الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد13%

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 440

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131243 / تحميل: 6172
الحجم الحجم الحجم
الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ومن عمدة البحث أن نرى الرؤية الشرعيّة حول حقيقة البكاء، هل يرى الشارع أنّ البكاء حالة سلبيّة أم ايجابيّة؟ وعلى التفصيل فهل يكون بتوفّر الشرطين السابقين ايجابيّاً وإلاّ كان سلبيّاً كما ذَكر الحكماء وعلماء الأخلاق.

ولابدّ من استعراض الآيات القرآنيّة العديدة والروايات الواردة في هذا الموضوع، ومن ثَمّ نبدأ في تحليل تفصيلي لأجوبة بقيّة الإشكالات السبعة.

وما تقدّم من الشرطين في إيجابيّته: هو مورد توافق العلوم العقليّة والإنسانيّة التقليديّة القديمة في البشريّة، والعلوم النفسيّة والإنسانيّة الحديثة (من: علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم السيكولوجيا) وهي تتوافق تقريباً على مثل هذا التقسيم للبكاء.

وعلماء الاجتماع يلاحظون ظاهرة مفارقة بين بلدان الشرق - سيّما الشرق الأوسط - وبين بلاد الغرب، ويشاهدون أنّ في الشرق ظاهرة وفور من العاطفة والأحاسيس، وإنّ كثيراً من الفضائل الأخلاقيّة التي هي من سنخ القوى العقليّة في النفس، سواء كانت تلك الفضائل العقليّة عملاً محضاً، أو كانت مزيجاً من جهات إدراكيّة علميّة، يلاحظون ويرون بأنّ نظم العاطفة ونظم الوجدان الموجود في الشرق - لا سيّما الشرق الأوسط - أقوى بمراتب بما لا يقاس منه في الغرب، وكأنّما الغرب فقط قوالب إدراكيّة، طبيعة الإنسيّة البشريّة الموجودة هناك كأنّها تقتصر على قوالب إدراكيّة قد فُرِّغت من الجانب العاطفي والجانب الروحي.

ومن ثَمّ نجد الإحصائيّات تشير - في مجالات عديدة - إلى بروز الأمراض الروحيّة والعُقد وتَفكّك الأُسرة، إلى غير ذلك ممّا هو مرتبط بجانب العاطفة

٢٨١

والوجدان والروح والخلق المتعلّق بالجانب العملي.

فهناك فارق شاسع جدّاً بين بلاد الشرق (الأوسط) وبلاد الغرب، بين أولئك الذين يتّخذون نمطاً من الحياة المادّيّة والذين يتّخذون نمطاً من الحياة الروحيّة، ولو كانوا على غير دين الإسلام من بلاد الشرق: كالهنود والبوذيّين وما شابه ذلك، وقد أضحى هؤلاء - في الآونة الأخيرة - يتخوّفون من الغزو الثقافي الغربي والأمريكي، الذي يكاد يهدّد الثوابت الروحيّة والعاطفيّة لديهم.

والقوانين المدنيّة إنّما وجِدت لأجل سلامة المحيط الاجتماعي، وهو - مع قلّة الحريّات في المجتمعات الشرقيّة وتخلّف القانون الوضعي - يُعدّ في الشرق أسلم منه من الغرب.

والسرّ في ذلك: هو أنّ الإنسان في زوايا نفسه ودرجات روحه لا يقتصر على جناح الإدراك، وهو ليس مجرّد علبة كمبيوتريّة تُزقّ بالمعلومات، الإنسان يحتوي على جناح عملي أيضاً، بل الجناح الإدراكي ليس يقتصر على قنوات إدراك، بل فيه إدراكات روحيّة وما يسمّى بالحاسّة السادسة، وهي غير الإدراكات الحصوليّة التي هي من قبيل المفاهيم، والإدراكات الباطنيّة التي هي في أعماق الروح يُعبّر عنها الحكماء القدماء بالقلب والسرّ والخفي والأخفى، يعني الدرجات، فضلاً عن الجناح العملي في النفس، فكثير من أجنحة النفس ليست إدراكاً محضاً، والجناح الإدراكي الفوقاني(١) هو غير جناح الإدراك التحتاني(٢) الذي ذَكرنا له درجات، وهي: الوهم، الخيال، العقل النظري.

____________________

(١) جناح الإدراك الفوقاني: هو الإدراكات الحضوريّة الوجدانيّة.

(٢) جناح الإدراك التحتاني: هو الإدراكات الحصوليّة بتوسّط القوى الفكريّة.

٢٨٢

الجناح الإدراكي الفوقاني في النفس هو: القلب، السرّ، الخفي، الأخفى، أو ما يسمّى بأعماق الباطن في النفس، أعماق النفس الباطنة - في الفلسفة الحديثة - ليس صرف إدراك محض، بل فيه جذب وقطع، وصل ونفرة، انقباض وانبساط، إقبال وإدبار.

هذه حالات غامضة روحيّة تناولتها الشريعة والفلسفة القديمة والحديثة والعرفان بالتحليل والدراسة، فهذه حالات ليست حالات إدراكيّة جافّة فقط، كذلك الجانب العملي في النفس: الغضب، الشهوة، الغرائز المختلفة، قوّة العقل العملي، الإرادة، الصبر، الشجاعة، العفّة، هي كلّها من أفعال النفس التي يتكفّل بها دائماً الجانب العملي في النفس وليس الجانب الإدراكي النازل، فالجانب العملي - سواء النازل(١)، أو العملي الفوقاني(٢) - في الإدراك الفوقاني، هو من الجوانب العمليّة في النفس وليس إدراكات جافّة محضة.

فلو ألقى المتحدّثون على الناس عشرات المحاضرات، والعديد من الأفكار من دون تطعيمها بعاطفة صادقة ومن دون إثارة عمليّة للأفكار، لم تحصل الفائدة المرجوّة لذلك! بل النتيجة: قوالب جافّة، وسوف لن تصل هذه البرامج الفكريّة المحضة في تأثيرها إلى البرامج العمليّة، ولن يؤثّر ذلك بالمجتمع في طريق إصلاحه، مع أنّ الغاية من البرامج الفكريّة هو الإقدام العملي في شرائح المجتمع.

وهذا نظير ما يقوله القائل في شأن المرحليّة الفكريّة والفكر من دون تطعيمه

____________________

(١) الجانب العملي النازل مثل: الغضب، والشهوة، والغرائز المختلفة.

(٢) الجانب العملي الفوقاني: هو إدراك حضوري مزيج مع العمل.

٢٨٣

بعاطفة صادقة، وقد شرحنا العاطفة الصادقة حينما تطرّقنا في البحث عن البكاء الصادق.

حيث إنّ البكاء الصادق هو أحد الحالات والظواهر العاطفيّة الصادقة كالتقديس، باعتبار أنّ تحقّق الإدراك الصادق يحصل بمتابعة غاية صادقة وصحيحة، فتنشأ العاطفة الصادقة، أي تكون العاطفة ترجماناً عمليّاً للفكرة.

وأمّا تزريق: المستمع، أو القارئ، أو المُشاهد بأفكار ومعلومات من دون أن تستثير فيه الجانب العملي والعاطفي؛ فإنّه سيُخفق في التأثير عليه، ولن ينجح في إرشاده إلى الصلاح، سواء في التربية المدرسيّة، أو الاجتماعيّة، أو الدينيّة، أو الحسينيّة، ومثل تلك الطريقة لن تصلحه ولن تستثيره، بل المفروض هو: أن تشحذ همّة إرادته حيث توجد عنده إرادة عازمة حازمة، لكي يبدأ بتغيير مسيره.

بينما البكاء يختصر الطريق، البكاء أو العواطف الصادقة تختصر الطريق أمام آلاف المحاضرات والأفكار، وإنّ فكرة جامعة لمادّة غنيّة بالأفكار مقرونة بإثارة عاطفيّة صادقة نابعة من هذه الفكرة الإجماليّة الجامعة الصحيحة، رُبّما تقلب الإنسان رأساً على عقب، فيتبدّل وضعه، وتتغيّر بيئته السلبيّة، وينقلب فجأة إلى العزم للمضي نحو الفضائل، وينشأ ذلك من الإثارة العاطفيّة الصادقة، إذ المفروض أنّ الإثارة العاطفية الصادقة رسالة، مُستمعها (المُرسل إليه) هو الجانب العملي في النفس، والجانب العاطفي في النفس، المنفعل والمتقبّل لها هو الجانب العاطفي في النفس، فإذا كان المشتري والسامع والمنفّذ لها هو الجانب العملي في النفس، فهذا اختصار للطريق، وبعبارةٍ أخرى، فإنّ معيّة الفكر مع العاطفة أو مع الجانب العملي في النفس ضرورة لا يمكن التفريط بها للوصول إلى الإرشاد

٢٨٤

والإصلاح الاجتماعي، أو الفردي، أو التربية السليمة والكمال المنشود.

ومن ثَمّ حصلَ الفارق بين المجتمعات الغربيّة والمجتمعات الشرقيّة، فمن الخطورة بمكان أن ننحو نحو سلبيّات الغرب، بخلاف إيجابيّات الغرب - من التقدّم العلمي والتكنولوجي - فإنّه لابدّ من الأخذ بهما.

أمّا أن نكون مَجمعاً للروافد السلبيّة المنتشرة والشائعة في مجتمعاتهم، فهذا مرفوض من الأساس؛ لأنّ حقيقة الفطرة الإنسانيّة مزدوجة من جانبين، بل قيادة النفس إنّما هي بالإرادة، والإرادة صفة عَمليّة، والذي يوجدها ويولِّدها ويثيرها ويحرّكها هو جانب العاطفة - العاطفة الصادقة - أو جانب العقل العملي الصادق الوليد للجانب الإدراكي.

