الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد13%

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 440

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131218 / تحميل: 6172
الحجم الحجم الحجم
الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

الحال)(١) ، ويتوصّل به إلى ترسيم الصورة المراد تجسيدها - فالضابطة التي ينبغي اتّباعها وممارستها في بيان حوادث وأبعاد واقعة عاشوراء هي: أن يؤول إلى أمر حقيقي، بأن يتوخّى الخطيب أو الشاعر، أو الكاتب، أو الراثي، نقل أمرٍ تاريخي ثابت بحسب الضابطة التاريخيّة، لا بالضابطة الشرعيّة للاستنباط، بعد أن يتثبّت الأمر تاريخيّاً، أو قُل يثبّت أمراً فرعيّاً، حتّى يتناول ذلك المعنى الصادق بالرواية القصصيّة، أو ما يُعرف بـ(لسان الحال)، أو ما يقال بـ(الرسم والتصوير التمثيلي) في علم البلاغة.

بحيث إنّه قد ثبتَ لدى الشاعر أو الناثر شكل تفجّع الزهراء (عليها السلام)، أو العقيلة زينب (عليها السلام) مثلاً أو غيرها من المواقف المؤلمة، فيريد أن يصوّر تلك الحقيقة التي هي حقيقة مؤثّرة ومفجعة لا يتحمّلها إنسان ذو ضمير، ويرسمها بشكل لسان الحال، فضابطة الرواية القصَصيّة هنا ينبغي أن تتّبع حقيقة ما، إمّا حقيقة تاريخيّة، أو حقيقة فرعيّة، أو حقيقة عقائديّة، ولولا ذلك لكانت الرواية القصصيّة خرافيّة.

وإنّما المراد الإخبار عن مغزى معيّن وقد ينتج - على سبيل المثال - فيلماً ليس له واقعيّة، ليس له غالباً إخبار عن الواقع، لكنّ مغزاه الذي يروم الكاتب القصصي التوصّل إليه له مغزى حقيقي - إذا كان الكاتب صادقاً في غرضه - كأن يريد أن يتوصّل إلى حُسن الوفاء مثلاً، أو إلى دناءة الفاحشة، فيجب أن يعتمد الراوي لقضيّة قصصيّة على حقيقةٍ ما أوّلاً، ثُمّ يصوّرها بترسيم تنفيذي،

____________________

(١) مثل قول الشاعر السيّد رضا الموسوي الهندي:

ولو ترى أعين الزهراء قرّتها والنبلُ من فوقه كالهـُدب ينعقد

إذاً لحنّت وأنّت وانهمَت مُقلٌ منها وحَرّت بنيران الأسى كبدُ

٢٤١

بالاستعارة وأقسامها، والتشبيه، والبديع، كما هو مرسوم في علم اللغة.

فأوّلاً يجب أن يعتمد على الحقيقة، وهذه ضابطة لا بدّ منها في واقعة عاشوراء، حيث يجب على الخطيب القصصي، أو الراثي، أو الناثر، أو الشاعر أن يلتزم بهذه الضابطة، وينصب قرينة على أنّه بصدد التصوير التمثيلي لا الإخبار الحقيقي، نعم، مغزى وهدف التصوير التمثيلي هو الحقيقة.

نعم، يجب أن يكون هذا الرسم متناسباً مع الحقيقة وليس مناقضاً لها؛ لأنّ الأديب يريد أن يصوّر صبر العقيلة (عليها السلام) مثلاً، ثُمّ يرسم رسماً تصويريّاً في نثر، أو شعر، أو خطابة يناقض صبر العقيلة كان غير موفّق في عمله، فلابدّ أن يكون رسماً يناسب ذلك المعنى والمغزى المراد.

هذه إذاً الضابطة في الرواية القصصيّة، وهناك أمر آخر في ضابطة الرواية القصصيّة، هي غير الضابطة الذاتيّة الداخليّة التي ذكرناها للرواية القصصيّة، وهي: أنّه يجب أن يخضع الأسلوب القصصي التصويري للسمت التاريخي أو السمت الروائي الفرعي؛ لأنّ المفروض هو أنّ هذا القسم - من الكتابة، أو من الأسلوب الأدبي، أو التصوير التمثيلي - ليس عمدة في باب الأدب، وإنّما هو كحاشية وأسلوب يُستعان به في بيان الحقائق، فالواقعة - التي هي ناصعة بالحقيقة - مليئة بالعطاء يجب أن لا نتوخّى فيها الرسم القصصي والرواية القصصيّة، بحيث يكون لها الغلبة على الأنحاء الأخرى للرواية المسندة أو التاريخيّة، ونترك السرد التاريخي الحقيقي، أو نترك السرد الروائي المسند.

هذا - بلا شكّ - إفراط في التصوير التمثيلي قد ينقض الغرض من التصوير التمثيليّ بدل أن يحقّقه؛ لأنّه إذا أفرطنا في التصوير التمثيلي - وأكثرنا فيه على

٢٤٢

حساب السرد التاريخي أو التحليل التاريخي، وعلى حساب الروايات المسندة من المصادر المعتبرة - فإنّنا سوف نَحجب الصورة الحقيقيّة للواقعة؛ لأنّ الغاية من الأسلوب الأدبي - في الرواية القصصيّة أو النثر القصصي أو الشعر - هو نشر الحقائق لا طمسها، فالإفراط فيه على حساب بقيّة الجهات من الرواية التاريخيّة أو الرواية المسندة في الفروع، أو المسندة في العقائد، لا شكّ أنّه نقض للغرض، نقض للغرض من الشعائر الحسينيّة بالذات، ونقض للغرض حتّى من نفس الرواية والأسلوب القصصي.

فإذاً، أوّلاً وبالذات، ينبغي أن يعتمد الخطيب والشاعر والكاتب والراثي على بيان الحقائق التاريخيّة، أو الحقائق المُسندة بالروايات وبالكتب التاريخيّة أو الروائيّة الحديثيّة، ثُمّ إذا ثبّت للآخرين - مستمعين كانوا، أو مشاهدين، أو قارئين...ـ ما هي حقيقة الواقع، شرعَ بعد ذلك يستثير عواطفهم ويصوّر لهم عظمة وهول هذه الحقائق، ومقدار عُظم الفاجعة وجلل الرزيّة، فيأتي الدور المتأخّر للرواية القصصيّة.

وكثيراً ما يُخلط بين المساحة للرواية التاريخيّة، والمساحة للرواية القصصيّة (لسان الحال وما شابه ذلك)، وبهذا المقدار في المقام الأوّل من الجهة الرابعة اتّضح ضابطة وموارد الرواية التاريخيّة في واقعة عاشوراء، وموطن الرواية القصصيّة، وموطن وضابطة الرواية العقائديّة أو الفرعيّة، إذ ليس من الصحيح بحالٍ من الأحوال أن تأخذ الضابطة لأحدها على حساب الأخرى.

هذا بالنسبة للمقام الأوّل.

٢٤٣

المقامُ الثاني

ضابطة وميزان التحليل للرواية وكيفيّة قبولها سواء كانت تاريخيّة، أو قصصيّة، أو فرعيّة، أو عقائديّة(١) .

البعض قد يُحكّم الإدراكات العقليّة الظنيّة، والبعض الآخر قد يُحكّم الاستحسانات.

فما هي الضابطة - على كلّ حال - في قبول الرواية التاريخيّة، أو الروايات الحديثيّة عن واقعة كربلاء أو تفنيدها؟

هذا هو المقام الثاني، هل أنّ ميزان اعتبار الروايات بأقسامها الأربعة التي ذكرناها، يخضع للإدراكات الظنّيّة العقليّة أو للاستحسانات، أم لأمور أخرى؟

الرواية في الفروع أو في العقائد إذا كانت عن واقعة عاشوراء، فمن الواضح أنّها خاضعة لموازين باب الاستنباط في الفروع أو في العقائد، ولكن - للأسف - قد نلاحظ نقضاً أو إبراماً، نفياً أو إثباتاً ممّن يقوم بالمساهمة في الشعائر الحسينيّة، حيث لا يستعين في هذا الباب (الرواية في مفاد الفروع، أو مفاد عقائدي)، بموازين مقررّة، فمع كونه غير مجتهد فإنّه لا يستعين بآراء فقهاء الإماميّة؛ وإنّما يتّخذ الموقف بنفسه، والحال أنّه ينبغي له أن يستعرض أقوال العلماء في المسألة؛ لأنّ المفروض أنّ هذا بحث تخصّصي، فإذا كان كذلك، فهو إذا قام بنشاط في مجال الشعائر من طريقة الشِعر، أو النثر، أو الخطابة، أو الرثاء،

____________________

(١) تطّلع على المقام الأوّل ص: ٢٢٠.

