الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد0%

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 440

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 440
المشاهدات: 124799
تحميل: 5741

توضيحات:

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124799 / تحميل: 5741
الحجم الحجم الحجم
الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

٥

٦

الإهداء

إلى سليلة النبوّة

ونبعة الإمامة

وريحانة الزهراء

وأخت المجتبى الزكي

وشريكة الحسين في نهضته..

إلى مَن كابَدت المِحن

وتحدّت الزمن

وورثت الحسين والحسن

إلى مَن حَملت أسرار النبوّة

وحفظت أركان الإمامة

وسطّرت أروع مواقف التحدّي

بوجه الظلم والتعدّي

إلى العقيلة الكبرى، زينب بنت علي (عليهما السلام)

إليكِ يا مولاتي وسيّدتي وشفيعتي

أهدي هذا الجهد المتواضع.

رياض

٧

٨

تقريض

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي شعّر المشاعر، وجعلها أعلاماً لدينه، وأمرَ بتعظيمها حيث قال:( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (1) ، وحرّم إحلالها بالامتهان لها، حيث قال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ) (2) .

والصلاة والسلام على صاحب الشريعة الخاتمة، الموعود بإظهار دينه على الدين كلّه ولوكره المشركون، وعلى آله نور الله الذي لا يُطفأ( وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (3) ،( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ والآصَال ) (4) ،( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ) (5) .

وبعد، فإنّ الشعيرة الدينيّة ذات صلة وثيقة بهويّة المجتمع المسلم والمؤمن،

____________________

(1) الحج: 32.

(2) المائدة: 2.

(3) التوبة: 32.

(4) النور: 36.

(5) النور: 37.

٩

فإنّها تعكس تراث الملّة، وهي شعار ورمز وصورة ومحتوى.

وهي بَوتقة لتربية المجتمع المسلم على المعارف الإلهيّة والأحكام والآداب الشرعيّة، وهي إشعاع لنشر معالم الدين والدعوة له، سواء للنسل والجيل الناشئ أو للأُمم الأخرى، لا على أن يكون الموقع الثاني على حساب الأوّل، بل لكلّ من الموقعَين أدواته وأسلوبه، كما أنّ إقامتها إقامة لصرح الدين الحنيف الذي ترتبط حياته بحياتها، فهي ظاهرة السلوك الاجتماعي على منهاج الهُدى، وهي العقيدة المتجسّدة والأدب المتمثّل، فمن ذلك حرصَ التشريع الإسلامي على تعظيمها وإحيائها وإقامتها ونشرها بالأشكال والأساليب المتعدّدة، لتسري في غالب سيرة الأفراد والجماعات.

وحيث احتلّت هذه الأهميّة والخطورة في الأداء الديني، احتدمَ الحديث عن ضوابطها وموازينها وأصولها التي تبتني عليها، وعن المعيار الثابت التشريعي والمتغيّر الزمني فيها، فجاءت هذه الأبحاث - التي ألقيناها على جمعٍ من الفضلاء بجوار حرم الحوراء عقيلة بني هاشم السيّدة زينب الكبرى (عليها السلام) - في ربيع الثاني صيف عام 1420هـ، وقام السيّد النجيب والفاضل اللبيب ريّاض الموسوي بتقريرها وتنقيحها، مُكدّاً جهده في ضبط مادّة البحث ونكات الاستدلال، فأسأل الله تعالى له دوام التوفيق في نشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وبثّ علومه وإقامة أعلامه، إنّه وليّ قدير.

محمّد السند

قم - عش آل محمّد (عليهم السلام)

30 شوال 1423 هـ

١٠

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل تعظيمَ شعائره من تقوى القلوب، وكتبَ لمن قدّس حُرماته محوَ الذنوب، وشاء أن يَتمّ نورُه ويعلو ذِكرُه على مرّ الدهور وتصرّف الخُطوب.

