الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد13%

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 440

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131239 / تحميل: 6172
الحجم الحجم الحجم
الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

مُقدّساً لدرجة عالية، فالأحكام المترتّبة عليه تختلف عمّا هي عليه في المعنى الفرعي من فروع الدين مثلاً، وبتبع ذلك اختلاف نوع ودرجة التعظيم والتبجيل وحرمة الابتذال من شعيرة لأخرى، حيث لا يكون على وتيرة واحدة بسبب هاتين النقطتين المذكورتين.

فتعظيم كلّ شعيرة يكون بحسبها، يعني بحسب المعنى الذي توضع له، وبحسب شدّة الصلة التي تتّصل وتتوثّق.

ونِعم ما ذكرَ صاحب الجواهر - وقد تقدّمت الإشارة إليه - في بحث الطهارة، حيث قال: إنّ كلّ شيء بحسب ما هو معظّم عند الشارع يجب تعظيمه، ويشير بذلك إلى الاختلاف بحسب المعنى، وهو مفاد الآية الكريمة في سورة الحج( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ) ، يعني كلّ شيء له حريم وحرمة وعظمة عند الشارع، يجب أن يراعى الاحترام والتبجيل بحسب ما هو عند الشارع، ولا ريبَ في أنّ حريم حُرمات الله مختلف الدرجات، وإنّها ليست على درجة واحدة ولا على وتيرة ثابتة.

النقطة الثالثة: إنّ كلّ متعلَّق ينطبق على المصاديق على استواء، مثل: لفظة الإنسان ينطبق على كلّ أفراد البشر على حدّ سواء(١) .

وهناك عنوان آخر - كالعدد - ينطبق على الألف أشدّ من انطباقه على العشرة، وهكذا باب الألوان فالسواد: ينطبق على السواد الشديد أشدّ من

____________________

(١) نعم، بلحاظ الآخرة والبرزخ قد تكون إنسانيّة الإنسان أشدّ من إنسانيّة الآخر بحسب خُلُقه وعمله الصالح، لا بحسب لونه أو حسبه ونسبه، وهذا بحث آخر.

١٤١

انطباقه على السواد المتوسّط أو الخفيف، وهناك موارد أخرى عديدة مثل: الشدّة، تنطبق على الأشدّ أقوى من انطباقها الأقل شدّة.

فالعناوين على نحوين: قسم منها يسمّى متواطئ(١) ، بشكل سواء يطأ وطأة واحدة على كلّ مصاديقه.

وقسم تشكيكي(٢) أي: ينسبق الذهن إلى بعض مصاديقه قبل انسباقه إلى البعض الآخر، ووجود الطبيعة في بعض الأفراد أشدّ أو أقوى أو أكثر من الأفراد الأخرى.

فإذا أمرَ الشارع بطبيعة تشكيكيّة، أو نهى عن طبيعة تشكيكيّة، مثل: الأمر ببرّ الوالدين، أو بصلة الأرحام، فإنّ صلة الرحم على درجات: درجة عُليا، ودرجة وسطى، ودرجة دانية، وكذلك الحال بالنسبة لبرّ الوالدين والعِشرة بالمعروف مع الزوجة.

وهذه الظاهرة موجودة في القانون الوضعي أيضاً، ولا تختص بالقانون الشرعي، فالطبيعة ذات الدرجات التشكيكيّة ذات الحُكم الإلزامي لا تكون كلّ مراتبها إلزاميّة، بل إنّ القدر المتيقّن منها بحسب موارده، ففي النهي يكون الأعلى هو القدر المتيقّن، وفي الوجوب يكون الأدنى هو المتيقّن، وهذا هو الإلزامي فحسب، والبقيّة ندبيّة راجحة إن كان الحُكم طلبيّاً، أو مكروهة إن كان الحكم زجريّاً.

وديدَن الفقهاء على أنّ القدر المتيقّن هو الإلزامي، مثلاً إذا أمر بصلة

____________________

(١) المتواطئ: هو الكلّي المتوافقة أفراده في مفهومه، والتواطؤ هو التوافق والتساوي.

(٢) المشكّك: هو الكلّي المتفاوتة أفراده في صدق مفهومه عليها.

١٤٢

الرحم، أو ببرّ الوالدين؛ فإنّ الملزم من صلة الرحم أو برّ الوالدين هو الدرجة المتيقّنة منه، وهي - باعتبار أنّ الحكم وجوبي وإلزامي - الدرجة الدُنيا، أي امتثال الأمر ببرّ الوالدين بنحو لا يلزم منه عقوق الوالدين، وكذلك صلة الرحم بنحو لا يلزم منه قطيعته.

فمن ثُمّ عند الاستدلال بحرمة عقوق الوالدين، أو بأدلّة وجوب برّ الوالدين وصلتهما تكون النتيجة واحدة؛ لأنّ الأمر بصلة الوالدين وبرّهما حيث كان تشكيكاً، فالقدر المتيقّن منه هو الدرجة الدُنيا، فتكون النتيجة هي عين قول مَن قال: إنّ الحُكم في برّ الوالدين راجح مستحب وليس بإلزامي؛ وإنّما الإلزام في حرمة عقوقهما.

وكذلك الحال في مسألة حُكم صلة الأرحام، هل صلة الأرحام واجبة بكلّ درجاتها، أم أنّ قطع الرحم حرام، الاستدلال بكلا اللسانين من الأدلّة يعطي نفس النتيجة؛ لأنّ المأمور به في صلة الرحم أو في برّ الوالدين أمرٌ تشكيكي، فيكون القدر المتيقّن منه هو الأدنى، أي بمقدار حرمة عقوق الوالدين أو حرمة قطع الرحم.

أمّا في الحرمة فالقدر المتيقّن على العكس، إذ لو كان المتعلّق عنواناً تشكيكيّاً تكون الدرجة العليا منه هي المحرّمة، وما دون ذلك يُحكم عليه بالكراهة.

والحال كذلك في محلّ البحث (المتعلّق) الذي هو تعظيم الشعائر، فإنّه ذو درجات متفاوتة، كلّ تعظيم فوقه تعظيم آخر، وكلّ خضوع فوقه خضوع آخر، وكلّ بث ونشر فوقه بثّ ونشر آخر، وكلّ إتمام لنور الدين فوقه إتمام لنور الدين

١٤٣

آخر، وهلمّ جرّاً.

فهل كلّ هذه الدرجات واجبة، مع أنّ الغالب في العناوين التشكيكيّة ورود لسانين:( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ) بلسان الحرمة؟

و( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) بلسان الوجوب؟

وهل كِلا الحُكمين مُقنّن على نحو الإلزام، أم أحدهما راجح والآخر إلزامي؟ تفصيل هذا البحث في هذه النقطة الثالثة: وهي أنّ العنوان هنا تشكيكي، فالدرجة اللازمة من التعظيم هي التي يلزم من عدمها الابتذال والهتك، فتكون هي واجبة، أمّا بقيّة درجات التعظيم فتكون راجحة.

فلو قيل: إنّ الحُكم هو حرمة الهتك وحرمة الإهانة، فيكون صواباً، أو قيل: إنّ الحكم هو وجوب التعظيم بدرجة لا يلزم منها الابتذال والهتك أيضاً، فهو صواب أيضاً.

