد ورثة المرتهن ، كان في أيديهم إن اختاروا. وإن أبى ذلك ، لم يُجبر على تركه في أيديهم ؛ لأنّه لم يرض إلّا بأمانة المرتهن دون ورثته ، ويضعه الحاكم عند مَنْ يراه.

مسألة ١٨٥ : يد العَدْل يد أمانةٍ متطوّع بحفظه ، فلو اتّفقا على نقله من يده ، كان لهما ؛ لأنّ الحقّ لهما. وان اختلفا فيه فطالَب أحدهما بالنقل وامتنع الآخَر ، لم ينقل ؛ لأنّهما قد رضيا بأمانته ورضيا بنيابته عنهما في حفظه ، فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد وإخراجه من يده.

ولو أراد العَدْل ردَّ الرهن فإن كانا حاضرَيْن ، كان له ذلك ، وعليهما قبوله منه ؛ لأنّه أمين متطوّع بحفظه ، فلا يلزمه المقام على ذلك ، فإذا قبضاه فقد بري‌ء العدْل من حفظه. وإن امتنعا من أخذه ، رفع أمرهما إلى الحاكم ليُجبرهما على [ تسلّمه ](١) فإن امتنعا أو استترا ، نصب الحاكم أميناً يقبضه منه لهما ؛ لأنّ للحاكم ولايةً على الممتنع من حقٍّ عليه.

ولو ردّه العَدْل على الحاكم قبل أن يردّه عليهما وقبل امتناعهما من قبضه ، لم يكن له ذلك ، وكان ضامناً ، وكان الحاكم ضامناً أيضاً ؛ لأنّ الحاكم لا ولاية له على غير الممتنع.

وليس للعَدْل أن يدفع الرهن إلى غير المتراهنين مع حضورهما وإمكان الإيصال إليهما ، وكذا لو دفعه العَدْل إلى ثقةٍ أمينٍ مع وجودهما ،

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ج » والطبعة الحجريّة : « تسليمه ». والظاهر ما أثبتناه.

٢٧٠

فإنّه يضمن ، ويضمن القابض أيضاً ؛ لأنّه لا يجوز له أن يُخرجه من يده إلى‌ غير المتراهنين ، وليس للعَدْل القابض قبضه ، فضمنه ؛ لأنّه قبضه بغير حقٍّ ، فلزمه الضمان.

ولو دفعه إلى أحد المتراهنين ، فإنّهما يضمنان أيضاً ؛ لأنّه وكيل لهما في حفظه ، فلم يجز له تسليمه إلى أحدهما دون صاحبه ، فإذا سلّمه ، ضمن ، وضمن القابض ؛ لأنّه قبض ما لا يجوز له قبضه.

ولو امتنعا من القبض وليس هناك حاكم فتركه عند ثقةٍ ، جاز ولا ضمان.

ولو امتنع أحدهما فدفعه إلى الآخَر ، ضمن.

والفرق بينهما أنّ العَدْل يمسكه لهما ، فإذا دفعه إلى أحدهما ، كان ماسكاً لنفسه ، فلم يجز.

ولو كانا غائبين فإن كان للعَدْل عذرٌ في الامتناع من بقائه في يده - كسفرٍ عزم عليه ، أو مرضٍ خاف منه ، أو غير ذلك - دفعه إلى الحاكم ، وقبضه الحاكم عنهما ، أو نصب عَدْلاً يقبضه لهما. وإن لم يجد حاكماً ، جاز له أن يودعه عند ثقةٍ ، ولا ضمان على أحدهما.

فإن أودعه عند ثقةٍ مع وجود الحاكم ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّ الولاية في مال الغائب إلى الحاكم.

وللشافعيّة وجهان(١) .

وإن لم يكن له عذرٌ ، قال الشيخرحمه‌الله : لم يجز له تسليمه إلى

____________________

(١) المهذب - للشيرازي - ١ : ٣٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٩ و ٧ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٦ ، و ٥ : ٢٩.

٢٧١

الحاكم(١) . وهو جيّد.

وفصّل الشافعي فقال : إن كانت غيبتهما طويلةً - وهو السفر الذي يقصر فيه الصلاة - فإنّ الحاكم يقبضه عنهما ، ولا يلجئه إلى حفظه ، وإن لم يجد حاكماً ، أودعه عند ثقة أو أمين : وإن كانت المسافة قصيرةً ، فهو كما لو كانا حاضرَين(٢) .

