الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد0%

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 440

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 440
المشاهدات: 124845
تحميل: 5741

توضيحات:

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124845 / تحميل: 5741
الحجم الحجم الحجم
الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اللازم باطل ويكون طمساً لثوابت الشريعة، وهذا هو الذي أُشير إليه فيما سبق: من أنّ الفقيه - سواء الفقيه في الفتوى، أو في الحكم السياسي، أو القضائي، أو أيّ جانب من الجوانب - يجب أن لا يتوسّل كثيراً باستثنائيّات القانون، أي: بالعناوين الثانويّة في جنبة الحكم، أو يوقِع عامّة المكلّفين في المحاذير الشرعيّة، من قبيل: التزاحم في الملاك، أو حتّى التزاحم الامتثالي(1) ، فضلاً عن التوسّل بالعناوين الثانويّة في جنبة الحكم.

أي يجب أن ينتبه إلى إرشاد المكلّفين بسياسيّة الفتوى والحكم، بحيث لا تصل النوبة إلى الأبواب الاضطراريّة المزبورة، وإلى وجود المندوحة والفرجة عن التوسّل بالاضطرار، بل ينتبه إلى وجود المَنفَذ عن تصادم وتنافي الأحكام وحصول المجال والأرضيّة؛ لإقامة كلّ حكم في مورده من دون تنافيه مع امتثال وأداء الحكم الآخر، فيبتعد ويحذر عن المسارعة إلى فرض صور الاضطرار والحرج والإكراه.

وليس المراد أنّ التزاحم الامتثالي، أو الملاكي، أو التوسّل بالعناوين الثانويّة في جنبة الحكم ليست بمقنّنة، بل قُنّنت هذه من أجل أن يستفاد منها أقلّ القليل، لا أنّها قُنّنت حتّى يستفاد منها بنحو الدوام، بحيث تؤول وتعود حكماً أوّليّاً وتبقى الأحكام الأوّليّة معطّلة وجامدة.

____________________

(1) الفرق بين التزاحم الملاكي والامتثالي: هو أنّ في التزاحم الملاكي يكون هناك تصادق بين المتزاحمَين في وجود واحد، كاجتماع الأمر والنهي، مثل: صلّ ولا تغصب.

أمّا التزاحم الامتثالي: فلا يتحقّق تصادق بين المتزاحمَين في وجود واحد، مثل: وجوب تطهير المسجد مع وجوب الصلاة.

١٢١

فمن ثُمّ يمكن المحافظة على الثوابت بهذه الوسيلة، وهذا ليس بمحذور، إذ المفروض أنّ جنبة الشعائر الدينيّة المستجدّة المستحدَثة - المتّخذة من قِبَل المكلّفين - هي جنبةٌ تطبيقيّة كما بيّنا، فهي - في الواقع - نوع من المحافظة على الشموليّة الشرعيّة؛ لأنّ كلّ ما قَصد وصمّم المتشرّعة تطبيق تلك العناوين والقضايا التي أتى بها الشرع، فهذا نوع من إحياء الشريعة وعدم طمسها واندراسها.

والعكس هو الصحيح، فبدلَ أن يكون هذا محذوراً على اتّخاذ الشعائر، فهو في الواقع دليلاً على صحّتها لإحياء وانتشار الدين.

فتبيّن مِمّا مرّ أنّ أدلّة الطائفة الأولى من الآيات التي اشتملت على لفظة الشعائر - شعائر الله - مثل:( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) ، هي أيضاً من العمومات الباقية على عمومها، كقضايا شرعيّة وردت في النصوص القرآنيّة أو الروائيّة على حقيقتها اللغويّة، كما هو حال الطائفة الثانية من الأدلّة.

وما ورد من تطبيقها على مناسك الحجّ مثلاً، فهو من باب تطبيق العام على الخاص، لا من قبيل التحديد والحصر.

الدليلُ الاعتراضي الرابع والجواب عنه

يبقى دليل رابع للقائل: بأنّ قاعدة الشعائر الدينيّة حقيقة شرعيّة، وهو أنّ الشارع قد طبّق هذه القاعدة في بعض المصاديق، مثل:( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) ، مِمّا يعني أنّ هذا المضمون الفوقاني يحتاج في التنزّل إلى جعل الشارع، وبعبارة أُخرى، فقد أشرنا سابقاً أنّ بعض العمومات الفوقانيّة - سواء

١٢٢

الوضعيّة أو الشرعيّة - تنزّلها ليس قهريّاً تطبيقيّاً، بل تحتاج إلى تنزّل جعلي تطبيقي، مثل:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ.. ) ، أمّا كيف نتبيّن مواضع العدل، فلابدّ من معرفة للحقوق المختلفة من قِبَل الشارع نفسه، وأيّ مورد هو أداء لحقّ الغير، وأيّ مورد ليس بهذا النحو؟ وإلاّ فإنّ العمل بعموم( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ.. ) من غير معرفة مواضع العدل من الشارع لا يكون جائزاً.