٢٤٤

وتعرّض لذلك المفاد الفرعي، أو المفاد العقائدي نفياً أو إثباتاً بمعزل عن آراء الفقهاء والعلماء وبعيداً عن أقوالهم، فسوف لن يصل هذا الشخص إلى النتيجة الصائبة والهدف المطلوب، بل سوف يُسيء للشعائر الحسينيّة وهو يحسب أنّه يُحسن صُنعاً.

وقد شملت نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) سُنناً عديدة فرعيّة أو عقائديّة، ممّا يستلزم رجوع المُساهم فيها إلى أصحاب التخصّص إذا أراد معالجة حكم فرعي أو حكم عقائدي.

وكذلك بالنسبة إلى قضيّة البكاء التي سنبحثها في الجهة الآتية، إذ هناك تحليلات حول استحباب البكاء أو رجحانه، وحول إدخال التمثيل و(الشبيه) أو الآلات الموسيقيّة في الموكب الحسيني وغير ذلك، فالمفروض أن يُرجع في مثل هذا البحث إلى أهل الاختصاص، ومن هذا القبيل أمر تحليل الرواية في شؤون واقعة كربلاء سواء الرواية الفرعيّة، أو المرتبطة بمضمونٍ عقائدي.

فتحكيم العقل الظنّي أو العقل الاستحساني، يُشكّل خطورة على المعتقدات ويعتبر مَحقاً للدين؛ لأنّ ذلك ليس مقياساً وميزاناً لمثل هذه الأمور الشرعيّة.

أمّا في استخلاص المفاد في الرواية التاريخيّة أو الرواية القصصيّة؛ فإنّ التحليل التاريخي يخضع لوجود قرائن ومصادر تاريخيّة، ولو كانت هذه المصادر متأخّرة بحسب درجتها في الاعتبار.

بحيث لو ذَكرت المصادر التاريخيّة المتأخّرة حَدَثاً تاريخيّاً لم نعثر عليه في المصادر المتقدّمة التي وصلت بأيدينا، فلا ينبغي طرحه وإهماله.

مثلاً: كتاب أخبار المدينة للزبير بن بكّار، ينقل كثيراً من الحقائق التي لم

٢٤٥

تُدوّن في كتب التاريخ والسيرة، وينقلها عنه ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة، والحال أنّ الزبير بن بكّار كان في أوائل أو منتصف القرن الثالث، ويذكر حقائق حول قضايا تاريخيّة، حول تاريخ المدينة، فلا تُطرح هذه الأحداث بسبب عدم درجها وتدوينها في الكتب التاريخيّة التي تقدّمت عليه.

فإذا ذَكر أحد المتقدّمين واقعة تاريخيّة أو حَدثاً ولم يكن منحرفاً في عقيدته فلا يُهمل ذلك النقل ولا يُطرح، إذ من المحتمل أنّه توفّرت لديه مصادر غنيّة جدّاً لم تصل بأيدينا، كما يُنقل عن السيّد ابن طاووس، حيث إنّ المصادر التي توفّرت عنده كانت كثيرة جدّاً وغنيّة ذكرها أصحاب التراجم، لكنّ المصادر القديمة التي سبقت ابن طاووس لم تصل بأيدينا، فحينما يَذكر ابن طاووس في كتابه اللهوف في قتلى الطفوف - مثلاً - أمراً تاريخيّاً، فلابدّ من الأخذ به؛ لتعذّر إثبات عدم نقل المصادر المتقدّمة عنه لذلك الحَدَث التاريخي، هذا إذا كانت حيثيّة البحث تاريخيّة وليست استنباطيّة فرعيّة(١) .

وينبغي التفريق بين الحيثيّات نفياً وإثباتاً، فإذا كان الباحث في مقام حيثيّة البحث التاريخي فلا يحتاج أن يكون الحديث مسنداً متسلسلاً روائيّاً، بل تبقى الواقعة المذكورة كواقعة تاريخيّة ذُكِرت وأُرّخت محتملة الصدق

____________________

(١) باعتبار أنّ واقعة كربلاء والشعائر الحسينيّة تختلف فيها حيثيّات البحث، فمن ثَمّ، يُحتمل للخطيب، أو الشاعر، أو الراثي، أو الكاتب للقصّة أن يمرّ بمقطع من المقاطع في حيثيّة تاريخيّة، ثُمّ ينتقل إلى حيثيّة فرعيّة، ثُمّ ينتقل إلى حيثيّة عقائديّة، ثُمّ يرجع إلى قضيّة قصصيّة، هذه الجهات متشابكة، ولا سيّما أنّها مركّزة حول شخصيّة واحدة، وهي شخصيّة المعصوم (عليه السلام)، فحينئذٍ يقع الخلط والالتباس، سواء عند المُثبِت أو النافي بين هذه الجهات وبين هذه الحيثيّات المتنوّعة.

٢٤٦

والكذب ما لم تقم عليها شواهد أخرى مؤيّدة.

وقلنا: إنّ أقسام الشعائر الحسينيّة لم تقتصر على الروايات التي هي في باب الفروع، أو الروايات التي هي في باب العقائد، وقد يكون جملة منها من قسم الرواية التاريخيّة أيضاً.

فتحصّل: أنّ أيّة مفردة تاريخيّة في الشعائر الحسينيّة لابدّ من تحليلها تحليلاً وافياً من جميع الجهات، وينبغي عدم الخلط بين موازين الرواية في باب الفروع، أو في باب العقائد - الذي هو ميزان استنباطي اجتهادي - مع ميزان الرواية التاريخيّة.

وفي واقعة كربلاء قلنا إنّ حيثيّات وجِهات الرواية تختلف على صعيد الأقسام الأربعة للرواية.

إشكالٌ وجواب

ومن الإشكالات التي تطرح استخلاص المادة التصويريّة التمثيليّة، هي: أنّ واقعة كربلاء باعتبارها واقعة صدق وواقعة حقيقة، فكيف نرسمها نحن بتصوير تمثيلي على أساس قواعد علم الأدب والبلاغة، أو على غِرار الرواية القصصيّة، كيف نرسمها بأسلوب قصصي، هذا ممّا يطمس الحقائق في واقعة كربلاء ويُخفي الصدق في تلك الواقعة، والحال أنّه لابدّ أن يظهر الصدق والحقيقة فيها، فكيف نطمسها بخرافات.

قلنا: إنّ هذه الدعوة في الجملة صحيحة، وهي: أنّ طغيان الأسلوب القصصي أو التصوير التمثيلي - الذي يُعبّر عنه بلسان الحال، أو بلسان التمثيل - إذا طغى على

٢٤٧

جميع مُجريات الشعيرة الحسينيّة، فلا ريب أنّه سوف يزوي جانب الحقيقة، ويحيد جانب الصدق في واقعة كربلاء، فالمفروض أن لا يكون همّ الخطيب أو الراثي أو الشاعر منحصراً في التصوير بالرواية التاريخيّة أو القصصيّة؛ لأنّه إذا ملأه بهذا الجانب فإنّه سوف يطمس جانب الواقع والحقيقة، ولكنّ هذا لا يعني أنّنا نلغي ونسدّ باب الأسلوب القصصي والتمثيلي في واقعة كربلاء، بل حتّى في الوقائع الأخرى؛ لأنّنا قلنا: إنّه ينبغي أوّلاً (كما هو منهج وضابطة الأسلوب القصصي والتصوير التمثيلي) أن يجري ذِكر الحقيقة، وذِكر كلّ خصوصيّات الحقيقة في أيّ واقعة معيّنة، فيُذكر مَعلم من معالم واقعة كربلاء الخالدة، ثُمّ لأجل التفاعل المطلوب اللازم مع حجم وخطورة الحدَث في الدين واستثارة العواطف - واستثارتها بحقّ لا بباطل، إذ كلّ حقيقة تتطلّب حيويّة روحيّة تناسب درجتها، أي تجسيد هذه الواقعة الحقيقية كصورة ماثلة حيّة لدى المستمعين أو القرّاء أو المشاهدين - ينبغي اعتماد التصوير التمثيلي.