فإذا فقدَ الإنسان إرادته، فإنّه سوف يفقد كلّ شيء في شخصيّته، فالإرادة - التي هي أثمن شيء في الوجود، وهي الصفة التي امتاز بها الإنسان عن بقيّة المخلوقات - لابدّ من تطعيمها بعاطفة صادقة، فحينئذٍ من الجناية على المجتمع والفكر والحقيقة بمكان أن نُسمّي الفكر الجاف، أو نسمّي عدم التفاعل الصادق مع الحقائق والجمود في قبال الحقائق، نسمّيه نوع اعتدال، أو نوع تقدّم، أو حالة حضاريّة، بل هي حالة تخلّف تقودها جاهليّة الغرب، وهم يعانون منها الآن، ونحن بالتبع نجترّها، نجترّ فضلاتهم بعناوين برّاقة زائفة وأثواب جميلة خادعة، ونتنازل عن المفاهيم والعناوين الصادرة عن تراثنا.

هذه لقطة أخيرة من حقيقة البكاء، وهي: أنّ البكاء وأخواته من الأفعال العاطفيّة النفسيّة إذا كان ضمن الصور الإيجابيّة، فهو من كمالات النفس ومن

٢٨٥

كمالات المجتمع والبشريّة، التي تحتاج إليها لتصل إلى رُقيّها المنشود.

وأمثلة المفردات العاطفيّة: التشكيك، والتقديس، والبكاء.

ونذكر الآن مفردة أخرى، وفعلاً عمليّاً آخر يثار وهو: وصف شخص بأنّه عاطفي وانتقاده؛ لأنّه يتأثّر بالخبر مباشرة سلباً أو إيجاباً، وإنّ الشخص السوي والسليم: هو الذي إذا رأى صورة صادقة لا يتأثّر بها ولا يتحمّس لها، وإذا رأى صورة باطلة لا يتنفّر منها ولا يرفضها، وبعبارة أخرى: غلق باب العقل العملي، وقد عرفتَ أنّ العقل العملي من فطرة الله سبحانه، وإنّ الغاية منه قيادة حركة نورانيّة في النفس، بحيث ينفّرها عن المنكر والنقص والمساوئ، ويجذبها نحو الخير والكمال والفضائل، فهو حبل ربّاني نوراني وهداية ورحمة إلهيّة.

هذه الفطرة التي أنعمَ بها الباري عزّ وجل على الإنسان، لماذا نطمسها؟ ولماذا نقول: بأنّ العاطفة في الإنسان تعتبر حالة شاذّة! العاطفة ليست بجميع صورها خاطئة، العاطفة ترجمان عملي صادق حقيقي طبيعي للإنسان إذا كان ناتجاً عن معلومة صادقة، أو تأثّر بالنفرة والإنكار من معلومة كاذبة، كيف تُلغى العاطفة من وجود الإنسان، كيف تُهمل من وجود المجتمع، اللهمّ إلاّ أن نَصْبوا إلى مجتمع مفكّك عن العاطفة والأخلاق، كالمجتمع الغربي الذي يسبح في بحر الرذائل ويتخبّط في أدنى مستوى من الانحطاط.

التناسبُ الطردي بين المعلومة والعاطفة

نعم، الجدير بالذكر: أنّ كلّ معلومة لها حجم مقدّر من العاطفة في علم السيكولوجيا، إذا زاد التفاعل معها عن حجمها كان إفراطاً، وإذا نقص عن

٢٨٦

حجمها كان تفريطاً، وهذا مقرّر في تعاليمنا الدينيّة، مثلاً: على الإنسان أن لا يتعدّى بالغيرة على غيرة الله في محرّماته، فإذا جعلَ الله لشارب الخمر حدّاً معيّناً، فيجب أن لا تشتدّ الغيرة فيُحدّ أكثر من حدّ الله سبحانه، فإنكار المنكر اليسير يختلف عن المنكر المتوسط والمنكر الشديد الذي يصل إلى حدّ الكبيرة، والكبائر أيضاً لها درجات، فالزائد يكون إفراطاً وليس في محلّه، وهناك ترابط، فكلّ معلومة لها حجم عاطفي معيّن لابدّ أن يتولّد منها، وعدم تولّده يعني مسخ الفطرة الإنسانيّة عمّا هي عليه؛ لأنّ المفروض أنّ المُدركة لابدّ أن تُترجَم على الصعيد العملي، ولو لم تُترجَم فلا فائدة من الإدراك، وهذا هو الفرق بين النفس وبين الكمبيوتر، وبينها وبين الكتب، وبينها وبين مجرّد المعلومات.

فالفكرة والمعلومة كما هي خطيرة جدّاً، وكذلك العاطفة والمقولة العاطفيّة الصحيحة خطيرة جدّاً أيضاً، وخطورتها إيجابيّة أيضاً، سواء في النفس، أو في الإنسان، أو في المجتمع، وكما أنّنا لا يمكننا إلغاء الأفكار فكذلك لا يمكننا إلغاء العاطفة الناتجة من تلك الأفكار، وتبديل العلم إلى الجهل مساوق لإلغاء وتعطيل العمل، وقوام العمل بالزخم الروحي والقوّة العاطفيّة الصادقة التي تقوم بها النفس، من البكاء والتقديس والتأثّر.

وهذا المنحى المادّي، أو اللاروحي، أو اللاخلقي، ينتشر في الأوساط الفكريّة العلمانيّة والأوساط الإسلاميّة المتأثّرة بالعلمانيّة تدريجيّاً، وهو أمر بالغ الخطورة.

هذا مُجمل البحث التخصّصي في موضوعات ظاهرة البكاء، حيث ألقينا الضوء على البكاء من ناحية تخصصيّة بغضّ النظر عن الفقه، وبغضّ النظر عن

٢٨٧

روايات الشريعة الواردة في خصوص البكاء على الحسين (عليه السلام)، بغضّ النظر عن ذلك كلّه، وفي الواقع فإنّ الشريعة لا تتناول البكاء فقط، بل تتناول كثيراً من الأفعال العمليّة التي تقوم بها النفس وتمارسها ولكن وفق شروط وضوابط معيّنة.

البكاءُ في القرآن الكريم

١ - ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) (١)، فالقرآن يُثني على ظاهرة البكاء التي تنشأ من درك الحقيقة، أي أنّه يمدح التأثّر والتحسّس العاطفي الذي يكون البكاء مظهراً من مظاهره، وقسماً من أقسامه، يمدحه القرآن ويصفه بأنّه: تأثّر صادق ومطلوب وطبيعي وفطري وكمالي إذا نتج من معلومة حقيقيّة( وَإِذَا سَمِعُوا... تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ) ، وهنا إشارة لنفس الشرطين اللذين ذكرناهما باعتبار أنّه تأثّر من المعلومة الحقيقيّة.

٢ - ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ) (٢) ، فيمدحهم القرآن على

____________________

(١) المائدة: ٨٢ - ٨٣.

(٢) التوبة: ٩١ - ٩٢.

٢٨٨

تأثّرهم، هذا التأثّر هو على نحو الانفعال البكائي نتيجة التشوّق للمشاركة في فعل الخير من الجهاد والإنفاق، هذا التأثّر يمدحه القرآن ويصفه بأنّه: فعل إيجابي وكمالي.

٣ - ( قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ للأذقَان سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ للأذقَان يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) (١) .

مَدحهم لأجل البكاء والتأثّر، ولو كانوا يستمعون فقط لمَا أُنزل من الوحي ولا يبكون، فلن يكون لديهم خشوع، والخشوع - الذي هو ذروة الحالات النفسيّة العمليّة - هو في الواقع حالة عمليّة، ليس من الجناح العملي النازل، بل من الجناح العملي الصاعد، حيث مرّ بنا أنّه من أجنحة النفس الذي هو: القلب، السرّ، الخفيّ، الأخفى.

فالخشوع: هو فعل من أفعال القلب وليس فعلاً من أفعال الغرائز، وليس فعلاً من أفعال العقل العملي، وليس فعلاً من أفعال الشهوة، وليس من أفعال الحس ولا من الإدراك الحصولي؛ إنّما هو فعل من أفعال إدراك الباطن العلوي في النفس وهو القلب، فلولا البكاء لمَا حصل ذلك الفعل العلوي للنفس( وَيَخِرُّونَ للأذقان يَبْكُونَ ) ؛ لأنّه ناتج من معلومة صادقة وغاية صادقة، وهو الفرار من الذنوب والتشوّق إلى النشآت الأبديّة الخالدة، وهذا التشوّق والتأثّر يمدحه القرآن، وهو سير نفساني، وسير حقيقي في النشآت الأبديّة الخالدة، يمدحه القرآن الكريم وإن لم ندركه نحن الآن، وسيُكشف لنا الغطاء - إن شاء الله - فندرك أنّ

____________________

(١) الإسراء: ١٠٧ - ١٠٩.

٢٨٩

هذا السير النفساني هو سير في تلك النشآت وكمال فيها.

٤ - ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ...) تَذكر هذه الآية الأنبياء والصفة البارزة لكلّ نبيّ منهم، إلى أن تقول:( أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) (١) ، فالأنبياء هم الأمثولة المحتذى بها والأنموذج المقتدى للبشريّة، وهم المَثل السامي للبشريّة، والقرآن الكريم يمدحهم بأنّ لهم تأثّراً عاطفيّاً يظهر بشكل البكاء.

( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ ) على نحو القضيّة الحقيقيّة، أي: كلّما تُليت آيات الرحمان - ولو على مرّ الدهور - فهناك فئة ممّن هداهم الله سبحانه واجتباهم يتأثّرون بها فيخرّون للسجود ويبكون( إِذَا تُتْلَى... خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) .

٥ - عندما أُخبر يعقوب بأنّ ابنه الثاني أيضاً قد أُخذ منه، قال:( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ (٢) تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) (٣) يعني: ما أمارسه هو فعل من الأفعال الراجحة، ويعقوب نبيّ من أنبياء الله عزّ وجل، والقرآن يُخلّد ذكره ويُخلّد فعله لنا، ويُعطينا قدوة نموذجيّة وأمثولة للاقتداء به في هذا التفاعل

____________________

(١) مريم: ٥٨.