فإذاً، في تلك العمومات الفوقانيّة التي لا يمكن أن تتنزّل قهريّاً وعقليّاً على المصاديق، لا يمكن للفقيه أن يستدلّ بها على المطلوب؛ لأنّ المفروض أنّها عمومات فوقانيّة تحتاج في التنزّل إلى جعل شرعي أيضاً، وإلى تشريع آخر تطبيقي من الشارع(1) .

____________________

(1) كما مثّلنا سابقاً بالمواد الدستوريّة، إذ لا يمكن لرئيس الوزراء أن يتمسّك بها في التنفيذ، حيث يقال: لابدّ من مجلس نيابي يُنزّل هذه المادّة الدستوريّة ثُمّ يتمّ العمل بها، ثُمّ إنّ موظف الوزارة أو شُعبة من الوزارة هل يمكن أن يعمل بمادّة نيابيّة قانونيّة تصدر من المجلس النيابي؟ كلاّ، فإنّه يخطّأ في ذلك، بل لابدّ من أن يأخذ رئيس الوزراء، أو الوزير المعيّن المادّة ويُنزّلها إلى مواد وزاريّة أُخرى تنزّليّة، ثُمّ بعد ذلك يمكن لمدير الشُعبة الإداريّة أن يعمل بتلك المادّة النيابيّة، أو المادّة الوزاريّة التي نُزّلت.

وكذا لو أنّ أحداً من عامّة الناس عملَ بمادّة من المجلس النيابي، فإنّه يُخطّأ ويُحاسب على ذلك؛ لضرورة صدور تلك المادّة القانونيّة النيابيّة بتوسّط الشُعب الوزاريّة كي يستطيع عوام المكلّفين أن يعملوا بها.

وهذا الذي نراه من طبيعة القوانين ليس مخصوصاً بالقوانين الوضعيّة، هذا هو من الماهيّات الأوّليّة لنفس لغة القانون وطبيعة التقنين أو طبيعة عالَم الاعتباريّات.

فمن الماهيّات الأوّليّة والاعتباريّات في عالَم القانون والتشريع: أنّ بعض العمومات فيه لا تتنزّل إلاّ بجعلٍ وتشريع من الشارع.

١٢٣

فمِن الحريّ والجدير أن تكون قاعدة الشعائر الدينيّة كذلك أيضاً؛ لأنّنا رأينا أنّ الشارع قد جعلَ البُدن من شعائر الله، مِمّا يشير إلى أنّ الشعائر وإن كانت عمومات قد تعلّق الأمر بها، لكن هي من العمومات الفوقانيّة من النمط الثاني التي يحتاج في تنزّله إلى جعول تشريعيّة، وإلى تشريعات تنزّليّة، لا أنّها تتنزّل قهريّاً، مثل بقيّة العمومات الأخرى، وهذا هو الدليل الرابع على أنّ قاعدة الشعائر الدينيّة قاعدة توقيفيّة شرعيّة، وإنّها حقيقة شرعيّة.

ولكنّ هذا الاستدلال يمكن الإجابة عليه بما يلي:

إنّ كثيراً من العمومات ليست قطعاً عمومات من النمط الذي يحتاج في تنزّله إلى جعول تطبيقيّة بنمط الحقيقة الشرعيّة، أي الاعتبار الشرعي المُغاير للاعتبار الوضعي العقلائي أو العُرفي، من قبيل: الصلاة الفاقدة للسورة نسياناً، أو الفاقدة لأجزاء معيّنة نسياناً أو خطأً؛ فإنّ الشارع يُصحّحها بقاعدة(لا تُعاد الصلاة إلاّ من خمس) وهي الأركان، أمّا غير الأركان فلا تُعاد الصلاة لأجلها، هذا تصحيحٌ وتصرّف من الشارع لبعض المصاديق.

ومجرّد تصرّف الشارع وتدخّله بجعول تطبيقيّة، ليس دليلاً على كون ذلك العموم لا يتنزّل إلاّ بالتشريع والجعل التطبيقي، الذي هو من نمط الحقيقة الشرعيّة والاعتبار الشرعي دون الاعتبار العقلائي والعرفي، كما هو الحال في البيع والعقود وبقيّة الجعول العرفيّة، بل كثير من العمومات لها مصاديق تكوينيّة وتنزّلات تكوينيّة، لكن مع ذلك قد يتصرّف الشارع لمصلحةٍ ما في تحديد بعض المصاديق، فلا يعني ذلك أنّ الشارع قد جعلَ ذلك العموم عموماً يحتاج إلى تشريع تنزيلي، غاية الأمر أنّه قد أذِن

١٢٤

للعرف والمتشرّعة باتّخاذ بعض المصاديق لإطلاق عنوان الشعيرة على المعنى اللغوي في الأدلّة، كما تقدّم ذلك مفصّلاً.

