الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد0%

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 440

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الصفحات: 440
المشاهدات: 124894
تحميل: 5741

توضيحات:

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124894 / تحميل: 5741
الحجم الحجم الحجم
الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ثُمّ تتلو السورة( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) لتبيّن براءة المؤمنين لتركيز شدّة الظلامة، ومن جهةٍ أخرى: تبيّن شدّة صلابة المؤمنين وصمودهم وعلوّ مبدئهم، ثُمّ يبدأ الباري تعالى بتهديد الظالمين والتنديد بهم من موقع المالك للسموات والأرض والشاهد المراقب لكلّ الأمور، ثُمّ يقول تعالى:

( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ *... إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ) .

فيُسطّر تعالى قاعدة وسنّة إلهيّة عامّة وهي: الوقوف بصف المظلومين والموجهة قبال الظالمين، وهو بذلك يُربّي المسلمين والمؤمنين - عبر القرآن الكريم - على التضامن مع المظلومين والنفرة والتنديد بالظالمين عبر التاريخ، ويُعلّمهم أن لا يتخاذلوا باللامبالاة، ولا يتقاعسوا بذريعة أنّ هذه الأحداث والوقائع غابرة في التاريخ، بل يحثّ على التضامن والوقوف في صفّ كلّ مظلوم من أول تاريخ البشريّة إلى آخرها، والتنديد بكلّ طاغوت وظالم.

وهذا الجوّ القرآني نراه لا يكتفي من المسلم والقارئ للسورة بالتعاطف وإثارة الأحاسيس تجاه المظلوم، بل يستحثّهما على النفور من الظالم والتنديد به وإن كان زمانه قد مضى في غابر التاريخ، كلّ ذلك لتطهير الإنسان من الذوبان في مسيرة الظالمين، وانجذاباً له مع مبادئ المظلومين، فترى السورة تضمّ إلى إقامة الندبة والرثاء على أصحاب الأخدود والتنديد بقاتليهم،( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ ) فتُذكّر قارئ السورة بمسيرة بقيّة ظلامات الظالمين من عصابة جنود فرعون وثمود الذين جَنوا على الأنبياء والصالحين.

٤٠١

فالسورة ابتدأت بالقَسَم على تأكيد وقوع الفادحة وتحسّر في ندبتهم ورثائهم وإظهار العزاء عليهم، وبيان لعظم التنكيل بالمؤمنين وبراءة المؤمنين عن الجرم، ثُمّ توعّد على الانتقام بتصوير مليء بالعبارات المتحرِّكة بُغية إثارة العواطف والأحاسيس الجيّاشة.

ثُمّ إنّ ههنا إلفاتة مهمّة إلى بعض الأمور:

الأوّل: وهي أنّ هذه السورة حيث كانت في أسلوب أدب الرثاء والندبة والعزاء وإقامة المأتم على أصحاب الأخدود، فلابدّ أن يكون قراءة هذه السورة في كيفيّة التجويد بنحو من التصوير البياني والطور الإيقاعي المناسِب لجوّ معاني هذه السورة، وهذه الكيفيّة هي المعروفة بطور الرثاء والنوح، وقد تقرّر في علم التجويد أخيراً ضرورة التصوير والترسيم البياني لجوّ معاني الكلام، فلا يصحّ قراءة القرآن على وتيرة واحدة، بل آيات البشارة بالجنّة والثواب والنعيم تُقرأ بنحو الابتهاج والفرح، وآيات الإنذار والوعيد تُقرأ بكيفيّة الخوف والقشعريرة، وآيات التشريع والأحكام تُقرأ بكيفية التبيين والتعليم، وآيات الحِكمة والمعارف والموعظة تُقرأ بنحو الطور الصوتي المناسِب لجوّ الموعظة والحكمة، فمن ذلك نستخلص: أنّ النوح والترديد الرثائي من ألحان القراءة القرآنيّة لهذه السور المتضمّنة للمراثي.

الثاني: أشارَ الكثير من المفسّرين إلى أنّ القرآن قد نزلَ على: أمثال، ومواعظ، وحِكم، وإنذار، وبشارة، وأحكام ومعارف، وأخبار، وأنباء و...، ولم يشيروا إلى وجود أسلوب وأدب الرثاء والندبة في القرآن الكريم مع أنّه من الفصول المهمّة في الأدب والأسلوب القرآني، حيث سنذكر نموذجاً من بعض قائمة

٤٠٢

المراثي والندبة في السور القرآنيّة.

