الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد0%

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 440

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 440
المشاهدات: 124898
تحميل: 5741

توضيحات:

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124898 / تحميل: 5741
الحجم الحجم الحجم
الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والآن نُقدّم - للقارئ الكريم - المزيد من الأدلّة والمؤيّدات على رجحان لبس السواد؛ لإظهار الحزن والأسى على سادات وأئمّة الورى (عليهم السلام):

بعضُ الأدلّة المنقولة في لبس السواد

1- لبسُ الحَسنان السواد على أبيهما بعد شهادته (عليه السلام): عن الأصبغ بن نباتة أنّه قال: دخلتُ مسجد الكوفة بعد قَتل أمير المؤمنين ورأيتُ الحسن والحسين (عليهما السلام) لابسي السواد(1) .

2- وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: وكان قد خرج الحسن بن علي (عليه السلام) إليهم - إلى الناس بعد شهادة أبيه - وعليه ثياب سود(2) .

3- لبس نسُاء بني هاشم السواد والمسوح حُزناً على سيّد الشهداء (عليه السلام)، كما ورد ذلك في كتاب المحاسن للبرقي، بسنده عن عمر بن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: لمّا قُتل الحسين بن علي (عليه السلام) لبسنَ نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكينَ من حرّ ولا برد، وكان علي بن الحسين (عليه السلام) يعمل لهنّ الطعام للمأتم)(3) ووجه الدلالة على الاستحباب وعلى رفع الكراهة: هو أنّ ذلك الفعل كان بإمضائه وتقرير الإمام المعصوم (عليه السلام)، إضافةً لدلالة الخبر على أنّ لبس السواد هو من شعار الحزن والعزاء على المفقود العزيز الجليل من قديم الزمان

____________________

(1) مجمعُ الدُرر في المسائل الاثنتي عشر، شيخ عبد الله المامقاني.

(2) شرح نهج البلاغة 16: 22.

(3) المحاسن 2: 402 - وقد دوّنت هذه الرواية في كتب: الكافي، والبحار، والوسائل نقلاً عن كتاب المحاسن.

٣٨١

وسالف العصر والأوان، وكما هو المرسوم اليوم في جميع نقاط العالَم(1).

4- وفي إقبال الأعمال(2) نقلاً عن كتاب (النشر والطيّ) بإسناده عن الرضا (عليه السلام)، أنّه قال - في حديث في فضيلة يوم الغدير -:(وهو يوم تنفيس الكرب ويوم لبس الثياب ونزع السواد).

5- ومثلها رويَ في مستدرك الوسائل عن كتاب المحتضر للحسن بن سليمان الحلّي بإسناده عن أحمد بن إسحاق، عن الإمام العسكري (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في فضيلة يوم التاسع من ربيع الأول، وأساميه - إلى أن قال - قال (عليه السلام):(ويوم نزع السواد) (3) .

6- ما جرى في الشام على قافلة سيّد الشهداء (عليه السلام)، بعدما أذِن لهم يزيد بالرجوع وطلبوا منه النوح على الحسين (عليه السلام): فلم تبقَ هاشميّة ولا قريشيّة إلاّ ولَبست السواد على الحسين وندبوه(4) .

7- سكينة بنت الحسين ترى الزهراء (عليها السلام) في المنام وهي تندب الحسين وعليها ثياب سود، يذكر ذلك المحقّق النوري في المستدرك حيث تقول سكينة (عليها السلام): (... فإذا بخمس نسوة قد عظّم الله خلقتهنّ، وزاد في نورهنّ وبينهنّ امرأة عظيمة الخلقة ناشرة شعرها، وعليها ثياب سود، وبيدها قميص مضمّخ بالدم

____________________

(1) راجع كتاب (إرشاد العباد إلى استحباب لبس السواد) للسيّد جعفر الطباطبائي الحائري، تعليق السيّد محمد رضا الحسيني الاعراجي الفحّام ص: 28 - هامش (2).