وأساس هذا الدليل يرتبط بمعرفة ضابطة التوقيفيّة وغير التوقيفيّة؟

باعتبار أنّ التوقيفيّة هي ضابطة من الضوابط الشرعيّة، فأيّ مورد يكون الأمر فيه توقيفيّاً، فيكون اتّخاذ شيء من المتشرّعة فيه بدعاً وتشريعاً.

وما لم يكن المورد توقيفيّاً، فالاتّخاذ من قِبَل المتشرِّعة يكون شرعيّاً، فالتوقيفيّة - إذاً - إحدى العلامات، وإحدى المقدّمات التي تؤثّر في معرفة الشرعيّة عن اللاشرعيّة، أو البدعيّة عن اللابدعيّة، فلابدّ من معرفتها.

وقد يتراءى من كلمات العلماء أنّ القدر المتيقّن من التوقيفات هو العبادات.

وبكلمة موجزة نوضّح الأمر:

هناك عدّة تعريفات تُذكر للبدعة المحرّمة:

منها: هي نسبة ما لم يفعله الشارع إليه.

ومنها: هي النسبة والإخبار عن الشارع بأمرٍ أن تقنين أو حُكم - سواء تكليفيّاً أو وضعيّاً - من دون علم، بل عن شكّ أو جهل أو احتمال، وإن كان في الواقع قد يكون الشارع قد شرّعه، إلاّ أنّ النسبة بغير علم تكون نوعاً من التشريع.

فحصلَ لدينا فرق بين التعريف الأوّل والثاني: في التعريف الأوّل النسبة إلى الشارع ما لم يشرّعه وما لم يقنّنه، لو نُسب قانون ما إلى الشارع وكان الشارع قد شرّعه لم يكن ذلك تشريعاً، وإن كانت النسبة إلى الشارع من دون علم.

١٢٥

بخلاف التعريف الثاني، البدعة: هي النسبة إلى الشارع ما لم يعلم، سواء شرّعه الشارع في الواقع أم لم يشرّعه، وهناك تعاريف أخرى تُذكر للبدعة.

والتوقيفيّة: هي أنّ كلّ ما تريد أن تنسبه إلى الشارع يجب أن يكون موقوفاً على العلم، أو موقوفاً على أنّ الشارع هو الذي قد أنشأه وجعله وحكمَ به، ومن ثَمّ تنسبه للشارع، وليس المقصود النسبة إلى الشارع في مقام الإخبار فقط، بل تعمّ النسبة حتّى موارد التديّن مثلاً: يتديّن أو يُداين الآخرين في المعاملات، أو في العبادات بالمعنى الأعم الشامل لكلّ الإيقاعات والعقود والعبادات.

التديّن أو المداينة بشيء على أنّه من الشارع يحتاج إلى التوقيف مطلقاً، إمّا التوقيف: بمعنى أنّ الشارع يجعله، ومن ثَمّ يتديّن المكلّف به ويداين الآخرين.

أو التوقيف: ومعناه - علاوة على تشريع الشارع وجعله وتقنينه - أنّه ينبغي العلم بذلك، أي لا يتديّن ولا يُداين الآخرين إلاّ بعد علمه بجعل الشارع.

من هنا يتّضح: أنّ التوقيفيّة في قبال الإمضائيّات وما يُكتفى فيه بعدم الردع: هي كلّ أمر تقنيني أتديّن به أو أُداين الآخرين به على أنّه من الشارع، هذا موقوف على الشارع، وليس مخصوصاً بالعبادات فقط، أو على العلم بجعل الشارع، فقاعدة توقيفيّة الأمور ليست مختصّة بالعبادات، بل في كلّ فصل أو باب من التقنين في الشريعة إذا كنتُ أنا أتديّن به، وأُلزم نفسي به أو ألزم الآخرين به، فيما إذا كانت معاملة بالمعنى الأعم - سواء جنبة قضائيّة، أو جنبة الأحوال الشخصيّة، أو جنبة معاملات، أو جنبة عبادات، وفي أيّ فصل، أيّ شعبة من القانون - فيجب أن تكون موقوفة على جعل الشارع، أو أنّها موقوفة على العلم

١٢٦

بجعل الشارع.

فإذاً، قاعدة التوقيفيّة مدارها ومناطها هو التديّن والمداينة على أنّها من الشارع، هذا السلوك التديّني أو الالتزامي أو التبعيّة - التي لا تقتصر على مظهر الأفعال الجارحيّة، بل حتّى الأفعال الجوانحيّة، بل حتّى الاعتقادات - في كلّ أفعال الإنسان المختار إذا كانت على أساس إتّباع الشارع، فتكون موقوفة على جعل الشارع أو على علمه بجعل الشارع.

