أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة

أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة12%

أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 480

أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة
  • البداية
  • السابق
  • 480 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75429 / تحميل: 9279
الحجم الحجم الحجم
أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة

أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

حول الكعبة، فقال: (هكذا كانوا يطوفون في الجاهليّة، إنما أُمروا أن يطوفوا بها ثم ينفروا إلينا، فيعلمونا ولايتهم ومودّتهم ويعرضوا علينا نصرتهم)، ثم قرأ هذه الآية ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم ) (1) .

وهذا برهان تاريخي وأدياني يؤكّد ضرورة الواسطة في صحّة العبادة وقبولها.

والواسطة هي الطاعة لوليّ اللَّه تعالى، بكلّ ما للطاعة من معنى وتداعيات ومعطيات ومقتضيات تقتضيها تلك الطاعة وعلى جميع مستوياتها، فكما أن بدء التوحيد متوقّف على الشهادتين كذلك بقاؤه في كلّ الأبواب الاعتقادية والعبادية متوقّف على بقاء الشهادتين إلى آخر المطاف.

____________________

(1) السيد هاشم البحراني، تفسير البرهان، ج4، ص337.

٤١

٤٢

الأدلّة التحليلية

نرمي في استعراض هذه الأدلّة تحليل بعض المفاهيم الدينية والاعتقادية، ويكون ذلك بدوره دالّاً على مشروعية التوسّل وضرورته.

1 - مفهوم العبادة:

(مفهوم العبادة ينفي الوسائط المقترحة)

يمكننا عن طريق تحديد المفهوم الاصطلاحي للعبادة وبيان العبادة الخالصة للَّه تعالى والعبادة غير الخالصة استكشاف مشروعية نظرية الوسائط، وأن المستنكَر منها هي الوسائط المقترحة فحسب؛ وذلك بالبيان التالي:

ذُكر للعبادة في اللغة معانٍ متعدّدة، أهمّها: أنها بمعنى الطاعة والخضوع.

والقرآن الكريم أيضاً استعمل مفهوم العبادة في عدّة معان، منها ما يلي:

1 - مملوكية المنفعة.

كقوله تعالى: ( عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْ‏ءٍ ) (1) .

____________________

(1) النحل: 75.

٤٣

وقوله تعالى: ( وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ) (1) .

2 - سيادة الطاعة؛ وإن لم تكن أصالة للمطاع.

كقوله تعالى: ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (2) .

3 - الطاعة والخضوع والانقياد للمعبود على وجه التعظيم والتقديس، وأنه الغني بالذات ومصدر جميع الخيرات والنعم والكمالات مبدءاً وأصالة.

كقوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ ) (3) .

وقوله تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (4) .

وكقوله تعالى لموسى عليه‌السلام : ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي ) (5) .

وقوله تعالى: ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (6) .

إلى غير ذلك من الآيات القرآنية المباركة، الدالّة على إرادة الانقياد إلى المعبود على وجه التعظيم، وأنه الغني بالذات من مفهوم ومعنى العبادة.

____________________

(1)البقرة: 221

(2). يس: 60.

(3) الرعد: 36.

(4)الذاريات: 56.

(5) طه: 14.

(6)هود: 123.

٤٤

وهذا هو المعنى الاصطلاحي لمفهوم العبادة.

وإذا كان هذا هو المعنى الاصطلاحي للعبادة، فكيف كان توجّه المشركين إلى الوسائط شركاً مع أنهم لا يتوجّهون إليها بما هي مصدر الخيرات أصالة، بل بما هي شفيعة ووسيطة؟ وكيف تتحقّق العبادة لغير اللَّه تعالى؟ وكيف تتحقّق العبادة للَّه عزّ وجل؟

والجواب هو ما تقدم؛ من أن الإنكار ليس إنكاراً للوسيلة بما هي وسيلة، بل بما هي مقترحة ومخترعة من قبل العبيد. وأمَّا إذا كانت الواسطة بجعل من اللَّه تعالى وإرادته وتحكيماً لسلطانه، فلا محالة يكون التوسّل والخضوع لتلك الوسيلة طاعة للباري تعالى؛ لأنه يكون انقياداً له تعالى على وجه الرغبة والخضوع وأنه مصدر الخيرات مبدءاً وأصالة. فأي فعل يكون منطلقه من أمر اللَّه عزّ وجلّ لا يكون شركاً وإن كان ذلك الفعل بالتوجّه والتوسّل بالوسائط، ومن ثمّ يكون سجود الملائكة لآدم - كما سيأتي - عبادة للَّه لا لآدم؛ لأنه خضوع للَّه تعالى وامتثالاً لأمره بما أنه مصدر الخيرات.

إذن المدار في تحقّق العبادة وعدمه ليس على ارتباط الطقوس العبادية بغير اللَّه وعدم الارتباط بغيره، بل المدار في العبادة الخالصة وقوام التوحيد في العبادة على وجود الأمر الإلهي والإرادة الإلهية، وقوام الشرك في العبادة ليس على تعلّق الفعل العبادي بغير اللَّه، بل الشرك في العبادة يتقوّم بعدم وجود الأمر والإرادة الإلهية، وإنما باقتراح من العبد نفسه.

ومن ثمّ لا يكون التوجّه بالكعبة إلى اللَّه عزّ وجلّ في الصلاة شركاً، بل هو شعار التوحيد.

٤٥

فنحن في صلاتنا نتوجّه إلى الكعبة الشريفة - مع أنها حجر - ومع ذلك تكون عبادة للَّه تعالى، وفي صلاة الطواف نتوجّه إلى مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وكذا في الطواف نتوجّه إلى الكعبة ونتبرّك بالحجر الأسود ونتمسّح به مع أن ذلك كلّه لم يجعل من الكعبة صنماً ولا من الحجر الأسود وثناً يُعبد من دون اللَّه؛ كلّ ذلك لوجود الأمر الإلهي بالصلاة والطواف حول الكعبة والتمسّح بالحجر الأسود، فيكون الامتثال تحكيماً لسلطان اللَّه تعالى على إرادة العبيد، وذلك بخلاف أصنام الوثنيين، وهذا ممّا اتفق عليه علماء الأصول؛ حيث قرّروا أن العبادة لا تتحقّق إلّا بقصد امتثال الأمر وكون العبد ماثلاً طيّعاً أمام مولاه.

فإن وُجد الأمر تحقّق التوحيد في العبادة ولو مع الواسطة، وإن فقد الأمر كان الإتيان بالفعل شركاً ولو مع نفي الواسطة.