عِلماً بأنّ إهانة كلّ شيء بحسبه، وأيضاً تعظيم كلّ شيء بحسبه، فآية:( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ) تحريمٌ وردَ على عنوانٍ متعلّقه تشكيكي، أي: تحريم الابتذال والاستهانة والانتهاك لشعائر الله، ومن هذا الباب قيل: حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين، وهذه جنبة ثالثة لاختلاف مراتب التعظيم والإهانة، وهي درجة ومقام المخاطب بالتعظيم وطبيعة علاقته مع طرف التعظيم، فعند المقرّبين أدنى ترك للأولى أو للتعظيم لساحة القدس الربوبيّة، يُعتبر نوع خفّة وتهاون بمقام القُدس الإلهي، والإهانة أيضاً لها درجات، الخفيف منها ليس إلزاميّاً، القدر المتيقّن الذي يكون إلزاميّاً هو الشديد، وهو حرام، وبقيّة المراتب المتوسّطة أو الدنيا فيها نوع من الكراهة.

١٤٤

فلابدّ من الالتفات إلى النقاط الثلاث المزبورة، وننتهي بها إلى أنّ تعظيم كلّ شيء بحسبه، وإهانة كلّ شيء بحسبه، وليس ذلك على وتيرة واحدة، وإنّ القدر المتيقّن من الحُكم هو وجوب التعظيم بنحوٍ لو تُركَ للزمَ منه الهتك والإهانة، وليس كلّ مراتب التعظيم إلزاميّة، وإنّما درجات التعظيم الفائقة والعالية تكون راجحة وندبيّة وليست إلزاميّة.

هذا هو تمام البحث في جهة المتعلّق وهي الجهة الخامسة.

١٤٥

الجهةُ السادسة: النسبةُ بين حُكم القاعدة وبقيّة الأحكام

١٤٦

١٤٧

في هذا المقطع من البحث نسلّط الأضواء على العلاقة بين حُكم قاعدة الشعائر مع كلّ من الأحكام الأوّليّة والأحكام الثانويّة.

وقد تقدّم ببيان وافٍ، أنّ الحكم في قاعدة الشعائر الدينيّة هو من حيث الملاك حكم أوّلي، ومن حيث الموضوع ثانوي الوجود، وهذا ما اصطلحنا عليه أنّه من الأحكام الثانويّة في جنبة الموضوع.

النسبةُ بين حُكم قاعدة الشعائر والأحكام الأوّليّة

ليس الحُكم في قاعدة الشعائر متّحداً مع الأحكام الأوّليّة كما قد يتخيّل من خلال الآية:( .. وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) ، وكما مرّ في كلمات جملة مِمّن تعرّض إلى ذِكر تعريف الشعائر بأنّها: مناسك الحج، وبعضهم عرّفها بأنّها: الدين كلّه، وبعضهم عرّفها بأنّها: حُرمات الله.

وقلنا: إنّ الصحيح هو ثانويّة القاعدة من جنبة الموضوع لا من جنبة الحُكم، أمّا من جنبة المتعلّق - وهو التعظيم لها - فلها ركنان أساسيّان، وهما: جانب الإعلام، وجانب الإعلاء والاعتزاز المتضمّن للإحياء والإقامة، وهذان كفِعلين تدلّ عليهما الشعيرة والشعائر، ولا تفيدهما بقيّة الأحكام الأوّليّة في باب الفقه،

١٤٨

نعم، تلك الأحكام متكفّلة لملاكات أُخرى ومتعلّقات وأفعال أُخرى، وقد يتصادق حكمان ومتعلّقان في وجود واحد، كما قد يتصادق مثلاً برّ الوالدين مع طاعة الله، ومع تحقّق الصدقة أو تحقّق الهديّة أو ما شابه ذلك، لكن لا يعني ذلك أنّ العنوانين والفعلين والحكمين هما حكم واحد، وبملاك واحد، وبمصلحة واحدة.

فإذاً، تصادق الشعائر مع بعض الأحكام الأوّليّة وانطباقها في مصداق واحد، لا يعني أنّ الشعائر حكمها متّحد مع نفس حكم الأحكام الأوّليّة.

وقد جعلَ بعض المفسّرين حكم الشعائر هو عين الأحكام الأوّليّة، وفسّر( .. وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللّه ) بنفس إيجاب البُدن هو إيجابٌ للشعيرة، يعني البُدن جعلناها من وظائف الحج ومنسكاً من مناسك الحج، والحال أنّ هذه الآية في صدد التعرّض لشيء آخر، كما هو مبيّن في روايات الأئمّة (عليهم السلام) في باب الحجّ(١) .

وفي بعض الروايات عن الإمام الصادق (عليه السلام) في أبواب الهَدي، يتبيّن افتراق الشعيرة في البُدن عن وجوب أصل البدنة أو غيرها من أنواع الهَدي.

وقد عقدَ صاحب كتاب الوسائل باباً لاستحباب تعظيم شعيرة البُدن (الهَدي)، كما ورد عن الأئمّة (عليهم السلام) الأمر الندبي باتّخاذ البُدن(٢) السمينة؛ لأنّه نوع من تعظيم الشعائر، أو باعتبار كون البُدن المسوقة مع الحاجّ عَلَماً من أعلام الحجّ(٣) ، وهو نوع من الإعلام والتبليغ والدعاية والترويج لفريضة الحجّ، ونوع

____________________

(١) وسائل الشيعة ٩: باب ٨ من أبواب الذبح.

(٢) وسائل الشيعة ١٠: باب ١٣ - ١٤ من أبواب الذبح.

(٣) وسائل الشيعة ١٠: باب ١٧ من أبواب الذبح (باب تأكّد استحباب كون الهَدي مِمّا عُرّف به

١٤٩

من التظاهرة الشعبيّة للمكلّفين، أو لمجتمع المسلمين في إظهار علامات الحجّ، لا سيّما إذا كانت البُدن تُساق من مسافات عديدة، فهو نوع من حالة النشر الديني لفريضة ونسك الحجّ والتبليغ لها.

ففي الروايات الواردة دلالة واضحة على أنّ جعل الشعيرة كذلك، هو أمر آخر غير جعلها واجبة من فرائض الحجّ.

وإنّ حُكم الشعائر - وهو وجوب التعظيم - غير حكم أصل إيجاب الهَدي في الحجّ، فممّا بحثناه سابقاً عن ماهيّة الشعائر وماهية متعلّق الحكم في الشعائر، يتبيّن أنّ الحكم في الشعائر هو غير الأحكام الأوّليّة، نعم، هو ينطبق على الأحكام الأوّليّة إذا كانت تلك الأحكام الأوّليّة في الفعل والمتعلّق المرتبط بها تتضمّن جنبة إعلام وتبليغ، وتتضمّن جنبة إنذار وإفشاء لحكم من الأحكام الإسلاميّة، أو لعبادة دينيّة معيّنة، نعم، ينطبق عليها أنّها شعيرة، مثل: صلاة الجماعة، وصلاة الجمعة، لا مثل الصلاة فرادى.

على كلّ حال؛ فإنّ الشعيرة ماهيةً وموضوعاً ومتعلّقاً وحكماً وملاكاً تختلف عن الأحكام الأوّليّة، نعم، هي قد تتطابق مع الأحكام الأوّليّة، لكن لا أنّها هي الأحكام الأوّليّة بعينها.