التوقيفيّة وحدود الديّانة

وقد يُطرح سؤال، فيما إذا كان الإنسان يُداين نفسه أو يُداين الآخرين على أمر معيّن لا على أنّه مجعول من الشارع، فهذا ليس أمراً توقيفيّاً، فهل يكون حلالاً وإن لم يقرّ الشارع بذلك؟

مثلاً: أن يُداين الآخرين بمعاملة جديدة - فَرَضاً - لا يقرّها الشارع (كالذين يتعاملون بالربا - مثلاً - لا يتعاملون على أنّه مجعول من قِبَل الشارع)، أو الذين يتعاملون بمعاملات جديدة لا يقرّها الشارع ولا يمضيها، أو يتعاملون أو يلتزمون فيما بينهم بأمور لا يُقرّها الشارع، وهم أيضاً لا يلتزمون فيما بينهم على أنّها من الشارع، فهذا هل يكون حلالاً وجائزاً، باعتبار أنّه أمر ليس توقيفياً؛ لأنّ ضابطة التوقيفيّة - كما سبق - هي المُداينة والتداين على أنّه أمر من الشارع، فإذا لم يكن مبنيّاً على ذلك فلا يكون أمراً توقيفيّاً، فيكون حينئذٍ مسوّغاً ومشروعاً ولو بالجواز العقلي، وهو مجرى أصالة البراءة، هذا استفسار يُطرح في تعريف التوقيفيّة.

١٢٧

وتوضيح الجواب عن هذا الاستفسار، أن نقول: ليس كلّ مورد غير توقيفي يكون ارتكابه سائغاً وحلالاً وجائزاً، أو أنّه يكون مجرى البراءة، إذ إنّ الأفعال المحرّمة قد ردعَ وزجر ونهى عنها الشارع، سواء كان الفعل فعلاً ساذجاً أو بناءاً تقنينيّاً من العرف العقلائي، وعموم النواهي الشرعيّة ناظرة ومنصبّة على الأفعال الدارجة للصدّ عن وقوعها، سواء كانت ذات وجود تكويني أو كانت ذات وجود اعتباري، كالمعاملات والإيقاعات العرفيّة، وإن لم ينطبق عليها في نفسها أنّها من الأمور التوقيفيّة، لا فعلها ولا تركها.

فلو فُرض استحداث معاملة جديدة قانونيّة، ولم تكن مُمضاة من الشارع بتوسّط العمومات، وبالتالي سوف تكون مندرجة تحت النهي العام، مثل:( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) ثُمّ جرى التعامل بها، وأخذنا نُداين بعضنا البعض بممارستها، فهذا البناء المعاملي محرّم، لكنّ حرمتها ليس من باب البدعيّة؛ لأنّنا لا نتداين بها على أنّها مجعولة من قِبَل الشارع، فنكون قد تخطّينا ما هو توقيفي، فليس تحريمها من جهة تخطّي وتجاوز ما هو توقيفي؛ إنّما تحريمها ناشئ من مخالفة النهي عن الأكل بالباطل، ولو بُني على الالتزام بمنهاج القوانين الوضعيّة في المعاملات عموماً، لكان من باب التديّن بغير دين الله، وهذا بحث آخر.

كما لو أراد الإنسان أن يتّبع قانوناً معيّناً في كلّ أبوابه وبنوده لم يرد فيها شيء من الله عزّ وجل، وأن يتّبعه ويتقيّد به لا على أنّه من الشارع، بل على أنّنا وضعناه بأنفسنا، فالحرمة هنا من جهة أخرى: وهي التديّن والاتّباع لمَا ليس تشريع من الله عزّ وجل، فليس كلّ ما هو محرّم ناشئاً من تخطّي وتجاوز الأمر

١٢٨

التوقيفي، بل قد يكون الشيء تقنيناً ونوعاً من الإنشاء التقنيني والاتخاذي والوضعي، وهو حرام من باب التديّن بغير دين الله.

الخُلاصة:

المُداينة والتديّن والاتّخاذ والإنشاء والتقنين قد يكون تشريعاً، وهو بدعة وحرام، وقد يكون تقنيناً ومُداينة، فهو حرام، لكنّ حرمته ليست من باب التشريع والبدعة، ولا من باب تجاوز الأمور التوقيفيّة.

فإذاً، قاعدة توقيفيّة الأمور وإنّها بيد الشارع لها مدار ومجال معيّن، وهي المداينة سواء لنفسه أو للآخرين على شيء على أنّه من قِبَل الشارع، من دون علم أو من دون تشريع الشارع، فالأمر التوقيفي: هو أن لا تتديّن ولا تُداين بشيء، سواء في العبادات أو في المعاملات بالمعنى الأعم، وسواء في الفقه الفردي، أو في الفقه الاجتماعي من دون إيقاف من قِبَل الشارع على ذلك التقنين.