والغرض منه ليس الإخبار بالمفاد المطابقي، بل الإخبار بالمفاد الالتزامي واللحاظ التَبعي فحينئذٍ لابدّ للناثر والخطيب والشاعر والراثي - بعدَما يروي رواية تاريخيّة صادقة (مقطع من مقاطع كربلاء)، ومن أجل أن يبيّن شدّة الحزن وعُظم الفاجعة فيها - أن يستعين بأساليب معيّنة ومنها التمثيل، حيث له دور في اتّساع المخيّلة والواهمة وفتح بقيّة قوى النفس على مصراعيها؛ لأجل الانجذاب إلى العقل وإلى ما أدركه العقل من صدق الواقعة ومن عُظم المصاب فيها، وما أدركه من ضرورة الوقوف إلى جانب الحقّ ونصرته، ومجانبة الظلم والعدوان ومحاربته.

ومن الغريب، أن يُفنّد بعض المحقّقين باب الرواية القصَصيّة أو التصوير

٢٤٨

التمثيلي ويُفنّده بدعوى أنّ الأسلوب القصصي كاذب، فلا يمكن اعتماد الكذب في واقعة كربلاء، والحال: أنّ البشريّة كلّها تعتمد هذا الأُسلوب، ومدار الصدق والكذب في هذا الأسلوب هو المدلول الالتزامي لا المدلول المطابقي، مثلاً إنتاج الفيلم ليس له أيّ واقعيّة حينما يكتبه كاتب قصصي، فإذا كانت غاية الفيلم تربية المجتمع على قضيّة أخلاقيّة سامية، فيقال: بأنّ هذه الرواية القصصيّة صادقة، صادقة لا بلحاظ مضمونها المطابقي؛ وإنّما بلحاظ غايتها، أمّا إذا كان فيلماً روائيّاً يصوّر من قِبل الراوي القصصي لأجل إشاعة الخيانة أو التعدّي على الآخرين، فيقال: إنّ هذا الكاتب منحلّ وكاذب ومخالف للحقيقة البشريّة، فالصدق والكذب في الرواية القصصيّة يدور مدار الغاية والجنبة الالتزاميّة، ولا يدور مدار المفاد المطابقي.

غاية الأمر أنّ لكلّ من الرواية القصصيّة والرواية التاريخيّة والرواية الفرعيّة مجالاً، كما أنّ للرواية في باب العقائد مجالاً ضمن مجموع نشاطات وآليّات الشعائر الحسينيّة، أي: الشعر، والنثر، والخطابة، والرثاء، فالمفروض هو عدم طغيان أحد الجوانب على الجانب الآخر، وينبغي أن يكون الأسلوب القصصي مؤدّياً للتفاعل مع الحقيقة، ولكن بشكل عاطفي صادق.

والأمثلة كثيرة، ولكن ينبغي الانتباه في تطبيق الضوابط السابقة التي ذكرناها للقارئ الكريم.

٢٤٩

٢٥٠

الجهةُ الخامسة: البكاءُ في الشَعائر الحسينيّة

٢٥١

٢٥٢

البكاءُ في المَصادر المُعتبرة

البكاء: أحد أقسام الشعائر الحسينيّة، ولأهمّيّته عقدَ المرحوم الشيخ المجلسي (قدِّس سرّه) - في كتابه بحار الأنوار - باباً خاصّاً للبكاء على مصيبة سيّد الشهداء(١) ، وقد جمعَ في ذلك الباب ما يزيد على الخميس طريق أو رواية، وأيضاً عقدَ باباً آخر، وهو باب (ثواب مَن أنشدَ في الحسين عليه السلام شِعراً).

وقد عقدَ الشيخ الحرّ العاملي بدوره في كتاب وسائل الشيعة، كتاب المزار، آخر كتاب الحجّ(٢) ، باباً جمعَ فيه بالتحديد عشرين رواية أو طريق في ثواب البكاء، وهناك أبواب أُخرى ذَكرها صاحب الوسائل تقرب من أربعين باباً (في أبواب المزار)، اشتملت على أقسام عديدة في الحثّ على الشعائر الحسينيّة، من قبيل: زيارته (عليه السلام)، وإقامة المأتم عليه، والبكاء، وإنشاء الشِعر وإنشاده وغيرها.

وهذه الروايات - التي جَمعها صاحب الوسائل في باب ٦٦ - ليست هي الروايات الوحيدة التي وردت في البكاء، بل الأبواب الأخرى أيضاً متضمّنة لذلك، حيث فيها روايات عديدة متعرّضة لأمور أخرى، ثُمّ تُعرّج على البكاء

____________________

(١) في ج ٤٤: باب ٣٤ في تاريخ الحسين (عليه السلام)، باب ثواب البكاء على مصيبته (عليه السلام).

(٢) كتاب الحج: باب ٦٦.

٢٥٣

بنحوٍ أو بآخر.

وكمحاولة لجمع الروايات في هذا الباب فهي تقرب من خمسمائة رواية(١) .

أمّا كتاب مُستدرك الوسائل للمحقّق الشيخ النوري (قدِّس سرّه)، فقد نقلَ في أبواب المزار(٢) روايات تطرّقت لموضوع البكاء بطرق عديدة، سواء كانت تحت عنوان البكاء مباشرة، أو تحت عناوين أخرى أيضاً واردة لمناسبة أو أخرى، إلاّ أنّها تتعرّض للبكاء.

ومن الكتب التي تطرّقت لهذا البحث: كتاب كامل الزيارات لابن قولويه، شيخ الطائفة في عصره (جعفر بن محمد القمّي) المعروف، وهو أستاذ الشيخ المفيد،

____________________

(١) المصادر التي يعتمد عليها صاحب الوسائل، والمصادر التي يعتمد عليها العلاّمة المجلسي، بينهما عموم وخصوص من وجه؛ باعتبار أنّ المرحوم المجلسي لم يُكثر من النقل من الكتب الأربعة حفاظاً على بقاء شهرة الكتب الأربعة، ولكي لا تُستبدل الكتب الأربعة بالبحار، فإنّه - تقديساً لهذه الكتب - لم ينقل عنها الكثير؛ وإنّما نقلَ من كتب أخرى، بينما صاحب الوسائل كان نقله أكثر شيء من الكتب الأربعة، ثُمّ في المرحلة الثانية على كتب أخرى.

ولذا يوصي بعض أكابر العلماء بمراجعة الدورة الفقهيّة الموجودة في بحار الأنوار والمختصّة بالفروع، والتي هي تبدأ من ج ٨٠ (من البحار) إلى ج ١٠٠، حيث إنّ هذه الروايات في البحار مصادرها تختلف غالباً - من أوّل كتاب الطهارة إلى الديّات - عن الروايات الموجودة في الوسائل، وإن كان بينها اشتراك.

(٢) مستدرك الوسائل ١٠: ١٨١.

هناك نظرة وهي: أنّ كلّ ما في المستدرك من طُرق فهي ضعيفة، وهذه نظرة خاطئة؛ لأنّ المستدرك يعتمد على الروايات التي فاتت صاحب الوسائل والموجودة في مصادر مختلفة مثل: قرب الإسناد، ومحاسن البرقي، وكتب الصدوق، كعيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ومعاني الأخبار والأمالي، وعِلل الشرائع وغيرها، هذه الروايات من هذه الكتب أكثرها مُسندة وليست مرسلة ولا مقطوعة.

٢٥٤

والكتاب مشهور بين علماء الطائفة.

والمجاميع المتأخّرة وإن كانت تُبوّب هذه الأبواب، إلاّ أنّ المتتبّع لها وللكتب القديمة يجد - مثلاً - رواية عُثر عليها في بعض الكتب المتأخّرة الثقافيّة، منقولة عن كتاب محاسن البرقي، لم يوردها صاحب الوسائل ولا المستدرك، ونقلها البرقي في باب الأطعمة والأشربة، عند ذِكر الطعام الذي يُقدّم للسجّاد (عليه السلام)، وهي مرتبطة بالبكاء على الإمام الحسين (عليه السلام).