وأفضل الصلاة والسلام على نبيّ الرحمة، وشفيع الأمّة، خير البريّة، وأفضل الخليقة، خاتم الأنبياء، وسيّد الـمُرسَلين أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، أُمناء الله على الدِين، والكهف الحصين، وغياث المضطرّ المستكين، الذين مَن والاهم فقد والى الله، ومَن عاداهم فقد عادى الله، وبعد:

فهذا الكتاب - الذي بين يديك عزيزي القارئ - يُمثِّل مجموعةَ بحوثٍ حول موضوع الشعائر الحسينيّة المباركة، وهو يتألّف من مقامَين:

المقام الأوّل: يتعرّض البحث فيه عن الشعائر الدينيّة بصورة عامّة، ويَجد القارئ في هذا المقام الأدلّة الإجماليّة من الكتاب العزيز والسُنّة الشريفة على عموم قاعدة الشعائر الدينيّة، وبعد ذلك يصل البحث إلى تفاصيل قاعدة الشعائر

١١

موضوعاً وحكماً، والجواب عن الاعتراضات والانتقادات المختلفة التي تُثار حول دائرة الشعائر المختلفة، ثُمّ إلى بيان العلاقة بين قاعدة الشعائر الدينيّة والأحكام الشرعيّة الأخرى.

هذا كلّه، مع بحوث فرعيّة فقهيّة وأصوليّة وكلاميّة تَطّلِعُ عليها في هذا المقام من الكتاب.

ومن الأمور الواضحة في هذا المقام، أن يجري إلقاء الضوء على أهميّة قاعدة الشعائر الدينيّة، وبيان أنّها تُجسِّد نظام الإعلام الديني، والقاعدة التي تتكفّل الإنذار والتبليغ والتعليم، وتتحمّل مسؤوليّة النشر والبثّ الإسلامي، وذلك عن طريق توفّر الركنَين الأساسيَّين في هذه القاعدة، وهما:

ركن البث والإعلام، وركن الإعلاء والإعزاز لمعاني الدين ومقدّساته.

أمّا المقام الثاني للكتاب - وهو بيت القصيد -: فيتعلّق بالشعائر الحسينيّة، والحديث عن نهضة سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) بقدرٍ من التفصيل، والشموليّة لكلّ ما يتعلّق بمظاهر الشعائر الحسينيّة، مع التوقّف عند الزوايا المهمّة لنهضته، والمُعطيات الخالدة لثورته (عليه السلام)..

وإنّ استمراريّة المحافظة على تلك الأهداف والغايات السامية؛ إنّما يتحقّق تحت ظلّ الشعائر الحسينيّة المختلفة والواعية من قِبَل شيعة الحسين (عليه السلام) وأوليائه.

وشعائر الحسين (عليه السلام) - من مجالس، ومواكب، ومراثي، ومسيراتِ حزنٍ وغيرها - هي مدارس يتعلّم المسلم فيها نصرةَ الدين والإحساس بالمسؤوليّة الشرعيّة للحفاظ على رسالة السماء، ويتلقّن فيها صوَر الجهاد، ويتعرّف على أشكال

١٢

التضحية لنُصرة القيَم الفاضلة والمبادئ السامية للدين الحنيف، ويعيش بكلّ تصميم وإرادة لترك الدنيا، والتغلّب على ملاذها وشهواتها المؤقّتة.

إنّها مدارس الحسين (عليه السلام)، يعي فيها المسلم كيف يقدّم كلّ ما يملك في سبيل عقيدته وفي طريق تضميد بدن الإسلام الجريح، ويبذل أغلى ما يملك للدفاع عن حريم المبدأ الحنيف.

وفي هذا المقام، تطرّق سماحة الشيخ الأستاذ المحاضر - دام عزّه - إلى بعض مصاديق الشعائر الحسينيّة، وأشبعَ البحث بالأدلّة القرآنيّة، والسنّة النبويّة والعَلويّة، ممّا لا يبقي مجالاً للشكّ في كون تلك الشعائر والمظاهر الحسينيّة من أركان الشريعة المقدّسة، مثل: ما أتحفنا به في بحث البكاء على سيّد الشهداء (عليه السلام)، ومثل: بحث لبس السواد، أو بحث إثبات ضرورة التنديد بأعداء الدين من القرآن الكريم، وجعلهم في دائرة لعنة الأجيال والتاريخ، أو إثبات أنّ العزاء والرثاء سُنّة قرآنيّة، وغير ذلك من البحوث الحيويّة والشيّقة المؤيَّدة بالحُجج والأدلّة والبراهين الشرعيّة.