والإيقاف على ذلك التقنين: يعني إنشاء الشارع لذلك وإعلامه لك بذلك، المتقوِّم بالتشريع من قِبَل الشارع وأن يُعلمه بذلك.

والسرّ في أنّ كلمات كثير من الفقهاء تقتصر في قاعدة توقيفيّة الأمور على العبادات، لا بغرض حصرها في العبادات، بل لكونها في العبادات واضحة وجليّة، أي من باب ذِكر أوضح المصاديق، وإنّ العبادات - بلا ريب - توقيفيّة، والمعاملات أيضاً إذا ارتُكبت على أنّها شرعيّة فهي أمر توقيفي يجب أن يؤخذ من الشارع، كي يتديّن به على أنّه من الشارع وعلى أنّه من دين الله، وإلاّ سيكون تجاوزاً للأمور التوقيفيّة، وبالتالي يصدق عليه أنّه بدعة أو تشريع.

١٢٩

فالاعتراض بقاعدة الأمور التوقيفيّة للاستدلال على أنّ قاعدة الشعائر الدينيّة حقيقة شرعيّة ليس في محلّه؛ لأنّ الشارع قد أوقَفنا على تشريع مثل هذه الشعائر، غاية الأمر أنّه وردَ بعناوين عامّة وهي إتمام نور الله، وإعلاء أحكام الدين، ولا ريبَ أنّ هذه من الأمور التي لو طُبّقت ونُفّذت لكانت من أوضح العوامل لنشر أحكام الدين؛ لأنّ نشر سيرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله - من باب المثال - التي هي أحد الشعائر الدينيّة، هي نوع من نشر الأحكام الدينيّة والمعالم الدينيّة.

فلا يكون اتّخاذ الشعائر المستجدّة أو المستحدَثة مخالِفة لقاعدة التوقيفيّة للأمور، ولذلك قلّما يستعمل الفقهاء قاعدة توقيفيّة الأمور في المعاملات، بخلاف باب العبادات.

إذ في باب المعاملات، تتوفّر عناوين عامّة قابلة للتنزّل ولتغطية كلّ المستجدّات الموضوعيّة بقيود وشروط مهذّبة للظواهر والحالات الماليّة، فلا يكون اتّخاذها نوعاً من التجاوز على قاعدة توقيفيّة الأمور.

بخلاف باب العبادات، حيث لا يوجد فيها عمومات قابلة للتنزّل في كلّ الأحوال والظروف المختلفة، مثل: صلّوا بكلّ زلفة وخضوع، أو زكّوا بكلّ قدر، أو حجّوا بأيّ إفاضة وزيارة.

وإنّما هي محدّدة بأجزاء وشرائط وقيود خاصّة، ومن ثُمّ لا يمكن اتّخاذ صلاة جديدة، أو زكاة جديدة، أو ضريبة ماليّة جديدة - غير الزكاة والخمس - أو نُسك جديد في الحجّ، وإلاّ فقاعدة توقيفيّة الأمور لا تختصّ بالعبادات دون المعاملات.

والعمومات في أدلّة الشعائر - التي هي من الصنف الثاني أو الثالث - لم تُحدّ

١٣٠

بحدّ معيّن، بل أرسلها الشارع على عمومها، فهي تتنزّل إلى المصاديق المستجدّة والخصوصيّات المختلفة بمقتضى النقاط الثلاث التي سبقت.

يظهر من الأجوبة السابقة أنّ الوجوه الأربعة أو الخمسة - التي أُقيمت على أنّ قاعدة الشعائر الدينيّة حقيقة شرعيّة - ليست بتامّة، ومن ثُمّ يكون ما يُتّخذ من شعائر دينيّة مستجدّة أو مُستحدَثة، له دليله الشرعي ويكون خالياً من الإشكال وتابعاً للضوابط الشرعيّة المقرّرة.

والمفروض أنّ هذه الشعائر واجدة لرُكني ماهيّة الشعائر كما ذكرنا، باعتبار توفّر الركنين ضمنها: ركن الإعلام والبثّ، وركن الإعلاء والتعظيم كما مرّ ظهور الأدلّة في ذلك، وإن لم تشتمل الطائفة الثانية والثالثة من الأدلّة على لفظ الشعائر، إلاّ أنّها مُرسلة، مطلقة وغير مقيّدة وغير محدّدة، وقد وردت في مقام البيان، ولم يُحدّدها الشارع، فهي دالّة بوضوح على أنّ ما هو من صِنوها وسنخها - وهي الطائفة الأولى - ليست بحقيقة شرعيّة؛ وإنّما هي حقيقة وضعيّة لغويّة.

