الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد13%

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 440

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131287 / تحميل: 6175
الحجم الحجم الحجم
الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وسافر منها إلى أصفهان ، وصحب فيه العالم المعروف محمّد البيد آبادي ، وعمَّرَ فيها المدارس المعروفة بمدرسة «الماسية» و «بماركية» و «شاهزادها». وتوفي في سنة ١١٩٠ هـ. ق ودفن في تخت فولاد.

ولده : وهو الميرزا كمال الدين أبو الهدى الكلباسي صاحب كتاب «سماء المقال» ، وهو الآخر من العلماء الكبار ، ولد في إصفهان ، وشرع في تحصيله للعلوم عند والده المصنف ، وبعد وفاة والده انتقل بصحبة أخيه جمال الدين إلى النجف ، فحضر درس المولى محمّد كاظم الخراساني صاحب الكفاية ، والسيّد محمّد كاظم اليزدي صاحب العروة ، حتى بلغ الذروة ، وحصل على درجة الإجتهاد ، وعاد بعدها إلى أصفهان ، واشتغل بالتدريس فيها. وكان له تخصص في الرجال ، وله كتب فيه وفي غيره من العلوم منها كتاب «سماء المقال» و «زلات الأقدام» في بعض الاشتباهات الرجالية ، و «الفوائد الرجالية» ، وله حاشية على الكفاية ، وكتاب في الفقه وغيره. توفي في سنة ١٣٦٥ هـ. ش ، ودفن في مقبرة والده في تخت فولاذ.

زوجته : العابدة الزاهدة بنت المرحوم السيّد زين العابدين ابن الحاج السيّد محمّد باقر حجة الإسلام الشفتي البيدآبادي.

إطراء العلماء له

١ ـ قال الشيخ عباس القمّي في الكنى والألقاب : «أبو المعالي الإصفهاني عالم ، فاضل ، متبحّر ، دقيق ، فكور ، كثير التتبع ، حسن التحرير ، كثير التصنيف ، كثير الاحتياط ، شديد الورع ، كامل النفس ، منقطع إلى العلم والعمل ، له مصنفات في الفقه والأصول والرجال»(١) ، إلى آخر ما قال.

__________________

(١) الكنى والألقاب : ١ : ١٥٩.

٢١

٢ ـ قال السيّد الأمين في أعيان الشيعة : «عالم ، عامل ، فاضل ، متجرد ، دقيق النظر ، كثير التتبع ، حسن التحرير ، كثير التصنيف ، كثير الاحتياط ، شديد الورع ، عالم رباني منقطع إلى العلم ، لا يفتر عن التحصيل ساعة ، لم يكن في عصره أشد انكباباً منه على الاشتغال» ، وذكر له ٦٥ مؤلفاً(١) .

٣ ـ وقال نجله أبو الهدى في وصفه : «إنه شمس سماء العلم والتحقيق ، وبدر فلك الفضل والتدقيق ، سلطان العلماء وتاج همتهم ، وبرهان الفقهاء ونجم أئمتهم ، خاتم المجتهدين وزبدتهم ، وقدوة المحققين وأسوتهم ، فحل الأصوليين وعمادهم ، وقريع الرجاليين وسنادهم ، الزاهد الورع ، العريف العليم ، والحبر البدل الغطريف ، العظمظم العلّامة ، فاق الأفاضل كلهم ، جمعت وأيم الله فيه مناقب.

سيماه ناطقة بنور علومه

فجنا به فلك وهن كواكب

المولع بافتضاض أبكار الأفكار ، والنحرير المتبحر الذي لم يظهر نظيره في الأعصار».

قال ذلك في مطلع رسالة كتبها باسم (البدر التمام في ترجمة الوالد القمقام والجد العلام) ذكر فيها لكل منهما شرحاً واسعاً عن أحوالهما وكراماتهما وقصصهما وغيرهما(٢) .

مشايخه

١ ـ العالم الجليل السيّد حسن المدرس.

٢ ـ السيّد الأمير محمّد بن عبد الصمد الحسيني الشهشهاني.

٣ ـ والأمير محمّد الصادقي.

__________________

(١) أعيان الشيعة : ٢ : ٤٣٣.

(٢) البدر التمام : ٢٥.

٢٢

تلامذته

١ ـ السيّد أبو القاسم بن محمّد باقر الحسيني الدهكردي (١٢٧٢ ـ ١٣٥٣ هـ. ق).

٢ ـ الميرزا كمال الدين أبو الهدى الكلباسي صاحب «سماء المقال» ولد المصنف

٣ ـ الميرزا جمال الدين الكلباسي (١٣٥٠ هـ) ، ولد المصنف.

٤ ـ السيّد حسن بن السيّد مهدي النحوي الموسوي (١٢٨٧ ـ ١٣٦١ هـ).

٥ ـ المولى محمّد حسين بن المولى أسد الله الكرماني الأصفهاني (١٣٣٠ ـ ١٢٤٥ هـ).

٦ ـ الميرزا حسين بن إبراهيم الطباطبائي المدرس الكهنكي (١٢٨٨ ـ ١٣٧٦)

٧ ـ السيّد العلّامة الحاج حسين بن علي الطباطبائي البروجردي (١٢٩٢ ـ ١٣٨٠ هـ).

٨ ـ السيّد شهاب الدين النحوي الموسوي (١٢٦٣ ـ ١٣٤٠ هـ).

٩ ـ السيّد مهدي بن زين العابدين الموسوي الكرماني (١٣١٨ هـ).

مؤلفاته

راجع في ذلك ما سطره قدس سره بقلمه الشريف في خاتمة هذا الكتاب فقد ذكر جلّ مؤلفاته.

٢٣
٢٤

شرح زيارة عاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم

[الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين]

وبعد :

فهذه رسالة في بيان كيفية زيارة عاشوراء على من يزار بها آلاف التحية والثناء وروحي وروح العالمين له الفداء ، ولطالما كنت شائقاً إلى شرح حالها وتفصيل المقال في مجالها إلى أن ساعدني ساعد التوفيق خير رفيق من جانب الربّ الشفيق ،إِلهي ان لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق فمن السالك بي اليك في واضح الطريق؟ (١) ( قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني )(٢) .

فشرعت في الحال في شرح الحال وتفصيل المقال مستعيناً بالله العزيز المتعال ، وباسطاً إليه كفّ السؤال أن يجعله زاد المعاد ووسيلة النوال يوم لا ينفع البنون ولا المال ، إنّه لا تخيب لديه الآمال وإليه المرجع في المبدأ والمآل.

__________________

(١) هذا مقطع من دعاء الصباح المنسوب لأمير المؤمنين عليه السلام.

(٢) طه ٢٠ : ٢٥ ـ ٢٧.

٢٥

في ضبط عاشوراء ومعناها

قال في الصحاح : «ويوم عاشُوراء وعَشُورَاءَ ممدودان»(١) .

وفي القاموس : «والعاشور عاشر المحرم أو تاسعه»(٢) .

وحكى في «المصباح» في مادة تسع الخلاف في أن عاشورا تاسع المحرم أو عاشره ، إلّا أنه جعل المشهور من أقاويل العلماء سلفهم وخلفهم أنها عاشر المحرم(٣) .

وقال في مادة عشر : «وعاشوراء عاشر المحرم ، وفيها لغات المد والقصر وعشوراء بالمد»(٤) .

وقال العلّامة في المنتهى نقلاً : «يوم عاشوراء عاشر المحرم ، وبه قال المسيب والحسن البصري ، وروى عن ابن عباس أنّه التاسع من المحرم ، وليس بمعتمد لما في أحاديثنا من أنه يوم قتل الحسين عليه السلام ، ويوم قتل الحسين يوم العاشر بلا خلاف»(٥) .

__________________

(١) الصحاح : ٣ : ٧٤٧ ، مادّة «عشر».

(٢) القاموس المحيط : ٢ : ١٢٧ ، مادة «عشر».

(٣) المصباح المنير : ٧٥ ، مادّة «تسع».

وهذا نصّ عبارته : «وقوله عليه الصلاة والسلام : لأصومنّ التاسع مذهب ابن عبّاس ، وأخذ به بعض العلماء أنّ المراد بالتاسع يوم عاشوراء فعاشوراء عنده تاسع المحرّم ، والمشهور من أقاويل العلماء سلفهم وخلفهم أنّ عاشوراء عاشر المحرّم ، وتاسوعاء تاسع المحرّم».

(٤) المصباح المنير : ٤١٢ ، مادّة «عشر». وهذا نصّ عبارته : «... وعاشوراء عاشر المحرّم ، وتقدّم في تسع فيها كلام وفيها لغات المد والقصر مع الألف بعد العين ، وعشوراء بالمدّمع حذف الألف.

(٥) منتهى المطلب : ٢ : ٦١١ ، الطبعة القديمة.

٢٦

والعضدي في بحث جواز نسخ التكليف بتكليف أقل منه جعل عاشورا اسماً للعشر(١) ، وهو المحكي عن آخر.