فحكمها ليس هو عين الأحكام الأوّليّة، بل لها حكم أوّلي آخر، وصِرف كونها ثانويّة لا يعني ثانويّة حكمها، بل كثير من الأحكام الأوّليّة تطرأ عليها العناوين بلحاظ انطباقها في المصاديق الخارجيّة، كما في التعظيم أو الاحترام، حيث تتّخذ مصاديق وأساليب ووسائل مختلفة في الاحترام مع أنّها ليست حكماً

____________________

بأن يُحضر يوم عرفة بها).

١٥٠

ثانوياً، بل هي حكم أوّلي(١) ، فالثانويّة هنا في المتعلّق وليس في نفس الحكم، وإلاّ فالحكم هو أوّليٌّ وملاكه أوّلي، وهكذا الحال في قاعدة الشعائر الدينيّة.

فالثانويّة في قاعدة الشعائر الدينيّة: هي في جنبة الموضوع والمصداق لا في جنبة الحُكم والملاك، والحال على العكس في قاعدة(لا ضرر ولا ضرار)، أو قاعدة(لا حرج) ، أو العناوين التسعة في حديث الرفع(٢) ، فرفع العناوين التسعة من الاضطرار والنسيان والإكراه التي تطرأ على الحكم، وهي ثانويّة في جنبة الحكم.

فالعلاقة بين حكم قاعدة الشعائر - التي قلنا بأنّ موضوعها ثانوي، وحكمها أوّلي - مع الأحكام الأوّليّة، ينطوي على تفصيل في البَين؛ لأنّ هذا النمط من الأحكام الأوّليّة ذي المواضيع الثانويّة ليس هو حكماً أوّليّاً بقول مطلق، كي يقال إنّه حكم أوّليّ يندرج في الأبحاث السابقة، ولا هو حكم ثانوي كذلك.

بل فيه ازدواجيّة ثانويّة الموضوع التي ذكرنا أنّه لم ينبّه عليها اصطلاحاً علماء الأصول، إلاّ أنّهم مضوا عليها ارتكازاً، ومن جهة المحمول هو حكم أوّلي

____________________

(١) احترام المؤمن للمؤمن، احترام المسلم للمسلم، أو احترام الإنسان للإنسان(الناس: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير في الخلق) فتحفظ حرمته ما لم يهتك هو حرمته، فهذا حكم أوّلي ولكنّ متعلّقه وعنوان متعلّقه - بلحاظ مصاديقه وامتثالاته - قد يتّخذ مصاديق مختلفة ومستجدّة. راجع ص: ٨٢ من هذا الكتاب.

(٢) حديث الرفع: عن أبي عبد الله (عليه السلام):(قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (رُفعَ عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما لا يعلمون، وما اضطرّوا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة) .

بحار الأنوار ٢: ٢٨٠ / ح ٤٧.

١٥١

وملاك أوّلي، ففيه ازدواجيّة الجنبتين، فهل يكون هو موروداً، أو محكوماً، أو حاكماً؟

وهل نضعه في قسم الأحكام الأوّليّة، أم نضعه في رديف وقسم الأحكام الثانويّة؟

ويتّضح بناءً على ما قدّمنا سابقاً - في تحرير موضوع قاعدة الشعائر الدينيّة أو متعلّقها - أنّ النسبة بين الحكم في قاعدة الشعائر الدينيّة والأحكام الأوّليّة: هي أنّ الحكم في قاعدة الشعائر الدينيّة موضوعه أو متعلّقه عام يتناول كلّ مُحلّل بالمعنى الأعم بالحلّيّة بالمعنى الأعم، عدا موارد الحرمة، وإن اتّفق اجتماع مورد الحرمة مع بعض الشعائر الدينيّة فهذا لا يوجب التعارض، بل ولا تقديم دليل الحكم الأوّلي على دليل الشعائر، وإنّما يكون من قبيل اجتماع الأمر والنهي؛ لأنّ المفروض أنّ التصادم والتوارد في ذلك المصداق اتفاقي.

فمن ثُمّ نرى أنّ كثيراً من العلماء - في شقوق عديدة من استفتاءاتهم في الشعائر الدينيّة المختلفة، وفي فرض تصادم الشعائر الدينيّة أحياناً في بعض الموارد مع المحرّمات - لا يبنون على التعارض، وعندما نقول ذلك لا نريد منه أنّ الحاكم أو الفقيه في سياسيّته الفتوائيّة يُديم عُمر تصادق الشعيرة الدينيّة (من أيّ باب كانت) مع ذلك المحرّم، حيث ذكرنا سابقاً أنّ التزاحم - سواء كان ملاكيّاً أو امتثاليّاً(١) - له ضرورات استثنائيّة تقدّر بقدرها، يجب أن لا يفسح الفقيه المجال أن تعيش هذه الحالة بنحوٍ دائم وتكون حالة غالبة، بل يجب أن يتفاداها بقدر الإمكان، لكن اتّفاق وقوعها لا يدلّ على التعارض، هذا كلّه في نسبة الحكم في القاعدة والأحكام الأوّليّة.

____________________

(١) لمعرفة الفرق بين التزاحم الملاكي والامتثالي راجع هامش (١) ص ١١٨ من هذا الكتاب.

١٥٢

تقسيمُ الأحكام الثانويّة في جنبة الحكم

نلاحظ أنّ الأحكام الثانويّة في جنبة الحكم سنخان:

الأحكامُ الثانويّة المُثبتة

مثل: وجوب طاعة الأبوين، أو حرمة عقوق الأبوين، ومثلها:(المؤمنون عند شروطهم) التي نستفيد منها وجوب الوفاء بالشرط، ومنها: وجوب النذر، واليمين والعهد وما شابه.. هذا نمط من الأحكام الثانويّة.

الأحكام الثانويّة النافية

وهناك نمط آخر من قبيل: (لا ضرر)، (لا حرج)، وغيرها الواردة في حديث الرفع:(رُفع عن أمّتي تسع) ، وهناك فارق بين السِنخين.

وقد يُقرّر بأنّ الحكم في قاعدة الشعائر الدينيّة هو من النمط الأول من العناوين الثانويّة في جنبة الحكم، والتي فيها جهة إثبات وإلزام، مثل:(المؤمنون عند شروطهم)، ووجوب أداء النذر واليمين، كما قد يُقرّب أنّ وجوب أداء النذر حكم ليس بثانوي، بل تُعدّ هذه الأحكام (في الشقّ الأوّل) أحكاماً أوّليّة، وهي مسانخة للحكم في قاعدة الشعائر الدينيّة، وإنّها - من هذه الجهة - هي ثانويّة الموضوع أوّلية الحكم، فوجوب الوفاء بالشرط حكم أوّلي، ووجوب الوفاء بالعقد حكم أوّلي، ووجوب الوفاء بالنذر والعهد كذلك، وطاعة الأبوين أو حرمة

١٥٣

عقوقهما كذلك، لكنّ هذه الأحكام ثانويّة الموضوع.

وهذه الدعوى ليست ببعيدة، من جهة أنّ ملاكات الحكم في هذه العناوين من قبيل: الأحكام الأوّليّة، لا أنّها أحكام استثنائيّة شاذّة.