(2) إقبال الأعمال: 464.

(3) وفيه:(ويوم نزع الأسواد). - وقد أدرجه المجلسي في بحاره نقلاً عن كتاب زوائد الفوائد للسيّد ابن طاووس؛ مستدرك الوسائل 3: 326 - 327.

(4) مستدرك الوسائل 3: 327.

٣٨٢

إلى أن ذكرت أنّها كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام)(1) .

8- وفي مقتل أبي مخنف(2) ، عندما أخبر نعمان بن بشير بقتل الحسين (عليه السلام)، فلم يبقَ في المدينة مخدّرة إلاّ وبرزت من خدرها، ولبسوا السواد وصاروا يدعون بالويل والثبور.

9- وروى في الدعائم(3) عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، أنّه قال:(لا تلبس الحاد - المرأة في حِدادها على زوجها -ثياباً مصبّغة ولا تكتحل ولا تطيّب ولا تزيّن حتّى تنقضي عدّتها، ولا بأس أن تلبس ثوباً مصبوغاً بسواد) ، وقد أفتى بمضمونه الشيخ في المبسوط(4) ، والمحقّق في الشرائع في حداد الزوجة وفي الإيضاح.

10- وروى الصفّار في بصائر الدرجات عن البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن عيسى بن عبد الله وثابت، عن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:(خطبَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً بعد أن صلّى الفجر في المسجد وعليه قميصة سوداء) ، وذكرَ (عليه السلام) أنّه توفّيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك اليوم(5) .

وفي سيرة ابن هشام(6) : كان على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قميصة سوداء حين اشتدّ به وجعه.

11- وروى الكليني(7) ،

____________________

(1) مستدرك الوسائل 3: 327.

(2) صفحة 222.

(3) 2: 291.

(4) 5: 265 - 264.

(5) بصائر الدرجات: 305 - 304؛ بحار الأنوار 22: 464.

(6) 4: 316.

(7) الكافي 6: 449.

٣٨٣

والدعائم(1) بسنده عن سليمان بن راشد، عن أبيه قال: رأيتُ عليّ بن الحسين (عليه السلام) وعليه درّاعة سوداء وطيلسان أزرق.

12- وفي عيون الأخبار وفنون الآثار لعماد الدين إدريس القريشي(2) عن أبي نعيم، بإسناده عن أمّ سلمة رضوان الله عليها، أنّها لمّا بلغها مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ضربت قبّة سوداء في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولبست السواد.

13- وروى المجلسي في البحار(3) فيما جرى على أهل البيت (عليهم السلام) بعد واقعة كربلاء، إلى أن قال (عليه السلام):(ثُمّ قال الوصيف: يا سكينة، اخفضي صوتكِ فقد أبكيتِ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثُمّ أخذَ الوصيف بيدي فأدخلني القصر، فإذا بخمس نسوة قد عظّم الله تعإلى خلقتهنّ وزاد في نورهنّ، وبينهنّ امرأة عظيمة الخلقة ناشرة شعرها وعليها ثياب سود، بيدها قميص مضمّخ بالدم، وإذا قامت يقمنَ معها، وإذا جلست جَلسن معها، فقلتُ للوصيف: ما هؤلاء النسوة اللاتي قد عظّم الله خلقتهنّ؟

فقال: يا سكينة، هذه حوّاء أمّ البشر، وهذه مريم بنت عمران، وهذه خديجة بنت خويلد، وهذه هاجر، وهذه سارة، وهذه التي بيدها القميص المضمّخ - وإذا قامت يقمن معها وإذا جلست يجلسن معها - هي جدّتك فاطمة الزهراء عليها السلام) الحديث.

14- وروى الشيخ في الغَيبة بسنده إلى كامل بن إبراهيم، أنّه دخلَ على أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام)، فنظرَ إلى ثياب بياض ناعمة، قال: فقلتُ في نفسي:

____________________

(1) 2: 161.