الثالث: أنّ اشتمال الكتاب العزيز في العديد من السور القرآنيّة على المراثي والندبة والعزاء، وهو قرآن يُتلى كلّ صباح ومساء وفي كلّ آن وزمان، وهو عهد الله تعالى إلى خلقه اللازم عليهم أن يتعاهدوه بالقراءة والتدبّر كلّ يوم، ولا سيّما في شهر رمضان الذي هو ربيع القرآن، فيقضي ذلك دعوة القرآن لإقامة الرثاء والندبة والعزاء على ظلامات المظلومين وروّاد الإصلاح الإلهي في البشريّة، في كلّ يوم فضلاً عن كلّ أسبوع، وفضلاً عن كلّ شهر، وكلّ موسم، وكلّ سنة بنحو راتب ودائم، في كلّ قراءة للقرآن وترتيل.

فإذا كانت سنّة القرآن ذلك في ظلامات المظلومين مثل: أصحاب الأخدود، وأتباع الأنبياء، فما ظنّك ببضعة المصطفى (عليها السلام) وريحانة خاتم الأنبياء، وسيّد شباب أهل الجنة لا سيّما مع افتراض أمر القرآن بمودّتهم والحزن لمصابهم، كما تقدّم في النمط السابق؟

الثانية: قصّة يوسف (عليه السلام)، ويعقوب (عليه السلام)، ويستهلّ القرآن الكريم تفصيل أحداث المأساة التي جرت عليهما بقوله تعالى:( لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ) (1) ، كما يختم كلامه في السورة:( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ... ) (2) ؛ ليُبيّن أنّ ما قصّهُ و سَرَده من فعل يوسف ويعقوب (عليهما السلام) سُنّة تستنّ بها هذه الأمّة، ويبدأ الحديث عن ظلامة يوسف (عليه السلام) وهو في سنٍّ يافع ناعم الأظفار

____________________

(1) يوسف: 7.

(2) يوسف: 111.

٤٠٣

بقوله:( فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ) فيرسم للقارئ مسرح الحدث بتعصّبهم وتجمّعهم على الطفل الصغير؛ ليلقوه في أعماق البئر( غَيَابَتِ الْجُبِّ ) ، هذا كلّه لبيان فظاعة فعلهم وأنّهم ألقوه في أعماق الجُبّ، وهذا نظير قوله تعالى:( وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) .

وعلى غرار هذا التعبير الرثائي، ما استعملهُ شاعر أهل البيت (عليهم السلام) دعبل الخزاعي بقوله: (أفاطمُ لو خِلتِ الحسين مُجدّلاً) وهو نحو من تهييج العاطفة ليعيش السامع والقارئ الحالة المأساويّة وكأنّها تتجسّد أمامه، ثُمّ يقول تعالى في ذيل التصوير الأول:( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) حيث تُبيّن مدى شدّة القساوة الجارية على يوسف (عليه السلام) وهو في نعومة أظفاره، وإنّ العناية الإلهيّة لا تتركه من دون لطفها، وتُتابع السورة آثار المصيبة على يعقوب (عليه السلام)( وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) ، فتُبيّن أنّ الجزع والندبة قد اشتدّا بالنبي يعقوب (عليه السلام) إلى حدّ إصابة عينيه بالعَمى، وقد اشتدّ حزنه وشكواه إلى الله تعالى إلى درجة اتّهام أبنائه بالخلل في عقله أو بدنه وهو معنى الحرض، والبثّ شدّة الحزن، وهذا دليل على أنّ الجزع من فعل الظالمين ممدوح، وإنّما الجزع من قضاء الله وقدره هو المذموم، وأمّا اللواذ والالتجاء إلى الله تعالى في الجزع والشكوى والبثّ والحزن فهذا ممدوح وهو تنفّر من الظالمين.