فتقصّي الكتب المتقدّمة والمتأخّرة ومراجعتها أمر لازم، وقد مرّ بنا أنّ في كتاب أمالي الصدوق (قدِّس سرّه) عُقدت عدّة مجالس - أو أمالي - في المقتل قد يُطلق عليه مقتل الصدوق، ولو اقتُطع هذا الجزء وأُبرز ككتاب مستقلّ بحيث يكون باسم (مقتل الشيخ الصدوق (قدِّس سرّه))، لكان مصدراً معتمداً في هذا الباب أيضاً.

البكاءُ ذَروة الشَعائر الحسينيّة

يعتبر البكاء من عمدة أقسام الشعائر الحسينيّة - كما في كلمات الفقهاء والمحقّقين والمؤرّخين - بل نستطيع أن نسمّيه الشريان الدموي للعديد من الأقسام في الشعائر الحسينيّة، مثلاً: انظر إلى الخطابة، أو إلى الشعر، أو النثر، أو الرثاء، أو التمثيل - الشبيه - أو انظر إلى اللطم والعزاء، أو لبس السواد؛ فإنّ كلّ هذه الظواهر المختلفة من الشعائر الحسينيّة، حينما تريد أن تتألّق وتحلِّق وتبلغ ذروتها تصل إلى حدّ البكاء، فالبكاء حينما جعلناه قسماً من أقسام الشعائر الحسينيّة، فإنّه في الحقيقة هو ليس قسماً مقابل الأقسام الأخرى، بل ربّما جعله بعضهم مَقسماً لأقسام الشعائر الحسينيّة، وإن كان المَقسم للشعائر الحسينيّة هو ما

٢٥٥

ذكرناه في الجهة الأولى من تحديد الماهيّة الحقيقيّة للشعائر الحسينيّة، بلحاظ أنّها شعيرة وعلامة على معنىً سامٍ وحقيقة خالدة.

وهذا الاهتمام الكبير بالبكاء، إنّما نشأ من توصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة (عليهم السلام)، من خلال الحثّ الأكيد والتوجيه الشديد إليه، لذا اعتدّ به علماء الإماميّة - سواء المحدّثون، أو المؤرّخون، أو الفقهاء - في فتاواهم المتعلّقة بالشعائر الحسينيّة، حيث يبرز البكاء عندهم كأنّه العمود في خيمة الشعائر الحسينيّة، وما ذهبَ إليه فقهاء الإماميّة أو بقيّة أصناف علماء الإماميّة ليس هو فقط كفتاوى مسلّمة؛ وإنّما هو ما تشير إليه الأبواب العديدة الواردة في الشعائر الحسينيّة، وهو: أنّ البكاء هو عمدة ولُباب الشعائر الحسينيّة، وليس فقط قسماً من أقسام الشعائر الحسينيّة، بل هو لبّ الشعائر الحسينيّة وأهمّها(١) .

وكما ذكرنا أنّ الروايات التي تحثّ على البكاء وتبيّن فضيلته، ليست هي فقط تلك الأبواب التي عُقدت تحت عنوان (فضل البكاء وثواب البكاء على سيّد الشهداء (عليه السلام))، بل كلّ الأبواب التي وردت حوله تشير بأدنى مناسبة للبكاء، إمّا بلفظ البكاء، أو بما يرادفها، أو يلازمها وبإشارات مختلفة، حتّى أنّ بعض المتتبّعين

____________________

(١) مثلاً وردت عناوين عديدة فيما يتعلّق بتاريخ الإمام الحسين (عليه السلام) في كتاب البحار، أو في الكتب الروائيّة المتعدّدة التي أشرنا إليها.

كما في: مزار الوسائل، ومزار المستدرك، وفي كامل الزيارات، وكتب الشيخ الصدوق التي خُصّصت للروايات الواردة في قضيّة الحسين (عليه السلام)، مثل: مقتل الصدوق ضمن عدّة مجالس وردت في أمالي الصدوق، وعِلل البكاء في عِلل الصدوق وغيره، حتّى كتاب محاسن البرقي، وكتاب قرب الإسناد، وقد جُمعت كثير من الروايات في نفس عنوان الباب حول الحسين (عليه السلام)، إلاّ أنّها كلّها تردّد عنواناً معيّناً بألفاظ مختلفة وهو البكاء.

٢٥٦

ممّن له باع واسع في هذا التحقيق، ذَكر أنّه وردَ في ما يلازم ويرادف البكاء ما يقرب من خمسين لفظة حول الشعائر الحسينيّة، مثل: اللطم، أو اللّدم، القلق، الهلع، الجزع، البكاء، النوح، الندبة، الصيحة، الصرخة، الحزن، التفجّع، التألّم، وغيرها.

وأيضاً هناك إشارات أخرى في كيفيّة التركيز على البكاء، وإنّه من عمدة أبواب الشعائر الحسينيّة كذلك ما ذُكر في تاريخ الحسين (عليه السلام) - التاريخ الروائي - مضافاً لكتب التاريخ المختلفة، وكثير منها عن طريق مصادر العامّة، مثل: خيارات ابن عساكر، وتاريخ الخطيب البغدادي وغيرها، وكلّها تَذكر البكاء على سيّد الشهداء (عليه السلام)، حتّى الأنبياء قد بكوه قبل ولادته، بل قبل ولادة النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وتذكر أبواب عديدة في هذا السياق، مثل: بكاء أنواع المخلوقات، ويبيّن مجموع الروايات في الأبواب العديدة جزع وبكاء الخلقة بأكملها على مصيبة سيّد الشهداء (عليه السلام).

فقضيّة كون البكاء هو العمدة في الشعائر الحسينيّة يكاد يكون أمراً واضحاً، ولربّما يُدقّق في التعبير بأن يُقال: بأنّ البكاء هو جوهر وروح الشعائر الحسينيّة، وبحسب الأدلّة الواردة فإنّنا لو كنّا نجمد على ظاهر الأدلّة، لرأينا أنّ للبكاء مكانةً وأهميّة يتفرّد بها من بين أقسام الشعائر الحسينيّة الأخرى، فالبكاء كالجوهر والروح لأقسام الشعائر الحسينيّة، وكأنّما إلغاء البكاء عن الشعيرة الحسينيّة هو عبارة عن تخليته عن جوهره، ومسخ لتلك الشعائر عن حقيقتها.

٢٥٧

الجَزعُ في الشعائر الحُسينيّة

الجزع: هو غير الحزن وغير البكاء، إذ إنّ الجزع في اللغة هو شدّة الحزن وعدم التصبّر، أو هو نوع من إبداء التفجّع الشديد، بشقّ الجيب، ونتف الشعر، وضرب الرأس، وخمش الوجوه، أو الصراخ الشديد، وهذه كلّها تعبيرات عن معنى الجزع باللازم، وإلاّ فإنّ معنى الجزع: هو إظهار المرء للألم الشديد عند الحزن بصخب وتفاعل ساخن، هذا هو الجزع.

ووردت روايات في ذلك، وقد عَثرنا على ما يزيد على عشرين رواية واردة في الجزع فقط، وعدّة من أسانيدها صحيحة منها:

١ - ما رويَ عن الإمام الصادق (عليه السلام):(كلّ الجزع والبكاء مكروه، ما خَلا الجزع والبكاء لقتل الحسين (عليه السلام) (١) .

٢ - وما نقله صاحب الوسائل عن جعفر بن قولويه في المزار، بسنده عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول:(إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع، ما خلا البكاء على الحسين بن عليّ (عليه السلام) فإنّه فيه مأجور) (٢) .

٣ - وعن مسمع بن عبد الملك، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) في حديث:(أمَا

____________________

(١) وسائل الشيعة: ١٤: ٥٠٥، باب استحباب البكاء لقتل الحسين (عليه السلام)؛ بحار الأنوار: ٤٤: ٢٨٠ / ح٩ عن الصادق (عليه السلام):(كلّ الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين (عليه السلام)).

(٢) وسائل الشيعة ١٤: ٥٠٦.

٢٥٨

تَذكر ما صُنع به (يعنى بالحسين (عليه السلام)؟

قلتُ: بلى.

قال:أتجزع؟

قلت: إي والله، وأستعبر بذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك علي، فأمتنع من الطعام حتى يتبيّن ذلك من وجهي.

