الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد13%

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد مؤلف:
الناشر: دار الغدير
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 440

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131236 / تحميل: 6172
الحجم الحجم الحجم
الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

الشعائر الحسينية بين الاصالة والتجديد

مؤلف:
الناشر: دار الغدير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

أدق: فإنّ المكلَّف مخيّر بين الأفراد الطوليّة للصلاة، والأفراد العرضيّة لها أيضاً(١) .

وكذلك في مثال عِتق الرقبة، فالاختيار بيد المكلّف لعتق أيّ رقبة شاء، سواء كان المعتَق رجلاً أو امرأة، مسنّاً أو شابّاً، أسود أم أبيض وغير ذلك.

فحينئذٍ تطبيق هذه الماهية وهذا العنوان الكلّي على الأفراد، قد جعلهُ الشارع بيد المكلّف.

هذا الجواز في تطبيق الطبيعة الكلّيّة على الأفراد يسمّونه في اصطلاح علم أصول الفقه بالتخيير العقلي، يعني هناك جواز عقلي يتّبع حُكم الشارع والأمر بالطبيعة الكلّيّة، والمكلَّف مُخوّل بالتطبيق والتخيير بين الأفراد، وهو ما يُسمّى تخييراً عقليّاً؛ ليمتاز عن التخيير الشرعي، والذي هو أن ينصّ الشارع بنفسه على التخيير(٢) .

فهذا لا يُعدّ تشريعاً، أو إبداعاً، أو إحداثاً في الدين من قِبَل المكلّف؛ لأنّ المكلّف إذا أتى بصلاة الظهر في هذا المسجد دون ذاك المسجد، أو أتى بالصلاة بثوب مطيّب بطيب أو لم يأت به، أو إذا أتى بالصلاة في أوّل

____________________

(١) وقد ذكرَ هذا الأمر آية الله الشيخ حسن المظفّر في كتابه (نصرة المظلوم): ٣، وإليك نصّ عبارته: (وإذا كان سنخ الشيء عبادة ومندوباً إليه، سَرَت مشروعيّته إلى جميع أفراده من جهة الفرديّة)، وهذه العبارة تُشير إلى ما نحن فيه من أنّ الأمر بالكلّي الطبيعي يعني مشروعيّة جميع أفراده؛ وإنّما التخيير يكون بيد المكلّف.

(٢) كما في التخيير الوارد في خصال الكفّارة لـمَن أفطر متعمّداً في نهار شهر رمضان أنّ عليه: عِتق رقبة، أو صيام شهرين مُتتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً، فهذا تخيير شرعي.

٨١

الوقت، أو في وسط الوقت، أو في آخر الوقت؛ فإنّ هذه الخصوصيات في الواقع هي تطبيق لذلك الكلّي الطبيعي، وتطبيق لذلك الكلّي في ضمن هذه الأفراد والمصاديق والخصوصيّات، ولا يقال: إنّه نوع من البدعيّة أو التشريع أو الإحداث في الدين من قِبَل المكلّف؛ لأنّ الشارع - حسب الفرض - قد رسمَ وحدّدَ للمكلّف طبيعة كلّيّة من خلال الأمر بها، وخوّله أن يوجِد هذه الطبيعة في أيّ مصداق من المصاديق.

فلا يقال في موارد وجود التخيير العقلي والجواز العقلي في تطبيق الطبيعة على الأفراد والمصاديق، أنّ هذا التطبيق إنّما هو من تشريع المكلّف، إذ المفروض أنّ الشارع سوّغ له أن يُطبّق طبيعة الصلاة هذه في ضمن أيّ فرد، وجعلهُ مختاراً في ذلك.

والمفروض هو أنّ المكلّف - حين إتيانه بهذه الطبيعة في ضمن تلك الأفراد - لا يتديّن بتلك الخصوصيّة، وإنّما يتديّن بذلك المعنى الكلّي والفعل الكلّي الذي يُطبّقه في موارد الأفراد، لا أنّه يتديّن ويتعبّد بخصوصيّة من خصوصيّات الفرد، وإنّما هو يتعبّد بتلك الطبيعة الكلّيّة وبذلك المعنى الكلّي الذي يعمّ الموارد والأفراد المتعدّدة.

بخلاف ما إذا أراد المكلّف أداء الصلاة ونوى الفرد المخصوص (من الأفراد الطوليّة والعرضيّة)، مثلاً: نوى الصلاة المخصوصة في أوّل الوقت بدل أن ينوي الطبيعة في الفرد المزبور، أو نوى الصلاة في المكان الخاص بأنّه يتقرّب إلى الله بالفرد من الصلاة المخصوصة الواجبة..

هنا يتحقّق التشريع المحرّم؛ لأنّ المكلّف يتقرّب ويتعبّد ويتديّن بفرد

٨٢

الصلاة المخصوصة ذات المواصفات المعيّنة، والحال أنّ الشارع لم يأمر بهذا الفرد بخصوصه، بل أمرهُ بالطبيعة الصادقة والمنطبقة على هذه الأفراد، فالإتيان بالأفراد يقع على نحوين، والنحو الأول الذي ذكرناه هو الطريقة المتّبعة، والمشي المرتكز لدى المتشرِّعة، حيث يقصدون الطبايع في الأفراد.

فإذا أمرَ الشارع بطبيعة معيّنة أو سوّغ امتثالها وتطبيقها، لا يقال: إنّ المكلّف في ضمن هذا الفرد قد أبدعَ، أو قد أحدث، فمرتكز المتشرّعة - خواصّهم وعوامّهم - عدم التأمّل والتوقّف في المصاديق المستحدَثة، وفي تطبيق الطبيعة على الأفراد المختلفة تحت ذريعة وطائلة الابتعاد عن التشريع المحرّم، بل هم يرون أنّ هذا نوع من امتثال أوامر الشريعة، ونوع من التديّن بما تُحدّده لنا الشريعة المقدّسة.

فإذاً، ترتسم لنا من هذه النقطة الأولى: أنّ في كلّ مورد يأمر الشارع بطبيعة كلّيّة ولا يُقيّد بخصوصيّة معيّنة، فالمستفاد من ذلك الأمر هو الجواز الشرعي، أو قل الجواز العقلي التَبعي بتطبيق هذه الطبيعة الكلّيّة بالمعنى الكلّي في ضمن أيّ فردٍ من الأفراد، ويكون التديّن في تلك الأفراد والتعبّد والتقرّب بالطبيعة الكلّيّة، والمعنى الكلّيّ الموجود والمتكرّر في ضمن تلك الأفراد والخصوصيّات، ولايكون ذلك تعدّياً على ما رسمَ الشارع، وليس إحداثاً في الدين، ولا ابتداعاً ولا غير ذلك من المعاني.

النقطة الثانية: (١) تقسيم العناوين الثانويّة

العناوين الثانويّة لها تقسيمات عديدة، والذي يهمّنا في المقام هو

____________________

(١) راجع النقطة الأولى ص: ٧٨ من هذا الكتاب.

٨٣

تقسيم العنوان الثانوي إلى: عنوان ثانوي في الحُكم، وعنوان ثانويّ في الموضوع.

العنوان الثانوي في جنبة الحُكم:

وهو ما يكون ملاكه ثانويّاً، ومن ثُمّ يكون حكمه ثانويّاً، من قبيل: عناوين الضرر، والحرج والنسيان والإكراه، والاضطرار والجهل وغيرها.

هذه العناوين الثانويّة يقال لها إنّها عناوين ثانويّة في جانب الحُكم؛ لأنّها حينما تطرأ سوف تُغيّر الحكم الأوّلي في المورد الذي تطرأ عليه بسبب طروّ ملاك جديد، فهذه العناوين ملاكاتها ثانويّة، ونقصد من قولنا ثانويّة: هو الطروّ الثانوي للملاكات على الأفعال، فتُغيّر ملاكها الأولي.

العنوان الثانوي في جنبة الموضوع:

وهي حالات نسمّيها طارئة، ولكن ليست حالات طارئة في الحكم والقانون، بل حالات طارئة وعناوين ثانويّة في جنبة الموضوع.

هذه الحالات الطارئة لا يكون ملاكها طارئاً ثانويّاً، بل ملاكها وحكمها أوّلي، إنّما موضوعها ثانوي، فهي ثانويّة بلحاظ الموضوع أي أنّها ثانويّة وطارئة الموضوع.

مثلاً: القيام احتراماً للقادم، أو مصافحته، أو توسعة المجلس له، أو أيّ نوع من آداب الاحترام ربّما لم تكن هذه المظاهر أو بعضها فيما مضى من عهود البشريّة، ولم تُستخدم هذه الرسوم والتقاليد لإبداء الاحترام، لكن شيئاً فشيئاً، صارت الأجيال المتعاقبة تستخدم أشكالاً أخرى في الاحترام

٨٤

والتعظيم..

فأخذوا يجعلون القيام وسيلة وعلامة لإبداء الاحترام والتعظيم، فهنا الاحترام والتعظيم بين الجنس البشري ليس حكماً طارئاً، وليس ملاكه استثنائيّاً، بلى هو حكمٌ أوّلي من ضمن الأحكام الأوّليّة المقرّرة في الشرع، سواء شرع السماء، أم شرع العقل.. أي ما يحكم به العقل مستقلاًّ.

فالاحترام: حُكم أوّلي يحكم به العقل، ويحكم به الشرع، لكنّ المصاديق المستجدّة المستحدَثة من أنحاء الاحترام - كالمصافحة باليد والقيام، والإيماء بالرأس، وما شابه ذلك - إنّما هي مصاديق طارئة للاحترام، فهنا الطروّ والحالة الاستثنائية والحالة المستجدّة ليست في الحكم، وإنّما هي مستجدّة في نفس الموضوع.

القيام مثلاً لم يكن متّخذاً عند العقلاء أو عند البشريّة كوسيلة لإبداء الاحترام، لكنّه أصبح في العصور اللاحقة وسيلة لإبداء الاحترام مثلاً، كما كان على صورة السجود في بعض العصور المتقادِمة كذلك.

فتلبّس القيام بكونه وسيلة لإبداء الاحترام، هو نوع من الطروّ والحالة الاستثنائيّة والحالة غير الأوّليّة، ولكن هذه الحالة الطارئة في علم القانون الوضعي أو الشرعي، ليست طارئة في جانب الحُكم، بل في جانب الموضوع، وإلاّ فحكم الاحترام والتعظيم حكم أوّلي وليس حكماً ثانويّاً، لكن إيجاد الاحترام في ضمن هذا المصداق أو هذا الموضوع، حالة طارئة وليست حالة أوّليّة.

حيث إنّ ماهيّة القيام: هي استواء صُلب الإنسان على رجليه، فالاحترام ليس مخبوّاً ومطويّاً في ماهيّته، بل هو عنوان طارئ استثنائي حالّ على القيام، وهذا معنى أنّه عنوان ثانوي وحالة طارئة، ولكن ليس

٨٥

ملاكه ثانويّاً للحُكم، بل ملاك الحكم فيه أوّلي، وحكمه ثابت، وإنّما كيفيّة الاحترام تكون طارئة وثانويّة.