الثالثة: قصّةُ قَتل الأنبياء وقد ندّد القرآن الكريم واستنكرَ قتلهم فيما يقرب

٤٠٤

من تسعة مواضع منها:( قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (1) ، وقال:( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) (2) كما في البقرة 61 - 91، وآل عمران 21 - 112، والمائدة 70 - 81 - 183، والنساء 155، وكذلك ندّد القرآن بقتل روّاد الإصلاح الإلهي في البشريّة:( وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (3) .

الرابعة: ما في سورة التكوير:( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (4) ، وهذه ندبة قرآنيّة للمولودة التي تُقتل في زمن الجاهليّة نتيجة السُنن العرفيّة الجاهليّة الظالمة، ويتبيّن في هذا الأسلوب الرثائي كيفيّة مسرح الجناية بدفن الوليدة وهي حيّة في التراب مع كمال براءتها.

الخامسة: عزاء الشهداء في سبيل الله تعالى:( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ ) (5) .

السادسة: قصّةُ هابيل وجريمة قتله من قِبل قابيل، بقوله:( لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ... فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (6) ، فيُبيّن البراءة في جانب هابيل والوحشيّة والقساوة في جانب قابيل، فالبيان يُصوّر شدّة الأحاسيس من الطرفين أثناء التحام الطرفين في

____________________

(1) البقرة: 91.

(2) البقرة: 61.

(3) آل عمران: 21.

(4) التكوير: 8، 9.

(5) البقرة: 154.

(6) المائدة: 28 - 30.

٤٠٥

الحدث، إلاّ أنّ التهاب أحاسيس هابيل مملوءة بالصفاء والإحسان، وأحاسيس قابيل مشحونة بالعدوان والتجاوز لمقتضيات الفطرة.

السابعة: ما ارتكبه فرعون وهامان من طغيان واستكبار في الأرض:( يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ) (1) ، وقوله سبحانه:( يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ) (2) .

الثامنة: ناقة صالح في سورة الشمس:( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا ) (3) ، فبيّن طغيان ثمود وإنّ الذي ارتكبَ الجريمة هو الأشقى من قوم ثمود، وبيّن حُرمة الناقة بإضافتها إلى ذاته المقدّسة مع كونها ناقة صالح، ثُمّ صوّر بإحساسٍ ملتهب عمليّة الجناية من المعتدي بأنّه قام بعمليّة العقر، واللفظ يُبيّن قساوة الفعل، والسورة تُسند الفعل إلى قوم ثمود كلِّهم لرضاهم بذلك، كما سبقَ أن وصفَ المعتدي بالشقاء البالغ غايته، ثُمّ بيّنَ بجانب وقوفه بصف المظلوم وتضامنه معه تنديده للظالم وانبعاث الغضب والنقمة الإلهيّة العاجلة وسخطهُ الشديد عليهم، فلم يكتفِ برثاء المظلوم، بل قَرنهُ بشجب الظالم والإنكار عليه، بل وإدانة قوم ثمود لموقفهم المتفاعِل تأييداً للجريمة.

فإذا كان موقف القرآن من ناقة صالح يُبدي مثل هذا التضامن معها وهي دابّة وآية إلهيّة، ويُدين ظلم قوم ثمود لها، فبالله عليك، ما هو موقف القرآن الكريم

____________________

(1) القصص: 4.

(2) إبراهيم: 6، البقرة: 49.

(3) الشمس: 11 - 15.

٤٠٦

من سبط سيّد النبيّين وأشرف السفراء المقرّبين وسيّد شباب أهل الجنة؟ وإذا كان القرآن يدعونا إلى تلاوة الندبة والرثاء على ناقة صالح والظلامة الحادثة، بقرآن يُتلى إلى يوم القيامة تتلقّى منه البشريّة دروساً من التربية، ويحثّنا على إقامة هذه الندبة وعلى التنديد بمرتَكبي تلك الظلامة، فكيف بك بالظلامة المرتكبة ضدّ سيّد شباب أهل الجنة، ريحانة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وما يُمثّله من مبادئ وأصول للدين الحنيف متجسّدة فيه.

وهذه نبذة من الندبة والمراثي التي تصدّى القرآن الكريم لاستعراضها وإقامتها في السور القرآنيّة، بأسلوب وأدب الرثاء والعزاء ونحو ذلك من أساليب الندبة الهادفة المطلوبة لإحياء المبادئ، المتمثّلة في الذين وقعت عليهم تلك الظلامات من أجل أنّهم يحملون تلك المبادئ ويسعون لإقامتها وبنائها.