فقال:رَحم الله دَمعتك، أمَا إنّك من الذين يُعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحُزننا، أمَا إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك...) (١) .

٤ - نُقل في الوسائل عن مصباح الشيخ الطوسي، بسنده عن علقمة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في حديث زيارة الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء من قرب وبعد، قال:(ثُمّ ليندُب الحسين (عليه السلام) ويبكيه ويأمر مَن في داره ممّن لا يتّقيه بالبكاء عليه، ويُقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه، وليُعزّ بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين (عليه السلام)...) (٢) .

٥ - ما نقله صاحب مستدرك الوسائل عن نهج البلاغة، قال علي أمير المؤمنين (عليه السلام) على قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ساعة دُفن:(إنّ الصبر لجميل إلاّ عنك، وإنّ الجزع لقبيح إلاّ عليك) (٣) .

٦ - وفي صحيحة معاوية بن وهب نقلاً عن باب المزار في الوسائل، دعا

____________________

(١) وسائل الشيعة ١٤: ٥٠٧؛ ١٠: ٣٩٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٤: ٥٠٩.

(٣) مستدرك الوسائل ٢: ٤٤٥.

٢٥٩

الصادق (عليه السلام) بهذا التعبير:(... فارحَم تلك الوجوه التي قد غيّرتها الشمس، وارحَم تلك الخدود التي تقلّبت على حُفرة أبي عبد الله (عليه السلام)، وارحَم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمةً لنا، وارحَم تلك القلوب التي جَزعت واحترقت لنا، وارحَم الصرخة التي كانت لنا...) (١) .

فالروايات طرقها عديدة وصحيحة، وبعضها موثّق، فإذاً الجزع هو إشارة من إشارات البكاء.

ونظير هذا التعدّد في الطرق لهذه الطائفة من الروايات نجده في الكتب الأربعة أيضاً، في كتاب التهذيب للشيخ الطوسي، وكتاب الفقيه للشيخ الصدوق، وكتاب الكافي للشيخ الكليني التي هي من أهمّ مصادرنا.

فالحاصل: أنّ البكاء في الشعائر الحسينيّة - حسب ما ترسمه النظرة الأوّليّة العابرة للروايات المتواترة حول الشعائر الحسينيّة، وإقامتها في المصادر الروائيّة العديدة - فضلاً عن التاريخيّة - الروايات ترسم للناظر والمتتبّع رسماً أوّليّاً بديهيّاً فطرياً - هو جوهر الشعائر، وهو جوهر ذكرى نهضة الحسين (عليه السلام)، هذا كبحث إجمالي أوّلي من جهة أقوال علماء الإماميّة، ومن جهة نفس الروايات.

وأيضاً، كنظرة أوّليّة في الروايات أو في فتاوي العلماء، يظهر أنّ الحزن لا ينقضي إلاّ بظهور الإمام الثاني عشر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، والأخذ بثأر الدماء التي أُريقت في كربلاء مع الحسين (عليه السلام)، وتطبيق أهداف الأئمّة (عليهم السلام)، وبذلك نصل إلى صلاح البشريّة وانتشار القسط والعدل، وتحقيق أغراض وأهداف مسيرة الأنبياء، وهذا نوع من الثأر الشريف المنشود لدم الحسين (عليه السلام).

____________________

(١) وسائل الشيعة ١٤: ٤١١ - باب ٣٧ من أبواب المزار، نقلاً عن الكافي ٤: ٥٨٣.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

التي يحرم منهالعمرة التمتع - ومر بيانها - نعم، إذا كان المكلف في مكة وأراد الإتيان بالعمرة المفردة جاز له أن يحرم من أدنى الحلّ، كالحديبية والجعرانة والتنعيم، ولا يجب عليه الرجوع الى المواقيت والإحرام منها(١) ، ويستثنى من ذلك من أفسد عمرته المفردة بالجماع قبل السعي، فإنه يجب عليه الاحرام للعمرة المعادة من أحد المواقيت، ولايجزيه الاحرام من أدنى الحل على الاحوط، كما مر توضيحه في المسألة ٩٠.

مسألة ٣٩٩: لايجوز دخول مكة بل ولادخول الحرم إلا محرما(٢) ، فمن أراد الدخول فيهما في غير أشهر الحج وجب عليه

____________________

(١) فقد أحرم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد رجوعه من الطائف من الجعرانة.

(٢) لعدة من النصوص، ففي صحيحة ابن مسلم قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام هل يدخل الرجل الحرم (مكة) بغير إحرام ؟ قال: « لا، إلا مريضا او من به بطن » وفي صحيحة عاصم عنهعليه‌السلام : « يدخل الحرم احد إلا محرما ؟ قال: لا، إلا مريض أو مبطون » وفي مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب جميل عن بعض اصحابه عن احدهماعليهما‌السلام في الرجل يخرج من الحرم الى بعض حاجته ثم يرجع من يومه، قال: « لابأس بأن يدخل بغير احرام» وفي مرسلة البختري وابان عن رجل عنهعليه‌السلام في الرجل يخرج

=

٣٦١

أن يحرم للعمرة المفردة، ويستثنى من ذلك من يتكرر منه الدخول والخروج لحاجة كالحطاب والحشاش ونحوهما(١) ، وكذلك من خرج من مكة بعد إتمامه أعمال عمرة التمتع والحج، أو بعد العمرة المفردة فإنه يجوز له العود إليها من دون إحرام قبل مضي الشهر الذي أدى فيه عمرته، وتقدم حكم الخارج من مكة بعد عمرة التمتع وقبل الحج في المسألة ١٠.

* مسألة ٤٠٠: إذا أتى بالعمرة المفردة نيابة عن الغير، وخرج من مكة ورجع قبل مضي الشهر الذي أدى فيه العمرة، فهل يجوز له

____________________

=

في الحاجة من الحرم، قال: « إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، وإن دخل في غيره دخل بإحرام »، وما في المعتمد من أن المراد من دخول الحرم هو دخول مكة لعدم الريب في عدم وجوب الاحرام لمن كانت له حاجة في الحرم ولم يرد النسك، ودعوى أن القدسية والمزية والحرمة لمكة بخصوصها، خلاف ظاهر النصوص وإن القدسية والمزية لمكة أولا وبالذات وللحرم، وإلا ماوجه تسميته بذلك.

(١) كما هو مفاد بعض النصوص.

* اذا تكرر خروجه يوميا أو ثلاث او أربع مرات في الاسبوع لم يلزمه الاحرام للدخول.

٣٦٢

العود من دون إحرام، فيه إشكال والاحوط تجديد الاحرام(١) .

* مسألة ٤٠١: الظاهر أن دخول الحرم أو مكة بلا إحرام حرام حدوثا(٢) لابقاءً، فإذا دخلهما بغير إحرام عمداً او لعذر لايجب عليه الخروج فوراً.

مسألة ٤٠٢: من أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج وبقي في مكة إلى يوم التروية وقصد الحج كانت عمرته متعة(٣) ، فيأتي بحج التمتع، ولافرق في ذلك بين الحج الواجب والمندوب.

* لكن كل ذلك بشرط عدم الخروج من مكة - ولو الى جدة - بعد الاتيان بالعمرة المفردة الى يوم التروية، فإذا خرج منها لاتكون متعة.

____________________

(١) اذ الفصل المعتبر بين العمرتين فيما اذا كان عن نفسه، مع امكان واحتمال شمول النصوص الدالة على عدم الحاجة الى الاحرام إذا رجع في نفس الشهر للمقام أيضا.

(٢) اذ هو غاية مايستفاد من النصوص فراجع.

(٣) كما هو مقتضى الروايات وقد مر بعضها.

٣٦٣

أحكام المصدود

مسألة ٤٠٣: المصدود: هو الذي منعه العدو أو نحوه من الوصول الى الاماكن المقدسة لأداء مناسك الحج أو العمرة بعد تلبسه بالإحرام.

مسألة ٤٠٤: المصدود في العمرة المفردة إذا كان سائقا للهدي جاز له التحلل من إحرامه بذبح هديه أو نحره في موضع الصد(١) .

وإذا لم يكن سائقا وأراد التحلل لزمه تحصيل الهدي وذبحه أونحره، ولايتحلل بدونه على الاحوط(٢) .

____________________

(١) ففي موثقة زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: المصدود يذبح حيث صد ويرجع صاحبه فيأتي النساء.

