الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد0%

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 440

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 440
المشاهدات: 124805
تحميل: 5741

توضيحات:

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124805 / تحميل: 5741
الحجم الحجم الحجم
الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الجهةُ الرابعة: الروايةُ في الشَعائر الحُسينيّة

٢٢١

٢٢٢

حُكم الرواية لواقعة كربلاء، سواء في الشعر، أو النثر - الكتابة -، أو الخطابة وتصوير مسرح الأحداث التي واجهها الإمام (عليه السلام)، وعرض الخطوات التي أقدمَ عليها (عليه السلام)، وملابسات الظروف التي حفّت آنذاك به وبأصحابه، وما صدر من أعدائه من قساوة وتحدٍّ لله ولرسوله ولأهل بيته (عليهم السلام).

ما هو الميزان في بحث الرواية في واقعة عاشوراء، أو في الشعائر الحسينيّة، هل الرواية هي رواية تاريخيّة؟ أم هي رواية شرعيّة؟ وإذا كانت شرعيّة، فهل هي في باب الفروع والأحكام الفرعيّة؟ أو هي رواية في باب العقائد؟ لابدّ من معرفة كيفيّة بحث الرواية في واقعة كربلاء، والشعائر الحسينيّة بأقسامها المتنوّعة.

وحيث إنّ الرواية مادّة متكرّرة في كثير من أقسام الشعائر الحسينيّة، سواء في الشعر، أو النثر، أو الخطابة، أو مواكب العزاء وما شابه ذلك، فلا بدّ من الوقوف عندها ومعرفة ضوابطها.

وقد كثُر الكلام في ذلك، فكلٌّ يعطي ضابطة تروق له ويُفنّد غيرها، فلابدّ من البحث عن ضابطة معيّنة صحيحة.

ففي هذه الجهة الرابعة مقامان:

٢٢٣

المقامُ الأوّل: في ضابطة الرواية في الشعائر الحسينيّة.

المقامُ الثاني: كيفيّة استخلاص المفاد من الرواية في واقعة كربلاء والشعائر الحسينيّة، أي منهج الاستظهار والاستنباط والتحليل، وإنّ أداة التحليل في مفاد الروايات الواردة على أيّ نمط كانت في المقام الأوّل؟

أمّا المقام الأوّل

فالرواية لواقعة كربلاء، هل هي رواية تاريخيّة، أم قصصيّة، أم رواية في باب الفروع، أم هي رواية في باب العقائد؟

نرى بعض من الباحثين والمحقّقين يتشدّد في قصّ الرواية عن واقعة كربلاء والبحث عنها، مثلما يتشدّد في الرواية التي يعتمد عليها في استنباط الحكم الفقهي، فلذا يتعامل مع رواية الواقعة بدقّة علميّة بالغة، ويؤكّد على ضرورة أن تكون الرواية مُسندة وصحيحة، وإنّها لابدّ أن تكون من كتاب معتبر، وغير ذلك من الضوابط والشروط.

وبعض آخر يتشدّد أكثر من ذلك، حيث إنّ واقعة كربلاء بتفاصيلها وجزئيّاتها والعِبر التي فيها هي قضايا عقائديّة، فينبغي - في رأيه - التشدّد أكثر، وسبر الرواية فيها بدرجة أشد.

وربّما ترى البعض يمارس الرواية القصصيّة في هذا المجال.

وقد يكون سرد الواقعة يأخذ طابع الرواية القصصيّة، كما يصدر هذا النوع غالباً من القائمين على إحياء الشعائر مباشرة، هناك مَن يعرضها على غرار الرواية التاريخيّة المطلقة.

٢٢٤

وكما أنّ عدم الإسهام في الشعائر الحسينيّة جنبة سلبيّة، فإنّ عدم التقيّد في الشعائر الحسينيّة بالمصادر والمراجع لا يقلّ سلبيّة عن عدم المساهمة، فعدم التقيّد في كيفيّة النقل في الرواية لتطبيق مضمونها في الصور المختلفة بالاستعانة بالرواية في واقعة كربلاء، وعدم التقيّد بما هو منضبط وصادق وصحيح وله مدرك ودليل، فيه من الضرر للشعائر الحسينيّة ممّا قد يكون بنسبة الضرر ممّن يتهجّم على الشعائر الحسينيّة ولا يساهم فيها، مثل هذا الناقل غير المتقيّد لن يؤثّر عمله إلاّ تأثيراً مضادّاً، ولن يكون دوره في السلبيّة أقل من المُعارض للشعائر أو غير المساهم فيها.

والسرّ في ذلك: أنّ الشعائر الدينيّة المرتبطة بواقعة كربلاء؛ إنّما تمثّل شعيرة عامّة في الدين وليس شعيرة خاصّة، وإنّ من أهمّ وجوه نهضته (عليه السلام) هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - كما ذكرنا سابقاً - وقلنا: إنّ المعروف يشمل التوحيد وأصول الدين وفروعه؛ لأنّ كلّ ذلك معروف يجب الأمر به.