فنستخلص: أنّ الندبة والرثاء الراتب سُنّة قرآنيّة يمارسها القارئ، والتالي، والمرتّل لكتاب الله العزيز، وهي مجلس من المجالس المُقامة في أندية القرآن الكريم.

وأمّا الوجه الأخير: وهو كون العزاء والمأتم على سيّد الشهداء (عليه السلام) سُنّة نبويّة أيضاً، فقد كُتب في بيانه جملة من الأعلام، نذكر - على سبيل المثال لا الحصر - ما أشار إليه العلاّمة الأميني (قدِّس سرّه) في كتابه (سيرتنا وسنّتنا)، (سيرة النبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وسنّته) في اثني عشر مأتماً ومجلساً عَقدهُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لندبة الحسين (عليه السلام)، وهو يافع في نعومة أظفاره في مَلأ من المهاجرين والأنصار في المسجد تارةً، وأخرى في بيته مع بعض زوجاته، وثالثة مع بعض خواصّه، وقد نَقل تلك الوقائع المتكرّرة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الكثير من الحفّاظ وأئمّة الحديث في مسانيدهم، والمؤرّخين أصحاب

٤٠٧

السيَر في كُتبهم، منهم: أحمد بن حنبل في مسنده، والنسائي والترمذي في سُننهما، وغيرهم وابن عساكر في تاريخه، وغيرهم، فلاحِظ ثمّة ما كتبهُ العلاّمة الأميني(1) ، وكذلك ما كتبهُ العلاّمة السيّد عبد الحسين شرف الدين (المأتم الحسيني مشروعيّته وأسراره).

ومِسكُ الختام لبحث الشعائر الحسينيّة، نذكر ما كتبهُ العلاّمة الأميني (قدِّس سرّه) في كتابه سيرتنا وسنّتنا، حول المآتم التي أقامها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على سبطه سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، من خلال الفصل الآتي.

____________________

(1) وسيأتي هذا الفصل في آخر الكتاب ص: 411 تحت عنوان مسك الختام.

٤٠٨

مِسكُ الخِتام

٤٠٩

٤١٠

أحصى العلاّمة الأميني (قدِّس سرّه) في كتابه الشريف (سيرتنا وسنّتنا) عشرين مأتماً، أقامها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، كلّ مأتم بأسانيد عديدة من كُتب صِحاح وحديث أهل السُنّة والجماعة باسطاً البحث عن صحّة أسانيدها من كتب الجرح والتعديل لديهم.

وإليك جرداً ببعض تلك القائمة:

1 - مأتمُ الميلاد: ما أخرجه الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي، والحافظ الخوارزمي، ومحبّ الدين الطبري في ذخائر العُقبى ص 119، والحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسين السبط (عليه السلام) في تاريخ دمشق.

2 - مأتمُ الرضوعة: أخرجه الحافظ الحاكم النيسابوري في المستدرك 3: 176 وص 179، والحافظ البيهقي في دلائل النبوّة، والحافظ ابن عساكر في تاريخه، والحافظ الخوارزمي 1: 158 - 159 وص 162، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة ص 154، وابن حجر في الصواعق ص 115، والنسائي في الخصائص الكبرى 2: 125، والمتّقي الهندي في كنز العمّال 6: 223.

3 - مأتمُ رأس السنة: أخرجه الحافظ الخوارزمي في مقتل الإمام السبط

٤١١

الشهيد 1: 163.

4 - مأتمٌ في بيت السيّدة أمّ سلمة، أمّ المؤمنين بنعي جبرئيل (عليه السلام): أخرجه الحافظ الطبراني في المعجم، والحافظ الهيثمي في المجمع 9: 189، والحافظ ابن عساكر في تاريخه.