الفارقُ بين حكم القاعدة والأحكام الثانويّة المثبتة

لكن تظل لها ميزة وفارق مع الحكم في قاعدة الشعائر الدينيّة.

فالنذر - مثلاً - قد يكون إنشاؤه مكروهاً، وكذا اليمين والعهد وحكم طاعة الوالدين، على الرغم من أنّه كان بنفسه راجحاً، لكن بلحاظ الجهة الأبويّة، يعني بما يتّصل بالجهة الأبويّة، وليس أنّه يتبدّل حكم الفعل في نفسه إذ يبقى حكمه الذاتي على حاله، ولكن باعتباره مقدّمة لطاعة الأبوَين أو لعدم عقوقهما؛ فإنّه يلزم بفعله ولا يتغيّر عمّا هو عليه، وكذلك:(المؤمنون عند شروطهم) حيث أصبح ذلك الفعل واجباً بسبب الالتزام.

فللشقّ الأوّل من هذه الأحكام الثانويّة ميزة تختلف عن نفس الشعائر، إذ إنّ الشعائر أمرٌ مرغّب فيه، ولها ارتباط بكثير من أبواب الدين وفصول الدين، وليست من قبيل هذه الأحكام الثانويّة المُثبتة، لكن بين هذا الشقّ الأوّل والحكم في قاعدة الشعائر قواسم مشتركة، أكثر من القواسم المشتركة الموجودة بين الحكم في قاعدة الشعائر والشقّ الثاني من الأحكام الثانويّة النافية.

وبهذا المقدار يتبيّن نوع من حقيقة الحكم في الشعائر، وذلك أنّه حكم أوّلي وليس ثانويّاً استثنائيّاً طارئاً، بل يريد الشارع أن يُجريه ويطبّقه ويحقّقه.

ولا يريد إقامة النذر والوفاء به، اللهمّ إلاّ أن يقع النذر فيُلزم بوفائه، وكذلك

١٥٤

الشروط حسب دليلها:(المؤمنون عند شروطهم..) أو الوفاء بالعقود، وعلى مقدار تأدية الضرورات أو الحاجات.

بخلاف باب الصلاة، والعبادات، وأبواب أُخرى، وكذلك في أبواب الشعائر، إذ الإرادة الشرعيّة في الشعائر تتناسب مع ذي الشعيرة كما مرّ بيان ذلك، إذ نمط الحكم هو في مقام الإعلام والإفشاء والتشييد والإعلاء لأحكام الأبواب الشرعيّة، فالحكم وثيق الصلة بالأحكام الأوّليّة.

النسبةُ بين قاعدة الشعائر والأحكام الثانويّة

بعد بيان أقسام الأحكام الثانويّة نحاول تقرير النسبة بين حكم القاعدة والأحكام الثانويّة، أي الثانويّة في جنبة الحكم بقسمَيها المُثبتة والنافية، فمن الواضح حينئذٍ أنّ نسبة الحكم في قاعدة الشعائر الدينيّة، مع الأحكام الثانويّة في جنبة الحكم - في كلا الشقَّين المُثبتة والنافية - كنسبة الأحكام الأوّليّة مع الأحكام الثانويّة؛ لأنّ حكم الشعائر هو الحكم الأوّلي، والأحكام الثانويّة المثبتة أو الرافعة لا تزيل ولا تنفي ولا تلغي الحكم الأوّلي، بل تُقدّم عليه من باب التزاحم ولكن بشكل مؤقّت وغير دائم، كما هو شأن الحكم الثانوي مع الأحكام الأوّليّة.

حيث يجب أن يُقرّر الفعل أو الموضوع بلحاظ الأحكام الأوّليّة، ومن ثُمّ ملاحظة الأحكام الثانويّة كشيء طارئ استثنائي عليها؛ لأنّ حكم الشعائر هو حكم الطبيعة الأوّليّة التي لابدّ من ديمومة بقائها ورعايتها.

فهكذا حال الحكم في قاعدة الشعائر الدينيّة ووجوب تعظيمها مع الأحكام الثانويّة الأخرى المثبتة والنافية.

١٥٥

وإلاّ فليس من الصحيح ملاحظة الفعل، أو الموضوع بلحاظ الأحكام الثانويّة مقدَّماً على ملاحظة الحكم في قاعدة الشعائر الدينيّة.

مضافاً إلى ذلك هناك إشكال، وهو: أن لو عُدّ الحكم في قاعدة الشعائر الدينيّة حكماً ثانويّاً، وعُدّت تلك الأحكام الثانويّة أحكاماً ثانويّة أيضاً، فيكون كلّ منهما ثانويّاً فتقديم أحدهما على الآخر رتبةً ترجيح بلا مرجّح، بل غاية الأمر أنّهما في رتبة واحدة، ويقع بينهما التزاحم لا التعارض كما تقدّم.

وهذا جواب نقضي، وإلاّ فالجواب الأساسي هو: أنّ الحكم في قاعدة الشعائر الدينيّة ليس من قبيل الحكم الثانوي، بل هو حكم الطبيعة الأوّليّة التي لا بدّ من بقائها واستمرارها والمحافظة عليها، فضلاً عن أن يكون الحكم في القاعدة مؤخّراً رتبةً عن الأحكام الثانويّة.

الخلاصة في هذه الجهة

ونستنتج من هذه النقاط - التي ذكرناها في العلاقة بين الحكم في قاعدة الشعائر الدينيّة، والأحكام الأوّليّة والأحكام الثانويّة - عدّة نتائج، وقبل ذلك لا بأس من التنبيه على أنّه بمقتضى أحد النقاط التي أثرناها في هذه الجهة: من أنّ مبنى مشهور الفقهاء أنّ نسبة العناوين الثانويّة لُبّاً مع الأحكام الأوّليّة هي التزاحم الملاكي، ومن ثمّ قالوا: حرجُ كلّ شيء بحسبه، أو ضررُ كلّ شيء بحسبه، فمثلاً: الضرر في الوضوء بأدنى ضرر طفيف يرفع الإلزام بالوضوء أو الغُسل.

بينما في باب أكل حرمة المِيتة قالوا: إنّ الضرر الذي يرفع حرمة المِيتة هو

١٥٦

ذلك الضرر الذي يكون بدرجة شديدة بحيث يُشرف على الهلكة، وحينئذٍ يتناول من الميتة بقدر ما يحفظ به رَمَق حياته، ولا يتعدّى ذلك، كما يستفاد من الآية:( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (١) .

وكذلك في المحرّمات الأخرى: كشُرب الخمر، أو الزنا أو الفجور، فما الوجه في كون الضرر المُهلك مسوِّغاً لرفع مثل تلك الحرمة دون اليسير منه؟

فالضرر في الوضوء يختلف عنه في باب أكل الميتة.

والحال في عنوان الحرج كذلك، والفقهاء يعبِّرون بهذه العبارة: (الحرج في كلّ شيء بحسبه)، فتجري قاعدة الحرج في الوضوء، وفي غُسل الجنابة بأدنى درجة، بينما هذه القاعدة في المحرّمات الشديدة الكبيرة لابدّ أن تكون بدرجة العسر الشديد جدّاً، والوجه في التفرقة: هو أنّه في المحرّمات الشديدة لا يرفع تلك الحرمة، أو لا يرفع تنجّزها وعزيمتها إلاّ الحاجة الشديدة، بينما في موارد الحرمة الخفيفة يرفعها أدنى عسر ومشقّة كما تقدّم، ويطَّرد الكلام في الاضطرار والإكراه والنسيان.