التعبّدُ بالمصاديق

بقيَ أن نوضِّح أنّ تعبّد الشارع في بعض الموارد بالمصاديق، لا يدلّ على أنّ ذلك المعنى حقيقة شرعيّة توقيفيّة، ويجدر بالمقام ذِكر المناسبة بين قاعدة توقيفيّة الأمور وبين البحث الأصولي عن الحقيقة الشرعيّة والحقيقة اللغويّة، حيث إنّ في المورد الذي يكون العنوان حقيقة شرعيّة يتمّ إعمال قاعدة توقيفيّة الأمور إعمالاً تامّاً، بخلاف الموارد التي لا يتصرّف الشارع فيها في العنوان ومعناه، ويبقى معنى اللفظ المعيّن على حقيقته اللغويّة، والشارع حينما شرّع وقنّن

١٣١

الحُكم أرسل العنوان والمعنى على إطلاقه وكلّيّته.

مثل قول الشارع: بِرّ والدَيك، أو عليك بصلة الأرحام، فلم يُحدّد الشارع خصوصيّات عمليّة برّ الوالدين، أو جزئيّات صلة الرحم، وإن ألزَمَ بخصوص بعض المصاديق: كالنفقة، والاستئذان في النذر والنكاح.

فالمفروض أداء كلّ ما يتحقّق به برّ الوالدين، أو صلة الرحم.

فبرّ الوالدين وصلة الرحم وإن أتى بهما على أنّه امتثال لأمر شرعي، لكن لم يُحدّد الشارع هذا العنوان العام وبقيَ على معناه اللغوي، فهو وإن كان أيضاً من الأمور التوقيفيّة في الحكم، إلاّ أنّه أرسلَ مصاديق وخصوصيّات ذلك العنوان العام.

بخلاف ما إذا قال الشارع: صلِّ، أو حجّ، أو اعتكف، أو صُم.

فيتّضح بذلك وجه التفرقة عند الأصوليّين بين الحقيقة الشرعيّة وقاعدة الأمور التوقيفيّة: وهو أنّ الإيقاف والتشريع وإعمال ولاية الشارع في التشريع فيما يُنسب إليه ويتدّين به بذلك، سواء في ناحية الحُكم أو المتعلّق أوالموضوع، بينما الحقيقة الشرعيّة في خصوص ماهيّات العناوين.

ومن ثُمّ يتبيّن جواب هذا التساؤل - إضافة لمَا مرّ - من أنّ الشارع قد يتعبّد في بعض الموارد بمصاديق يلحقها بالطبيعة، أو يُخرجها عن الطبيعة، مع كون ذلك المعنى العام وطبيعة الفعل ليست بحقيقة شرعيّة، فالتعبّد إنّما هو بالمصداق، مثلاً ورد في الأثر أنّ:(جهادُ المرأة حُسن التبعّل...) (1) ، مع أنّ الشارع لم يجعل للجهاد حقيقة شرعيّة، فالتعبّد هو في دائرة المصداق لا في صقع المعنى الكلّي.

____________________

(1) بحار الأنوار 10: 99.

١٣٢

أو قال: بيع المنابذة ليس بيعاً، مع أنّه من الواضح أنّ البيع ليس حقيقة شرعيّة، بل هو حقيقة لغويّة يتعبّد بها الشارع.

وقد يتعبّد الشارع بإخراج مصداق، أو إلحاق مصداق بطبيعة، مع أنّ هذه الطبيعة تبقى على حالها، فصِرف تعبّد الشارع في مثل:( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) ، أو( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) .

وجعلُ الصفا، والمروة، والمشعر، والبُدن، والهدي التي تُذبح يوم العاشر في مِنى (الأضحية) وغيرها من الشعائر، لا يدلّ على الحقيقة الشرعيّة، ولا يدلّ على عدم بقائها على حقيقتها اللغويّة، وصِرف تعبّد الشارع بمصداق معيّن إمّا بإدخاله ضمن دائرة الموضوع أو بإخراجه عنها، لا يدلّ على كون قاعدة الشعائر حقيقة شرعيّة، بل تبقى على معناها اللغوي.

والنتيجة التي ننتهي إليها في الجهة الرابعة هي: أنّ الشعائر الدينيّة باقية على حقيقتها اللغويّة، وإنّها ليست توقيفيّة من قِبَل الشارع المقدّس من جهة شعيريّتها، ووجود مصداقها ليس تكوينيّاً كما مرّ، بل هو اعتباري: كالبيع، وكبقيّة المعاملات.

١٣٣

الجهةُ الخامسة: مُتعلّقُ الحُكم لقاعدة الشَعائر

١٣٤

١٣٥

وهو التعظيم للشعائر وحرمة الابتذال والإحلال لها:

-( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ) .

-( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) .

-( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ) .

