الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد9%

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 440

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131286 / تحميل: 6175
الحجم الحجم الحجم
الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وسافر منها إلى أصفهان ، وصحب فيه العالم المعروف محمّد البيد آبادي ، وعمَّرَ فيها المدارس المعروفة بمدرسة «الماسية» و «بماركية» و «شاهزادها». وتوفي في سنة ١١٩٠ هـ. ق ودفن في تخت فولاد.

ولده : وهو الميرزا كمال الدين أبو الهدى الكلباسي صاحب كتاب «سماء المقال» ، وهو الآخر من العلماء الكبار ، ولد في إصفهان ، وشرع في تحصيله للعلوم عند والده المصنف ، وبعد وفاة والده انتقل بصحبة أخيه جمال الدين إلى النجف ، فحضر درس المولى محمّد كاظم الخراساني صاحب الكفاية ، والسيّد محمّد كاظم اليزدي صاحب العروة ، حتى بلغ الذروة ، وحصل على درجة الإجتهاد ، وعاد بعدها إلى أصفهان ، واشتغل بالتدريس فيها. وكان له تخصص في الرجال ، وله كتب فيه وفي غيره من العلوم منها كتاب «سماء المقال» و «زلات الأقدام» في بعض الاشتباهات الرجالية ، و «الفوائد الرجالية» ، وله حاشية على الكفاية ، وكتاب في الفقه وغيره. توفي في سنة ١٣٦٥ هـ. ش ، ودفن في مقبرة والده في تخت فولاذ.

زوجته : العابدة الزاهدة بنت المرحوم السيّد زين العابدين ابن الحاج السيّد محمّد باقر حجة الإسلام الشفتي البيدآبادي.

إطراء العلماء له

١ ـ قال الشيخ عباس القمّي في الكنى والألقاب : «أبو المعالي الإصفهاني عالم ، فاضل ، متبحّر ، دقيق ، فكور ، كثير التتبع ، حسن التحرير ، كثير التصنيف ، كثير الاحتياط ، شديد الورع ، كامل النفس ، منقطع إلى العلم والعمل ، له مصنفات في الفقه والأصول والرجال»(١) ، إلى آخر ما قال.

__________________

(١) الكنى والألقاب : ١ : ١٥٩.

٢١

٢ ـ قال السيّد الأمين في أعيان الشيعة : «عالم ، عامل ، فاضل ، متجرد ، دقيق النظر ، كثير التتبع ، حسن التحرير ، كثير التصنيف ، كثير الاحتياط ، شديد الورع ، عالم رباني منقطع إلى العلم ، لا يفتر عن التحصيل ساعة ، لم يكن في عصره أشد انكباباً منه على الاشتغال» ، وذكر له ٦٥ مؤلفاً(١) .

٣ ـ وقال نجله أبو الهدى في وصفه : «إنه شمس سماء العلم والتحقيق ، وبدر فلك الفضل والتدقيق ، سلطان العلماء وتاج همتهم ، وبرهان الفقهاء ونجم أئمتهم ، خاتم المجتهدين وزبدتهم ، وقدوة المحققين وأسوتهم ، فحل الأصوليين وعمادهم ، وقريع الرجاليين وسنادهم ، الزاهد الورع ، العريف العليم ، والحبر البدل الغطريف ، العظمظم العلّامة ، فاق الأفاضل كلهم ، جمعت وأيم الله فيه مناقب.

سيماه ناطقة بنور علومه

فجنا به فلك وهن كواكب

المولع بافتضاض أبكار الأفكار ، والنحرير المتبحر الذي لم يظهر نظيره في الأعصار».

قال ذلك في مطلع رسالة كتبها باسم (البدر التمام في ترجمة الوالد القمقام والجد العلام) ذكر فيها لكل منهما شرحاً واسعاً عن أحوالهما وكراماتهما وقصصهما وغيرهما(٢) .

مشايخه

١ ـ العالم الجليل السيّد حسن المدرس.

٢ ـ السيّد الأمير محمّد بن عبد الصمد الحسيني الشهشهاني.

٣ ـ والأمير محمّد الصادقي.

__________________

(١) أعيان الشيعة : ٢ : ٤٣٣.

(٢) البدر التمام : ٢٥.

٢٢

تلامذته

١ ـ السيّد أبو القاسم بن محمّد باقر الحسيني الدهكردي (١٢٧٢ ـ ١٣٥٣ هـ. ق).

٢ ـ الميرزا كمال الدين أبو الهدى الكلباسي صاحب «سماء المقال» ولد المصنف

٣ ـ الميرزا جمال الدين الكلباسي (١٣٥٠ هـ) ، ولد المصنف.

٤ ـ السيّد حسن بن السيّد مهدي النحوي الموسوي (١٢٨٧ ـ ١٣٦١ هـ).

٥ ـ المولى محمّد حسين بن المولى أسد الله الكرماني الأصفهاني (١٣٣٠ ـ ١٢٤٥ هـ).

٦ ـ الميرزا حسين بن إبراهيم الطباطبائي المدرس الكهنكي (١٢٨٨ ـ ١٣٧٦)

٧ ـ السيّد العلّامة الحاج حسين بن علي الطباطبائي البروجردي (١٢٩٢ ـ ١٣٨٠ هـ).

٨ ـ السيّد شهاب الدين النحوي الموسوي (١٢٦٣ ـ ١٣٤٠ هـ).

٩ ـ السيّد مهدي بن زين العابدين الموسوي الكرماني (١٣١٨ هـ).

مؤلفاته

راجع في ذلك ما سطره قدس سره بقلمه الشريف في خاتمة هذا الكتاب فقد ذكر جلّ مؤلفاته.

٢٣
٢٤

شرح زيارة عاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم

[الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين]

وبعد :

فهذه رسالة في بيان كيفية زيارة عاشوراء على من يزار بها آلاف التحية والثناء وروحي وروح العالمين له الفداء ، ولطالما كنت شائقاً إلى شرح حالها وتفصيل المقال في مجالها إلى أن ساعدني ساعد التوفيق خير رفيق من جانب الربّ الشفيق ،إِلهي ان لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق فمن السالك بي اليك في واضح الطريق؟ (١) ( قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني )(٢) .

فشرعت في الحال في شرح الحال وتفصيل المقال مستعيناً بالله العزيز المتعال ، وباسطاً إليه كفّ السؤال أن يجعله زاد المعاد ووسيلة النوال يوم لا ينفع البنون ولا المال ، إنّه لا تخيب لديه الآمال وإليه المرجع في المبدأ والمآل.

__________________

(١) هذا مقطع من دعاء الصباح المنسوب لأمير المؤمنين عليه السلام.

(٢) طه ٢٠ : ٢٥ ـ ٢٧.

٢٥

في ضبط عاشوراء ومعناها

قال في الصحاح : «ويوم عاشُوراء وعَشُورَاءَ ممدودان»(١) .

وفي القاموس : «والعاشور عاشر المحرم أو تاسعه»(٢) .

وحكى في «المصباح» في مادة تسع الخلاف في أن عاشورا تاسع المحرم أو عاشره ، إلّا أنه جعل المشهور من أقاويل العلماء سلفهم وخلفهم أنها عاشر المحرم(٣) .

وقال في مادة عشر : «وعاشوراء عاشر المحرم ، وفيها لغات المد والقصر وعشوراء بالمد»(٤) .

وقال العلّامة في المنتهى نقلاً : «يوم عاشوراء عاشر المحرم ، وبه قال المسيب والحسن البصري ، وروى عن ابن عباس أنّه التاسع من المحرم ، وليس بمعتمد لما في أحاديثنا من أنه يوم قتل الحسين عليه السلام ، ويوم قتل الحسين يوم العاشر بلا خلاف»(٥) .

__________________

(١) الصحاح : ٣ : ٧٤٧ ، مادّة «عشر».

(٢) القاموس المحيط : ٢ : ١٢٧ ، مادة «عشر».

(٣) المصباح المنير : ٧٥ ، مادّة «تسع».

وهذا نصّ عبارته : «وقوله عليه الصلاة والسلام : لأصومنّ التاسع مذهب ابن عبّاس ، وأخذ به بعض العلماء أنّ المراد بالتاسع يوم عاشوراء فعاشوراء عنده تاسع المحرّم ، والمشهور من أقاويل العلماء سلفهم وخلفهم أنّ عاشوراء عاشر المحرّم ، وتاسوعاء تاسع المحرّم».

(٤) المصباح المنير : ٤١٢ ، مادّة «عشر». وهذا نصّ عبارته : «... وعاشوراء عاشر المحرّم ، وتقدّم في تسع فيها كلام وفيها لغات المد والقصر مع الألف بعد العين ، وعشوراء بالمدّمع حذف الألف.

(٥) منتهى المطلب : ٢ : ٦١١ ، الطبعة القديمة.

٢٦

والعضدي في بحث جواز نسخ التكليف بتكليف أقل منه جعل عاشورا اسماً للعشر(١) ، وهو المحكي عن آخر.

