نهضة الحسين (عليه السلام)

نهضة الحسين (عليه السلام)71%

نهضة الحسين (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 138

نهضة الحسين (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 138 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57333 / تحميل: 6362
الحجم الحجم الحجم
نهضة الحسين (عليه السلام)

نهضة الحسين (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

فالناهض بفِكرة صالحة، لابُدَّ وأنْ يُثابِر على نشره، والدعوة إليه، ثابت العَزم، راسخ القَدم، لا تُزحزحه عواصف العواطف، ولا تُزلزله قواصف المـَخاوف، ولكنْ عليه أنْ يستخدم في سبيلها العِبر، والغير والأحوال، وبقاء الحال مُحال، حتَّى لو وجد مُحيطه بالغ الفساد، غير صالح للإصلاح، استبدل عن المكان بمكان، وعن الجيران بجيران، تلك سُنَّة الأنبياء والمـُصلحين، حتَّى إذا فاز بهيئةٍ صالحةٍ، وقوَّة مُسلَّحة، عاد إلى مركزه(والعَود أحمد) كذلك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِن مَكَّة، ثمَّ إليها وذاك موسى مِن مِصره، ثمَّ إليه، هذا، وليس حسينُ التاريخ بِدْعاً مِن رُسل الإصلاح؛ إذا هاجر مِن موطنه خَوفاً على مَسلكه، أو أملاً بنهضته.

فقد سَمِعتَ الأسباب، التي دَعت حسيناً أنْ يُغادر يثرب خائفاً يترقَّب، فاسمع الآن آثار هذه الهِجرة، وحُسْن انعكاسها في العالم الإسلامي.

قد سَبق أنَّ المـُخابرات بين المدينة والمـُدْن، كانت تحت المـُراقبة ومفقودة الوسائل والوسائط، فصارت حركة الحسينعليه‌السلام قضيَّة ذات بالٍ تَناقلتها المـَحافل والقَوافل، والناس بعد حُلوله أُمَّ القُرى، ومَن حولها سوابلَ جاريةً إلى الجهات، فانتشر الخبر بأهميَّة لا مزيد عليها، حتَّى صار حديث كلِّ اثنين يَجتمعان.

-(ما وراك؟) .

-(هاجر الحسين عليه‌السلام مِن مدينة جَدِّه) .

-(لماذا؟) .

-(لأنَّ يزيد قصد إرغامه على مُبايعته) .

٤١

-(نَعمْ، نِعْمَ ما صنع الحسين عليه‌السلام ، فإنّه لو بايع يزيد الجائر المـُتجاهر بفِسقه؛ فعلى الإسلام السلام، إذاً ما ترى أنْ يكون؟) .

-(ليس سوى اجتماع المسلمين حوله، ونصبه خليفة كأبيه عليٍّ عليه‌السلام ؛ ليُحيي بعلمه معالم دين جَدِّه؛ ويُحامي بغيرته الهاشميَّة عن مصالح المسلمين؛ ويُنقذ بقوَّة إيمانه العلويِّ أحكام القرآن النازل في بيته) .

هذه وأمثالها، كانت أحاديثَ أكثر المـَجامع يومئذٍ في الحِجاز أوَّلاً، وفي سائر الأقطار بعده، وما فاز الحسين بهذه الإذاعة والإشاعة، إلاَّ بخروجه مِن المدينة مَظلوماً، وناقماً على الظالمين.

٤٢

الحسين وابن الزبير

استقوت بحركة الحسينعليه‌السلام عزائم ابن الزبير، وأجهر أيضاً بخِلاف يزيد ورفض بيعته، ولازم مَكَّة أُمَّ القُرى، يسلُك مَسلك الحسينعليه‌السلام لمْ يصرّح بالدعاء إلى شَخصه، وإنَّما أجهر برفض بيعة يزيد فقط بالتقيَّة مِن شَرِّ أُميَّة، راضياً بأنْ يُخلِّي له السِّرب؛ كي يَنفذ إلى ثَغرٍ مِن الثغور.

كذلك الشريعة تَقضي على المسلم، إذا لم يَسعه إظهار دينه في بلده، أنْ يُهاجر منها إلى مأمن، لا يضطرَّه إلى التقيَّة، وسبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحرى بالتزام شريعته، وكان يتَّسع نطاق شيعته يوماً فيوم، لإخلاص الحسينعليه‌السلام في أمره، وجليِّ فضله وسموِّ شَرفه، وكرم مَحتدِه، لكنَّ حزب ابن الزبير، وإنْ كان صغير، قد نفع الحسينعليه‌السلام ، في تنفير العامَّة مِن بَني أُميَّة، وكانت لابن الزبير وأبيه سابقة سوء مع عليِّعليه‌السلام ، في بدء خِلافته، بالرغم مِن القُربى الماسَّة بينهم؛ حتَّى قال عنهما عليٌّعليه‌السلام :

٤٣

(لمْ يَزل الزبير مِنّا، حتَّى نشأ ابنه عبد الله)، لكنَّما الغاية المـُشتركة وضُعفهما تجاه العدوِّ القوي، دعاهما إلى تجديد عهود الولاء، ونسيان سوالف البَغضاء؛ فصار يزور كلٌّ منهما الآخر عَشيَّةً وضُحاه، وقد صار لمـَظهر اتِّحاد ابن الزبير مع الحسين أثرٌ حَسَنٌ، ورهبة في نفوس مَن عاداهم، ومَن عداهم، وذهبت الرُّسل مِن الحَرمين إلى يزيد بأخبارٍ مُذعِرة، وبصورةٍ مُكبرة؛ دعته إلى التأهُّب عليهما بكلِّ ما أوتي مِن قوَّة ومَكيدة، فأرسل عمرو بن سعيد والياً على المدينة، وأميراً على الموسم، مُزوَّداً بالتعاليم، وموعوداً بالتأييد، فقَدِم مَكَّة ليلة التروية.

٤٤

وضعيَّة الإمام في مَكَّة

حَلَّ الحسينعليه‌السلام في حرم الله؛ مُستجيراً به مِمَّن يريدون إرغامه على مُبايعته لرجُلِ الجَور والفُجور، وقد استحسن المسلمون اعتصابه واعتصامه بالتقاليد المـُقدَّسة عند المسلمين، فأخذ المـُتقدّمون إلى الحَجِّ يتهافتون عليه، ويهتفون بالدعوة إليه، يطوفون حوله، هذا يلتمس العِلْم والحديث، وذاك يقتبس منه الحِكَم النافعة، والكَلِم الجامعة؛ ليهتدي بأنوارهما في ظلمات الحياة، والرجُل بينهم مِرآة الكرامة والشهامة، ومِثال الحِكمة والسلامة؛ فطارت في الأقطار أخباره وآثاره، فتواترت الكُتب والرُّسل، والوعود والوفود، سيَّما مِن كوفة العراق (عاصمة أبيه) مِن وجوه شيعته ومواليه؛ إذ بلغهم هلاك معاوية، فارجفوا بيزيد، وعرفوا خبر الحسينعليه‌السلام ، وامتناعه مِن بيعته، وما كان مِن أمر ابن الزبير في ذلك، وخروجهما إلى مَكَّة، فاجتمعت الشيعة بالكوفة، في مَنزل سليمان بن صرد الخزاعي، فذكروا هلاك معاوية؛ فحمد الله سليمان وأثنى عليه، ثمَّ قال:(إنَّ مُعاوية قد هلك، وإنَّ حسيناً قد نقض على القوم أمرهم، وقد خرج إلى مَكَّة،

٤٥

وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإنْ كنتم تعلمون أنَّكم ناصروه ومُجاهدوعدوّه، فاكتبوا إليه، وإنْ خِفتم الفَشل والوَهن، فلا تغرُّوا الرجُل في نفسه...) .