ومقتضى ما رواه الشيخ في التهذيبين(٢) بسنده عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما السلام : «أن علياً عليه السلام قال :صوموا العاشوراء : التاسع والعاشر فإنّه يكفّر ذنوب سنته؟ »(٣) عموم العاشور للتاسع والعاشر من المحرم.

وقد ظهر لك بما سمعت أنّ الظاهر أنّه لا خلاف في كون قتل الحسين سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء في اليوم العاشر من المحرم ، ويأتي الكلام في اختصاص عاشوراء بالعاشر أو التاسع من المحرم ، وعمومها لهما ، بل نقول إن كون يوم القتل هو اليوم العاشر من قبيل الضروريات.

وقد حكى في «المجمع» في مادة عشر : «أن في حديث مناجاة موسى أنّه قال : يا ربّ ، لِمَ فضّلت أُمّة محمّد صلى الله عليه وآله على سائر الأُمم؟

فقال الله تعالى : فضّلتهم بعشر خصال.

قال موسى : وما تلك الخصال التي يعملونها حتّى آمر بني إسرائيل يعملونها؟

قال الله تعالى : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والجمعة والجماعة والقرآن والعلم والعاشوراء.

قال موسى : يا ربّ ، وما العاشورا؟

قال : البكاء والتباكي على سبط محمّد صلى الله عليه وآله ، والمرثية والعزاء على مصيبة ولد المصطفى.

__________________

(١) الظاهر أنّه قال ذلك في شرحه على مختصر الاُصول لابن الحاجب ، والعضدي هو القاضي عبدالرحمن بن أحمد الإيجي (المتوفّى سنة ٧٥٦ هـ).

(٢) مصطلح يُطلق على كتابي الشيخ الطوسي : تهذيب الأحكام والاستبصار.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤: ٢٩٩/١١. الاستبصار : ٢ : ١٢٤/١.

٢٧

يا موسى ، ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزّى على ولد المصطفى صلى الله عليه وآله إلّا وكانت له الجنة ثابتاً فيها ، وما من عبد أنفق من ماله في محبة ابن بنت نبيّه طعاماً وغير ذلك درهماً أو ديناراً إلّا وبارك له في دار الدنيا والدرهم بسبعين [درهماً] وكان معافاً(١) في الجنة وغفرت له ذنوبه.

وعزتي وجلالي ، ما من رجل أو امرأة سال دمع عينيه في يوم عاشوراء وغيره قطرة واحدة إلّا كتبت له أجر مائة شهيد»(٢) .

وأنت خبير بأن تفسير عاشورا بالبكاء والتباكي لا يوافق اللغة ولا العرف وينافي إطلاق يوم عاشوراء في آخر الحديث.

إذا عرفت ما تقدّم فنقول :

رواية ابن قولويه في كامل الزيارات

إنه روى ابن قولويه في كامل الزيارة : عن حكيم بن داود وغيره ، عن محمّد بن موسى [الهمْداني] ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة وصالح بن

__________________

(١) قوله : «وكان معافاً» ـ بالتشديد ـ من عفف بمعنى الكفّ ، كما يقال في العرف : اجعلني معافاً من هذا ، أي مكفوفاً عن استدعائه ، فهي وهذا من باب الحقيقة ، لو كان العفّة بمعنى مطلق الكفّ ، كما هو مقتضى كلام الجوهري ، أو من باب المجاز ، لو كان العفّة بمعنى الكفّ عن الحرام ، كما هو ظاهر القاموس في الحديث : «إنّ الحرام ما حرّم الله ورسوله ، ولكنّهم قد كانوا يعافون شيئاً فنحن نعافها». وربّما استدلّ على أصالة البراءة في الشبهة التحريميّة من الشبهة الحكميّة ، وهو مبنيّ على كون قوله عليه السلام : «يعافون» و «نعافها» من العفو ، لكنّه لا يساعده اللغة ، ويمكن أن يكون من عاف الرجل يعافه من باب تعب عيافة ـ بالكسر ـ أو أكرهه ، ويمكن أن يكون من عفف ، وقد حرّرنا مزيد الكلام في الاُصول. منه عفي عنه.

(٢) مجمع البحرين : مادّة «عشر».

٢٨

عقبة معاً [جميعاً] ، عن علقمة بن محمّد الحضرمي ومحمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن مالك الجهني ، عن أبي جعفر [الباقر عليه السلام] ، قال : «من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء حتى يظلّ عنده باكياً لقى الله عزّ وجلّ يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجّة ، وألفي ألف عمرة ، وألفي ألف غزوة , وثواب كلّ حجّة وعمرة وغزوة كثواب من [حج] واعتمر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع الأئمة الراشدين عليهم السلام.

قال : قلت : جعلت فداك ، فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟

قال : إذا كان ذلك اليوم برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره ، وأومى إليه بالسلام ، واجتهد على قاتله بالدعاء ، وصلّى بعده(١) ركعتين يفعل ذلك في صدر النهار قبل الزوال ، ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ، ويأمر من في داره ممن لا يتقيه بالبكاء عليه ، ويقيم في داره المصيبة [مصيبته] بإظهار الجزع عليه ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً [في البيوت وليعزّ بعضهم بعضاً] بمصاب الحسين عليه السلام ، فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على الله عزّ وجلّ جميع هذا الثواب.

فقلت : جعلت فداك ، وأنت الضامن لهم إذا فعلوا ذلك والزعيم به؟

قال :أنا الضامن لهم ذلك والزعيم لمن فعل ذلك.

قال : قلت : جعلت فداك ، فكيف يعزّي بعضهم بعضاً؟

قال :يقولون : عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام ، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثأره مع وليّه الإمام المهدي من آل محمّد صلى الله عليه وآله ، فإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل ، فإنّه يوم نحسٍ لا يقضى فيه حاجة [مؤمن] وإن قضيت لم يبارك له فيها ولم يرَ رشداً ، ولا تدّخرن لمنزلك شيئاً ، فإنّه من ادّخر لمنزله شيئاً في ذلك اليوم

__________________

(١) قوله : «بعده» هكذا فيما نقل في بحار الأنوار وغيره ، لكنّه في النسخة التي عندي من كامل الزيارة : «بعده» بدون الهاء. منه عفي عنه.

٢٩

لم يبارك له فيما يدّخره ولا يبارك له في أهله ، فمن فعل ذلك كتب له ثواب ألف ألف حجة وألف وألف عمرة وألف ألف غزوة كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان له ثواب مصيبة كل نبّي ورسول وصديق وشهيد مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة.

قال صالح بن عقبة وسيف بن عميرة : قال علقمة بن محمّد الحضرمي : فقلت لأبي جعفر عليه السلام : علّمني دعاء أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زرته من قريب ودعاء أدعوا به إذا لم أزره من قريب وأومأت إليه من بعد البلاد ومن [سطح] داري؟

قال فقال :يا علقمة ، إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام وقلت عند الإيماء إليه بعد الركعتين هذا القول ، فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة ، وكتب الله لك بها ألف ألف حسنة ، ومحى عنك ألف ألف سيئة ، ورفع لك مائة ألف ألف درجة ، وكنت كمن استشهد مع الحسين عليه السلام تشاركهم في درجاتهم ولا تُعرف إلّا في الشهداء الذين استشهدوا معه وكتب لك ثواب [زيارة] كلّ نبّي ورسول زيارة كل من زار الحسين بن عليّ عليهما السلام منذ يوم قتل صلوات الله عليه

تقول :

السَّلَامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِاللهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يابْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يا خِيَرَةَ اللهِ وَابْنَ خِيَرَتِهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يابْنَ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصيّينَ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، [وَأَناخَتْ بِرَحْلِكَ ،] عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ اللهِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتِ الْمُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلىٰ جَميعِ أَهْلِ السَّمٰواتِ ، فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ

٣٠

الْبَيْتِ ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ ، وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكَ (١) ،وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالتَّمْكينِ مِنْ قِتالِكُمْ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، فَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِقِتالِكَ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، بِأَبي أَنْتَ وَاُمّي ، لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بِكَ ، فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذي أَكْرَمَ مَقامَكَ أَنْ يُكْرِمَني بِكَ ، وَيَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمامٍ مَنْصُورٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللـهُمَّ اجْعَلْني وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَكَ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.ٰ

يا سَيِّدي يا أَبا عَبْدِاللهِ ، إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ ، وَإِلىٰ رَسُولِهِ ، وَإِلىٰ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ ، وَإِلىٰ فاطِمَةَ ، وَإِلَى الْحَسَنِ ، وَإِلَيْكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَسَلَّمَ بِمُوالاتِكَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ ، وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَمِنْ جَميعِ أَعْدائِكُمْ ، وَبِالْبَراءةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ الْجَوْرِ وَبَنىٰ عَلَيْهِ بُنْيانَهُ ، وَأَجْرىٰ ظُلْمَهُ وَجَوْرَهُ عَلَيْكُمْ وَعَلىٰ أَشْياعِكُمْ ، بَرِئْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ، ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ ، وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، وَمِنَ النّاصِبينَ لَكُمُ

__________________

(١) قوله : «قَتَلَتْكَ » هكذا في النسخة التي عندي من كامل الزيارة ، وفيما نقله عنه في بحار الأنوار كذلك ، لكن فيما نقل عنه بعض : «قَتَلَتْكُمْ» ، وهو الأوفق بالسياق ، منه عفي عنه.

