الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد0%

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 440

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 440
المشاهدات: 124848
تحميل: 5741

توضيحات:

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124848 / تحميل: 5741
الحجم الحجم الحجم
الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فكأنّما هو (عليه السلام) أبطلَ شرعيّة الثلاثة الذين غصبوا الخلافة، الأوّل والثاني والثالث، وهذه عبارة أخرى عن إحياء حقّهم (عليهم السلام) في الإمامة والولاية.

فمجموع نهضته (عليه السلام) تتداخل وتجتمع فيها عدّة وجوه وتحليلات فقهيّة واجتماعيّة، وأهمّها هو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكلّ أبوابه.

المعروف يشمل كلّ الأبواب، ومنها: إحياء هذه الفريضة التي ترقى إلى أن تشمل نفس التوحيد لله وأساسيّات العقائد الأخرى، إذ هي أوضح مصاديق المعروف، فيجب الأمر بها، شأنها شأن التوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد، والمنكر يتناول الشرك وما دونه، ففي الواقع في هذه الوجوه جهات مختلفة، هي أيضاً مترابطة ومتداخلة ومنطبقة على بعضها البعض فقهيّاً وكلاميّاً.

فدعوته (عليه السلام) إلى إمامته وإلى العهد الإلهي في حقّهم (عليهم السلام) هو عين الأمر بالمعروف، مضافاً إلى أنّ النهي عن الخلافة الباطلة التي انتحلها غيرهم من أهم مصاديق النهي عن المنكر، أو النهي عن طمس كثير من أركان الدين فروعه، فمن ثَمّ كانت نهضته (عليه السلام) بشكلٍ بارز مَعلماً لإمامتهم وولايتهم الإلهيّة الحقّة، وتطبيقاً جليّاً لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الشاملة للأمور الاعتقاديّة بكلّ أبعادها وأشكالها.

هذه هي الجهة الأولى، وهي: أنّ تحليل الشعائر الحسينيّة يرجع إلى العلامة على الأغراض والغايات والأهداف التي نهض الحسين (عليه السلام) لأجلها، فهي ذكرى تخليد وإعادة إحياء لتلك الغايات والمبادئ التي نهضَ عليه الصلاة والسلام لأجلها.

فالأمر البارز في نهضته هو: أنّها دعوة إلى الصراط الحق وإلى التمسّك

٢٠١

بولايتهم (عليهم السلام)، وإلى إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي هي فريضة كبرى، وأحد أبرز مصاديقها: الأمور الاعتقاديّة، وهي: التوحيد والإمامة، وبها تُقام الفرائض كما تعبّر الرواية، وأوّل الفرائض التوحيد.

هذه هي أبرز أهداف النهضة الحسينيّة.

٢٠٢

الجهةُ الثانية: أدلّةُ الشَعائر الحُسينيّة

٢٠٣

٢٠٤

تقدّم في البحث العام عن الشعائر الدينيّة أنّ لدينا ثلاث طوائف من الأدلّة(1) :

الطائفة الأولى: عامّة مشتملة على نفس لفظة الشعائر، مثل:

( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) .

- و( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ.. ) .

- و( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ) .

الطائفة الثانية: مدلولها نفس ماهيّة الشعائر، لكن غير مشتملة على لفظ الشعائر، مثل:( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) وغير ذلك، وهذا القبيل من الأدلّة يدلّ على نفس مضمون الطائفة السابقة.

الطائفة الثالثة: مختصّة بأبواب معيّنة، مثل:( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) .

ففي باب الشعائر الحسينيّة هناك عدّة عمومات وكذلك طوائف خاصّة من الأدلّة.

الدليل الأول: حيث حلّلنا أنّ من أهمّ أغراض الشعائر الحسينيّة هو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإبراز الإمامة الحقّة التي تُعتبر من أصدق موارد

____________________

(1) راجع ص: 31 - 38 من هذا الكتاب.

٢٠٥

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمور الاعتقاديّة، فأدلّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتناول هذا الباب، ويمكن أن تكون دليلاً وبرهاناً عليه.