(٢) لا تفتأ، لا تنقطع.

(٣) يوسف: ٨٣ - ٨٦.

٢٩٠

العاطفي، هذا البكاء والتشوّق لنبيّ آخر هو من أبنائه ليس تشوّقاً إلى كمالٍ زائل؛ وإنّما هو تشوّق لنبوّة نبيّ آخر، فالغاية سامية، والتأثّر لأجل صلة الرحم.

بكاؤه استمرّ طيلة غياب يوسف، وأدّى إلى بياض عينيه( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ ) يعني: عَميت، اشتدّ به البكاء إلى درجة العمى، فالبكاء كان باختياره، فإذا كان النبي يتشوّق ويبكي إلى هذا الحد، وقد كان ضمن مَن وَصفهم الله عزّ وجل( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ... ) (١) ، فيعقوب ضمن هؤلاء الأئمّة، ومع ذلك يتشوّق إلى نبي مثله، فكيف إذا تشوّق غير النبي وغير المعصوم إلى المعصوم، وهل يكون تشوّقه أو بكاؤه - لو وصلَ به الأمر إلى الإضرار بالعين - فعلاً محرّماً، هذا بحث آخر سيأتي في جهة الضرر الحاصل بسبب الشعائر.

فهذا نوع من السلوك والخُلق النبويّ الذي سطّره لنا القرآن الكريم بُغية الاحتذاء به واتّباعه، حيث يقول في آخر السورة:( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (٢)، وبهدف التأسّي من هذه النماذج(٣) .

حينئذٍ، هذا الفعل من يعقوب (عليه السلام) أورده الباري سبحانه في هذه السورة لأجل أن يُحتذى به، وهو فعل كمالي وليس فعلاً مذموماً أو فيه منقصة، وآية

____________________

(١) الأنبياء: ٧٣.

(٢) يوسف: ١١١.

(٣) وكما قال الزمخشري مخاطباً الأشاعرة مع أنّه من العامّة، في ذيل الآية( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) (يوسف: ٢٤): قاتَلهم الله، عمدوا إلى سورة ضربها الله مثلاً للبشريّة إلى يوم القيامة؛ احتذاءً لعفّة النبي يوسف، فجعلوها نقضاً على الله سبحانه في كتابه.

٢٩١

( فَارْتَدَّ بَصِيراً ) تدلّ على أنّه أُصيبَ بالعمى، تصل الدرجة لنبي من الأنبياء أنّه مارسَ البكاء بهذه الشدّة، فكيف يمكن أن يكون الفعل سلبيّاً، بل فعله ايجابي، ولذلك ضربهُ الله سبحانه أنموذجاً يُحتذى به.

٦ - ( أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ ) (١) ، فيها زجر ونهي عن الضحك، وعن الإمساك عن البكاء.

فما تُطالبنا به هذه الآيات الكريمة هو: البكاء المتوفّر فيه الشرطان السابقان: وهو انطلاقه وتولّده من معلومة حقّانيّة، واندراجه تحت غاية كماليّة، مثل هكذا بكاء يمتدحه القرآن أشدّ مدح.

- في الجانب الآخر هناك آيات تنهى عن الفرح المذموم، مثل:

سورة هود: ١٠( وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ) .

هذه الآيات تذمّ الفرح( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) (٢) ، والفرح الذي يكون منشأه حَدث دنيويّ يذمّه القرآن أشدّ الذم،( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) (٣) يعني بما عند الله بالآخرة، يُخصّص الفرح الممدوح بما يكون في سياق النشأة الأخرويّة، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(ما أدري بأيّهما أنا أشدّ فَرحاً: بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر) (٤) .

____________________

(١) النجم: ٥٩ - ٦٠.

(٢) القصص: ٧٦.

(٣) يونس: ٥٨.

(٤) مقاتل الطالبيّين (أبو الفرج الأصفهاني): ٦؛ الاحتجاج (الطبرسي) ١: ١٧٢.

٢٩٢

نعم، هذه في سلسلة النشأة الأخرويّة، وأمّا ما لا يصبّ في سبيل النشأة الأخرويّة فيذمّه القرآن أشدّ ذم، ويُخصّص شطراً كبيراً منه بذمّ الفرح إلاّ ما كان قد تعلّق بالتشوّق إلى الجانب الأخروي.

وأمّا الخشية والخشوع - اللذان هما صفتان وفعلان نفسيّان قريبا الأفق من البكاء - فهما صنفان يتلازمان ويتزامنان مع البكاء، والآيات المادحة لذلك كثيرة جدّاً(١) .

الخشية، أو الخشوع والإشفاق: حالات نفسيّة من أفعال الجانب العملي في النفس، وتكون مقرونة بالبكاء، بل في أكثر الأحيان ناشئة منه، ولا تنفكّ غالباً عنه، وإذا كان ما هو ناتج عن البكاء مُستحبّاً وراجحاً ومرغوباً فيه في الشريعة، فالسبب (وهو البكاء) أيضاً مرغّب فيه من قِبل الشريعة أيضاً.

لذا فإنّ البكاء من خشية الله يُعدّ من أعظم العبادات، حتّى أنّه وردت روايات عديدة في أنّ البكاء في الصلاة من أفضل أعمالها.

فنظرة الشريعة - من خلال الآيات والروايات - تدلّ على أنّ البكاء المتوفّر فيه هذان الشرطان: هو من الأفعال الكماليّة النفسانيّة ومن الفطرة المستقيمة للبشر، والقرآن يمدح هذه الحالة في أنبيائه ورسله، ويضرب لنا في ذلك أُمثولة وقدوة نتأسّى بها حتّى في الحزن، فنظرة الآيات القرآنية - وقبل أربعة عشر قرناً - تُقرّر وتُثبت ما توصّلت إليه

____________________

(١) مثل: سورة الزمر: ٢٣( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ ) ، الحديد: ١٦، الأنبياء: ٩٠، الحشر: ٢١.

٢٩٣

البحوث العقليّة والعلوم الحديثة: من أنّ البكاء ليس سلبيّاً على إطلاقه، بل أغلب وأكثر أفراده إيجابيّةً.

بعضُ الأدلّة الواردة في البكاء

أمّا الروايات الواردة في الحثّ على البكاء، والمدح والثناء للباكين، فمنها:

١ - بكاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عمّه حمزة، وحثّه وترغيبه البكاء عليه، ويظهر ذلك من عدّة أدلّة تاريخيّة، منها:

أ) قال ابن الأثير وغيره: لمّا رأى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حمزة قتيلاً بكى، فلمّا رأى ما مُثّل به شهقَ(١) .

ب) وذكرَ الواقدي: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يومئذٍ(٢) إذا بكت صفية يبكي، وإذا نَشجت ينشج. قال: وجَعلت فاطمة تبكي، فلمّا بكت بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

ج) روى ابن مسعود، قال: (ما رأينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باكياً قط أشدّ من بكائه على حمزة بن عبد المطلب لمّا قُتل - إلى أن قال - ووضعه في القبر، ثُمّ وقفصلى‌الله‌عليه‌وآله على جنازته وانتحبَ حتّى نشغ(٤) من البكاء...)(٥) .

د) ما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل من حديث ابن عمر في ص: ٤٠ من

____________________

(١) أُسد الغابة ٢: ٤٨.

(٢) أي: يوم أحد.

(٣) كما نقلَ ذلك السيّد شَرف الدين في كتابه النص والاجتهاد: ٢٩٣.

(٤) النشغ: الشهيق حتى يبلغ به الغشي.

(٥) ينابيع المودّة (القندوزي) ٢: ٢١٥؛ شرح مسند أبي حنيفة (ملاّ علي القاري): ٥٢٦؛ ذخائر العقبى (أحمد بن عبد الله الطبري): ١٨١.

٢٩٤

الجزء الثاني من مسنده: من أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا رجعَ من أُحد، جَعلت نساء الأنصار يبكين على مَن قُتل من أزواجهنّ، قال: فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(ولكنّ حمزة لا بواكي له ، قال: ثُمّ نام، فانتبهَ وهنّ يبكين، قال:فهنّ اليوم إذا يبكينَ يندُبن حمزة) .

- وفي ترجمة حمزة من الاستيعاب نقلاً عن الواقدي، قال: لم تبكِ امرأةٌ من الأنصار على ميّت - بعد قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(لكنّ حمزة لا بواكي له) - إلاّ بدأنَ بالبكاء على حمزة(١) .

٢ - بكاءُ النبي جعفر بن أبي طالب وحثّ النساء بالبكاء عليه:

فقد أخرجَ المزّي في تهذيب الكمال عن مغازي الواقدي، بسنده عن أم جعفر بنت محمّد بن جعفر، عن جدّتها أسماء بنت عميس، قالت: أصبحتُ في اليوم الذي أُصيبَ فيه جعفر وأصحابه، فأتاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد هيّأتُ أربعين منّاً من أُدُم، وعجنتُ عجيني، وأخذتُ بَنيّ، وغسلتُ وجوههم، ودهنتُهم، فدخلَ عليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:(يا أسماء، أين بنو جعفر؟

فجئتُ به إليهم فضمّهم وشمّهم، ثُمّ ذَرفت عيناه فبكى، فقلت: أي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلّه بَلغك عن جعفر شيء، فقال:نعم، قُتل اليوم.

فقالت: فقمتُ أصيح واجتمعَ إليّ النساء.

____________________

(١) عن كتاب النص والاجتهاد: ٢٩٧؛ وهناك شواهد كثيرة على ثبوت بكاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحثّه عليه، وقد جمعَ أكثرها السيّد عبد الحسين شَرف الدين في كتابه النص والاجتهاد: ٢٩٧، فراجع.