5 - مأتمٌ آخر في بيت أمّ سلمة، أمّ المؤمنين بنعي جبرئيل (عليه السلام): أخرجه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير لدى ترجمة الحسين السبط (عليه السلام)، والحافظ ابن عساكر في تاريخه، والحافظ الكنجي في الكفاية ص 279، والحافظ الخوارزمي في المقتل ص 170، ومحبّ الدين الطبري في كتاب ذخائر العُقبى ص 147، والحافظ العراقي في طرح التقريب 1: 42، والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 189، والقسطلاني في المواهب اللدنيّة 2: 195، والحافظ السيوطي في الخصائص الكبرى 2: 125، والشيخاني المدني في الصراط السوي ص 93، والسيّد القراغولي في جوهرة الكلام ص 120، والحافظ الزرندي في نظم الدُرر ص 215.

6 - مأتمٌ آخر في بيت السيّدة أمّ سلمة بنعي مَلك المطر: أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده 3: 242 في باب مسند أنس بن مالك، وأيضاً في 3: 265، والحافظ أبو يعلى في مسنده، والحافظ أبو نعيم في الدلائل 3: 202، والحافظ الطبراني في الجزء الأوّل في المعجم الكبير لدى ترجمة الحسين السبط (عليه السلام)، والحافظ البيهقي في دلائل النبوّة في باب إخبار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتل الحسين، والفقيه ابن المغازلي الواسطي في المناقب، والحافظ ابن عساكر في تاريخه، والحافظ

٤١٢

المحبّ الطبري في ذخائر العقبى ص 146 - 147، عن البغوي في معجمه، وأبي حاتم في صحيحه، والحافظ ابن عساكر في تاريخه، والحافظ العراقي في طرح التقريب، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 187 - 190، والقرطبي في مختصر التذكرة ص 119، والحافظ ابن حجر في الصواعق ص 115، والحافظ الترمذي في كتاب أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل شرح كتاب الشمائل، وأبو الهدى في ضوء الشمس 1: 97 - 98، والحافظ القسطلاني في المواهب 2: 195، والسيوطي في الخصائص 2: 125، والشيخاني في الصراط السوي، والقراغولي في جوهرة الكلام ص117، وعماد الدين العامري في شرح بهجة المحافل 2: 236، والخوارزمي في مقتل الحسين 1: 162.

7 - مأتمٌ في بيت عائشة بنعي جبرئيل (عليه السلام): أخرجه الحافظ ابن البرقي، والسيّد محمود المدني في الصراط السوي، والطبراني في المعجم في ترجمة الحسين، وأبو الحسن الماوردي في أعلام النبوّة ص 83 الباب 12، وابن سعد في الطبقات الكبرى، وابن عساكر في تاريخه، والحافظ الدار قطني في الجزء الخامس في عِلل الحديث، والخوارزمي في المقتل 1: 159، والهيثمي في مجمع الزوائد ج 9: 187 - 188، وابن حجر في الصواعق ص 115، والسيوطي في الخصائص 2: 125 - 126، والمتّقي الهندي في كنز العمّال 6: 223، والقراغولي في جوهرة الكلام ص 117.

8 - مأتمٌ في بيت السيّدة أمّ سلمة أمّ المؤمنين: أخرجه الحافظ عبد الرزّاق الصنعاني في مصنّفه، وابن عساكر في تاريخه، والمحبّ الطبري في ذخائر العُقبى

٤١٣

ص 147، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة ص 154، وأبو المظفّر السبط في التذكرة ص 142، والشيخاني المدني في الصراط السوي ص 94، والقراغولي في جوهرة الكلام ص 117.

9 - مأتمٌ في بيت السيّدة زينب بنت جحش أمّ المؤمنين: أخرجه الحافظ أبو يعلى في مسنده، وابن عساكر في تاريخه، والهيثمي في المجمع 9: 188، والمتّقي الهندي في كنز العمّال 6: 223.

10 - مأتمٌ في بيت أمّ سلمة أمّ المؤمنين: أخرجه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير لدى ترجمة الحسين (عليه السلام)، والزرندي في نظم الدُرر ص 215، والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 188 - 189، والمتّقي الهندي في كنز العمّال 6: 223، والشيخاني المَدني في الصراط السوي ص 49.

11 - مأتمٌ في بيت السيّدة أمّ سلمة أمّ المؤمنين: أخرجه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير، والحافظ الحاكم النيسابوري في المستدرك 4: 398، والحافظ البيهقي في دلائل النبوّة، وابن عساكر في تاريخه، والحافظ محمد بن أحمد المقدّسي الحنبلي في (صفات ربّ العالمين).