٣١

الْحَرْبَ ، وَالْبَراءَةِ مِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ.

إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، مُوالٍ لِمَنْ والاكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ ، فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذي أَكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيائِكُمْ ، وَرَزَقَني الْبَراءَةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.

وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَني الْمَقامَ الَْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكُمْ مَعَ إِمامٍ مَهْديٍّ ناطِقٍ لَكُمْ ، وَأَسْأَلُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَني بِمُصابي بِكُمْ أَفْضَلَ ما يُعْطي مُصاباً بِمُصيبَتِهِ ، أَقُولُ إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، يا لَها مِنْ مُصيبَةٍ ما أَعْظَمَها وَأَعْظَمَ رَزِيَّتَها في الْإِسْلامِ وَفي جَميعِ السَّمٰواتِ وَالْأَرْضِ.

اللّـهُمَّ اجْعَلْني في مَقامي هٰذا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ.

اللّـهُمَّ اجْعَلْ مَحْيايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللّـهُمَّ اِنَّ هٰذا يَوْمٌ تَنَزَّلَتْ فيهِ اللَّعْنَةُ عَلىٰ آلِ زِيادٍ ، وَآلِ اُمَيَّةَ ، وَابْنِ آكِلَةِ الْأَكْبادِ ، اللَّعينِ ابْنِ اللَّعينِ عَلىٰ لِسانِ نَبِيِّكَ في كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فيهِ نَبيُّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللّـهُمَّ الْعَنْ أَبا سُفْيانَ وَمُعاوِيَةَ(١) وَعَلىٰ يَزيدَ بْنَ مُعاوِيَةَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الْآبِدينَ ،

__________________

(١) وفي زاد المعاد : «وَمُعاوِيَةَ بْنَ أَبي سُفْيانَ » ، منه رحمه الله.

٣٢

اللّـهُمَّ فَضاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةَ أَبَداً لِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

اللّـهُمَّ إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ في هٰذَا الْيَوْمِ ، وَفي مَوْقِفي هٰذا ، وَأَيّامِ حَياتي بِالْبَراءَةِ مِنْهُمْ بِاللَّعْنِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوالاةِ لِنَبِيِّكَ وَأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ.

ثمّ تقول مائة مرّة :

اللّـهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تابِعٍ لَهُ عَلىٰ ذلِكَ.

اللّـهُمَّ الْعَنِ الْعِصابَةَ الَّتي حارَبَتِ الْحُسَيْنَ وَشايَعَتْ وَبايَعَتْ عَلىٰ قَتْلِهِ وَقَتْلِ أَنْصارِهِ ، اللّـهُمَّ الْعَنْهُمْ جَميعاً.

ثمّ تقول مائة مرّة :

السَّلَامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِاللهِ وَعلَى الْأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، وَأَناخَتْ بِرَحْلِكَ ، عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ اللهِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَلا يَجْعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِن زِيارَتِكُمْ.

السَّلَامُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَأَصْحابِ الْحُسَينِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعينَ.

ثمّ تقول مرّة واحدة :

اللّـهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ آلَ نَبِيِّكَ بِاللَّعْنِ ، ثُمَّ الْعَنْ أَعْداءَ آلِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْأَوَّلينَ وَالْآخِرينَ ، اللّـهُمَّ الْعَنْ يَزيدَ وأَباهُ ، وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ وَبَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ.

٣٣

ثمّ تسجد سجدة تقول فيها :

اللّـهمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشّاكِرينَ عَلىٰ مُصابِهِمْ. الْحَمْدُ لِلّهِ عَلىٰ عَظيمِ رَزِيَّتي فِيهِمْ ، اللّـهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الْحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحابِ الْحُسَيْنِ الَّذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ.

قال : يا علقمة ، إن استطعت أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزيارة من دهرك فافعل ، فلك ثواب جميع ذلك إن شاء الله تعالى»(١) .

رواية الشيخ في مصباح المتهجد

وروى الشيخ في «المصباح» ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «من زار الحسين بن عليّ عليهما السلام في يوم عاشوراء من المحرّم حتّى يظلّ عنده باكياً لقي الله عزّ وجلّ يوم يلقاه بثواب ألفي حجّة ، وألفي عمرة ، وألفي غزوة ، ثواب كلّ غزوة وحجّة وعمرة كثواب من حجّ واعتمر وغزى مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع الأئمّة الراشدين عليهم السلام.

قال : قلت : جعلت فداك ، فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيه ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟

قال :إذا كان كذلك برز إلى الصحراء ، أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره ، وأومأ إليه بالسلام ، واجتهد في الدعاء على قتليه ، وصلّى من بعد ركعتين ، وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس ، ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ، ويأمر من في داره ممن لا يتقيه بالبكاء عليه ، ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه ، وليعزّ بعضهم

__________________

(١) كامل الزيارات : ٣٢٥ ، الباب ٧١ ثواب من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ، الحديث ٩.

٣٤

بعضاً بمصابهم بالحسين عليه السلام ، فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على الله تعالى جميع ذلك

قلت : جعلت فداك ، أنت الضامن لذلك لهم والزعيم؟

قال :أنا الضامن وأنا الزعيم لمن فعل ذلك.

قلت : فكيف يعزي بعضنا بعضاً؟

قال :تقولون : أعظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام ، وجعلنا وإياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمّد عليهم السلام ، وإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل فإنه يومُ نحسٍ لا تقضى فيه حاجة مؤمن ، وإن قضيت لم يبارك له فيها ولم ير فيها رشداً ، ولا يدّخرون أحدكم لمنزله فيه شيئاً ، فمن ادخر في ذلك اليوم شيئاً لم يبارك له فيما ادخر ولم يبارك له في أهله ، فإذا فعلوا ذلك كتب الله لهم ثواب ألف حجة وألف عمرة وألف غزوةكلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان له أجر وثواب مصيبة كلّ نبيّ ورسول ووصي وصديق وشهيد مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة.

قال صالح بن عقبة وسيف بن عميرة : قال علقمة بن محمّد الحضرمي : قلت لأبي جعفر عليه السلام : علّمني دعاء أدعو به ذلك اليوم إذا أنا زرته من قرب ، ودعاء أدعو به أذا لم أزه من قرب ، وأومأت من بعد البلاد ومن داري بالسلام إليه.

قال : فقال لي :يا علقمة ، إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومي إليه بالسلام فقل بعد الإيماء إليه من بعد التكبير هذا القول فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به زوّاره من الملائكة ، وكتب الله لك مائة ألف ألف درجة ، وكنت كمن استشهد مع الحسين عليه السلام حتّى تشاركهم في درجاتهم ولا تعرف إلّا في الشهداء الذين استشهدوا معه ، وكتب لك ثواب زيارة كل نبيّ وكل رسول وزيارة كل من زار الحسين عليه السلام منذ يوم قتل عليه السلام.

٣٥

تقول : السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِاللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ اللهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يابْنَ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ ، وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصيّينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ، السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، [وَأَناخَتْ بِرَحْلِكَ ،] عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ اللهِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتْ وعَظُمَتْ مُصيبَتُكَ في السَّمٰواتِ عَلىٰ جَميعِ أَهْلِ السَّمٰواتِ ، فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ ، وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالتَّمْكينِ مِنْ قِتالِكُمْ ، بَرِئْتُ إِلى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيائِهِمْ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ.

بِأَبي أَنْتَ وَاُمّي لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بِكَ فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذي أَكْرَمَ مَقامَكَ ، وَأَكْرَمَني بِكَ أَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، اللّـهُمَّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.

٣٦

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ ، وَإِلىٰ رَسُولِهِ ، وَإِلىٰ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ ، وَإِلىٰ فاطِمَةَ ، وَإِلَى الحَسَنِ ، وَإِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ ، وَأَبْرَأُ إِلَى اللهِ وإِلى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ ذلِكَ وَبَنىٰ عَلَيْهِ بُنْيانَهُ ، وَجَرىٰ في ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلىٰ أَشْياعِكُمْ ، بَرِئْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ، ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ ، وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، وَالنّاصِبينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ.

إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ والاكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ ، فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذي أَكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ ، وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيائِكُمْ ، وَرَزَقَني الْبَراءَةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَني الْمَقامَ الَْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكُمْ مَعَ إِمامِ هُدىً ظاهِرٍناطِقٍ بِالْحَقِّ مِنْكُمْ ، وَأَسْأَلُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَني بِمُصابي بِكُمْ أَفْضَلَ ما يُعْطي مُصاباً بِمُصيبَتِهِ ، مُصيبَةً ما أَعْظَمَها وَأَعْظَمَ رَزِيَّتَها في الْإِسْلامِ وَفي جَميعِ أَهْلِ السَّمٰواتِ وَالْأَرْضِ.