٢٩٥

قالت: فجعلَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:يا أسماء، لا تقولي هَجراً ولا تضربي صدراً ، قالت: فخرجَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى دخلَ على ابنته فاطمة، وهي تقول:واعمّاه.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :على مِثل جعفر فلتبكِ الباكية .

ثُمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :اصنَعوا لآل جعفر طعاماً فقد شُغلوا عن أنفسهم اليوم) (١) .

٣ - بكاءُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ولده إبراهيم: ما أخرجه البخاري في صحيحه، قال فيه:

ثُمّ دخلنا عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإبراهيم يجود بنفسه، فجُعلت عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تذرفان.

فقال له عبد الرحمان بن عوف: وأنت يا رسول الله؟

فقال:(يا بن عوف، إنّها رحمة، ثُمّ أتبعها بأخرى.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :إنّ العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلاّ ما يُرضي ربّنا، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) (٢) .

وبكى كذلك على عثمان بن مظعون، وسعد بن معاذ، وزيد بن حارثة(٣) .

٤ - ما وردَ في خطبة الأمير (عليه السلام) في وصف المتّقين، وشدّة انفعال همام إلى حدّ الموت، فصُعق همام صعقةً كانت نفسه فيها، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):(أمَا

____________________

(١) تهذيب الكمال (المزي) ج ٥: ٦٠.

(٢) صحي البخاري: كتاب الجنائز، باب قول النبي:(إنّا بكَ لمحزونون) .

(٣) راجع كتاب النص والاجتهاد: ٢٩٥.

٢٩٦

والله لقد كنتُ أخافها عليه، ثُمّ قال:هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها، فقال له قائل: فما بالك يا أمير المؤمنين(١) ، فقال:ويحك إنّ لكلّ أجل وقتاً لا يعدوه ولا يتجاوزه، فمهلاً لا تعُد لمثلها فإنّما نفثَ الشيطان على لسانك) (٢) .

٥ - وما ذكرهُ الأمير (عليه السلام) عندما غارت خيل معاوية على الأنبار، وقُتل حسّان بن حسّان البكري، فكان (عليه السلام) متأثّراً ومتذمّراً، وهو يستنهض الناس في الكوفة للقتال ضدّ معاوية، فكان يقول (عليه السلام):(ولقد بَلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينتزع حِجلها وقلائدها ورُعثها، ما تمتنع منه إلاّ بالاسترجاع والاسترحام، ثُمّ انصرفوا وافِرين، ما نال رجلاً منهم كلم ولا أُريقَ لهم دمٌ، فلو أنّ امرءاً مسلماً ماتَ بعد هذا أسفاً، ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً) (٣) .

فهو (عليه السلام) يصف شدّة الانفعال من جهة الغيرة(٤) (الغيرة: هي أيضاً صفة نفسانيّة، عاطفيّة، منطلقة ووليدة من إدراك معلومة حقيقيّة، ولأجل غاية حقيقيّة، وهي الذبّ عن حريم الدين، وحريم المسلمين، والدفاع عن شرف وكرامة

____________________

(١) أي: لمَ سبّبتَ له ذلك.

(٢) شرح نهج البلاغة لمحمّد عبدة ٢: ١٦٠، شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ١٠: ١٤٩.

(٣) نهج البلاغة ٢: ٧٤.

(٤) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(الغيرةُ من الإيمان، والبذاء من الجفاء) ، كتاب النوادر (قطب الدين الراوندي): ١٧٩؛ بحار الأنوار ١٠٣: ٢٥٠ / ٤٤.

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :(كان إبراهيم أبي غيوراً، وأنا أغيَر منه، وأرغمَ الله أنف مَن لا يغارُ من المؤمنين) بحار الأنوار ١٠٣: ٢٤٨ / ٣٣.

٢٩٧

المؤمن).

إذاً، الجامع بين الخشية والخشوع والأسى والحزن هو شدّة الانفعال، وهو من المعاني الحقيقيّة، هذه الشدّة لا يعتبرها الإمام إفراطاً، ولا مغالاة، مثلَ ما وقع من النبي يعقوب( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) ، أو كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام):(بل كان به عندي جديراً) ، حيث يصفها بأنّها فعلٌ كمالي.

٦ - وأيضاً، في زيارة الناحية التي نَقلها صاحب البحار، وهي منسوبة للإمام الحجّة (عليه السلام):(فلأندُبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدلَ الدموع دَماً حسرةً عليك وتأسّفاً وتحسّراً على ما دَهاك) (١) ، فهذا نوع من شدّة الانفعال التي هي ليست بمذمومة بل ممدوحة ومطلوبة.

٧ - أيضاً في القصيدة التي ألقاها دعبل الخزاعي في محضر الرضا (عليه السلام):

أفاطم لو خِلت الحسين مجدّلاً وقد مات عطشاناً بشطّ فرات

إذاً للطمت الخدّ فاطم عنده وأجريت دمع العين في الوَجنات(٢)

فَعلا صُراخ حرم الإمام (عليه السلام) من وراء الستر، ولطمنَ الخدود، وبكى الإمام الرضا (عليه السلام) حتّى أُغميَ عليه مرّتين من شدّة الانفعال والتأثّر.

٨ - ما يُذكر في التاريخ من إغماء أمير المؤمنين (عليه السلام) مراراً من خشية الله في صلاة الليل، وهي مسندة في تاريخ أمير المؤمنين (عليه السلام) في المصادر المختلفة، ونفس الحالة ثابتة أيضاً لباقي الأئمّة (عليهم السلام).

____________________

(١) بحار الأنوار ١٠١: ٢٣٨ / ٣٨.

(٢) ذكرها الصدوق مسندة في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ٢: ٢٦٣؛ بحار الأنوار ٤٥: ٢٥٧ / ٣٨.

٢٩٨

٩ - ما ذكرهُ صاحب كامل الزيارات ابن قولويه(١) ، ونقله صاحب البحار أيضاً من كامل الزيارات نفس الرواية(٢) الواردة في بكاء السجّاد (عليه السلام) وقول مولىً له: جُعلت فداك يا بن رسول الله، إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال (عليه السلام):(إنّما أشكو بثّي وحُزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون، إنّي لم أذكُر مصرع بني فاطمة إلاّ خَنقتني العبرة) .

- وفي رواية أخرى: أمَا آنَ لحُزنك أن ينقضي؟!

فقال له:(ويحكَ، إنّ يعقوب النبي (عليه السلام) كان له اثنا عشر ابناً، فغيّبَ الله واحداً منهم، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه، واحدودبَ ظهره من الغمّ، وكان ابنه حيّاً في الدنيا، وأنا نظرتُ إلى أبي وأخي وعمّي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني) (٣) .

- وذكرَ صاحب حُلية الأولياء: أنّه (عليه السلام) بكى حتّى خيفَ على عينيه(٤) .

١٠ - ما ذكرهُ الصدوق في عِلل الشرائع(٥) ، من العلّة التي من أجلها جَعل الله عزّ وجل موسى خادماً لشعيب (عليهما السلام) وهي: لكثرة بكاء النبي شعيب من خشية الله حتّى عميَ مرتين أو ثلاث، يُعمى ويردّ الله عليه بصره، ثُمّ يبكي بشدّة ويردّ الله عليه بصره، حيث وردَ في هذه الرواية عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال:(بكى شُعيب (عليه السلام) من حُبّ الله عزّ وجل حتّى عَمي، فردّ الله عزّ وجل عليه بصره، ثُمّ بكى حتّى عَمي

____________________

(١) في الباب ٣٥.

(٢) بحار الأنوار ٤٦: ١٠٨ / ١.

(٣) بحار ٤٦: ١٠٨.

(٤) المصدر السابق.

(٥) علل الشرائع: ١ / ٧٤، ٥٧ / باب ٥١.

٢٩٩

فردّ الله عليه بصره، ثُمّ بكى حتّى عميَ فردّ الله عليه بصره، فلمّا كانت الرابعة أوحى الله إليه: يا شعيب، إلى متى يكون هذا أبداً منك، إن يكن هذا خوفاً من النار فقد أجرتك، وإن يكن شوقاً إلى الجنة فقد أبَحتك، قال: إلهي وسيّدي أنت تعلم أنّي ما بكيتُ خوفاً من نارك ولا شوقاً إلى جنّتك، ولكن عُقد حبّك على قلبي، فلستُ أصبر أو أراك، فأوحى الله جلّ جلاله إليه: أمَا إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأُخدِمك كليمي موسى بن عمران) (١) .

١١ - فِعل الرباب زوجة الإمام الحسين (عليه السلام)، فإنّها من شدّة التأثّر لم تستظلّ تحت السقف(٢) عاماً كاملاً إلى أن توفّيت، وكان ذلك بمسمع وبمرأى من السجّاد (عليه السلام)، أي مع تقرير المعصوم على هذا الفعل، فيكون نوعاً من التصحيح والإمضاء له.

وهناك موارد عديدة غير ذلك تُصوّر شدّة الانفعال، وتدلّ على رجحان البكاء، والجامع بين هذه الموارد والصور المتعدّدة للتفاعل العاطفي هو شدّة التأثّر للإدراكات الحقيقيّة، ولعلّ المتتبّع يجمع أكثر من هذه الموارد بكثير.

حينئذٍ يظهر أنّ البكاء والتأثّر العاطفي من معلومة حقيقيّة وإدراك حقيقي هو لأجل غاية حقيقيّة، وهذه من خاصّيّة النوع الإنساني وخاصّيّة الفطرة الإنسانيّة، ومن دون ذلك سوف يفقد الإنسان إنسانيّته ويكون حاله حال الجمادات، ويكون أدون من العجماوات، حيث أثبتَ القرآن الكريم أنّ للسماء والأرض

____________________

(١) عِلل الشرائع ١: ٥٧.