قالوا:(لا، بلْ نُقاتل عدوَّه، ونقتل أنفسنا دونه) ، وكتبوا إليه الكتب في أواخر شعبان.

وشَذَّ ما ترى في الكتب المـُرسلة، كتاباً بإمضاء الواحد والاثنين، وإنَّما هي رِقاع (مَضابط)، موقَّعة بأسماء آحاد وعشرات مِن وجهاء ورؤساء (شيوخ) يعترفون بإمامته، ويتمنّون قدومه إليهم، بألفاظ جَذَّابة، ولكنْ كذَّابة، ومواعيد جَلاَّبة، ولكنْ خَلاَّبة.

والمشهور أنَّه أحصوا عليه في أيَّام قلائلَ كُتُبَ اثني عشر ألف، فاختلف عند ذلك الإشارات عليه مِن أصحابه وخاصَّته، فمنهم المـُشير عليه بإقامة مَكَّة، وإرسال عُمّاله ودُعاته إلى الجِهات.

ومنهم المـُشير عليه بالذهاب إلى اليمن، مَنبت الصدق والإيمان، ومَهبِّ الحِكمة والعروبة، وقد سبق منهم لأبيه ولاؤهم الصادق، منذ ولاَّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لولا أنّ المتوّجه إلى اليمن ينقطع خَطّ رجعته، كما تَنقطع مواصلاته مع الآفاق.

ومنهم المـُشير عليه بالمـَسير إلى العراق، عاصمة أبيه، ومَوطن أصحابه ومواليه، ومَعدن الفروسة والفراسة، ومَنبت الأموال والرجال، وهما قوْام كلِّ حكومة.

٤٦

الحسين عليه‌السلام يَختار الكوفة

كانت خُطَّة الحسينعليه‌السلام ، إلى حين تواتر الرُّسل والكتب إليه، خُطَّة دفاعٍ عن نفسه، والالتجاء مِن آثام بيعة يزيد إلى مَلجأ حَصين.

غير إنَّ صَريخ البلاد والعباد، وهِتاف الأنصار والأمصار به، وله، وإليه حولا فِكره مِن دفاع مَحدود، إلى دفاع وسيع النِّطاق، رجاء نُصرة الدين، ودفع عادية الظلمة عن المسلمين، فاستخار الله، وندب إلى العراق، بعدما أرسل إليهم ليث بني عقيل، مُسلماً ابن عمِّه، حتَّى إذا وجدهم على ما كتبوا إليه، توجَّه إليهم بنفسه وأهله، وكان مسلم كبقيَّة آل عليعليه‌السلام ، رجُلَ الصدق والصَفاء، ومِثال الشجاعة والإيمان، فقام لأمر صِهره وسيّده الحسينعليه‌السلام ، وما قَدِم الكوفة إلاَّ وتكوَّفت جماهير الرؤساء لأخذ يمينه؛ يُبايعونه نائباً عن الحسين، وقد كان لآل عليعليه‌السلام ، وفي صدورهم عِتاب مع أهل الكوفة، في خُذلانهم الحسن بن عليعليهما‌السلام ، واغترارهم بدراهم معاوية، لكنْ حُسْن استقبالهم لمسلم مَحى كلَّ عِتاب، وكفَّر كلَّ ذنبٍ، سيَّما وإنَّ الكرام سريعو الرضا، والمـُصلِح لا يَحفظ غِلاً أو حِقداً.

٤٧

فكتب مسلم إلى الحسينعليه‌السلام بإقبال العامَّة، وإخلاص الخاصَّة، نادمين على ما فرَّطوا في جنب البيت الهاشمي، الذي كان سلطانه أنفع لدينهم، وحَثَّ الحسينعليه‌السلام على القدوم إلى العراق؛ ليُجدِّد على ربوعه معالم أسلافه.

٤٨

بنو أُمية والخطر الحسيني

أخذت قضيَّة الحسينعليه‌السلام تُحرِّك العزائم، وتُنبِّه المشاعر في الدوائر الأُمويَّة، وساد القَلق على حُلفائهم وأوليائهم، وهم عالِمون أنَّ حسيناً يضرب على أيدي الجائرين، ولا يُولِّي فاسقاً أمر المسلمين؛ فغدت رجال الحكم الأُموي ألسِنَةً وعيوناً، وأقلاماً وسيوفاً، ضِدَّ الحركة الحسينيَّة، سيَّما في مناطق العِراق والحِجاز، واستفزَّوا قبل كلِّ شيء حكومة الشام، والهيئة المـَركزيَّة بالتأهُّب للخطر الهاشمي؛ فكتب عمر بن سعد، وعمارة بن عقبة، وعبد الله بن مسلم، وأضرابهم إلى يزيد:

(أمَّا بعد، فإنَّ مسلم بن عقيل قَدِم الكوفة، وبايعته الشيعة للحسينعليه‌السلام ، فإنْ يَكُن لك في الكوفة حاجة، فابعث إليها رجُلاً قويَّاً، يُنفِّذ أمرك، ويعمل مِثل عملك في عدوِّك؛ فإنّ النعمان بن بشير (والي الكوفة) رجل ضعيف أو يتضعَّف).

وكأنَّهم ورُسلهم استلفتوا أنظار حكومة الشام، إلى أنَّ العراق مفتاح الشرق الأدنى، وهو باب الشرق الأوسط؛ فالحسين (عليه

٤٩

السلام) إذا رسخت أقدامه بين النهرين، وأهلوهما شيعة أبيه، ومَدائن كِسرى تواليه(مُنذ وَلْيَها سلمان، وتزوَّج بشاه زنان) ، فأنوار مباديه تشعُّ على ربوع إيران؛ فيكون له منهم أنصارُ المال، وأنصارُ الحرب، وأنصارُ الرأي والإرادة، وأنصارٌ لنشر مَعارف القرآن، وعلوم شرع جَدِّه الزاهر، فإذا توفَّق بهم على تكوين حكومة راقية؛ صار أولى مِن أُميَّة بالولاية على الأقطار، حتَّى الحجاز والشام؛ لأنَّ المـُهيمن على العراق يُهدِّد أبداً خُطوط مواصلات الشام للحرميَن، وربَّما يُجدِّد العراق على الشام حرب صِفِّين، حينما أرض الشام خالية مِن الداهيتيَن: مُعاوية، وابن العاص.