ففي علم القانون - سواء الوضعي أو الشرعي - هناك قسمان من الحالات الطارئة، وقسمان من العناوين الثانويّة: عناوين ثانويّة في طرف الموضوع، وعناوين ثانويّة في طرف المحمول (الحكم).

الفوارقُ بين العناوين الثانويّة في جنبة الحكم وفي جنبة الموضوع

الأوّل: إنّ الطروّ في العناوين الثانويّة في جنبة الحكم هو طروّ بلحاظ المحمول، أي: بلحاظ الحكم والقانون والتقنين.

وأمّا العناوين الثانويّة الطارئة في الموضوع؛ فإنّ الطروّ فيها والاستثناء في نفس الوجود الخارجي للموضوع.

الثاني: إنّ العناوين الثانويّة في جنبة الحكم، أو الحالات الطارئة في التقنين، حالات طارئة في التقنين في الملاك، وأمّا الحالات الطارئة والعناوين العارضة على الموضوع فملاكها أوّلي وليس بطارئ.

الثالث: تشريعات أيّ قانون سواء من القوانين الوضعيّة أو السماويّة، عندما تُشرّع لا يراد منها أن تكون جامدة، ولا أن تبقى في دائرة عدم التفعيل، بل الغاية المنشودة من تشريع القوانين الأوّليّة: هو أن تُجرى وأن تُطبّق، وأن تكون فعليّة في مجال التطبيق والممارسة، وتوصِل إلى الملاكات وتحقّق الأغراض التي رَسمها المُقنّن والمشرِّع من تشريعاته.

فلابدّ من الانتباه إلى أنّ العناوين الثانويّة والحالات الطارئة في قسم المحمول أو جانب الحكم، يجب أن لا تأخذ مأخذاً واسعاً في التطبيق

٨٦

والمصداق الخارجي والتنفيذ، وإلاّ لعاد الحكم الثانوي أوّليّاً، وعاد الحكم الأوّلي حكماً ثانويّاً، وهذا أمر مهمّ ينبغي الالتفات إليه.

وإذا ما جرى بواسطة العناوين الثانويّة، وبذريعة: (لا ضرر ولا حرج)، وبسبب الاضطرار والنسيان وغير ذلك الاجتراء على إسقاط الأحكام الأوّليّة واحدة تلو الأخرى، فتُجعل الحالات الثانويّة حالات دائمة، بينما تُجعل الحالات الأوّليّة حالات استثنائيّة شاذّة، فإنّ ذلك نقض أصول أغراض التشريع، إذ المفروض أنّ الأحكام الأوّليّة تبقى على حالتها الأوّليّة، يعني أن تكون هي غالبة ودائمة وأكثريّة، والحالات الثانويّة الاستثنائيّة هي طارئة ونادرة.

وهذا بعينه مُراعى في القوانين الوضعيّة أيضاً، حيث يحاول المنفِّذ أو المدير لأيّ شعبة إداريّة أو وزاريّة أن لا يفتح المجال للاستفادة من استثناءات القانون، إذ المفروض أنّ الاستثناء حالة غير طبيعيّة وليس حالة أوّليّة دائمة، بل حالة طارئة، ولو فُتح الباب للحالة الاستثنائيّة في القانون، لانقلبَ الوضع وانعكس الأمر، حيث يُصبح القانون هو الحالة الاستثنائيّة، وتصبح الحالات الاستثنائيّة هي القانون، فالحذر من وقوع هذه الحالة يكون من باب المحافظة على أغراض القانون.

ومحلّ الكلام: هو أنّ العناوين الثانويّة للحكم ينبغي أن لا تنقلب إلى أحكام أوّليّة، بل تبقى حالة شاذّة، ومن ثُمّ نجد الفقهاء في فتاواهم فيما يرد عليهم من أسئلة عامّة الناس - بقدر الوسع والإمكان - لا يفتحون المجال لذريعة المستفتي في الضرر والاضطرار والحرج لتسويغ رفع الأحكام الأوّليّة، بل يُدقّقون ويُفتّشون ويتحرّون في الحالة التي يُستفتى عنها في العثور على مخرج غير ثانوي، ويسعَون في تطبيق الأحكام الأوّليّة،

٨٧

والتأكّد ممّا يدّعيه السائل، فقد تكون حالة الاضطرار، أو الإكراه، أو الإلجاء، أو النسيان غير موجودة، بل مجرّد ادّعاء أو وهم وجهالة لا واقع لها.

أمّا الحالة الطارئة والعناوين الثانويّة في الموضوع، فلا مانع من أن تصبح دائمة ومستمرّة مثلاً: اتّخاذ القيام وسيلة للاحترام والتعظيم، حيث يصبح القيام وسيلة دائمة للاحترام والتعظيم، ودون أن يكون فيه نقض لغرض التقنين الشرعي..

لأنّ المفروض أنّ التعظيم والاحترام المتبادَل بين الإنسان وبني جنسه، له ملاكٌ أوّلي وليس ملاكه ثانويّاً، بل هناك غرض ومصلحة في تقنينه أوّليّاً، إنّما يكون الطروّ أو الاستثناء في تحقّق موضوعه في هذا المصداق أو ذاك، لا أنّ حكمه وملاكه وغرضه ثانوي استثنائي، إنّما طريقة وجوده في الخارج حصلَ بها طروٌ تكويني، فهي حالة طارئة تكوينيّة وليست حالة طارئة في فلسفة الحكم والملاك.

مثل هذه الحالات الثانويّة - التي هي في جانب الموضوع - لا يكون فيها نقض للغرض حتّى لو كانت دائميّة غالبة.

الخلاصة:

ضرورة التمييز بين شكلين ونحوين من العناوين الثانويّة والطارئة، فالعناوين الثانويّة الحُكميّة لو انقلبت إلى دائميّة، لكان ذلك نقضاً لغرض التقنين، ولكان إبداعاً وتشريعاً في الدين.

وأمّا الحالات الثانويّة في طرف الموضوع - فمعَ كون ملاكاتها أوّليّة، فإنّها إذا كانت دائمة وغالبة في المصداق - كما مثّلنا لذلك بالقيام دلالةً

٨٨

على الاحترام والتعظيم - فلا مانع من ذلك، وليس فيه أي نقض لفلسفة التقنين أو منافاة لمَا يسمّى بالحكم أو الملاك؛ لأنّ المفروض أنّ فلسفة الحكم في التعظيم والاحترام أوّليّة ودائمة، وليست استثنائيّة شاذّة طارئة، نعم، في هذا المصداق أصبحت طارئة، وهذا فارق مهمّ جدّاً بين العناوين الثانويّة في جانب الموضوع، والعناوين الثانويّة في جانب الحُكم، أو قل: الحالات الطارئة في جانب الموضوع والحالات الطارئة في جانب الحكم.

ثمرةُ الفرق بين النوعين:

وهناك ثمرات عديدة في الأبواب الفقهيّة لهذه الفوارق.

مثلاً عندما يأمر الشارع في الآية:( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ... ) (١) ، لم يُقيّد الإنذار بأشكال معيّنة، وكذلك الأمر في نَشر الدين والإعلام، حيث لم يأمر الشارع بوسيلة وبأسلوب وبمصداق وبخصوصيّة معيّنة في الإنذار، فحينئذٍ يتّخذ الإنذار أساليب تختلف كلّما استجدّت الأعصار، فلا يتحرّج أحد من نشر أحكام الدين بواسطة وسائل الإعلام الحديثة من قبيل: الإذاعة والتلفزيون، أو الصُحف والمجلاّت، أو الإنترنت والقنوات الفضائيّة والبريد الإلكتروني وغير ذلك، إذ بمقتضى النقطة الأولى لم يُقيّد الشارع الإنذار، ولم يُخصِّصه بأسلوب مُعيّن، فالشارع حينئذٍ سمحَ وجوّز كلّ المصاديق التي تُحقّق هذا العنوان في الخارج العملي.

____________________

(١) التوبة: ١٢٢.

٨٩

فالتخيير العقلي في محلّ البحث - وهو الشعائر - حاصل ومتحقّق، حيث إنّ الآية الكريمة:( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ.. ) (١) تُبيّن أنّ غرض الشارع هو إتمام نوره وانتشاره واتّساعه وعلوّه.

فكلّ ما نتّخذه نحن من أساليب ومصاديق - وأشكال لنشر الدين، ورفع بيوت الله سبحانه، وما فيه إعلاء لكلمة المؤمنين - تكون جائزة وصحيحة ولا يُتطرّق إليها شبهة البدعة والتشريع.

فلو سلّمنا القول: بأنّ الشارع قد جعلَ للشعائر حقيقة شرعيّة ووجوداً شرعيّاً، اعتماداً على الصنف الأول من الأدلّة.

لكنّ الأدلّة من الصنف الثاني والصنف الثالث(٢) ، لم يُحدّد الشارع فيها أسلوباً أو مصداقاً معيّناً للشعائر، فإذا استحدثَ المسلمون وسائل وخصوصيات ومصاديق معيّنة، ينشأ منها زيادة ذِكر الله سبحانه وانتشار نوره واعتزاز دينه، فلا

تكون بدعة ولا تُعدّ تشريعاً محرّماً.

فالقائل بضرورة كون الجاعل للشعائر هو الشرع، سوف لن ينتهي إلى النتيجة التي يحاول إثباتها، وهي: حرمة وضع الشعائر المتجدّدة والمُستحدَثة؛ وذلك لمَا بيّنا من النقطتين السابقتين وهما:

١ - تعبّد وتديّن المكلّف بالطبيعة الكلّيّة الموجودة، والمعنى الساري الحاصل في المصاديق.

____________________

(١) التوبة: ٣٢.

(٢) راجع ص: ٣٤ - ٣٨ من هذا الكتاب.

٩٠

٢ - تقسيم العناوين الثانويّة إلى:

أ) عناوين ثانويّة في جنبة الحكم.

ب) عناوين ثانويّة في جنبة الموضوع.

مع معرفة الفوارق بين هذين القسمين.

وجدير بالذكر: أنّ الأمثلة التي تُضرب في العناوين الثانويّة؛ إنّما أكثرها هي العناوين الثانويّة في جنبة الحكم، مثل: عناوين الضرر، الحرج، النسيان، الجهل، الإكراه وما شابه.

أمّا العناوين الثانويّة في جنبة الموضوع، مثل: الاحترام في ضمن مصداق القيام، أو المصافحة، أو المعانقة، فهي لا تكاد تُذكر.

فمثلاً: مبحث اجتماع الأمر والنهي، وطروّ الصلاة في الدار الغصبيّة، ليس من قبيل العناوين الثانويّة في جنبة الحكم، بل هو من قبيل العناوين الثانويّة في جنبة الموضوع، وكذلك مبحث التزاحم.

النقطة الثالثة (١) :

مصداق العناوين الثانويّة في جنبة الموضوع، يجب أن يكون مصداقاً محلّلاً في نفسه بالحلّيّة بالمعنى الأعم، الشاملة للمكروه، والمقابِلة لخصوص الحُرمة..

فالحلّيّة بالمعنى الأعم شاملة: للمستحب، والواجب، والمكروه، والإباحة

____________________

(١) النقطة الثالثة من الجواب التفصيلي عن إشكاليّة وضع الشعائر بيد العُرف، تراجع النقطة الأولى ص: ٧٨، والنقطة الثانية ص: ٨١ من هذا الكتاب.