(2) صفحة 109.

(3) 45: 195.

٣٨٤

وليّ الله وحجّته يلبس الناعم من الثياب، ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان وينهانا عن لبس مثله؟

فقال (عليه السلام) متبسّماً:(يا كامل، وحسرَ عن ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على جلده، فقال:هذا لله وهذا لكم) (1) .

15- في كامل الزيارات، بسنده: أنّ المَلَك الذي جاء إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وأخبره بقتل الحسين بن علي (عليه السلام) كان مَلَك البحار: وذلك أنّ مَلَكاً من ملائكة الفردوس نزلَ على البحر فنشر أجنحته عليها ثُمّ صاحَ صيحةً وقال:(يا أهل البحار، ألبسوا أثواب الحزن فإنّ فرخ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مذبوح...) (2) .

____________________

(1) وسائل الشيعة 3: 351؛ بحار الأنوار 50: 253 وج 52: 50.

(2) كامل الزيارات: 67 / ح 3؛ مستدرك الوسائل 3: 327.

٣٨٥

الجهةُ الثامنة: ضرورةُ لَعن أعداء الدِين

٣٨٦

٣٨٧

هناك جهة لاحقة أخرى، وهي: قضيّة لَعن أعداء الدين الواردة في بعض الزيارات والأدعية والمأثور من الأدلّة والروايات، وإدراجها ضمن الخطابة الحسينيّة، أو الشِعر، أو النثر، إذ يثير البعض تساؤلات حول هذه الظاهرة.

وإنّ السبّ واللعن لا يناسب أخلاق المسلم فضلاً عن المؤمن، ويكشف عن الحقد، وهو من الأخلاق الذميمة وليس من الأخلاق الإسلاميّة، وهو انفعال عاطفي حادّ أو حماسي لا تدبّر فيه ولا تفكّر، نظير بعض الإشكالات التي مرّت في البكاء، وقد وردَ في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه كان يوصي أصحابه أن(لا تكونوا سبّابين) .

ولتحرير حقيقة الحال في هذه الإثارات لابدّ من الالتفات إلى أنّ اللعن ليس مطلقاً هو السب، بل ينطبق على اللَعن الابتدائي من دون موجب للّعن، فيكون سبّاً، نظير ما يرتكبه بعض عوام الناس وغير الملتزمين، وأمّا إذا دُعي على شخص بما يستحقّ الدعاء عليه، ونُسب له ما يوجب له أن يُذكر به، فهذا لا يُعدّ سبّاً، بل هو إظهار لإنكار المنكر، ويُعدّ فضيلة، ولا يعدّ سبّاً؛ وإنّما هو نوع من الحالة الطبيعيّة النفسيّة والاجتماعيّة في الفطرة الإنسانيّة أو في مجموع المجتمع، إذ هو تنفّر من المنكر ورفض القبيح، فهل تقبيح القبيح يُعتبر سبّاً؟

وبعبارةٍ أخرى: أنّ من مقتضيات الفطرة الإلهيّة - التي فطرَ الله الناس عليها

٣٨٨

لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم -: هو تقبيح القبيح والنفرة منه وتحسين الحسن والانجذاب إليه، وهذه الفطرة الإنسانيّة والعقليّة تُحاذي فريضة وعقيدة التولّي والتبرّي، التولّي لأولياء الله تعإلى والتبرّي من أعدائه، حيث أمرَ بهما في الكثير من الآيات الكريمة كقوله تعإلى:( وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) (1) .

وقوله تعإلى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) (2) .

وقوله تعإلى:( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) (3) .

وقوله تعإلى:( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ ) (4).

وقوله تعإلى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) (5) .

وغيرها من آيات التولّي والتبرّي.

وقد قال تعإلى:( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (6) .

وقال تعإلى:( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا

____________________

(1) الجاثية: 19.

(2) الممتحنة: 13.