أمَّا يزيد، فلم يَكُن منه بادي بدء، سِوى استشارة (سرجون) مولى أبيه معاوية، في كُتُب القوم إليه؛ فأشار عليه باستعمال عبيد الله بن زياد على العراق، وكانت بينه وبين يزيد برودة، وأبرز سرجون ليزيد عهداً كان معاوية قد كتبه في هذا الشأن، قُبيل وفاته(١) ، فوافق يزيد على ذلك، وانتهى إلى ابن زياد أمره، وكتب إليه:

(أمَّا بعد: فإنَّه كتب اليَّ شيعتي مِن أهل الكوفة، يُخبرونني أنَّ ابن عقيل فيها، يجمع الجموع؛ ليَشُق عصا المسلمين، فسِرْ حين تقرأ كتابي هذا، حتَّى تأتي الكوفة، فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتَّى تُثقِّفه، وتوثقه، أو تقتله، أو تنفيه. إلى آخره).

فأخذ ابن زياد مِن كتاب يزيد ورسوله، قوَّة وبصيرة، وصلاحيَّة واسعة في صرف المال، وبَثَّ المواعيد، ومَنحه الاختيارات التامَّة.

____________________

(١) العقد الفريد، لابن عبد ربَّه ج٢ ص٣٠٦، وإرشاد المـُفيد ص١٨٤.

٥٠

رأت حكومة يزيد مِن الدهاء والحزم، سكوتها عن ابن الزبير مُوقَّتاً، حتَّى يَحسم الزمان أمر الحسينعليه‌السلام ، الذي أصبح يُهدِّد كيان أُميَّة أيَّ تهديد، فإذا قضت أُميَّة لُبانتها مِن الحسينعليه‌السلام ، سَهل عليها أمر ابن الزبير؛ لأنَّ المرعوبيَّة تسود على أضداد يزيد، بعد الإجهاز على الحركة الحسينيَّة؛ ولأنَّ موقع ابن الزبير في النفوس، ليس كموقع الحسينعليه‌السلام ، سيَّما وابن الزبير شحيح (ولا يَسود إلاّ مَن يجود)؛ ولأنَّ ابن الزبير لم يرتبط ببلاد ذات خيرات وبركات، كالعراق واليمن، حتَّى يستفيد مِن مِيرتها وذخيرتها لجيشه، لو انتضى له جيش! فلو فُرِض استمراره على خِلاف يزيد بعد الحسينعليه‌السلام ؛ فجُند أُميَّة يُحاصره في بلاد الحجاز، القاحلة بين الجبال والرمال، حتَّى يُسلِّم هو وجُنده، أو يُقاتل وحده والوحيد مغلوب.

٥١

الكوفة في نَظر الحسين عليه‌السلام

شاعت مُبايعة العراق للحسينعليه‌السلام بالإمامة، ففَرِح أولياؤه وأهل الحَرمين، وتفاءلوا مِن ذلك بعود الحَقِّ إلى أهله، عسى أنْ تموت البِدع، وتحيا السُّنن، لكنَّ خاصَّة الحسينعليه‌السلام بعد الإطلاع على سَفر مسلم إلى الكوفة، كانوا بين مُحبِّذٍ ومُخطِّيء، ويُمثِّل الأخير عبد الله بن عباس (رضي الله عنه)، فجاء إلى الحسينعليه‌السلام يُحذّره مِن الرواح إلى العراق، ويُذكِّره بخُذلانهم أخاه وعصيانهم أباه، في حين أنَّهم لم يكونوا يحلمون بإمام كأبي الحسينعليهما‌السلام ، أشرف الناس، وأذكاهم، وأفصحهم، وأسخاهم وأعلمهم، وأتقاهم، يلبس الخشِن ويكسوهم حِلله، ويبيت طاوياً ويُنفِق عليهم مأكله، ويَكدُّ مِن سَعي وسَقي، ويتصدَّق على الفُقراء، وإذا شُنَّت عليهم الغارات؛ فهو في مُقدِّمة المـُدافعين عنهم، يخوض بنفسه حومة الوغى، حتَّى يهزم الجمع ويولّون الدُّبُر، فأيُّ إمامٍ يكون لهم كعليٍّعليه‌السلام ، وكيف كافئوه وأهله في حياته وبعد وفاته.

نعم، إنَّ ابن عباس كان حِبرَ الأُمَّة، ووليَّ الأئمة، ربَّاه

٥٢

أمير المؤمنينعليه‌السلام وعلَّمه، وأسرَّ إليه مِن صَفوة مَعارفه، وكان راجحَ العقل والفضل والأخلاق، وكان مِن أعزِّ أقرانه على الحسينعليه‌السلام ؛ فإنَّ عليَّاً قام في سنوات اعتزاله الخِلافة بتربية غُلمـَة في المدينة مِن أُسرته وأحبته.

لكنَّ الإمام لم يأخذ برأي مُحذِّرٍ؛ إذ كان يَحسب نفسه في وادٍ والمـُحذِّر في وادٍ؛ فحسين الفِخار(ونفس أبيه بين جنبيه) لا يَسعه إلاّ أنْ يُلبِّي المـُستغيث به، ولا يُطيق الصبر على مَحْق الدين، وسَحْق الموحِّدين، ولو ذاق في جهاده الأمرَّين.

إنَّ غاية ما كان يراه الحسينعليه‌السلام ، في تحذير المـُحذِّرين، أنَّ العراق لا يَفي بوَعده، ولا يقوم على عهده، فهبْ أنَّ ذلك كذلك، فما ضَرَّ الإمام أنْ يُتمَِّ الحُجَّة عليهم، قبل أنْ يُتمِّوا الحُجَّة عليه، فإنْ ظفر بمَطلبه مِن إبادة الظالمين فبها ونِعْمَتْ، وإلاَّ سار عنهم إلى الثغور القاصية، حتَّى يفتح الله عليه بالحَقِّ وهو خير الفاتحين، أو يأتيه الموت؛ فيُلاقي ربَّه غير خاضع لأعدائه.

أمَّا رَحْلُ الحسينعليه‌السلام وفِتيته، فكانوا كلَّما ذكروا العراق، تجلَّت لديهم ذكرياته الحُسنى، وتذكَّروا حَنانه نحو الغريب وطلاوة الحديث الجَذَّاب، والعواطف الرقيقة، وذكروا عذوبة ماءه، وطْيب هوائه، عِلاوةَ ذِكرى مَن ألفوه بالكوفة، مِمَّن تبودِلت بينه وبينهم الحقوق، والنِّعم، والعواطف، والحسنات.

فكأنَّ هذه، والتي سبقت، خواطرَ مُهمَّة أدَّت إلى المسير نحو العراق، وقَبول ما استدعاه وكيله الأمين (مسلم) في كتابه؛ غير إنَّ الجميع واثقون مِن أنَّ الرحيل إلى العراق لو كان، فإنَّما يكون بعد فريضة الحَجِّ، وبعد الأضحى.

٥٣

خُروج الحسين عليه‌السلام مِن مَكَّة

كان الحسينعليه‌السلام أوسع علمٍ، وأقوى ديناً مِمَّن انتقدوا عليه الخروج مِن مَكَّة، قبل إكمال الحَجِّ، مُستبدِلاً حَجَّه بعُمرةٍ مُفرَدة؛ ليتسنَّى له الخروج يوم التروية، ومُجاوزة حدود الحرم بأقرب وقت مُمكِن؛ إذ صار بين جاذبٍ ودافعٍ، تجذبه ظاهراً أنباء حِجَّاج العراق، بأنّ ابن زياد تأهَّب للخروج مِن البصرة نحو الكوفة، والحسينعليه‌السلام يعرف مَبلغ دهائه وريائه، وقوَّة إقدامه وجَسارته، وأنَّه إذا سبق الحسينعليه‌السلام إلى الكوفة، قَلَب القلوب، وقَطَع عليه الدروب، واستعمل لخُذلان مسلم كلَّ وسيلةٍ وحيلةٍ، وأنَّ مُسلماً بنفسيَّته الحربيَّة، قد تَخْفَى عليه الحركات السياسيَّة؛ فلا يَنجح مع ذلك الشيطان رجُل المروءة والإيمان؛ فخرج إلى الكوفة مُسرعاً، إنقاذاً لمـُسلم وللمسلمين.