2 - القول بالتجسيم من أسباب جحود التوسّل:

إنّ إنكار التوسّل ورفض الوسائط ناتج إمَّا من القول بالتجسيم أو القول بالنبوءة والتنبُّؤ.

وأمَّا مَن لا يدّعي النبوءة لنفسه وينكر الجسمية في الباري عزّ وجلّ، فلا محالة له من قبول الوسائط والوسائل في كلّ العوالم والنشئآت.

وقبل البرهنة على هذا المدعى لابدّ من بيان بعض الأمور:

الأول: ليس المقصود من دعوانا (إن إنكار التوسّل ناتج من التجسيم أو دعوى النبوءة) هو أن يكون القائل بذلك قد قال بأحدهما عنواناً

وقولاً؛ بل قد يكون في

٤٦

واقعه متبنّياً لحقيقة التنبُّؤ أو التجسيم من دون أن يُسمّيه تنبؤاً أو تجسيماً؛ وذلك لأنهما لا يدوران مدار العنوان والشعار، فالحقائق أو الأمور العدمية الباطلة تدور مدار واقعها، سواء واقعها العدمي في الأمور الباطلة أو واقعها الوجودي في الأمور الوجودية، فمَن ينفي الوسائط فهو لا محالة إما يبني على التجسيم أو يدّعي التنبُّؤ كما سيتّضح، وهذا نظير ما ذكره الفقهاء في بحوث المعاملات؛ من أن الشخص ربّما يقصد ماهية معاملية معيّنة ويسمّيها باسم تلك الماهية المقصودة، ولكنها في واقعها قرض ربويّ أو بالعكس.

الثاني: أن هناك دعاءاً يؤكّد مضمون ما نريد الخوض فيه، وهو من الأدعية المأثورة لتعجيل الفرج، وهو: (اللّهمّ عرّفني نفسك، فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف رسولك، اللّهمّ عرّفني رسولك، فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللّهمّ عرّفني حجّتك، فإنك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني) (1) .

ومفاد هذا الدعاء هو أن منظومة المعارف إنما تصحّ وتكون صائبة مع صوابية وحقّانية معرفة الإنسان بربّه، وأن الخلل الناشئ في معرفة الأنبياء والرسل منبعه الخلل في معرفة اللَّه تعالى الصحيحة والتامة، كما أن الخلل في معرفة الحجج والأوصياء والأئمّة منشأه الخلل في معرفة الرسول، وبالتالي يكون ناشئاً من الخلل والنقصان في المعرفة المتعلّقة باللَّه تعالى، كما تشير إلى هذه الحقيقة مجموعة من الآيات القرآنية، منها:

قوله تعالى: ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ

____________________

(1) الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص342.

٤٧

شَيْ‏ءٍ ) (1) ، فإنكار الرسل وعدم الإيمان بهم ناشئ من جهلهم بقدر الباري وقدرته وعظيم حكمته وتدبيره، ومِن خلل المعرفة في أفعال اللَّه عزَّ وجل.

ومن ثَمّ هذا يؤكّد أن الذي ينفي الوسائط والوسائل والرسل والحجج، منشأ نفيه نقصان معرفته باللَّه تعالى؛ إمَّا بالقول بالتجسيم أو القول بالتنبؤ.

والغريب من أصحاب هذه المقالة قولهم بأن التجسيم باطل في النشأة الدنيوية فقط. وأمَّا في الآخرة، فنلاقيه - والعياذ باللَّه - بصورة شابّ أمرد؛ ويستدلّون على ذلك بقوله تعالى: ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) (2) ، وبقوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (3) ، وبقوله تعالى: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (4) ، فيصوّرون الفوقية على العرش فوقية مكانية، لا فوقية قدرة وهيمنة.

فهم يفترضون أن اللَّه عزّ وجل في الآخرة جسم، وهذا نتاج ضعفهم وقصورهم في المسائل العقلية والاعتقادية؛ إذ لم يلتفتوا إلى أن قولهم هذا يلزم منه كون اللَّه تعالى مادّياً، وكلّ أمر مادّي قابل للانقسام، فله أجزاء متولّدة من جسمه، وهو منافٍ لِمَا نصّت عليه سورة التوحيد التي نفت التولّد والانقسام والتجسيم والمادّية.

ثُم إن الجسم محدود، وهو تعالى خالق الجسم ومهيمن عليه لا يحدّه حدّ.

وأهل البيت عليهم‌السلام يثبتون الرؤية القلبية للَّه عزّ وجلّ، وهو ما أكَّدته الآيات

____________________

(1) الأنعام: 91.

(2) القلم: 42.

(3) القيامة 75: 23 - 22.

(4) طه: 5.

٤٨

القرآنية كقوله تعالى: ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) (1) ، وهم عليهم‌السلام ينفون الرؤية البصرية التي يشترط فيها المحاذاة والمقابلة

الجسمانية، واللَّه عزّ وجلّ منزّه عن الجسم والجسمية في جميع النشآت.

لقاء اللَّه يوم الحساب بآياته وحججه:

وحيث إن حشر الخلائق بأجسامهم، فإن ملاقاة العباد لربّهم تكون بالوسائط والوسائل والآيات، وإلّا للزم أن تكون المقابلة والملاقاة

جسمية؛ أي أن الباري - والعياذ باللَّه - يلاقي أجسام الخلائق بجسمه، وهو باطل بالضرورة.

فإياب الخلائق وحسابهم لابدّ أن يكون عبر الوسائل والوسائط والآيات، وإلّا فإن اللَّه عزّ وجلّ معنا أينما كنّا. وذلك ديدن قرآني في الإسناد، كإسناد الإماتة إلى اللَّه عزّ وجلّ وإلى ملك الموت وإلى الرسل التي يديرها ملك الموت، فإياب الخلق وحسابهم على اللَّه عزّ وجل، ولكن عبر آياته ووسائطه، قال تعالى: ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) (2) ، وقال تعالى: ( وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (3) .

فإذا ثبت أن اللَّه عزّ وجلّ ليس بجسم، ونحن أجسام في شطر من ذواتنا وشطر من إدراكاتنا التي تتحقق عبر الارتباط بالأجسام، سواء في الدنيا أو البرزخ أو الآخرة، فلا يمكن الارتباط مباشرة بربّ العزّة والجلال، وحيث إن الارتباط باللَّه عزّ وجلّ في الدنيا أو البرزخ أو في الآخرة ليس منقطعاً تماماً؛ لأن

____________________

(1) النجم: 11.