وإن كان أحدهما غائباً والآخَر حاضراً ، لم يجز تسليمه إلى الحاضر ، وكان كما لو كانا غائبين.

وليس له قسمته وإعطاء الحاضر نصفه ، بخلاف ما لو أودع اثنان وديعةً عند ثالثٍ وغاب أحدهما الآخَر فطالَب ، فإنّ الحاكم يقسّمها بينه وبين الغائب ؛ لأنّ المودعين ما لكان ظاهراً ؛ لثبوت يدهما معاً عليها ، فقسّمها الحاكم ، وهنا الملك لأحدهما وللآخَر حقّ الوثيقة ، وذلك لا يمكن قسمته ، فاختلفا.

مسألة ١٨٦ : لو جعلا الرهن على يد عَدْلين ، جاز إجماعاً ، ولهما إمساكه ، ولا يجوز لأحدها الانفراد بحفظه. فإن سلّمه أحدها إلى الآخَر ، ضمن النصف ؛ لأنّه القدر الذي تعدّى فيه. ولأنّ الراهن لم يرض بأمانة أحدهما ، وإنّما رضي بأمانتهما جميعاً ، فلا يجوز لأحدها أن ينفرد بحفظه.

ويحتمل عندي أن يكون عليهما معاً ضمان الكلّ.

وليس لهما أن يقتسما الرهن وإن كان ممّا يمكن قسمته من غير ضرر ، مثل الطعام والزيت ، وهذا أحد وجهي الشافعيّة.

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٧ ، المسألة ٤٩ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢١.

(٢) راجع : المغني ٤ : ٤٢٢ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٥٠.

٢٧٢

وفي الآخَر : يجوز أن يدفعه أحدهما إلى الآخَر ؛ لأنّ اجتماعهما على حفظه ممّا يشقّ عليهما ويتعذّر ، فحمل الأمر على أنّ لكلّ واحدٍ منهما‌ الحفظ(١) .

وهو ممنوع ؛ لإمكان جَعْله في محرز لهما لكلّ واحدٍ منهما عليه قُفْلٌ.

وقال أبو حنيفة : إن كان ممّا لا ينقسم ، جاز لكلّ واحدٍ منهما إمساك جميعه. وإن كان ممّا يمكن قسمته ، لم يجز ، بل يقتسمانه(٢) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : يجوز أن يضعاه في يد أحدهما بكلّ حال(٣) .

احتجّ أبو حنيفة بأنّه إذا كان ممّا ينقسم فقَبْضُ أحد النصفين لا يكون شرطاً في الآخَر ؛ لأنّه ممّا لا يستحقّ عليه بدل ، كما لو وهب لرجل عينين فقَبِل إحداهما ، بخلاف البيع ، فإذا ثبت لأحدهما إمساك نصفه ، لم يُسلّم إلى غيره.

وعلى القول الثاني للشافعيّة - وهو جواز دفع أحدهما إلى الآخَر - لو كان ممّا ينقسم فقسّماه بينهما ، جاز ، وانفرد كلّ واحدٍ منهما بحفظ ما في يده ، فإن أراد أحدهما أن يردّ ما في يده إلى الآخَر ، فوجهان :

أحدهما : يجوز ؛ لأنّه كان يجوز لكلٍّ منهما أن ينفرد بحفظ جميعه.

والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه لمـّا اقتسماه بينهما صار في يد كلّ واحدٍ

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٩ - ٤٣٠ ، المغني ٤ : ٤١٩ - ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٩.

(٢ و ٣ ) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٧٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٠ ، المغني ٤ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٤٩.

٢٧٣

ما ينفرد(١) بحفظه ، فلم يكن له ردّه إلى غيره. ولأنّ قبل القسمة جاز ذلك ؛ لحصول المشقّة ، وبعد القسمة زالت المشقّة(٢) .

مسألة ١٨٧ : لو جني على الرهن في يد العَدْل ، وجبت قيمته على الجاني ، وكانت رهناً. وللعَدْل حفظها ؛ لأنّها بدل الرهن ، وله إمساك الرهن وحفظه ، والقيمة قائمة مقامه. وبطلت وكالته في بيع العين بتلفها ، فلا تتعلّق الوكالة بالقيمة ، بل تبطل ؛ لأنّ الوكالة كانت في العين دون قيمتها ، وبطلت الوكالة ؛ لأنّها لم تصر من حقوق الرهن ، وإنّما هي باقية على جوازها ، ولهذا للراهن الرجوعُ ، بخلاف إمساك العَدْل الرهنَ.