ومقتضى ما رواه الشيخ في التهذيبين(٢) بسنده عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما السلام : «أن علياً عليه السلام قال :صوموا العاشوراء : التاسع والعاشر فإنّه يكفّر ذنوب سنته؟ »(٣) عموم العاشور للتاسع والعاشر من المحرم.

وقد ظهر لك بما سمعت أنّ الظاهر أنّه لا خلاف في كون قتل الحسين سيّد الشهداء روحي وروح العالمين له الفداء في اليوم العاشر من المحرم ، ويأتي الكلام في اختصاص عاشوراء بالعاشر أو التاسع من المحرم ، وعمومها لهما ، بل نقول إن كون يوم القتل هو اليوم العاشر من قبيل الضروريات.

وقد حكى في «المجمع» في مادة عشر : «أن في حديث مناجاة موسى أنّه قال : يا ربّ ، لِمَ فضّلت أُمّة محمّد صلى الله عليه وآله على سائر الأُمم؟

فقال الله تعالى : فضّلتهم بعشر خصال.

قال موسى : وما تلك الخصال التي يعملونها حتّى آمر بني إسرائيل يعملونها؟

قال الله تعالى : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والجمعة والجماعة والقرآن والعلم والعاشوراء.

قال موسى : يا ربّ ، وما العاشورا؟

قال : البكاء والتباكي على سبط محمّد صلى الله عليه وآله ، والمرثية والعزاء على مصيبة ولد المصطفى.

__________________

(١) الظاهر أنّه قال ذلك في شرحه على مختصر الاُصول لابن الحاجب ، والعضدي هو القاضي عبدالرحمن بن أحمد الإيجي (المتوفّى سنة ٧٥٦ هـ).

(٢) مصطلح يُطلق على كتابي الشيخ الطوسي : تهذيب الأحكام والاستبصار.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤: ٢٩٩/١١. الاستبصار : ٢ : ١٢٤/١.

٢٧

يا موسى ، ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزّى على ولد المصطفى صلى الله عليه وآله إلّا وكانت له الجنة ثابتاً فيها ، وما من عبد أنفق من ماله في محبة ابن بنت نبيّه طعاماً وغير ذلك درهماً أو ديناراً إلّا وبارك له في دار الدنيا والدرهم بسبعين [درهماً] وكان معافاً(١) في الجنة وغفرت له ذنوبه.

وعزتي وجلالي ، ما من رجل أو امرأة سال دمع عينيه في يوم عاشوراء وغيره قطرة واحدة إلّا كتبت له أجر مائة شهيد»(٢) .

وأنت خبير بأن تفسير عاشورا بالبكاء والتباكي لا يوافق اللغة ولا العرف وينافي إطلاق يوم عاشوراء في آخر الحديث.

إذا عرفت ما تقدّم فنقول :

رواية ابن قولويه في كامل الزيارات

إنه روى ابن قولويه في كامل الزيارة : عن حكيم بن داود وغيره ، عن محمّد بن موسى [الهمْداني] ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة وصالح بن

__________________

(١) قوله : «وكان معافاً» ـ بالتشديد ـ من عفف بمعنى الكفّ ، كما يقال في العرف : اجعلني معافاً من هذا ، أي مكفوفاً عن استدعائه ، فهي وهذا من باب الحقيقة ، لو كان العفّة بمعنى مطلق الكفّ ، كما هو مقتضى كلام الجوهري ، أو من باب المجاز ، لو كان العفّة بمعنى الكفّ عن الحرام ، كما هو ظاهر القاموس في الحديث : «إنّ الحرام ما حرّم الله ورسوله ، ولكنّهم قد كانوا يعافون شيئاً فنحن نعافها». وربّما استدلّ على أصالة البراءة في الشبهة التحريميّة من الشبهة الحكميّة ، وهو مبنيّ على كون قوله عليه السلام : «يعافون» و «نعافها» من العفو ، لكنّه لا يساعده اللغة ، ويمكن أن يكون من عاف الرجل يعافه من باب تعب عيافة ـ بالكسر ـ أو أكرهه ، ويمكن أن يكون من عفف ، وقد حرّرنا مزيد الكلام في الاُصول. منه عفي عنه.

(٢) مجمع البحرين : مادّة «عشر».

٢٨

عقبة معاً [جميعاً] ، عن علقمة بن محمّد الحضرمي ومحمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن مالك الجهني ، عن أبي جعفر [الباقر عليه السلام] ، قال : «من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء حتى يظلّ عنده باكياً لقى الله عزّ وجلّ يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجّة ، وألفي ألف عمرة ، وألفي ألف غزوة , وثواب كلّ حجّة وعمرة وغزوة كثواب من [حج] واعتمر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع الأئمة الراشدين عليهم السلام.

قال : قلت : جعلت فداك ، فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟

قال : إذا كان ذلك اليوم برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره ، وأومى إليه بالسلام ، واجتهد على قاتله بالدعاء ، وصلّى بعده(١) ركعتين يفعل ذلك في صدر النهار قبل الزوال ، ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ، ويأمر من في داره ممن لا يتقيه بالبكاء عليه ، ويقيم في داره المصيبة [مصيبته] بإظهار الجزع عليه ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً [في البيوت وليعزّ بعضهم بعضاً] بمصاب الحسين عليه السلام ، فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على الله عزّ وجلّ جميع هذا الثواب.

فقلت : جعلت فداك ، وأنت الضامن لهم إذا فعلوا ذلك والزعيم به؟

قال :أنا الضامن لهم ذلك والزعيم لمن فعل ذلك.

قال : قلت : جعلت فداك ، فكيف يعزّي بعضهم بعضاً؟

قال :يقولون : عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام ، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثأره مع وليّه الإمام المهدي من آل محمّد صلى الله عليه وآله ، فإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل ، فإنّه يوم نحسٍ لا يقضى فيه حاجة [مؤمن] وإن قضيت لم يبارك له فيها ولم يرَ رشداً ، ولا تدّخرن لمنزلك شيئاً ، فإنّه من ادّخر لمنزله شيئاً في ذلك اليوم

__________________

(١) قوله : «بعده» هكذا فيما نقل في بحار الأنوار وغيره ، لكنّه في النسخة التي عندي من كامل الزيارة : «بعده» بدون الهاء. منه عفي عنه.

٢٩

لم يبارك له فيما يدّخره ولا يبارك له في أهله ، فمن فعل ذلك كتب له ثواب ألف ألف حجة وألف وألف عمرة وألف ألف غزوة كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان له ثواب مصيبة كل نبّي ورسول وصديق وشهيد مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة.

قال صالح بن عقبة وسيف بن عميرة : قال علقمة بن محمّد الحضرمي : فقلت لأبي جعفر عليه السلام : علّمني دعاء أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زرته من قريب ودعاء أدعوا به إذا لم أزره من قريب وأومأت إليه من بعد البلاد ومن [سطح] داري؟

قال فقال :يا علقمة ، إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام وقلت عند الإيماء إليه بعد الركعتين هذا القول ، فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة ، وكتب الله لك بها ألف ألف حسنة ، ومحى عنك ألف ألف سيئة ، ورفع لك مائة ألف ألف درجة ، وكنت كمن استشهد مع الحسين عليه السلام تشاركهم في درجاتهم ولا تُعرف إلّا في الشهداء الذين استشهدوا معه وكتب لك ثواب [زيارة] كلّ نبّي ورسول زيارة كل من زار الحسين بن عليّ عليهما السلام منذ يوم قتل صلوات الله عليه

تقول :

السَّلَامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِاللهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يابْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يا خِيَرَةَ اللهِ وَابْنَ خِيَرَتِهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يابْنَ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصيّينَ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، [وَأَناخَتْ بِرَحْلِكَ ،] عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ اللهِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتِ الْمُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلىٰ جَميعِ أَهْلِ السَّمٰواتِ ، فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ

٣٠

الْبَيْتِ ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ ، وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكَ (١) ،وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالتَّمْكينِ مِنْ قِتالِكُمْ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، فَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِقِتالِكَ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، بِأَبي أَنْتَ وَاُمّي ، لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بِكَ ، فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذي أَكْرَمَ مَقامَكَ أَنْ يُكْرِمَني بِكَ ، وَيَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمامٍ مَنْصُورٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللـهُمَّ اجْعَلْني وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَكَ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.ٰ

يا سَيِّدي يا أَبا عَبْدِاللهِ ، إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ ، وَإِلىٰ رَسُولِهِ ، وَإِلىٰ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ ، وَإِلىٰ فاطِمَةَ ، وَإِلَى الْحَسَنِ ، وَإِلَيْكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَسَلَّمَ بِمُوالاتِكَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ ، وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَمِنْ جَميعِ أَعْدائِكُمْ ، وَبِالْبَراءةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ الْجَوْرِ وَبَنىٰ عَلَيْهِ بُنْيانَهُ ، وَأَجْرىٰ ظُلْمَهُ وَجَوْرَهُ عَلَيْكُمْ وَعَلىٰ أَشْياعِكُمْ ، بَرِئْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ، ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ ، وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، وَمِنَ النّاصِبينَ لَكُمُ

__________________

(١) قوله : «قَتَلَتْكَ » هكذا في النسخة التي عندي من كامل الزيارة ، وفيما نقله عنه في بحار الأنوار كذلك ، لكن فيما نقل عنه بعض : «قَتَلَتْكُمْ» ، وهو الأوفق بالسياق ، منه عفي عنه.