(3) المجادلة: 22.

(4) الممتحنة: 4.

(5) الممتحنة: 1.

(6) الشورى: 23.

٣٨٩

والآخِرة ) (1) .

ولا يخفى على اللبيب أنّ الحذر من اللعن لأعداء الله ورسوله هو في الحقيقة تذويب لظاهرة التوليّ والتبرّي، ومسخ لفطرة الحُسن والقُبح؛ لتعود الفطرة والقلب منكوسَين قبال الباطل والضلال، فهذا التحسّس والحذر من اللعن ينطوي على التنكّر لهدى عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والميل لضلال مخالفيهم، ومن الخطورة البالغة تمكن فيما إذا انتكس القلب ودبّ فيه المرض( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ) (2) لعترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

نعم، تقبيح شخص بلا موجِب ومن دون عمل صدر منه يقتضي ذلك يُعتبر سبّاً، أمّا إذا صدرَ منه ما هو قبيح واستنكرنا ذلك القبيح فلا يُعد فعلنا سبّاً وليس بوقيعة، بل هو حالة طبيعة الفطرة وهي إنكار للمنكر، وإنّ إنكار المنكر يُعتبر أمراً صحّيّاً، ويدلّ على بقاء سلامة فطرة وتديّن الإنسان والتزامه باعتقاداته، وأمّا استحسان المنكر وعدم إنكاره - ولو قلباً وهو أضعف الإيمان - فأمر منبوذ شرعاً وعقلاً، ويدلّ على تبدّل لطبيعة الفطرة.

فتقبيح القبيح ليس بسب، أوَ ليس ينبغي أن نتخلّق بالأخلاق والصفات الإلهيّة؟ لاحظ مادّة اللعن في القرآن الكريم، وردت مادّة اللعن في القرآن الكريم ما يقرب من الأربعين مورداً، والنبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أريدَ مدحه يوصف بأنّ خُلقه كان خُلق القرآن، فأفضل ما يتخلّق به الإنسان هو أخلاق القرآن وأخلاق الله عزّ وجل، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى أنّ النهي عن المنكر يُعتبر

____________________

(1) الأحزاب: 57.

(2) محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : 29.

٣٩٠

من الفرائض الركنيّة في أبواب الفقه، وأدنى مراتبه هو الإنكار القلبي والبراءة القلبيّة من المنكر، والمرتبة الوسطى هو الإنكار اللساني، وهذا الحكم يتعلّق بموضوعه وهو المنكر مطلقاً، سواء كان المنكر السابق أم المنكر الحالي، وهذا يستلزم البراءة من جميع أعداء الله على مرّ الدهور والعصور قلباً ولساناً، ومن أوضح مصاديق إنكار المنكر هو اللعن لأعداء الدين والمناوئين للأنبياء والأولياء والصالحين.

اللعنُ من الآيات القرآنيّة

ومن الآيات في ذلك:

-( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا والآخرة وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا ) (1) .

هذه الآية هي سنّة من الله على مَن يستحقّ اللعن من جهة، ومن جهة أخرى هي واردة أيضاً فيما نحن فيه في الشعائر الحسينيّة، حيث إنّ قَتَلة الحسين (عليه السلام) آذوا الله ورسوله كما ورد في نصوص الفريقين.

-( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (2) .

ويحثّ الله عزّ وجل على لعنهم.

-( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا

____________________

(1) الأحزاب: 57.

(2) البقرة: 159.

٣٩١

والآخِرة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (1) .

وهذه نماذج يسيرة، وإلاّ فالآيات القرآنيّة كثيرة في موضوع اللعن.