(٢) لواعج الأشجان (السيّد محسن الأمين): ٢٢٣.

٣٠٠

المخالفين لأنّه منصب الهيّ وكمال نفسانيّ ودرجة وهيبة

وما قيل من أنّ الولاية بمنزلة الحليلة للأئمّة واغتصبها المغتصبون منهم فتزوّجها فالنواصب أبناء هذه البغيّة ونزّلوا أخبار خبث مولد النواصب هذا التنزيل وقالوا : إنّ الزوج الشرعي للولاية هم الأئمّةعليهم‌السلام وقد عقد الله هذا الزواج في السماء

وهذا حديث باطل ومردود وهو أدنى من كلام المبرسمين أصحاب الماليخوليا ، والأولى أن ندعوه هذيان القلم ، وأكثر من هذا لا يستحقّ من عناية العلماء لردّه ولا يتّسق مع سابقة العلماء وشئوناتهم العلميّة ورتب أهل الفضل كما قال الحكماء :

از سخن پُر در من هم چون صدف هر گوش را

قفل گوهر ساز ياقوت زمر پوش را

در جواب هر سؤالى حاجت گفتار نيست

چشم بينا عذر مى خواهد لب خاموش را

لا تجعلنّ كلّ قول مثل جوهرة

تقرط الأُذن فيها كي تحلّيها

أبعد عن العين بالأقفال جوهرة

فإنّ حقّ يتيم الدرّ تخفيها

ولا تجيبنّ يوماً كلّ مسألة

إطباق كلّ شفاه عذرها فيها

ومن الأشعار التي أنشدها الإمام الرضاعليه‌السلام في حضرة المأمون ونسبه إلى بعض فتيان آل عبد المطّلب كما ورد في العيون هذان البيتان :

وإذا ابتليت بجاهل متكلّف

يجد المحال من الأُمور صوابا

أوليته منّي السكوت وربّما

كان السكوت عن الجواب جوابا(١)

وجملة القول : إنّ هذه الفقرة من الزيارة مساوقة لفقرة الصحيفة السجاديّة

_________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ١٥٧ وفيه بدل « ابتليت » « بليت » وبدل « متكلّف » « متحكّم » ( هامش الأصل ) وفي المجلّد الأوّل منه ص ١٨٧ أربعة أبيات بدل البيتين ( المترجم )

٣٠١

وفيها يشير الإمام السجّاد إلى عيد الأضحى والجمعة وصلاة العيدين والخطبة ويقول : « اللهمّ هذا المقام لخلفائك وأصفياءك ومواضع اُمناءك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها »(١) وهذا الابتزاز والإزالة والدفع كلّ ذلك ناشئ عن الصدر السالف والقرن الأوّل من عدول الصحابة ، ولا تتنافى عدالتهم مع ظلم أهل البيت وإيذاء فاطمةعليها‌السلام وإحراق بيتها والخلاف مع عليّعليه‌السلام وبغض الحسنينعليهما‌السلام ، كما مرّ عليك جانب من ذلك وعسى أن نشير فيما يأتي إلى جملة اُخرى منه

بل لا يتنافى ذلك عندهم مع تغيير جميع الفروع والاُصول والأحكام وهدم أساس الشريعة المقدّسة ـ على الصادع بها ألف سلام ـ كما يظهر ذلك من الأخبار المبثوثة في مطاوي كتبهم المعتمدة واُصولهم الصحيحة

نقل السيّد المحقّق الأمين شارح الصحيفة المقدّسة من الجمع بين الصحيحين في مسند أبي الدرداء في الحديث الأوّل من أخبار البخاري : قالت اُمّ الدرداء : دخل عليّ أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمر محمّد شيئاً إلّا أنّهم يصلّون جميعاً(٢)

وفي الحديث الأوّل من صحيح البخاري من مسند أنس بن مالك نقل عن الزهري قال : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ فقال : لا أعرض شيئاً ممّا أدركت إلّا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيّعت(٣)

وفي حديث آخر إنّه قال : ما أعرف شيئاً ممّا كان على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________

(١) الصحيفة السجاديّة ، دعاء ٤٩ ( هامش الأصل ) الكاملة : ٢٨١ نشر جامعة المدرّسين ( المترجم )

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٦ باب فضل صلاة الفجر في جماعة ، ط دار مطابع الشعب بمصر ( هامش الأصل )

(٣) نفسه ، باب تضييع الصلاة عن وقتها ، ص ١٤١ ( هامش الأصل )

٣٠٢

قيل : فالصلاة ؟ قال : أليس صنعتم ما صنعتم فيها(١)

وهذه شهادة صريحة من أبي الدرداء وأنس بن مالك ـ وهما من أكابر الصحابة عند أهل السنّة والجماعة ـ بأنّ أحكام الشريعة بأجمعها غيّرت ، وبدّلت أحكام الشرع الشريف عامّة ، حتّى الصلاة وهي أظهر الواجبات وأعرف الفرايض ، وجميع ما مرّ جرى على أيدي الصحابة والتابعين الذين رووا في حقّهم « خير القرون قرني ثمّ القرن الذي يليه »(٢)

وإذا كان حال القرن الأوّل والثاني بهذه المثابة فما بالك بالقرون اللاحقة والأعصار التابعة التي تتبدّل في كلّ يوم أحوالها ، وتتنزّل شئونها باعترافهم

وطبقاً للحديث سابق الذكر يمكن أن نقول :

õ خُذ جملة البلوى ودع تفصيلها õ

_________________

(١) نفسه

(٢) عمران بن حصين ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : خيركم قرني ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ الذين يلونهم قال عمران : فما أدري قال النبيّ بعد قوله مرّتين أو ثالثاً ، ثمّ يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السمن

وفي خبر آخر : خير الناس قرني ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتهم إيمانهم ، وإيمانهم شهادتهم [ صحيح البخاري ، ٨ : ١١٣ باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها ، ط دار ومطابع الشعب بمصر ] ( هامش الأصل )

٣٠٣

وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ

الشرح : التمهيد مأخوذ من المهاد بمعنى البساط والفراش أو من العهد بمعنى سرير الطفل ، وكلاهما عائد إلى أصل واحد ونصّ في أساس البلاغة على أنّ التمهيد معناه التوطئة وتسهيل الأمر والإصلاح ، والمراد في أمثال هذه الوقائع وتمهيد العذر من المعاني المجازيّة ، ومعناه بسطه وتهيئة قبوله

والباء في « بالتمكين » للسببيّة على الظاهر والتمكين بمعنى الإقدار ، والظاهر أنّ اشتقاق المكان منه بحسب اللفظ ، وأمّا بحسب المعنى فاشتقاقه من الكون

القتال : بمعنى القتل والذبح والحرب

والمقصود من الممهّدين هم الأوائل الذين سهّلوا السبيل ووطّئوا الاُمور ، وهيّئوا أسباب الظلم ، لأنّه لولاهم وما ارتكبوه من السلوك الوحشي الخشن مع أهل البيت لما جرأ الأواخر على ظلمهم بتلك القسوة المعهودة

وهذا أصحّ الوجوه في تفسير الفقرة المعروفة « المقتول في يوم الجمعة أو الاثنين »(١)

_________________

(١) كما في البحار ٤٤ : ١٩٩ و ٢٠١

وعن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام : يوم الاثنين يوم نحس قبض الله عزّ وجلّ نبيّه ، وما اُصيب آل محمّد إلّا يوم الاثنين [ الكافي ، باب صوم عرفة وعاشوراء ؛ بحار الأنوار ٤٥ : ٩٤ ] وتأتي هذه الرواية بتفصيلها ذيل « اللهمّ إنّ هذا يوم تبرّكت به بنو اُميّة »

مروج الذهب : وسُمعت في جنازته ( الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ) سوداء وهي تقول : ماذا لقينا من يوم الاثنين [ بحار الأنوار ٥٠ : ٢٠٧ ]

ولنعم ما قيل : « ما قُتل الحسين إلّا في يوم السقيفة » فلعنة الله على من أسّس أساس الظلم والجور على أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين [ بحار الأنوار ٤٥ : ٣٣٨ ]

٣٠٤

لأنّ يوم السقيفة حدث في يوم الاثنين ، وقد أجاد الشاعر المفلّق الحاج هاشم الكعبي حيث قال :

تا الله ما سيف شمر نال منك ولا

يدا سنان وإن جلّ الذي ارتكبوا

لولا الذي أغضبوا ربّ العُلى وأبوا

نصّ الولا ولحقّ المصطفى غصبوا

أصابك النفر الماضي بما ابتدعوا

وما المسبّب لو لم ينجح السبب

ولا تزال خيول الحقد كامنة

حتّى إذا أبصروها فرصة وثبوا

فادرك الكلّ ما قد كان يطلبه

والقصد يدرك لمّا يمكن الطلب

كفُّ بها اُمّك الزهراء قد ضربوا

هي التي اُختك الحورا بها سلبوا

وإن نار وغىً صاليت جمرتها

كانت لها كفّ ذاك البغي تحتطب

وليبك يومك من يبكيك يوم غدوا

بالصنوا قوداً وبنت المصطفى ضربوا

والله ما كربلا لو لا السقيفة والإحياء

تدري(١) ولا لا النار ما الحطب

وورد في كثير من الأخبار لعن قاتلي سيّد الشهداء ومقاتليه ، ولعلّنا نشير إلى جانب منه فيما يأتي ونكتفي هنا بذكر حديث واحد ليقوم بأداء حقّ هذا العنوان ،

_________________

ولنعم ما نقله عليّ بن عيسى عن بعض الأصحاب عن القاضي أبي بكر بن أبي قريعة في ضمن أبياتٍ له :