وذكرنا أنّ المنكر يشمل الشرك والكفر إلى آخر المنكرات الفرعيّة في باب السياسة والاقتصاد - الظلم المالي والقضائي -؛ لأنّ كلّ ذلك من المنكر.

فإذا كان باب الشعائر الحسينيّة وعنوان نهضته (عليه السلام) قد صرّح بها في قوله (عليه السلام):(إنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) (1) ، وإحياء هذه الفريضة العظيمة هو المحافظة على الدين، كما في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(حُسين منّي وأنا من حسين) (2) فلذلك يقال:

____________________

(1) بحار الأنوار 44: 329 / ح 2.

(2) المعجم الكبير (الطبراني): 3: 33؛ الإرشاد (الشيخ المفيد) 2: 127؛ موارد الظمآن

٢٢٥

(الإسلام محمّديّ الوجود، حسينيّ البقاء) وبدون الشعائر تنهدم الفرائض ويضمحلّ الدين وينحسر الهدى، وبها تقوى أركان الشريعة، من التوحيد - الذي هو أوّل فريضة - إلى آخر الفرائض التي لا يمكن أن تُقام بدون تلك الشعائر.

إذاً، نفس الشعائر الحسينيّة فريضة مقدّسة ومهمّة عظيمة، وعَظمتها مترشّحة من عَظمة الدين وعظمة الولاية، وكما ذكرنا فإنّ الشعائر الحسينيّة في تحليلها الماهوي هي علامة ورمز للإمامة ولمسيرة الإمامة الإلهيّة، تمييزاً لها عن الخلافة البشريّة المنحرفة، فلا يمكن التفريط والتهاون بالشعائر الحسينيّة، بل لابدّ من التحفّظ والاهتمام والإقامة؛ لأنّ المفروض أنّ واقعة كربلاء ونهضة الحسين (عليه السلام) وفعل المعصوم - سيّما أنّ الأئمّة قد أبرزوا ذلك في الحسين (عليه السلام) باعتباره قدوة الأحرار وسيّد الأُباة - هي شعار ومنار لمعانٍ سامية وأهداف خالدة، وهي شعار الصدق، وشعار الحقيقة، وشعار الإباء والهُدى.

مبالغةُ الجهد علميّاً وعمليّاً

لابدّ - إذاً - للمُشارك والمساهم في الشعائر الحسينيّة من المبالغة في بذل الجهد العلمي والعملي؛ لأنّ وفرة الجهود العلميّة تحول دون الاندراس الوثائقي لهذه الحقيقة الدينيّة التاريخيّة العظمى، لا سيّما مع تطاول القرون والعصور.

____________________

(الهيثمي): 554؛ تاريخ مدينة دمشق 14: 149؛ تهذيب الكمال (المزي) 6: 402؛ تهذيب التهذيب (ابن حجر) 2: 299؛ البداية والنهاية (ابن كثير) 8: 224؛ ينابيع المودّة (القندوزي) 2: 38.

٢٢٦

لابدّ إذاً من المواظبة على حفظ الموازين الشرعيّة والتوصيات العامّة فيها، ومنها: حفظ الأخلاق والآداب والالتزام الديني، لاجتناب ضياع وخسران الأهداف التي جعلت الشعائر من أجلها.

ولنتعرّض إلى ضوابط هذه الاتجاهات في الرواية، ما هي ضابطة الرواية التاريخيّة؟ والقصصيّة؟ والتي هي في باب الفروع؟ أو في باب العقائد؟

الرواية التاريخيّة

ضابطتها: أن تكون مذكورة في مصدر تاريخي يُعتمد عليه بين فئة معيّنة أو فئات معيّنة، بحيث لم يظهر من صاحبه تدليس أو إخفاء أو تغيير للحقائق، وقد أصبح كتابه متداولاً مُعتمداً عليه في الرواية التاريخيّة، المقصود أن يكون مصدراً من المصادر في البحث التاريخي.

والكتب التاريخيّة الغالب فيها عدم ذِكر السند أصلاً، وفي علم التاريخ والرواية التاريخيّة كلّما كان المصدر أقدم كان أثبت وأقوى، لا بمعنى أنّ الكتاب التاريخي الذي كُتب في القرن التاسع لا يُعتمد عليه، أو ما كُتب في القرن الثالث عشر لا يُعتمد.

بل يبقى مصدراً تاريخيّاً، غاية الأمر، أنّ المصادر التاريخيّة كلّما كانت أقدم كانت أثبت، والضابطة في علم التاريخ وفي البحث التاريخي هي: أنّ المؤرِّخ أو الباحث التاريخي لا يعتمد على نقل تاريخي كشيءٍ مُسلّم، ولا يُفنِّده لعدم ذِكر سنده، وغالباً يكون ذِكر السند في كتب السيَر، مثل: سيرة ابن إسحاق وغيرها.