٣١

الْحَرْبَ ، وَالْبَراءَةِ مِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ.

إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، مُوالٍ لِمَنْ والاكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ ، فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذي أَكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيائِكُمْ ، وَرَزَقَني الْبَراءَةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.

وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَني الْمَقامَ الَْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكُمْ مَعَ إِمامٍ مَهْديٍّ ناطِقٍ لَكُمْ ، وَأَسْأَلُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَني بِمُصابي بِكُمْ أَفْضَلَ ما يُعْطي مُصاباً بِمُصيبَتِهِ ، أَقُولُ إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، يا لَها مِنْ مُصيبَةٍ ما أَعْظَمَها وَأَعْظَمَ رَزِيَّتَها في الْإِسْلامِ وَفي جَميعِ السَّمٰواتِ وَالْأَرْضِ.

اللّـهُمَّ اجْعَلْني في مَقامي هٰذا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ.

اللّـهُمَّ اجْعَلْ مَحْيايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللّـهُمَّ اِنَّ هٰذا يَوْمٌ تَنَزَّلَتْ فيهِ اللَّعْنَةُ عَلىٰ آلِ زِيادٍ ، وَآلِ اُمَيَّةَ ، وَابْنِ آكِلَةِ الْأَكْبادِ ، اللَّعينِ ابْنِ اللَّعينِ عَلىٰ لِسانِ نَبِيِّكَ في كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فيهِ نَبيُّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللّـهُمَّ الْعَنْ أَبا سُفْيانَ وَمُعاوِيَةَ(١) وَعَلىٰ يَزيدَ بْنَ مُعاوِيَةَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الْآبِدينَ ،

__________________

(١) وفي زاد المعاد : «وَمُعاوِيَةَ بْنَ أَبي سُفْيانَ » ، منه رحمه الله.

٣٢

اللّـهُمَّ فَضاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةَ أَبَداً لِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

اللّـهُمَّ إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ في هٰذَا الْيَوْمِ ، وَفي مَوْقِفي هٰذا ، وَأَيّامِ حَياتي بِالْبَراءَةِ مِنْهُمْ بِاللَّعْنِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوالاةِ لِنَبِيِّكَ وَأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ.

ثمّ تقول مائة مرّة :

اللّـهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تابِعٍ لَهُ عَلىٰ ذلِكَ.

اللّـهُمَّ الْعَنِ الْعِصابَةَ الَّتي حارَبَتِ الْحُسَيْنَ وَشايَعَتْ وَبايَعَتْ عَلىٰ قَتْلِهِ وَقَتْلِ أَنْصارِهِ ، اللّـهُمَّ الْعَنْهُمْ جَميعاً.

ثمّ تقول مائة مرّة :

السَّلَامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِاللهِ وَعلَى الْأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، وَأَناخَتْ بِرَحْلِكَ ، عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ اللهِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَلا يَجْعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِن زِيارَتِكُمْ.

السَّلَامُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَأَصْحابِ الْحُسَينِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعينَ.

ثمّ تقول مرّة واحدة :

اللّـهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ آلَ نَبِيِّكَ بِاللَّعْنِ ، ثُمَّ الْعَنْ أَعْداءَ آلِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْأَوَّلينَ وَالْآخِرينَ ، اللّـهُمَّ الْعَنْ يَزيدَ وأَباهُ ، وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ وَبَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ.

٣٣

ثمّ تسجد سجدة تقول فيها :

اللّـهمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشّاكِرينَ عَلىٰ مُصابِهِمْ. الْحَمْدُ لِلّهِ عَلىٰ عَظيمِ رَزِيَّتي فِيهِمْ ، اللّـهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الْحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحابِ الْحُسَيْنِ الَّذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ.

قال : يا علقمة ، إن استطعت أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزيارة من دهرك فافعل ، فلك ثواب جميع ذلك إن شاء الله تعالى»(١) .

رواية الشيخ في مصباح المتهجد

وروى الشيخ في «المصباح» ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «من زار الحسين بن عليّ عليهما السلام في يوم عاشوراء من المحرّم حتّى يظلّ عنده باكياً لقي الله عزّ وجلّ يوم يلقاه بثواب ألفي حجّة ، وألفي عمرة ، وألفي غزوة ، ثواب كلّ غزوة وحجّة وعمرة كثواب من حجّ واعتمر وغزى مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع الأئمّة الراشدين عليهم السلام.

قال : قلت : جعلت فداك ، فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيه ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟

قال :إذا كان كذلك برز إلى الصحراء ، أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره ، وأومأ إليه بالسلام ، واجتهد في الدعاء على قتليه ، وصلّى من بعد ركعتين ، وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس ، ثمّ ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ، ويأمر من في داره ممن لا يتقيه بالبكاء عليه ، ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه ، وليعزّ بعضهم

__________________

(١) كامل الزيارات : ٣٢٥ ، الباب ٧١ ثواب من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ، الحديث ٩.

٣٤

بعضاً بمصابهم بالحسين عليه السلام ، فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على الله تعالى جميع ذلك

قلت : جعلت فداك ، أنت الضامن لذلك لهم والزعيم؟

قال :أنا الضامن وأنا الزعيم لمن فعل ذلك.

قلت : فكيف يعزي بعضنا بعضاً؟

قال :تقولون : أعظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام ، وجعلنا وإياكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمّد عليهم السلام ، وإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل فإنه يومُ نحسٍ لا تقضى فيه حاجة مؤمن ، وإن قضيت لم يبارك له فيها ولم ير فيها رشداً ، ولا يدّخرون أحدكم لمنزله فيه شيئاً ، فمن ادخر في ذلك اليوم شيئاً لم يبارك له فيما ادخر ولم يبارك له في أهله ، فإذا فعلوا ذلك كتب الله لهم ثواب ألف حجة وألف عمرة وألف غزوةكلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان له أجر وثواب مصيبة كلّ نبيّ ورسول ووصي وصديق وشهيد مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة.

قال صالح بن عقبة وسيف بن عميرة : قال علقمة بن محمّد الحضرمي : قلت لأبي جعفر عليه السلام : علّمني دعاء أدعو به ذلك اليوم إذا أنا زرته من قرب ، ودعاء أدعو به أذا لم أزه من قرب ، وأومأت من بعد البلاد ومن داري بالسلام إليه.

قال : فقال لي :يا علقمة ، إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومي إليه بالسلام فقل بعد الإيماء إليه من بعد التكبير هذا القول فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به زوّاره من الملائكة ، وكتب الله لك مائة ألف ألف درجة ، وكنت كمن استشهد مع الحسين عليه السلام حتّى تشاركهم في درجاتهم ولا تعرف إلّا في الشهداء الذين استشهدوا معه ، وكتب لك ثواب زيارة كل نبيّ وكل رسول وزيارة كل من زار الحسين عليه السلام منذ يوم قتل عليه السلام.

٣٥

تقول : السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِاللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ اللهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يابْنَ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ ، وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصيّينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ، السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، [وَأَناخَتْ بِرَحْلِكَ ،] عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ اللهِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ ، وَجَلَّتْ وعَظُمَتْ مُصيبَتُكَ في السَّمٰواتِ عَلىٰ جَميعِ أَهْلِ السَّمٰواتِ ، فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ ، وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالتَّمْكينِ مِنْ قِتالِكُمْ ، بَرِئْتُ إِلى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيائِهِمْ.

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ ، وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ.

بِأَبي أَنْتَ وَاُمّي لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بِكَ فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذي أَكْرَمَ مَقامَكَ ، وَأَكْرَمَني بِكَ أَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، اللّـهُمَّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.

٣٦

يا أَبا عَبْدِاللهِ ، إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ ، وَإِلىٰ رَسُولِهِ ، وَإِلىٰ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ ، وَإِلىٰ فاطِمَةَ ، وَإِلَى الحَسَنِ ، وَإِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ ، وَأَبْرَأُ إِلَى اللهِ وإِلى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ ذلِكَ وَبَنىٰ عَلَيْهِ بُنْيانَهُ ، وَجَرىٰ في ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلىٰ أَشْياعِكُمْ ، بَرِئْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ، ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ ، وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، وَالنّاصِبينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ.

إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ والاكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ ، فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذي أَكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ ، وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيائِكُمْ ، وَرَزَقَني الْبَراءَةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ في الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَني الْمَقامَ الَْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكُمْ مَعَ إِمامِ هُدىً ظاهِرٍناطِقٍ بِالْحَقِّ مِنْكُمْ ، وَأَسْأَلُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَني بِمُصابي بِكُمْ أَفْضَلَ ما يُعْطي مُصاباً بِمُصيبَتِهِ ، مُصيبَةً ما أَعْظَمَها وَأَعْظَمَ رَزِيَّتَها في الْإِسْلامِ وَفي جَميعِ أَهْلِ السَّمٰواتِ وَالْأَرْضِ.

اللّـهُمَّ اجْعَلْني في مَقامي هٰذا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ.

اللّـهُمَّ اجْعَلْ مَحْيايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.

اللّـهُمَّ إِنَّ هٰذا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو اُمَيَّةَ وَابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبادِ ، اللَّعينُ ابْنُ اللَّعينِ ،

٣٧

عَلىٰ لِسانِكَ وَلِسانِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ في كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فيهِ نَبيُّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللّـهُمَّ الْعَنْ أَبا سُفْيانَ وَمُعاوِيَةَ وَيَزيدَ بْنَ مُعاوِيَةَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الْآبِدينَ ، وَهٰذا يَوْمٌ فَرِحَتْ بِهِ آلُ زيادٍ وَآلُ مَرْوانَ بِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ ، اللّـهُمَّ فَضاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالْعَذابَ الْأَليمَ.

اللّـهُمَّ إِنّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ في هٰذَا الْيَوْمِ ، وَفي مَوْقِفي هٰذا ، وَأَيّامِ حَياتي بِالْبَراءَةِ مِنْهُمْ ، وَاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوالاةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلامُ.

ثمّ تقول :

اللّـهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تابِعٍ لَهُ عَلىٰ ذلِكَ.

اللّـهُمَّ الْعَنِ الْعِصابَةَ الَّتي جاهَدَتِ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَشايَعَتْ وَبايَعَتْ وَتابَعَتْ عَلىٰ قَتْلِهِ ، اللّـهُمَّ الْعَنْهُمْ جَميعاً. تقول ذلك مائة مرّة.

ثمّ تقول :

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِاللهِ وَعلَى الْأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ.

السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ ، وَعَلىٰ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَعلىٰ أَوْلادِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلىٰ أَصْحابِ الْحُسَينِ. تقول ذلك مائة مرّة.

٣٨

ثمّ تقول :

اللّـهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنّي ، وَابْدَأْ بِهِ أَوَّلاً ، ثُمَّ الْعَنِ الثّاني وَالثّالِثَ وَالرّابِعَ. اللّـهُمَّ الْعَنْ يَزيدَ خامِساً ، وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِيادٍ وَابْنَ مَرْجانَةَ وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ وَشِمْراً وَآلَ أَبي سُفْيانَ وَآلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ.

ثمّ تسجد وتقول :

اللّـهمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشّاكِرينَ عَلىٰ مُصابِهِمْ ، الْحَمْدُ لِلّهِ عَلىٰ عَظيمِ رَزِيَّتي ، اللّـهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحابِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ الَّذينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ.

قال علقمة : قال أبو جعفر عليه السلام :إن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة من دارك فافعل ، ولك ثواب جميع ذلك(١) .

وقد روى في الوسائل هذه الرواية عن «المصباح» أيضاً ، لكن برواية صالح بن عقبة ، عن علقمة ، عن أبي جعفر عليه السلام.

فالراوي عن أبي جعفر عليه السلام هو علقمة(٢) ، وهو مقتضى ما يأتي من نقل السيّد

__________________

(١) مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد : ٧٧٢.

(٢) وسائل الشيعة : ١٤ : ٤٩٤ ، الباب ٦٣ من أبواب المزار وما يناسبه ، الحديث ٣.

ولا يخفى أنّ صاحب الوسائل أورد مقطعين من الزيارة المباركة في كتابه : أحدهما في المورد آنف الذكر ، وثانيهما : في الباب ٥٥ من أبواب المزار ، الحديث ٥.

والملاحظ أنّه في المورد الأوّل قال : محمّد بن الحسن في المصباح ، عن محمّد بن»

٣٩

الداماد(١) تلك الرواية في رسالته المعمولة في آداب أيام أربعة(٢) .

رواية أخرى رواها الشيخ في «المصباح»(٣)

وروى الشيخ في «المصباح» أيضاً ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة ، قال : «خرجت مع صفوان بن مهران الجمّال وجماعة من أصحابنا إلى الغريّ بعد ما خرج أبو عبد الله الصادق عليه السلام ، فسرنا من الحيرة(٤) إلى المدينة ،

__________________

«إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن علقمة ، عن أبي جعفر عليه السلام.

وفي المورد الثاني قال : وعن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام. ففي المورد الأوّل ذكر الراوي عن صالح بن عقبة: علقمة ، وفي المورد الثاني جعل الراوي عنه أبيه.

(١) ترجمة مختصرة للسيّد الداماد: هو السيّد محمّد باقر بن شمس الدين محمّد الحسيني الأسترآبادي الأصل ، الأصفهاني المنشأ والموطن ، المعروف بـ (الميرداماد) ، الملقّب بـ (المعلّم الثالث) ، من أعلام القرن الحادي عشر ، ومن كبار مؤلّفي الشيعة ، ترجم له كثير من العلماء وأثنوا عليه ، وكان معاصراً للشيخ البهائي وله به علاقة خاصّة ، ووجه اشتهاره بـ (الميرداماد) هو أنّ والده السيّد محمّد الأسترآبادي لمّا تزوّج بنت الشيخ عليّ (المحقّق الثاني) الكركي ، اشتهر هذا السيّد بالداماد ، ثمّ لمّا تولّد من بنت المحقّق الكركي السيّد محمّد باقر اشتهر كما اشتهر والده بالداماد.

توفّي سنة ١٠٤١ هـ. ق ، ودفن في النجف الأشرف ، وكان من أبرز تلامذته: الحكيم الإلهٰي ، والفيلسوف الرّباني صدر الدين الشيرازي ، المعروف بـ (ملّا صدرا) ، وله مصنّفات كثيرة تفوق السبعين مصنّفاً.

(٢) ستأتي الإشارة إلى هذه الرسالة للمحقّق الداماد.

(٣) لا يخفى أنّ الشيخ في المصباح ذكر هذه الرواية في ذيل الرواية السابقة بلا فاصلة ، حيث قال : «وروى محمّد بن خالد الطيالسي الخ».

(٤) الحيرة ـ بالكسر ـ: مدينة قرب الكوفة ، كما ذكره في الصحاح. منه عفي عنه.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الجهةُ الرابعة: الروايةُ في الشَعائر الحُسينيّة

٢٢١

٢٢٢

حُكم الرواية لواقعة كربلاء، سواء في الشعر، أو النثر - الكتابة -، أو الخطابة وتصوير مسرح الأحداث التي واجهها الإمام (عليه السلام)، وعرض الخطوات التي أقدمَ عليها (عليه السلام)، وملابسات الظروف التي حفّت آنذاك به وبأصحابه، وما صدر من أعدائه من قساوة وتحدٍّ لله ولرسوله ولأهل بيته (عليهم السلام).

ما هو الميزان في بحث الرواية في واقعة عاشوراء، أو في الشعائر الحسينيّة، هل الرواية هي رواية تاريخيّة؟ أم هي رواية شرعيّة؟ وإذا كانت شرعيّة، فهل هي في باب الفروع والأحكام الفرعيّة؟ أو هي رواية في باب العقائد؟ لابدّ من معرفة كيفيّة بحث الرواية في واقعة كربلاء، والشعائر الحسينيّة بأقسامها المتنوّعة.

وحيث إنّ الرواية مادّة متكرّرة في كثير من أقسام الشعائر الحسينيّة، سواء في الشعر، أو النثر، أو الخطابة، أو مواكب العزاء وما شابه ذلك، فلا بدّ من الوقوف عندها ومعرفة ضوابطها.

وقد كثُر الكلام في ذلك، فكلٌّ يعطي ضابطة تروق له ويُفنّد غيرها، فلابدّ من البحث عن ضابطة معيّنة صحيحة.

ففي هذه الجهة الرابعة مقامان:

٢٢٣

المقامُ الأوّل: في ضابطة الرواية في الشعائر الحسينيّة.

المقامُ الثاني: كيفيّة استخلاص المفاد من الرواية في واقعة كربلاء والشعائر الحسينيّة، أي منهج الاستظهار والاستنباط والتحليل، وإنّ أداة التحليل في مفاد الروايات الواردة على أيّ نمط كانت في المقام الأوّل؟

أمّا المقام الأوّل

فالرواية لواقعة كربلاء، هل هي رواية تاريخيّة، أم قصصيّة، أم رواية في باب الفروع، أم هي رواية في باب العقائد؟

نرى بعض من الباحثين والمحقّقين يتشدّد في قصّ الرواية عن واقعة كربلاء والبحث عنها، مثلما يتشدّد في الرواية التي يعتمد عليها في استنباط الحكم الفقهي، فلذا يتعامل مع رواية الواقعة بدقّة علميّة بالغة، ويؤكّد على ضرورة أن تكون الرواية مُسندة وصحيحة، وإنّها لابدّ أن تكون من كتاب معتبر، وغير ذلك من الضوابط والشروط.