ولو كان الرهن في يد العَدْل فقبضه المرتهن ، وجب عليه ردّه إليه ؛ لأنّ الراهن لم يرض بتسليمه إليه ، فإذا ردّه إلى العَدْل ، زال عنه الضمان.

ولو كان الرهن في يد المرتهن فتعدّى فيه ثمّ أزال التعدّي أو سافر به ثمّ ردّه ، لم يزل عنه الضمان ؛ لأنّ استئمانه بطل بذلك ، فلم يعتد بفعله ، ولا تعود الأمانة إلّا بأن يرجع إلى صاحبه ثمّ يردّه إليه أو إلى وكيله أو يبرئه من ضمانه.

ولو غصب المرتهن الرهنَ من يد العَدْل ، ضمنه ، فإن ردّه إليه ، زال الضمان ؛ لأنّه قد ردّه إلى وكيله.

ولو اقترض ذمّيّ من مسلمٍ مالاً ورهن عنده خمراً وجعله على يد ذمّيّ ، لم يصح الرهن ، فإذا حلّ الحقّ وباعها الذمّي العَدْل وجاء بالثمن ،

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « صار ما في يد كلّ واحدٍ ينفرد ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٦.

٢٧٤

قال الشيخرحمه‌الله : جاز له أخذه ، ولا يُجبر عليه(١) .

وللشافعي في إجبار المسلم قبض الثمن وجهان : أحدهما : لا يُجبر ؛لأنّه قد تعيّن ثمن الخمر ، وذلك غير مملوك. والثاني : يُجبر ؛ لأنّ أهل الذمّة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرى مجرى الصحيحة ، فيقال : إمّا أن تقبض ، وإمّا أن تبرئ(٢) .

وإن جعلها على يد مسلم فباعها عند محلّ الحقّ أو باعها الذمّيّ من مسلمٍ ، لم يُجبر المرتهن على قبول الثمن ؛ لأنّ البيع فاسد لا يُقرّان عليه ، ولا حكم له.

مسألة ١٨٨ : إذا أذن الراهن والمرتهن للعَدْل في بيع الرهن ، فإن عيّنا له قدراً أو جنساً ، لم يجز له أن يعدل عمّا ذكراه إلى أقلّ ؛ لأنّ الحقّ لهما لا شي‌ء للعَدْل فيه.

فإن أطلقا البيع ، جاز له البيع بثمن المثل حالّاً بنقد البلد ، وبه قال الشافعي(٣) ، خلافاً لأبي حنيفة ؛ فإنّه جوّز أن يبيعه ولو بدرهمٍ واحد ؛ لإطلاق الأوّل(٤) .

ليس جيّداً ؛ لأنّ الإطلاق محمول على المعتاد المتعارف بين الناس ، وهو هنا مقيّد بما قلناه.

فإن باعه العَدْل بدون ثمن المثل ، فإن كان بقدر ما يتغابن به الناس ، فالأقوى : الجواز ؛ لأنّه مندرج تحت المتعارف. وإن كان بأزيد ممّا يتغابن به الناس ، لم يصح ، مثل أن يكون الرهن يساوي مائة درهم ويتغابن الناس

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٨ ، المسألة ٥٢ ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٢٣.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٦٠.

(٣ و ٤ ) المغني ٤ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٥

فيه بخمسة دراهم ، فباعه العَدْل بثمانين ، بطل ، ورجع الراهن في العين إن كانت باقيةً ، وإن كانت تالفةً ، كان له الرجوع على أيّهما شاء.

فإن رجع على المشتري ، رجع بقيمتها ، ولا يردّ المشتري على‌العَدْل. وإن رجع على العَدْل ، رجع بجميع القيمة ؛ لأنّه أخرج العين من يده على وجهٍ يجز له ، فضمن جميع قيمتها ، وصار كما لو أتلفها ، فإنّه يرجع عليه بجميع القيمة ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

والثاني : أنّه يرجع عليه نقص من ثمن مثلها الذي يتغابن به الناس ، فيرجع بالباقي على المشتري ؛ لأنّ ذلك هو القدر الذي فرّط فيه ، فإنّه لو باعها بما يتغابن الناس بمثله ، نفذ بيعه ، ويلزم عليه المشتري ؛ لأنّه لو اشتراه بما يتغابن الناس عليه(١) لم يرجع عليه بشي‌ء ، ومع هذا يجب عليه جميع القيمة(٢) .