غاية الأمر أنّ الضابطة عند التاريخي، أنّه حينما يريد أن يرسم في مقام

٢٢٧

الكشف والتنقيب عن واقعة تاريخيّة، يحاول أن يُحصّل ما يرسم هذه الواقعة بكلّ أطرافها وزواياها وأبعادها بتوسّط الفحص المتاخم للاطمئنان والوثوق، ومن ثُمّ يستفيد من لفتات ونقولات تاريخيّة مختلفة تُعتبر بمثابة القرائن، ولها أساليب وفنون عديدة في علم التاريخ، مثل: كيفيّة تحصيل القرائن، ومطابقة الأحداث بعضها مع البعض الآخر، وملاحظة التواريخ، والوفيات، وأدلّة الوقائع الهامّة، والطبقات.

حتّى أنّ علم الرجال يُعدّ شعبة من شعب علم التاريخ، أو قل: إنّ علم التاريخ يساهم مساهمة كبيرة جدّاً في علم الرجال، ولذلك فهناك مشابهة قريبة الصلة بين علم التاريخ وعلم الرجال.

إذاً، الباحث التاريخي دأبهُ هو تصيّد واقتناص الروايات والقرائن والقصاصات واللقطات المختلفة، حتّى يُرتّب ويشكّل ويرسم الصورة الخاصّة للواقعة التاريخيّة، فإذا كان في رواية الشعائر الحسينيّة من حيثيّة البحث والرواية التاريخيّة، فمن الخطأ أن يفنِّد السامع الرواية التاريخيّة ويواجهها بالإنكار بذريعة عدم وجود مستند لتلك الرواية؛ لأنّ الرواية التاريخيّة لا يُقتصر فيها على المسانيد، بل المفروض فيها المصدر المعتمَد المتقادم عهداً.

وكذلك الأمر في الاعتراض على المصدر بأنّه متأخّر زماناً، إذ الرواية التاريخيّة لا تُردّ إذا كان المصدر متأخّراً، غاية الأمر أنّ المصدر المتأخّر بنفسه لا يُعتمد عليه منفرداً بنفسه، بل يكون كقرينة محتملة لابدّ أن تنضمّ إليها قرائن أخرى، فكون هذا الكتاب أو المقتل متأخّراً - في القرن العاشر مثلاً - لا يكون سبباً لطرحه، وإن كان موجباً لضعف الدرجة الاحتماليّة للاعتبار، المهمّ أنّه ناقلٌ

٢٢٨

للكتاب أو للرواية التاريخيّة، وإن لم يُكتب فيه السند، وباب الرواية التاريخيّة لا يُطلب فيها ما يُطلب في باب الأحكام الفرعيّة.

وفي هذا بحث مبسوط، لكنّنا نذكره بشكل مختصر فقط.

فضابطة الرواية التاريخيّة أنّها تعتمد على الكتب التاريخيّة المتداولة ولو كانت متأخّرة.

غايةُ الأمر أنّ الكتب المتقدّمة أكثر اعتماداً، وإنّ الباحث التاريخي يستنفذ جهده ووُسعه في تحصيل القُصاصات والقرائن والشواهد إلى أن ترتسم له حقيقة الحال، بحيث يوقِفك - أيّها القارئ - من مجموع تلك القرائن والشواهد على الصورة الحقيقيّة لهذه الواقعة التاريخيّة.

وهذا المنهج - وهو منهج تحصيل الاطمئنان - هو المتّبع في العديد من العلوم، مثل: علم الرجال؛ فإنّ عُمدة مسلك علماء الرجال في المفردات الرجاليّة(1) في التوثيق والتضعيف، هو: أن يقفوا على حقيقة المفردة بغضّ النظر عن أقوال التوثيق وأقوال التضعيف، وبغضّ النظر عمّا قيل فيها من جُرح وتعديل؛ وإنّما يُعتدّ بالجرح والتعديل كقرائن لا كمصادر منحصرة، وبالدرجة التي يحصل عندها الاطمئنان.

وهناك عدّة مناهج رجاليّة في هذا الباب، عُمدتها منهج التحليل والجمع لأكبر عدد من الشواهد والدلالات لتحصيل الاطمئنان برؤية معيّنة، وهذا هو نفس المنهج التاريخي، وهو أن يصل الباحث إلى واقع حقيقة المفردة ودرجتها العلميّة ودرجتها الاجتماعيّة، ويعرف متى استقامت، ومتى انحرفت، وأيّ درجة من الانحراف فيها؟ إلى أن يصل إلى واقع الحال، وهذا من دأب ومنحى المنهج التاريخي.