12 - مأتمٌ في بيت السيّدة أمّ سلمة أمّ المؤمنين: أخرجه الحافظ ابن أبي شيبة في المصنّف ج 12، والطبراني في المعجم الكبير في ترجمة الإمام السبط الشهيد (عليه السلام).

13 - مأتمٌ في بيت عائشة بنعي مَلكٍ ما دخلَ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قط: أخرجه الطبراني في المعجم في ترجمته (عليه السلام)، وأحمد بن حنبل في مسنده 6: 294

٤١٤

بإسناده عن عائشة أو أمّ سلمة، والحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق، والحافظ العراقي في طرح التقريب 1: 41، والهيثمي في المجمع 9: 187، وابن حجر في الصواعق ص115، والسيّد محمود المَدني في الصراط السوي.

14 - مأتمٌ في بيت عائشة: أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى، والحافظ ابن عساكر في تاريخه.

15 - مأتمٌ في دار أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): أخرجه النسّابة العبيدلي العقيقي في أخبار المدينة، والسيّد محمود الشيخاني في الصراط السوي، والحافظ الخوارزمي في المقتل 2: 167.

16 - مأتمٌ في مَجمع الصحابة: أخرجه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير، والحافظ ابن عساكر في تاريخه، والسيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه 6: 223، والخوارزمي في المقتل ص 160 - 161.

17 - مأتمٌ في حَشدٍ من الصحابة: أخرجه ابن أبي شيبة المجلّد الثاني عشر في المصنّف، والحافظ ابن ماجة في السُنن 2: 518 في باب خروج المهدي، والحافظ العقيلي في ترجمة يزيد بن أبي زياد، والحاكم في المستدرك 4: 464، والحافظ أبو نعيم الإصبهاني في أخبار أصبهان 2: 12، والطبراني الجزء الثالث في المعجم الكبير.

18 - مأتمٌ في دار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أخرجه المحبّ الطبري في ذخائر العُقبى ص 148.

19 - مأتمٌ في كربلاء أقامهُ أبو الشهيد أمير المؤمنين: أخرجه أحمد بن حنبل

٤١٥

في مسنده 2: 60 - 61، وابن أبي شيبة في المصنّف ج 12، وابن سعد في الطبقات، والطبراني في الجزء الأوّل في المعجم الكبير، والحافظ أبو يعلى في مسنده، وابن عساكر في تاريخه، والفقيه ابن المغازلي في المناقب، والحافظ ضياء الدين المقدّسي في المختارة، والخوارزمي في المقتل 1: 170، والسبط أبو المظفّر في تذكرة الأمّة ص 142، ومحبّ الدين الطبري في ذخائر العُقبى ص 148، وابن كثير في تاريخ الشام، والسيوطي في جمع الجوامع 6: 223، وفي الخصائص 2: 126، وفي الجامع الصغير 1: 13.

والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 187، وابن حجر في الصواعق ص 115، والسيّد محمود الشيخاني في الصراط السوي ص 93، والسيّد القراغولي الحَنفي في جوهرة الكلام ص 118، والشربيني في السراج المنير شرح الجامع الصغير 1: 68، والحفيني في حاشيته 1: 68، والمنّاوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير 1: 204، وأحمد محمد شاكر في شرح مسند أحمد 2: 60، ونصر بن مزاحم في كتاب صفّين ص 158، وابن كثير في البداية والنهاية 8: 199، وابن أبي الحديد في شرح النهج 1: 278، والسيوطي في الخصائص 2: 126 وغيرها.

20 - مأتمٌ يوم عاشوراء: أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده 1: 283، والطبراني في الجزء الأوّل من المعجم الكبير، والبيهقي في دلائل النبوّة وفي باب رؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام، والحاكم في المستدرك 4: 397، والحافظ الخطيب في تاريخ بغداد 1: 142، وأبو عمرو في الاستيعاب 1: 144، وابن عساكر في تاريخه 4: 340، والحافظ العراقي في طرح التقريب 1: 42، وابن الأثير في أُسد

٤١٦

الغابة 2: 22، والأصبهاني في سير السلف، والزرندي في نظم الدُرر ص 217، والكنجي في الكفاية ص 210، والحافظ الترمذي في الجامع الصحيح 13: 193، والحاكم في المستدرك 4: 19، والبيهقي في دلائل النبوّة باب رؤيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وابن الأثير في جامع الأصول، والحافظ السيوطي في الخصائص الكبرى 2: 126، وغيرها كثير جدّاً.