مثل:( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) ممّا يُدلّل على أنّ الشارع يريد إحياء هذه الفريضة، وإنّ تقديم هذه الأمّة وأفضليّتها على سائر الأمم من الأوّلين والآخرين هو نتيجة إقامة هذه الفريضة:( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) ، وإحياء هذه الفريضة - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - إنّما يتحقّق بإقامة الشعائر الحسينيّة بل هي أوضح المظاهر لإحيائها؛ لأنّ الأغراض والغايات المطويّة في النهضة الحسينيّة لابدّ أنّها تنتهي بالتالي إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي منها تجديد إنكار كلّ مظاهر الانحراف السارية في المجتمع، وإقامة كلّ معروف غُفل عنه أو هُجر من حياة الأمّة الإسلاميّة على الصعيدين السلوكي والعقيدي.

وكذلك المحافظة على استمرار سلوكيّة المعروف وتطبيقه في المجتمع مع الالتزام في نبذ المنكر وإنكاره، فهي نوع من حالة الصحوة والسلامة والتوبة الدينيّة من خلال مواسم ومراسم الشعائر الحسينيّة.

وكذلك الأمر في الآيات الأخرى في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مثل:( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (1) ، ومقتضى أدلّة إقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستلزم في مقدّماتها، التذكير بهذه الفريضة وإحيائها عبر إحياء الداعي النفسي

____________________

(1) آل عمران: 104.

٢٠٦

لدى المؤمنين والمتديّنين وتحريضهم نحو أداء هذه الفريضة، وأكبر تحريض هو نفس ما قام به أبو الأحرار وسيّد الشهداء (عليه السلام) من إيقاظ الناس من سُباتهم العميق وإحياء نفوسهم بالعدل والهدى، وتحريرهم من الظلم والرذيلة والهوى، وتربيتهم على عدم الخنوع والخضوع للطغاة والتخاذل، وذلك بإقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهما كلّف الأمر، وأينما بلغت التضحية.

الدليل الثاني: الأدلّة على الولاية، كقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (1) .

وقوله تعالى:( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (2) ومن المودّة التأسّي بهم، والفرح لفرحهم، والحزن لحزنهم.

والمودّة في اللغة تفترق عن الحب، فالحبّ قد يكون أمراً باطناً، أمّا المودّة فهي تعني المحبّة الشديدة التي تلازم الإبراز والظهور، وهناك - من ثَمّ - فارق بين عنوان المودّة وعنوان المحبّة، هذا أيضاً من العمومات، إذاً كلّ عمومات الولاية تدلّ على ما نحن فيه.

( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (3) وأبرز مصداق لها هو: أمير المؤمنين (عليه السلام).

وأيضاً آيات التبرّي مثل:

____________________

(1) التوبة: 119.

(2) الشورى: 23.

(3) المائدة: 56.

٢٠٧

( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) (1) ، ولا ريبَ أنّ هذه الآية تشمل أعداء الأئمّة (عليهم السلام) ممّن هتكَ حرمة النبي والدين في أهل بيته، فينبغي إظهار البراءة وعدم الموالاة لمَن حادّ الله ورسوله، وفي سورة الفاتحة أيضاً:

( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ) ؛ فإنّ المؤمن يجب أن يتولّى صراطهم الذي ليس عليه أيّ غضب إلهي وهذا يعني العصمة العمليّة، إضافة للعصمة العلميّة المشار إليها بعبارة( وَلا الضَّالِّينَ ) ، قد تكون إشارة إلى أنّه ليس هناك معصية عمليّة، وليس هناك أيّ زلّة علميّة، اهدنا صراط المعصومين؛ لأنّ نفي الغضب بقول مطلق يعني العصمة العمليّة، ونفي الضلالة بقول مطلق، يعني العصمة العلميّة، فالمعنى: اهدنا صراط المعصومين، وآية:

( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَة وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ) (2) ، وآيات التولّي والتبرّي كثيرة جدّاً، كقوله تعالى:

( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) (3) ، وقوله تعالى:

( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ

____________________

(1) المجادلة: 22.

(2) الأحزاب: 57.

(3) المجادلة: 22.

٢٠٨

الْغَالِبُونَ ) (1) ، وقوله تعالى:

( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا ) (2) ، وقوله تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) (3) .

وهذه الآيات الكريمة بمجموعها تصبّ في مصبّ واحد، وتُعتبر دليلاً معتمَداً في باب الشعائر الحسينيّة، إذ إنّ الأسى والتألّم لمصابهم، والحزن لحزنهم هو نوع من التولّي لهم والتبرّي من أعدائهم، ويكون كاشفاً عن التضامن معهم والوقوف في صفّهم (عليهم السلام).