وأريتكم أنّ الحسين

اُصيب في يوم السقيفه

ولأيّ حالٍ اُلحدت

بالليل فاطمة الشريفه

ولما حمت شيخيكم

عن وطي حجرتها المنيفه

أوّه لبنت محمّد

ماتت بغصّتها أسيفه

فوالله لا أنسى زينب بنت عليّعليهما‌السلام وهي تندب وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : وا محمّداه ! صلّى عليك مليك السماء وهذا حسين محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء ، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا بأبي من فساط مقطّع العُرى . [ بحار الأنوار ٤٥ : ٥٩ ]

(١) جاء في الكتاب « تعلم » ولا يستقيم بها الوزن فاستبدلنا بها « تدري » لأنّي أحفظها هكذا

٣٠٥

ولئلّا تخلو هذه المقولة من هذه الأخبار من رأس

وفي تفسير الإمام الحسن العسكري :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ) (١) نزلت في اليهود ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا نزلت هذه الآية في هؤلاء اليهود الذين نقضوا عهد الله وكذّبوا رسل الله وقتلوا أولياء الله : أفلا اُنبّئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الاُمّة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : قومٌ من اُمّتي ينتحلون بأنّهم أهل ملّتي ، يقتلون أفاضل ذرّيّتي وأطائب اُرومتي ، ويبدّلون شريعتي وسنّتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريّا ويحيى

ألا وإنّ الله يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم يوم القيامة هادياً مهديّاً من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنّم

ألا ولعن الله قتلة الحسين ومحبّيهم وناصريهم والساكتين عن لعنهم من غير تقيّة تسكتهم

ألا وصلّى الله على الباكين على الحسين بن عليّعليهما‌السلام رحمة وشفقة ، واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظاً وحنقاً

ألا وإنّ الراضين بقتل الحسينعليه‌السلام شركاء قتله

ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم ، والمتقدّمين بهم برآء من دين الله

ألا إنّ الله ليأمر الملائكة المقرّبين أن يتلقّوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسينعليه‌السلام إلى الخزّان في الجنان فيمزجونها بماء الحيوان فيزيد في عذوبتها وطيبها ألف ضعفها ، وإنّ الملائكة ليتلقّون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسينعليه‌السلام ويلقونها في ألهاوية ويمزجونها بحميمها وصديدها وغسّاقها وغسلينها فتزيد في شدّة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها ، يشدّد بها على

_________________

(١) البقرة : ٨٤

٣٠٦

المنقولين إليها من أعداء آل محمّد عذابهم(١)

اللهمّ اجر دموعنا في مصاب الحسين ، ووفّقنا للعن قتلته من الأوّلين والآخرين ، اللهمّ العنهم لعناً وبيلاً ، وعذّبهم عذاباً أليماً لا تعذّب به أحداً من خلقك ، وصلّ على محمّد وآله الطاهرين من اليوم إلى يوم الدين

_________________

(١) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ٣٦٧ ط اُولى ١٤٠٩ مهر ـ قم المقدّسة ( المترجم ) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ١٤٨ ، بحار الأنوار ٤٤ : ٣٠٤ رقم ١٧ ( هامش الأصل )

٣٠٧

بَرِئْتُ إِلَىٰ اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيائِهِمْ(١)

برء : من باب سمع أي فارق ، والتبرّي بمعنى المفارقة ، وهذا المعنى مأخوذ من كتب الأدب من قبيل منتهى الإرب وتاج المصادر ، وترجمة القزويني على القاموس ، ولم تبيّن الكتب العربيّة حقيقة معنى البرائة ، وبرأ من مرضه أي تنق وعوفي ، وبرأ من دينه أي سقط عنه طلبه ، وكلا المعنيين مأخوذ من المعنى المتقدّم

وفي تفسير مجمع البيان ومفاتيح الغيب لابن الخطيب الرازي فسّر البرائة بانقطاع العصمة ، وهذا تفسير باللازم

وبعض المنتسبين إلى العلم فسّروا البرائة بالامتناع ، وبعد التتبّع والفحص الكامل لم نجد وجهاً لهذا التفسير

وسبب تعدّيته بـ « إلى » كان لإشرابه معنى توجّه أو تعطّف ، لأنّ المتبرّء من واحد متقرّب إلى الآخر ، إذ المتبرّء حين يدبر عنه يقبل على غيره فيثير حنقه بمحبّة غيره ورعاية قربه ، ولعلّ هذا المعنى هو الذي صحّح دخول « إلى » على هذا الطرف

والضمير في « منهم » راجع إلى جميع الطوائف المذكورة المراد من هذه الصفات أولئك الذين لهم المدخليّة التامّة في ذلك الأمر حيث استندت إليهم الأفعال ممّا جرى على الحسينعليه‌السلام بنحو من الأنحاء لينفى عنهم عنوان الأشياع والأتباع وينطبق عليهم عنوان مستقلّ آخر

تبع تباعاً وتِباعاً : اقتفى أثر فلان ، وتبع وزان فرس بمعنى تابع ، ويطلق على

_________________

(١) الصحيح من أشياعهم وأتباعهم وغفلةً من المؤلّف أو الناسخ حدث التقديم والتأخير ( هامش الأصل )

٣٠٨

المفرد والجمع مثل :( إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ) (١) وجمع أتباع ، وتباعة ، وإن كان يطلق على المشي الظاهر ولكنّه من جهة التوسّع في الإطلاق يتناول المعنوي أيضاً وفي هذا السياق يوجد حديث مبنى على ذوق أهل المعرفة وليس هذا المقام موضع بيانه

الشيعة : عبارة عن الأنصار والأتباع ، صرّح بذلك في المصباح وغيره ، واشتقاقه من المشايعة ومعناها المتابعة والنصرة ، وهو مأخوذ من التشييع والمشايعة بمعنى المصاحبة للتعظيم ، كما يستعمل في معنى مشايعة الموتى وتشييعهم ، وكلا الحقيقتين مأخوذ من الشيوع بمعنى الظهور لأنّ في لفظ : مشيّع ومشايع يتبادر الميّت والضيف إلى الذهن وبه يتعالى اسمه ويشيع شرفه

ومجمل القول : جمع الشيعة شيعٍ ، وجمع الشيع أشياع ، وقد ارتكب الفيروزآبادي في القاموس خطأً حين اعتبر الأشياع والشيع كلاهما جمع التشيّع ، لأنّ قياس العربيّة لا يسمع بجمع « فعله » على « أفعال » وصرّح بما قلناه الفيّومي في المصباح

الولي : مأخوذ من ولي ومعناه الحقيقي القرب ، ويستعمل في القرابة النسبيّة والقرب الروحاني وهو المحبّة ، ويستعمل أيضاً في قرب الإحاطة وهو الرئاسة

واعلم أنّ رعاية الصحّة تتمّ في أمرين :

الأمر الأوّل : التنقية وهي دفع الفضلات والأخلاط الفاسدة

والأمر الثاني : التقوية وهي حفظ البنية وبقاء المزاج الذي هو الصورة الخامسة الحاصلة من تفاعل الكيفيّات الأربع ، المتداعية بالانفكاك والانفصال

كما أنّ حصول الكمال الإنساني والترقّي النفساني في السلوك الأخلاقي بأمرين :

_________________

(١) إبراهيم : ٢١

٣٠٩

أحدهما : دفع الرذائل من قبيل الحسد واللؤم والقساوة وحبّ الجاه

وثانيهما : كسب الفضائل من جنس العفو والسماح ورقّة القلب والإعراض عن الخلق

ومثله الإيمان وهو مصحّح جميع الأعمال وميزان كلّ كمال مركّب كذلك من جزئين :

الأوّل : البرائة من أعداء الله

والثاني : محبّة الله وأوليائه

وهذا المعنى مضافاً إلى ما جاء في سرده وتوضيحه من الكتاب والسنّة فإنّه وارد في خصوص جماعة معيّنة من طريق أهل بيت النبيّ ؛ أهل العصمة والطهارة أرواحنا لهم الفداء ، وذلك معترف به ومشهود به من جميع القلوب الصافية والنفوس الزاكية

حيث ما من عاقل نبيه يستولي عليه الوهم بالقدرة على الجمع بين محبّة إنسان ومحبّة عدوّه ، كما قال الشاعر في الحكمة الشعريّة :

تحبّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني

صديقك إنّ الرأي منك لعازبُ

وللعقلاء أصحاب البصائر والقلوب الواعية تكفي هذه الآية المباركة التي يقول الحقّ تعالى فيها :( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) وفي هذه الآية المباركة وردت وجوه من تأكيد المنع عن موادّة أعداء الله

_________________

(١) المجادلة : ٢٢

٣١٠

وفي الحديث المنقول عن العيون بطرق عدّة أنّ الإمام الرضاعليه‌السلام كتب إلى المأمون في حديث طويل : حبّ أولياء الله واجب وكذلك بغض أعداء الله والبرائة منهم ومن أئمّتهم ولعلّنا نشير في أثناء البحث إلى جانب منه في مقام آخر(١)

_________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ١٢٢ رقم ٣٥ ما كتبه الرضاعليه‌السلام إلى المأمون في محض الإسلام وشرايع الدين ( هامش الأصل ) وفي نسختي ص ١٢٤ ( المترجم )

٣١١

يَا أَبا عبد الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ

الشرح : السلم : بمعنى المسالمة والصلح والموادعة لأنّه جاء بمعنى المسالمة والصلح كما في القاموس وغيره ، والظاهر عدم الاشتراك بل من باب استعمال المصدر بمعنى اسم الفاعل ، فإمّا أن يكون محمولاً على المبالغة أو بتقدير ذو ( اي ذو سلم ) كما صرّح بذلك الأُدباء ، وهذا المعنى وإن لم يكن قياسيّاً بل متوقّفاً على مقتضى الحال الخاصّة التي يعرفها الأديب بالممارسة ، كما صرّح بذلك الآمدي في الموازنة بين أبي تمام والبحتري ، وإن كانت الأمثلة التي استشهد بها لا تخلو من نقاش ، ولكنّ الميزان في هذا الموضع ثابت ومحقّق