وكذا لو أوجبنا تعميم العطاء في الزكاة وأعطى بعض الأصناف الزكاةَ وحرّم بعضاً ، فكم يضمن؟ للشافعيّة وجهان :

أحدهما : القدر الذي لو أعطاهم في الابتداء جاز ؛ لأنّ التفضيل جائز.

والثاني : يضمن بقدر ما يخصّهم إذا سوّى بين العدد(٣) . وكذا لو قالوا(٤) في الاُضحية(٥) .

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « بمثله » بدل « عليه ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣١.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٨ ، الوجيز ١ : ٢٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٢ : ١٩١ - ١٩٢.

(٤) كذا ، والظاهر : « وكذا قالوا ».

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٨ : ٤١٦ ، الحاوي الكبير ١٥ : ١١٨ ، =

٢٧٦

فأمّا إذا باعه بثمن مثله أو بما يتغابن الناس بمثله ، صحّ البيع.

وإن باعه العَدْل بغير نقد البلد أو باعه بثمن مؤجَّل ، لم يصحّ البيع ، ويجب ردّ العين ، فإن كانت باقيةً ، استرجعها ، وإن كانت تالفةً ، رجع بقيمتها على مَنْ شاء منهما ، فإن رجع على العَدْل ، رجع العَدْل على المشتري ؛ لأنّ التلف كان في يده ، وإن رجع على المشتري ، لم يرجع على العَدْل.

مسألة ١٨٩ : إذا باع العَدْل بثمن المثل أو بما يتغابن به الناس ، صحّ البيع ؛ لأنّ ما يتغابن به الناس لا يمكن الاحتراز عنه ، وهو يقع لأهل الخبرة والبصيرة ، والمرجع في ذلك إليهم.

فإن جاء بعد البيع مَنْ زاد في ثمنه ، فإن كان بعد لزوم البيع وانقطاع الخيار بينهما ، لم يعتد بهذه الزيادة ؛ لأنّه لا يجوز له قبولها ، ولا يملك فسخ البيع في هذه الحال.

وإن كان ذلك من زمن الخير مثل أن يكون قبل التفرّق عن المجلس أو في زمن خيار الشرط ، فإنّه يجوز له قبول الزيادة ، وفسخ العقد ، فإن لم يقبل الزيادة ، لم ينفسخ العقد ، قاله الشيخ(١) رحمه‌الله ؛ لأنّ العقد قد صحّ ، وهذه الزيادة مظنونة ، فلا ينفسخ بها العقد ، وهو أحد قولي الشافعي.

وقال في الآخَر : إنّه ينفسخ ؛ لأنّه مأمور بالاحتياط ، وحالة الخيار بمنزلة حال العقد ، ولو دفع إليه زيادة في حالة العقد وباع بالنقصان لم يصح بيعه وإن كان قد باع بثمن المثل ، فكذا هنا(٢) .

____________________

= حلية العلماء ٣ : ٣٧٦ ، الوجيز ٢ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ١٢ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٢ : ٤١٩.

(١) الخلاف ٣ : ٢٤٥ ، المسألة ٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣١ - ٣٣٢.

٢٧٧

فلو بدا للراغب فإن كان قبل التمكّن من البيع منه ، فالبيع الأوّل بحاله. وإن كان بعده ، فقد ارتفع ذلك البيع ، فلا بدّ من بيعٍ جديد.

وقال بعض الشافعيّة : إذا بدا له ، كان البيع بحاله ، كما لو بذل الابن الطاعة لأبيه في الحجّ وجعلناه مستطيعاً به ثمّ رجع عن الطاعة قبل أن يحجّ أهل بلده ، عرفنا عدم الوجوب(١) .

ولو لم يفسح العَدْل البيعَ الأوّل وباع من الراغب ، ففي كونه فسخاً لذلك البيع ثمّ في صحّته خلاف تقدّم.

ولهم خلاف في أنّ الوكيل بالبيع لو باع ثمّ فسخ البيع هل يتمكّن من البيع مرّةً اُخرى؟(٢) .