وبعض آخر يتشدّد أكثر من ذلك، حيث إنّ واقعة كربلاء بتفاصيلها وجزئيّاتها والعِبر التي فيها هي قضايا عقائديّة، فينبغي - في رأيه - التشدّد أكثر، وسبر الرواية فيها بدرجة أشد.

وربّما ترى البعض يمارس الرواية القصصيّة في هذا المجال.

وقد يكون سرد الواقعة يأخذ طابع الرواية القصصيّة، كما يصدر هذا النوع غالباً من القائمين على إحياء الشعائر مباشرة، هناك مَن يعرضها على غرار الرواية التاريخيّة المطلقة.

٢٢٤

وكما أنّ عدم الإسهام في الشعائر الحسينيّة جنبة سلبيّة، فإنّ عدم التقيّد في الشعائر الحسينيّة بالمصادر والمراجع لا يقلّ سلبيّة عن عدم المساهمة، فعدم التقيّد في كيفيّة النقل في الرواية لتطبيق مضمونها في الصور المختلفة بالاستعانة بالرواية في واقعة كربلاء، وعدم التقيّد بما هو منضبط وصادق وصحيح وله مدرك ودليل، فيه من الضرر للشعائر الحسينيّة ممّا قد يكون بنسبة الضرر ممّن يتهجّم على الشعائر الحسينيّة ولا يساهم فيها، مثل هذا الناقل غير المتقيّد لن يؤثّر عمله إلاّ تأثيراً مضادّاً، ولن يكون دوره في السلبيّة أقل من المُعارض للشعائر أو غير المساهم فيها.

والسرّ في ذلك: أنّ الشعائر الدينيّة المرتبطة بواقعة كربلاء؛ إنّما تمثّل شعيرة عامّة في الدين وليس شعيرة خاصّة، وإنّ من أهمّ وجوه نهضته (عليه السلام) هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - كما ذكرنا سابقاً - وقلنا: إنّ المعروف يشمل التوحيد وأصول الدين وفروعه؛ لأنّ كلّ ذلك معروف يجب الأمر به.

وذكرنا أنّ المنكر يشمل الشرك والكفر إلى آخر المنكرات الفرعيّة في باب السياسة والاقتصاد - الظلم المالي والقضائي -؛ لأنّ كلّ ذلك من المنكر.

فإذا كان باب الشعائر الحسينيّة وعنوان نهضته (عليه السلام) قد صرّح بها في قوله (عليه السلام):(إنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) (١) ، وإحياء هذه الفريضة العظيمة هو المحافظة على الدين، كما في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(حُسين منّي وأنا من حسين) (٢) فلذلك يقال:

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٤: ٣٢٩ / ح ٢.

(٢) المعجم الكبير (الطبراني): ٣: ٣٣؛ الإرشاد (الشيخ المفيد) ٢: ١٢٧؛ موارد الظمآن

٢٢٥

(الإسلام محمّديّ الوجود، حسينيّ البقاء) وبدون الشعائر تنهدم الفرائض ويضمحلّ الدين وينحسر الهدى، وبها تقوى أركان الشريعة، من التوحيد - الذي هو أوّل فريضة - إلى آخر الفرائض التي لا يمكن أن تُقام بدون تلك الشعائر.

إذاً، نفس الشعائر الحسينيّة فريضة مقدّسة ومهمّة عظيمة، وعَظمتها مترشّحة من عَظمة الدين وعظمة الولاية، وكما ذكرنا فإنّ الشعائر الحسينيّة في تحليلها الماهوي هي علامة ورمز للإمامة ولمسيرة الإمامة الإلهيّة، تمييزاً لها عن الخلافة البشريّة المنحرفة، فلا يمكن التفريط والتهاون بالشعائر الحسينيّة، بل لابدّ من التحفّظ والاهتمام والإقامة؛ لأنّ المفروض أنّ واقعة كربلاء ونهضة الحسين (عليه السلام) وفعل المعصوم - سيّما أنّ الأئمّة قد أبرزوا ذلك في الحسين (عليه السلام) باعتباره قدوة الأحرار وسيّد الأُباة - هي شعار ومنار لمعانٍ سامية وأهداف خالدة، وهي شعار الصدق، وشعار الحقيقة، وشعار الإباء والهُدى.

مبالغةُ الجهد علميّاً وعمليّاً

لابدّ - إذاً - للمُشارك والمساهم في الشعائر الحسينيّة من المبالغة في بذل الجهد العلمي والعملي؛ لأنّ وفرة الجهود العلميّة تحول دون الاندراس الوثائقي لهذه الحقيقة الدينيّة التاريخيّة العظمى، لا سيّما مع تطاول القرون والعصور.

____________________

(الهيثمي): ٥٥٤؛ تاريخ مدينة دمشق ١٤: ١٤٩؛ تهذيب الكمال (المزي) ٦: ٤٠٢؛ تهذيب التهذيب (ابن حجر) ٢: ٢٩٩؛ البداية والنهاية (ابن كثير) ٨: ٢٢٤؛ ينابيع المودّة (القندوزي) ٢: ٣٨.

٢٢٦

لابدّ إذاً من المواظبة على حفظ الموازين الشرعيّة والتوصيات العامّة فيها، ومنها: حفظ الأخلاق والآداب والالتزام الديني، لاجتناب ضياع وخسران الأهداف التي جعلت الشعائر من أجلها.

ولنتعرّض إلى ضوابط هذه الاتجاهات في الرواية، ما هي ضابطة الرواية التاريخيّة؟ والقصصيّة؟ والتي هي في باب الفروع؟ أو في باب العقائد؟

الرواية التاريخيّة

ضابطتها: أن تكون مذكورة في مصدر تاريخي يُعتمد عليه بين فئة معيّنة أو فئات معيّنة، بحيث لم يظهر من صاحبه تدليس أو إخفاء أو تغيير للحقائق، وقد أصبح كتابه متداولاً مُعتمداً عليه في الرواية التاريخيّة، المقصود أن يكون مصدراً من المصادر في البحث التاريخي.

والكتب التاريخيّة الغالب فيها عدم ذِكر السند أصلاً، وفي علم التاريخ والرواية التاريخيّة كلّما كان المصدر أقدم كان أثبت وأقوى، لا بمعنى أنّ الكتاب التاريخي الذي كُتب في القرن التاسع لا يُعتمد عليه، أو ما كُتب في القرن الثالث عشر لا يُعتمد.

بل يبقى مصدراً تاريخيّاً، غاية الأمر، أنّ المصادر التاريخيّة كلّما كانت أقدم كانت أثبت، والضابطة في علم التاريخ وفي البحث التاريخي هي: أنّ المؤرِّخ أو الباحث التاريخي لا يعتمد على نقل تاريخي كشيءٍ مُسلّم، ولا يُفنِّده لعدم ذِكر سنده، وغالباً يكون ذِكر السند في كتب السيَر، مثل: سيرة ابن إسحاق وغيرها.

غاية الأمر أنّ الضابطة عند التاريخي، أنّه حينما يريد أن يرسم في مقام

٢٢٧

الكشف والتنقيب عن واقعة تاريخيّة، يحاول أن يُحصّل ما يرسم هذه الواقعة بكلّ أطرافها وزواياها وأبعادها بتوسّط الفحص المتاخم للاطمئنان والوثوق، ومن ثُمّ يستفيد من لفتات ونقولات تاريخيّة مختلفة تُعتبر بمثابة القرائن، ولها أساليب وفنون عديدة في علم التاريخ، مثل: كيفيّة تحصيل القرائن، ومطابقة الأحداث بعضها مع البعض الآخر، وملاحظة التواريخ، والوفيات، وأدلّة الوقائع الهامّة، والطبقات.

حتّى أنّ علم الرجال يُعدّ شعبة من شعب علم التاريخ، أو قل: إنّ علم التاريخ يساهم مساهمة كبيرة جدّاً في علم الرجال، ولذلك فهناك مشابهة قريبة الصلة بين علم التاريخ وعلم الرجال.

إذاً، الباحث التاريخي دأبهُ هو تصيّد واقتناص الروايات والقرائن والقصاصات واللقطات المختلفة، حتّى يُرتّب ويشكّل ويرسم الصورة الخاصّة للواقعة التاريخيّة، فإذا كان في رواية الشعائر الحسينيّة من حيثيّة البحث والرواية التاريخيّة، فمن الخطأ أن يفنِّد السامع الرواية التاريخيّة ويواجهها بالإنكار بذريعة عدم وجود مستند لتلك الرواية؛ لأنّ الرواية التاريخيّة لا يُقتصر فيها على المسانيد، بل المفروض فيها المصدر المعتمَد المتقادم عهداً.