وكذلك الآيات المبيّنة لصفات المؤمنين بالتحذير من صفات المنافقين، حيث تقول:

( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) (4) ، أي أنّ المؤمن يجب أن يفرح لفرح أولياء الله تعالى ويحزن لحزنهم، على عكس المنافق والناصب، ولو لاحظنا الآيات السابقة على الآية المزبورة أيضاً لازدادت الصورة وضوحاً، حيث يقول تعالى:

____________________

(1) المائدة: 55 - 56.

(2) الممتحنة: 4.

(3) الممتحنة: 13.

(4) آل عمران: 120.

٢٠٩

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيات إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) (1) ، فهذه الآيات تشير إلى أنّ علامة المودّة هي الفرح لفرح المودود، والحزن لحزنه، وإنّ علامة البغضاء والعداوة هي الفرح لحزن المبغوض، والحزن لفرح المبغوض.

وكذلك قوله تعالى:( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) (2)، ومفاد الآية كالسابقات دالّ على أنّ علامة البغضاء هو الغيض والحزن من حسن حال المبغوض، وفرحه والفرح والسرور من سوء حال المبغوض وحزنه، وعلى العكس في المحبوب وفرحه والفرح والسرور من سوء حال المبغوض وحزنه، وعلى العكس في المحبوب؛ فإنّ علامة الحبّ توجب التوافق والتشابه في الحالة، ومن هذه الآيات - بضميمة ما تقدّم من فريضة مودّة أهل البيت في آية المودّة لذوي القربى - نستخلص هذه القاعدة القرآنيّة، وهي: فريضة الفرح لفرح أهل البيت والحزن لحزنهم (عليهم السلام).

الدليلُ الثالث: شمول عناوين أخرى للشعائر الحسينيّة، مثل: عنوان إحياء أمر الأئمّة(رَحِم الله مَن أحيى أمرَنا) (3) .

وهذا العنوان - وهو إحياء أمرهم (عليهم السلام) - قد طُبّق على إحياء العزاء الحسيني

____________________

(1) آل عمران: 118 - 119.

(2) الفتح: 29.

(3) بحار الأنوار: 51: 2 / ح 30.

٢١٠

ومذاكرة ما جرى على أهل البيت من مصائب، فيتناول الشعائر الحسينيّة، سواء المرسومة في زمنهم (عليهم السلام) أو المستجدّة المستحدَثة المتّخذة، ولا يُقتصر على الشعائر القديمة.

وقد وردت هذه الروايات في مصادر معتبرة مثل: بعض كتب الشيخ الصدوق (قدِّس سرّه): كالأمالي، والخصال، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ومعاني الأخبار. وكتاب دعوات الراوندي، وكتاب المحاسن للبرقي، وكتاب بصائر الدرجات للصفّار، وكتاب المزار للمشهدي، وقرب الإسناد، والمستطرفات في السرائر لابن إدريس الحلي، بحيث تصل هذه الروايات إلى عشرين طريقاً، وهناك الكثير من المصادر يجدها المتتبّع في مظانّها.

الدليلُ الرابع: العمومات التي وردت في باب الشعائر في الحثّ على زيارتهم وتعمير قبورهم وتعاهدها، ويتّضح من ألفاظ وأسلوب الزيارة أنّها نوع ندبة ومأتم يقيمه المؤمن خلال فترة الزيارة؛ ليتذكّر من خلاله ما جرى عليهم من مصائب.

مثل:(السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله، السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره، أشهدُ أنّ دَمك سَكن في الخلد، واقشعرّت له أظلّةُ العرش، وبكى له جميع الخلائق، وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهنّ وما بينهنّ) (1) .

- وفي إحدى الزيارات لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):(... السلام عليك يا وليّ الله، أنت أوّلُ مظلومٍ وأوّلُ مَن غُصبَ حقّه...) (2) .

____________________

(1) من زيارة للحسين (عليه السلام) مفاتيح الجنان: 423.

(2) مفاتيح الجنان: 353 - الزيارة الخامسة لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).