ومثله الحديث في كلمة « حرب » والأظهر في رأي هذا العبد لله أنّها المعنى المصدري نفسه

ويجب أن نقول ذلك من أجل إظهار كمال المطاوعة والتوغّل في العبوديّة والمتابعة أنّا وصلنا في هذا المقام إلى درجة أصبحنا حقيقة السلم مع من سالمكم ومصداقاً واقعيّاً للحرب لمن حاربكم

اليوم : بحسب أصل اللغة من أوّل طلوع الشمس إلى غروبها ـ كما هو المشهور بين اللغويّين ـ ويطابق اصطلاح حكماء الفرس وعلماء الهيئة والحساب أو أنّه من أوّل طلوع الفجر حتّى غروب الشمس كما صرّح بذلك ابن هشام في « شرح الكعبيّة » والظاهر أنّ المعنى الثاني لليوم هو تحديد الزمن الشرعي من اليوم وليس المعنى اللغوي ، وهذا القليل البضاعة أشار تلويحاً في « منظومة ميزان الفلك » إلى هذا المعنى :

واليوم من طلوع جرم الشمس

إلى غروبها بزعم الفُرْس

كذاك في النجوم والحساب

وذاك في السنّة والكتاب

يؤخذ من طلوع فجر صادق

إلى ذهاب حمرة المشارق

٣١٢

وتفصيل هذه الجملة أنّ غاية النهار زوال الحمرة(١) كما هو المعروف من مذهب الإماميّة ، أو غروب القرص كما هو مذهب أهل السنّة ، وقال بهذا شرذمة من علماء الشيعة نظراً إلى الأخبار المحمولة على التقيّة أو أنّهم جعلوا الأخبار في القول السابقة حاكمة على الأخبار التي قال بها الشيعة لا الأقلّيّة منهم فمالوا إليها وقالوا بها ، والإفاضة بها خارجة عن منهج هذا الشرح

وأحياناً يطلق اليوم على مطلق الزمان كما صرّح به ابن هشام في شرح الكعبيّة وحكى القول به عن سيبويه واستشهد بما أثر عن القوم من قولهم : أنا اليوم أفعل كذا ، ويريدون الوقت الحاضر ، ومن هذا القبيل قولهم : تلك أيّام الهرج ، كما قال بعض شرّاح القاموس(٢)

وأكثر اللغويّين والاُدباء نصّوا على هذا المعنى واستعماله في يوم القيامة أظهر ، لأنّه مبنى على هذا المعنى غير ملحوظٍ به طلوعاً أو غروباً ، ولابدّ من أخذهما في المعنى عند الوقوف على ظواهر العبارات

وفي الحقيقة إنّنا وإن أمكننا القول عن حقيقة اليوم بأنّه مدّة ظهور الشمس في نصف الفلك المرئي ، وأخذ الطلوع والغروب في معناه للدلالة على مصاديق أفراده في الخارج ، وبناءاً على هذا يكون يوم القيامة من مصاديق المعنى الأوّل ، والله أعلم بالصواب

القيامة : مصدر قيام ظاهراً ، يقال : قام قياماً وقيامة كما نقل بعض العلماء المتبحّرين اللغويّين ، وإن لم يذكر في كثير من الكتب

_________________

(١) يجب تحديدها بالمشرقيّة وبها يعرف دخول الليل ، أمّا الحمرة المغربيّة التي تمتدّ بعد اختطاط الظلام فلا عبرة بها ( المترجم )

(٢) قال الزبيدي : وقد يراد باليوم الوقت ، ومنه الحديث : تلك أيّام الهرج أي وقته ، ولا يختصّ بالنهار دون الليل [ تاج العروس ٩ : ١١٥ ]

٣١٣

وإطلاق يوم القيامة على يوم الحشر إمّا بسبب قيام البشريّة كافّة من مضاجعها للعرض على الله تعالى ، وإمّا بسبب قيام الخلق كافّة في ساحة العدل الربّاني جلّت عظمة الله ، كما في قوله تعالى عزّ من قائل :( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) (١)

وزعم بعضهم أنّ الكلمة مولّدة من السريانيّة بمعنى « قيماً » أي يوم الحشر ، وهذا غاية في البعد ، والأصحّ الأوّل

والظاهر أنّ التعبير عن يوم الجمعة بيوم القيامة نظراً لهذا المعنى ، لقيام الخطيب فيها بالخطبة أو لقيام الناس فيه كافّة بالصلوات ، أو لقيام أمر النبيّ فيه ، أو لتذكاره بأمر يوم القيامة ، والله أعلم

فائدة

في الأخبار الكثيرة المرويّة عن الفريقين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة وأمير المؤمنينعليهما‌السلام : حربك حربي وسلمك سلمي(٢) وكذلك قال لأهل العباعليهم‌السلام : « أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم » أو قريباً من هذا اللفظ ، كما أوصل الترمذي في الجامع السند إلى زيد بن أرقم : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام : أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم(٣)

يتبيّن من هذا الحديث على اُصول أهل السنّة والجماعة كفر معاوية وأصحاب الجمل وأصحاب واقعة كربلاء جميعاً ، لأنّ من حارب رسول الله باتفاق الاُمّة ونصّ الكتاب والسنّة كافر ، فإذا كان محارب هذه الجماعة محارباً لرسول الله فهو كافر البتّة

_________________

(١) المطفّفين : ٦

(٢) بحار الأنوار ٤٢ : ٢٦١ وتجد ذلك أيضاً في الأجزاء التالية ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٣٢ ـ ٣٣ ـ ٣٧ ـ ٣٨ ـ ٣٩ ـ ٤٠ ـ ٦٥ ( المترجم )

(٣) اُنظر : سنن ابن ماجة القزويني ١ : ٥٢ ( المترجم ) صحيح الترمذي ، ج ٥ باب ٦١ فضل فاطمة رقم ٣٨٧٠ ( هامش الأصل )

٣١٤

وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ

الشرح : يمكن أن يكون الواو في مطلع الجملة للعطف ، وتكون هذه الجملة الدعائيّة معطوفة على ما سبقها من اللعائن ، وعلى هذا الوجه تكون الجملة المتضمّنة للبرائة والاستسلام والمتابعة معترضة بين العاطف والمعطوف عليه ، والنكتة المتصوّرة في وجه إقحام هذه الجملة بينهما أنّ الزائر وهو يمارس لعن الأعداء يتذكّر أعمالهم الشنيعة وآثارهم الفظيعة ، فتقلّبهم الأيّام الخوالي فيهيج وجده الكامن وشوقه الساكن فيفقد السيطرة على نفسه وهو يستعرض جرائم القوم ومنكراتهم فيظهر البرائة منهم دونما اختيار منه ، وتدركه النفرة منهم ومن أتباعهم وأشياعهم ، من هنا يخاطب الإمام المظلوم لفرط حبّه وخلوص إرادته فيحمله ذلك على عرض مسالمته الكاملة ومتابعته الشاملة مع صفاء الباطن وخلوص النيّة بين يدي ساحة الإمام المقدّسة وسدّته الرفيعة

وينعتق من هذا الكلام الذي اندفع فجئة على لسانه مرّة اُخرى ويعدل عنه إلى الحديث الأوّل من لعن الأعداء ويعطف عليهم أولئك الذين هم أعيان الظالمين المسبّبين لهذا الخطب الفادح والرزء الجليل ، والذين لهم أثر يذكر في جريان هذه الخطوب وإعانة على حدوثها فيأخذ بلعنهم واحداً واحداً ، ويعطفهم على الأوائل لكي يشفي غيظه ويريح حنقه ويبرأ من لواعج صدره من ذكرهم بالتفصيل ، كما يمكن أن تكون الواو استئنافيّة

وعلى كلّ حال فإنّ النكتة تعود إلى ما ذكرناه تفصيلاً

وسوف نذكر معنى الآل بعد هذا الحديث إن شاء الله(١)

_________________

(١) ذيل « صلّی الله عليه وآله » ( هامش الأصل )

٣١٥

وزياد المنصوص عليه باللعن هو والد عبيد الله لعنهما الله المعروف بزياد بن أبيه وزياد بن اُمّه وزياد بن عبيد وزياد بن سميّة ، واشتهر بعد استلحق معاوية إيّاه بابن أبي سفيان ، وعبيد وسميّة كلاهما من موالي كسرىٰ فأهداهما كسرى إلى أبي الخير بن عمر الكندي أحد أقيال اليمن ، وأشار إلى ذلك أبو بكر بن دريد في مقصورته المعروفة ، فقال :

فخامرت نفس أبي الخير جوىٰ

حتّى حواه الحتف فيمن قد حوىٰ

وشرح حاله في الشروح الدريديّة وغيرها ، وفي شرح الدريديّة(١) : وكان من حديثه مسيره إلى كسرى يستجيشه على قومه فأعطاه جيشاً من الأساورة فلمّا صاروا بكاظمة ونظروا إلى وحشة بلاد العرب ، فقالوا : أين نمضي مع هذا ، فعمدوا إلى سمّ فدفعوه إلى طبّاخه ووعدوه بالإحسان إليه(٢) إن ألقى السمّ في طعام الملك ، ففعل ذلك ، فما استقرّ الطعام في جوفه حتّى اشتدّ وجعه ، فلمّا علم الأساورة ذلك دخلوا عليه فقالوا له : إنّك قد بلغت إلى هذه الحالة فاكتب لنا إلى الملك كسرى إنّك قد أذنت لنا في الرجوع ، فكتب لهم بذلك

ثمّ إنّ أبا الجبر خفّ ما به فخرج إلى الطائف البليدة التي بالقرب من مكّة وكان بها الحارث بن كلدة طبيب العرب الثقفي ، فعالجه فأبرأه فأعطاه سميّة ـ بضمّ العين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء المثنّاة من تحتها وفي آخره هاء ـ وعبيداً ـ بضمّ العين المهملة تصغير عبد ـ وكان كسرى قد أعطاهما أبا الجبر في جملة ما أعطاه(٣) وهذا يوافق ما نقله ابن عبد ربّه وابن خلّكان