وكذلك الأمر في الاعتراض على المصدر بأنّه متأخّر زماناً، إذ الرواية التاريخيّة لا تُردّ إذا كان المصدر متأخّراً، غاية الأمر أنّ المصدر المتأخّر بنفسه لا يُعتمد عليه منفرداً بنفسه، بل يكون كقرينة محتملة لابدّ أن تنضمّ إليها قرائن أخرى، فكون هذا الكتاب أو المقتل متأخّراً - في القرن العاشر مثلاً - لا يكون سبباً لطرحه، وإن كان موجباً لضعف الدرجة الاحتماليّة للاعتبار، المهمّ أنّه ناقلٌ

٢٢٨

للكتاب أو للرواية التاريخيّة، وإن لم يُكتب فيه السند، وباب الرواية التاريخيّة لا يُطلب فيها ما يُطلب في باب الأحكام الفرعيّة.

وفي هذا بحث مبسوط، لكنّنا نذكره بشكل مختصر فقط.

فضابطة الرواية التاريخيّة أنّها تعتمد على الكتب التاريخيّة المتداولة ولو كانت متأخّرة.

غايةُ الأمر أنّ الكتب المتقدّمة أكثر اعتماداً، وإنّ الباحث التاريخي يستنفذ جهده ووُسعه في تحصيل القُصاصات والقرائن والشواهد إلى أن ترتسم له حقيقة الحال، بحيث يوقِفك - أيّها القارئ - من مجموع تلك القرائن والشواهد على الصورة الحقيقيّة لهذه الواقعة التاريخيّة.

وهذا المنهج - وهو منهج تحصيل الاطمئنان - هو المتّبع في العديد من العلوم، مثل: علم الرجال؛ فإنّ عُمدة مسلك علماء الرجال في المفردات الرجاليّة(١) في التوثيق والتضعيف، هو: أن يقفوا على حقيقة المفردة بغضّ النظر عن أقوال التوثيق وأقوال التضعيف، وبغضّ النظر عمّا قيل فيها من جُرح وتعديل؛ وإنّما يُعتدّ بالجرح والتعديل كقرائن لا كمصادر منحصرة، وبالدرجة التي يحصل عندها الاطمئنان.

وهناك عدّة مناهج رجاليّة في هذا الباب، عُمدتها منهج التحليل والجمع لأكبر عدد من الشواهد والدلالات لتحصيل الاطمئنان برؤية معيّنة، وهذا هو نفس المنهج التاريخي، وهو أن يصل الباحث إلى واقع حقيقة المفردة ودرجتها العلميّة ودرجتها الاجتماعيّة، ويعرف متى استقامت، ومتى انحرفت، وأيّ درجة من الانحراف فيها؟ إلى أن يصل إلى واقع الحال، وهذا من دأب ومنحى المنهج التاريخي.

____________________

(١) هم رواة سلسلة أسناد الأحاديث، فكلّ راوٍ يُطلق عليه مفردة رجاليّة، أو عنوان رجالي.

٢٢٩

ضابطةُ الرواية القصصيّة

وقد تسمّى بالرواية التمثيليّة أو الرواية التخييليّة.

هذه الرواية القصصيّة هي - على عكس الرواية التاريخيّة - ليست في مقام الإخبار بالجملة، أو قُل ليست في مقام الإخبار للمدلول المطابقي، لكنّها في مقام الإخبار للمدلول الالتزامي، نظير باب الكناية والتعريض، بل هي متقوِّمة بحيثيّة عدم الإخبار؛ وإنّما تقتصر على إنشاء تخيّل وتصوّر لمعانٍ تخيّليّة، ولها أقسام وفنون متعدّدة مذكورة في الأدب القصصي، وهو مختصّ بالعلوم الأدبيّة، أو بعلوم الفنون التشكيليّة.

وهذه الرواية موجودة حتّى في علوم الحوزة الدينيّة، مثل: علم البلاغة الذي يشمل البيان والمعاني والبديع.

مثلاً ترى القصّة التي كتبها القَصَصي لا وجود لها بتاتاً، وإنّه ليس بصدد تأليف هذه القصّة في مقام الإخبار، بل الهدف المرجوّ من كتابة هذه القصّة لأجل التوصّل إلى معنى آخر، مثلاً من خلال القصّة يحاول بيان معنى العدالة، أو يسعى لتوضيح معنى سوء الخلق، أو بذاءة الفاحشة، أو لذّة الروحانيّات والعبادات والأُنس بها، وهلمّ جرّاً.

فهناك فارق بين الرواية التاريخيّة والرواية القصَصيّة، المنوال القصصي والحبكة القصَصيّة الغرض منه الحكاية عن معنى آخر، وذلك المعنى الآخر هو المعنى الالتزامي، فإن كان المعنى صادقاً يقال بأنّ هذا الراوي القصصي صادق، وإن كان ذاك المعنى كاذباً أو قبيحاً، يقال إنّ هذا الرواي القصصي مُدلّس أو

٢٣٠

متحلّل أو منحرف وليس له هدف تربوي نبيل، وإنّ إخباره كاذب، إذ من المسلّم قُبح الخيانة (مثلاً)، فحينئذٍ إذا أردنا معرفة هدف الراوي القصصي في قصّته، وإنّ روايته القصصيّة كاذبة أو صادقة، وما هو موطن الموافقة وعدم الموافقة للواقع؛ فإنّ موطن المطابقة - أي اللازم مطابقته للواقع والحقيقة - هو المعنى الالتزامي للمغزى، وموطن اللامطابقة - أي غير اللازم مطابقته - هو نفس المدلول المطابقي للرواية القصصيّة، كما هو الحال في الكناية مثل: (زيد كثير الرماد).

هذه الرواية القصصيّة - بعد العلم بضابطتها - تقع على أقسام:

١ - تارةً نفس الأشخاص الذين تُذكر حولهم الرواية القصصيّة هم أشخاص موهومون، وبعبارةٍ أخرى: أنّ كلّ الرواية القصصيّة هي خياليّة، ولكنّ معناها ومغزاها حقيقي، وقد يكون صادقاً وقد يكون كاذباً.

٢ - وقسمٌ آخر: الأشخاص فيه حقيقيّون، لكنّ النسبة في الروايات القصصيّة ليست نسبة حقيقيّة، بل نسبة قصصيّة، من أمثلة ذلك: شِعرُ دعبل الخزاعي في قصيدته المشهورة:

أفاطم لو خِلت الحسين مُجدّلاً = وقد ماتَ عطشاناً بشطّ فُرات(١)

فهو لم يحضر ولم يشهد الواقعة، لكنّه يرسم رَسماً تصويريّاً، فالزهراء (عليها السلام) ليست شخصاً تخيّلياً؛ وإنّما هي حقيقة، والحسين (عليه السلام) أيضاً طرَف في هذه الصورة، لكنّ هذا التجسيم والتمثيل شِعريّ وإن كان قَصصيّاً - ليس بالتاريخ - فإنّه يريد أن يُبيّن بواسطته معنىً معيّناً، وهو: عُظم الفاجعة، وشدّة المصيبة، وفداحة المصاب.

____________________

(١) تقرأها كاملة في بحار الأنوار ٤٩: ٢٤٧.

٢٣١

فالرواية القصصيّة تارةً يكون المحمول فقط فيها قصصيّاً فرضيّاً في القضيّة، وتارةً يكون كِلا الموضوع والمحمول معاً قَصصيّاً تخيّليّاً.

ولا حظر ولا منعَ من كون الرواية القصصيّة تضمّ طرفاً حقيقيّاً وطرفاً تخيّليّاً، ولا يستلزم ذلك الكذب والتدليس، ولا ضرورة ولا لزوم أن تكون كلّ رواية قصَصيّة مجموعها حقيقي.

هذا الخلط قد وقعَ عند البعض، وهذا هو معنى لسان الحال الذي يُعبّر عنه الخطباء والشعراء، والذي له طرف حقيقي وطرف قصصي، والطرف القصصي ليس بخرافة، وأمّا الذي يُسمّي ذلك خرافة فهو لا يفهم معنى الرواية القصصيّة.

ولا يتعاطى أهل الفن الرواية القصصيّة - في الأصل - للإخبار عن الواقع بنفس المدلول المطابقي؛ وإنّما لأجل الإخبار عن الواقع بالمدلول الالتزامي.

فالقول المزبور يدلّ على عدم فهم معنى الرواية القصصيّة، نعم، يجب على الراوي في الرواية القصَصيّة أن ينصب قرينة، ليس قرينة بلسان الحال، بل قرينة واضحة، مثل: بيت الشِعر الذي ذكرناه قبل قليل لدعبل الخزاعي (أفاطم لو)، فكلمة (لو) هي القرينة على أنّه ليس إخباراً عن الواقع بنفس المدلول المطابقي.