مسألة ١٩٠ : إذا باع العَدْل الرهنَ بإذنهما ، فالثمن يكون أمانةً في يده لا ضمان عليه فيه إجماعاً ، ويكون من ضمان الراهن إلى أن يتسلّمه المرتهن ، فإن تلف في يده من غير تفريطٍ ، لم يسقط من دَيْن المرتهن شي‌ء - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّ العَدْل وكيل الراهن في البيع ، والثمن ملكه ، وهو أمين له في قبضه ، فإذا تلف ، كان من ضمانه ، كسائر الأُمناء.

وقال أبو حنيفة ومالك : يكون من ضمان المرتهن(٤) .

أمّا أبو حنفية فبناه على أصله من أنّ الرهن مضمون على المرتهن والثمن بدله ، فيكون مضموناً.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٢.

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٨

وليس بجيّد ؛ لما عرفت من أنّ الرهن أمانة.

وأمّا مالك فإنّه يقول : البيع حقّ للمرتهن ، وهو تابع لحقّه ، والثمن‌ يكون للمرتهن ، ويبرأ الراهن ببيع الرهن.

وقوله : « الثمن يكون للمرتهن » ليس بصحيح ؛ لأنّه بدل الرهن ، وإنّما تعلّق حقّ المرتهن باستيفاء الثمن منه ؛ لما روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « الرهن من راهنه »(١) بمعنى من ضمان راهنه ، وهذه عادة العرب في حذف المضاف.

ولو باع العَدْل وتلف الثمن في يده من غير تفريطٍ ثمّ خرج الرهن مستحقّاً ، فإن كان العَدْل قد أعلم المشتري أنّه وكيل الراهن ، فإنّ العهدة على الراهن ، وكذا كلّ وكيلٍ باع مالَ غيره وبه قال الشافعي وأحمد(٢) لأنّه نائبه في عقدٍ عن غيره ، فلم يلزمه الضمان ، كأمين الحاكم وسائر الوكلاء.

ولا يكون العَدْل طريقاً للضمان في أصحّ وجهي الشافعيّة ؛ لأنّه نائب الحاكم ، والحاكم لا يطالب فكذا نائبه.

والثاني : يكون طريقاً ، كالوكيل والوصي(٣) .

وقال أبو حنيفة : العهدة على الوكيل ، ويرجع على الراهن. وبنى ذلك على أنّ حقوق العهدة تتعلّق - عنده - بالوكيل(٤) .

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٦٠ ، الهامش (٢)

(٢) المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٠.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٦١ ، المغني ٤ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٧٩

وهو ممنوع على ما يأتي في الوكالة.

وقال مالك : لا عهدة على العَدْل ، ولكن يرجع المشتري على المرتهن ، ويعود دَيْنه في ذمّة الراهن كما كان ؛ لأنّ البيع وقع للمرتهن‌ بمطالبته واستحقاقه ، وكانت العهدة عليه ، كالموكّل(١) .

وقد بيّنّا أنّه نائب عن الراهن وكيلٌ له دون المرتهن.

ولو خرج مستحقّاً بعد ما دفع الثمن إلى المرتهن ، فإنّ للمشتري أن يرجع على الراهن(٢) ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : يرجع على العَدْل ويرجع العَدْل على المرتهن أو على الراهن أيّهما شاء(٤) .

وإن كان المشتري ردّه عليه بعيبٍ ، لم يكن له الرجوعُ على المرتهن ؛ لأنّه قبضه بحقٍّ ، وإنّما يرجع على الراهن.

وإن كان العَدْل حين باعه لم يُعلم المشتري أنّه وكيل ، كان للمشتري الرجوعُ عليه ، ويرجع هو على الراهن إن أقرّ بذلك أو قامت به بيّنة ، وإن أنكر ذلك ، كان القولُ قولَ العَدْل مع يمينه ، فإن نكل عن اليمين ، حلف المشتري ، ويرجع عليه ، ولم يرجع هو على الراهن ؛ لأنّه مُقرٌّ بأنّه ظلمه.

مسألة ١٩١ : لو باع العَدْل وقبض الثمن ثمّ ادّعى تلفه في يده من غير تفريطٍ ، فالقول قوله مع اليمين ، ولا يكلَّف إقامة البيّنة على ذلك ؛ لأنّه أمين ، ويتعذّر عليه إقامة البيّنة على ذلك ، فإن كلّفناه البيّنة ، شقّ عليه ،

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٦٢.

(٢) في المغني والشرح الكبير : « المرتهن » بدل « الراهن ».

(٣) المغني ٤ : ٤٢٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ١٤٩ ، المغني ٤ : ٤٢٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٥٢.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440