_________________

(١) فيها : إنّه أبو الجبر ولم يذكر سميّة ولا عبيداً [ الخطيب التبريزي ، شرح مقصورة ابن دريد ، ص ٥٩ ] ( المترجم )

(٢) إلى هنا أخذناه من هامش الخطيب : ٥٩

(٣) ابن خلّكان ، وفيات الأعيان ٦ : ٣٥٦

٣١٦

ويقول ابن الأثير في الكامل وابن خلدون في العبر : أنّ سميّة جارية لدهقان من أهل زنده رود ، أهداها للحارث بن كلدة لمّا عالجه ، والطريق الأوّل أتقن وأمتن

وخلاصة القول : إنّ سميّة ولدت نافعاً على فراش الحارث ولكنّه نفاه ، ثمّ ولدت أبابكرة الصحابي المعروف على فراشه ، فنفاه أيضاً ولم يعترف به ، وأعطى سميّة لعبيد ، وهؤلاء الثلاثة : زياد ونافع وأبوبكرة أولاد سميّة ومعهم شبل بن معبد الذين شهدوا على المغيرة لعنه الله بالزنا عند عمر بن الخطّاب ، وتلكّأ زياد بشهادته بتلويح من عمر ، فدرأ عن المغيرة الحدّ وأقامه على الشهود ، وهي من أشدّ المطاعن على عمر ، كما هو مذكور بالتفصيل في الأسفار الكلاميّة

وقال في العقد الفريد : كان الزانيات من النساء في الجاهليّة ينصبن على بيوتهنّ رايات ليعرفن بذلك ويقصدهنّ الشباب ، وكان بغاة النفع من الناس يرسلون جواريهم في هذا السبيل كرهاً ليجمعن لهم الحطام الفاني والعرض الزائل وينالوا بذلك الحياة الدنيا ، وقد أشار الله تعالى في محكم كتابه المجيد بقوله :( وَلَا تُكْرِهُوا
فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ
) (١) يريد في الجاهليّة( فَإِنَّ اللَّـهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) يريد في الإسلام

وفي مروج الذهب : وكانت سميّة من ذوات الرايات بالطائف تؤدّي الضريبة إلى الحارث بن كلدة وكانت تنزل بالموضع الذي نزل فيه البغايا بالطائف خارجاً عن الحضر في محلّة يقال لها : حارّة البغايا .

وجاء أبو سفيان يوماً إلى أبي مريم السلولي وهو خمّار في الطائف في الجاهليّة ، فقال : أبغني بغيّاً ، فأتيته وقلت له : لم أجد إلّا جارية الحارث بن كلدة سميّة فقال : ائتني بها على ذفرها وقذرها ( يظهر من قول أبي سفيان هذا أنّه

_________________

(١) النور : ٣٣

٣١٧

وطأها قبل هذا اليوم ) ( الى أن قال ) والله لقد أخذ بدرعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً ، فلم ألبث أن خرج عليّ يمسح جبينه ، فقلت : مه يا أبا سفيان ، فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم لو لا استرخاء من ثديها وذفر من فيها(١)

وولدت سميّة زياداً عام أوّل من الهجرة على فراش عبيد الله ، فكان يعرف بزياد بن عُبيد وابن اُمّه وابن أبيه وابن سميّة ، ولمّا بلغ أشدّه استكتبه أبو موسى الأشعري فأرسله عمر في حاجة فأحسن القيام بها فقدم على عمر وهو في المسجد ، فخطب بين يديه خطبة أعجب بها الحاضرون ، فقال عمرو بن العاص : لو كان قرشيّاً لساق العرب بعصاه ،

فقال أبو سفيان : اُقسم بالله أنّي أعرف الذي وضعه في رحم اُمّه

فقيل له : من يا تُرى ؟

فقال : أنا هو !

ولمّا استخلف أمير المؤمنين ، كان زياد معروفاً بالنزاهة ولم يظهر منه خلاف وكان إدرايّاً سياسيّاً حازماً ذا فطنة وكياسة ، من ثمّ عهد إليه أمير المؤمنين بإدارة حدود فارس(٢) ، وأراد معاوية خديعته فما تأتّىٰ ذلك له ، وكتب إليه يوماً يتهدّده ، فقال عقيب ذلك : « أتعجب من ابن آكلة الأكباد ورأس النفاق يخوّفني بقصده إيّاي » ، وأثنى على أمير المؤمنينعليه‌السلام ثناءاً بليغاً فأرسل إليه أمير المؤمنين رسالة يحذّره من مكر معاوية ويأمره بالثبات على عهده إلى أن استشهد أمير المؤمنين وانقضت أيّامه عند ذلك فتح معاوية أحابيله عليه ، واستعان عليه بخبث فطرته

_________________

(١) مروج الذهب ٢ : ١٥ و ١٦ بتصرّف من المؤلّف ( المترجم ) و ٣ : ٦ ط دار الهجرة ( هامش الأصل )

(٢) لم يعهد إليه الإمام بذلك إنّما كان بفعل ابن عبّاس لأنّه والي البصرة يومئذٍ وفارس من توابعها ( المترجم )

٣١٨

ودنائة مولده وأوكل أمر جذبه نحوه إلى المغيرة بن شعبة وهو يومئذٍ رأس النفاق ومعدن النصب فانطلّت الحيلة على زياد واستلحقه معاوية وصيّره أخاه واعترف زياد حبّاً في الدنيا وميلاً إلى جاهها بخباثة مولده ورضي باُخوّة معاوية وأبوة أبي سفيان وعند ذلك أقسم أبوبكرة أن لا يكلّمه لأنّه زنىّ سميّة وقدح في نسبه(١)

ولمّا استقرّ رأيهما على ذلك أرسلت إليه جويريّة بنت أبي سفيان عن أمر أخيها معاوية ، فأتاها فأذنت له وكشفت عن شعرها بين يديه وقالت : أنت أخي ، أخبرني بذلك أبو مريم ثمّ أخرجه معاوية إلى المسجد وجمع الناس ، فقام أبو مريم السلولي ، فقال : أشهد أنّ أبا سفيان قدم علينا بالطائف وأنا خمّار في الجاهليّة ، فقال : أبغني بغيّاً ، فأتيته وقلت له : لم أجد إلّا جارية الحارث بن كلدة سميّة ، فقال : إأتني بها على ذفرها(٢) وقذرها

فقال له زياد : مهلاً يا أبا مريم ، إنّما بعثت شاهداً ولم تبعث شائماً ، فقال أبو مريم : لو كنتم كفيتموني لكان أحبّ إليّ وإنّما شهدت بما عاينت ورأيت ، والله لقد أخذ بكُمِّ درعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً ، فلم ألبث أن خرج عليّ يمسح جبينه ، فقلت : مه ، يا أبا سفيان ، فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم ، لولا استرخاء من ثديها وذفر من فيها(٣)

وفي رواية الكامل : فخرجت من عنده وإنّ اسكتيها لتقطر منيّاً(٤)

_________________

(١) كان صرم أبي بكرة له قبل هذا التاريخ أي عندما تلجلج في الشهادة وكان أحد الشهود على المغيرة فأقسم أبوبكرة لا يكلّمه مادام حيّاً ( المترجم )

(٢) الذفر : الرائحة الخبيثة

(٣) المسعودي ٣ : ١٦ ط دار الكتب العلميّة لبنان ـ ١٤١١ ( المترجم )

(٤) الكامل في التاريخ ٣ : ٣٠١ ( المترجم )

٣١٩

ولولا أنّ ذلك في فضائح أعداء أهل البيت لما ذكرت هذه الجملة ، ولكنّها في فضائهم وأنا مترجمها أيضاً

ويقال : إنّ المتنبّي قال في حقّها :

أقم المسالح حول شفر سميّة

إنّ المنيّ بحلقتيها خضرم

وخلاصة الحديث : إنّ معاوية بهذه الشهادة صيّر زياداً أخاه ، وقام يونس بن عبيد فقال : يا معاوية ، قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر وقضيت أنت أنّ الولد للعاهر وأنّ الحجر للفراش مخالفة لكتاب الله تعالى وانصرافاً عن سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة أبي مريم على زنا أبي سفيان(١)

والحقّ أنّ هذا العار لا يمحوه الماء وهو طعن لا تجد له جواباً بأيّ كتاب ، وكان الفضل بن روزبهان التزم بالجواب على مطاعن معاوية في ردّه على نهج الحقّ وحين يبلغ الحديث إلى هذا الحدّ يقول : لم يكن معاوية بالخليفة الشرعي فلا يلزمنا الجواب عن كلّ مطاعنه وهذه الحكاية مذكورة في جميع كتب أهل السنّة والجماعة ، ولم يردّها أحد منهم ، وذكرها الشعراء في تلك الفترة وطعنوا بها على معاوية وزياد منهم عبدالرحمن بن الحكم أخو مروان لعنه الله :

ألا أبلغ معاوية بن حربٍ

مغلغلة من الرجل اليماني(٢)

أتغضب أن يقال أبوك عفّ

وترضى أن يقال أبوك زاني

فأشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الأتان

وأشهد أنّها حملت زياداً

وصخر من سميّة غير دان

_________________

(١) مروج الذهب ٣ : ١٧ ( المترجم ) والكامل لابن الأثير ٣ : ٤٤٢ ط بيروت ( هامش الأصل )

(٢) كذا في مروج الذهب وفي شرح النهج والوفيات فقد ضاقت بما تأتي اليدان وهو أثبت على هذه الرواية وقيل أنّها ليزيد بن المفرغ فيصحّ ما ذكرناه في المتن ( منهرحمه‌الله )

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440