____________________

(1) هم رواة سلسلة أسناد الأحاديث، فكلّ راوٍ يُطلق عليه مفردة رجاليّة، أو عنوان رجالي.

٢٢٩

ضابطةُ الرواية القصصيّة

وقد تسمّى بالرواية التمثيليّة أو الرواية التخييليّة.

هذه الرواية القصصيّة هي - على عكس الرواية التاريخيّة - ليست في مقام الإخبار بالجملة، أو قُل ليست في مقام الإخبار للمدلول المطابقي، لكنّها في مقام الإخبار للمدلول الالتزامي، نظير باب الكناية والتعريض، بل هي متقوِّمة بحيثيّة عدم الإخبار؛ وإنّما تقتصر على إنشاء تخيّل وتصوّر لمعانٍ تخيّليّة، ولها أقسام وفنون متعدّدة مذكورة في الأدب القصصي، وهو مختصّ بالعلوم الأدبيّة، أو بعلوم الفنون التشكيليّة.

وهذه الرواية موجودة حتّى في علوم الحوزة الدينيّة، مثل: علم البلاغة الذي يشمل البيان والمعاني والبديع.

مثلاً ترى القصّة التي كتبها القَصَصي لا وجود لها بتاتاً، وإنّه ليس بصدد تأليف هذه القصّة في مقام الإخبار، بل الهدف المرجوّ من كتابة هذه القصّة لأجل التوصّل إلى معنى آخر، مثلاً من خلال القصّة يحاول بيان معنى العدالة، أو يسعى لتوضيح معنى سوء الخلق، أو بذاءة الفاحشة، أو لذّة الروحانيّات والعبادات والأُنس بها، وهلمّ جرّاً.

فهناك فارق بين الرواية التاريخيّة والرواية القصَصيّة، المنوال القصصي والحبكة القصَصيّة الغرض منه الحكاية عن معنى آخر، وذلك المعنى الآخر هو المعنى الالتزامي، فإن كان المعنى صادقاً يقال بأنّ هذا الراوي القصصي صادق، وإن كان ذاك المعنى كاذباً أو قبيحاً، يقال إنّ هذا الرواي القصصي مُدلّس أو

٢٣٠

متحلّل أو منحرف وليس له هدف تربوي نبيل، وإنّ إخباره كاذب، إذ من المسلّم قُبح الخيانة (مثلاً)، فحينئذٍ إذا أردنا معرفة هدف الراوي القصصي في قصّته، وإنّ روايته القصصيّة كاذبة أو صادقة، وما هو موطن الموافقة وعدم الموافقة للواقع؛ فإنّ موطن المطابقة - أي اللازم مطابقته للواقع والحقيقة - هو المعنى الالتزامي للمغزى، وموطن اللامطابقة - أي غير اللازم مطابقته - هو نفس المدلول المطابقي للرواية القصصيّة، كما هو الحال في الكناية مثل: (زيد كثير الرماد).

هذه الرواية القصصيّة - بعد العلم بضابطتها - تقع على أقسام:

1 - تارةً نفس الأشخاص الذين تُذكر حولهم الرواية القصصيّة هم أشخاص موهومون، وبعبارةٍ أخرى: أنّ كلّ الرواية القصصيّة هي خياليّة، ولكنّ معناها ومغزاها حقيقي، وقد يكون صادقاً وقد يكون كاذباً.

2 - وقسمٌ آخر: الأشخاص فيه حقيقيّون، لكنّ النسبة في الروايات القصصيّة ليست نسبة حقيقيّة، بل نسبة قصصيّة، من أمثلة ذلك: شِعرُ دعبل الخزاعي في قصيدته المشهورة:

أفاطم لو خِلت الحسين مُجدّلاً = وقد ماتَ عطشاناً بشطّ فُرات(1)

فهو لم يحضر ولم يشهد الواقعة، لكنّه يرسم رَسماً تصويريّاً، فالزهراء (عليها السلام) ليست شخصاً تخيّلياً؛ وإنّما هي حقيقة، والحسين (عليه السلام) أيضاً طرَف في هذه الصورة، لكنّ هذا التجسيم والتمثيل شِعريّ وإن كان قَصصيّاً - ليس بالتاريخ - فإنّه يريد أن يُبيّن بواسطته معنىً معيّناً، وهو: عُظم الفاجعة، وشدّة المصيبة، وفداحة المصاب.

____________________

(1) تقرأها كاملة في بحار الأنوار 49: 247.

٢٣١

فالرواية القصصيّة تارةً يكون المحمول فقط فيها قصصيّاً فرضيّاً في القضيّة، وتارةً يكون كِلا الموضوع والمحمول معاً قَصصيّاً تخيّليّاً.

ولا حظر ولا منعَ من كون الرواية القصصيّة تضمّ طرفاً حقيقيّاً وطرفاً تخيّليّاً، ولا يستلزم ذلك الكذب والتدليس، ولا ضرورة ولا لزوم أن تكون كلّ رواية قصَصيّة مجموعها حقيقي.