٩١

الخاصّة؛ في مقابل خصوص الحرمة، والعناوين الكلّيّة والأفعال الكلّيّة العامّة التي أمرَ بها الشارع بنحو كلّي، أي خُيّرنا فيها التطبيق على أيّ مصداق، أو على أيّ فردٍ وإن كانت هي ذات ملاك أوّلي وفعل أوّلي، إلاّ أنّ طروّها في الخصوصيّات والمصاديق هو طروّ ثانوي، فلابدّ أن يكون رسوّها ومصداقها ومهبطها محلّلاً بالمعنى الأعم.

فمن ثُمّ يجب على الفقيه أن يُثبّت الحلّيّة أوّلاً بالمعنى الأعمّ في المصداق، ومن ثُمّ يطرأ الوجوب.

والوجوب ليس وجوباً طارئاً من حيث الملاك، إذ الملاك أوّلي، بل الطروّ من جهة الموضوع.

وقد يُثبته بالأصل العملي ويفرض الشكّ فيه من زاوية الحكم للمصداق في نفسه، مثلاً: هل الضرر اليسير في الشُعيرة محلّل أو لا؟ فزيارة القبور في نفسها - لو كان فيها ضرر يسير في نفسها - هل عنوان مفسدة ذاتيّة أو لا؟ في حال الشكّ وعدم الدليل نُجري أصالة البراءة، ثُمّ بعد ذلك نستدلّ بالعنوان الثانوي من جنبة الموضوع (لا الثانوي من جنبة الحُكم) وهو إحياء الشعائر، فيحصل الجمع بين الجنبتين، كما إذا أراد المكلّف أن يصلّي الصلاة الواجبة التي لها حكم أوّلي وشكّ في غصبيّة المكان، فيُجري البراءة أوّلاً، ثُمّ يقوم بأداء الصلاة - وقد دخل وقتها أو تضيّق وقتها - فيكون مصداقاً للواجب.

فمن جنبة المعنى الكلّي العام هو ملاك أوّلي وحُكم وواجب مثلاً، أمّا من جنبة المصداق فيجب أن تثبت حلّيّته بالمعنى الأعم لكي تُطبّق ذلك المصداق الكلّي عليه، فليس هناك تدافع ولا تنافي بين الجنبتين.

٩٢

وهذه إحدى الجهات اللازم توضيحها في هذه القاعدة، وهي: أنّ العناوين الثانويّة في جنبة الموضوع، يجب أن يكون مصداقها محلّلاً بالمعنى الأعم.

ويستدلّ العلماء على أنّ المصداق لابدّ أن يكون مُحلّلاً بالمعنى الأعم، إذ المفروض - كما قلنا - إنّ الأمر الشرعي بطبيعة عامّة: كالصلاة، والزكاة، والاعتكاف، والشعائر يُستفاد منه تخيير عقلي أو شرعي في تطبيق الطبيعة الكلّيّة على المصاديق , وهو تجويز وتسويغ من الشارع في تطبيق هذا المعنى العام على المصاديق.

ولا ريب أنّه لا يتناول الخصوصيّات المحرّمة حفظاً ورعاية للتوفيق بين أغراض الأحكام الشرعيّة، نعم، هذا التجويز والتسويغ يتناول حتّى المصاديق المكروهة ولا مانع من ذلك، مثل: الصلاة في الحمّام، والصلاة في المقبرة، وفي الأرض السبخة مثلاً، وهذه الصلاة وإن كانت مكروهة إلاّ أنّها صلاة سائغة ومشروعة، وإذا كان الحال كذلك، فلابدّ من الإمعان في هذه القاعدة، فإنّ الإمعان والتدبّر فيها يكشف لنا الستار عند اللبس الموجود بين موارد البدعة وبين موارد الشرعيّة.

اجتماعُ الأمر والنهي في مصداق واحد

هذا، ويلاحظ من بحث الفقهاء والأصوليّين في مسألة اجتماع الأمر والنهي - نظير الصلاة في الدار المغصوبة - أنّ شمول دليل الأمر لموارد الأفراد المحرّمة مفروغ عنه، فالصلاة المأمور بها شاملة لفرد الصلاة في الدار الغصبيّة، ولك أن تقول: إنّ هناك قولين معروفين في مسألة اجتماع الأمر والنهي على تقدير وحدة مصداق المأمور

٩٣

به والمنهيّ عنه:

أحدهما: وهو قول المشهور(١) شهرة عظيمة، واختاره صاحبا (الرسائل) و(الكفاية)، وهو: تزاحم الحُكمين، لا التزاحم في مقام الامتثال، بل التزاحم بين مِلاكي الحُكمين ومقتضى المصلحة والمفسدة، فيقدّم ويراعى الأهمّ، ولا يخفى أنّ التزاحم وإن كان ملاكيّاً فإنّه لا يعني سقوط دليل الحكم غير الأهمّ وعدم شموله لمورد اجتماع الحُكمين، بل غايته هو فساد العبادة لأجل أنّ التقرّب فيها لا يصلح أن يكون بما هو مبغوض شرعاً ومحرّم، وليس لكون دليل طبيعة الصلاة المأمور بها قاصر الشمول عن مورد تصادقه مع الفرد الحرام.

ومن ثُمّ حكم المشهور بصحّة الصلاة في الدار الغصبيّة مع قصور المصلّي لجهله وغفلته عن غصبيّة الأرض، وتصحيحهم للصلاة المزبورة مُستند إلى نقطتين:

الأولى: هو شمول دليل الصلاة إلى الفرد المحرّم.

الثانية: عدم تنجّز الحُرمة على القاصر الذي أتى بالفرد المحرّم وأوقعَ الصلاة فيه وعدم معصيته، فلم يكن متجرّئاً طاغياً على مولاه.

هذا، بخلاف القول الثاني(٢) الذي يتبنّى التعارض في الفرد الذي يتصادق فيه الحكمان؛ فإنّ أصحاب هذا القول يبنون على سقوط دليل الأمر في مورد اجتماعه مع النهي لتحقّق التعارض بين الدليلين، فلا يكون دليل الأمر شاملاً لمورد الاجتماع.

____________________

(١) ذهبَ إليه الشيخ الأنصاري، والآخوند، والمحقّق العراقي، والمحقّق الأصفهاني (رحمهم الله) وغيرهم.

(٢) ذهبَ إليه المحقّق النائيني (قدِّس سرّه)، وجمعٌ من تلامذة مدرسته.

٩٤

وعلى ضوء ما تقدّم، قد تقرّر النسبة إلى المشهور قولهم بشمول أدلّة الأوامر إلى الفرد والمصداق المحرّم، وعدم تقييد طبائع الأوامر في طروّها على المصاديق بما كان محلّلاً بالحلّيّة الأعم، سواء كانت تلك الطبائع المأمور بها ذاتيّة لمصاديقها، أو عناوين ثانويّة في جنبة الموضوع لآحاد المصاديق.

وحينئذٍ أمكنَ لنا أن نقول بشمول الدليل الآمر بالشعائر وتعظيمها وما شابه ذلك، أو الأمر بالصلاة - مثلاً - لكلّ الموارد والمواطن المحلّلة بالحلّيّة بالمعنى الأعم، وأمكن لنا أن نُعمّم الدليل - دليل المشروعيّة - لكلّ تلك المواطن، ويكون ذلك الموطن مشروعاً وشرعيّاً وعليه الصفة الشرعيّة، وليس فيه واهمة للبدعة أو البدعيّة.

بعضُ أقوال العلماء في المقام:

ونتعرّض هنا لبعض أقوال الأعلام في المقام:

قال صاحب الحدائق (قدِّس سرّه) - بعد ذِكر مسألة كراهة لبس اللباس الأسود في الصلاة -: (ثُمّ أقول: لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين (عليه السلام) من هذه الأخبار؛ لمَا استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الحزن، ويؤيّده ما رواه شيخنا المجلسي (قدِّس سرّه) عن البرقي في كتاب المحاسن: رويَ عن عمر بن زين العابدين أنّه قال: (لما قُتل جدّي الحسين المظلوم الشهيد، لبسَ نساء بني هاشم في مأتمه ثياب السواد ولم يغيّرنها في حرّ أو برد، وكان الإمام زين العابدين صنعَ لهنّ الطعام في المأتم)(١) .

____________________

(١) الحدائق الناضرة: ٨: ١٨، نقلاً عن المحاسن للبرقي: ٤٢٠.

(٢) جامع الشتات ٢: ٧٨٧، الطبعة الحجريّة.

٩٥

فعلّل الخروج عن النهي في لبس السواد بعموم الأمر بإظهار شعائر الحزن، مع أنّ النسبة هي عموم وخصوص من وجه، ومقتضى عموم النهي شموله لمورد التصادق وهو من اجتماع الأمر والنهي.

وللميرزا القمّي (قدِّس سرّه) - صاحب القوانين - في كتاب جامع الشتات(١) مجموعة من الأسئلة حول الشعائر الحسينيّة، حيث قال بجواز الشبيه ضمن الشعائر الحسينيّة ورجحانه، واستدلّ على ذلك بعمومات البكاء والإبكاء، حيث إنّ عمومات البكاء والإبكاء لها مصاديق مختلفة يمكن أن تشملها.

وأحد المصاديق الموجِبة للبكاء والإبكاء: هو ما يكون في ضمنه التشبيه والتمثيل التي تثير عواطف الناظرين وتستدرّ دموعهم، وذَكر (رحمه الله) أنّه على تقدير عموم حرمة تشبّه الرجل بالمرأة، أو المرأة بالرجل (في الشبيه قد يُضطرّ إلى تشبّه الرجل بالمرأة)، فاستدلّ على جواز هذا الفرد من الشبيه أو التمثيل بعموم أدلّة البكاء والإبكاء، وقال: بأنّه على تقدير عموم حرمة التشبّه لهذا المصداق نقول: إمّا بالتعارض أو بالتزاحم، فإذا قلنا بالتعارض سوف يتساقطان، أي: يسقط عموم دليل الشعائر، وعموم دليل الحرمة أيضاً، وتكون الفائدة بعد سقوط حرمة الشبيه أن يبقى الفعل حينئذٍ على الجواز بإجراء أصالة البراءة، وهو في صدد إثبات الجواز والحلّيّة، فمن ثَمّ لو نتجَ عن العمومَين التعارض من وجه، فغايته أن يتساقط العمومان ثُمّ نتمسّك بأصالة البراءة.

وإذا قلنا بينهما التزاحم، فعمومات البكاء والإبكاء أرجح وأهمّ فتُقدّم.

وقد ذهبَ السيّد اليزدي (قدِّس سرّه) أيضاً - في أجوبته عن الشعائر

____________________

(١) جامع الشتات ٢: ٧٨٧، الطبعة الحجريّة.

٩٦

الحسينيّة(١) - إلى ما ذهبَ إليه صاحب الحدائق، من رجحان لبس السواد على الكراهة، لإظهار الحزن والتفجّع والتألّم على مصاب الحسين (عليه السلام).