(2) الأنفال: 17.

(3) التوبة: 74.

٤٩

معناه التعطيل في قدرة الباري تعالى، وحيث ثبت بطلان التعطيل، وأنه لا تعطيل لمعرفة ذاته تعالى ولا لصفاته ولا لأفعاله ولا لعبادته ولا للقائه عزّ وجل، فلابدّ من القول إما بالوسائط أو النبوءة.

والمجسّمة قالوا بالتجسيم لأنهم أنكروا الوسائط وخافوا من الوقوع في التعطيل أو دعوى النبوءة، فلا محيص لهم عن القول بالتجسيم.

هذا كلّه على المستوى التحليلي لِمَا ادّعيناه أولاً.

وأمَّا الدليل القرآني على ذلك، فهو قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (1) .

فقوله تعالى: ( لِبَشَرٍ ) للإشارة إلى الجسم والخصوصيات الجسمانية.

وقوله تعالى: ( إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) بمثابة البرهان والاستدلال على مضمون الآية المباركة.

وقوله تعالى: ( مَا كَانَ ) لنفي الشأنية والإمكان، لا لبيان عدم الوقوع فقط، وإلّا لكان حقّ التعبير أن يقال: إن اللَّه لا يكلّم أحداً إلّا بالطرق الثلاثة المذكورة في الآية.

ومعنى الآية الكريمة أنه لا توجد أي مجابهة جسمانية بين اللَّه عزّ وجلّ وبين البشر، المحكومين بأحكام المادّة والجسمية، فتكليمه عزّ وجلّ للبشر إمَّا وحياً؛ أي عن طريق جانب الروح في البشر، أو من وراء حجاب؛ أي عن طريق خلق الصوت وإيجاده في الأمور المادّية، كما في تكليم اللَّه عزّ وجلّ

____________________

(1) الشورى: 51.

٥٠

لموسى عليه‌السلام ، أو يرسل رسولاً؛ أي إرسال الملائكة أو الأنبياء والحجج، بل وكذا التكلّم مع الملائكة، فإنه يكون عن طريق الوحي كما في قوله تعالى: ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ) (1) .

إذن لا وجه للمواجهة الجسمانية مطلقاً؛ سواء في الدنيا أو البرزخ أو في الآخرة.

ثم قال تعالى: ( إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) أي متعال أن يكون جسماً محاطاً ومحدوداً، فإن العلو يستلزم نفي الجسمية، وهو عزّ وجلّ حكيم، أي غير معطّل، فمن حكمته أن يرسل رسلاً ويقيم أئمة ويوسّط وسائط، فلا تجسيم ولا تعطيل.

وهذه الآية ليست دلالتها مقصورة على دار الدنيا فقط، بل هي بلحاظ كلّ النشآت الوجودية والتكونيية، فهو تعالى عليّ متعال على الجسمية ومقابلة الأجسام، وحكيم غير معطّل بينه وبين خلقه عن طريق الوسائط والرسل، فهو عزّ وجلّ يُعرِّف برسله وأدلّته وحُججه.

وبعضهم حيث أنكر التجسيم وفرّ من مغبّة التعطيل ورفض الوسائط - بدعوى أنها صنمية منافية لروح التحرّر - وقع في القول بالتنبؤ، ولجأ إلى الإيمان بقدسية العقل وسعة مدياته وحدوده، وأنه يصيب كلّ صغيرة وكبيرة كما هي مقالة بعض المتعلمنين من الإسلاميين.

وحيث إن التنبؤ والإيحاء إلى الجميع باطل بنصّ القرآن الكريم، وثبت أن التشبيه والتجسيم وكذا التعطيل باطل، فلابدّ من الإيمان بالوسائط والوسائل، ويكون إنكار وليّ اللَّه وحجته تجسيماً أو تعطيلاً أو استكباراً وإكباراً للنفس وصنميّة للعقل، وهي النبوءة المرفوضة في الكتاب والسنّة.

____________________

(1) الأنفال: 12.

٥١

إذن الوسيلة والواسطة أمر برهاني وضروري في كلّ النشئآت، ولذا ورد في الروايات أن الذي بُعث في عالم الذرّ بين اللَّه تعالى وبين باقي الأنبياء هو النبيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله . وهذا هو ما قلناه من أن الشهادة الأولى كما أنها مطلوبة في جميع النشئآت، كذلك الشهادة الثانية وأن محمّداً رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله باقية في كلّ النشئآت أبديّة وأزلية، فوصف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ليس خاصاً بالدنيا فقط، وإنما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رسول في إنزال القرآن، وآياته غير مختصّة بالدنيا، بل تحكي كلّ النشئآت وعالم الربوبية والصفات وعالم الذات، بما لم يُنبّئ به نبيّ من الأنبياء، وهذا معنى واسطته صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ العوالم والنشئآت.

والحاصل: إن لم يكن في البين تشبيه ولا تعطيل، فلابدّ من النبوءة أو قبول الوسائط والحجج، وحيث إن التنبؤ للكلّ باطل؛ فلابدّ من الإيمان والإقرار بالوسائط بين اللَّه تعالى وبين مخلوقاته في كلّ العوالم، فاللَّه عزّ وجلّ لا يُتوجّه إليه باتجاه جسماني، بل يُتوجّه إليه بالمعاني والآيات والحجج.

ومن ذلك كلّه يعلم عظم مكانة الآية والحجّة الإلهية، وأن إنكارها في الحقيقة بمنزلة إنكار الباري عزّ وجل كما ورد ذلك في قوله تعالى: ( فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) (1) ، فإنكار خلافة خليفة اللَّه في الأرض ليس ينصبّ على الوسيلة بما هي هي، بل يرجع إلى الكفر باللَّه تعالى ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) (2) ؛ وذلك لأن

____________________

(1) الأنعام: 33.

(2) الأنعام: 91.

٥٢

الذات المقدّسة إذا لم يكن بينها وبين المخلوقات أي ارتباط، فإن معناه التعطيل، وهو بمنزلة الإنكار للَّه عزّ وجل؛ لأنه إنكار لقدرة تعالى وتدبيره. فعظمة الوسائط والحجج والآيات بعظمة ذي الآية التي أضيفت إليه، ويكون الاستخفاف بها استخفافاً باللَّه عزّ وجل، فلابدّ من تعظيمها وإجلالها.