وهناك مثالاً قرآنيّاً لعدم التولّي: ففي خطاب لإبليس بعد أن أبى أن يتّبع آدم:( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) هذه الآية هي رمز لعدم الموالاة لدين الله، ولعدم اتّباع حجّة الله، وإبليس كفره ليس كفر إنكار لله عزّ وجل، ولا إنكاراً منه للمعاد؛ إنّما كفره بسبب عدم السجود، فلم يؤنّبه الله بأنّك لم تُقرّ بخليقتي، بل كلّ السور التي تتعرّض لهذه الواقعة فيها ذمّ وتأنيب الله لإبليس على عدم السجود ولعدم الإذعان بإمامة وخلافة وحجيّة آدم،( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ... ) .

فكفرُ إبليس: كفر عدم إقرار بالإمامة وعدم اعتراف بالحجّة الإلهيّة، والواقعة القرآنيّة في بدء الخليقة رمز للإمامة، كما أُشير إلى ذلك في الرواية الواردة في تفسير البرهان، وقد شرحها أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة القاصعة(2) ، أنّ هذه الواقعة كلّها لأجل بيان أمور وأسرار عجيبة يستعرضها القرآن في سبع سِور.

( قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ) (3) : تدلّ على عدم الخضوع وعلى عدم الموالاة والاتّباع)،( قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ

____________________

(1) النور: 23.

(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13: باب 238: 127.

(3) ص: 75.

٣٩٢

عَلَيْكَ لَعْنَتِي إلى يَوْمِ الدِّينِ ) ، والذي لا يتولّى وليّ الله له لعنة خاصّة، أمّا مَن يُعادي وليّ الله وخليفة الله وحجّة الله؛ فإنّ الآية الشريفة تُقرّر اللعن الإلهي عليه وطرده من رحمة الله.

وفي سورة الإسراء(1) مثالاً آخر:( وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ... ) هذه الرؤية في تفاسير العامّة الروائيّة أيضاً وردَ أنّها رؤية مَن ينزو على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن بألفاظ مختلفة، والمتتبّع فيها يصل إلى أنّ مضمونها هو نفس ما ذكرتهُ روايات الخاصّة في تفسير الآية، وهي الرؤيا التي انزعجَ منها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في اغتصاب الخلافة.

( إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ) يعني: أحاط بالأحداث والوقائع التي تمرّ على الناس، والتي ترتبط بأمورهم وبشؤونهم وبمستقبل أفعالهم.

طبيعةُ القرآن: هو بيان الحقيقة من زاوية، أو عن طريق الإشارة كي يسلم القرآن من التحريف، ولو كان القرآن يتضمّن التصريح، أو قريب من التصريح، لحُرِّف وبدِّل من أوّل يوم، لكنّ القرآن الكريم يكنّي ويشير إلى حقيقة قد لا يلتفت لها إلاّ ذوو الألباب( لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ ) (2) .

-( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ ) (3) .

____________________

(1) الآية 60.

(2) ص: 29.

(3) البقرة: 269.

٣٩٣

-( وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاّ الْعَالِمُونَ ) (1) .

-( وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) .

يدلّ على أنّ الشجرة وفتنة الناس، يعني أمر يُفتتن به الناس، فالأمر مرتبط بشأن اجتماعي وسياسي، فيظهر من نفس سياق الآية توقّع فتنة.

وهذه الفتنة للناس إشارة إلى السقيفة وما حصل فيها، ثُمّ إنّ آية( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ... ) هي سلالة أغصان وفروع، وهو مُلك بني أميّة تبدأ هذه الشجرة الملعونة بالنموّ على تربة وأساس تلك الفتنة.

تفسير هذه الشجرة الملعونة ليست شجرة نباتيّة، بل( وَنُخَوِّفُهُمْ.. ) ، و(هم) خطاب للعقاب،( فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) .

نفس الألفاظ إذا جُمعت في نفس السياق فإنّنا نحصل على صورة واضحة، لكن دَأب القرآن هو إعطاء الإشارات.

فهذه وغيرها من الآيات العديدة في القرآن التي تدلّ على وجود اللعن وجوازه على أعداء الدين.

____________________

(1) عنكبوت: 43.