وأمَّا دافعه مِن الحرم، فعلمه بالمـَكايد المـُدبَّرة مِن خصومه لحصره، أو اغتياله في مَكَّة مِن حين تَفرُّق الحاجِّ منه؛ فيُصبح إمَّا مَقتول، أو مُقاتَل، وفي كِلا الأمرين هَتْكُ الحرم، المـَمنوع فيه سَفك

٥٤

الدم، وقد بدت قرينة مُناوأته، في قُدوم عمرو بن سعيد، عامل يزيد قَبل التروية بيوم، وتَقدُّمه إلى الصلاة بالمسلمين، وبَثِّه العيون حول الحسينعليه‌السلام ، وحول ابن الزبير، فصلَّى الإمام، فطاف وسعى، وحَلَّ الإحرام، ثمَّ خرج. وبعدما عَرِف عمرو بن سعيد، صرخ بالناس قائلاً:

(أركبوا كلَّ بَعير بين السماء والأرض، واطلبوا حسيناً، ولم يَحتشم حُرمة البلد الأمين، ولا النبيِّ الأمين).

بادر الحسينعليه‌السلام بمسيره، قبل أنْ يُبادر العدوُّ إلى صَدِّه وإحصاره، أو اغتياله؛ وألجأته الضرورة إلى حركة غير مُنتظَرة، وخارج الحُسبان، وأوجد بمسيره هذا ثورة فِكريَّة؛ أوجبت انتشار خبره بسرعة البرق.

وحقَّاً أقول: إنَّ الحسينعليه‌السلام مُجتَهد في نيَّته، ومُستفرِغ كلَّما في وسعه، في نشر دعوته، في عصرٍ ومِصرٍ شحَّت وسائل النشر فيهم؛ فكان لخروجه في غير أوانه دويٌّ يَرنُّ صداه في الداخل والخارج، والناس يتسائلون عن نبأه العظيم، وعن أنَّ الحسينعليه‌السلام هل حَجَّ أو خرج؟ ولماذا؟ ومتى؟ وكيف؟ وإلى أين؟

هذا والحسينعليه‌السلام يسير بموكبه الفخيم، وحوله أهله كهالَةٍ حول القمر، كأنَّ موكبه داعية مِن دُعاته؛ فإنّ الخارج يومئذ مِن أرض الحَجِّ والناس متوجهون إلى الحَجِّ، لابُدَّ وأنْ يستلفِت إلى نفسه الأنظار، وإنْ كان راكباً واحداً، فكيف برَكبٍ أو موكبٍ؟

إنَّه لأمر مُريب وغَريب، يستوقف الناظر، ويستجوب كلَّ عابرٍ.

وهذه أيضاً عمليَّة، مِن شأنها شُهرةَ أمر الإمام، وانتشار خبره الهامِّ، ومِمَّن كان قادِماً إلى الحَجِّ، واستجلب نظره الركب والموكب

٥٥

الفرزدق الشاعر.

قال:حَجَجت بأُمِّي في سنة سِتِّين، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحَرم، إذ لقيت الحسين بن علي عليهما‌السلام خارجاً مِن مَكَّة مع أسيافه وأتراسه، فقلت لمـَن هذا القطار؟

فقيل: للحسين بن عليعليهما‌السلام ، فأتيته وسلَّمت عليه، وقلت له:(أعطاك الله سؤلك، بأبي أنت وأُمِّي، يا بن رسول الله، ما أعجلك عن الحَجِّ؟)

فقال: (لو لمْ أُعجِّل لأُخِذت).

ثمَّ قال لي: (مَن أنت؟).

قلت:(أمرؤ مِن العرب، فلا والله ما فتَّشني عن أكثر مِن ذلك) .

ثمَّ قال لي: (أخبرني عن الناس خلفك).

فقلت:(مِن الخَبير سألتَ، قلوب الناس معك، وأسيافهم عليك، والقضاء ينزل مِن السماء) .

وسألته عن أشياء: مِن نذورٍ، ومناسك فأخبرني به، وحَرَّك راحلته، وقال: (السلام عليك).

وكان موكب الحسينعليه‌السلام ، يسير في بطون الفيافي والمفاوز، وقوافل القلوب تُشايعه مِن بُعدٍ بَعيد، وخفيف إلحاذ مِن عُشّاقه مُصمِّمٌ على الالتحاق بموكبه، بعد أداء فريضة الحَجِّ بأقرب ساعة، لكنَّ الإمام يُجِدُّ في مَسراه، والقمر دليل الركب ورفيقه، ولمـّا بلغ بَطْنَ عقبة، لقيه شيخ مِن بَني عِكرمة، فسأله أين تريد؟

فقال الشيخ:(أنشدك الله لَمْا انصرفت، فو الله، ما تُقدِم إلاَّ على الأسنَّة وحَدِّ السيوف، وإنَّ هؤلاء الذين بعثوا إليك، لو كانوا كفوك مَؤنة القتال، ووطئوا

٥٦

لك الأشياء، فقَدِمت عليهم كان ذلك رأياً) .

فقال له الإمام: (ليس يَخفى عليك الرأي، ولكنَّ الله تعالى لا يُغلَب على أمره).

ثمَّ قالعليه‌السلام : (والله، لا يدعونني حتَّى يستخرجوا هذه العَلقة مِن جَوفي، فإذا فعلوا سَلَّط الله عليهم مَن يُذلّهم، حتَّى يكونوا أذلَّ فِرق الأُمَم).

٥٧

ابن زياد على الكوفة

أمّا عبيد الله بن زياد، فقد ضَمَّ يزيد الكوفة إليه، مع البصرة، فحَسِب ذلك ضَرباً مِن الترفيع، سيَّما وقد أُعطي سِعة في النفوذ، والسلطة التامَّة العامَّة، فمهَّد أمره في البصرة، وعهد بأزمَّتها إلى أخيه، وإلى أعوانه المـُجرَّبين، خَوفاً مِن نشر الدعاية فيها لابن الزبير، أو الحسينعليه‌السلام ، وتأهَّب إلى الكوفة، مِن حيثُ لم يعلم العامَّة أمره، وسُرعان ما قَدِمها بكلِّ جَسارة، ودخلها مُتنكِّراً ومُتلثِّماً، وعليه عِمامة سوداء، يوهِم الناس إنَّه الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وصار مَن يُصادفونه في خِطط الكوفة وطُرقاتها، يزعمونه الحسين السبط، فيُسلِّمون عليه بالإمامة، ويُحيِّونه بكلِّ كرامة، ويقبِّلون يديه ورُجليه، وهو لا يُكلِّم أحداً فوق راحتله، حتَّى بلغ قصر الإمارة، فطرق الباب على واليِّها المحصور النعمان بن البشير، حتَّى إذا عرفه فتح الباب ودخل.