ووظيفة الخليفة هي الواسطة والوساطة في تدبير شؤون العباد، وهذا النظر والاعتقاد الحقّ ممَّا امتاز به مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو أن العوالم بجميع نشئآتها لا تخلو عن حجّة وخليفة وواسطة.

والنقطة الأخرى التي ينبغي الإشارة إليها في المقام، هي أن التوسّل والشفاعة والتوسّط والوسيلة تحمل في داخلها عدم المحورية الذاتية للشفيع والوسيط، أي ليس للوسيط والشفيع والوسيلة؛ أي استقلالية عن اللَّه عزّ وجل، وذلك لأن الواسطة معناه أن النظرة إليها آلية وحرفية، ليس لها من ذاتها إلّا الفقر والحاجة إلى سلطان اللَّه وإرادته؛ ولذا نجد أن الوسائط التي اتخذت من دون اللَّه عزّ وجلّ أخفقت في وساطتها ووجاهتها وكانت شركاً باللَّه عزّ وجل، لأنها استقلّت عن سلطانه وإرادته وإذنه.

والغريب في هذا المجال هو أن أصحاب هذه المقالة والجاحدين للتوسل آمنوا بأن الشفاعة والتشفّع بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الآخرة ليس شركاً، وكذا التشفّع بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حال حياته. وأمَّا التشفّع به صلى‌الله‌عليه‌وآله حال موته، فزعموا أنه من الشرك الأكبر.

ويرد عليهم السؤال التالي: إن دائرة الشرك من أين نتجت؟ هل مِن حدّ معنى الشفاعة والواسطة، أو من حدّها التعبّدي، أو من خلال المعنى العقلي؟

٥٣

فإذا كان المعنى عقلياً، فالغيرية إذاً أوجبت الشرك، فإنها توجبه في كلّ نشأة، سواء نشأة الدنيا أو الآخرة، وإذا لم توجب الغيرية الشرك لجهة الوساطة، فما هو الفرق بين أنواع التشفّع في الدنيا والآخرة، أو حال الموت وحال الحياة؟!

لا سيما وأن الشرك الأكبر (1) معنىً عقلي يدركه العقل، ونفيه وإثباته في متناول الأحكام العقلية، وهي لا تقبل التخصيص والاستثناء، لا سيما وأنها من الأحكام التي تقرُب من البداهة.

وبعبارة أخرى: إن الوسيلة والوساطة تعني تقوّم الواسطة والوسيلة باللَّه، وكونها مظهر فعله وظهوره، وهذا عين التوحيد في الأفعال والصفات، فكيف يُجحد تحت قناع أنه الشرك الأكبر، وتسمية ذلك الجحود بأنه توحيد؟! فإن ذلك من التلبيس لأحد العنوانين مكان الآخر، خصوصاً وأنه قد مرّ أن إنكار الوسيلة والتوسّل يؤول إلى إنكار الشهادة الثانية؛ لأنه يؤول إلى إنكار ركنية ودخالة رسالة ومقام خاتم الأنبياء في التوحيد.

____________________

(1) المقصود من الشرك الأكبر أو الشرك الصريح هو الذي يوجب ردّة عن الدين. أمَّا الشرك الأصغر أو الشرك الخفي غير الصريح، فهو الذي لا يوجب ردّة، وهو قلّما ينجو منه أحد إلّا المخلَصين. والشرك الصريح إنما يوجب الردّة؛ لأنه منافٍ لمقررات الدين الإسلامي وثوابته وأولياته والإذعان والإقرار بما هو مناف صراحة لأوليات الدين الإسلامي، وهذا نوع إنشاء فسخ وخروج عن عهود ومواثيق الشهادتين؛ وذلك لأن التشهُّد بالشهادتين لحصول الإسلام أو بالشهادة الثالثة لحصول الإيمان - كما هو عند الإمامية - يلزم منه الالتزام بعدّة عهود ومواثيق، فلو أنشأ الشهادات الثلاث والتزم بما هو منافٍ لها صريحاً، فإنه يخرج عن العهد والميثاق الذي التزم به. وأمَّا عدم إيجاب الشرك الأصغر ردّة في الدين؛ فلأن المتكلم والمدّعي لأمر لا يعي تناقض ذلك الأمر مع الشهادتين، ولا يكون ظاهراً عرفاً في الفسخ للعهود والمواثيق.

٥٤

الفصل الثاني:

الأدلّة القرآنية

٥٥

1 - حقيقة التوسّل في أربع طوائف قرآنية

2 - قصة آدم مع إبليس

3 - الآيات البيّنات في المسجد الحرام

4 - التوجه إلى القبلة طاعة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

5 - المودة لذرية إبراهيم عليه‌السلام من شرائط الحجّ وغاياته

6 - الولاية من شرائط المغفرة

7 - الوفود على ولي اللَّه من شرائط الحجّ

8 - الأنبياء مصدر البركة

9 - البقعة المباركة

10 - وجوب تعظيم الأنوار الإلهية

11 - بناء المساجد على قبور الأولياء

12 - حبط الأعمال وقبولها

13 - آيات القسَم بشخص النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله

14 - الآيات الآمرة بالتوسل بالنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله

15 - آيات التوسّل بمخلوقات كريمة أُضيفت إلى الأنبياء والأولياء عليهم‌السلام

خاتمة في:

أ - الروايات الواردة في مشروعية التوسّل.

ب - آراء أعلام السنّة في التوسّل.

٥٦

الأدلة القرآنية

1 - (حقيقية التوسّل في أربع طوائف قرآنية):

إنّ الآيات القرآنية المباركة الدالّة على أنّ الإنكار على المشركين مُنصبّ على الوسائط المقترحة دون الوسائط الإلهيّة على طوائف متعدّدة:

الطائفة الأولى: وهي ما كانت بلسان استنكار الأسماء المقترحة من قبل العبيد ومن سلطانهم وهوى أنفسهم.

1 - قوله تعالى: ( أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) (1) .

وهذا الكلام يسجّله اللَّه عزّ وجلّ في قرآنه الكريم على لسان نبيّه هود عليه‌السلام ، حيث يحاجج عاداً قومه وينكر عليهم الوسائط المقترحة من عند أنفسهم والتي لم ينزل اللَّه عزّ وجلّ بها سلطاناً.

وقد تقرّر في علم أصول الفقه أن النهي أو النفي إذا ورد على طبيعة مقيّدة بقيد، فإنما يقع ذلك النفي أو النهي على القيد، لا على ذات

المقيَّد، كقولك: لا رجل طويل في الدار، فإنّ النفي في هذا المثال متوجّه إلى القيد وهو الطول،

____________________

(1) الأعراف:71.