(٢) كما هو مذهب الاكثر كما في المدارك والمفاتيح والذخيرة والرياض، بل في الغنية والمنتهى إجماعنا عليه، لقوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة فان احصرتم فما استيسر من الهدي ) وموثقة زرارة المتقدمة، وفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما صده المشركون يوم الحديبية، وذهب والصدوقان وابن إدريس الى التحلل بدونه، لاختصاص الآية بالاحصار وعدم دلالتها صراحة على الوجوب، ومع التنزل يختص ذلك بمن ساق الهدي، وأما

=

٣٦٤

والاحوط لزوما ضم الحلق أو التقصير إلى الذبح أو النحر في كلتا الصورتين(١) .

____________________

=

موثقة زرارة وغيرها فكذلك تقيّد بما اذا ساق الهدي وإلا فيتخير بين الحلق والتقصير، كما يشير إليه مارواه علي بن ابراهيم بسند صحيح من أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بنحر ماساقوه معهم من الابل وحلق رؤوسهم وأما من لم يسق فخيره بين الحلق والتقصير، فعن الصادقعليه‌السلام قال - في حديث طويل -: فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله تعظيماً للبدن رحم الله المحلّقين، وقال قوم لم يسوقوا البدن: يارسول الله والمقصرين ؟ لان من لم يسق هدياً لم يجب عليه الحلق، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثانياً رحم الله المحلقين الذين لم يسوقوا الهدي، فقالوا يارسول الله والمقصرين، فقال: رحم الله المقصرين»، ولعله منشأ الاحتياط والله العالم.

(١) تبعا للشهيدين في الدروس والروضة والمسالك جمعا بين الاخبار، ففي رواية حمران عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين صدّ بالحديبية قصّر وأحلّ ونحر ثم انصرف منها ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير.

وفي صحيحة رفاعة عن ابي عبد اللهعليه‌السلام قال: خرج الحسينعليه‌السلام معتمرا وقد ساق بدنة حتى انتهى الى السفيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه.

=

٣٦٥

وأما المصدود في عمرة التمتع، فإن كان مصدودا عن الحج ايضا فحكمه ماتقدم، وإلا - كما لو منع من الوصول الى البيت الحرام قبل الوقوفين خاصة - فلا يبعد انقلاب وظيفته الى حج الافراد(١) .

مسألة ٤٠٥: المصدود في حج التمتع إن كان مصدوداً عن الموقفين او عن الموقف بالمشعر خاصة، فالأحوط أن يطوف ويسعى ويحلق رأسه ويذبح شاة فيتحلل من إحرامه(٢) .

____________________

=

وفي موثقة الفضل بن يونس قال: سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف، فبعث به إلى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع ؟ فقال: يلحق فيقف بجمع، ثم ينصرف الى منى فيرمي ويذبح ويحلق ولاشيء عليه، قلت: فإن خلى عنه يوم النفر كيف يصنع ؟ قال: هذا مصدود عن الحج إن كان دخل متمتعا بالعمرة الى الحج فليطف بالبيت اسبوعا، ثم يسعى اسبوعا ويحلق رأسه ويذبح شاة، فإن كان مفردا للحج فليس عليه ذبح ولاشيء عليه.

وعن الشيخ في النهاية وظاهر الشرائع والنافع، بل المنسوب الى الاكثر كما في الرياض عدم توقف التحلّل عليهما أصلا قصورا في مقتضى الادلة.

(١) لشمول بعض أدلة الانقلاب له كما لايخفي فراجع.

(٢) كما هو مقتضى موثقة الفضل المتقدمة فانها ظاهرة على التبدل الى العمرة المفردة إذ الطواف والسعي والحلق من اعمالها، ووجوب الذبح لالكونه عمرة مفردة حتى يشكل بعدم القائل وإنما تطبيقا لقولهعليه‌السلام

=

٣٦٦

وإن كان مصدودا عن الطواف والسعي فقط - بأن منع من الذهاب الى المطاف والمسعى - فعندئذ ان لم يكن متمكنا من الاستنابة وأراد التحلل، فالاحوط أن يذبح أو ينحر هديا ويضم إليه الحلق او التقصير(١) .

وإن كان متمكنا من الاستنابة فلا يبعد جواز الاكتفاء بها(٢) ، فيستنيب لطوافه وسعيه ويأتي هو بصلاة الطواف بعد طواف النائب.

وإن كان مصدودا عن الوصول الى منى لأداء مناسكها فوقتئذ إن كان متمكنا من الاستنابة استناب للرمي والذبح او النحر(٣) ، ثم حلق أو قصر ويبعث بشعره الى منى مع الإمكان، ويأتي ببقية المناسك.

____________________

=

في صحيحة زرارة «المصدود يذبح حيث صد»، وحيث ادعي الاجماع واتفاق الاصحاب كما في الجواهر على انه بالخيار بين التحلل بالذبح او البقاء على الاحرام حتى يفوت الموقفان ويتحلل بعمرة مفردة فالاحتياط في محله والله العالم.

(١) لصدق الصد حينئذٍ.

(٢) لحكومة أدلة الاستنابة على الصد كما لايخفي، وذهب في المعتمد الى قصور أدلة النيابة عن الشمول للمقام، مؤكداً كلامه بعدم المورد لعنوان المصدود لو قيل بشمولها، ولعل في كلامه مواضع للنظر والله العالم.

(٣) لتحقق العذر ومعه فعليه الاستنابة.

٣٦٧

وإن لم يكن متمكنا من الاستنابة سقط عنه الذبح والنحر فيصوم بدلا عن الهدي(١) ، كما يسقط عنه الرمي أيضا - وإن كان الاحوط الإتيان به فى السنة القادمة بنفسه إن حج او بنائبه إن لم يحج - ثم يأتي بسائر المناسك من الحلق أو التقصير وأعمال مكة، فيتحلل بعد هذه كلها من جميع مايحرم عليه حتى النساء من دون حاجة الى شيء آخر.

مسألة ٤٠٦: المصدود من الحج أو العمرة إذا تحلل من إحرامه بذبح الهدي لم يجزئه ذلك عنهما(٢) ، فلو كان قاصداً أداء حجة الإسلام فصُد عنها وتحلّل بذبح الهدي، وجب عليه الإتيان بها لاحقا إذا بقيت استطاعته أو كان الحج مستقراً في ذمته.

مسألة ٤٠٧: إذا صُدّ عن الرجوع إلى منى للمبيت ورمي الجمار لم يضره ذلك بصحة حجه(٣) ، ولايجري عليه حكم المصدود، فيستنيب للرمي إن امكنه في سنته، وإلا قضاه في العام القابل بنفسه إن حج أو بنائبه إن لم يحج على الاحوط الاولى(٤) .

____________________

(١) لاشتراط الذبح في منى، فتنتقل وظيفته الى فاقد الهدي.

(٢) اذ مقتضى ادلة الصدّ هو التحلل لا الاجزاء والاكتفاء والبدلية.

(٣) بلا خلاف في ذلك.

(٤) وقد تقدم فراجع.

٣٦٨

مسألة ٤٠٨: لافرق في الهدي المذكور بين أن يكون بدنة أو بقرة أو شاة، ولو لم يتمكن منه فالاحوط أن يصوم بدلا عنه عشرة أيام(١) .

مسألة ٤٠٩: إذا جامع المحرم للحج امرأته قبل الوقوف بالمزدلفة فوجب عليه إتمامه وإعادته - كما سبق في تروك الإحرام - ثم صُدّ عن الإتمام جرى عليه حكم المصدود(٢) ، ولكن تلزمه كفارة الجماع زائدا على هدي التحلل(٣) .

أحكام المحصور

مسألة ٤١٠: المحصور: هو الذي يمنعه المرض أو نحوه عن

____________________

(١) ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام في المحصور ولم يسق الهدي، قال: ينسك ويرجع، قيل: فإن لم يجد هدياً ؟ قال: يصوم » ووجه التوقف أن الصحيحة واردة في المحصور لا المصدود والقول بإشتراكهما في الاحكام مطلقا بحاجة الى دليل، مضافا الى مامر من تقريب عدم وجوب الهدي على المصدود في العمرة المفردة اذا لم يسق الهدي.