٢١١

-(أشهدُ أنّك قد أقمتَ الصلاة وآتيتَ الزكاة، وأمرتَ بالمعروف ونهيتَ عن المنكر، ودعوتَ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة، وأشهدُ أنّ الذين سَفكوا دَمك واستحلّوا حُرمتك ملعونون...) (1) .

-(... أشهدُ أنّك ومَن قُتل معك شهداء أحياء عند ربّكم تُرزقون وأشهدُ أنّ قاتلك في النار...) (2) وهي نوع رثاء وندبة.

وقد جمعَ صاحب وسائل الشيعة الشيخ الحرّ العاملي (قدِّس سرّه) في هذا العنوان - وهو زيارتهم أو تعمير قبورهم (عليهم السلام)، أو إقامة المأتم عليهم، أو إنشاد الشعر أو الرثاء، في آخر باب الحجّ، كتاب المزار - ما يربو على أربعين باباً وجُلّها من طُرق معتبرة: كالصحيح، أو الصحيح الأعلى، أو الموثّق، وظاهرها هو الحثّ على زيارتهم (عليهم السلام)، وتعاهد قبورهم وتعميرها، والترغيب في الرثاء وإنشاد الشعر لمصابهم، وأيضاً الأمر بالبكاء على مصائبهم وما جرى عليهم (عليهم السلام).

وينقل صاحب البحار العلاّمة المجلسي (قدِّس سرّه) أيضاً، عن غير المصادر التي ينقل عنها صاحب الوسائل، وقد عقدَ في البحار كتاباً للمزار ج 100.

وعلاوة على ذلك: فإنّ بعض علماء الإماميّة المتقدّمين، مثل: ابن قولويه عقدَ وألّف كتاباً خاصّاً في ذلك، وهو كتاب (كامل الزيارات) وهو يختصّ في هذا الباب، وكذلك صنعَ تلميذُه الشيخ المفيد (رحمه الله)، والشيخ الطوسي (قدِّس سرّه) في مصباح المتهجّد.

وأمّا ابن طاووس فقد أكثرَ في هذا الباب العشرات من الكتب نقلاً عن المئات من المصادر التي وصلت إليه، وألّف الشهيد الأوّل كتاباً بعنوان (المزار)،

____________________

(1) مفاتيح الجنان: 426 - مقطع من إحدى زيارات الإمام الحسين (عليه السلام).

(2) مفاتيح الجنان: 427.

٢١٢

كما عقدَ ابن إدريس في السرائر باباً للمزار، ويلاحَظ هذا الطرز من إدخال باب المزار في كتب الفقه ممّا يدلّ على كون ذلك ظاهرة منتشرة في كتب الفقهاء في الصدر الأوّل، بدءاً بالمُقنع، والهداية للصدوق، ورسالة أبيه الشيخ ابن بابويه(1) ، والمفيد في المقنعة إلى حوالي القرآن السابع والثامن الهجري وهناك متناثرات عديدة في ذلك.

فالمستقرئ في كتب الشيعة يرى أنّ هناك مصادر عديدة تحتوي هذه العناوين المتنوّعة، من: الزيارة، وتعهّد القبور، والرثاء في الشعر والنثر، وثواب البكاء وما شابه ذلك.

إذاً، بهذا المقدار نستطيع القول بأنّ الأدلّة في باب إحياء الشعائر الحسينيّة تنقسم إلى طوائف مختلفة، وإنّ ألسِنَتها عديدة.

فتحصّل في الجهة الثانية: أنّ لدينا أدلّة شرعيّة متعدّدة، سواء في باب الولاية، أو التولّي والتبرّي من أعدائهم، أو الصنف الثالث المتعلِّق بإحياء أمرهم، أو الرابع المرتبط بزيارتهم ورثائهم والبكاء عليهم، وتعاهد قبورهم وإعمارها، ممّا يُثبّت وجودها الأدلّة الشرعيّة الخاصّة والعامّة الدالّة على باب الشعائر الحسينيّة.

____________________

(1) أكثر الرسالة متناثرة في كتاب (مَن لا يحضره الفقيه) ومطابقة لأكثر ما في الفقه الرضوي.