والبحث حول المتعلّق يقتضي تقرير النقاط التالية:

النقطة الأولى: يجب الالتفات إلى أنّ وجود الشعيرة والشعائر، هو أشبه ما يكون بالوضع، حيث إنّ كلّ موضوع تزداد صلته وارتباطه ووثاقته وعلاميّته للموضوع له، بكثرة الاستعمال أو بأسباب ومناشئ أخرى، فيصبح هناك نوع من العلقة الشديدة بين الموضوع والموضوع له، كما هي العلقة بين اللفظ والمعنى في اللغة.

فبعض الأمور توضع علامات لمعنى معيّن، وكلّ ما تقادَم الزمن وتزايد الاستعمال تُصبح أكثر صلة بذلك المعنى، إذ بدلَ أن يأتي في الذهن بالموضوع له وهو المعنى، يأتي بنفس الموضوع وهو اللفظ، فيحكم على اللفظ بأحكام المعنى من شدّة الوثاقة والصلة والربط، ومن ذلك تُستقبح بعض الألفاظ لقبح المعاني وكثرة استعمال تلك الألفاظ فيها، بخلاف مرادفاتها التي يقلّ استعمالها في ذلك

١٣٦

المعنى، مثل: لفظ الفرج حيث يقلّ استعماله في المعنى الموضوع له، بخلاف مرادفه من الألفاظ التي يكثر استعماله فيه.

ومن هذه النقطة الأولى، نلتفت إلى أنّ العلاقات والأوضاع التي توضع لمعانٍ معيّنة تختلف فيما بينها بشدّة العلقة أو خفتها، فبعضها علاميّته واضحة لدى كلّ الأذهان.

وبعضها علاميّته واضحة لدى قطر معيّن، أو مدينة معيّنة، أو طائفة معيّنة، أو شريحة معيّنة دون شرائح أُخرى.

إذاً، بيانيّة العلامة والأمور الاعتباريّة والمعنى تختلف شدّةً وضعفاً، ويمكن التمثيل بالأحكام الدينيّة أنّ بعضها ضروري أو بديهي، وبعضها ضروري عند فئة خاصّة كالفقهاء، وبعضها قد يكون نظريّاً عند صنف، وضروريّاً عند صنف آخر، بعضها قد تكون قطعيّاً، لكن نظريّاً، وبعضها غير نظري بل ظنّي وهكذا، فهي على درجات أيضاً.

ومعالم الدين أو الشعائر - التي هي من مصاديق المَعلميّة والأمور الاعتباريّة الوضعيّة - تختلف أيضاً في علاميّتها وفي بيانيّتها للمعنى الديني، أو للحكم الديني، أو للسِمة الدينيّة شدّةً وضعفاً لتلك السمات، مثل: رسم خطّ لفظة الجلالة المعدودة من الشعارات - هذه اللفظة (لفظة الجلالة)، أو اسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - أو أسماء الأئمّة (عليهم السلام)، يترتّب عليها أحكام خاصّة، مثل: حرمة لمسها للمُحدِث، أو حرمة تنجيسها، ووجوب تطهيرها، وذلك نوع من التعظيم لنفس هذه الشعيرة والعلامة للمعنى الديني.

فملخّص النقطة الأولى: أنّ الأمور المَعلميّة لمعاني الدين على درجات

١٣٧

متفاوتة، بعضها شديد، وبعضها متوسّط، وبعضها خفيف الصلة، كما أنّها تختلف بحسب الأوصاف وبحسب الفئات والشرائح، وهذه نقطة مهمّة مؤثّرة في أحكام الشعائر الدينيّة كما سيأتي.

النقطة الثانية: إنّ الشعائر الدينيّة - حيث إنّها علامة - لا بدّ أن ترتبط بذي العلامة وهو المعنى الديني، أقصِد معنىً معيّناً من المعاني الدينيّة، فصلاً من الفصول الدينيّة، ركناً من الأركان الإسلاميّة، هيكلاً من هياكل الدين القويم، وتختلف بعضها عن البعض قدسيّة وتعظيماً بسبب المعنى الذي تدلّ عليه، وهذا الحكم من المسلّمات لدى المذاهب الإسلاميّة الأخرى، مثلاً: الهاتك لحرمة الكعبة يُحكم عليه بالكفر، فالذي يُحدث في المسجد الحرام لا يُحكم عليه بالكفر، لكنّه يُحدّ بالقتل، أمّا الذي يُحدِث في الحرم المكّي بقصد الإهانة فيُعزّر ولا يُحكم عليه بالارتداد ولا يُقتل، وهذه أحكام وردت في روايات معتبرة وقد أفتى على طبقها العلماء، وهي في الجملة محلّ وِفاق حتّى عند جمهور العامّة.

هذا الاختلاف في الحُكم بين الكعبة كشعار، وحكم المسجد الحرام كشعار، وحكم الحَرم المكّي كشعار، هو أوضح دليل على هذا الأمر.