وقد يكون لهذا الكتاب مزيّة على بعض الكتب الأخرى التي تعرّضت لهذا الموضوع، وبحثت حول الشعائر الدينيّة والحسينيّة، وهو أنّه يتضمّن بحوثاً فقهيّة وأصوليّة دقيقة، حاولَ سماحة الشيخ الأستاذ المحاضر (دامت بركاته) أن يُحرّرها مع شيء من التفصيل والتحقيق، كما تجد ذلك في طيّ أبحاث الكتاب في المقامَين، ويمكن ملاحظة عناوين هذه الأبحاث في أحد الفهارس الملحقة في آخر الكتاب.

وهذا الكتاب يُعتبر حلقةً ضمن سلسلة من جهود لبيان وتثبيت العقائد الدينيّة

١٣

بالدليل العلمي والأسلوب الثقافي، إضافةً إلى إعطاء القوّة الكافية للدفاع عن تلك المبادئ الحقّة، ولردّ الشُبهات والانتقادات التي تُثار حول الشعائر الدينيّة عُموماً والحسينيّة خصوصاً.

والله أسأل، وببركة سيّد الشهداء (عليه السلام) وبمقامه ودرجته الرفيعة عند الله أتوسّل، أن يجعل هذا الجهد ذُخراً لأستاذنا العزيز سماحة الشيخ محمّد السند (حفظه الله) ولي، يوم لا ينفع مالٌ ولا بَنون إلاّ مَن أتى الله بقلب سليم، وأن يُحسَب من العِلم النافع الذي لا ينقطع أثره، ولا تخبو أعلامه، والصلاة على محمّد وآله.

السيّد رياض الموسوي

مشهد المقدّسة - غرّة صفر سنة 1424 هـ

١٤

ديباجةُ الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

قد كثُر الكلام حول الشعائر الدينيّة، واختلفت أطراف الكلام في بحثها بين النقض والإبرام، والتأييد والانتقاد، وقبل الخوض في تفاصيل البحث وفروعه المختلفة، لا بأس بذكر جوانبٍ لها ارتباط بالبحث:

الجانب الأوّل: تنوّع موارد الشعائر

فمنها: ما يُثار من قِبَل أتباع بعض الفِرق الإسلاميّة حول إحياء المواليد والذكريات، حيث ينتقدون المظاهر لإحياء المواليد ومراسم الاحتفالات والمناسبات الدينيّة العامّة، ويطعنون عليها بأنّها مُستحدَثة، وكلّ مستحدَث بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار.

ومنها: محاولة إنكار ضرورة الاهتمام بأيّام الإسلام الخالدة الأخرى التي وقعت فيها حوادث هامّة وانتصارات خالدة، مثل: غزوة بدر الكبرى، غزوة الخندق، فتح مكّة، ذكرى المبعث النبوي الشريف، ذكرى الإسراء والمعراج، ذكرى هجرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ذكرى يوم المباهلة، وذكرى واقعة الغدير، وغير ذلك.

١٥

ومنها: البحث بدرجة من الشدّة والخطورة بين المسلمين حول مسألة بناء القبور وعمرانها وتَعاهُدها، ومن المعلوم أنّ أتباع بعض الفِرق يحاربون ظاهرة عمران القبور وتعاهدها، ويتّهمون زوّارها بالضلال، بل يُكفِّرون عُمّارها حتّى لو كانت تلك القبور هي قبور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيته الطاهرين (عليه السلام).

ومنها: الاهتمام بالأماكن الجغرافيّة، والآثار المكانيّة الخالدة لمواضع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولمواقع إسلاميّة مشهورة والاختلاف إليها، من قبيل: موضع غزوة بدر، وموضع غدير خُمّ، وغار حراء، والمساجد التي تشرّفت بصلاة النبي، وما شابه ذلك.

وتُثار الشكوك ويتوجّه الطعن حول تكريم تلك البقاع، تذرّعاً بما يُروى عن عمر بن الخطاب بأنّه: أمرَ بقطع الشجرة التي بويعَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تحتها بيعة الرضوان في عُمرة الحُدَيبيّة(1) ، واستفادوا من ذلك: أنّ زيارة تلك الآثار المكانيّة أو الجغرافيّة يسبّب إزواء المسجد الحرام، أو بيت الله الحرام، أو المسجد النبوي والتقليل من أهمّيّتها، فتجنّباً عن خمول الذكر، وإهمال العمران للمسجد النبوي حملة عشواء لمحاربة الأماكن المقدّسة الأخرى، وفي هذه الذريعة يتمسّكون