(٢) لوجوب إتمام الحجة المرتكب فيها الجرم، سواء قلنا بفسادها او أن الثانية عقوبة عليه.

(٣) عقوبة له.

٣٦٩

الوصول إلى الاماكن المقدّسة لأداء أعمال العمرة أو الحج بعد تلبسه بالإحرام.

مسألة ٤١١: المحصور إذا كان محصوراً في العمرة المفردة أو عمرة التمتع وأراد التحلّل، فوظيفته أن يبعث هدياً أو ثمنه ويواعد أصحابه أن يذبحوه أو ينحره بمكة في وقت معين، فإذا جاء الوقت قصّر أو حلق وتحلل في مكانه(١) .

وإذا لم يكن متمكناً من بعث الهدي أو ثمنه لفقد من يبعثه معه، جاز أن يذبح أو ينحر في مكانه ويتحلل(٢) .

____________________

(١) ففي صحيحة معاوية قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام عن رجل أحصر فبعث بالهدي، فقال: « يواعد أصحابه ميعاداً، فان كان في حج فمحل الهدي يوم النحر، وإذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه، ولايجب عليه الحلق حتى يقضي مناسكه، وإن كان عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها فإذا كان تلك الساعة قصر وأحل » ومثلها دلالة موثقة زرعة.

(٢) لعدة من النصوص التي ظاهرها ذبح الهدي محل الاحصار المحمولة على صورة تعذر بعثه الى مكة او منى، ففي صحيحة رفاعة عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: « خرج الحسينعليه‌السلام معتمراً وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه » وفي صحيحة

=

٣٧٠

وإن كان محصوراً في الحج، فوظيفته ماتقدم، إلا أن مكان الذبح أو النحر لهديه منى، وزمانه يوم النحر(١) .

وتحلل المحصور في الموارد المتقدمة إنما هو من غير النساء، وأما منها فلا يتحلل إلا بعد الإتيان بالطواف والسعي بين الصفا والمروة في حج أو عمرة(٢) .

مسألة ٤١٢: إذا مرض المعتمر فبعث هدياً ثم خف مرضه وتمكن

____________________

=

معاوية عنهعليه‌السلام في المحصور ولم يسق الهدي، قال: ينسك ويرجع، فإن لم يجد ثمن هدي صام.

(١) كما هو مقتضى صحيحة وموثقة معاوية وزرعة المتقدمتان.

(٢) تشهد له صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: « المحصور غير المصدود، وقال: المحصور هو المريض والمصدود هو الذي يرده المشركون كما ردوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس من مرض، والمصدود تحل له النساء والمحصور لاتحل له النساء »، وفي صحيحته الاخرى في حصر الحسينعليه‌السلام قال: أرأيت حين برىء من وجعه قبل أن يخرج الى العمرة حلت له النساء ؟ قال: لاتحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، قلت فما بال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين رجع من الحديبية حلّت له النساء ولم يطف بالبيت، قال: ليسا سواء، كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مصدودا والحسين محصوراً.

٣٧١

من مواصلة السير والوصول إلى مكة قبل أن يذبح أو ينحر هديه لزمه ذلك، فإن كان عمرته مفردة فوظيفته إتمامها ولاشيء عليه.

وإن كانت عمرة التمتع، فإن تمكن من اتمام أعمالها قبل زوال الشمس من يوم عرفة فلا إشكال(١) ، وإلا فالظاهر انقلاب حجه إلى الإفرد(٢) .

وكذلك الحال - في كلا الصورتين - لو لم يبعث بالهدي وصبر حتى خفّ مرضه وتمكن من مواصلة السير.

مسألة ٤١٣: إذا مرض الحاج فبعث بهديه، وبعد ذلك خف المرض، فإن ظن إدراك الحج وجب عليه الالتحاق(٣) ، وحينئذ فإن

____________________

(١) تدل عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: إن أحصر الرجل بعث بهديه، فإذا أفاق ووجد في نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك، ولينحر هديه، ولاشيء عليه وإن قدم مكة وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل والعمرة.

(٢) لكون عمرة التمتع مغياة بزوال الشمس يوم عرفة، فإذا لم يتمكن من أدائها قبل ذلك شملته أدلة الانقلاب المتقدمة في المسألة ١٣.

(٣) لوجوب اتمام النسك، والفرض انه متمكن، مضافا الى ظهور صحيحة زرارة المتقدمة.

٣٧٢

أدرك الموقفين أو الوقوف بالمشعر خاصة - حسبما تقدم - فقد أدرك الحج، فيأتي بمناسكه وينحر أو يذبح هديه(١) .

وإلا فإن لم يذبح أو ينحر عنه قبل وصوله انقلب حجه إلى العمرة المفردة(٢) ، وإن ذبح أو نحر عنه، قصر أو حلق وتحلل من غير النساء، وأما منها فلا يتحلل إلا أن يأتي بالطواف والسعي في حج أو عمرة(٣) .

مسألة ٤١٤: إذا أحصر الحاج من الطواف والسعي، بأن منعه المرض أو نحوه من الوصول الى المطاف والمسعى، جاز له أن يستنيب لهما(٤) ويأتي هو بصلاة الطواف بعد طواف النائب.

وإذا أحصر عن الذهاب الى منى وأداء مناسكها استناب للرمي والذبح(٥) ،

____________________

(١) وليس عليه الحج من قابل.

(٢) لعدة من النصوص الدالة على انقلاب الوظيفة الى العمرة المفردة عند عدم ادراك الحج مطلقا.

(٣) وقد مر في المسألة الثانية من الباب فراجع.

(٤) لعدة من النصوص، منها صحيحة حريز عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: المريض المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه.

(٥) اذ المباشرة في الرمي شرط في ظرف القدرة، أما الذبح فتجوز

=

٣٧٣

ثم حلق أو قصر ويبعث بشعره إلى منى مع إلامكان(١) ، ويأتي بسائر المناسك فيتم حجه.

مسألة ٤١٥: إذا أحصر الرجل فبعث بهديه، ثم آذاه رأسه قبل أن يبلغ الهدي محله، جاز له ان يحلق، فإذا حلق وجب عليه أن يذبح شاة في محله أو يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين، لكل مسكين مُدّان(٢) .

مسألة ٤١٦: المحصور في الحج أو العمرة إذا بعث بالهدي وتحلل من إحرامه لم يجزئه ذلك عنهما، فلو كان قاصداً أداء حجة الاسلام فأحصر، فبعث بهديه وتحلل، وجب عليه الإتيان بها لاحقا إذا بقيت الاستطاعة أو كان الحج مستقراً في ذمته(٣) .

____________________

=

الاستنابة مطلقا.

(١) وقد تقدم بيانه فراجع.

(٢) تدل عليه صحيحة زرارة عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فانه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه أو يصوم أو يتصدق على ستة مساكين والصوم ثلاثة أيام والصدقة نصف صاع لكل مسكين.

(٣) لصحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن محرم انكسرت ساقه، أي شيء يكون لحاله ؟ وأي شيء عليه ؟ قال: هو حلال من

٣٧٤

مسألة ٤١٧: المحصور إذا لم يجد هديا ولاثمنه صام عشرة أيام بدلا منه(١) .

مسألة ٤١٨: إذا تعذّر على المحرم مواصلة السير إلى الأماكن المقدسة لأداء مناسك العمرة أو الحج لمانع آخر غير الصد والإحصار، فإن كان معتمراً بعمرة مفردة جاز له التحلل في مكانه بذبح هديه مع ضم الحلق أو التقصير إليه على الاحوط.

وكذلك إذا كان معتمراً بعمرة التمتع ولم يمكنه إدراك الحج أيضا، وإلا فالظاهر انقلاب وظيفته إلى حج الإفراد.

وإذا كان حاجا وقد تعذر عليه إدراك الموقفين أو الموقف في المشعر خاصة، فعليه أن يتحلل من إحرامه بعمرة مفردة.

____________________

=

كل شيء... قال: أصلحك الله ماتقول في الحج ؟ قال: لابد أن يحج من قابل » وفي صحيحة حمزة بن حمران أنه سألة أبا عبداللهعليه‌السلام عن الذي يقول: حلني حيث حبستني، فقال: هو حل حيث حبسه، قال أو لم يقل، ولايسقط الاشتراط عنه الحج من قابل » وفي صحيحة رفاعة عنهعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يشترط وهو ينوي المتعة فيحصر هل يجزيه أن لايحج من قابل ؟ قال: يحج من قابل » وغيرها من النصوص، مضافا الى أن أدلة الاحصار وكذا الصد هي للتحلل لا للاجزاء.