هذا الخلط قد وقعَ عند البعض، وهذا هو معنى لسان الحال الذي يُعبّر عنه الخطباء والشعراء، والذي له طرف حقيقي وطرف قصصي، والطرف القصصي ليس بخرافة، وأمّا الذي يُسمّي ذلك خرافة فهو لا يفهم معنى الرواية القصصيّة.

ولا يتعاطى أهل الفن الرواية القصصيّة - في الأصل - للإخبار عن الواقع بنفس المدلول المطابقي؛ وإنّما لأجل الإخبار عن الواقع بالمدلول الالتزامي.

فالقول المزبور يدلّ على عدم فهم معنى الرواية القصصيّة، نعم، يجب على الراوي في الرواية القصَصيّة أن ينصب قرينة، ليس قرينة بلسان الحال، بل قرينة واضحة، مثل: بيت الشِعر الذي ذكرناه قبل قليل لدعبل الخزاعي (أفاطم لو)، فكلمة (لو) هي القرينة على أنّه ليس إخباراً عن الواقع بنفس المدلول المطابقي.

كذلك الفيلم، كون اسمه (فيلم) يعني رواية قصصيّة، والمسرحيّة أيضاً كذلك، إذاً لابدّ أن ينصب الراوي القصصي قرينة معيّنة كي يميّزها عن الرواية الخبريّة البَحتة.

فقد يرسم الكاتب، أو الخطيب، أو الشاعر، أو الرادود، أو الراثي صورة قصَصيّة مُفجعة جدّاً عن واقعة كربلاء دون أن يكون في مقام الإخبار، ويُبيّن أنّها ليست

٢٣٢

في مقام الإخبار بقرينة معيّنة، إمّا لفظيّة أو حاليّة، كي يصوِّر شدّة المصاب أو شدّة الخَطب الذي مرّ على سيّد الشهداء (عليه السلام)، أو قوّة الإباء عنده (عليه السلام)، أو تصلّبه (عليه السلام) في ذات الله.

والعَجب، أنّ البعض ممّن كتبَ في المقاتل، أو في الكتب التاريخيّة يُفنّد تفنيداً شديداً هذا الباب، مع العلم بأنّ هذا الباب لا يمكن إغلاقه وإلغاؤه عن مسرح الشعائر، ولا حتّى عن الحياة الاجتماعيّة والثقافيّة اليوميّة، ففي الحضارات المختلفة للبشر هناك كثير من المعاني يمكن أن تصل إلى المجتمع ويُربّى عليها بتوسط دوالّ وعلامات أخرى؛ لأنّ المفروض أنّ المدلول الالتزامي القصَصي أو المغزى هو معنى حقيقي صادق.

فالكلام في الجهة الرابعة من الشعائر الحسينيّة في خصوص الرواية وأقسامها: التاريخيّة، والقصصيّة، والشرعيّة، الفرعيّة، والعقائديّة في واقعة عاشوراء.

ومرّ بنا خصائص قانون الرواية التاريخيّة، وكذلك قانون الرواية القصَصيّة.

الروايةُ الشرعيّة

أمّا الرواية الشرعية - أي التي يُعتمد عليها في استنباط الأحكام الفرعيّة - فضابطتها هي:

تحرّي الكتب المعتمدة بين الطائفة، والبعيدة عن شبهة الدسّ والتدليس، وبحمد الله فإنّ كُتب الطائفة مسطورة ومنتشرة ومعروفة، وهي على درجات في شدّة الاعتبار وتوسّط الاعتبار.

٢٣٣

ثُمّ لابدّ أن تَعتمد هذه الرواية الشرعيّة نفس الموازين المأخوذة والمُتّبعة في الفروع، فتجري عليها موازين الاعتبار والحجّيّة للرواية، فإمّا أن تكون صحيحة، أو موثّقة، أو حَسنة(1) .

على كلّ حال فمناط حجّيّة الخبر في الفروع مختلفة حسب الأقوال، وأمّا الخبر الضعيف إذا استُخرج من كتابٍ معتبر فلا يُهمل ولا يُطرح جانباً، بل على الأقلّ يُتّخذ كقرينة تعضد بقيّة الروايات، أو يُشكّل رقماً إضافيّاً لتحقّق التواتر، حيث إنّ الخبر المتواتر يَعتمد على قاعدة رياضيّة برهانيّة في تولّد القَطع، وهو تصاعد الاحتمالات نفياً أو إيجاباً إلى أن نصل إلى درجة القطع، فقد يُعتبر هذا الخبر مادّة للتواتر أو مادّة للاستفاضة، أو مادّة لاعتبار وثوق الخبر، فلا يمكن طرح الخبر الضعيف من رأس، وهذا مُحرّر أيضاً في علم الدراية.