اللّـهُمَّ اجْعَلْني في مَقامي هٰذا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ.

اللّـهُمَّ اجْعَلْ مَحْيايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.

اللّـهُمَّ إِنَّ هٰذا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو اُمَيَّةَ وَابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبادِ ، اللَّعينُ ابْنُ اللَّعينِ ،

٣٧

عَلىٰ لِسانِكَ وَلِسانِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ في كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فيهِ نَبيُّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللّـهُمَّ الْعَنْ أَبا سُفْيانَ وَمُعاوِيَةَ وَيَزيدَ بْنَ مُعاوِيَةَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الْآبِدينَ ، وَهٰذا يَوْمٌ فَرِحَتْ بِهِ آلُ زيادٍ وَآلُ مَرْوانَ بِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ ، اللّـهُمَّ فَضاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالْعَذابَ الْأَليمَ.

اللّـهُمَّ إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ في هٰذَا الْيَوْمِ ، وَفي مَوْقِفي هٰذا ، وَأَيّامِ حَياتي بِالْبَراءَةِ مِنْهُمْ ، وَاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوالاةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلامُ.

ثمّ تقول :

اللّـهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تابِعٍ لَهُ عَلىٰ ذلِكَ.

اللّـهُمَّ الْعَنِ الْعِصابَةَ الَّتي جاهَدَتِ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَشايَعَتْ وَبايَعَتْ وَتابَعَتْ عَلىٰ قَتْلِهِ ، اللّـهُمَّ الْعَنْهُمْ جَميعاً. تقول ذلك مائة مرّة.

ثمّ تقول :

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِاللهِ وَعلَى الْأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ.

السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ ، وَعَلىٰ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَعلىٰ أَوْلادِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلىٰ أَصْحابِ الْحُسَينِ. تقول ذلك مائة مرّة.

٣٨

ثمّ تقول :

اللّـهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنّي ، وَابْدَأْ بِهِ أَوَّلاً ، ثُمَّ الْعَنِ الثّاني وَالثّالِثَ وَالرّابِعَ. اللّـهُمَّ الْعَنْ يَزيدَ خامِساً ، وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيادٍ وَابْنَ مَرْجانَةَ وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ وَشِمْراً وَآلَ أَبي سُفْيانَ وَآلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ.

ثمّ تسجد وتقول :

اللّـهمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشّاكِرينَ عَلىٰ مُصابِهِمْ ، الْحَمْدُ لِلّهِ عَلىٰ عَظيمِ رَزِيَّتي ، اللّـهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحابِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ الَّذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ.

قال علقمة : قال أبو جعفر عليه السلام :إن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة من دارك فافعل ، ولك ثواب جميع ذلك(١) .

وقد روى في الوسائل هذه الرواية عن «المصباح» أيضاً ، لكن برواية صالح بن عقبة ، عن علقمة ، عن أبي جعفر عليه السلام.

فالراوي عن أبي جعفر عليه السلام هو علقمة(٢) ، وهو مقتضى ما يأتي من نقل السيّد

__________________

(١) مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد : ٧٧٢.

(٢) وسائل الشيعة : ١٤ : ٤٩٤ ، الباب ٦٣ من أبواب المزار وما يناسبه ، الحديث ٣.

ولا يخفى أنّ صاحب الوسائل أورد مقطعين من الزيارة المباركة في كتابه : أحدهما في المورد آنف الذكر ، وثانيهما : في الباب ٥٥ من أبواب المزار ، الحديث ٥.

والملاحظ أنّه في المورد الأوّل قال : محمّد بن الحسن في المصباح ، عن محمّد بن»

٣٩

الداماد(١) تلك الرواية في رسالته المعمولة في آداب أيام أربعة(٢) .

رواية أخرى رواها الشيخ في «المصباح»(٣)

وروى الشيخ في «المصباح» أيضاً ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة ، قال : «خرجت مع صفوان بن مهران الجمّال وجماعة من أصحابنا إلى الغريّ بعد ما خرج أبو عبد الله الصادق عليه السلام ، فسرنا من الحيرة(٤) إلى المدينة ،

__________________

«إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن علقمة ، عن أبي جعفر عليه السلام.

وفي المورد الثاني قال : وعن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام. ففي المورد الأوّل ذكر الراوي عن صالح بن عقبة: علقمة ، وفي المورد الثاني جعل الراوي عنه أبيه.

(١) ترجمة مختصرة للسيّد الداماد: هو السيّد محمّد باقر بن شمس الدين محمّد الحسيني الأسترآبادي الأصل ، الأصفهاني المنشأ والموطن ، المعروف بـ (الميرداماد) ، الملقّب بـ (المعلّم الثالث) ، من أعلام القرن الحادي عشر ، ومن كبار مؤلّفي الشيعة ، ترجم له كثير من العلماء وأثنوا عليه ، وكان معاصراً للشيخ البهائي وله به علاقة خاصّة ، ووجه اشتهاره بـ (الميرداماد) هو أنّ والده السيّد محمّد الأسترآبادي لمّا تزوّج بنت الشيخ عليّ (المحقّق الثاني) الكركي ، اشتهر هذا السيّد بالداماد ، ثمّ لمّا تولّد من بنت المحقّق الكركي السيّد محمّد باقر اشتهر كما اشتهر والده بالداماد.

توفّي سنة ١٠٤١ هـ. ق ، ودفن في النجف الأشرف ، وكان من أبرز تلامذته: الحكيم الإلهٰي ، والفيلسوف الرّباني صدر الدين الشيرازي ، المعروف بـ (ملّا صدرا) ، وله مصنّفات كثيرة تفوق السبعين مصنّفاً.

(٢) ستأتي الإشارة إلى هذه الرسالة للمحقّق الداماد.

(٣) لا يخفى أنّ الشيخ في المصباح ذكر هذه الرواية في ذيل الرواية السابقة بلا فاصلة ، حيث قال : «وروى محمّد بن خالد الطيالسي الخ».

(٤) الحيرة ـ بالكسر ـ: مدينة قرب الكوفة ، كما ذكره في الصحاح. منه عفي عنه.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وهي الجهة الأخيرة في بحث الخطوط العامّة للشعائر الدينيّة.

وتدور حول ممانعة الخرافة لقاعدة الشعائر الدينيّة، أو استلزام بعض الشعائر للإهانة والاستهزاء أو الهتك، وهذه عناوين بالطبع متعدّدة مختلفة، ويجب أن نحلّل كلّ عنوان على حدة، ونرى كيف يكون كلّ من هذه العناوين ممانعاً؟ وهل هناك موارد للتصادق بين هذه العناوين وقاعدة الشعائر الدينيّة؟ أو لا تصادق في البين أصلاً؟

وبادئ ذي بِدء، نقف على عنوان ومصطلح الخرافة.

الخُرافة والشعائر

الخرافة ما هو موضوعها، وكيف تكون مانعة لقاعدة الشعائر الدينيّة؟

فالبحث في الخرافة تارة يكون حُكميّاً، وأخرى يكون موضوعيّاً.

أمّا من جهة الموضوع: الخرافة في اللغة وفي العرف تُطلق على أيّ شيءٍ وهمي أو تخيّلي، أو الذي لا يُمتّ إلى حقيقة واقعيّة أو حسّيّة، فأيّ شيء يُمليه الوهم أو يمليه الخيال من دون أن يكون له مطابق حقيقي في الواقع - لا عقلي ولا حسّي - يسمّى خرافة.

١٦١

والحسّ ليس معصوماً على الدوام، إذ قد يتطرّق إليه الخطأ(١) وإن كان الحسّ إجمالاً من منابع البديهيّات، وكذلك العقل منبع جملة من أقسام البديهيّات، وليس كلّ ما لا يُدرك بالحس هو ليس بحقيقة؛ ولأنّ كثيراً من الأشياء موجودة وحقيقيّة، مع أنّها لا تُدرك بالحسّ، وعلى كلّ حال، فاقتناص الحقيقة يكون إمّا بأداة العقل، أو بأداة الحس أو بأداة القلب فيما يعاينه من العلوم الحضوريّة.

ففي مقابل الحقائق هناك خرافات، فإذاً هذه ماهيّة الخرافة الموضوعة التي لا يقوم عليها دليل عقلي ولا دليل نقلي ولا دليل حسّي ولا دليل مبرهن؛ وإنّما يُصوّرها الخيال أو الوهم، وحينئذٍ تكون خرافة.

وحينما نُقرّر أنّ الأداة العقليّة أو الأداة الحسّيّة تتوسّط لإثبات الحقائق، فليس ذلك على الدوام، بل لابدّ من ميزان يعتصم به العقل عن الخطأ، في البديهيات التي هي كرأسمال فطري مودَع في الإنسان من قِبل الله تعالى، فتلك أداة عصمة للإنسان يستهدي بها في دوائر الشبهة، وهي من الأمور النظريّة، وكذلك في الحس هناك دائرة كبيرة من البديهيات يستهدي بها في دوائر الشبهة.