عند ذلك فشى خبره أنَّه ابن زياد؛ فباتت الكوفة تلك الليلة تَغلي كالمـَرجِل، والناس بين مُثبِّت ومُثبِّط، وابن زياد دخل البلدة وَحْدَه،

٥٨

وعلى حين غُرَّة، ولم ينزل إلاَّ في مَركز الحُكم، وأخذ في قبضته المال والسلاح، ورتَّب في ليلته على الدوائر المـُهمَّة مَن لم يَتجاهروا بمَعيَّة مسلم، وأصبح مُناديه يجمع الناس لخِطابته في الجامع الأعظم، فرقى المِنبر بكلِّ جَسارة - وجَسارة الخطيب تُعطي لكلامه قوَّة نفوذ، وتأثير على الأوهام - فصار يَعِدُ ويوعد، لا عن لسان الله ورسوله، بلْ عن لسان أميره يزيد، فبلَّغهم سلامه، ولكنَّ الناس لم يردُّوا السلام عليه أوَّلاً، حتَّى أخذ يُطمِّع المـُطيع بمواعيدَ جِسام، ويُهدِّد مُخالفيه بحَدِّ الحِسام، والسيف مُصلَت بيده، فعند ذلك ردَّ السلام عليه نَفر قليل، ثمَّ أضحى مُناديه يَجمع الرؤساء والعُرفاء إليه؛ لأخذ المواثيق، وإنجاز المواعيد، وتوزيع العطاي، ومُعاقبة المـُتخلِّفين عقوبة صارمَة؛ فهرع لندائه خَلْق كثير، وانقلبت القلوب، وانحرفت الوجوه، وتبدلَّت لهجات الأندية، ونشريَّات الشيع.

نعم، لا ينقضي العَجب، مِن خَيبة الكوفة في نَهضتها، إلاَّ بعد التدبُّر في أسبابها وأسرارها؛ إذ باغت ابن زياد الكوفييِّن بزيِّ الحسينعليه‌السلام ، حتَّى استقرَّ في دار الإمارة بين حامية مُستعدَّة، وقد كان الواجب على أهل الكوفة بعدما لبَّى الحسين دعوتهم، وإرساله مُسلماً وكيلاً عنه، أنْ تَجتمع أحياؤها، وتتَّحد رؤساؤه؛ فيُخرجوا عامل يزيد وحاشيته، ويُسلّموا دوائرها إلى وكيل الحسينعليه‌السلام ، أو أنْ يقترحوا عليه مِن الأعمال المـُهمَّة ما هم أدرى به وأعرف، ومسلم لمْ يقَدِم عليهم كوالٍ مُختار، أو مُفوَّضٍ مُطلَق؛ ليستقلَّ في أعماله وأعمالهم بالتصرُّف والمسؤليَّة، وإنَّما بعثه الحسينعليه‌السلام كمُعتَمد، يُشرف على أمرهم، ويستطلع حقيقة خبرهم،

٥٩

ولكنَّ الكوفيِّين (يا للأسف) غَرّوا مسلماً واغترّوا، ولم يغتنموا صَفاء جَوّهم، وتواني عَدوّهم إلى أنْ دَهمهم ابن زياد، وفرّق جمعهم بالوعد والوعيد، وسكَّن فورتهم بالطَّمع والتهديد، حتَّى إذا سكت الضجيج مِن حول مسلم، نَفى الرجال العاملين لمعونة مسلم مِن بلده، وزجَّ في السجن مِن وجوه الشيعة: أمثال المـُختار الثقفي، والمـُسيَّب بن نجيبة، وسُليمان، ورفاعة وغيرهم، مِمَّن لم تؤثِّر عليهم التضييقات، ولا اغترّوا بباطل الوعد، واستوظف آخرين، واختفى بعد ذلك أكثر المـُتهوِّسين في زوايا البيوت.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بكاء الحسن والحسينعليهما‌السلام فقام فزعا حتى علم حالهما ، ثم انصرف وهو يقول : إن الولد لفتنة لقد قمت وما أعقل(١) .

[ أبو هريرة مع الامام الحسن ]

[١٠٠٩] شريك بن عبد الله ، باسناده ، عن أبي هريرة ، أنه قال للحسن بن عليعليه‌السلام : اكشف لي عن بطنك [ فداك أبي ](٢) حتى اقبّل المكان الذي رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّله ، فكشف له عن بطنه ، فقبّل سرّته.

قال شريك : لو كانت السرّة من العورة ما كشفها الحسنعليه‌السلام .

وكذلك هو فيما جاء عن الأئمة صلوات الله عليهم أن عورة الرجل ما بين سرته وركبته.

ثمّ الجزء الحادي عشر من كتاب شرح الأخبار في فضائل الائمة الأطهارعليهم‌السلام .

__________________

(١) وفي رواية اخرى : وما معي عقلي.

(٢) ما بين المعقوفتين من ذخائر العقبى ص ١٢٦.

٨١
٨٢

٨٣

٨٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[ بقية فضائل الحسنينعليهما‌السلام ]

[١٠١٠] الدغشي ، باسناده ، عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام ، أنه قال :

كان الحسن والحسينعليهما‌السلام عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهما صغيران ـ فطلبا الماء ، فابطي عليهما ، فبكيا ، فأعطاهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسانه ، فامتصاه ، فدرّ عليهما ماء ، فشربا حتى رويا.

[١٠١١] أبو نعيم ، باسناده ، عن حذيفة اليماني ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

أتاني جبرائيلعليه‌السلام ، فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.

[ هؤلاء أهل بيتى ]

[١٠١٢] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن أمّ سلمة ، قالت : دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فأخذ الحسن فوضعه على صدره ، واحتضن الحسين على ذراعه.

٨٥

قالت أمّ سلمة(١) : وكنت أنا جالسة خلفه ، وفاطمة بين يديه ، فلبث هويا من الليل لا نرى إلا أنه قد رقد فزجل الحسين عن ذراعه ، فذهبت لأخذه ، فسبقني إليه لأخذه.

فقلت : يا رسول الله ما كنت اراك إلا نائما.

قال : ما نمت مذ أتوني.

ثم قال لفاطمة ـ بعد ما مضى من الليل صدر ـ : آتي أهلك لا أرى إلا وقد أعجبهم أن تأتيهم.

فحملت الحسين ومشى الحسن بين يديها ، وجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينظر إليهم.

ثم قال : اللهمّ هؤلاء عترتي ، وأهل بيتي ، اللهمّ إني احبهم ، فأحبهم ـ ثلاث مرات ـ.

[١٠١٣] الليث بن سعد(٢) ، باسناده ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي يوما في بيته(٣) والحسين بن عليعليه‌السلام صغير بالقرب منه ، فكان إذا سجد جاء الحسينعليه‌السلام يركب ظهره ، ثم حرك رجليه ، وقال : حل ، حل. فإذا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يرفع رأسه أخذه فوضعه الى جانبه ، فإذا سجد عاد على ظهره ، وقال : حل ، حل. فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صلاته ، ورجل من اليهود بالقرب منه ينظر الى ذلك من فعله.