مثال آخر: التفريق بين اسم الجلالة وصفات الجلالة، أو ما بين لفظ الجلالة ولفظ (جبرئيل)، أو التفريق بين اسم الجلالة واسم النبي والأئمّة وأسماء بقيّة الأولياء، أو التفريق مثلاً بين القرآن الكريم وبين الكتب الدينيّة الأخرى، وإن كانت كتب أحاديث أو سُنّة نبويّة أو معصوميّة، أو التفريق بين الكتاب الديني والمصحف الشريف.

١٣٨

المصحف الشريف علاميّته على كلام الله سبحانه وتعالى، كلام ربّ العزة، كلام ربّ الكون وربّ الخليقة، على كلام الوجود الأزلي، بينما الكتاب الديني الآخر يدلّ على مضامين لأحكام إسلاميّة، ويختلف حتّى في الحُرمة والقدسيّة.

كذلك الكعبة - التي هي شعار ومعلم ديني - تختلف في الشرف والقدسيّة عن المسجد الحرام، وتختلف عن الحرم المكّي، فيُلاحظ أنّ التعظيم معنى تشكيكي(1) ، والابتذال وشدّة الحرمة وخفّة الحرمة، وشدّة وجوب التعظيم وخفّته، تتبع أمراً آخر، أي أنّها تتبع المعنى الذي وضع الشِعار علامة له، والمعلَم الذي وضِع الشِعار علامة له.

إذاً، في النقطة الثانية يتبيّن أنّ الشعائر تختلف شدّة وضعفاً، وتختلف أهميّةً ومنزلةً بحسب المعنى الذي تدلّ عليه، والتعظيم يختلف أيضاً بتبع ذلك.

ونتيجة هاتين النقطتين: أنّ التعظيم يختلف باختلاف، إمّا العُلقة بين الشعار والمعنى الديني الذي يدلّ عليه، أو قُل بين العلامة وذي العلامة، ويختلف باختلاف شدّة وخفّة العُلقة.

تارةً بعض الأحكام تختلف بسبب شدّة وضعف العلاقة (انشداد العلامة لذي العلامة، والشعيرة مع المعنى)، وتارةً يختلف الحُكم بسبب ذي العلامة، والمعنى الذي جُعلت الشعيرة مَعلماً له وإعلاماً له، وهذا اختلاف من جنبة أخرى، وكلّ منهما مؤثّر في حكم الشعائر.

____________________

(1) المعنى التشكيكي: أي المعنى الذي له مراتب ودرجات مختلفة.

١٣٩

مثلاً: الشعيرة المعيّنة التي تُستجدّ وتُستحدث، تارةً توضع شعيرة في باب الحجّ، وتارة توضع في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تارة توضع في باب الشعائر الحسينيّة، أو في باب حفظ وتلاوة القرآن وتعظيمه، وتارة في باب عمارة قبور الأئمّة (عليهم السلام)، وهكذا.

إذاً، الشعيرة تختلف بحسب المعنى الذي توضع له بمقتضى النقطة الثانية، وتارةً تختلف الشعيرة بحسب شدّة العلقة مع المعنى الذي توضع له، فتارةً هي شديدة الصلة والعلقة والدلالة، بيّنة الدلالة على المعنى الذي توضع له، وتارةً أخرى هي غير بيّنة.

كما تُقسّم الدلالات إلى: بيّنة بالمعنى الأخص، وبيّنة بالمعنى الأعم، أو دلالة نظريّة(1) ، والأحكام التي تترتّب على وجوب تعظيم تلك الشعائر، أو العلامات والمعالِم الدينيّة من حيث الحكم بالتعظيم ووجوب التعظيم، وشدّة التعظيم أو خفّته، كلّها تتّبع طبيعة العلاقة بين الشعيرة أو المعلَم والمعنى الذي تشير إليه، فإن كان شديد العلقة بحيث لا يخفى على أحد، فلا يقبل دعوى الشبهة والبدعيّة في ذلك أصلاً.

كذلك يختلف المعلم أو المعنى الذي توضع له الشعيرة، فإن كان معنىً

____________________

(1) - البيّن بالمعنى الأخص: هو ما يلزم من تصوّر ملزومه تصوّر اللازم، بلا حاجة إلى توسّط شيء آخر.

- البيّن بالمعنى الأعم: ما يلزم من تصوّره وتصوّر الملزوم وتصوّر النسبة بينهما الجزم بالملازمة.

- الدلالة النظريّة (غير البيّن): وهو ما يقابل البيّن مطلقاً، بأن يكون التصديق والجزم بالملازمة لا يكفي فيه تصوّر الطرفين والنسبة بينهما، بل يحتاج إثبات الملازمة إلى إقامة الدليل عليه. كتاب المنطق 1: 99.

١٤٠