____________________

(1) وردَ في شرح نهج البلاغة 12: 101: (لأنّ المسلمين بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يأتونها فيقيلون تحتها، فلمّا تكرّر ذلك أوعَدهم عمر فيها ثُمّ أمرَ بها فقُطعت)، وفي نفس المصدر: (روى المغيرة بن سويد، قال: خرجنا مع عمر في حجّة حجّها، فقرأ بنا الفجر( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) و( لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ) ، فلمّا فرغَ رأى الناس يبادرون إليه، فناداهم فقال: هكذا هلكَ أهل الكتاب قبلكم! اتّخذوا آثار أنبيائهم بيعاً، مَن عَرضت له صلاة في هذا المسجد فليصلِّ، ومَن لم تعرُض له صلاة فليمضِ).

١٦

بعموم الحديث النبوي:(لا تُشدّ الرِّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى) (1) .

لذا نجد المحاولات الحثيثة والمستمرّة لطمس تلك الآثار المكانيّة والمواقع الجغرافيّة، في المدينة المنوّرة، وفي مكّة المكرّمة، أو في غيرها.

ومنها: الشعائر الحسينيّة (وهو محلّ البحث في نفس الوسط الداخليّ للطائفة من جهة، وكذلك بينها وبين الطوائف الأخرى)، فقد أُثيرت حول هذا المورد بالخصوص كثير من التساؤلات، واحتفّ به المزيد من الشكوك.

ومنها: الأدعية، والأوراد، والختومات، إذا عُقِدت وأُقيمت على نحو جماعي مشترك، فتكون شعيرة تُتّخَذ، وطقساً من الطقوس.

ورُبّما تُستجدّ وتُستحدَث طقوس ورسوم شعيريّة تُتّخذ من أبناء الطائفة الواحدة في مراسم أخرى غير الشعائر الحسينيّة، مثل: شعائر ذكريات ومناسبات تتعلّق بإحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام)، فتُواجه بالنكير من الوسط الخاص للطائفة نفسها، أو من الوسط الإسلامي العام.

الجانب الثاني: الإشكالات حول الشعائر الدينيّة

نذكر الانتقادات والإشكالات الّتي توجّه أو تُثار حول الشعائر الدينيّة؛ لنعرف مدى جدّيّة البحث وحسّاسيّته وحيويّته، إضافةً إلى خطورته في الممارسات والانتقادات الدينيّة، وأهمّ هذه الإشكالات:

١٧

الإشكال الأوّل: وهو الذي يوجِّه النكير والانتقاد إلى الرسوم والشعائر، معتمداً على مبنىً معيّن وقاعدة محدّدة، هي: أنّ كلّ شعيرة ورسم وطَقس يُتّخذ، ينبغي أن يكون جَعلهُ واتّخاذه من الشارع نفسه، وإلاّ فهو بدعة وضلال، وافتراء على الله سبحانه.

وهذا المبنى، أو هذه المقولة، أعمّ من كونه إشكالاً موجّهاً من قِبَل الطوائف الأخرى، أو أنّه موجّه من طائفة خاصّة متعصّبة، أو لعلّه ينقدح في انتقادات الوسط الداخلي للطائفة.

وهذا النمط من الإشكال مُعتمد على هذه القاعدة أو هذا المبنى القائل: بأنّ أيّ شعيرة أو رسم أو طقس من الطقوس يجب أن يستند بخصوصيّاته إلى جعل الشارع وتشريعه، وإلاّ فهو ممّا يصدق عليه البدعة والضلالة.

الإشكال الثاني: أنّ الشارع المقدّس لو فوّضَ أمر الشعائر والطقوس وأوكلها إلى العرف والمتشرِّعة، لنتجَ من ذلك أنّهم سيتحوّلون إلى مشرِّعين، حيث فوّضَ أمر التشريع إليهم، وهذا التفويض غير صحيح وهو ممتنع..

الإشكال الثالث: لو أوكلَ الشارعُ المقدّس أمر الشعائر والرسوم الدينيّة إلى العرف، لنتجَ من ذلك تحليل الحرام، وتحريم الحلال.

حيث إنّ العرف قد يتّخذ ما هو محرّم ومبغوض للشرع شعيرةً، وقد يتّخذ ما هو محلّل شعيرة يجب احترامها ويحرم هتكها، فيلزم من ذلك تحليل الحرام، وتحريم الحلال.