فقال : يا محمد إنكم لتفعلون بالصبيان شيئا ما نفعله نحن بهم.

__________________

(١) واسمها هند بنت أبي أميّة حذيفة ـ سهيل ـ بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ، أم المؤمنين.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : سعيد.

(٣) وفي المناقب ٤ / ٧١ : في فئة.

٨٦

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصبيان.

فقال : فاني أومن بالله وبرسوله.

وأسلم لما رأى من رسوله اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع عظيم قدره.

[ ضبط الغريب ]

قوله : حل ، حل.

يقال من ذلك للإبل إذا فلت ( حل ) بالتخفيف. وهو زجر للابل تساق به. تقوله العرب إذا زجرتها لتسوقها.

[ يدهن رجلي أكرم الناس ]

[١٠١٤] الليث بن سعد(١) ، باسناده ، أن رجلا نذر أن يدهن بقارورة عنده رجلي أفضل قريش ، فسأل عن ذلك.

فقيل له : إن مخرمة أعلم الناس اليوم بأنساب قريش ، فاسأله عن ذلك.

فسأله ـ وقد خرف ـ وعنده ابنه المسور ، فمدّ الشيخ رجليه ، وقال : ادهنها.

فقال المسور ـ ابنه ـ للرجل : لا تفعل ، أيها الرجل ، إن الشيخ قد خرف ، إنما ذهب الى ما كان في الجاهلية.

وأرسله الى الحسن والحسين صلوات الله عليه ، فقال [ له ] : ادهن بهما أرجلهما فهما أكرم الناس ، وأفضلهم اليوم(٢) .

__________________

(١) هكذا صححناه ، وفي الأصل : سعيد.

(٢) وفي المناقب ٣ / ٤٠٠ : فهما أفضل الناس وأكرمهم اليوم.

٨٧

[ الحسن والحسين سبطان ]

[١٠١٥] عبد الله بن صالح ، باسناده ، عن يعلي بن مرة ، أنه قال : خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نمشي(١) ، فاذا الحسينعليه‌السلام وهو صبي صغير يلعب. فبسط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يديه نحوه ، فجعل الحسين يمرّ مرة هاهنا ، ومرة هاهنا ، ويضاحك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أخذه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل إحدى يديه تحت ذقنه ، والاخرى عند رأسه ، وأهوى إليه ، فقبّله ، واعتنقه.

ثم قال : حسين مني وأنا منه ، أحبّ الله من أحبه.

ثم قال : الحسن والحسين سبطان من الأسباط.

[ التسمية ]

[١٠١٦] أبو غسان ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه ، أنه قال :

لما ولد الحسن سمته أمه حربا ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : أروني ابني ، ما سميتموه؟

قلت : حربا.

قال : لا ، بل هو حسن.

فلما ولد الحسين سمته حربا ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أروني ابني ، ما سميتموه؟

قلت : حربا.

قال : لا ، بل هو حسين.

فلما ولد محسن سمته حربا ، فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :

__________________

(١) وفي مقتل الخوارزمي ص ١٤٦ : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى طعام دعي له.

٨٨

أروني ابني ، ما سميتموه؟

قلت : حربا.

قال : بل هو محسن. ثم قال : إني سميتهم بأسماء أولاد هارون شبر وشبير ومشبر.

[١٠١٧] وبآخر ، عن عمران بن سلمان ، أنه قال :

إن الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة ، لم يكونا في الجاهلية(١) .

[ مولدهما ]

[١٠١٨] أبو نعيم ، باسناده ، عن أبي رافع ، أنه قال :

رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أذّن في اذن الحسن بن عليعليه‌السلام لما ولد. وأذّن كذلك في اذن الحسينعليه‌السلام لما ولد.

[١٠١٩] ابن أبي كريمة ، باسناده ، عن ابن عباس(٢) ، أنه قال :

كان رسول الله يعوذ حسنا وحسينا. فيقول : اعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة. ثم يقول : هكذا كان أبي ابراهيمعليه‌السلام يعوذ إسماعيل وإسحاق.

[ ضبط الغريب ]

قوله : هامة.

الهيم : دبيب الهوام الأرض. والهوام ما كان من حشاش الأرض نحو

__________________

(١) وفي العوالم ص ٢٥ : من أسامي أهل الجنة ولم يكونا في الدنيا.

(٢) وهو عبد الله بن عباس.

٨٩

العقارب وما أشبهها. الواحدة هامة لأنها تهم : أي تدب.

والعين اللامة : التي تلمّ بالانسان : أي تصيبه. ويقولون : أعوذ بالله من السامة واللامة : يعنون باللامة ما يلمّ مما يخاف منه أن ينزل.

[ العقيقة ]

[١٠٢٠] أبو غسان ، باسناده ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقّ عن الحسن والحسين صلوات الله عليهما شاة شاة.

وقال : كلوا وأطعموا وابعثوا الى القابلة برجل.

يعني الربع المؤخر من الشاة ، ولا تكسروا عظمها. ولم يكن بينهما إلا الطهر طهرت في نفاس الحسن ، وحملت بالحسينعليه‌السلام .

[ ضبط الغريب ]

قوله عقّ العقيقة : الشعر الذي يولد به المولود ، وكذلك الوبر الذي يولد به الفضل وغيره من الدواب ، فاذا سقط ذلك ذهب هذا الاسم عنه.

وسنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحلق رأس المولود في اليوم السابع من ولادته ويتصدق عنه بوزن الشعر ورقا ويذبح عنه شاة ، ويجعل دمها على موضع الحلق من رأسه ، وتفصّل الشاة أعضاء ، ويعطى القابلة الربع المؤخر ، ويطعم المساكين. وتسمى تلك الشاة عقيقة ، لأنها ذبحت بسبب حلق العقيقة.

[ ضبط الغريب ]

وأصل العقيقة : هو الشعر الذي يولد به المولود قال امرؤ القيس :

أيا هند لا تنكحي بوهة

عليه عقيقته أحسبا

٩٠

والبوهة من الرجال : الضعيف.

قوله : عليه عقيقة : معناه أنه لم يحلق رأسه مذ ولد. يصفه باللؤم وسوء الهيئة.

والأحسب : الذي ابيضت جلدته من داء ، وفسد شعره فصار أحمر وأبيض كذلك هو من الابل. وهو من الناس الابرص.

وكذلك عقيقة الدابة : شعرها ، أو وبرها ، أو صوفها الذي تولد به.

قال زهير يصف حمارا وحشيا :

إذ لك أم أم في البطن جأب

عليه من عقيقة عفاء

الجأب : الحمار

٩١

[ يحيى بن يعمر والحجاج ]

[١٠٢١] الشعبي(١) ، قال : كنت بواسط ، وكان يوم أضحى(٢) فحضرت صلاة العيد مع الحجاج(٣) ، فخطب خطبة بليغة ، فلما انصرف ، جاءني رسوله ، فأتيته ، فوجدته جالسا مستوفزا ( يعني جالسا متهيئا للقيام غير مطمئن بالجلوس ).

فقال : يا شعبي ، هذا يوم الاضحى ، وقد أردت أن اضحي فيه برجل من أهل العراق ، فأحببت أن تسمع قوله ، فتعلم أني قد أصبت [ الرأي ] فيما أفعل به.