عدمُ جواز ردّ الخبر الضعيف

وللخبر الضعيف أحكام تختلف عن أحكام الخبر المعتبر، لا أنّه ليس له أيّ حكم أبداً، وأحد أحكام الخبر الضعيف حرمة ردّه ما لم يَذدك عنه دليل قطعي لدلالة قطعيّة قرآنيّة، أو سُنّة قطعيّة، يعني إذا لم يتعارض مع الدلالة القطعيّة للكتاب والسُنّة، وحرمة ردّ الخبر الضعيف قاعدة مُسلّمة عند الأصوليّين والإخباريين، وحرمة الردّ غير حجّيّة الخبر.

____________________

(1) مشهور الفقهاء على أنّ الرواية الحسنة يُعتدّ بها، وإن كانت في درجة الاعتبار عندهم دون الخبر الموثّق، أو الخبر الصحيح، والخبر الحَسن عند مشهور الفقهاء يُعتمد عليه عند عدم تعارضه بما هو أقوى منه.

٢٣٤

الكثيرُ يختلط عليه الأمر بين حجّيّة الخبر وحرمة الردّ، حرمة الردّ تتناول حتى الخبر الضعيف، وقد عقدَ صاحب الوسائل في أبواب كيفيّة القضاء، أو كيفيّة حكم القاضي باباً يذكر فيه تلك الروايات الدالّة على هذه القاعدة المسلَّمة.

والخبر الضعيف - في علم الدراية والحديث - يختلف عن الخبر الموضوع والمدسوس والمجعول، وتلك الأخبار تشمل الخبر الذي عُلم وَضعه يسمّى ذلك الخبر مدسوساً أو مجعولاً أو موضوعاً، أمّا الذي لم تتوفّر فيه شرائط الحجّيّة، فلا يقال إنّه مدسوس أو موضوع، لا سيّما بعد عمليّة الغَربلة والتنقية والتنقيح التي قامت بها طبقات عديدة من محدّثي الشيعة ورواتهم.

فالخبر الضعيف له أحكام إلزاميّة، وقد وردَ بيان لهذه القاعدة في بعض الروايات بألسِنة مختلفة، منها: أنّ ردّ الخبر بمنزلة الردّ على الله سبحانه من فوق عرشه، أو بعبارة:(رُدّوه إلينا) وغيرها(1) .

وهناك نكتة لها علاقة ببحث الرواية وهي: أنّ الواقعة - واقعة كربلاء، واقعة عاشوراء - قد أحتفّ بها قبل وبعد وقوعها حوادث ومواقف ذات أهميّة بالغة، تظافرت الدواعي والجهود لرصدها ونقلها، مضافاً إلى التقدير الإلهي لبقاء ذكرها وخلود سيرتها إلى يوم القيامة، والسرّ في ذلك: هو أهميّتها في مسار الدين ومسار المسلمين، ولذلك تضافرت الدواعي والجهود لنقلها، حتّى أنّه قد ذَكر غير واحد من العامّة - فضلاً عن الخاصّة - أنّه لم تُرصد واقعة تاريخيّة من حيث التفاصيل

____________________

(1) الكافي 2: 222، حيث وردَ في هذا الحديث(... ولا تبثّوا سرّنا ولا تُذيعوا أمرنا، وإذا جاءكم عنّا حديث فوجَدتم عليه شاهداً أو شاهدَين من كتاب الله فخذوا به، وإلاّ فقفوا عنده، ثُمّ ردّوه إلينا حتّى يستبينَ لكم) .

٢٣٥

والأحداث والجهات الأخرى كما رُصدت واقعة كربلاء.

فمع وجود هذه المادّة الوفيرة والكثيرة، لا ينبغي لأحد أن يترك الضبط، غاية الأمر لابدّ من اتّباع الموازين كما سيتبيّن.

مثلاً عقدَ ابن عساكر في تاريخ دمشق باباً خاصّاً في تاريخ الحسين (عليه السلام)، وما جرى عليه من أحداث حتّى شهادته (عليه السلام)، ونَقل بطرق عديدة، وهو حافظ من الحفّاظ الكبار عند العامّة، وذكرَ من مصادر عديدة أنّ السماء بكت دماً، وإنّه ما قُلب حجر يوم عاشوراء بعد مصرع سيّد الشهداء (عليه السلام) إلاّ وكان خلفه دم عبيط، وكذلك الأمر في أرض الشامات وما حولها.

ويذكر ابن عساكر حوادث أخرى في تاريخه، وذكرها غيره أيضاً، ومنهم: الخطيب البغدادي في تاريخه، ومن كُتب العامّة التي تناولت واقعة الطف: مقتل الخوارزمي، وتاريخ الطبري، والكامل لابن الأثير وغيرها من مصادر العامّة.