وإلاّ فإنّك ترى نهاية الشارع (الطريق) كأنّما يتلاقى طرفاه، مع أنّ تلاقي طرَفي الشارع في نهاية مدّ البصر ليس بحقيقة، لكنّ العقل يهتدي إلى نفي ذلك.

أو ترى النار الجوّالة التي يديرها اللاعب بيده، تراها حلقة ناريّة، مع أنّها في الحقيقة ليست حلقة ناريّة، فهذه من أخطاء الحس التي يميّزها العقل، على

____________________

(١) وقد ذكروا موارد عديدة يخطأ فيها الحس: كالقطرة النازلة التي يراها الحس خيطاً، والسراب الذي يعتقد الناظر أنّه ماء، وغير ذلك من الموارد.

١٦٢

كلّ حال فعندما يقال بأنّ أداة الحس والعقل معصومتان يعني إذا قُوِّمتا بموازين مُتقنة.

الوهمُ والخيال

كذلك الحال في الأداة الوهميّة والأداة التخيّليّة المتصرّفة إذا سخَّرت إحداهما الأخرى، فإنّهما غالباً ما تُركّبان صوراً من قريحتهما لا مساس لها بالواقع.

وقد يكون الوهم والخيال خادمَين للقوى العقليّة، فيصيب الإنسان بها الحقيقة، (نعم، قد تخطِّئان الواقع إذا كانتا تُبديان من أنفسهما أفعالاً فكريّةً وتصرّفاتٍ في المعاني من دون استخدام العقل لها)، ولكن مع استخدام العقل فإنّهما تصيبان الواقع.

فالخُرافة: فعلٌ من الأفعال الفكريّة والإدراكيّة والتصوّريّة تقوم بها المخيَّلة أو الواهمة من دون هداية العقل، ويُذعن الجانب العملي (العمّالي) في النفس إلى تلك الصورة أو إلى ذلك الإدراك.

ثُمّ إنّ في النفس مشجّرة للطرفين:

طرف القوّة الإدراكيّة: التي تُدرِك المعلومات.

وطرف القوّة العمليّة: العمّالة.

وهناك أجنحة أُخرى في جهاز النفس، لكنّ الذي يُعنينا في المقام هو هذان الجناحان: الجناح العملي، والجناح النظري والإدراكي.

فالخُرافة إذاً، مبدأها من فعل إدراكي خاطئ بتوسّط المخيّلة أو الواهمة

١٦٣

يذعن لها الجانب العملي في النفس، وتَبني عليها النفس عملاً وتُرتّب عليها آثاراً، من دون أن يكون الـمَدرك صحيحاً.

وأداة الوهم والخيال إذا كانتا من دون هداية العقل وإراءته إليهما فالنتيجة تكون خاطئة، ولكنّ بعض الأشياء لا ُتدرَك بالحس ولا بالعقل مع أنّها حقائق؛ وإنّما يدركها الوهم والخيال بهداية العقل، مثلاً: حبّ زيد، بغض عمرو، حُب الأم لطفلها، البغض الخاص، والحُب الخاص، هذه تُسمّى معانٍ وهميّة، لكنّها مطابقة للحقيقة ولها حقائق، فلولا الوهم والخيال لم يصل الإنسان لإدراكها.

فلا يُحكم على كلّ شيء خيالي أو كلّ شيء وهمي أنّه غير مصيب وغير صحيح.

وقد تحصل بعض المغالطات، حيث يُحكم بالخرافة على كلّ شيء يُدرك بالخيال والوهم، فليس الخيالي يساوي اللاواقعيّة ويساوي الخطأ.

الخيال والوهم بدون هداية العقل واستخدام العقل يساوي الخرافة أو يساوي البطلان.

بخلاف ما يكون بهداية العقل، مثل: بعض الحقائق التي لا يمكن أن يدركها الحس ولا العقل، بل يدركها الوهم الصادق.

والدليل على ذلك: بعض المنامات الصادقة التي لا يدركها العقل؛ لأنّها ليست تفكيراً بحتاً، ولا يدركها الحس أيضاً، وتكون صادقة في الجملة.

والمُدرَكات العقليّة ليس لها صورة: طول، وعرض، وعمق، وليست نقوشاً من رأس، إذ المعاني العقليّة معاني مجرّدة مصمتة مكبوسة، بل ظهور تلك المعاني العقليّة يكون بتوسّط الخيال أو الوهم، بتخطّطات مقداريّة، أو بتشخّص

١٦٤

خواصّ جزئيّة معيّنة، كما هو الحال في الرؤيا المناميّة الصادقة، فالكثير منّا قد صادفَ في حياته أن رأى رؤيا صادقة طابقت الخارج، أو قل: كما هي الحال في رؤيا الأنبياء التي ليس فيها تخلّف.

الرؤيا الصادقة المصوَّرة إنّما يدركها الإنسان بأداة الخيال، حيث إنّ الحس ينعدم في النوم فلا يحس النائم شيئاً، وهذه المعلومات تنزل على الإنسان - كما يقال - من الباطن لا من الخارج، وليست الرؤيا من تصنّع وتسويل النفس، إذ النفس لا تَدرك المستقبليّات من لدن ذاتها - في حال النفوس العاديّة - فمن أين أتت هذه الرؤيا الصادقة، وبأيّ أداة أدركها الإنسان؟ وكما ذَكرنا من أمثلة حبّ الأم، وبغض العدوّ وما شابه ذلك من المعاني التي يحتاج الإنسان لها في أصل عيشه، وإلاّ لمَا قامَ عيشٌ ولا استقامت حياة بدونها.

فالقول: إنّ كلّ شيء خيالي أو وهمي يساوي اللاواقعيّة أو الخرافة هو مغالطة، نعم، قوّة الخيال أو قوّة الوهم إن تجرّدت عن العقل، فحينئذٍ تكون خرافة ولا واقعيّة.

أمّا إذا استُخدِمتا من قِبل القوى العاقلة، فيدرك الإنسان بها شطراً وافراً من الحقائق التي لا يمكن له أن يعيش بدونها في هذه النشأة، أو حتّى في النشآت الأخرى.

والوهم ألطف من الخيال، فهو من عالَم ونشأة أخرى، ومعانيه مجرّدة عن الطول والعرض والعمق، وإن كان له تشخّصات معيّنة بالإضافة إلى الجزئيّات المادّيّة.

فاصطلاح الوهم والخيال في العلوم العقليّة ليس بمعنى ما لا حقيقة له كي

١٦٥

تقع فيه المغالطات؛ إنّما القوّة الواهمة أو الخياليّة إذا لم تُوجّه ولم تُستخدم من قِبل العقل فإنّها ستُخطئ الواقع غالباً وكثيراً.

وبذلك يتبيّن موضوع الخُرافة، وإنّها بتوسّط أيّ قوةٍ من قوى النفس يمكن أن تُدرك.

وإذا كان شيء ما خرافة، فيجب على الإنسان أن يهمله وأن لا يرتّب عليه آثار الحقيقة؛ لأنّ اللازم أن لا يعتدّ بها الإنسان كحقيقة، فضلاً عن أن يتديّن بها، أو يداين بها، أو يعظّمها، أو يقدّسها، أو يُجلّها.

التضادّ بين الشعائر والخرافة

فهذه مقولة الخُرافة وحكمها، أمّا العلاقة بين قاعدة الشعائر الدينيّة وحكم العقل في إبطال وتسفيه الخرافة، وادّعاء وجود موارد الاجتماع والتصادق بينهما.

فالشعيرة - كما عرفنا فيما سبق -: هي عبارة عن الدلالة والمعلَم للمعنى الديني، فإمّا أن يتسرّب البطلان واللاحقيقة إلى العلامة، أو إلى ذي العلامة، والبطلان الذي يتسرّب ويتخلّل إليها، إمّا من جهة أنّها ليست لها علاميّة لذلك المعنى - يعني إمّا في العلامة، بحيث لا علاميّة لها على ذلك المعنى -، أو يدبّ الإشكال ويسري في نفس المعنى (الذي هو ذو العلامة).

فالمعاني الدينيّة إذا كانت معانٍ قام الدليل عليها، سواء الدليل القطعي الضروري الديني، أو الدليل النقلي الظنّي المعتبر، فالحكم بأنّها خرافة أو لا حقيقة لها يكون تصادماً مع الدليل الشرعي وخلاف الفرض، نعم، إذا كان هناك معنىً من المعاني جزئيّاً أو متوسّطاً - وما أكثر المتوسّطات - أو كلّيّاً لم يقُم عليه دليل معيّن، فيمكن أن يوصف بذلك.

١٦٦

ومن جهةٍ أخرى: فإنّ عدم الدليل غير دليل العدم، فهناك تارة شيء لم يقم عليه الدليل، وهناك تارةً أخرى شيء قام الدليل على عدمه، فلا ريب حينئذٍ في عدم واقعيّته، فيتصادق ويتّفق مع الخرافة، مثل: الأديان الوثنيّة، أو الأديان الأخرى الباطلة، ومثل هذه الأديان تُعتبر شعائرها باطلة وخرافيّة؛ لأنّ شعائرها علامات ومعالِم على معانٍ ليست واقعيّة، بل منحرفة وخاطئة وتخيّليّة ووهميّة - مثل: الثنويّة في الخالق، والثنويّة في ربّ الوجود، ولا ريب في زيف هذه المعاني، فمن ثُمّ الشعائر الدينيّة لهذه الأديان باطلة خرافيّة من هذه الجهة.