فالوجه لهذه التفرقة ليس إلاّ مبنى المشهور: من أنّ نسبة العناوين الثانويّة مع الأحكام الأوّليّة هي نسبة التزاحم الملاكي لا التخصيص والتقييد، ومن ثَمّ شملها حكم التزاحم، فالضرر اليسير لا يزاحم ولا يمانع الملاك الشديد، وإنّما يدافع الملاك الخفيف، وكذلك في الحرج والنسيان وغيرهما.

فالشعائر ليست على درجة واحدة من التعظيم أو من حرمة الإهانة، بل هي تختلف شدّةً وضعفاً حسب شدّة وعظمة المعنى الذي تُعلِم عنه وتشير إليه، أو بحسب شدّة العلقة كما مثّلنا لذلك سابقاً.

____________________

(١) البقرة: ١٧٣.

١٥٧

اختلافُ أحكام الشعائر شدّة وضعفاً

وبمقتضى هاتين النقطتين: النقطة التي مضت في الجهة الخامسة في المتعلّق، وهي كون الحكم في قاعدة الشعائر الدينيّة تشكيكيّاً، أي على درجاتٍ وعلى مستويات متفاوتة.

والنقطة التي نحن بصددها الآن: وهي أنّ الأحكام الثانويّة في جنبة الحكم نسبتها مع الأحكام الأوّليّة هي التزاحم، فيجب أن تُلحظ درجة العنوان الثانوي مع درجة الحكم الأوّلي، والحال بعينه في باب الشعائر، أي ليس أيّ ضررٍ يكون رافعاً لكلّ حكم في الشعائر، وإذا كان رافعاً لأحد أحكام الشعائر الدينيّة، فإنّ ذلك لا يعنى كونه رافعاً لكلّ درجات أحكام الشعائر الدينيّة الأخرى؛ لأنّها تختلف بعضها عن البعض شدّةً وضعفاً، فدرجة التعظيم والتقديس للمصحف الشريف تختلف عن درجة التعظيم والتقديس للكتاب الديني.

فليس كلّ ضرر يرفع كلّ درجة من درجات الشعائر الدينيّة.

وليس الضرر الرافع منه لدرجة ما، يكون رافعاً لبقيّة الدرجات أو بقيّة أقسام وأنواع الشعائر الدينيّة، وكذلك الحال في الحرج أو الاضطرار.

فهذا ممّا يجب الالتفات إليه جيّداً، هذا مُجمل الكلام في الجهة السادسة: وهي جهة العلاقة بين الحكم في قاعدة الشعائر الدينيّة والأحكام الأوّليّة من جهة، ومع الأحكام الثانويّة من جهة أخرى.

١٥٨

الجهةُ السابعة: الموانِعُ الطارِئة على قاعدة الشَعائر

١٥٩

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بمنى دون مكة(١) ، فإن لم يتمكن منها صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو عند أهله(٢) ، والأحوط الاولى أن تكون متواليات(٣) .

ويجري هذا الحكم في من أفاض من عرفات نسياناً أو جهلا منه بالحكم، فيجب عليه الرجوع بعد العلم أوالتذكر، فإن لم يرجع حينئذ فعليه الكفارة على الاحوط(٤) .

مسألة ٢٧٦: إن جملة من مناسك الحج كالوقوف في عرفات وفي المزدلفة ورمي الجمار والمبيت بمنى، بما أن لها أياما وليالي خاصة من شهر ذي الحجة الحرام، فوظيفة المكلف أن يتحرى رؤية هلال هذا الشهر ليتسنى له الإتيان بمناسك حجه في أوقاتها.

وإذا ثبت الهلال عند قاضي الديار المقدسة، وحكم على طبقه،

____________________

رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله.

(١) كما هو ظاهر صحيحة ضريس، اذ قولهعليه‌السلام «ينحرها يوم النحر» كناية عن النحر في منى والقرينة واضحة فتدبر.

(٢) للصحيحة المتقدمة.

(٣) خروجا عن خلاف المحقق في الشرائع وصاحب الجواهر.

(٤) وجه الاحتياط أن موضوع الكفارة في النصوص الافاضة العمدية، وبإطلاقها قد تكون شاملة للمقام وهو لايخلو من قوة.

٢٤١

وفرض مخالفته للموازين الشرعية، فقد يقال بحجيته حكمه في حق من يحتمل مطابقته مع الواقع، فيلزمه متابعته وترتيب آثار ثبوت الهلال فيما يرتبط بمناسك حجه من الوقوفين وغيرهما، فإذا فعل ذلك حكم بصحة حجه وإلا كان محكوما بالفساد.

بل قد يقال بالاجتزاء بمتابعة حكمه حتى فيما لم يحتمل مطابقته مع الواقع في خصوص ماتقتضي التقية الجري على وفقه.

ولكن كلا القولين في غاية الإشكال(١) ، وعلى هذا فإن تيسر للمكلف أداء أعمال الحج في أوقاتها الخاصة حسبما تقتضيه الطرق المقررة لثبوت الهلال وأتى بها صح حجه مطلقا على الأظهر.

وإن لم يأت بها كذلك - ولو لعذر - فإن ترك أيضا اتباع رأي القاضي في الوقوفين فلا شك في فساد حجه، وأما مع اتباعه ففي صحة حجه إشكال.

____________________

(١) للقصور في دلالة النصوص، وجزم السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته بالاجزاء في صورة احتمال المخالفة، وفصل بعض الاساتذة في صورة العلم بالخلاف بين كون التقية مستوعبة للوقت او لا، فيجزي في الاول دون الثاني وله شواهد في باب الصلاة، ويمكن استشعار الصحة مطلقا من معتبرة ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس والصوم يوم يصوم الناس.

٢٤٢

الوقوف في المزدلفة

وهو الثالث من واجبات حجّ التمتع.

والمزدلفة اسم لمكان يقال له: المشعر الحرام، وحدّ الموقف من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر، وهذه كلها حدود المشعر وليست بموقف إلا عند الزحام وضيق الموقف، فإنه يجوز حينئذ الارتفاع الى المأزمين(١) .

مسألة ٢٧٧: يجب على الحاجّ - بعد الإفاضة من عرفات - أن يبيت شطرا من ليلة العيد بمزدلفة حتى يصبح بها، والاحوط أن يبقى فيها إلى طلوع الشمس(٢) ، وإن كان الاظهر جواز الإفاضة منها إلى وادي

____________________

(١) ففي موثقة سماعة قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى وادي محسر، قلت: فإذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين، قلت: فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى الجبل.

(٢) تبعا للاكثر.

٢٤٣

محسر قبل الطلوع بقليل(١) .

نعم لايجوز تجاوز الوادي إلى منى قبل أن تطلع الشمس(٢) .

مسألة ٢٧٨: الوقوف في تمام الوقت المذكور وإن كان واجباً في حال الاختيار إلا أن الركن منه هو الوقوف في الجملة.