٥٧

وليس المراد نفي أصل وجود الرجل في الدار، وبالنتيجة يكون المنفي الصنف والقيد، وهو الرجل الطويل، لا ذات الطبيعة المقيّدة، وهو عموم الرجل.

كذلك في المقام، فالآية في قوله تعالى: ( مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) تنفي صنفاً خاصّاً من الوسائط والوسائل، وهي الوسائط التي لم ينزّل بها اللَّه تعالى سلطاناً، والأسماء المقترحة والمجعولة من قبل أنفسهم وآبائهم.

فمصبّ الإنكار والتقريع والتخطئة هو كون تلك الأسماء والوسائط مقترحة من غير إذنٍ وسلطان إلهي. ولم تنفِ الآية المباركة أصل وجود الوسائط والوسائل، وإلّا فلو كان أصل الوساطة والتوسيط أمراً مستنكراً، فلا معنى لذكر القيد، بل يكون ذكره لغواً ومخلّاً بالغرض والمراد، مع أن الآية ركّزت على ذكر القيد، وأكّدت على أنّ الأسماء المستنكرة هي التي ( مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) ، لا مطلق طبيعة الأسماء والوسائط. فليس الإشكال في أصل الاسم والوساطة، بل الإشكال في كونها مقترحة منهم ومسندة إليهم، من دون أن يُسمّها اللَّه عزّ وجلّ أو يجعلها واسطة بينه وبين خلقه.

وفي الآية المباركة إشارة لطيفة؛ حيث لم يطلق فيها الاسم على ذات الباري عزّ وجلّ، بل أطلق على ذات الواسطة بينه تعالى وبين عبيده، أي واسطة في النداء ووسيلة في التوجّه، فالاسم الذي يُدعى به هو الوسيلة أو الواسطة التي يُتوسّل بها إليه.

2 - قوله تعالى: ( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ

٥٨

سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ) (1) .

وتقريب الاستدلال بهذه الآية الكريمة بنفس ما تقدّم في الآية السابقة؛ حيث إنها تجعل مركز التخطئة والاستنكار هو التصرّف الاقتراحي من العبيد في سلطان اللَّه تعالى، وليست التخطئة لأصل مقالة الحاجة والضرورة إلى الوسائط.

الطائفة الثانية: وهي ما كانت بلسان حصول الشرك بغير اللَّه عزّ وجلّ بسبب الوسائط التي لم تكن بسلطان اللَّه وحكمه وإرادته.

1 - قوله تعالى: ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ) (2) .

2 - قوله تعالى: ( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ) (3) .

3 - قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِْثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) (4) .

فسبب الشرك الذي وقعوا فيه هو تحكيم سلطانهم ورغبتهم وهواهم وإرادتهم على إرادة اللَّه تعالى وسلطانه، لا أن أصل الوساطة هو المرفوض في منطق القرآن الكريم.

الطائفة الثالثة: وهي ما كانت بلسان العبادة من دون اللَّه تعالى، وأن التوسّل

____________________

(1) النجم: 23.

(2) آل عمران: 151.

(3) الأنعام: 81.

(4) الأعراف: 33.

٥٩

بالوسائط والشفعاء بغير سلطان وإذن من اللَّه عزّ وجلّ يوجب عبادة مَنْ هو دونه، وهي الوسائط المقترحة.

1 - قوله تعالى: ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ) (1) .

2 - قوله تعالى: ( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) (2) .

لا يقال: إذا كانت العبادة المرفوضة هي عبادة المعبود الذي لم ينزّل اللَّه به سلطاناً، فهل هذا يعني أن العبادة لغير اللَّه تعالى تكون جائزة فيما إذا نزّل به اللَّه عزّ وجلّ سلطاناً؟!

لأننا نقول: العبادة لغير اللَّه تعالى ممنوعة مطلقاً، والباري تبارك وتعالى لا يأمر بعبادة غيره، ومضمون هذه الطائفة من الآيات عين المضمون الذي تقدّم في الطوائف السابقة من الآيات؛ وهو أن العبادة من دون اللَّه تعالى تتحقّق فيما إذا كانت الوسيلة بإرادة العبيد واقتراحهم. وأما إذا لم تكن كذلك، فلا تكون عبادة من دون اللَّه، بل هي عبادة للَّه عزّ وجل كما جاء ذلك في سجود الملائكة لآدم؛ فهو سجود وطاعة للَّه تعالى وامتثالٌ لأمره، لا أن السجود لآدم بنحو الاستقلال لكي يكون عبادة وخضوعاً له من دون اللَّه عزّ وجل.

فهذه الطائفة من الآيات تبيّن أن العبادة من دون اللَّه تعالى إنما تتحقّق فيما إذا كان التوجّه إلى الوسائط المقترحة من قبل العبيد، من دون أن ينزّل بها اللَّه

____________________

(1) الحج: 71.

(2) يوسف: 40.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

خلفاءه الاثني عشر هم من أهل بيته الطاهرين، وبذا يتّضح الحال ويتبيّن المقصود، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله.

* الحديث الثالث: حديث السفينة:

و هو قول النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): ( مَثَلُ أهل بيتي مثل سفينة نوح مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غَرِق ).

و هذا الحديث رواه عدّة من الصحابة منهم:

- علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).

- أبو ذر الغفاري.

- أبو سعيد الخدري.

- ابن عبّاس.

- عبد الله بن الزبير.

- وأنس بن مالك.

واستفاضت طرق نقل الحديث إليهم، ووقفنا على ستّة طرق مختلفة في طبقاتها وعدّة طرق أخرى تتداخل في بعض طبقاتها (١) . وهذه الطرق بضمّ بعضها إلى بعض ترفع الحديث إلى درجة الصحّة ومِن دون حاجة إلى ملاحظة لآحاد رواة أسانيده؛ ولذا قال الحافظ السخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغرف ) بعد أنْ ذكر طرقاً عديدة للحديث: وبعض هذه الطرق يقوِّي بعضاً (٢) .