كذلك الفيلم، كون اسمه (فيلم) يعني رواية قصصيّة، والمسرحيّة أيضاً كذلك، إذاً لابدّ أن ينصب الراوي القصصي قرينة معيّنة كي يميّزها عن الرواية الخبريّة البَحتة.

فقد يرسم الكاتب، أو الخطيب، أو الشاعر، أو الرادود، أو الراثي صورة قصَصيّة مُفجعة جدّاً عن واقعة كربلاء دون أن يكون في مقام الإخبار، ويُبيّن أنّها ليست

٢٣٢

في مقام الإخبار بقرينة معيّنة، إمّا لفظيّة أو حاليّة، كي يصوِّر شدّة المصاب أو شدّة الخَطب الذي مرّ على سيّد الشهداء (عليه السلام)، أو قوّة الإباء عنده (عليه السلام)، أو تصلّبه (عليه السلام) في ذات الله.

والعَجب، أنّ البعض ممّن كتبَ في المقاتل، أو في الكتب التاريخيّة يُفنّد تفنيداً شديداً هذا الباب، مع العلم بأنّ هذا الباب لا يمكن إغلاقه وإلغاؤه عن مسرح الشعائر، ولا حتّى عن الحياة الاجتماعيّة والثقافيّة اليوميّة، ففي الحضارات المختلفة للبشر هناك كثير من المعاني يمكن أن تصل إلى المجتمع ويُربّى عليها بتوسط دوالّ وعلامات أخرى؛ لأنّ المفروض أنّ المدلول الالتزامي القصَصي أو المغزى هو معنى حقيقي صادق.

فالكلام في الجهة الرابعة من الشعائر الحسينيّة في خصوص الرواية وأقسامها: التاريخيّة، والقصصيّة، والشرعيّة، الفرعيّة، والعقائديّة في واقعة عاشوراء.

ومرّ بنا خصائص قانون الرواية التاريخيّة، وكذلك قانون الرواية القصَصيّة.

الروايةُ الشرعيّة

أمّا الرواية الشرعية - أي التي يُعتمد عليها في استنباط الأحكام الفرعيّة - فضابطتها هي:

تحرّي الكتب المعتمدة بين الطائفة، والبعيدة عن شبهة الدسّ والتدليس، وبحمد الله فإنّ كُتب الطائفة مسطورة ومنتشرة ومعروفة، وهي على درجات في شدّة الاعتبار وتوسّط الاعتبار.

٢٣٣

ثُمّ لابدّ أن تَعتمد هذه الرواية الشرعيّة نفس الموازين المأخوذة والمُتّبعة في الفروع، فتجري عليها موازين الاعتبار والحجّيّة للرواية، فإمّا أن تكون صحيحة، أو موثّقة، أو حَسنة(١) .

على كلّ حال فمناط حجّيّة الخبر في الفروع مختلفة حسب الأقوال، وأمّا الخبر الضعيف إذا استُخرج من كتابٍ معتبر فلا يُهمل ولا يُطرح جانباً، بل على الأقلّ يُتّخذ كقرينة تعضد بقيّة الروايات، أو يُشكّل رقماً إضافيّاً لتحقّق التواتر، حيث إنّ الخبر المتواتر يَعتمد على قاعدة رياضيّة برهانيّة في تولّد القَطع، وهو تصاعد الاحتمالات نفياً أو إيجاباً إلى أن نصل إلى درجة القطع، فقد يُعتبر هذا الخبر مادّة للتواتر أو مادّة للاستفاضة، أو مادّة لاعتبار وثوق الخبر، فلا يمكن طرح الخبر الضعيف من رأس، وهذا مُحرّر أيضاً في علم الدراية.

عدمُ جواز ردّ الخبر الضعيف

وللخبر الضعيف أحكام تختلف عن أحكام الخبر المعتبر، لا أنّه ليس له أيّ حكم أبداً، وأحد أحكام الخبر الضعيف حرمة ردّه ما لم يَذدك عنه دليل قطعي لدلالة قطعيّة قرآنيّة، أو سُنّة قطعيّة، يعني إذا لم يتعارض مع الدلالة القطعيّة للكتاب والسُنّة، وحرمة ردّ الخبر الضعيف قاعدة مُسلّمة عند الأصوليّين والإخباريين، وحرمة الردّ غير حجّيّة الخبر.

____________________

(١) مشهور الفقهاء على أنّ الرواية الحسنة يُعتدّ بها، وإن كانت في درجة الاعتبار عندهم دون الخبر الموثّق، أو الخبر الصحيح، والخبر الحَسن عند مشهور الفقهاء يُعتمد عليه عند عدم تعارضه بما هو أقوى منه.

٢٣٤

الكثيرُ يختلط عليه الأمر بين حجّيّة الخبر وحرمة الردّ، حرمة الردّ تتناول حتى الخبر الضعيف، وقد عقدَ صاحب الوسائل في أبواب كيفيّة القضاء، أو كيفيّة حكم القاضي باباً يذكر فيه تلك الروايات الدالّة على هذه القاعدة المسلَّمة.

والخبر الضعيف - في علم الدراية والحديث - يختلف عن الخبر الموضوع والمدسوس والمجعول، وتلك الأخبار تشمل الخبر الذي عُلم وَضعه يسمّى ذلك الخبر مدسوساً أو مجعولاً أو موضوعاً، أمّا الذي لم تتوفّر فيه شرائط الحجّيّة، فلا يقال إنّه مدسوس أو موضوع، لا سيّما بعد عمليّة الغَربلة والتنقية والتنقيح التي قامت بها طبقات عديدة من محدّثي الشيعة ورواتهم.

فالخبر الضعيف له أحكام إلزاميّة، وقد وردَ بيان لهذه القاعدة في بعض الروايات بألسِنة مختلفة، منها: أنّ ردّ الخبر بمنزلة الردّ على الله سبحانه من فوق عرشه، أو بعبارة:(رُدّوه إلينا) وغيرها(١) .

وهناك نكتة لها علاقة ببحث الرواية وهي: أنّ الواقعة - واقعة كربلاء، واقعة عاشوراء - قد أحتفّ بها قبل وبعد وقوعها حوادث ومواقف ذات أهميّة بالغة، تظافرت الدواعي والجهود لرصدها ونقلها، مضافاً إلى التقدير الإلهي لبقاء ذكرها وخلود سيرتها إلى يوم القيامة، والسرّ في ذلك: هو أهميّتها في مسار الدين ومسار المسلمين، ولذلك تضافرت الدواعي والجهود لنقلها، حتّى أنّه قد ذَكر غير واحد من العامّة - فضلاً عن الخاصّة - أنّه لم تُرصد واقعة تاريخيّة من حيث التفاصيل

____________________

(١) الكافي ٢: ٢٢٢، حيث وردَ في هذا الحديث(... ولا تبثّوا سرّنا ولا تُذيعوا أمرنا، وإذا جاءكم عنّا حديث فوجَدتم عليه شاهداً أو شاهدَين من كتاب الله فخذوا به، وإلاّ فقفوا عنده، ثُمّ ردّوه إلينا حتّى يستبينَ لكم) .

٢٣٥

والأحداث والجهات الأخرى كما رُصدت واقعة كربلاء.

فمع وجود هذه المادّة الوفيرة والكثيرة، لا ينبغي لأحد أن يترك الضبط، غاية الأمر لابدّ من اتّباع الموازين كما سيتبيّن.

مثلاً عقدَ ابن عساكر في تاريخ دمشق باباً خاصّاً في تاريخ الحسين (عليه السلام)، وما جرى عليه من أحداث حتّى شهادته (عليه السلام)، ونَقل بطرق عديدة، وهو حافظ من الحفّاظ الكبار عند العامّة، وذكرَ من مصادر عديدة أنّ السماء بكت دماً، وإنّه ما قُلب حجر يوم عاشوراء بعد مصرع سيّد الشهداء (عليه السلام) إلاّ وكان خلفه دم عبيط، وكذلك الأمر في أرض الشامات وما حولها.

ويذكر ابن عساكر حوادث أخرى في تاريخه، وذكرها غيره أيضاً، ومنهم: الخطيب البغدادي في تاريخه، ومن كُتب العامّة التي تناولت واقعة الطف: مقتل الخوارزمي، وتاريخ الطبري، والكامل لابن الأثير وغيرها من مصادر العامّة.

وقد نُقلت واقعة الطف في كثير من مصادر الشيعة، مثلاً: كتاب أمالي الشيخ الصدوق (قدِّس سرّه) فيه عدّة مجالس، إذا جُمعت تكون مقتل خاص، ويذكرها بأسانيد له تصل إلى المعصومين (عليهم السلام).

هذا بالنسبة لضابطة الرواية في باب الفروع.

الروايةُ في باب العقائد

أمّا الرواية في باب العقائد، فالذي عليه مشهور متكلّمي الشيعة، أنّ العقائد لا تثبت إلاّ بالخبر القطعي، ولا تثبت بالخبر الظنّي.