فإذا وقف بالمزدلفة مقدارا من ليلة العيد ثم أفاض قبل طلوع الفجر صح حجه على الاظهر وعليه كفارة شاة إن كان عالماً، وإن كان جاهلا فلا شيء عليه(٣) .

____________________

(١) تشهد له صحيحة هشام عنهعليه‌السلام قال: لاتجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس »، وفي موثقة اسحاق قال: سألت أبا ابراهيمعليه‌السلام أي ساعة أحب إليك أن أفيض من جمع ؟ قال: قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات إليّ، قلت: فان مكثنا حتى تطلع الشمس ؟ قال: لابأس »، ومثلها صحيحة معاوية بن حكيم، وعن ابن مهزيار عمن حدثه عن حماد عن جميل عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس وسائر الناس إن شاءوا عجلوا وإن شاءوا أخروا »، وفي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: ثم أفض حيث يشرق لك ثبير وترى الابل مواضع أخفافها.

(٢) كما هو مقتضي صحيحة هشام.

(٣) تدل عليه صحيحة مسمع عن ابي ابراهيمعليه‌السلام في رجل

=

٢٤٤

وإذا وقف مقدارا مما بين الطلوعين ولم يقف الباقي ولو متعمداً صح حجه أيضا ولاكفارة عليه وإن كان آثما(١) .

مسألة ٢٧٩: يستثنى من وجوب الوقوف بالمزدلفة بالمقدار المتقدم الخائف والصبيان والنساء والضعفاء - كالشيوخ والمرضى - ومن يتولى شؤونهم، فإنه يجوز لهؤلاء الاكتفاء بالوقوف فيها ليلة العيد والإفاضة منها إلى منى قبل طلوع الفجر(٢) .

مسألة ٢٨٠: يعتبر في الوقوف بالمزدلفة نية القربة والخلوص(٣) ، كما يعتبر فيه أن يكون عن قصد نظير مامر في الوقوف بعرفات.

مسألة ٢٨١: من لم يدرك الوقوف الاختياري - الوقوف في الليل والوقوف فيما بين الطلوعين - في المزدلفة لنسيان أولعذر آخر أجزأه

____________________

=

وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: إن كان جاهلا فلا شيء عليه، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» وهي كما ترى ظاهر في وجوب الكفارة على من أفاض قبل الفجر مطلقا حتى الجاهل، لوجه المقابلة فتدبر.

(١) اما عدم الكفارة فلعدم الدليل، واما الاثم فلترك الواجب.

(٢) بلا خلاف في ذلك لجملة من النصوص.

(٣) لكونها عبادة متقومة بذلك.

٢٤٥

الوقوف الاضطراري(١) - الوقوف قليلا فيما بين طلوع الشمس الى زوالها يوم العيد - ولو تركه عمداً فسد حجه(٢) .

إدراك الوقوفين أو أحدهما

تقدم أن كلاً من الوقوفين - الوقوف في عرفات والوقوف في المزدلفة - ينقسم الى قسمين: اختياري واضطراري، فإذا أدرك المكلف الاختياري من الوقوفين كليهما فلا إشكال، وإن فاته ذلك لعذر فله صور:

الاولى: أن لايدرك شيئا من الوقوفين - الاختياري منهما والاضطراري - أصلا، ففي هذه الصورة يبطل حجه ويجب عليه الإتيان بعمرة مفردة بنفس إحرام الحج(٣) .

وإذا كان حجه حجة الإسلام وجب عليه اداء الحج بعد ذلك

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك للنصوص.

(٢) لتركه الركن بترك بدله الاضطراري.

(٣) نصاً واجماعاً.

٢٤٦

فيما اذا كانت استطاعته باقية أو كان الحج مستقراً في ذمته(١) .

الثانية: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات والاضطراري في المزدلفة.

الثالثة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات والاختياري في المزدلفة.

ففي هاتين الصورتين يصحّ حجه بلا إشكال(٢) .

الرابعة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في كل من عرفات والمزدلفة، والاظهر في هذه الصورة صحة حجه(٣) ، وإن كان الاحوط إعادته(٤) بعد ذلك كما في الحالة المتقدمة في الصورة الاولى(٥) .

____________________

(١) ووجهه ظاهر.

(٢) للنص والاجماع.

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة العطار: إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر، فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام وليلحق الناس بمنى ولاشيء عليه.

(٤) والظاهر أنه لاوجه لهذا الاحتياط، إلا أن يكون خروجا عن خلاف من تردد او حكم بالبطلان.

(٥) اذا كانت استطاعته باقية او كان الحج مستقرا عليه.

٢٤٧

الخامسة: أن يدرك الوقوف الاختياري في المزدلفة فقط، ففي هذه الصورةيصح حجه أيضا(١) .

السادسة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة فقط والاظهر في هذه الصورة بطلان الحج(٢) وانقلابه الى عمرة مفردة.

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك وتدل عليه جملة من النصوص منها صحيحة معاوية المتقدمة.

(٢) كما هو المشهور، لجملة من النصوص الصريحة الصحيحة، وفي قبالها طائفة اخرى تدل على الصحة بالاطلاق، فيرفع اليد عنها تقديما للنص على الظاهر، اذ لسان الثانية «من ادرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج» فبإطلاقها تشمل من لم يدرك عرفات اصلا، اما لسان الاولى ففي صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلايتم حجه حتى يأتي عرفات، وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده فقد تم حجه اذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام، فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل » وهى ناصة على بطلان من أدرك المشعر الاضطراري كما لايخفي.

وذهب بعض الاساتذة الى التفصيل بين حج التمتع والافراد، فذهب الى

=

٢٤٨

السابعة: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات فقط، والأظهر في هذه الصورة أيضا بطلان الحج(١) فينقلب حجه الى

____________________

=

الصحة في الاول والبطلان في الثاني، لكون أدلة الصحة بعضها صريح في التمتع والاخر مطلق، وأدلة البطلان بعضها مقيد بالافراد والاخر مطلق من حيث نوعية الحج، ففي صحيحة حريز قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا، فقال له الى طلوع الشمس يوم النحر فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل » ومثلها رواية اسحاق.

وفي صحيحة جميل: من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج، ومن ادرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة.

(١) خلافا للمشهور والمعروف بين الاصحاب، وفي الجواهر نفى الخلاف المحقق في صحة الاجتزاء به بل في المنتهى أنه موضع وفاق، تبعا لعدة من النصوص.

ففي صحيحة الخثعمي عن ابي عبداللهعليه‌السلام أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتي منى، قال: ألم ير الناس؟ ألم ينكر منى حين دخلها ؟ قلت: فإنه جهل ذلك، قال: يرجع، قلت: إن ذلك قد فاته، قال: لابأس.

وفي صحيحة معاوية قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : مملوك اعتق يوم عرفة ؟ قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج»، وفي صحيحته

=

٢٤٩

العمرة المفردة، ويستثنى من ذلك ما إذا مر بمزدلفة في الوقت الاختياري في طريقه الى منى، ولكن لم يقصد الوقوف بها جهلا منه بالحكم، فإنه لايبعد صحة حجه حينئذ إذا كان قد ذكر الله تعالى عند مروره بها(١) .