فقلت : أيها الأمير ، أفترى أن تستنّ بسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتضحي بما أمر أن يضحى به ، وتفعل مثل ما فعله ، وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم الى غيره.

قال : يا شعبي ، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه لكذبه على الله وعلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإدخاله الشبهة في الإسلام.

__________________

(١) أبو عمرو الكوفي الحميري.

(٢) يوم العاشر من شهر ذي الحجة.

(٣) الحجاج بن يوسف الثقفي ، ولد في الطائف واشتهر بولائه للبيت الاموي. ولاه عبد الملك بن مروان ، وتولى مكة والمدينة والطائف والعراق ، أسس مدينة واسط ، اشتهر بالخطابة والظلم والشدة في الحكم ، وسفك الدماء. توفي بواسط ٩٥ ه‍.

٩٢

قلت : أفيرى الأمير أن يعفيني عن ذلك؟

قال : لا بدّ من ذلك.

ثم أمر بنطع(١) ، فبسط ، وبسياف ، فاحضر. وقال : أحضروا الشيخ. فأتوا به ، فاذا هو يحيى بن يعمر(٢) [ العدواني ] ، فاغتممت غما شديدا ، وقلت في نفسي : وأيّ شيء يقول يحيى مما يوجب قتله.

فقال له الحجاج : أنت تزعم أنك زعيم العراق؟

قال يحيى : [ الزعم كذب ](٣) ولكني أقول إني فقيه من فقهاء أهل العراق.

قال : فمن أيّ فقهك؟ زعمك(٤) الحسن والحسين من ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

قال : ما أنا زاعم لذلك بل أنا قائله بحق.

قال : وبأيّ حق قلت ذلك؟

قال : بكتاب الله عزّ وجلّ.

فنظر إليّ الحجاج ، فقال : اسمع ما يقول فإن هذا مما لم يكن سمعته عنه أتعرف أنت في كتاب الله عزّ وجلّ دليلا بأن الحسن والحسين من ذرية محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فجعلت افكر في ذلك

__________________

(١) بساط من الجلد يفرش تحت المحكوم عليه بالعذاب أو بقطع الرأس.

(٢) هكذا صححناه ، وفي الاصل : معمر. العدواني الوشقي المضري البصري التابعي ، قال الحموي في معجم الادباء : انه لقي عبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر ، وروى عنه قتادة السندوسي ، ولد بالبصرة ، ومنشأه خراسان ، والعدواني نسبة الى عدوان قيس بن غيلان ، وكان عداده في بني ليث بن كنانة ، أحد قراء البصرة ، وعنه أخذ عبد الله بن اسحاق. وكان إمام القراء بالبصرة عالما بالقرآن فقيها لغويا ، توفي ١٢٩ ه‍.

(٣) هكذا صححناه ، وفي الاصل : الزعم الكذب.

(٤) وفي بحار الانوار ٢٥ / ٢٤٤ : فمن أي فقهك زعمت أن الحسن والحسين ...

٩٣

فلم أجد في القرآن شيئا يدلّ على ذلك ، وفكر الحجاج مليا ، ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عزّ وجلّ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (١) وأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين.

قال الشعبي : فكأنما أهدى الى قلبي سرورا ، وقلت في نفسي : قد خلص يحيى ، وكان الحجاج حافظا للقرآن. فقال له يحيى : والله إنها الحجة في ذلك البالغة ، ولكني ليس منها أحتجّ لما قلت.

فاصفرّ وجه الحجاج ، فأطرق مليا ، ثم رفع رأسه الى يحيى ، وقال له : إن جئت من كتاب الله عزّ وجلّ بغيرها فلك عشرة [ آلاف درهم ](٢) ، وان لم تأت بها فأنا في حلّ من دمك.

قال : نعم.

قال الشعبي : فغمني قوله وقلت في نفسي : لما كان في الذي نزع له الحجاج ما يحتجّ به يحيى ويرضى بأنه قد عرفه ، وسبقه إليه ، ويتخلص منه حتى ردّ عليه ، فأفحمه ، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل فيه عليه من القول ما يبطل به حجته ، لأنه يريه أنه قد علم ما قد جهله هو.

فقال يحيى للحجاج : قول الله عزّ وجلّ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ) (٣) من عني بذلك؟

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : الادف ادهم.

(٣) الأنعام : ٨٤.

٩٤

قال الحجاج : إبراهيم.

قال يحيى : فداود وسليمان من ذريته؟

قال [ الحجاج ] : نعم.

قال يحيى : ومن نصّ الله عزّ وجلّ عليه بعد هذا أنه من ذريته؟

فقرأ الحجاج.( وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) .

قال يحيى : ومن؟

فقرأ الحجاج :( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى ) (١) .

قال يحيى : ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم ولا أب له من صلبه؟

قال : من قبل أمه.

قال يحيى : فمن أقرب رحما مريم(٢) من إبراهيم أم فاطمة من محمد أم الحسن والحسين منه أم عيسى من إبراهيم.

قال الشعبي : فكأنما لقمه حجرا.

فقال : اطلقوه قبحه الله وادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله له فيها.

ثم أقبل عليّ ، فقال : قد كان رأيك صوابا لكنا أبيناه. ودعا بجزور فنحره ، وقام فدعا بالطعام ، فأكل وأكلنا معه ، وما تكلم بكلمة حتى انصرفنا ، وما زال واجما غما بما احتجّ به يحيى بن يعمر عليه.

[ ضبط الغريب ]

قوله : واجما.

__________________

(١) الأنعام : ٨٥.

(٢) أي : مريم بنت عمران.

٩٥

الوجوم : السكوت على غيظ أو همّ ، يقال منه : رأيته واجما واقما.

[ ويل للظالم من يوم المظلوم ]

[١٠٢٢] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن الحسن بن عليعليه‌السلام ، أنه مرّ ـ في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بحلقة فيها قوم من بني أميّة ، فتغامزوا به وذلك عند ما تغلّب معاوية على ظاهر أمره. فرآهم وتغامزهم به. فصلّى ركعتين ثم جاءهم. فلما رأوه جعل كل واحد منهم يتنحى عنه مجلسه له.

فقال لهم : كونوا كما أنتم فاني لم أرد الجلوس معكم ولكن قد رأيت تغامزكم بي. أما والله لا تملكون يوما إلا ملكنا يومين. ولا شهرا إلا ملكنا شهرين ، ولا سنة إلا ملكنا سنتين. وأنا لنأكل في سلطانكم ونشرب ونلبس ونركب وننكح ، وأنتم لا تأكلون في سلطاننا ولا تشربون ولا تلبسون ولا تنكحون(١) .

فقال له رجل : وكيف يكون ذلك يا أبا محمد ، وأنتم أجود الناس ، وأرأفهم ، وأرحمهم تأمنون في سلطان القوم ولا يأمنون في سلطانكم؟

فقال : لأنهم عادونا بكيد الشيطان ، وكيد الشيطان كان ضعيفا ، وإنا عاديناهم بكيد الله ، وكيد الله شديد.

[ ضبط الغريب ]

الكيد : من المكيدة ، وهي الاحتيال. والفعل منه كاد يكيد كيدا ، وهو في الحق حلال ، وفي الباطل حرام. قال الله عزّ وجلّ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ

__________________

(١) وفي المناقب اضاف : ولا تركبون.