وذهبَ السيّد الگلبايگاني (قدِّس سرّه) في فتواه(٢) إلى جواز الشبيه، تمسّكاً بعمومات رجحان البكاء والإبكاء (مع أنّ عموم البكاء والإبكاء لا يشير إلى مصاديق خاصّة؛ وإنّما يتناول بعمومه مصاديق متعدّدة، ومع ذلك استفادَ المشروعيّة للمصداق الخاص بعمومات البكاء).

وقد ذكرَ الشيخ حسن المظفّر (قدِّس سرّه) في كتابه نصرة المظلوم، ما لفظه:

(لا شكّ أنّ إظهار الحُزن ومظلوميّة سيّد الشهداء (عليه السلام) - والإبكاء عليه وإحياء أمره - بسنخه عبادة في المذهب، لا بشخص خاصّ منه، ضرورة أنّه لا ترد في الشريعة كيفيّة خاصّة للحزن والإبكاء وإحياء الذكر المأمور به؛ ليقتصر عليه الحزين في حزنه، والمُحيي لأمرهم في إحيائه، والمبكي في إبكائه، وإذا كان سنخ الشيء عبادةً ومندوباً إليه سَرَت مشروعيّته إلى جميع أفراده من جهة الفرديّة)(٣) .

فما تشير إليه كلمات الأعلام: هو استفادة مشروعيّة المصاديق المستجدّة المُستحدَثة للشعائر بنفس عموم العام، ولا يبنون على البدعيّة أو التشريع المحرّم؛ لأنّ عموم ذلك العام ينطبق على مصاديقه بمقتضى النقطة الثانية التي ذكرناها، وهي: أنّ بعض العناوين الثانويّة التي لها ملاكات أولّيّة،

____________________

(١) في حاشيته على رسالة الشيخ جعفر التستري (طبعة قديمة).

(٢) مجمعُ المسائل.

(٣) نصرة المظلوم: ٢٢.

٩٧

لكنّ موضوعها طارئ وثانويّ، فطروّ هذا الموضوع على تلك المصاديق يستنبط العلماء منه مشروعيّة تلك المصاديق، وهذه حقيقة فقهيّة يتغافل عنها القائل ببدعيّة الشعائر المستجدّة والمتّخذة حديثاً.

وفي عبارة للشيخ جعفر كاشف الغطاء أيضاً(١) : «وأمّا بعض الأعمال الخاصّة الراجعة إلى الشرع، ولا دليل عليها بالخصوص، فلا تخلو بين أنّه تدخل في عمومٍ، ويُقصد بالإتيان بها الموافقة من جهته (يعني جهة العام التي انطوت تحته تلك الخصوصيّة)، لا من جهة الخصوصيّة كقول: (أشهدُ أنّ عليّاً وليّ الله) في الأذان لا بقصد الجزئيّة، ولا بقصد الخصوصيّة؛ لأنّها معاً تشريعٌ، بل بقصد الرجحان الذاتي أو الرجحان العارضي؛ لمـَا وردَ من استحباب ذِكر اسم عليّ (عليه السلام) متى ذُكر اسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

فحينئذٍ الشهادة الثالثة، مع عدم البناء على قصد الجزئيّة، بل البناء على قصد الاستحباب العام، فلا يُحكم عليها بالبدعيّة، كما وقعَ عند بعض المتوّهمين وأثاروا دائرة هذا البحث، حيث المفروض أنّ مَن يأتي بها إنّما يقصد جهة العنوان العام، وهو اقتران ذِكر اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع ذكر عليّ (عليه السلام) واستحباب ذلك، كالعموم الوارد في استحباب الصلاة على محمّد وآل

____________________

(١) كشف الغطاء: ٥٣ - ٥٤، الطبعة الحجريّة.

(يبدأ كتابه بأصول الدين، ثُمّ بعد ذلك بأصول الفقه، ثُمّ بعد ذلك بالقواعد الفقهيّة، ثُمّ يَشرع بالفقه)، فأحد القواعد التي يبحثها الشيخ كاشف الغطاء الكبير - في القواعد الفقهيّة في الصفحة المذكورة سطر: ٣٣ - حول الفارق والفيصل بين البدعيّة والشرعيّة.. (وهذا جدّاً مهمّ، حيث إنّ الشيخ كاشف الغطاء هو أوّل مَن واجه من علماء الإماميّة شبهات وإشكالات الوهّابيّة في كتابه المعروف (منهج الرشاد))، يذكر أمثلة مصاديق منها ما يتعلّق بالشعائر الحسينيّة.

٩٨

محمّد عند ذِكر اسم النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلاّ يكون جفاءً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكما لا نحكم بالبدعيّة في الصلاة عليه أثناء الأذان، كذلك ذِكر الشهادة الثالثة في الأذان لا نحكم عليه بالبدعيّة.

إذاً، يجب التفرقة في أنحاء العمل المأتيّ به، أنّه هل يؤتى به من جهة العموم استناداً إلى مشروعيّة عموم العام، بخلاف ما إذا أُتي به بقصد الخصوصيّة بما هي هي، حيث تأتي شبهة التشريع والبدعة والشرعيّة، أمّا إذا أُتي به استناداً إلى العموم فلا بدعيّة في البين، بل ذلك بواسطة مشروعيّة نفس العموم.

فالمستَند والمدرَك والشرعيّة مترشِّحة وآتية من نفس العموم، لا من تخرّص واقتراح المكلّف.

مثال آخر يذكره صاحب كشف الغطاء: وكقراءة الفاتحة بعد أكل الطعام وبقصد استحباب الدعاء، لمَا ورد فيه أنّه من وظائفه (يعني من الوظائف المستحبّة للطعام)، أن يدعو بعد الطعام، وأفضله أن يكون بعد قراءة سبع آيات، وأفضلها السبع المثاني، وكما يُصنع بقراءة الفاتحة في مجالس ترحيم الموتى على الرسم المعلوم والطريقة المعهودة، أو إخراج صدقةٍ عند الخروج من المنزل.

وورد في كتاب كشف الغطاء: (وتشبيه بعض المؤمنين بيزيد أو الشمر، ودقّ الطبل وبعض آلات اللهو، وإن لم يكن الغرض ذلك (يعني اللهو)، وكذا مطلق التشبيه).

(وجميع ما ذُكر وما يشابهه، إن قُصد به الخصوصيّة تشريعاً،

٩٩

وإن لوحظَ فيه الرجحانيّة من جهة العموم فلا بأس به)(١) .

إطلالةٌ على سُنن المتشرِّعة المستجدّة

الكلام عن السُبل والسُنن الدينيّة الاجتماعيّة المستجدّة، والطقوس الاجتماعيّة المستجدّة المستحدثة، لا بعنوان الشعائر الدينيّة بخصوصها، بل بعنوان السُنن الاجتماعيّة التي تُتّخذ كطقوس عباديّة في مناطق معيّنة، كما مثّل الشيخ كاشف الغطاء بكيفيّة الدعاء بعد الطعام بقراءة سورة الفاتحة، ورسوم أخرى، هذه كلّها سُنن اجتماعيّة متلوّنة بالواعز الشرعي الديني، وقد لا نعثر عليها بعناوينها في الأبواب الفقهيّة.

بعبارةٍ أخرى: نجد بعض المذاهب الإسلاميّة يواجه هذه السُنن المستحدَثة والحسنة في المجتمع، ويصفها بالبدعيّة والإحداث في الدين، مع ورود العموم النبوي المتواتر بين الفريقين:(مَن سنّ سُنّةً حَسنة كان له أجرها وأجر مَن عملَ بها إلى يوم القيامة) (٢) ، فضلاً عن العمومات الخاصّة بالأبواب المختلفة، والسُنن الدينيّة الاجتماعيّة المستجدّة - السُنن الحَسنة - قد تكون في باب الآداب والأخلاقيّات التي لم تحصل على صبغة عباديّة، لكن يتعاطاها المتشرِّعة اعتماداً على أنّ الفعل مرضيّ عند الشارع، وليس مأموراً به بالأمر العبادي الخاص، بل هو مشمولٌ للعمومات، ويتّخذه المتشرِّعة سُنّة اجتماعيّة.

فما هي ضابطة الشرعيّة؟ وما هي ضابطة البدعيّة؟ سواء في الشعائر

____________________

(١) كتاب كشف الغطاء: ٥٤.

(٢) الفصول المختارة: ١٣٦.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

أخبرني أبو بكر أحمد بن محمّد بن عبد الواحد المروذي ، حدّثنا محمّد ابن عبد الله بن محمّد الحافظ ـ بنيسابور ـ قال : سمعت أبا حامد أحمد بن محمّد المُقرئ الفقيه الواعظ يقول : سمعت أبا العبّاس محمّد بن إسحاق الثقفي يقول : لمّا انصرف قتيبة بن سعيد إلى الري ، سألوه أنْ يحدّثهم فامتنع وقال : أُحدّثكم بعد أنْ حضر مجالسي أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وعليّ بن المديني، وأبو بكر ابن أبي شيبة ، وأبو خيثمة ؟ ! قالوا له : فإنّ عندنا غلاماً يسرد كلّ ما حدّثت به مجلساً مجلساً ، قم يا أبا زرعة ، فقام أبو زرعة ، فسرد كلّ ما حدّث به قتيبة ، فحدّثهم قتيبة .

حدّثنا محمّد بن يوسف القطّان النيسابوري ـ لفظاً ـ أخبرنا محمّد بن عبد الله بن محمّد بن حمدَويه الحافظ قال : سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد الرّازي يقول : سمعت أبا عبد الله محمّد بن مسلم بن وارة يقول : كنت عند إسحاق بن إبراهيم بنيسابور ، فقال رجلٌ مِن أهلِ العراق : سمعت أحمد بن حنبل يقول : صحّ مِن الحديث سبعمِئة ألف حديث وكسر ، وهذا الفتى : ـ يعني أبا زرعة ـ قد حفظ ستمِئة ألف .

أخبرنا أبو سعد الماليني ، حدّثنا عبد الله بن عدي قال : سمِعت الحسن ابن عثمان التستري يقول : كلّ حديثٍ لا يعرفه أبو زرعة الرّازي ليس له أصل .

حدّثني أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن علّي السوذرجاني ـ لفظاً ، بأصبهان ـ وأبو طالب يحيى بن عليّ بن الطيّب الدسكري ـ لفظاً ، بحلوان ـ قال يحيى حدّثنا ، وقال الآخر : أنبأنا أبو بكر ابن المُقرئ ، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن جعفر القزويني ـ بمصر ـ قال سمعت محمّد بن إسحاق الصاغاني يقول ـ في حديث ذكره مِن حديث الكوفة فقال : هذا أفادنيه أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم ، فقال له بعض مَن حضر : يا أبا بكر ، أبو زرعة مِن أولئك الحفّاظ الذين رأيتهم ؟ وذكر جماعة من الحفّاظ ، منهم الفلاس .

فقال : أبو زرعة أعلاهم ؛ لأنّه جمَع الحفظ مع التقوى والورع ، وهو يشبه بأبي عبد الله أحمد بن حنبل.