فهذه المعاني التي في الشريعة، إن قام عليها الدليل - ولو الدليل العام - فلا يصح أن يصدق عليها الخرافة.

فعمدة الكلام في التحرّي والتحقيق والتثبّت في ماهيّة المعنى الذي تعكسه تلك الشعيرة، ثُمّ نتحرّى عن الدليل عليه، أمّا إطلاق عبارة الخرافة من دون التدليل على ذلك فهو أشبه بالمغالطة أو الإبداع، ولا بدّ لكلٍّ من النافي أو المُثبت أن يستدلّ على مدّعاه.

فدعوى الخرافيّة في جنبة المعنى تتوقّف على إقامة الدليل على بطلان ذلك المعنى المعيّن، أمّا إذا كان ذلك المعنى معزّزاً ومؤيّداً بالدليل، فحينئذٍ تكون دعوى الخرافيّة فيه غير مقبولة، والغرض من التطرّق لبحث الخرافة الذي يواجه قاعدة الشعائر الدينيّة قديماً وحديثاً: أنّه إن كان يعترض بذلك في طرف وجنبة الموضوع، فلابدّ من النظر في ذلك المعنى، كي يتبيّن مدى وجود التقاء - من جهة المعنى - بين الشعيرة والخرافة.

١٦٧

وأمّا في جنبة نفس الشعيرة: فقد يُتوهّم إطلاق الخرافة، لكنّ العلامة - بما هي علامة - لا يصدق عليها خرافة، إذ المفروض أنّ الخرافة هي المعنى الذي ليس له حقيقة، أمّا العلامة في نفسها فليست من سنخ المعنى، فكيف نتصوّر فيها الخرافة، هذا ممّا لا يمكن أن يُتصوّر.

حيث إنّ هذه الشعيرة لها دلالات على معانٍ معيّنة، والمعاني قد تكون باطلة وغير صحيحة، وبالتالي تكون خرافيّة، أمّا الشعيرة في نفسها فليست لها وظيفة إلاّ الدلالة على معنى والإشارة إلى محتوى فحسب، نعم، قد تكون بعض الشعائر كعلامات ودلالات غير متناسبة مع المعنى الشامخ الذي وضِعت هي له، أو تكون موجِبة لتضعضعه، وهذا أمر آخر غير الخرافيّة، بل هو محذور الهوان والاستهانة.

مميّزات وخصوصيّات الشعائر

ذكرَ علماء الاجتماع بعض المميّزات والخصوصيات للشعائر منها:

تنوّع الشعائر

تنوّع الشعائر والرسوم بين المجتمعات المختلفة، مثلاً: أسلوب التعظيم في بلدة معيّنة، يختلف عن أسلوب التعظيم في بلدة أخرى، بل قد يُعتبر ذلك التعظيم في بلاد أخرى مظهراً لعدم الاحترام مثلاً، إذ إنّ مداليل العلامات تختلف بحسب التواضع والقرار بين أفراد المجموعات البشريّة، وهذا ممّا لا بدّ من وضعه في الحسبان، إذاً، لا يمكن أن نَحمل حُكم الشعيرة في بلدٍ على حكم شعيرة في بلد آخر.

١٦٨

منشأ الشعيرة وأبعادها الخطيرة

الشعائر والعلامات لا تكون في الغالب مبتدئة ومبتكرة من رأس؛ وإنّما تكون موروثاً حضاريّاً مكدَّساً، بمعنى أنّ أيّ عُرف، أو أيّ قوم، أو أيّ مجموعة معيّنة من البشريّة تتوارث أساليب ووسائل معيّنة، يعرض عليها شيء من التطوير والتغيير، لكنّ أصل جذور تلك الشعيرة أو تلك الوسيلة، هي موروث حضاري قديم يُنقل من الأجداد إلى الأبناء في إطار حضارات مختلفة، من مؤثّرات وخصوصيّات معيّنة، مثل: العِرق المعيّن، أو القوميّة المعيّنة، أو المنطقة الجغرافيّة، ففي الواقع الشعيرة التي تتّخذ في مجال ديني - أو في مجال غير ديني، أو مجال معاشي، أو فني، أو اجتماعي، أو تاريخي، أو قومي - تحمل هويّة وخصوصيّات ومميّزات تلك المنطقة أو تلك القوميّة - كما يعبّرون -، يعني أنّ الشعيرة ليست هي شعيرة فقط، بل تستبطن الهويّة القوميّة والشخصيّة الاجتماعيّة والتاريخيّة بقدر ما تحتوي على معاني ومبادئ.

ومن ثُمّ ترى متخصّصي عِلم الحضارات أو علم التاريخ والاجتماع، أو علم السيكولوجيا (علم النفس) يشيرون على أنّه من الخطورة بمكان تغيير الشعارات الوطنيّة والرموز الوطنيّة والعبث فيها؛ لأنّ هذه الرموز والشعارات المعيّنة تحمل هويّة قرون لهذه المنطقة، وتغييرها مقابل رموز وشعارات بديلة، يعني ذوبان هذه القوميّة في مقابل ثقافات دخيلة، فهذه الرموز والشعارات ليس من الهيّن والبسيط أن تُستبدل برموز تشكيليّة جديدة وتذوب أمام الغزو الفكري

١٦٩

الجديد، وليس من الهيّن أن تتلاشى العادات والتقاليد وتضعف الحصيلة التاريخيّة للمنطقة، مقابل الفكر الجديد والثقافة البديلة التي يأتي بها الغُزاة والمستعمرون.

فنحن نرى مثلاً إصرار بعض الدول الغربيّة - كبريطانيا - في ترويج اللغة الإنجليزيّة، مع أنّ بريطانيا قد انحسر امتداد نفوذها الرسمي الظاهري حاليّاً، مع ذلك لديها إصرار في تعليم ونشر اللغة الإنجليزيّة، السرّ يكمن في أنّ وراء تعليم اللغة تحميل تقاليد أصحاب اللغة أنفسهم، وتحميل ثقافة وروحيات الإنجليز، يعني تذويب القوميّات الأخرى مقابل قوميّتهم.

فالرموز والشعارات الإسلاميّة لا يصحّ الاستهانة بها واستصغارها؛ فإنّ لها دوراً كبيراً في تحديد الهويّة الحضاريّة للأمّة الإسلاميّة.

فإذا كانت الشعيرة والشعائر بهذا الموقع من الأهميّة والحسّاسيّة، فليس من الهيّن محاولة تغييرها من دون دراسة مختلفة الجوانب محيطة بالجهات العديدة؛ لأنّ هذه الرموز والشعائر الدينيّة، سواء شعائر الحجّ، أو الشعائر الحسينيّة، أو شعائر الصلاة، أو شعائر المسجد، أو شعائر قبور الأئمّة (عليهم السلام) هي تُعدّ بقاءً للمعالِم التاريخيّة والحضاريّة للمسلمين.

لذا نجد البشريّة الآن تحتفظ بالتراث، وتهتمّ به وتحرسه بأخطر الأثمان، وتصرف على ذلك من الثروات الطبيعيّة الهائلة للبلد؛ لأنّ التراث - في الواقع - يحكي عن وجود حضارات استنزفت فيها الجهود والطاقات، ثُمّ بعد ذلك وصلت إلى هذا العصر الحاضر، فليس من اليسير التفريط بها.

فالخرافة قد تتصادق مع الشعيرة بلحاظ تأويل المعنى المدلول عليه، لكنّه

١٧٠

يجب الحذر والتفطّن من فقد هذه الرموز التي هي مخزون لمعانٍ سامية، والضمان لأصالة المجتمع الإسلامي، ولا يسوغ التفريط بها بدون تدبّر، بل لا بدّ من دراستها بدقّة وتأنٍّ.

وإذا كانت هذه الشعيرة بالنسبة إلى الآخرين (خارج المجتمع الإسلامي) مثل: اليهود، أو النصارى قد يكون لها مدلول معيّن، فهذا لا ينتقص من شأن الشعيرة نفسها؛ لأنّ المفروض أنّ مدلولها لدى المسلمين هو المؤدّى الرفيع والمعنى السامي، فكيف يُنتظر منّا أن نتّخذ شعيرة ورمزاً، يكون له مؤدّى مقبول عندهم وهم لا يذعنون بالمبادئ الإسلاميّة، فلو اشترطنا في الشعيرة قبولهم لمعناها، فهذا يعني فقد الشعيرة وظيفتها أو ضياع الدور المرجوّ منها أو الغرض المأمول منها، وبعبارةٍ أخرى: إنّ التساهل والتهاون بذلك يُعتبر فقداناً لهويّتنا وأصالتنا.