وقد نُقلت واقعة الطف في كثير من مصادر الشيعة، مثلاً: كتاب أمالي الشيخ الصدوق (قدِّس سرّه) فيه عدّة مجالس، إذا جُمعت تكون مقتل خاص، ويذكرها بأسانيد له تصل إلى المعصومين (عليهم السلام).

هذا بالنسبة لضابطة الرواية في باب الفروع.

الروايةُ في باب العقائد

أمّا الرواية في باب العقائد، فالذي عليه مشهور متكلّمي الشيعة، أنّ العقائد لا تثبت إلاّ بالخبر القطعي، ولا تثبت بالخبر الظنّي.

أمّا مشهور المُحدّثين، فقد ذهبوا إلى أنّ العقائد يمكن أن تثبت حتّى بالخبر

٢٣٦

الظنّي المعتدّ به، وأمّا بقيّة فقهاء الشيعة فبعضهم التزمَ بأنّ العقائد لا تثبت إلاّ بالخبر القطعي، وذهب بعضهم إلى التفصيل، فالمعارف الأساسيّة لابدّ من الدليل القطعي في مقام إثباتها، أمّا المعارف غير الأساسيّة وتفاصيل وفروع المعارف، مثل: كيفيّة نشأة البرزخ، وكيفيّة نشأة القيامة وتفاصيلها التي لا يصل إليها العقل، ونشأة الجنّة وتفاصيلها فيمكن إثباتها بالأخبار الظنّيّة.

وقد ذكرَ هذه الأقوال الشيخ الأنصاري في بحث الانسداد، وذهبَ إلى التفصيل: الشيخ الطوسي، والمحقّق الطوسي (الخواجة نصير الدين الطوسي)، والمقدّس الأردبيلي، والميرزا القمّي (صاحب القوانين)، والشيخ البهائي، والعلاّمة المجلسي، والتزموا بإمكان ثبوت تفاصيل المعارف والعقائد بالأخبار الظنّية اعتماداً على الدليل المعتبر الظنّي.

ومن المتأخّرين في عصرنا ممّن اختار هذا القول: السيّد الخوئي (قدِّس سرّه) في كتاب مصباح الأصول، ضمن بحث (حجيّة الظن في الأصول الاعتقاديّة)(1) ، وأستاذه المرحوم المحقّق الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (قدِّس سرّه) في شرحه على الكفاية في باب الانسداد، حيث قرّر إمكان الاعتماد على الدليل الظنّي المعتبر في تفاصيل العقائد.

وقد يظهر من آثار وتقريرات المرحوم أقا ضياء العراقي الميل إلى ذلك.

فإذا تشكّل من الخبر الواحد درجة من الاطمئنان أو التواتر أو الاستفاضة، فيمكن إثبات العقائد به.

وإن لم يتشكّل منه التواتر أو الاستفاضة، فإن كان الخبر الواحد معتبراً، فهناك ثلّة من علماء الإماميّة قديماً وحديثاً ذهبوا إلى إمكان إثبات فروع

____________________

(1) راجع مصباح الأصول 2: 238.

٢٣٧

وتفاصيل العقائد بالخبر الظنّي المعتبر، وإلاّ فيمكن جعله قرينة إضافيّة يضمّ إلى قرائن أخرى؛ ليقوى احتمال ثبوت المؤدّى وذلك حسب نظريّة تراكم الاحتمالات.

من باب النموذج في أصول الكافي، رواية معتبرة السند في فضيلة ليلة القدر، عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال:(لقد خلقَ الله جلّ ذكرهُ ليلة القدر، أوّل ما خلقَ الدنيا ولقد خلقَ فيها أوّل نبي يكون، وأوّل وصي يكون، ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المُقبلة، مَن جحدَ ذلك فقدّ ردّ على الله عزّ وجل علمهُ..) (1)، فهذه الرواية تدلّ على لزوم الأخذ بالخبر المعتبر في تفاصيل العقائد، نظير العديد من الروايات في هذا المجال.

كان هذا كلّه في مقام الرواية، أي: الرواية في الواقعة العاشوريّة، الرواية في الشعائر الحسينيّة، وقبل أن نتعرّض إلى المقام الثاني، وهو مقام تمحيص مفاد الرواية في الشعائر الحسينيّة، نستخلص نقطة للمقام الأوّل(2) ، وهي: أنّ الرواية التاريخيّة - في الضابطة التي ذكرناها - هل لها موطن قَدم في الروايات المنقولة عن كربلاء وعن نهضة كربلاء؟ وما حال الرواية فيها، هل هي الرواية القصصيّة؟ أم الرواية في الفروع؟ أم الرواية العقائديّة؟ أم الرواية التاريخيّة؟

قال بعض: لمّا كانت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) هي نهضة معصوم وفعل معصوم، فمن ثَمّ يجب أن تخضع الرواية التي ينقلها الخطيب أو الشاعر أو الراثي

____________________

(1) أصول الكافي، كتاب الحجّة: باب 41 - 308.