٣٢١

أخبرنا أبو نعيم الحافظ : حدّثنا الحسن بن محمّد الزعفراني ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمر ، حدّثنا أبو بكر ابن بحر ، حدّثنا محمّد بن الهيثم بن عليّ النسوي ، قال : لمّا أن قدِم حمدون البرذعي على أبي زرعة لكتابة الحديث، دخل عليه فرأى في داره أواني وفرشاً كثيراً ، قال : وكان ذلك لأخيه، فهمّ أنْ يرجع ولا يكتب عنه ، فلمّا كان من اللّيل رأى كأنّه على شط بركة، ورأى ظلّ شخص في الماء، فقال : أنت الذي زهدت في أبي زرعة ؟ ! أعلمت أنّ أحمد بن حنبل كان من الأبدال ، فلمّا أنْ مات أبدل الله مكانه أبا زرعة .

أخبرنا الماليني : أخبرنا عبد الله بن عيدي ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن سليمان القطّان، حدّثنا أبو حاتم الرّازي، حدّثني أبو زرعة عبدي الله بن عبد الكريم بن يزيد القرشي ، وما خلّف بعده مثله علماً وفهماً ، وصيانةً وحذقاً ، وهذا ما لا يُرتاب فيه ، ولا أعلم مِن المشرق والمغرب مَن كان يفهم من هذا الشأن مثله ، ولقد كان من هذا الأمر بسبيل .

وقال ابن عدي : سمعت عبد الملك بن محمّد يقول : سمعت ابن خراش يقول : كان بيني وبين أبي زرعة موعد أنْ أُبكّر عليه فأُذاكره ، فبكّرت فمررت بأبي حاتم وهو قاعدٌ وحده ، فدعاني فأجلسني معه يُذاكرني حتّى أصبح النهار ، فقلت له : بيني وبين أبي زرعة موعد ، فجئت إلى أبي زرعة والناس عليه منكبّون ، فقال لي : تأخّرت عن الموعد ؟ قلت : بكّرت فمررت بهذا المستوحش فدعاني فرَحِمته لِوحدته ، وهو أعلا إسناداً منك ، وضربت أنت بالدست أو كما قال .

أخبرنا أبو منصور محمّد بن عيسى بن عبد العزيز البزّاز ـ بهمذان ـ حدّثنا صالح بن أحمد بن محمّد الحافظ قال : سمعت القاسم بن أبي صالح يقول : سمعت أبا حاتم الرّازي يقول : أبو زرعة إمام.

أخبرنا البرقاني : أخبرنا عليّ بن عمر الدارقطني ، أخبرنا الحسن بن رشيق ، حدّثنا عبد الكريم بن أبي عبد الرحمان النسائي عن أبيه ، ثمّ حدّثني الصوري ، أخبرنا الخصيب بن عبد الله قال : ناولني عبد الكريم ـ وكتب لي بخطّه ـ قال : سمعت أبي يقول : عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرّازي ثقةٌ.

٣٢٢

أخبرنا الماليني : أخبرنا عبد الله بن عدي قال : سمعت أبا يعلى الموصلي يقول : ما سمعنا بذكرِ أحدٍ في الحفظ إلاّ كان اسمه أكثر مِن رؤيته ، إلاّ أبو زرعة الرّازي ، فإنّ مشاهدته كانت أعم من اسمه ، وكان قد جمع حفظ الأبواب ، والشيوخ ، والتفسير ، وغير ذلك ، وكتبنا بانتخابه بواسط ستّة آلاف .

أخبرنا هناد بن هارون النسفي : أخبرنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن سليمان الحافظ ـ ببخارى ـ أخبرنا أبو الأزهر ناصر بن محمّد بن النضر الأسدي ـ بكرمينية ـ قال سمعت أبا يعلى أحمد بن عليّ بن المثنّى يقول : رحلْتُ إلى البصرة لِلِقاء المشايخ أبي الربيع ، الزهراني ، وهدبة بن خالد ، وسائر المشايخ ، فبينا نحن قُعود في السفينة ، إذا أنا برجلٍ يسأل رجلاً فقال : ما تقول ـ رحمك الله ـ في رجلٍ حلف بطلاق امرأته ثلاثاً أنّك تحفظ مِئة ألف حديث ؟ فأطرق رأسه مليّاً ثمّ رفع فقال : اذهب يا هذا وأنت بارٌّ في يمينك ، ولا تعد إلى مثل هذا ، فقلت من الرجل ؟ فقيل لي : أبو زرعة الرّازي ، كان ينحدر معنا إلى البصرة .

أخبرنا الماليني : حدّثنا عبد الله بن عدي قال : سمعت أبي عدي بنعبد الله يقول : كنت بالري ـ وأنا غلام في البزّازين ـ فحلف رجلٌ بطلاقِ امرأته أنّ أبا زرعة يحفظ مِئة ألف حديث ، فذهب قومٌ إلى أبي زرعة بسبب هذا الرجل هل طلّقت امرأته أم لا ؟ فذهبْت معهم ، فذكر لأبي زرعة ما ذكر الرجل ، فقال : ما حمله على ذلك ؟ فقيل له :

٣٢٣

قد جرى الآن منه ذلك ، فقال أبو زرعة : قل له يمسك امرأته... ) (١) .

ترجمة أبي حاتم الرّازي

وكذلك أبو حاتم الرّازي المتوفّى سنة ٢٧٧ :

قال الذهبي : ( محمّد بن إدريس أبو حاتم الرّازي ، الحافظ ، سمع الأنصاري وعبيد الله بن موسى.

وعنه : د ، س ، ووَلَده عبد الرحمان بن أبي حاتم ، والمحاملي قال موسى بن إسحاق الأنصاري : ما رأيت أحفظ منه مات في شعبان سنة ٢٧٧ )(٢) .

وقال السمعاني : ( إمامُ عصره والمرجوع إليه في مشكلات الحديث ، مِن مشاهير العلماء المذكورين ، الموصوفين بالفضل والحفظ والرحلة ، ولقي العلماء )(٣) .

وقال ابن حجر: ( د ، س ، ق محمّد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الحنظلي ، أبو حاتم الرّازي ، الحافظ الكبير ، أحد الأئمّة.... روى عنه : أبو داود والنسائي وابن ماجة في التفسير... وقال الحاكم أبو أحمد في الكنى : أبو

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ بغداد ١٠ / ٣٢٦ ـ ٣٣٧ .

(٢) الكاشف ٣ : ٦ / ٤٧٦١ .

(٣) الأنساب ٢ : ٢٧٩ .

٣٢٤

حاتم محمّد بن إدريس ، روى عنه : محمد بن إسماعيل الجعفي وابنه عبد الرحمان... ورفيقه أبو زرعة... وآخرون .

قال أبو بكر الخلال : أبو حاتم إمامٌ في الحديث ، روى عن أحمد مسائلَ كثيرةٌ وقعت إلينا متفرّقة ، كلّها غريب .

وقال ابن خراش : كان مِن أهل الأمانة والمعرفة .

وقال النسائي : ثقةٌ .

وقال اللاّلكائي : كان إماماً ، عالماً بالحديث ، حافظاً له ، متقناً متثبّتاً .

وقال الخطيب : كان أحد الأئمّة الحفّاظ الأثبات ، مشهوراً بالعلم ، مذكوراً بالفضل... مات بالري ٢٧٧ )(١) .

تكلّم الذهلي في البخاري

وممّن تكلّم في البخاري مِن الأئمّة الأعلام : محمّد بن يحيى الذهلي ، فقد قدح فيه وطعن ، وبدّعه في الدين ، ومنع من الكتابة عنه والحضور عنده ، قال السبكي بترجمة البخاري :

( قال أبو حامد ابن الشرقي : رأيت البخاري في جنازة سعيد بن مروان والذهلي يسأله عن الأسماء والكنى والعِلل ، ويمرّ فيه البخاري مثل السهم ، فما أتى على هذا شهر حتّى قال الذهلي : ألا مَن يختلف إلى مجلسه فلا يأتنا ، فإنّهم كتبوا إلينا من بغداد أنّه تكلّم في اللّفظ ، ونهيناه فلم ينته ، فلا تقربوه .

قلت : كان البخاري ـ على ما رُوي وسنحكي ما فيه ـ ممّن قال : لفظي بالقرآن مخلوقٌ ، وقال محمّد بن يحيى الذهلي : مَن زَعم أنّ لفظي بالقرآن مخلوقٌ فهو مُبتَدِع لا يُجالَس ولا يُكلَّم ، ومَن زعم أنّ القرآن مخلوقٌ فقد كفر ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) تهذيب التهذيب ٩ : ٢٨ ـ ٣٠ .

٣٢٥

وقال ابن حجر : ( قال أبو حامد ابن الشرقي : سمعت محمّد بن يحيى الذهلي يقول : القرآن كلامُ الله غير مخلوق ، ومَن زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدِع لا يُجالَس ولا يُكلَّم ، ومَن ذهب بعد هذا إلى محمّد بن إسماعيل فاتّهموه ، فإنّه لا يحضر مجلسه إلاّ مَن كان على مذهبه )(١) .

نقد دفاع القوم عن البخاري

ثمّ إنّ القوم حاولوا تخليص البخاري مِن هذه الورطة ، فأتعبوا أنفسهم وجهدوا كثيراً... فقد جاء في كتاب( الطبقات ) بعد ما تقدَّم :

( وإنّما أراد محمّد بن يحيى ـ والعِلم عند الله ـ ما أراده أحمد بن حنبل كما قدّمناه في ترجمة الكرابيسي ، مِن النّهي عن الخوض في هذا ، فلم يرد مخالفة البخاري ، وإنْ خالفه وزعم أنّ لفظه الخارج مِن بين شفة المحدّثين قديم ، فقد باء بإثمٍ عظيم ، والظنّ به خلاف ذلك ، وإنّما أراد هو وأحمد وغيرهما مِن الأئمّة النهي عن الخوض في مسائل الكلام ، وكلام البخاري عندنا محمولٌ على ذكر ذلك عند الاحتياج إليه ، فالكلام عند الاحتياج واجب ، والسكوت عنه عند عدم الاحتياج سنّة .

فافهم ذلك ودع خرافات المؤرّخين ، واضرب صفحاً عن تمويهات الضالّين ، الذين يظنّون أنّهم مُحدّثون وأنّهم عند السنّة واقفون ، وهُم عنها مبعدون .

وكيف يظنّ بالبخاري أنّه يذهب إلى شيء مِن أقوال المعتزلة ، وقد صحّ عنه فيما رواه الفربري وغيره أنّه قال : إنّي لأستجهل مَن لا يكفّر الجهميّة ، ولا يرتاب المنصف في أنّ محمّد بن يحيى الذهلي لحقته الحسد التي لم يسلم منها إلاّ أهل العصمة ، وقد سأل بعضهم البخاري عمّا بينه وبين محمّد بن يحيى فقال البخاري : كم يعتري محمّد بن يحيى الحسد في العلم ، والعلم رزقُ الله يعطيه مَن يشاء ، ولقد أطرف البخاري وأبان عن عظيم ذكائه حيث قال ـ وقد قال له أبو عمرو الخفّاف أنّ الناس خاضوا في قولك : لفظي بالقرآن مخلوقٌ ـ يا أبا عمرو، أحفظ ما أقول لك ، مَن زعم مِن أهل نيسابور وقومس والري وهمدان ، وبغداد والكوفة والبصرة ، ومكّة والمدينة : أنّي قلت لفظي بالقرآن مخلوقٌ ، فهو كذّاب ، فإنّي لم أقله ، إلاّ أنّي قلت : أفعال العباد مخلوقة .