وقد تمّ البيان بما لا مزيد عليه أنّ الشعيرة تحتوي على ركنين: ركن النشر والإعلام، وركن الإعلاء والاعتزاز وحفظ الهويّة،( ولَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) ،( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) .

فوظيفة الشعائر حفظ الهويّة الإسلاميّة والدينيّة المبدئيّة وإعلائها، فإذا فقدناها واستبدلناها بشعارات تروق للأعداء فعلى الإسلام السلام.

وهنا نقطة مهمّة ونكتة فقهيّة مرتبطة بقاعدة الشعائر الدينيّة وهي: أنّ هذه القاعدة تحمل في ماهيّتها ركن الإعلام والإنذار والبثّ والعلامة والمعلَم، وركن آخر في ماهيّتها - كالجنس والفصل - هو الإعلاء والاعتزاز، أي حفظ الهوية بل إعلائها والاعتزاز بها وتقديمها على بقيّة الهويّات البشريّة الأخرى، وهي الهويّة السماويّة والشخصيّة الإلهيّة في الواقع.

١٧١

دائرةُ الشعائر الدينيّة

ومن جهة أخرى، فإنّ المطلوب من الشعائر الدينيّة ثلاثة أنماط من الوظائف:

تارةً أن تؤدّي دورها في الوسط الديني المسلم، وتكون فائدتها للمسلمين أنفسهم فقط.

وتارةً يكون تأثيرها ضمن أبناء الطائفة والوسط المؤمن.

وتارةً ثالثة أن تؤدّي دوراً لدعوة الآخرين من المِلل والنِحل البشريّة إلى الإسلام أو إلى الإيمان.

فهذه الشعائر التي أُمرنا بتحريمها وتعظيمها، إمّا على نحو وجوب إقامتها بين المسلمين ثُمّ نشرها في الدار الإسلاميّة أو دار الإيمان، أو أن تكون وسيلة إعلاميّة عامّة يُرجى لها الوجود، ويكون الأمر بها بلحاظ الوسط غير المسلم، ويُتوخّى أن تؤثّر في الأعم من الوسط المسلم وغير المسلم.

ولا يخفى أنّ المطلوب من الشعائر - بصورة عامّة -: هو إيجادها في الوسط المسلم أو المؤمن أوّلاً وبالذات، والمحافظة على نفس الوسط المسلم وتوجيهه إلى الهدف، والسمو به إلى القمّة في نفس الوسط الإسلامي، نعم، توجد بعض الشعائر المعيّنة قد اختصّها الفقه والدين الإسلامي لأجل التبليغ في ساحة الوسط غير المسلم.

مثل:( ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ

١٧٢

أَحْسَنُ ) (١) ، ونحوه من الأدلّة ممّا يجب أن تكون الدعوة بلغة يفهمها المدعوّ ويستأنس بها، فليس من الحِكمة استخدام أسلوب صحيح في ذاته، ولكن يستهجنه الناس ويُنفِّر عن الإسلام، ولا شكّ أنّ هذا ليس من الحكمة بل هو نقض للحكمة.

تباين مِلاكات الأقسام في الشعائر

ولكنّ الكلام هو في التفرقة والتمييز بين الشعائر التي هي لأجل الوسط المسلم أو الوسط المؤمن، وتلك التي هي للوسط غير المسلم، بل اللازم أيضاً التفرقة بين الشعائر الإسلاميّة والشعائر الإيمانيّة، فالأولى للوسط المسلم، والثانية للوسط المؤمن، ولا يطغى حساب وموازنة أحدها على الأخرى، بل كلّ منها في مورده مطلوب ولازم، إذ الغرض قائم من الأقسام الثلاثة من الشعائر من حفظ هويّة الإيمان، وحفظ هويّة الإسلام والإعلام والدعوة لكلّ منهما.

نعم، يجب أن يُختار فيها ما يلائم ويناسب المقام، ولكن في حدود أن لا تذوب الشخصيّة الإسلاميّة ولا الشخصيّة الإيمانيّة، وشريطة عدم تقديم التنازلات العقائديّة والسلوكيّة، وإلاّ فسوف ينتقض غرض الدعوة؛ لأنّ المفروض من ظاهر الآية( ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ ) هو الدعوة إلى سبيل الله، وليس الدعوة إلى سبيل النصارى أو اليهود، أو سبيل أهل الضلال، المفروض هو الدعوة إلى سبيل ربّك، لكن بالحكمة والأسلوب المناسب، الدعوة إلى سبيل الله مع

____________________

(١) النحل: ١٢٥.

١٧٣

حفظ الهويّة، لكن بالأسلوب والكيفيّة والنمط الذي يستأنسون به وينجذبون إليه من سبيل الله، فحينئذٍ تؤثّر الدعوة وتؤتي ثمارها.

غالب الشعائر هو التعظيم بلحاظ دار المسلمين ودار المؤمنين،( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) ،( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) - ولم يقل سبحانه: جعلناها لهم -( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ... ) ، وليس لمَن لا يحجّ البيت، وصلاة الجماعة خاصّة بدار المسلمين الذين يحرصون على أداء الصلاة، وهي تظاهرة عباديّة دينيّة، وصلاة الجمعة كذلك.

وهناك طقوس دينيّة كثيرة قد يستخفّ ويستهزأ الآخرون بها! فقد يقول مثلاً: ما هذا الانحناء ونكس الرأس ورفع العجيزة؟! هذه مظاهر لا يفهمها غير المسلمين؛ لأنّ هذه الطقوس المفروض فيها أن تُقام بنفسها لأجل الحفاظ على المجتمع المسلم في نفسه، وكذلك الحال بالنسبة إلى طقوس الإيمان في وسط الطائفة، فإنّه لا يعيها غير المؤمنين، فمن الخبط بمكان تفسير الشعائر المأمور بها في وسط خاص والحكم عليها بموازين الوسط العام فضلاً عن الوسط الأعم، وهذا البحث في الشعائر ليس فقط في الشعائر الدينيّة، بل يجري في الشعائر الوطنيّة والقوميّة.

بعض الشعائر الوطنيّة والقوميّة تؤسَّس لأجل حفظ الفكر والهويّة وربط المُواطن بتربة وطنه، أو بقوميّته، وليس الغرض من تلك الشعيرة أو الرمز دعوة الأمم الأخرى، كلاّ!

مثلاً لأجل ربط الجنود بالتربة والوطن، أو من أجل تحقّق معاني الدفاع

١٧٤

عن الوطن وحماية مقدّرات البلد وما شابه ذلك، يُربط الجنود برمز معيّن وإن لم يفهمه الآخرون، أو قد يسيء فهمه الآخرون، إذ ليس الغرض من هذا الرمز العسكري أو الجهادي هو فهم الآخرين، بل المطلوب فيه هو فهم أهل الوطن.

كذلك الحال في الشعائر الدينيّة التي يظهر غالب الخطاب فيها، بل مدلول الأدلّة الكثيرة، أنّها موجّهة لأجل نفس المجتمع المسلم أو المجتمع المؤمن، ولأجل حفظ هويّتهما، وحفظ مبادئهما، ويتماسكا ويترابطا، لا أنّه لأجل التبليغ لجهة أخرى أو لأمّة أخرى.

نعم، قد يُفترض ذلك في بعض الشعائر، مثل: باب الدعوة إلى الجهاد الفكري، ولا ريب في كون الغرض منه دعوة الآخرين، فيُفترض مثلاً من الكاتب، أو المفكّر، أو الخطيب، أو المحاضر، أو على صعيد منتدى عالَمي كمحطة فضائيّة أو مواقع الكترونيّة مثلاً أن يُختار الأسلوب المقبول والمؤثر، والمفروض أن يركّز على النقاط المعيّنة في القانون الإسلامي ومعارف المذهب التي تجذب الآخرين مثل: موارد الوفاء بالعهد وأداء الأمانة، لا سيّما في الأبواب التي لها صلة بالآخرين، حتّى تتّخذ رموزاً وشعارات وقوانين ومعالِم تجذب الآخرين إلى الوسط الإسلامي والإيماني لا أن تُنفّر عنه، عملاً بمقولة:(كونوا دُعاةً للناس بغير ألسِنتكم) (١) .

فالخُلق الإيماني الإسلامي - مثلاً - ينبغي الدعوة إليه، كما أنّ هناك في المجتمعات العصريّة دعوة إلى المثال النموذجي: سواء المثال الاقتصادي، أو المثال التربوي، لابدّ أن ندعو إلى مثال خُلق معيّن يجذب الآخرين، وهو المثال

____________________

(١) أصول الكافي ٢: ٧٨ / ح ١٤، مكيال المكارم ٢: ٢٥٧.

١٧٥

الذي يدعو له الإيمان والإسلام؛ لأنّ الغرض منه هو الإعلان والتبليغ والدعوة لجذب الآخرين إلى حوزة الدين.

وأمّا غالب الشعائر التي يُفرض أنّها طقوس ورسوم تُتّخذ في دار الإسلام أو الإيمان، فالمفروض فيها هو المحافظة على هويّتها الأصليّة الإيمانيّة والإسلاميّة، والمنع من ضياعها.