- وقال ابن حجر الهيتمي في ( صواعقه ): ( وجاء من طرق كثيرة يقوّي بعضها

____________________

(١) انظر الحديث في: ( فضائل الصحابة ) لأحمد بن حنبل: ٢ / ٧٨٥، مؤسّسة الرسالة و ( المصنف ) لابن أبي شيبة: ٧ / ٥٠٣، دار الفكر. و ( المعجم الكبير ) للطبراني: ٣ / ٤٤ - ٤٥، دار إحياء التراث، و ( المعجم الأوسط ): (٤/١٠) و (٥ / ٣٠٦ - ٣٥٥) و (٦/٨٥)، دار الحرمين. و ( المعجم الصغير ): (١/١٩٣) و(٢/٢٢)، دار الكتب العلميّة. و ( المستدرك ) للحاكم: (٢/٣٤٣) و (٣/١٥١)، دار المعرفة، وتاريخ بغداد: ١٢ / ٩١، دار الكتب العلميّة. و ( الحلية ) لأبي نعيم: ٤ / ٣٠٦، دار الكتاب العربي، و ( تاريخ الخلفاء ) للسيوطي: ٢٠٩، دار الكتاب العربي. و ( مجمع الزوائد ) للهيثمي: ٩ / ١٦٨، دار الكتب العلميّة.

(٢) استجلاب ارتقاء الغرف بحبّ أقرباء الرسول وذوي الشرف: ٢ / ٤٨٤، دار البشائر.

٨١

بعضاً: ( مَثَلُ أهل بيتي )، وفي رواية: ( إنّما مثل أهل بيتي )، وفي أخرى: ( إنّ مَثَل أهل بيتي )، وفي رواية: ( أَلاَ إنّ مَثَل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غَرِق )، وفي رواية: ( مَن ركبها سلم، ومَن تركها غَرِق، وأنّ مَثَل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل، مَن دخله غُفِرَ له. .. ) (١) .

- وعَقَدَ السمهودي في ( جواهر العقدين ) باباً أسماه: ( ذكر أنّهم أمان الأمّة، وأنّهم كسفينة نوح عليه الصلاة والسلام، مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق ) (٢) . وذكر طرقاً عديدة للحديث، ثمّ قال: ( وهذه الطرق يُقوّي بعضها بعضاً ) (٣) .

فالحديث صحيح ولا غبار عليه، وقد صحّحه الحاكم في ( المستدرك )، كما تتبّع السيّد الميلاني - وهو من علماء الشيعة الإماميّة - أكثر من طريق للحديث، وأثبت صحّتها على مباني أهل السنّة (٤) .

ودلالة الحديث على وجوب التمسّك بأهل البيت، وضلالة وهلاك المتخلّف عنهم أوضح مِن أنْ تُبيَّن، فالحديث يدلّ على إمامة أهل البيت كما يدلّ على عصمتهم من الزلل، وإلاّ لو كانوا يُخطئون لَمَا قال الرسول بأنّ مَن رَكِبَ في سفينتهم نجا، فنجاة مَن يركب سفينة أهل البيت، تدلّ على أنّ المشار إليهم لا يفارقون الشريعة المقدّسة في كلّ حركاتهم وسكناتهم، فهذا

____________________

(١) الصواعق المحرقة: ٣٥٢، دار الكتب العلميّة.

(٢) جواهر العقدَين: ٢٥٩، دار الكتب العلميّة.

(٣) المصدر نفسه: ٢٦١.

(٤) انظر: ( دراسات في منهاج السنّة لمعرفة ابن تيمية ): ٢٩٩ - ٣٠٣.

٨٢

الحديث يصبّ في مجرى واحد مع حديث الثقلين وحديث الاثني عشر خليفة المتقدِّمين، وله نفس الدلالات المتقدّمة هناك، فتأمّل واغتنم.

وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) داخل فيمَن يجب ركوب سفينتهم؛ لأنّه سيّد العترة بلا خلاف.

* الحديث الرابع: قول النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): ( النجوم أمانٌ لأهل السماء وأهل بيتي أمانٌ لأمتي ).

رُوي هذا الحديث بألفاظ متقاربة مع بعض الزيادات المتفاوتة عن جمع من الصحابة منهم:

- علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).

- وابن عبّاس.

- وسلمة بن الأكوع.

- وجابر بن عبد الله الأنصاري، وغيرهم.

وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في ( فضائل الصحابة ) (١) والطبراني في ( المعجم الكبير ) (٢) والحاكم في ( المستدرك ) في مواضع ثلاثة (٣) . والروياني في ( مسنده ) (٤)، وعزاه السخاوي أيضاً إلى مسدّد، وابن أبي شيبة، وأبي يعلى في مسانيدهم (٥) .

والحديث مضافاً إلى اعتباره عند جمع من علمائهم، فإنّ له طرقاً عديدة يقوّي بعضها بعضاً.

____________________

(١) فضائل الصحابة: ٢ / ٦٧١، مؤسّسة الرسالة.

(٢) المعجم الكبير: ٧ / ٢٢، دار إحياء التراث.

(٣) المستدرك على الصحيحين: (٢ / ٤٤٨) و (٣ / ١٤٩) و (٣ / ٤٥٧)، دار المعرفة.

(٤) مسند الروياني: ٢ / ٢٥٨، مؤسّسة قرطبة.

(٥) انظر: ( استجلاب ارتقاء الغرف ) للسخاوي: ٢ / ٤٧٧، دار البشائر الإسلاميّة.

٨٣

وممّن صرّح باعتباره:

- الحاكم في ( المستدرك )، حيث قال بصحّته (١) .

- وكذا ابن حجر الهيتمي في ( صواعقه ) (٢) .

- وحسّنه السيوطي في الجامع الصغير.

- وأشار المنّاوي إلى كثرة طرقه في ( فيض القدير ) (٣) .

وعقد السخاوي في كتابه ( استجلاب ارتقاء الغرف ) باباً أسماه: ( باب الأمان ببقائهم والنجاة في اقتفائهم ) (٤)، وذكر فيه نحواً من طرق الحديث المتقدّم، ممّا يدلّ على اعتباره عنده وثبوته لديه، وكذا السمهودي في ( جواهر العقدين ) عقد باباً أسماه: ( ذِكْر أنّهم أمان الأمّة، وأنّهم كسفينة نوح عليه الصلاة والسلام، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق ) (٥) ، وذكر فيه جملة من الأحاديث الدالّة على ذلك؛ ممّا يدل على اعتبار ذلك عنده أيضاً، خصوصاً أنّه جزم فيما تقدّم بأنّهم أمان لأهل الأرض عند تعليقه على حديث الثقلين، حيث قال: ( إنّ ذلك يفهم وجود مَن يكون أهلاً للتمسّك من أهل البيت والعترة الطاهرة في كلّ زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة، حتّى يتوجّه الحثّ المذكور إلى التمسّك به، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا - كما سيأتي - أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض ) (٦) .