٣٩٤

الجهةُ التاسعة: العزاءُ والرِثاء سُنّة قرآنيّة

٣٩٥

٣٩٦

يطرح البعض سؤالاً عن المبرِّر الشرعي والأهداف الدينيّة، وراء تكرار العزاء وإقامة المأتم على سيّد الشهداء (عليه السلام)، وعلى بضعة المصطفى (عليها السلام) كلّ عام مع تطاول المدّة بنحو دائم وندبة راتبة، والحال أنّ الندبة والرثاء على السبط الشهيد (عليه السلام) قد ثبتَ أنّه سنّة إلهيّة تكوينيّة وقرآنيّة إضافة لكونها سنّة نبويّة، وقد أوضحَت الكثير من الكتب والمراجع التاريخيّة والدراسات عدداً من هذه الوجوه.

فالوجهُ الأوّل: وهو السنّة التكوينيّة الإلهيّة، فيشير إليه قوله تعالى في سورة الدخان( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ ) (1) ، تنفي هذه الآية السماء والأرض على هلاك قوم فرعون الظالمين، ممّا يقضي بوجود شأن فعل البكاء من السماء والأرض كظاهرة كونيّة، وإلاّ لمَا كان للنفي معنى محصّل، وقد أشارت المصادر العديدة من كتب العامّة - فضلاً عن كتب الخاصّة - إلى وقوع هذه الظاهرة الكونيّة عند مقتل الحسين (عليه السلام)، من مطر السماء دماً، واحمرارها مدّة مديدة، ورؤية لون الدم على الجدران وتحت الصخور والأحجار في المُدن والبلاد الإسلاميّة، فلاحظ ما ذكرهُ ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة الحسين (عليه السلام) بأسانيد متعدّدة:

____________________

(1) الدخان: 29.

٣٩٧

بل قد طالعنا أخيراً كتاب باللغة الانجليزيّة اسمه: (ذي أنكلو ساكسون كرونكل)(1) كتبه المؤلِّف سنة 1954، وهو يحوي الأحداث التاريخيّة التي مرّت بها الأمّة البريطانيّة منذ عهد المسيح (عليه السلام)، فيذكر لكلّ سنة أحداثها، حتى يأتي على ذِكر أحداث سنة (685) ميلاديّة، وهي تُقابل سنة (61) هجريّة سنة شهادة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، فيذكر المؤلِّف أنّ في هذه السنة مطرت السماء دَماً، أصبح الناس في بريطانيا فوجدوا أنّ ألبانهم وأزبادهم تحوّلت إلى دم(2) ، هذا مع أنّ الكاتب لم يجد لهذه الظاهرة تفسيراً، ولم يُشر من قريب ولا بعيد إلى مقارنة ذلك إلى سنة (61) هـ ق.

وأمّا الوجهُ الثاني: وهو كون ذلك سُنّة قرآنيّة، فهو على نمطين:

الأوّل: إلزام الباري تعالى مودّة أهل البيت (عليهم السلام) على الناس، بل وجَعل هذه الفريضة من عظائم الفرائض القرآنيّة في قوله تعالى:( ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (3) حيث جَعل المودّة أجراً على مجموع الرسالة المشتملة على أصول الدين العظيمة، ممّا يُدلّل على كون هذه الفريضة في مصاف أصول الديانة، ثُمّ بيّن تعالى أنّ المودّة لها لوازم وأحكام.

منها: الاتّباع كما في قوله تعالى:( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ

____________________

(1) لاحظ ص38، وص 35، وص 42 من كتاب ( The Angle - Saxon Chronical )، وقد سجّل الكتاب في مكتبة ( everman.s library ) تحت رقم (624).

(2) وإليك نصّ العبارة باللغة اللاتينيّة:

.685in this year in britain it rained blood and milk and butter were turned into blood.

(3) الشورى: 23.

٣٩٨

اللَّهُ ) (1) ، ومنها: الإخبات والإيمان بذلك كما في قوله تعالى:( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ) (2) .