والمتخصّصون من أصحاب الفنون والعلوم العديدة: كالشعراء، والأدباء، والخطباء، والقرّاء، وأصحاب المهارات في الأنشطة والمراسم الدينيّة المختلفة، يلمسون ذلك مع التحصّن بالمعاني الإسلاميّة العالية وهضمها والإحاطة بها، فيطمئنّ لهم بأن يبرزوا لنا تشكيلة شعاريّة معيّنة فنّيّة، أدبيّة، شعريّة، قصصيّة، وبلاغيّه تُناسب المعنى السامي القرآني، وأمّا إذا كان المتخصّص متأثّراً بالمعاني والمبادئ الدخيلة على المذهب أو الدين الإسلامي، فما ينتجه ويرسمه من شعار يشكّل خطورة على المعالِم الإيمانيّة والإسلاميّة.

فهذا البحث ينبغي أن يُلحظ كيفيّةً وحيثيّةً، استعانةً بالأخصّائيّين إخلاصاً وخبرةً، كما ينبغي دراسة هذه الشعيرة مع مقدار امتداد جذورها التاريخيّة، ومدى ارتباطها بمسار الطائفة وبحضارة الأمّة الإسلاميّة، حتّى يمكن البتّ في سلبيّة أو إيجابيّة هذه الشعيرة أو مؤدّاها الذي تدلّ عليه.

الشعائرُ والهَتك

يبقى الكلام ضمن هذه الجهة السابعة عن ممانعيّة الهتك، أو الهوان الذي قد يعرض على ممارسة الشعائر الدينيّة المستحدَثة أو المستجدّة، فيكون مانعاً

١٧٦

خارجياً لعموم دليل قاعدة الشعائر الدينيّة.

في النظرة الأوّليّة البَدويّة يتبادر كونه مانعاً، باعتبار استلزامه هوان الدين، وهتك الدين.

وقد تمسّك البعض بهذا العنوان، واستدلّ به على ممانعة كثير من الشعائر المستجدّة المتّخذة، فلابدّ - من ثَمّ - من تحليل هذا العنوان ومعرفة ماهيّته العقليّة واللغويّة.

معنى الهَتك (١) : كشف المستور، وطبعاً - بالنسبة إلى حرمة الدين أو المسلمين - قد يُراد منه كشف نقاط الضعف (في المسلمين أو المؤمنين) وكشف الستر عن ذلك، مثل: هتك حرمة المؤمنين والمسلمين، وكشف النقص، أو الضعف الموجود فيهم ممّا يؤثر في زوال قوّتهم وتضعيف شوكتهم.

والهوان أيضاً في ماهيّته ومعناه يتقارب من الهتك، ويكون مسبَّباً عن الهتك مثلاً ومعلولاً عن كشف الستر.

فالهتك والهوان أمران متلازمان في الغالب، وأحدهما مسبّب عن الآخر، وإن كانت الماهيّة الحرفيّة وبالدقّة في الهتك هي كشف الستر، لكنّ كشف الستر: إمّا عن معائب، أو عَوار، أو نقائص، وكلّها بمعنى واحد، ومن ثُمّ يستلزم الهوان من الطرف الآخر.

ولا ريبَ أنّ هذه الماهيّة هي مضادّة لأغراض الشارع، ونقيض أهدافه في التشريع التي بُيّنت في آيات عديدة منها:

____________________

(١) الهتك: خرق الستر عمّا وراءه - وتهتّك أي: افتضح - الصِحاح للجوهري.

١٧٧

-( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) (١) .

-( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٢) .

-( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (٣) .

-( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ) (٤) .

إنّ الأغراض الأوّليّة الضروريّة من التشريع هي الرفعة والعلوّ، وهي أغراض أوّليّة كبرى وأهداف فوقانيّة قصوى في التشريعات القرآنيّة، والهتك بمعنى كشف نقاط الضعف أو عَوار المسلمين أو المتديّنين، الذي يستلزم الهوان والنقص المعاكس والمناقض لأهداف الشارع ورغباته.

لكنّ الكلام: أنّ هذا الهتك والهوان، هل هو مترتّب على صرف الاستهزاء من قِبل المذاهب الأخرى، أو من قِبل المِلل الأخرى؟

أقسامُ الهتك والاستهزاء

والاستهزاء - سواء كان من الفِرق الإسلاميّة الأخرى أو من المِلل الأخرى - يكون على أقسام:

منه: الاستهزاء باطلاً وبما ليس بحق، وهذا لا يؤثّر وليس بمانع، ولا ريب أنّه لا يستلزم الهتك؛ لأن هذا الاستهزاء غير كاشف عن عَوار ونقص ومعائب في

____________________

(١) التوبة: ٤٠.

(٢) النساء: ١٤١.

(٣) الحجّ: ٣٢.

(٤) الحجّ: ٣٠.

١٧٨

المؤمنين، أو في الدين.

ومنه: الاستهزاء نتيجة اختلاف الأعراف والبيئات والأعراق، واختلاف الشعائر أو الطقوس حسب المِلل والبلدان المختلفة في شعيرة منصوبة لتدلّ على معنى سامٍ، لكنّ الآخرين قد ينطبع بأذهانهم معنى آخر، فهذا لا يستلزم ممانعة الشعائر ولا يُعرقل اتّخاذها وتعظيمها، والسرّ في ذلك: أنّ هذا يرجع إلى حفظ الهويّة، كما في حفظ الهويّة الوطنيّة أو التراثيّة، وهنا يرجع إلى حفظ الهوية الدينيّة، أو حفظ الهويّة الخاصّة بالطائفة وبهذه الملّة وهذه النِحلة.

فلو استُجيب لكلّ ما يروق للآخرين ممّا يكون مقبولاً عندهم، لتبدّلت هويّتنا إلى هويّتهم، وكان ذلك نوعاً من الانهزام والانزلاق تحت سيطرتهم، ولأدّى إلى ذوبان شخصيّتنا في بوتقة الفكر الدخيل والأجنبي، فهذا القسم أيضاً لا يستلزم الهتك أو الهوان.

ومنه: استهزاء لجهات واقعيّة، فهذا يلزم منه هتك وهوان، فعلى ضوء هذا التقسيم الثلاثي، نخرج بهذه النتيجة: أنّ قِسمين من السخريّة أو الاستهزاء أو التعجّب من الآخرين لا يوجِب الهتك والهوان، وإن تخيّله الباحث أو المتتبّع للشعائر الدينيّة كذلك.

والهتك أو الهوان أو الاستهزاء حيث إنّه من مصاديق وأصناف التحسين والتقبيح العقليّين، وقد ذكرنا أنّ بعض مواردهما يكون مطابقاً للواقع فيكون صادقاً، وبعض مواردها غير مطابق للواقع فلا يكون صادقاً، بل كاذباً.

العقلُ العملي والعقلُ النظري: هذا التحسين والتقبيح العقليّان، في قوّة العقل العملي في النفس، التي تختلف وظيفتها عن قوّة العقل النظري الذي يُدرك وجود

١٧٩

الأشياء وثبوتها، أو عدمها ونفيها، كما يقال: إنّ العقل النظري بنفسه لا يوجب تحريكاً في الإنسان ولا انبعاثاً ولا تربيةً، ومن ثَمّ قالوا: إنّ الحكماء (الفلاسفة) لا يؤثّرون في المجتمعات مثل ما يؤثّر الأنبياء والرسل؛ لأنّ الفلاسفة يعتمدون غالباً على العقل النظري، وهو ينطوي على جنبة الإدراك فقط.

بينما إذا اتّصل العقل النظري - وهو إدراك الأشياء وثبوتها في العلوم المختلفة - بالعقل العملي، أي أدرك حُسن وقُبح الأشياء وتحسينها وتقبيحها، حتّى يكون محفزّاً ومحرّكاً، أو زاجراً ومؤدّباً للنفس، ففي الواقع فإنّ العقل العملي ليس صِرف إدراك فقط، وليس صِرف حجّيّة وتنجيز وتعذير إدراكي فقط، وإنّما هو نوع من الباعثيّة والتحريك والتكوين؛ لأنّ التحسين نوع من المدح ونوع من إيجاد الجَذبة والمَغنطة بين النفس وذلك الفعل الحسن، والتقبيح - في المقابل - نوع من إيجاد الشرارة والنفرة والبعد بين النفس وذلك الفعل القبيح، فهذا الجذب والوصل من جهة والنفرة والانقطاع من جهة أخرى هما من خاصيّات العقل العملي.

فإذا كان التحسين والتقبيح كاذِبين، فإنّ هذا بنفسه يكون عاملاً مُغرياً وخاطئاً ومزيّفاً للنفس؛ لأن يُحسّن لها القبيح ويقبّح لها الحسن، وسوف يؤدّي إلى تربية خاطئة للنفس، وإلى نوع من الترويض السيئ في النفس.

الشعائرُ والآثار الاجتماعيّة

إذا اتّضح ذلك، عَلمنا أنّه إذا حصلَ الاستهزاء والسخريّة - اللذَين هما من أصناف المدح والذمّ والتحسين والتقبيح، بسلوكيّة خاطئة ومدلّسة،

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440