الإشكال الرابع: وهذا من سنخ الإشكالَين السابقَين، وهو: لو أنّنا جعلنا اتّخاذ الشعائر والرسوم والطقوس بيد العرف، للزمَ من ذلك العبث بثوابت الشريعة

١٨

الناتج من قِبَل العُرف والمتشرّعة بسبب اختلاف الظروف الزمنيّة والبيئيّة.

مثلاً: اتّخاذ موضع ما مزاراً؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد صلّى فيه أو انتصر فيه، وهكذا سوف تحصل مزارات عديدة وكثيرة جدّاً، وسوف يصعب الموازنة بين هذه المزارات العديدة وبين ما جعلهُ الشارع المقدّس وحثّ عليه بالخصوص..

الإشكال الخامس: لا وجه في تخصيص صلاحيّة المتشرِّعة باتّخاذ الشعائر والرسوم والطقوس الدينيّة في أبواب خاصّة، وعدم تسويغ ذلك في أبواب أخرى.

إذ لو كان ذلك الأمر جائزاً وسائغاً، لأجريناه في أبواب: الصلاة، والصيام، والحجّ، والزكاة، والخُمس، ولاتّخذ المتشرِّعة في هذه الأبواب شرائط وقيود وموانع حسبَ ما يرونه مناسباً، ثُمّ يتشكّل في بوتقة الشعائر ويَتَعَنْوَن بعِنوان الشعيرة،

فليس هناك دليل على التفكيك بين الأبواب المختلفة.

الإشكال السادس: الهتك والإساءة لمباني الإسلام وأركان الشريعة ومعاني الدين والمذهب العالية الشامخة؛ فقد يقال: بأنّ مقتضى هذا الرسم أو الطقس أو الشعيرة التي أوكلناها إلى العرف، قد لا تناسب مُجريات العصر، ولا تتّفق مع لغة العصر، وقد يكون فيها إساءة لذات المضامين الشامخة والتعاليم الإسلاميّة الفاضلة.

الإشكال السابع: لزوم الضرر من بعض الطقوس، خصوصاً بعض الشعائر الحسينيّة أو غيرها، ويجب شرعاً دفع الضرر بكلّ درجاته ومراتبه وأشكاله.

هذه هي أهمّ الإشكالات والانتقادات والتشكيكات التي تُثار حول الشعائر الدينيّة، وسنحاول معالجة ذلك بالتفصيل من خلال طيّات البحث..

١٩

الجانب الثالث:

إنّ بحث الشعائر لم يُبحث بالتفصيل كقاعدةٍ فقهيّة أو كلاميّة، من قِبَل العلماء والمحققين إلاّ نادراً.

وقد تظهر الإشارة إليه من خلال كلمات العلماء بشكلٍ متناثر وفي أبواب متعدّدة، مع ما له من الأهميّة القصوى في حفظ العناوين الخالدة والرموز السامية للدين الحنيف.

وهذا البحث، وإن كان بالنظر الأوّلي واضحاً وجليّاً إجمالاً.

أمّا بالنظر الدقيق العلمي فهو يفتقر إلى الموازين الاستدلاليّة، وإعمال الخبرة الأصوليّة والفقهيّة في أبوابه المختلفة وموارده المتنوّعة..

لذلك تبدو في أفق بحث الشعائر الدينيّة التساؤلات التالية:

هل الشعائر الدينيّة هي من مقولة العناوين الثانويّة، أم من مقولة العناوين الأوّليّة؟

هل هي حقيقة شرعيّة، أم هي حقيقة عُرفيّة؟

ما هو حكمها؟ وما هي حدود موضوعها؟

هل أنّ الحُكم فيها يُغاير حكم الأبواب الفقهيّة، أم هو حكم مُندمج ومتّحد مع حكم الأبواب الفقهيّة المتنوّعة؟

هل الشعائر في الحجّ تحمل نفس حكم أعمال الحجّ، أم لها حكم آخر متميّز ومنفرد بها..

ما هي النسبة بين بحث الشعائر، كعنوان - سواء جعلناه حكماً أوّليّاً، أو جعلناه حُكماً ثانويّاً - وبين العناوين الأوّليّة من جهة، وبينه وبين العناوين الثانويّة

٢٠