(2) راجع المقام الأول ص: 220 من هذا الكتاب.

٢٣٨

إلى موازين الرواية في الفروع، وإلاّ كانت تقوّلاً على المعصوم (عليه السلام)، وأن يُنسب للمعصوم ما لا نملك دليلاً على نسبته إليه، ولكنّ هذه الدعوى بإطلاقها غير صحيحة، فنحن نُسلّم أنّ نهضة الحسين (عليه السلام) فعل المعصوم، إلاّ أنّ تاريخ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتاريخ بقيّة الأئمّة (عليهم السلام) أيضاً يخضع للضوابط التاريخيّة.

والهدف من الرواية المنقولة هو: نقل مسرح الأحداث وتفاصيلها التي لا تتّصل بالمواقف الرئيسيّة المتعلّقة بالحكم الشرعي أو العقائدي، أو من جهة أخذ العبرة، كما في باب الآداب الشرعيّة أو العامّة، أو أخذ العبرة في باب الحكمة، أي أنّنا لا نتوقّع من هذه الرواية التاريخيّة أن تُثبّت فرعاً من الفروع أو حكماً من الأحكام - فرعيّاً أو عقائديّاً -؛ وإنّما الهدف لمّا كان حكمه ثابتاً ومقرّراً أن نأخذ العبرة في كيفيّة تطبيقه، ونأخذ العبرة في كيفيّة لزوم التقوى مثلاً، ونأخذ العبرة في ما شابه ذلك من السير والسلوك الأخلاقي، فإذاً هذه هي ضابطة المادّة التاريخيّة والبحث التاريخي، وهو أن لا تُثبّت حكماً فرعيّاً أو عقائديّاً؛ وإنّما الغاية هو أخذ العبرة والموعظة لمَا هو مقرّر وثابت.

وبذلك تثبت ضابطة البحث التاريخي، وهذا هو مجال الرواية التاريخيّة في الواقعة الحسينيّة، وفي نهضة الحسين (عليه السلام وفي عاشوراء - سواء في الرواية، أو في الكتابة، أو الخطابة، أو الشِعر، أو غير ذلك - لا سيّما إذا كان هذا الأمر التاريخي واصلاً على نحو الاستفاضة، بنفس الضوابط التاريخيّة التي مرّ ذكرها.

إذاً، ليس كلّ ما يُسرد رواية في باب أقسام الشعائر الحسينيّة - من الخطابة، والشعر، والنثر، والكتابة - له حيثيّة أحكام فرعيّة أو عقائديّة، بل شطر منه من باب الرواية التاريخيّة والمواعظ والعِبر، وما يقوم به الواعظ أو المرشد لبيان سيرة

٢٣٩

الأئمّة (عليهم السلام)، وآدابهم ومظلوميّتهم ليس في مقام تثبيت حكم شرعي ولا حكم عقائدي؛ وإنّما في مقام تربية السامع ووعظه وإرشاده، فحينئذٍ في مقام المواعظ والنصائح التي تقع في مضانّها لا يُطالب الناقل بالسند المعتبر، ولا يجري توخّي ميزان الرواية في باب الاستنباط والحكم الشرعي، بل ينبغي أن تجري ضابطة النقل التاريخي؛ لأنّ الناقل في مقام العِبرة والموعظة وبيان الحكمة، أو في مقام الإخبار عن مجمل وتفاصيل الحدَث لا مجرياته الأصليّة.

إذاً، مسرح ومجال الرواية التاريخيّة في واقعة عاشوراء ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، هو هذا الجانب، أي جانب العبرة والموعظة والنصيحة والإرشاد والسرد لتفاصيل الحدَث.

وقد ذكرَ أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة - في خطبة غرّاء في قواعد علم التاريخ - هذا المضمون في قوله:(إنّي وإن لم أكن عمّرتُ عُمر مَن كان قبلي، فقد نظرتُ في أعمالهم، وفكّرتُ في أخبارهم، وسرتُ في آثارهم، حتّى عدتُ كأحدهم، بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرتُ مع أوّلهم إلى آخرهم) (1) .

والعِبر والموعظة والمعرفة التفصيليّة لجزئيّات الأحداث، مطلب يغاير باب الاستنباط وتحرير الأحكام الشرعيّة، وهذه هي ضابطة الرواية التاريخيّة في الشعائر الحسينيّة.

أمّا الرواية القصَصيّة - التي ذَكرنا أنّ الخطباء والشعراء والرواديد يتعرّضون لها، أو ما يسمّى بالتمثيل (الشبيه)(2) وغيره، حيث يؤتى بما يعبّر عنه بـ(لسان

____________________

(1) نهج البلاغة، طبعة محمّد عبدة 3: 40.

(2) المسرحيّات الشعبيّة لأحداث الواقعة.

٢٤٠