(١) لصحيحة معاوية المتقدمة والتي موردها المحصور فراجع.

٣٧٥

وإذا تعذر عليه الوصول الى المطاف والمسعى لأداء الطواف والسعي، أو لم يتمكن من الذهاب إلى منى للاتيان بمناسكها فحكمه ماتقدم في المسألة ٤١٤.

* مسألة ٤١٩: من أصابه عارض صحي اثناء ادائه لطواف العمرة المفردة فأرجع الى بلده، فإن كان بعد إتمام الشوط الرابع فلا يبعد الاجتزاء بالنيابة في بقية الاشواط وكذا في السعي ويأتي هو بصلاة الطواف بعد طواف النائب ويحلق أو يقصر بعد سعيه ويستنيب لطواف النساء ويأتي بصلاته، فيحل من إحرامه تماما، وأما إذا كان قبل ذلك ففي خروجه من الاحرام من دون العود الى مكة والاتيان باعمال عمرته تأمل وإشكال(١) .

* مسألة ٤٢٠: من اصابته سكتة قلبية أثناء ادائه طواف عمرة التمتع فان كان وضعه الصحي لايسمح له بالبقاء في مكة لتكميل مناسك عمرته ولو بالاستنابة ثم الاحرام للحج وادراك الوقوفين بالمقدار الذي يصح به الحج، فالظاهر جريان أحكام المحصور عليه، وإلا فان رجع الى بلده وكان ذلك باختياره فلا يبعد بطلان

____________________

(١) وقد تقدم في المسألة ٤٠ الجزم بوجوب الرجوع واكمال العمرة المفردة لمن تركها.

٣٧٦

إحرامه وإن كان آثما في ذلك(١) ، وأما اذا كان رجوعه من دون ارادته واختياره فالاقرب جريان حكم المصدود عليه.

* مسألة ٤٢١: إذا احرم لعمرة التمتع ثم اغمي عليه فان احتمل أن يفيق من غيبوبته ويدرك الحج - بأن يدرك اختياري المشعر أو اضطراريه مع اختياري عرفة أو اضطراريه - اتخذ الولي من ينوب عنه فى الطواف وصلاته والسعي(٢) ثم يقصر شيئا من شعره فيحل من احرام عمرته، وفي يوم التروية الاحوط أن يحرم عنه الولي - اي يلبي عنه - ويجنبه محرمات الاحرام، ويذهب الى الموقفين فإن افاق هناك فالاحوط أن يجدد الاحرام بنفسه ولو من موضعه ان لم يتمكن من الذهاب الى مكة(٣) ، فإن ادرك الحج - بإدراك ماتقدم - يأتي ببقية مناسكه، وإن عاد الى الغيبوبة قبل الاتيان بها استناب له الولي من

____________________

(١) راجع ماقلناه عند الشروع في كيفية الاحرام.

(٢) لدلالة جملة من النصوص على مشروعية الطواف عن المغمى عليه، وهو وفق مقتضى القاعدة، اذ الحكم الاولي أن يطوف الانسان بالبيت وبين الصفا والمروة بنفسه، فإن لم يقدر فبمعونة الاخرين إعانة ثم حملا، وإن لم يقدر طيف وسعي عنه.

(٣) وقد تقدم فيمن نسى او جهل الاحرام من مكة حتى خرج منها الى عرفات، فراجع.

٣٧٧

يأتي بها عنه، واما اذا لم يفق حتى فات عنه الوقوفان بطل حجه.

* مسألة ٤٢٢: إذا اتى بعمرة التمتع ثم عرض له مايوجب الخوف على نفسه من الاتيان بالحج أو خاف أن يصاب بضرر بليغ، فإن كان خوفه عقلائياً لم يجب عليه الاتمام(١) ، والاحوط ان يجعلها عمرة مفردة فيأتي بطواف النساء.

مسألة ٤٢٣: ذكر جماعة من الفقهاء: أن الحاج او المعتمر إذا لم يكن سائقا للهدي، واشترط في إحرامه على ربه تعالى أن يحله حيث حبسه، فعرض له عارض - من عدو أو مرض أو غيرهما - حبسه عن الوصول الى البيت الحرام أو الموقفين، كان أثر هذا الاشتراط أنه يحل بمجرد الحبس من جميع ما للتحلل من إحرامه، كما لايجب عليه الطواف والسعي للتحلل من النساء إذا كان محصوراً.

وهذا القول وإن كان لايخلو من قوة(٢) ، إلا أن الاحوط لزوما

____________________

(١) السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين.

(٢) بل لعله المتعيّن، وإليه ذهب المرتضى وابن ادريس مع دعوى الاجماع، تمسكاً بصحيحة ذريح عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج، واحصر بعد ما أحرم، كيف يصنع ؟ قال: فقال:

=

٣٧٨

=

أو اشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحله الله عند عارض عرض له من أمر الله؟ فقلت: بل قد اشترط ذلك، قال: فليرجع الى أهله حلالا لا احرام عليه، إن الله أحق من وفي بما اشترط عليه، قلت: افعليه الحج من قابل ؟ قال: لا » فهي دالة على التحلل بمجرد الاحصار بلا تعرض للهدي، إذ لو كان واجبا لذكرهعليه‌السلام لكونه في مقام البيان.

وصحيحة البزنطي قال: سألت ابا الحسنعليه‌السلام عن محرم انكسرت ساقه، أي شيء يكون حاله ؟ وأي شيء عله ؟ قال: هو حلال من كل شيء، فقلت: ومن النساء والثياب والطيب ؟ فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم، قال: أما بلغك قول أبي عبداللهعليه‌السلام : حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت عليّ، قلت: أصلحك الله ماتقول في الحج ؟ قال: لابد أن يحج من قابل.

ويويدهما ماورد في جملة من الصحاح في كتاب الاعتكاف من وجوب الاتمام اذا اعتكف يومين إلا اذا اشترط على ربه فله ان يفسخ، كصحيحة محمد بن مسلم وابي ولاد الحناط، وفي صحيحة ابي بصير عنهعليه‌السلام في حديث: وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم» وفي صحيحة ابن يزيد عنهعليه‌السلام قال: واشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط في احرامك أن يحلك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة تنزل بك من أمر الله تعالى.

وقيل: أن فائدة الاشتراط جواز التحلل من غير تربص الى ان يبلغ الهدي محله، وهو ظاهر المحقق في الشرائح وصريحه في النافع، ويدفعه قوله عليه

=

٣٧٩

مراعاة ماسبق ذكره في المسائل المتقدمة في كيفية التحلل عند الحصر والصد، وعدم ترتيب الأثر المذكور على اشتراط التحلل.

***

إلى هنا فرغنا من واجبات الحج، فلنشرع الان في آدابه، وقد ذكر الفقهاء من الاداب مالاتسعه هذه الرسالة فنقتصر على يسير منها.

وليعلم أن استحباب جملة من المذكورات مبتنٍ على قاعدة

____________________

=

السلام « فليرجع الى أهله حلالا لا إحرام عليه ».

وقيل: أن فائدته سقوط الحج عنه فى العام القابل، وهو المحكي عن الشيخ في يالتهذيب، لذيل الصحيحة المتقدمة، وتقابلها عدة من الصحاح فلابد من رفع اليد عن ذيلها.

وقيل: أن الفائدة ادراك الثواب بذكره في عقد الاحرام، وهو الذي يظهر من الشهيد في المسالك قال: - بعد أن ذكر ان سقوط الهدي في غير السائق، وتعجيل التحلل فمخصوص بالمحصر دون المصدود، وسقوط القضاء فمخصوص بالمتمتع - ومن الجائز كونه تعبداً، أو دعاءً مأمورا به يترتب على فعله الثواب.

وذهب الشيخ وابن الجنيد والعلامة في المختلف والمنتهى الى عدم سقوط الهدي، تمسكا بإطلاق قوله تعالى ( فإن احصرتم فما استيسر من الهدي )، وفيه أنه مقيد بصحيحتي ذريح والبزنطي المتقدمين.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440