ومنها: الحُزن لحزنهم والفرح لفرحهم كما في قوله:( إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ ) (3) ، فبيّن تعالى بدلالة المفهوم: أنّ العداوة مقتضاها الحُزن لفرح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته (عليهم السلام)، والفرح لمصيبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته (عليهم السلام)، فالمحبّة تقتضي الحُزن لمصابهم والفرح لفرحهم، ونظير هذه الدلالة قوله تعالى:( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ ) (4) ، فعلى هذه الدلالة القرآنيّة يكون العزاء وإقامة المأتم والرثاء والندبة على مصاب السبط - بضعة المصطفى، سيّد شباب أهل الجنة، ريحانة الرسول الأمين - من مقتضيات الفريضة العظيمة الخالدة بخلود الدين، وهي مودّة القربى.

الثاني: وهو ما عَقدنا هذا المقال له، وهو: أنّ القرآن قد تضمّن الرثاء والندبة على خريطة وقائمة المظلومين طوال سلسلة أجيال البشريّة، وقد استعرضَ القرآن الكريم ظلاماتهم بدءاً من هابيل إلى بقيّة أدوار الأنبياء والرسل وروّاد الصلاح والعدالة، والجماعات المصلحة المقاومة للفساد والظلم: كأصحاب الأخدود، وقوافل الشهداء عبر تاريخ البشريّة، وحتّى الأطفال المجنيّ عليهم

____________________

(1) آل عمران: 31.

(2) الحجرات: 7.

(3) البراءة: 50.

(4) آل عمران: 120.

٣٩٩

نتيجة سُنن جاهليّة كالموؤدة، بل قد رَثى وندبَ القرآن ناقة صالح لمكانتها، ولم يقتصر القرآن على الرثاء والندبة لمَن وقعت عليهم الظلامات، بل أخذ في التنديد بالظالم وبالعتاة الظلمة، وتوعّدهم بالعذاب والنِقمة والبطش، كما سنجده في جملة من الموارد الآتية التي نتعرّض لها في السور القرآنيّة، وهي:

الأُولى: قصّة أصحاب الأخدود، ففي سورة البروج تستهلّ السورة بالقسم الإلهي أربع مرّات:( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ) ، وهذا الابتداء بمثابة توثيق للواقعة والحادثة التي يريد الإخبار عنها، وفي هذا منهجاً ودرساً قرآنيّاً يحثّ على توثيق الحادثة أولاً، ثُمّ الخوض في تفاصيلها ورسم أحداثها، ثُمّ تَذكر السورة الخبر الذي وقعَ القَسَم الإلهي على وقوعه بابتداء لفظة( قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ) ، وهو أسلوب رثاء وندبة وعزاء، نظير قول الراثي: (قُتل الحسين عطشاناً).

كما أنّ توصيفهم بأصحاب الأخدود بيان لكيفيّة القتل التي جرت عليهم، فتواصِل السورة تصوير مسرح الحدث استثارة للعواطف وتهييجها بوصف الأخدود( النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ) ، وهو بيان لشدّة سعرة النار التي أُجّجت لإحراقهم، وهو ترسيم لبشاعة الجناية وفظاعتها، ثُمّ يُتابع القرآن الكريم( إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ) وهو بيان لقطة أخرى من مسرح عمليّات الحادثة التي أوقعها الظالمون على المؤمنين، من إرعابهم وتهديدهم بإجلاسهم على شفير الأخدود المتأجّج أوّلاً، لأجل ممارسة الضغط عليهم للتخلّي عن مبادئهم التي يتمسّكون بها، وفيه بيان لشدّة صلابة المؤمنين مع هذا الإرعاب المتوجّه عليهم، ثُمّ تُتابع السورة( وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ) وهذا بيان يُجسّد فوران الشَفقة الإلهيّة على الظلامة والتلهّف على ما يُفعل بالمؤمنين.

٤٠٠