____________________

=

الاخرى عنهعليه‌السلام في مملوك اعتق يوم عرفة، قال: اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج، وإن فاته الموقفان فقد فاته الحج، ويتم حجه ويستأنف حجة الإسلام فيما بعد » فدلالتها صريحة بل نص في اجزاء أحد الموقفين ولاخصوصية قطعا للعبد اذ قولهعليه‌السلام «اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج » حكم كلي أحد موارده العبد المعتوق ليلة عرفة.

أما قولهعليه‌السلام في حسنة الحلبي « اذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج » فهو قابل للتقييد، أو الحمل على أن الانسان اذ قدم وقد فاتته المزدلفة فقد فاته الحج بخلاف ما اذا قدم وقد فاته عرفات فإن الحج لايفوت بفواته، فهي في مقام تحديد آخر مايمكن أن يدرك به الحج، فما عليه المشهور هو المعتمد خلافا للعلامة وغيره من المعاصرين، والله العالم.

(١) ففي صحيحة ابن حكيم قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : أصلحك الله الرجل الاعجمي والمرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الاعرابي، فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم كما هو إلى منى لم ينزل بهم جمعا، قال: أليس قد صلوا بها، فقد أجزأهم، قلت: فإن لم يصلوا بها ؟ قال: فذكروا الله فيها، فإن كانوا ذكروا الله فيها فقد أجزأهم.

٢٥٠

الثامنة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط، ففي هذه الصورة يبطل حجه(١) وينقلب الى العمرة المفردة.

منى وواجباتها

يجب على الحاج بعد الوقوف في المزدلفة الإفاضة الى منى، لاداء الأعمال الواجبة هناك، وهي كما نذكرها تفصيلا ثلاثة:

١ - رمي جمرة العقبة

الرابع - من واجبات الحج -: رمي جمرة العقبة يوم النحر ويعتبر فيه أمور:

١ - نية القربة والخلوص.

٢ - أن يكون الرمي بسبع حصيات، ولايجزىء الأقل من ذلك، كما لايجزىء رمي غيرها من الأجسام.

٣ - أن يكون رمي الحصيات واحد بعد واحدة، فلا يجزىء

____________________

(١) لعدم الدليل على الصحة.

٢٥١

رمي اثنتين أو أكثر مرة واحدة.

٤ - أن تصل الحصيات إلى الجمرة فلا يحسب مالا يصل(١) .

٥ - أن يكون وصولها الى الجمرة بسبب الرمي، فلا يجزىء وضعها عليها(٢) .

٦ - أن يكون كل من الاصابة والرمي بفعله(٣) ، فلو كانت الحصاة بيده فصدمه حيوان أو انسان وألقيت إلى الجمرة لم يكف، وكذا لو ألقاها فوقعت على حيوان أو انسان فتحرك فحصلت الإصابة بحركته(٤) .

نعم، إذا لاقت الحصاة في طريقها شيئا ثم أصابت الجمرة - ولو بصدمته كما لو وقعت على أرض صلبة فطفرت فأصابتها - فالظاهر الإجزاء(٥) .

____________________

(١) نصاً واجماعاً وسيرةً في كل مامر.

(٢) لعدم تحقق الرمي.

(٣) ووجه واضح.

(٤) ففي صحيحة معاوية: اذا رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها.

(٥) تشهد له صحيحة معاوية وفيها: وإن اصابت انساناً أو جملاً ثم وقعت على الجمار أجزأك.

٢٥٢

٧ - أن يكون الرمي بيده(١) ، فلو رمى الحصيات بفمه أو رجله لم يجزئه، وكذا لو رماها بآلة - كالمقلاع - على الاحوط(٢) .

٨ - أن يكون الرمي بين طلوع الشمس وغروبها(٣) ، ويجزىء للنساء وسائر من رخص لهم الإفاضة من المشعر في الليل أن يرموا بالليل (ليلة العيد).

* مسألة ٢٨٢: من يتولى شؤون المعذورين والنساء اذا استغني عن مرافقته لهم في نهار يوم العيد بمقدار الرمي لم يجزئه الرمي ليلا(٤) .

____________________

(١) لانصراف الرمي إليه وهو القدر المتيقن، مؤيدا ببعض النصوص، ففي مصححة أبي بصير قال: قال ابو عبداللهعليه‌السلام : خذ حصى الجمار بيدك اليسرى وارم باليمنى »، وفي صحيحة البزنطي عن ابي الحسنعليه‌السلام قال: حصى الجمار تكون مثل الأنملة - الى ان قال - تخذفهن خذفا وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبابة.

(٢) وجه التوقف صدق الرمي باليد، مع مخالفتها للسيرة الجارية والعادة المتبعة من زمان المعصومين الى الان.

(٣) نصاً واجماعاً.

(٤) لعدم العذر الموجب لجواز الرمي ليلا.

٢٥٣

مسألة ٢٨٣: إذا شك في الاصابة وعدمها بنى على العدم(١) إلا مع التجاوز عن المحل، كما إذا كان الشك بعد الذبح أو الحلق أو بعد دخول الليل(٢) .

مسألة ٢٨٤: يعتبر في الحصيات أمران:

١ - أن تكون من الحرم سوى المسجد الحرام ومسجد الخيف(٣) ، والافضل أخذها من المشعر(٤) .

٢ - أن تكون أبكاراً على الاحوط(٥) ، بمعنى أن لاتكون

____________________

(١) اذ الاصل عدم الاصابة.

(٢) لقاعدة الفراغ وكذا التجاوز.

(٣) لقولهعليه‌السلام في معتبرة حنان: يجزيك أن تأخذ حصى الجمار من الحرم كله، إلا من المسجد الحرام ومسجد الخيف.

(٤) لقولهعليه‌السلام في صحيحة معاوية: خذ حصى الجمار من جمع، وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك.

(٥) بلاخلاف وقد ادعي عليه الاجماع، وتدل عليه عدة من النصوص:

ففي مرسلة حريز عمن أخبره عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته من أين ينبغي أخذ حصى الجمار ؟ قال: لاتأخذ من موضعين: من خارج الحرم ومن حصى الجمار، ولابأس بأخذه من سائر الحرم.

وفي حسنة عبد الاعلى عنهعليه‌السلام في حديث: لاتأخذ من حصى

=

٢٥٤

مستعملة في الرمي قبل ذلك، ويستحب فيها أن تكون ملوّنة ومنقّطة ورخوة، وإن يكون حجمها بمقدار أنملة، وإن يكون الرامي راجلا، وعلى طهارة(١) .

مسألة ٢٨٥: إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد اشكال(٢) ، فالاحوط أن يرمي المقدار الذي كان سابقا، فإن لم يتمكن من ذلك رمى المقدار الزائد بنفسه واستناب شخصا آخر لرمي المقدار المزيد عليه، ولافرق في ذلك بين العالم

____________________

=

الجمار » وزاد عليه الصدوق «الذي قد رمي».

وحيث ان هذه النصوص على مذاق الاعلام ضعيفة السند وعدم انجبار الرواية بعمل المشهور فالمقام يقتضي الاحتياط.

(١) كل ذلك تبعاً لجملة من النصوص فراجع.