ـــــــــــــــــــ

(١) هدي الساري : ٤٩٢ .

٣٢٦

قلت : تأمّل كلامه ما أذكاه ! ومعناه ـ والعلم عند الله ـ إنّي لم أقل لفظي بالقرآن مخلوق ، لأنّ الكلام في هذا خوض في مسائل الكلام وصفات الله التي لا ينبغي الخوض فيها إلاّ للضرورة ، ولكنّي قلت أفعال العباد مخلوقة ، وهو قاعدة مغنية عن تخصيص هذه المسألة بالذكر ، فإنّ كلّ عاقلٍ يعلم أنّ لفظنا مِن جملةِ أفعالنا ، وأفعالنا مخلوقة ، فألفاظنا مخلوقة .

ولقد أفصح بهذا المعنى في رواية أُخرى صحيحة عنه ، رواها حاتم بن أحمد الكيدري فقال : سمعت مسلم بن الحجّاج ، فذكر الحكاية وفيها : أنّ رجلاً قام إلى البخاري فسأله عن اللّفظ بالقرآن فقال : أفعالنا مخلوقةٌ وألفاظنا من أفعالنا ، وفي الحكاية : أنّه وقع بين القوم إذ ذاك اختلاف على البخاري ، فقال بعضهم : قال لفظي بالقرآن مخلوقٌ ، وقال آخرون : لم يقل .

قلت : فلم يكن الإنكار إلاّ على مَن تكلّم في القرآن ، فالحاصل ما قدّمناه في ترجمة الكرابيسي ، من أنّ أحمد بن حنبل وغيره من السادات الموفّقين ، نهوا عن الكلام في القرآن جملةً ، وإنْ لم يُخالفوا في مسألة اللفظ فيما نظنّه فيهم إجلالاً لهم وفهماً مِن كلامهم في غير رواية ، ودفعاً لمحلّهم عن قول لا يشهد له معقول ولا منقول ، وهو أنّ الكرابيسي والبخاري وغيرهما مِن الأئمّة الموفّقين أيضاً أفصحوا بأنّ لفظهم مخلوقٌ لمّا احتاجوا إلى الإفصاح ، هذا إنْ ثبت عنهم الإفصاح بهذا ، وإلاّ فقد نقلنا لك قول البخاري أنّ مَن نقل عنه هذا فقد كذِب عليه .

٣٢٧

فإنْ قلت : إذا كان حقّاً لِمَ لا يفصح به ، قلت : سبحان الله ، قد أنبأناك أنّ السرّ فيه في الخوض في علم الكلام ، خشية أنْ يَجُرَّ الكلام فيه إلى ما لا ينبغي ، وليس كلّ علمٍ يُفصح به ، فاحفظ ما نُلقيه إليك واشدد عليه يدَيك ، ويعجبني ما أنشد الغزالي في منهاج العابدين لبعض أهل البيت(١) :

إِنّي لأَكتُم مِن عِلمي جَواهِرَهُ كي

لا يَرى الحقُّ ذي جَهلٍ فَيَفتَنِنا

يا رُبَّ جَوهَرِ عِلمٍ لَو أَبوحُ بِهِ

لقيلَ لي أَنتَ مِمَّن يَعبدُ الوَثَنا

وَلاسَتَحَلَّ رِجالٌ صَالِحُون دَمي

يَرَونَ أَقبَحَ ما يَأتونَهُ حَسَنا

وَقَد تَقَدَّمَ في هَذا أَبو حَسَنٍ

إِلى الحُسَينِ وَوَصّى قَلبَهُ الحَسنا

أقـول :

لكن كلام السبكي مُتهافت وركيك ، ألا ترى أنّه يُبادر إلى إنكار وقوع الخلاف بين الذهلي والبخاري ، ثمّ يرجع فيرمي الذهلي بالحسد للبخاري ، ثمّ تارةً يؤيّد القول بخلق التلفّظ بالقرآن ، وأُخرى ينكر أنْ يكون البخاري قائلاً بذلك !!

والحاصل : أنّه قد ذكر ثلاثة وجوه في الدفاع عن البخاري .

أحدها : عدم الخلاف بين الذهلي والبخاري في المسألة .

والثاني : إنّ ما قال الذهلي في البخاري ليس إلاّ عن الحسد له .

والثالث : إنّه لم يثبت عن البخاري القول بأنّ لفظي بالقرآن مخلوق .

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج العابدين : ٥ نسبه للإمام زين العابدينعليه‌السلام .

٣٢٨

لكن الأوّل واضح البطلان ، ولا سبيل لحمل كلام الذهلي في البخاري على أنّه إنّما كان نهياً عن الخوض في علم الكلام ، وكيف يقول هذا ؟ وهو ينقل عن الذهلي تكفير البخاري والردّ عليه والتكلّم فيه والمنع من الذهاب إليه والحضور عنده ؟ وكيف يدّعي عدم وقوع الخلاف ؟ وقد جاء في كتابه قبل هذا : ( قصّته مع محمّد بن يحيى الذهلي ) فقال : ( قال الحسن بن محمّد بن جابر : قال لنا الذهلي لمّا ورد البخاري بنيسابور : اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح فاستمعوا منه ، فذهب الناس إليه واقبلوا على السماع منه ، حتّى ظهر الخلل في مجلس الذهلي ، فحسده بعد ذلك وتكلّم فيه... )(١) .

وذكر ابن حجر في مقدّمة شرح البخاري : ( ذكر ما وقع بينه وبين الذهلي في مسألة اللّفظ ، وما حصل له مِن المحنة بسبب ذلك وبراءته ممّا نسب إليه ) فقال :

( قال الحاكم أبو عبد الله في تاريخه : قدِم البخاري بنيسابور سنة خمسٍ وثلاثين ، فأقام بها مدّة يحدّث على الدوام ، قال : سمعت محمّد بن حازم البزّار يقول : سمعت الحسن بن محمّد بن جابر يقول : سمعت محمّد بن يحيى يقول : اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح العالم فاسمعوا منه .

قال : فذهب الناس إليه واقبلوا على السماع منه ، حتّى ظهر الخلل في مجلس محمّد بن يحيى .

قال : فتكلّم فيه بعد ذلك ) .

قال : ( وقال أبو أحمد ابن عدي : ذكر لي جماعة مِن المشايخ : أنّ محمّد ابن إسماعيل لمّا ورد نيسابور واجتمع الناس عنده ، حسده بعض شيوخ الوقت ، فقال لأصحاب الحديث : إنّ محمّد بن إسماعيل يقول : لفظي بالقرآن مخلوقٌ ، فلمّا حضر المجلس قام إليه رجلٌ فقال : يا أبا عبد الله ، ما تقول في اللّفظ بالقرآن ، مخلوقٌ هو أو غير مخلوق ؟ فأعرض عنه البخاري ولم يُجِبه ثلاثاً ، فألحّ عليه ، فقال البخاري : القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ، وأفعال العباد مخلوقة ، والامتحان بدعة ، فشغب الرجل وقال : قد قال لفظي بالقرآن مخلوق ) قال : ( وقال الحاكم : لمّا وقع بين البخاري وبين محمّد بن يحيى في مسألة اللّفظ ، انقطع الناس عن البخاري إلاّ مسلم بن الحجّاج وأحمد بن مسلمة فقال الذهلي : ألا مَن قال باللّفظ فلا يحضرنا مجلسنا ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) طبقات الشافعيّة للسبكي ٢ : ٢٢٨ .

٣٢٩

قال : ( قال الحاكم أبو عبد الله : سمعت محمّد بن صالح بن هاني يقول : سمعت أحمد بن مسلمة النيسابوري يقول : دخلت على البخاري فقلت : يا أبا عبد الله ، إنّ هذا الرجل مقبولٌ بخراسان خصوصاً في هذه المدينة ، وقد لجّ في هذا الأمر حتّى لا يقدر أحد أنْ يكلّمه ، فما ترى ؟ قال : فقبض على لحيته وقال :( .. وأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) ، اللّهمّ إنّك تعلم أنّي لم أرد المقام بنيسابور أشراً ولا بطراً ولا طلباً للرياسة ، وإنّما أبَت نفسي الرجوع إلى الوطن لغَلَبة المخالفين ، وقد قصدني هذا الرجل حسَداً لِمَا آتاني الله ثمّ قال لي : يا أبا أحمد ، إنّي خارج غداً لتتخلّصوا مِن حديثه لأجلي ) .

وقال الحاكم أيضاً عن الحافظ أبي عبد الله ابن الأخرم قال : ( لمّا قام مسلم بن الحجّاج وأحمد بن مسلمة مِن مجلس محمّد بن يحيى بسببالبخاري قال الذهلي : لا يُساكنني هذا الرجل في البلد ، فخشي البخاري وسافر (١) .

وكيف يجتمع القول بعدم وقوع الخلاف مع دعوى حسد الذهلي للبخاري ؟

لكنّ دعوى الحسد أيضاً لا تحلّ المشكلة ، ولا تنفعهم بل تضرّهم ، لأُمور :

ترجمة الذهلي

الأوّل : جلالة قدر الذهلي وعظمته كما بتراجمه ، فقد ذكروا أنّه مِن مشايخ البخاري وأبي داود والترمذي وابن ماجة والنسائي وآخرين من كبار الأئمّة ، وأنّ ابن أبي داود لقّبه بـ ( أمير المؤمنين في الحديث ) :

قال الذهبي : ( وعنه : خ والأربعة وابن خزيمة وأبو عوانة وأبو علي الميداني ، ولا يكاد البخاري يفصح باسمه لِما وقَع بينهما قال ابن أبي داود : حدّثنا محمّد بن يحيى ، وكان أمير المؤمنين في الحديث .

وقال أبو حاتم : هو إمامُ أهل زمانه توفّي ٢٥٨ وله ستّ وثمانون )(٢) .

وقال السمعاني : ( إمام أهل نيسابور في عصره ، ورئيس العلماء ومقدّمهم )(٣) .

وقال الصفدي : ( الإمام الذهلي ، مولاهم ، النيسابوري ، الحافظ ، سمع مِن خلقٍ كثير ، روى عنه الجماعة خلا مسلم ، قال : ارتحلت ثلاث رحلات

ـــــــــــــــــــ

(١) هدي الساري = مقدّمة فتح الباري : ٤٩٢ .

(٢) الكاشف ٣ : ٨٨ / ٥٢٧٤ .

(٣) الأنساب ٣ : ١٨١ .

٣٣٠

وأنفقت مِئةً وخمسين ألفا ً. قال النسائي : ثقةٌ مأمون قال أبو عمرو أحمد بن نصر الخفاف : رأيت محمّد بن يحيى في المنام فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي قلت : ما فُعِل بحديثك ؟ قال : كُتِب بماء الذهب ورُفِع في عِلّيّين )(١) .

فهذ مقامات الذهلي ومنازله كما يقولون ، فكيف يصدّق مع هذا رميه بالحسد للبخاري ، وأنّ كلّ ما قاله فيه مِن التكفير وغيره هو عن الحسد له ؟ اللّهمّ إلاّ أنْ يلتجأ المدافعون عن البخاري إلى تكذيب هؤلاء المادحين للذهلي ، وهذه شناعةٌ عظيمة وداهيةٌ كبيرة بلا ارتياب ، فإنّه مصداق الهرب مِن المطر والوقوف تحت الميزاب !!