أمّا مشهور المُحدّثين، فقد ذهبوا إلى أنّ العقائد يمكن أن تثبت حتّى بالخبر

٢٣٦

الظنّي المعتدّ به، وأمّا بقيّة فقهاء الشيعة فبعضهم التزمَ بأنّ العقائد لا تثبت إلاّ بالخبر القطعي، وذهب بعضهم إلى التفصيل، فالمعارف الأساسيّة لابدّ من الدليل القطعي في مقام إثباتها، أمّا المعارف غير الأساسيّة وتفاصيل وفروع المعارف، مثل: كيفيّة نشأة البرزخ، وكيفيّة نشأة القيامة وتفاصيلها التي لا يصل إليها العقل، ونشأة الجنّة وتفاصيلها فيمكن إثباتها بالأخبار الظنّيّة.

وقد ذكرَ هذه الأقوال الشيخ الأنصاري في بحث الانسداد، وذهبَ إلى التفصيل: الشيخ الطوسي، والمحقّق الطوسي (الخواجة نصير الدين الطوسي)، والمقدّس الأردبيلي، والميرزا القمّي (صاحب القوانين)، والشيخ البهائي، والعلاّمة المجلسي، والتزموا بإمكان ثبوت تفاصيل المعارف والعقائد بالأخبار الظنّية اعتماداً على الدليل المعتبر الظنّي.

ومن المتأخّرين في عصرنا ممّن اختار هذا القول: السيّد الخوئي (قدِّس سرّه) في كتاب مصباح الأصول، ضمن بحث (حجيّة الظن في الأصول الاعتقاديّة)(١) ، وأستاذه المرحوم المحقّق الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (قدِّس سرّه) في شرحه على الكفاية في باب الانسداد، حيث قرّر إمكان الاعتماد على الدليل الظنّي المعتبر في تفاصيل العقائد.

وقد يظهر من آثار وتقريرات المرحوم أقا ضياء العراقي الميل إلى ذلك.

فإذا تشكّل من الخبر الواحد درجة من الاطمئنان أو التواتر أو الاستفاضة، فيمكن إثبات العقائد به.

وإن لم يتشكّل منه التواتر أو الاستفاضة، فإن كان الخبر الواحد معتبراً، فهناك ثلّة من علماء الإماميّة قديماً وحديثاً ذهبوا إلى إمكان إثبات فروع

____________________

(١) راجع مصباح الأصول ٢: ٢٣٨.

٢٣٧

وتفاصيل العقائد بالخبر الظنّي المعتبر، وإلاّ فيمكن جعله قرينة إضافيّة يضمّ إلى قرائن أخرى؛ ليقوى احتمال ثبوت المؤدّى وذلك حسب نظريّة تراكم الاحتمالات.

من باب النموذج في أصول الكافي، رواية معتبرة السند في فضيلة ليلة القدر، عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال:(لقد خلقَ الله جلّ ذكرهُ ليلة القدر، أوّل ما خلقَ الدنيا ولقد خلقَ فيها أوّل نبي يكون، وأوّل وصي يكون، ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المُقبلة، مَن جحدَ ذلك فقدّ ردّ على الله عزّ وجل علمهُ..) (١)، فهذه الرواية تدلّ على لزوم الأخذ بالخبر المعتبر في تفاصيل العقائد، نظير العديد من الروايات في هذا المجال.

كان هذا كلّه في مقام الرواية، أي: الرواية في الواقعة العاشوريّة، الرواية في الشعائر الحسينيّة، وقبل أن نتعرّض إلى المقام الثاني، وهو مقام تمحيص مفاد الرواية في الشعائر الحسينيّة، نستخلص نقطة للمقام الأوّل(٢) ، وهي: أنّ الرواية التاريخيّة - في الضابطة التي ذكرناها - هل لها موطن قَدم في الروايات المنقولة عن كربلاء وعن نهضة كربلاء؟ وما حال الرواية فيها، هل هي الرواية القصصيّة؟ أم الرواية في الفروع؟ أم الرواية العقائديّة؟ أم الرواية التاريخيّة؟

قال بعض: لمّا كانت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) هي نهضة معصوم وفعل معصوم، فمن ثَمّ يجب أن تخضع الرواية التي ينقلها الخطيب أو الشاعر أو الراثي

____________________

(١) أصول الكافي، كتاب الحجّة: باب ٤١ - ٣٠٨.

(٢) راجع المقام الأول ص: ٢٢٠ من هذا الكتاب.

٢٣٨

إلى موازين الرواية في الفروع، وإلاّ كانت تقوّلاً على المعصوم (عليه السلام)، وأن يُنسب للمعصوم ما لا نملك دليلاً على نسبته إليه، ولكنّ هذه الدعوى بإطلاقها غير صحيحة، فنحن نُسلّم أنّ نهضة الحسين (عليه السلام) فعل المعصوم، إلاّ أنّ تاريخ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتاريخ بقيّة الأئمّة (عليهم السلام) أيضاً يخضع للضوابط التاريخيّة.

والهدف من الرواية المنقولة هو: نقل مسرح الأحداث وتفاصيلها التي لا تتّصل بالمواقف الرئيسيّة المتعلّقة بالحكم الشرعي أو العقائدي، أو من جهة أخذ العبرة، كما في باب الآداب الشرعيّة أو العامّة، أو أخذ العبرة في باب الحكمة، أي أنّنا لا نتوقّع من هذه الرواية التاريخيّة أن تُثبّت فرعاً من الفروع أو حكماً من الأحكام - فرعيّاً أو عقائديّاً -؛ وإنّما الهدف لمّا كان حكمه ثابتاً ومقرّراً أن نأخذ العبرة في كيفيّة تطبيقه، ونأخذ العبرة في كيفيّة لزوم التقوى مثلاً، ونأخذ العبرة في ما شابه ذلك من السير والسلوك الأخلاقي، فإذاً هذه هي ضابطة المادّة التاريخيّة والبحث التاريخي، وهو أن لا تُثبّت حكماً فرعيّاً أو عقائديّاً؛ وإنّما الغاية هو أخذ العبرة والموعظة لمَا هو مقرّر وثابت.

وبذلك تثبت ضابطة البحث التاريخي، وهذا هو مجال الرواية التاريخيّة في الواقعة الحسينيّة، وفي نهضة الحسين (عليه السلام وفي عاشوراء - سواء في الرواية، أو في الكتابة، أو الخطابة، أو الشِعر، أو غير ذلك - لا سيّما إذا كان هذا الأمر التاريخي واصلاً على نحو الاستفاضة، بنفس الضوابط التاريخيّة التي مرّ ذكرها.

إذاً، ليس كلّ ما يُسرد رواية في باب أقسام الشعائر الحسينيّة - من الخطابة، والشعر، والنثر، والكتابة - له حيثيّة أحكام فرعيّة أو عقائديّة، بل شطر منه من باب الرواية التاريخيّة والمواعظ والعِبر، وما يقوم به الواعظ أو المرشد لبيان سيرة

٢٣٩

الأئمّة (عليهم السلام)، وآدابهم ومظلوميّتهم ليس في مقام تثبيت حكم شرعي ولا حكم عقائدي؛ وإنّما في مقام تربية السامع ووعظه وإرشاده، فحينئذٍ في مقام المواعظ والنصائح التي تقع في مضانّها لا يُطالب الناقل بالسند المعتبر، ولا يجري توخّي ميزان الرواية في باب الاستنباط والحكم الشرعي، بل ينبغي أن تجري ضابطة النقل التاريخي؛ لأنّ الناقل في مقام العِبرة والموعظة وبيان الحكمة، أو في مقام الإخبار عن مجمل وتفاصيل الحدَث لا مجرياته الأصليّة.

إذاً، مسرح ومجال الرواية التاريخيّة في واقعة عاشوراء ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، هو هذا الجانب، أي جانب العبرة والموعظة والنصيحة والإرشاد والسرد لتفاصيل الحدَث.

وقد ذكرَ أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة - في خطبة غرّاء في قواعد علم التاريخ - هذا المضمون في قوله:(إنّي وإن لم أكن عمّرتُ عُمر مَن كان قبلي، فقد نظرتُ في أعمالهم، وفكّرتُ في أخبارهم، وسرتُ في آثارهم، حتّى عدتُ كأحدهم، بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرتُ مع أوّلهم إلى آخرهم) (١) .

والعِبر والموعظة والمعرفة التفصيليّة لجزئيّات الأحداث، مطلب يغاير باب الاستنباط وتحرير الأحكام الشرعيّة، وهذه هي ضابطة الرواية التاريخيّة في الشعائر الحسينيّة.

أمّا الرواية القصَصيّة - التي ذَكرنا أنّ الخطباء والشعراء والرواديد يتعرّضون لها، أو ما يسمّى بالتمثيل (الشبيه)(٢) وغيره، حيث يؤتى بما يعبّر عنه بـ(لسان

____________________

(١) نهج البلاغة، طبعة محمّد عبدة ٣: ٤٠.

(٢) المسرحيّات الشعبيّة لأحداث الواقعة.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440