(٢) الظاهر من جملة من الروايات ان الواجب هو رمي موضع الجمرة الذي تمثل فيه الشيطان لابراهيمعليه‌السلام ، فرمي المقدار الزائد على ماكان يصدق عليه أنه رمي لموضع الجمرة، إذ البناء ماهو إلا رمز لهذا الشعار وإنه في هذا الموضع لافي آخر، مضافا الى تجدد البناء مرات عديدة طوال التاريخ - بل في عصر الائمةعليهم‌السلام - وهذا امر لايمكن ان ينكر، إذ استمرار عملية الرمي يستلزم منه تهشم الجمرة في السنة الواحدة فضلا عن السنوات المتعاقبة، ولم نر في اسئلة الرواة مايثير الشك في ذلك.

٢٥٥

والجاهل والناسي.

* مسألة ٢٨٦: الجدار الخلفي لجمرةالعقبة الذي أزيل أخيراً لايجتزى به على الاحوط إن لم يكن أقوى(١) .

* مسألة ٢٨٧: لايعتبر الكون في منى عند القيام برمي جمرة العقبة، فلا مانع من الوقوف حال الرمي بعيداً عنها من جهة وجهها(٢) ، بل يستحب أن يقف الرامي بعيداً بمقدار عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً.

مسألة ٢٨٨: إذا لم يرم يوم العيد لعارض من نسيان أو جهل بالحكم أو غيرهما لزمه التدارك متى ارتفع العارض(٣) ، ولو كان

____________________

(١) وذهب السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته الى الاجتزاء.

(٢) لعدم إشتراطه في النصوص.

(٣) تشهد له صحيحة معاوية قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام ماقولك في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت الى مكة ؟ قال: فلترجع ولترم الجمار، كما كانت ترمي والرجل كذلك » ومقتضى اطلاق وجوب الرجوع للرمي وإن كان بعد ايام التشريق، وذهب المشهور بل لم ينقل الخلاف من وجوب الرجوع مادامت لم تنقضي ايام التشريق، تمسكاً بحسنة عمر بن يزيد عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فان لم يحج رمى عنه

=

٢٥٦

ارتفاعه في الليل أخر التدارك الى النهار، إذا لم يكن ممن رخص له الرمي ليلا كماسيأتي في رمي الجمار.

والظاهر وجوب التدارك عند ارتفاع العارض مادام الحاج بمنى، بل وفي مكة، حتى ولو كان ذلك بعد اليوم الثالث عشر، وإن كان الأحوط في هذه الصورة أن يعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه إن حج أوبنائبه إن لم يحج(١) .

وإذا ارتفع العارض بعد خروجه من مكة فلا يجب عليه الرجوع(٢) ، بل يرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الاحوط

____________________

=

وليه، فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه، فانه لايكون رمي الجمار إلا في أيام التشريق » وتوقف بعض الاعلام فيها لضعف سندها لوجود محمد بن عمر بن يزيد وهو لم يوثق، لكن يمكن اعتبار حاله لانه من اصحابنا المصنفين وقد ذكره الشيخ والنجاشي مع عدم طعن الاخير فيه وهو من أمارات الحسن اذ من دأبه الطعن او المدح.

(١) خروجا عن خلاف المشهور، وعملا بإطلاق صحيحة معاوية.

(٢) تشهد له صحيحة معاوية وفيها: فان نسيها حتى اتى مكة، قال: يرجع فيرمي متفرقا يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فانه نسي أو جهل حتى فاته وخرج، قال: ليس عليه أن يعيد.

٢٥٧

الاولى(١) .

مسألة ٢٨٩: إذا لم يرم يوم العيد نسياناً أو جهلاً، فعلم أو تذكر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه إعادة الطواف(٢) ، وإن كانت الإعادة أحوط(٣) .

وأما اذا كان الترك لعارض آخر - سوى الجهل او النسيان - فالظاهر بطلان طوافه، فيجب عليه أن يعيده بعد تدارك الرمي(٤) .

٢ - الذبح أو النحر في منى

وهو الخامس من واجبات حج التمتع.

ويعتبر فيه قصد القربة والخلوص، وعدم تقديمه على نهار يوم العيد إلا للخائف ن فإنه يجوز له الذبح والنحر في ليلته(٥) ، ويجب

____________________

(١) لحسنة ابن يزيد وإطلاق صحيحه معاوية المتقدمة.

(٢) لعدم الامر به في النصوص.

(٣) رعاية للترتيب.

(٤) لاخلاله بالترتيب الواجب.

(٥) لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن سنان: لا بأس أن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليل.

٢٥٨

الإتيان به بعد الرمي على الاحوط(١) ، ولكن لو قدمه عليه جهلا أو نسيانا صح ولم يحتج إلى الاعادة(٢) .

ويجب أن يكون الذبح أو النحر بمنى(٣) ، وإن لم يمكن ذلك لكثرة الحجاج وضيق منى عن استيعاب جميعهم، فلا يبعد جواز الذبح أو النحر بوادي محسر(٤) ، وإن كان الاحوط تركه مالم يحرز

____________________

(١) ذهب الشيخ في الخلاف وابو الصلاح في الكافي وابن ابي عقيل وابن ادريس الى استحباب الترتيب بين اعمال منى الثلاثة، وقرّبه العلامة في المختلف، تمسكا بصحيحة ابن سنان قال: سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي، قال: لابأس وليس عليه شيء ولايعودن.

وذهب الاكثر الى وجوب الترتيب للروايات البيانية التي ظاهرها ذلك وسيأتي بيانه في الحلق والتقصير فراجع.

(٢) نصاً واجماعاً.

(٣) نصاً واجماعاً.

(٤) تشهد له موثقة سماعة قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى وادي محسر، قلت: فإذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين، قلت: فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى الجبل.

فإذا جاز الوقوف والمبيت بوادي محسر بدلا عن منى في ظرف الضيق

=

٢٥٩

عدم التمكن من الذبح أو النحر بمنى الى آخر أيام التشريق(١) .

مسألة ٢٩٠: الأحوط أن يكون الذبح أو النحر يوم العيد، وإن كان الاقوى جواز تأخيره إلى آخر أيام التشريق(٢) ، والأحوط عدم الذبح في الليل مطلقا(٣) حتى الليالي المتوسطات بين أيام التشريق إلا

____________________

=

جاز ترتيب بقية الاحكام من الذبح والحلق، إذ الضيق كما يتحقق من الوقوف والمبيت بها يتحقق أيضا من الذبح فيها كما لايخفي، بل لعله اكثر مصداقية من المبيت لكثرة ماكان يضحى من الانعام الثلاثة في يوم العيد وهذه الكثرة تتطلب مساحات كبيرة من أرض منى.

(١) لعله لجواز تأخير الذبح الى اخر ايام التشريق اختيارا.

(٢) وذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والمصباح الى ان وقت النحر او الذبح طول ذي الحجة، ومثله في الغنية والسرائر وهو ظاهر المهذب، لاطلاقات الادلة ومفهوم الشرط في حسنة الكرخي عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل قدم بهديه مكة في العشر، فقال: إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء، وإن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الاضحى »، وصريح صحيحة ابي بصير عن أحدهماعليهما‌السلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد مايهدي، حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة، أيذبح أو يصوم، قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت»، مضافا إلى القصور في ادلة التعيين.

(٣) بل الظاهر ذلك، لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن سنان: لابأس

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440