الأمر الثاني :

إنّ هذا الوجه ـ المُبطل للوجه السابق ـ لا ينفع القوم بل يضرّهم ؛ لأنّه إذا ثبت حسد الذهلي ـ كما ذكر السبكي ونصَّ عليه البخاري ـ وأنّه كان مِن أجل الرياسة وحبّ الدنيا ، توجّه الطعن إلى البخاري مرّةً أُخرى ، وصار دليلاً آخر على عدم احتياطه وتورّعه في الرواية والفتيا ؛ لأنّ الأُمور التي حكاها الحاكم والسبكي وابن حجر العسقلاني مثبتة ، لكون الذهلي فاسقاً ضالاًّ لا يجوز الأخذ منه والرواية عنه ، لكنّ البخاري قد أخرج عنه في صحيحه كما في( تهذيب الكمال ) (٢) و( تهذيب التهذيب) (٣) و( تقريب التهذيب ) (٤) و( الكاشف ) (٥) وغيرهما .

ـــــــــــــــــــ

(١) الوافي بالوفيات ٥ : ١٨٦ / ٢٢٣٥ .

(٢) تهذيب الكمال ٢٦ : ٦٢٢ / ٥٦٨٦ .

(٣) تهذيب التهذيب ٩ : ٤٥٢ / ٨٤٣ .

(٤) تقريب التهذيب ٢ : ٢٢٦ / ٧١٩٣ .

(٥) الكاشف ٣ : ٨٨ / ٥٢٧٤ .

٣٣١

وكيف جاز له أنْ يُخرج عنه في كتابه الذي لم يُخرج فيه عن الإمام أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ؟

ومِن الطرائف أنْ يلتزم بالرواية عنه ، وإخراجها في كتابه ولو مع عدم التصريح باسمه ؟!

إنّه إنْ كان ثقةٌ يصلح للرواية عنه ، فالإخراج عنه مع إخفاء اسمه حسدٌ له مِن البخاري ، وإنْ كان مِن المجروحين عنده ، فالإخراج عنه بهذه الكيفيّة خيانةٌ وتدليس !!

الأمر الثالث :

إنّه إذا ثبت حسدُ الذهلي للبخاري وقدحه تضليله إيّاه ، وذمّ البخاري للذهلي وتكلّمه فيه ، توجّه إلى أهل السنّة ما أورده الشاه عبد العزيز الدهلوي في( التحفة الاثني عشريّة ) بعنوان الطعن على أهل الحق ، مِن وجود التكاذب والتحاسد بين قدماء الأصحاب وردّ بعضهم على البعض ، كتأليف هشام بن الحكم كتاباً في الردّ على هشام بن سالم الجواليقي ومؤمن الطاق .

يقول الدهلوي : ( والعجب ، إنّ قدماء الإماميّة وقدوتهم ، الذين تنتهي إليهم سلاسل أسانيد أهل الأخبار منهم ، كهشام بن الحكم ، وهشام بن سالم الجواليقي ، وصاحب الطاق ، قد وقع بينهم أشدّ التكاذب والتحاسد ، وكانوا يكذِّبون بعضهم بعضاً في الروايات الواقعة بينهم ، عن الأئمّة الثلاثة السجّاد والباقر والصادقعليهم‌السلام ويضلّلون ويكفّرون فيما بينهم ، كما أنّ لهشام ابن الحكم كتاباً في الردّ على الجواليقي وصاحب الطاق ذكر ذلك النجاشي ، فسقط جميع أخبارهم عن حيّز الاعتبار وتساقط بالتعارض )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) التحفة الاثني عشريّة : ١١٨ الباب الرابع .

٣٣٢

لكنّ المناظرة وردّ البعض على البعض في المسائل العلميّة أمرٌ ، والإهانة والتكذيب بل التضليل والتكفير أمرٌ آخر ، فهشام بن الحكم وضع كتاباً في الردّ على هشام بن سالم في مسالة اختلفا فيها ، أمّا ما كان بين الذهلي والبخاري فهو الحسد والتضليل والتكفير، كما هو صريح عبارات القوم ، وهو الذي ينتهي إلى سقوط أخبارهم عن حيّز الاعتبار وتساقطها بالتعارض .

وأمّا إنكار السبكي أنْ يكون البخاري قائلاً : لفظي بالقرآن مخلوق ، فليس إلاّ مكابرةً منه ؛ لأنّه بنفسه قد حكى ذلك عن البخاري ، كما أنّ ابن حجرٍ أيضاً رواه ، قال السبكي :

( قال محمّد بن يوسف الفربري : سمعت محمّد بن إسماعيل يقول : وأمّا أفعال العباد مخلوقة ، فقد ثنا عليّ بن عبد الله ، ثنا مروان بن معاوية ، ثنا أبو مالك ، عن ربعي ، عن حذيفة قال : قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ الله يصنع كلّ صانع وصنعته ) .

وسمعت عبيد الله بن سعيد ، سمعت يحيى بن سعيد يقول : ما زلت أسمع أصحابنا يقولون أفعال العباد مخلوقة .

قال البخاري : حركاتهم وأصواتهم و أكسابهم وكتابتهم مخلوقة ، فأمّا القرآن المتلو المُثبت في المصاحف ، المسطور المكتوب المُوعى في القلوب ، فهو كلام الله ليس بمخلوق .

قال الله تعالى :( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ..... ) .

وقال : يُقال فلانٌ حسنُ القراءة ورديُّ القراءة ، ولا يُقال حسنُ القرآن ولا رديّ القرآن ، وإنّما ينسب إلى العباد القراءة ؛ لأنّ القرآن كلام الربّ والقراءة فعل العبد ، وليس لأحدٍ أنْ يشرع في أمر بغير علم ، كما زعم بعضهم أنّ القرآن بألفاظنا وألفاظنا

٣٣٣

به ، شيء واحد ، والتلاوة هي المتلو ، والقراءة هي المقروء...)(١) .

وقال ابن حجر في( مقدمة فتح الباري ) :

( قال حاتم بن أحمد بن محمود : سمعت مسلم بن الحجّاج يقول : لمّا قدِم محمّد بن إسماعيل نيسابور ، ما رأيت عالماً ولا والياً فعَل به أهل نيسابور ما فعلوا به ، فاستقبلوه مِن مرحلتين من البلد أو ثلاث ، فقال محمّد بن يحيى الذهلي في مجلسه : مَن أراد أنْ يستقبل محمّد بن إسماعيل غداً فليستقبله ، فإنّي أستقبله ، فاستقبله محمّد بن يحيى وعامّة علماء نيسابور ، فدخل البلد .

فقال محمّد بن يحيى : لا تسألوه مِن شيء مِن الكلام ، فإنْ أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه ، وشمت بنا كلّ أباضيّ وجهميّ ومرجئ بخراسان ، فازدحم الناس على محمّد بن إسماعيل حتّى امتلأت الدار والسطوح ، فلمّا كان اليوم الثاني أو الثالث مِن يوم قدومه ، قام إليه رجلٌ فسأله عن اللّفظ بالقرآن ، فقال : أفعالنا مخلوقةٌ وألفاظنا من أفعالنا ، فقال : فوقع بين الناس اختلاف ؛ فقال بعضهم : قال لفظي بالقرآن مخلوق ، وقال بعضهم : لم يقل ، فوقع بينهم في ذلك اختلاف حتّى قام بعضهم إلى بعض قال : فاجتمع أهل الدار فأخرجوهم )(٢)

وأيضاً قال ابن حجر : ( قال الحاكم : حدّثنا أبو بكر ابن أبي الهيثم ، ثنا الفربري قال : سمع محمّد بن إسماعيل يقول : أمّا أفعال العباد مخلوقة ، فقد حدّثنا عليّ ابن عبد الله ، ثنا مروان بن معاوية ، ثنا أبو مالك عن ربعي ، عن حذيفة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ الله يصنع كلّ صانع وصنعته ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) طبقات الشافعيّة ٢ : ٣٢٨ ـ ٢٢٩ .

(٢) هدي الساري : ٤٩١ .

٣٣٤

قال : وسمعت عبيد الله بن سعيد ـ يعني أبا قدامة السرخسي ـ سمعت يحيى ابن سعي يقول : لا زلت أسع أصحابنا يقولون إنّ أفعال العباد مخلوقة وقال محمّد بن إسماعيل : حركاتهم وأصواتهم وأكسابهم وكتابتهم مخلوقة ، فأمّا القرآن المبين المكتوب في المصاحف الموعى في القلوب ، فهو كلام الله تعالى غير مخلوق( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ... ) (١) .

وأمّا ما ذكره أخيراً في مقام الدفاع عن البخاري ، وأنّه ( ليس كلّ علمٍ يُفصح به ) فهو اعتراف بجواز التقيّة واستعمالها ، فلماذا يرمون أهل الحقّ ـ المستعملين التقيّة مِن حكّام الجور وعملائهم ـ بأنواع التُهم ؟ ويسمّون ( التقيّة ) بـ ( النفاق ) ؟

وعلى الجملة ، فإنّ قول البخاري بمقالة ( لفظي بالقرآن مخلوق ) وتضليل الذهلي إيّاه بهذا السبب ، أمرٌ ثابت لا ريب فيه ، وكذلك سائر علماء القوم ، يكفّرون مَن قال بذلك .

وهذا الذهبي ينصّ في غير موضع مِن تاريخه على أنّ هذه المقالة هي مذهب الجهميّة .

والعجب أنّ السبكي ينقل عن الذهبي هذا الكلام ـ بترجمة الحسين الكرابيسي ـ ويضطرب أمامه أشدّ الاضطراب .

قال السبكي : ( وممّا يدلّك أيضاً على ما نقوله ، وأنّ السلف لا ينكرون أنّ لفظنا حادثٌ ، وأنّ سكوتهم إنّما هو عن الكلام في ذلك ، لا عن اعتقاده : أنّ الرواة رَوَوا أنّ الحسين بلَغَه كلام أحمد فيه فقال : لأقولنّ مقالةً حتّى يقول

ـــــــــــــــــــ

(١) هدي الساري : ٤٩١ .

٣٣٥

أحمد بخلافها فيُكفّر ، فقال : لفظي بالقرآن مخلوقٌ ، وهذه الحكاية قد ذكرها كثير مِن الحنابلة ، وذكرها شيخنا الذهبي في ترجمة الإمام أحمد وفي ترجمة الكرابيسي ، فانظر إلى قول الكرابيسي فيها إنّ مخالفها يُكفّر ، والإمام أحمد ـ فيما نعتقده ـ لم يخالفها ، وإنّما أنكر أنْ يتكلّم في ذلك .

فإذا تأمّلت ما سطرناه ، ونظرت قول شيخنا في غير موضعٍ من تاريخه ، إنّ مسألة اللفظ ممّا يرجع إلى قولِ جهم ، عرفت أنّ الرجل لا يدري في هذه المضائق ما يقول ، وقد أكثر هو وأصحابه من ذك جهم بن صفوان ، وليس قصدهم إلاّ جعل الأشاعرة ـ الذين قدر الله لقدرهم أنْ يكون مرفوعاً ، ولزومهم للسنّة أنْ يكون مجزوماً به ومقطوعا ـ فرقةً جهميّة .