٩٦

كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ) (١) فكيد الكافرين هو احتيالهم على أولياء الله عزّ وجلّ وذلك حرام عليهم ، وكيد الله هو احتيال أوليائه على أعدائهم ، وذلك من الحلال المباح لهم.

[ سخاء الحسن ]

[١٠٢٣] عبد الله بن موسى ، عن عليعليه‌السلام ، أنه خطب الناس ، فقال :

إن ابن أخيكم الحسن بن علي قد جمع مالا وهو يريد أن يقسمه بينكم.

فحضر الناس لذلك ، فقام الحسنعليه‌السلام فقال : إنما جمعته للفقراء. فقام كثير من الناس ، وجلس كثير ، وكان أول من أخذ منه الأشعث بن قيس.

[١٠٢٤] ابن أبي خيثمة(٢) ، باسناده ، عن عليعليه‌السلام ، أنه قال :

كان الحسن أشبه الناس برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما بين الصدر الى الرأس. والحسين أشبه الناس به فيما كان أسفل من ذلك.

[١٠٢٥] ابن الأعرابي ، باسناده ، عن أبي هريرة ، أنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول :

من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني(٣) .

__________________

(١) الطارق : ١٦.

(٢) وهو أبو بكر ، وأظنه أحمد بن زهير ( أبي خيثمة ) بن حرب بن شداد النسائي ولد ١٨٥ ه‍ ، مؤرخ من حفاظ القرآن عامي ، توفي في بغداد ٢٧٩ ه‍.

(٣) وفي مسند أحمد ٢ / ٢٨٨ : لم يذكر اسم الحسنين في صدر الحديث بل ذكر في آخر الحديث : يعني حسنا وحسينا.

٩٧

[ من أحبّنا فهو معنا ]

[١٠٢٦] نضر بن الجهضمي(١) ، باسناده ، عن عليعليه‌السلام ، أنه قال :

أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام فقال :

من أحبني ، وأحبّ هذين ، وأباهما ، وامهما كان معي في درجتي في الجنة.

[ الشجرة الطيّبة ]

[١٠٢٧] عبد الله بن لهيعة ، باسناده ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال لعليعليه‌السلام :

أنا وأنت يا علي من شجرة ، أنا أصلها وأنت فرعها ، والحسن والحسين من أغصانها ، وفاطمة ثمرتها(٢) ، فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله الجنة.

[ تميمة من زغب جناح جبرائيل ]

[١٠٢٨] محمد بن سلام ، باسناده ، أن رسول الله كان له وسادة لا يجلس

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل : الجهضي.

(٢) وفي مقتل الخوارزمي ص ١٠٨ لم يذكر هذه الجملة ( فاطمة ثمرتها ). وفي كفاية الطالب ص ٤٢٥ ذكر : وفاطمة فرعها. وأنشد أبو بكر الحلبي على ضوء هذا الحديث :

يا حبذا دوحة في الخلد نابتة

ما في الجنان لها شبه من الشجر

المصطفى أصلها والفرع فاطمة

ثم اللقاح عليّ سيد البشر

و الهاشميان سبطاها لها ثمر

و الشيعة الورق الملتف بالثمر

هذا حديث رسول الله جاء به

أهل الرواية في العالي من الخبر

إني بحبهم أرجو النجاة غدا

و الفوز مع زمرة من أحسن الزمر

٩٨

عليها أحد إلا جبرائيلعليه‌السلام إذ جاءه ، فإذا قام طويت ، فعلق بها من زغب(١) جناحه ، فتلتقطه فاطمةعليها‌السلام حتى إذا اجتمع عندها جعلته في تمائم الحسن والحسينعليهما‌السلام .

[ ضبط الغريب ]

التمائم : جمع تميمة. والتميمة : قلادة من يسور. ونحو ذلك يجعل فيها العوذة ، وتعلق في أعناق الصبيان.

قال الشاعر [ رقاع بن قيس الأسدي ] :

بلاد بها نيطت عليّ تمائمي

وأول أرض مسّ جلدي ترابها

وقال آخر :

وكيف يضلّ العنبري ببلدة

بها قطعت عنه يسور التمائم(٢)

وفي الحديث : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن التمائم والتول. وقال ـ في تعلق تميمة ـ : فلا أتم الله له. ورخص فيما كان من ذلك من كتاب الله عزّ وجلّ وما يتقرب به إليه.

والنهي الذي جاء في ذلك عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما هو فيما يعلقونه فيه من الودع والخرز والأعواد والحديد والنحاس وأشباه ذلك مما يرون أنه ينفع من علق عليه. فنهى عن ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والتول : ما تضعه النساء مما يزعمن أنه يحببهن الى أزواجهن ويسمينه : العطف ، وهو ضرب من السحر ، واحدته توله وجمعه تول.

[ آخر لحظات مع الرسول ]

[١٠٢٩] وبآخر ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما احتضر دعا بالحسن

__________________

(١) الزغب : صغار الريش.

(٢) لسان العرب ١٢ / ٧٠ ، والقائل هو الفرزدق.

٩٩

والحسينعليهما‌السلام فوضعهما على وجهه ، وجعل يقبّلهما حتى اغمي عليه ، فأخذهما عليعليه‌السلام عن وجهه ، ففتح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه ، وقال لعليعليه‌السلام :

دعهما يستمتعان مني وأستمتع منهما فانه سيصيبهما بعدي أثرة.

أراد بالإثرة ما استأثر به أهل التغلّب من حقهما ، فأخذوه لأنفسهم فآثروه به عليهما أثرة بغير حق.

[ ريحانتا الرسول ]

[١٠٣٠] علي بن هاشم(١) ، باسناده ، عن سعيد بن المسيب ، أنه قال : دخل رجل من الأنصار إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) وهو مستلق على ظهره ، والحسن والحسين يلعبان على بطنه ، فقال : أتحبها يا رسول الله؟

قال : وكيف لا احبهما وهما ريحانتاي(٣) في الدنيا والآخرة.

[١٠٣١] علي بن هاشم ، باسناده ، عن أبي رافع ، أن فاطمةعليها‌السلام أتت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحسن والحسينعليهما‌السلام وهما صغيران.

فقالت : يا رسول الله هذان ابناك ، فانحلهما.

فقال : نعم ، أما الحسن فقد نحلته هيبتي وحلمي ، وأما الحسين فقد نحلته جودي ونجدتي(٤) . أرضيت يا فاطمة؟

__________________

(١) أبو الحسن ، وأظنه علي بن هاشم بن البرية الكوفي الخزاز ، المتوفى ١٨١ ه‍.

(٢) وفي كنز العمال ٧ / ١١٠ : سعة بن مالك ، قال : دخلت علي النبي ( ص ) ...

(٣) قال الرضي ( ره ) : شبه بالريحان لان الولد يشمّ ويضمّ كما يشمّ الريحان. وأصل الريحان مأخوذ من الشيء الذي يتروح إليه ويتنفس من الكرب به.

(٤) وفي الخصال ص ٧٧ : أما الحسن فان له هيبتي وسؤددي ، وأما الحسين ، فان له جرأتي وجودي.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138