وبسرد هذه الرسالة الشريفة، نصل إلى آخر صفحة من طيّات هذا الكتاب (الشعائر الحسينيّة بين الأصالة والتجديد) والحمدُ لله ظاهراً وباطناً، وأوّلاً وآخراً، والصلاة على محمّد وآله الميامين.

٤١٧

٤١٨

مُلحق:

فتوى الإمام النائيني (قدِّس سرّه) حول الشعائر الحسينيّة

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى البصرة وما والاها:

بعد السلام على إخواننا الأماجد العظام أهالي القطر البصري ورحمة الله وبركاته.

قد تواردت علينا في (الكرّادة الشرقيّة) برقياتكم وكُتبكم المتضمنّة للسؤال عن حُكم المواكب العزائيّة وما يتعلّق بها، إذ رجعنا بحمده سبحانه إلى النجف الأشرف سالمين، فها فنحن نحرّر الجواب عن تلك السؤالات ببيان مسائل:

الأولى: خروج المواكب العزائيّة في عشرة عاشوراء - ونحوها إلى الطرق والشوارع - ممّا لا شبهة في جوازه ورجحانه، وكونه من أظهر مصاديق ما يُقام به عزاء المظلوم، وأيسر الوسائل لتبليغ الدعوة الحسينيّة إلى كلّ قريب وبعيد، لكنّ اللازم

٤١٩

تنزيه هذا الشعار العظيم عمّا لا يليق بعبادة مثله من غناء، أو استعمال آلات اللهو والتدافع في التقدّم والتأخّر بين أهل محلَّتين، ونحو ذلك، ولو اتّفق شيء من ذلك، فذلك الحرام الواقع في البين هو المحرّم، ولا تسري حُرمته إلى المواكب العزائي، ويكون كالناظر إلى الأجنبيّة حال الصلاة في عدم بطلانها.

الثانية: لا إشكال في جواز اللطم بالأيدي على الخدود والصدور حدّ الاحمرار والاسوداد، بل يقوي جواز الضرب بالسلاسل أيضاً على الأكتاف والظهور، إلى الحد المذكور، بل وإن تأدّى كلّ من اللطم والضرب إلى خروج دم يسير على الأقوى.

وأمّا إخراج الدم من الناصية بالسيوف والقامات فالأقوى جواز ما كان ضرره مأموناً، وكان من مجرّد إخراج الدم من الناصية بلا صدمة على عظمها ولا يتعقّب عادة بخروج ما يضرّ خروجه من الدم، ونحو ذلك، كما يعرفه المتدرّبون العارفون بكيفيّة الضرب، ولو كان عند الضرب مأموناً ضرره بحسب العادة، ولكن اتّفق خروج الدم قدر ما يضرّ خروجه لم يكن ذلك موجباً لحرمته، ويكون كمَن توضّأ أو اغتسلَ أو صام آمناً من ضرره ثُمّ تبيّن ضرره منه، لكنّ الأولى، بل الأحوط، أن لا يقتحمه غير العارفين المتدرّبين ولا سيّما الشبّان الذين لا يُبالون بما يوردون على أنفسهم لعظم المصيبة، وامتلاء قلوبهم من المحبّة الحسينيّة، ثبّتهم الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

الثالثة: الظاهر عدم الإشكال في جواز التشبيهات والتمثيلات التي جرت عادة الشيعة الإماميّة باتّخاذها، لإقامة العزاء والبكاء والإبكاء منذ قرون وإن تضمّنت لبس الرجال ملابس النساء على الأقوى، فإنّا وإن كنّا مستشكلين سابقاً في جوازه وقيّدنا جواز التمثيل في الفتوى الصادرة منّا قبل أربع سنوات لكنّا لما

٤٢٠