واعلم أنّ جهماً شرٌّ مِن المعتزلة ـ كما يدريه مَن ينظر الملل والنحل ويعرف عقائد الفِرَق ـ بل هو شرّ مِن القائلين بها ؛ لمشاركته إيّاهم فيما قالوه وزيادته عليهم بطامّات ، فما كفى الذهبي أنْ يشير إلى اعتقاد ما يتبرّأ العقلاء عن قوله ، من قدم الألفاظ الجارية على لسانه ، حتّى ينسب هذه العقيدة إلى مثل الإمام أحمد بن حنبل وغيره مِن السّادات ، ويدّعي أنّ المُخالف فيها يرجع إلى قول جهم ، فليته درى ما يقول ، والله يغفر لنا وله ، ويتجاوز عمّن كان السبب في خوض مثل الذهبي في مسائل هذا الكلام ، وإنّه ليعزّ عليّ الكلام في ذلك .

ولكن كيف يسعنا السكوت ؟ وقد ملأ شيخنا تاريخه بهذه العظائم التي لو وقف عليها العاميّ لأضلّته ضلالاً مبيناً ، ولقد يعلم الله منّي كراهيّة الإزراء لشيخنا ، فإنّه مُفيدنا ومعلّمنا ، وهذا النور اليسير الحديثي الذي عرفناه منه استفدناه ، ولكن أرى أنّ التنبيه على ذلك حتمٌ لازمٌ في الدين )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) طبقات الشافعيّة ٢ : ١١٨ ـ ١٢٠ .

٣٣٦

قول البخاري بخلق الإيمان

وكما قال البخاري بخلق التلفّظ بالقرآن ، كذلك قال بخلق الإيمان ، وهو كفرٌ عند الجمهور وخاصةً الحنفيّة منهم ، يقول صاحب كتاب( الفصول والأحكام ) وهو حفيد صاحب( الهداية ) ما هذا نصّه :

( مَن قال بخلق القرآن فهو كافر ، وكذا مَن قال بخلق الإيمان فهو كافر ورُوي عن بعض السلف أنّه روى عن أبي حنيفة : إنّ الإيمان غير مخلوق وسئل الشيخ الإمام أبو بكر محمّد بن الفضل عن الصّلاة خلف مَن يقول بخلق الإيمان قال : لا تصلّوا خلفه وذكر أبو سهل بن عبد الله ـ وهو أبو سهل الكبير ـ عن كثير مِن السلف : إنْ من قال : القرآن مخلوقٌ فهو كافر ، ومن قال : الإيمان مخلوقٌ فهو كافر .

وحُكي أنّه وقعَت هذه المسألة بفرغانة ، فأُتي بمَحضر منها إلى أئمّة بخارى ، فكتب فيه الشيخ الإمام أبو بكر ابن حامد ، والشيخ الإمام أبو حفص الزاهد ، والشيخ الإمام أبو بكر الإسماعيلي : إنّ الإيمان غير مخلوق ، ومَن قال بخلقه فهو كافر .

وقد خرج كثير مِن الناس مِن بخارى ، منهم محمّد بن إسماعيل صاحب الجامع ، بسبب قولهم : الإيمان مخلوق ) .

ترجمة صاحب الفصول

وصاحب كتاب( الفصول والأحكام ) من العلماء الأعلام المرموقين بين الفقهاء الحنفيّة ، وقد ترجم له الكفوي حيث قال : ( الشيخ الإمام أبو الفتح زين الدين ، صاحب الفصول العادية ، عبد الرحيم بن أبي بكر عماد الدين بن برهان الدين صاحب الهداية عليّ بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني الرشداني .

تفقّه على أبيه عماد الدين ابن صاحب الهداية ، وعلى صاحب مطلع المعاني حسام الدين العلياري ، تلميذ الشيخ الإمام مجد الدين المفتي صاحب الفصول محمّد بن محمود الأسروشني ، وهو تلميذ القاضي الإمام ظهير الدين الحسن بن عليّ المرغيناني ، وهو أخذ العلم عن برهان الدين عبد العزيز بن عمر ابن مازه ، عن شمس الأئمّة السرخسي ، عن

٣٣٧

شمس الأئمّة الحلواي ، عن أبي عليّ النسفي ، عن أبي بكر محمّد بن الفضل ، عن الأُستاذ عبد الله السندمولي ، عن أبي عبد الله بن أبي حفص الكبير ، عن محمّد ، عن أبي حنيفة رحمهم الله تعالى .

رأيت في آخر فصوله : يقول جالب هذه الخصائل النفيسة ، وكاتب هذه المسائل الأنيسة ، أبو الفتح بن أبي بكر بن عليّ بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني نسباً ، والسمرقندي منشأً ، بعد تقديم الحمد لله والصلاة على محمّد عبده ونبيّه ، والثناء عليه وعلى آله في صباح كلّ يوم وعشيّة إلى آخر كلامه .

ثمّ قال : نجزت كتابته في أواخر شعبان سنة إحدى وخمسين وستّمئة )(١) .

تصريح ابن دحية بانحراف البخاري عن أهل البيت

وقد كان ما لاقاه البخاري من الإهانة والتضليل ، من كبار الأئمّة ، كأبيزرعة وأبي حاتم والذهلي وأئمّة بخارى ، جزاءً لانحرافه عن أمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين عليهم‌السلام ، وإزرائه لهم وكتمانه فضائلهم ومناقبهم في دار الدنيا ، الأمر الذي صرَّح به العلاّمة ذو النسبين ابن دحية في كتاب ( شرح أسماء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) حيث قال :

( ترجم البخاري في صحيحه في وسط المغازي ما هذا نصّه : بعث عليّ ابن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجّة الوداع : حدّثني أحمد بن عثمان قال : ثنا شريح بن مسلمة قال : ثنا إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق قال : حدّثني أبي ، عن أبي إسحاق سمعت البراء : بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع خالد بن الوليد إلى اليم ، ثمّ بعث عليّاً بعد ذلك مكانه فقال : مر أصحاب خالد ، مَن شاء منهم أن يُعقّب معك فليُعَقِّب ، ومَن شاء فليقبل ، فكنت ممّن عَقَّب معه قال : فغنمت أَوَاقي ذات عدد .

ـــــــــــــــــــ

(١) كتائب أعلام أخبار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط .

٣٣٨

حدّثني محمّد بن بشار قال : ثنا روح بن عبادة قال : ثنا عليّ بن سويد ابن منجوق ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : بعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً إلى خالد ليقبض الخمس ، وكنت أبغض عليّاً ، وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا ، فلمّا قدمنا إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكرت له ذلك ، فقال :( يا بريدة ، أتبغض عليّاً )؟ فقلت : نعم قال :( لا تبغضه ، فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك ) .

قال ذو النسبين رحمه الله :

أورده البخاري ناقصاً مُبتّراً كما ترى ، وهي عادته في إيراد الأحاديث التي مِن هذا القبيل ، وما ذاك إلاّ لسوء رأيه في التنكّب عن هذه السبيل .

وأورده الإمام أحمد بن حنبل كاملاً محقّقاً ، إلى طريق الصحّة فيه موفّقاً ، فقال فيما حدّثني القاضي العدل ، بقيّة مشايخ العراق ، تاج الدين أبو الفتح محمّد بن أحمد بن المندائي ـ قراءة عليه ، بواسط العراق ـ بحقّ سماعه على الثقة الرئيس أبي القاسم ابن الحصين ، بحقّ سماعه على الثقة الواعظ أبي عليّ الحسين ابن المذهب ، بحق سماعه على الثقة أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، بحقّ سماعه مِن الإمام أبي عبد الرحمان عبد الله ، بحق سماعه على أبيه إمام أهل السنّة أبي عبد الله أحمد بن حنبل قال : ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا عبد الجليل قال : انتهيت إلى حلقةٍ فيها أبو مِجلَز وابنا بريدة ، فقال عبد الله ابن بريدة : أبغضتُ عليّاً بغضاً لم أبغضه أحداً قط .

قال : وأحببت رجلاً لم أُحبّه إلاّ على بغضه عليّاً قال : بعث ذلك الرجل على خيل فصحبته ، وما أصحبه إلاّ على بغضه عليّاً قال : فأصبنا سبياً قال : فكتب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ابعث علينا مَنْ يخمّسه قال : فبعث إلينا عليّاً ، وفي السبي وصيفة هي أفضل مَن في السبي ، قال : فخمّس وقسّم ، فخرج ورأسه يقطر ، فقلنا : يا أبا الحسن ، ما هذا ؟ قال : ألم ترَوا إلى الوصيفة التي كانت في السبي ، فإنّي قسّمت وخمّست فصارت في الخُمس ، ثمّ صارت في أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ صارت في آل عليّ ووقعْت بها .

٣٣٩

قال : فكتب الرجل إلى نبيّ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قلت : ابعثني ، فبعثني مصدّقاً قال : فجعلت اقرأ الكتاب وأقول : صدَق صدَق ، فأمسَك يدي والكتاب قال :( أتبغض عليّاً )؟ قال : قلت : نعم قال :( فلا تبغضه ، وإنْ كنت تحبّه فازدد لهُ حبّاً ، فو الذي نفس محمّدٍ بيده ، لنصيب آل عليّ في الخُمس أفضل مِن وصيفة ) . قال : فما كان مِن الناس أحد بعد قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليّ مِن عليّ .

قال عبد الله : فو الذي لا إله غيره ، ما بيني وبين النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

في هذا الحديث غير أبي بريدة )(١) .

وقال ابن دحية في موضعٍ آخر من كتابه المذكور ، بعد نقل حديثٍ عن مسلم :

( بدأنا بما أورده مسلم ؛ لأنّه أورده بكماله ، وقطّعه البخاري وأسقط منه على عادته كما ترى ، وهو ممّا عِيب عليه في تصنيفه على ما جرى ، ولا سيّما إسقاطه لذكر عليّرضي‌الله‌عنه ) .

ترجمة أبي الخطّاب ابن دحية

ولا يخفى أنّ أبا الخطّاب ابن دحية مِن أكبر علماء القوم وأشهر حفّاظهم .

قال ابن خلّكان بترجمته :

( أبو الخطّاب عُمر بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن الجميل بن فَرَح بن خلف بن قَومِس بن مُزْلال بن مَلاّل بن بدر بن دِحْية بن فروة الكلبي ، المعروف بذي النسَبَين ، الأندلسي البلنسي الحافظ نقلتُ نسبَه على هذه الصّورة من خطّه .

كان يذكر أنّ أُمّه : أمة الرحمان بنت أبي عبد الله بن أبي البسام موسى بن عبد الله بن الحسين بن جعفر بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ( رضي الله عنهم ) ، فلهذا كان يكتب بخطّه : ذو النّسبين بين دحية والحسين ، وكان يكتب أيضاً سبط أبي البسام ، إشارة إلى ذلك .

ـــــــــــــــــــ

(١) المستكفى في أسماء النبيّ المصطفى ـ مخطوط .

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440