٢١٣

٢١٤

الجهةُ الثالثة: أقسامُ الشَعائِر الحُسينيّة

٢١٥

٢١٦

تنقسم الشعائر الحسينيّة إلى: الخطابة - الشعر (حول واقعة كربلاء)، الكتاب (كتب التأريخ) - والعزاء بأقسامه: البكاء، اللطم، الضرب بالسلاسل، التطبير، المواكب، المشاعل، التشبيه، وغيرها من أقسام الشعائر الحسينيّة، ونحاول أن نذكر النقض والإبرام في أكثر تلك الأقسام، وكذلك نتعرّض لأجوبة بعض التساؤلات التي تُثار حول الشعائر الحسينيّة.

ولابدّ بادئ ذي بدء في هذه الجهة أن نتعرّض إلى الرواية في الشعائر الحسينيّة، أي رواية الخطيب عن أحداث النهضة الحسينيّة، أو رواية الشاعر في شعره، أو رواية الكاتب في نثره؛ لأنّ هناك لغطاً كثيراً وخَبطاً كبيراً في الضابطة والمِلاك في هذا البحث، هل هو الميزان التأليفي أم الميزان الفقهي، أم أنّه ميزان الرواية القصصيّة، ما هي الضابطة؟!

ولا بدّ من أن نعقد لذلك بحثاً مفصّلاً في البداية إن شاء الله.

وعند استعراض الأدلّة الخاصّة أو العامّة الواردة في الشعائر الحسينيّة ومصادرها ومظانّها بحسب تحليل الشعائر الحسينيّة، فقد مرّ بنا تكثّر العناوين الواردة فيها؛ ولأنّ كلّ شعيرة هي علامة ومعلَم لمعنى من الأحكام الدينيّة، ومن

٢١٧

ثُمَّ تتبّع تلك الشعيرة دليل ذلك المعنى والحكم الديني، فنستنتج أنّ الشعائر الحسينيّة لا تنحصر بعدد محدود.

فمن تقسيمات الشعائر الحسينيّة:

الخطابة، الشِعر، الكتابة، الرثاء، التمثيل (التشبيه، المسرح، الفيلم)، العزاء بأقسامه من: اللطم، وضرب السلاسل، والتطبير، والمواكب المختلفة، فأشكال وصور العزاء الحسيني كثيرة جدّاً، وكلّ منها يختصّ بأبحاث ربّما تختلف عن العناوين الأخرى، فلا بدّ من إيقاع بحث لكلٍّ منها على حِدة، وعلى الرغم من أنّ هناك أبحاثاً مشتركة بينها.

وهذه التقسيمات في هذه الجهة لا تقتصر على ما ذكرنا، بل تشمل كذلك صور ونواحي الإعلام في الشعائر الحسينيّة مثل: لبس السواد - وهو الزي الخاص المعبِّر عن الحِداد والحزن - واستخدام الرايات والأعلام في الحسينيّات والمواكب والشوارع العامّة.

إذاً، أقسام الشعائر تتّسع إلى كلّ ما هو مرسوم أو متّخذ، وما يُستحدَث وما يُستجدّ من صور وأشكال لإبراز الحُزن والتفجّع، وإظهار التأسّف والتأسّي والمواساة لأهل البيت (عليهم السلام)، فالتقسيم غير محصور طبقاً لعموم قاعدة الشعائر الدينيّة الشاملة للمصاديق المستجدّة، لا سيّما في دلالة نفس الأدلّة الخاصّة، فلا تنحصر بمصاديق معيّنة كي يطالب الباحث بدليل خاص حول هذا النوع الخاصّ من الشعيرة، أو تلك الشعيرة التي لم تكن في زمن الأئمّة (عليهم السلام)، وهذا ما ذكرناه سابقاً في البحث عن الجهات العامّة في قاعدة الشعائر الدينيّة، ومع ذلك سنبحث

٢١٨

عن بعض الأدلّة الواردة في الشعائر الحسينيّة، وإنّها لا تنحصر في المصاديق المعهودة في زمنهم (عليهم السلام)، بل تكون شاملة للمصاديق المستجدّة والمستحدَثة كذلك.

فالتقسيمات غير منحصرة، بل متّسعة بمقتضى ما حُرِّر في الجهات العامّة في قاعدة الشعائر الدينيّة، وبمقتضى ما سيتبيّن بالخصوص لبعض الأدلّة الخاصّة المتعرّضة للشعائر الحسينيّة.

٢١٩

٢٢٠