____________________

(١) المستدرك على الصحيحَين: (٢ / ٤٨٨) و(٣ / ١٤٩)، دار المعرفة.

(٢) الصواعق المحرقة: ٣٥١، دار الكتب العلميّة.

(٣) فيض القدير شرح الجامع الصغير: ٦ / ٣٨٦، دار الكتب العلميّة.

(٤) استجلاب ارتقاء الغرف: ٢ / ٤٧٧، دار البشائر.

(٥) جواهر العقدَين: ٢٥٩، دار الكتب العلميّة.

(٦) المصدر نفسه: ٢٤٤.

٨٤

فتحصّل أنّ حديث الأمان الوارد في أهل البيت حديثٌ معتبرٌ وله طرق متعدّدة:

- أمّا دلالته على وجوب التمسّك بأهل البيت فلا خلاف فيها؛ إذ لا معنى لكونهم أماناً لأهل الأرض ومع ذلك تجوز مخالفتهم والسير على غير طريقتهم. قال المنّاوي في ( فيض القدير ): عند شرحه للحديث المذكور: ( شبَّههم بنجوم السماء وهي التي يقع بها الاهتداء وهي الطوالع والغوارب والسيارات والثابتات، فكذلك بهم الاقتداء وبهم الأمان من الهلاك ) (١) .

- ومن وجوب التمسّك بهم والسير وِفق منهجهم وكونهم أماناً لأهل الأرض يتّضح أمر عصمتهم وعدم مخالفتهم للشريعة؛ إذ مع احتمال خطئهم ومخالفتهم للشريعة لا يتحقّق الأمان معهم.

- و الحديث له دلالات أخرى لا تخفى على النبيه، فهو يصبّ في مجرى واحد مع حديث السفينة وحديث الثقلين المتقدّمين.

* الحديث الخامس: قول النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لعلي وفاطمة والحسن والحسين: ( أنا حرب لِمَنْ حاربكم، وسلمٌ لمَنْ سالمكم ) .

- أخرج هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل في ( مسنده ) : من طريق أبي هريرة (٢) .

- وأخرجه ابن ماجة في ( سننه ) من طريق زيد بن أرقم بلفظ: ( أنا سلمٌ لمَن سالمتم وحرب لمَن حاربتم ) (٣) .

- وأخرجه الترمذي في ( سننه ) بلفظ: ( أنا

____________________

(١) فيض القدير شرح الجامع الصغير: ٦ / ٣٨٦، دار الكتب العلميّة.

(٢) مسند أحمد: ٢ / ٤٤٢، دار صادر.

(٣) سنن ابن ماجة: ١ / ٥٢، دار الفكر.

٨٥

حرب لِمَنْ حاربتم، وسلم لِمَنْ سالمتم ) (١) .

كما أخرج الحديث كلّ مِن:

ابن أبي شيبة في ( المصنف ) (٢) وابن حبّان في ( صحيحه ) (٣) ، والطبراني في ( الكبير ) (٤) و ( الأوسط ) (٥) و ( الصغير ) (٦)، والخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد ) (٧) ، وابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) (٨) ، وغيرهم.

وهو من الأحاديث المعتبرة عند أهل الفن، فقد أخرجه الحاكم من طريق أبي هريرة وقال: ( هذا حديث حسن... ) وذكر له شاهداً، وهو حديث زيد بن أبي أرقم المتقدّم، ووافقه الذهبي في ( التلخيص ) على ذلك؛ إذ سكت عن تحسينه للحديث، وذكر حديث زيد بن أبي أرقم بعنوان شاهد له أيضاً (٩) ، كما أخرج الحديث ابن حبّان في ( صحيحه ) كما تقدّم، ومعلوم من مقدّمة ابن حبّان في كتابه أنّه لا يخرّج إلاّ الصحيح.

و الحديث أيضاً موجود في كتاب ( مشكاة المصابيح ) (١٠) للخطيب

____________________

(١) سنن الترمذي: ٥ / ٣٦٠، ما جاء في فضل فاطمة، دار الفكر.

(٢) المصنف: ٧ / ٥١٢، دار الفكر.

(٣) صحيح ابن حبّان: ١٥ / ٤٣٤، مؤسّسة الرسالة.

(٤) المعجم الكبير: (٣ / ٤٠، الأحاديث: ٢٦١٩ - ٢٦٢٠ - ٢٦٢١) و (٥ / ١٨٤)، دار إحياء التراث.

(٥) المعجم الأوسط: (٣ / ١٧٩) و (٥ / ١٨٢) و(٧ / ١٩٧)، دار الحرمين.

(٦) المعجم الصغير: ٢ / ٣، دار الكتب العلميّة.

(٧) تاريخ بغداد: ٧ / ١٤٤، دار الكتب العلميّة.

(٨) تاريخ دمشق: (١٣ / ٢١٨ - ٢١٩) و (١٤ / ١٤٤ - ١٥٧ - ١٥٨)، دار الفكر.

(٩) انظر: ( المستدرك على الصحيحَين ) وبهامشه تلخيص الذهبي: ٣ / ١٤٩، دار المعرفة.

(١٠) مشكاة المصابيح: باب مناقب أهل بيت النبي، الفصل الثاني: ٣ / ١٧٣٥، المكتب الإسلامي.

٨٦

التبريزي تبعاً لوجوده في ( المصابيح ) للبغوي، ومعلوم أيضاً من مقدّمة البغوي في ( المصابيح ) أنّه إذا لم يشر إلى ضعف الحديث وكان موجوداً في كتب ( السنن ) فهو من الحسان عنده.

مضافاً إلى أنّ الحديث روي بطريق ثالث، أيضاً بلفظ يقرب من ذلك وليس فيه الحسنان؛ لأنّهما لم يولدا بعد، فقد أخرج الحافظ عمر بن شاهين المتوفّى سنة (٣٨٥هـ) في ( فضائل سيّدة النساء ) بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: ( لمّا دخل علي بفاطمة جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم أربعين صباحاً إلى بابها فيقول: ( أنا حرب لمَن حاربتم، وسِلْمٌ لمَنْ سالمتم ) ) (١) .

فالنبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إذن، كان يكرّر هذه العبارة على هذا البيت الطاهر قبل ولادة الحسنَين وبعد ولادتهما، فماذا يعني ذلك؟ وماذا يريد الرسول أنْ يقول للأمّة؟

لا يشكّ أحدٌ بأنّ الحديث يدلّ صراحة على عظم مقام أبناء هذا البيت وعلوّ درجاتهم؛ بحيث صار المحارِب لهم محارباً لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، ومعلوم أنّ المحارب لرسول الله إنّما هو محارب للإسلام المحمّدي ومحارب لله عزّ وجلّ.

فالرسول، إذن، جعلهم مداراً ومعياراً يُعرف من خلاله مَن حارب الإسلام ومَن يكون معه في سِلْم، بل ويعرف من خلاله مَن يسير على خطّ الإسلام وينهج نهجه؛ فإنّهم ( عليهم السلام ) الممثّلون الحقيقيّون للإسلام بعد النبي، فهم الثقل الأصغر، وعِدْل القرآن، وهم السفينة، وهم أمان هذه الأمّة، فكان طبيعيّاً ومن

____________________

(١) فضائل سيّدة النساء: ٢٩، مكتبة التربية الإسلاميّة، القاهرة.

٨٧

دون حاجة إلى تصريح من النبي، بأنّ مَن حاربهم حاربه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )؛ فإنّه ممثّل الإسلام وحامل رايته، وحرب خلفائه ورافعي رايته إنّما هي حرب له ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وحرب لرسالته المقدّسة.

لكنّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أراد أنْ يلقي الحجّة على الجميع ولا يترك فراغاً ليتسلّل منه الشكّ لمَن أراد أنْ يحرِّف الكلم عن مواضعه، ومع ذلك، ومع هذا التصريح الذي لا يقبل التأويل نرى اليوم من يقول: إنّ يزيد أمير المؤمنين رغم أنوفكم، مع أنّه أرسل جيوشه لقتال الحسين ( عليه السلام )، ولعلماء أهل السنّة فيه كلمات ذمّ صريحة، وكذا لا يفوتنا هنا أنْ ننوّه مجدداً إلى أنّ نظرية عدالة الصحابة بأجمعهم لا يمكن أنْ تصمد وتواجه التراث الصحيح المروي عن النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، فالسيّدة عائشة وطلحه والزبير قاتلوا عليّاً ( عليه السلام ).

والصحابي معاوية قاتل عليّاً في صفّين، وجيَّش الجيوش لمقاتلة الحسن.

أفليست هذه الحروب حرباً لرسول الله بنصّ الحديث المتقدّم؟ بل أَلاَ يمكن القول إنّ الرسول كان يُخبر عن الغيب وينبّه المسلمين إلى طريق الحقّ عند وقوع الفتنة.

* الحديث السادس: حديث الصلاة على أهل البيت:

لا يخفى على كلّ مسلم أنّ الله سبحانه وتعالى قَرَنَ الصلاة على نبيِّه بالصلاة على أهل بيته الطاهرين، والأحاديث النبويّة صريحة في ذلك متّفق على صحّتها بين علماء المسلمين، وأخرجها أكابر أئمّة الحديث.

فقد أخرج مسلم في ( صحيحه ) ( باب الصلاة على النبي بعد التشهّد ) بسنده إلى أبي مسعود الأنصاري: قال: ( أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،

٨٨

ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أنْ نصلّي عليك (١) يا رسول الله فكيف نصلّي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى تمنّينا أنّه لم يسأله، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قولوا: ( اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلَّيتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركتَ على آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد ) ) (٢) .

وتقدّم منّا ذكْر حديث كعب بن عجرة الذي أخرجه البخاري في ( صحيحه ) (٣) .

والحديث موجود في أمّهات الكتب بألفاظه المختلفة كـ ( مسند أحمد ) (٤) و ( المصنف ) (٥) لعبد الرزاق الصنعاني، و ( المصنف ) لابن أبي شيبة (٦) ، وغيرها الكثير الكثير، فلا داعي لذكرها مع اشتهار الحديث ووجوده في الصحيحين.

والحديث فيه مضامين عالية ودلالات عظيمة تبرز مقام أهل البيت السامي، فالآية ظاهرة في وجوب الصلاة على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقط، ( يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ، لكنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حينما علّم

____________________

(١) يعني بقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) .

(٢) صحيح مسلم: ١ / ٣٠٥، دار الفكر.

(٣) انظر: ( صحيح البخاري ): ٤ / ١١٨، دار الفكر.

(٤) مسند أحمد: ٥ / ٢٧٤ - ٣٥٣، دار صادر.

(٥) المصنف: ٢ / ٢١٢ - ٢١٣، نشر المجلس العلمي.

(٦) المصنف: ٢ / ٣٩١، دار الفكر.

٨٩

أصحابه بمراد الآية عمّم الأمر بالصلاة، ليكون شاملاً لأهل بيته ( عليهم السلام )، ومعلوم أنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يسمو في كلّ تصرفاته بعيداً عن العواطف الشخصيّة والمؤثّرات الدنيويّة، بل هو رسول الهدى لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلا وحيٌ يُوحى.

ولا يفوتني أنْ أنبّه القارئ بعد أنْ رأى الخبر الصحيح في كيفيّة الصلاة على النبي أنْ لا يُغفل ذكر الآل، وأنْ يستمع إلى أقوال العلماء وينظر في كتبهم ويرى هل يصلّون على الآل كما أمر النبي؟ (١) .

ولا شكّ بأنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) داخل فيمَن أمرنا بالصلاة عليهم؛ لأنّه سيّد العترة بلا ريب، فصلوات الله وسلامه عليه.

* الحديث السابع: قول الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وهو آخذ بيد الحسن والحسين عليهما السلام: ( مَن أحبّني وأحبّ هذَين وأباهما وأمّهما، كان معي في درجتي يوم القيامة ).

و هذا الحديث من الأحاديث المعتبرة عند أهل السنّة أيضاً، فقد حسَّنه:

- الترمذي في ( سننه ) (٢).

- وشمس الدين بن الجزري في ( أسنى المطالب ) (٣).

- وأحمد محمّد شاكر في تحقيقه على ( مسند أحمد ) (٤) .

والحديث أخرجه

____________________

(١) بل الغريب، أنّ مسلماً في ( صحيحه ) حتّى في نقله لهذه الرواية التي تُعلّم المسلمين كيفيّة الصلاة على النبي وأنّها بضم الآل إليه؛ نراه يصلّي على النبي من دون ذكر الآل!!. وما عِشْتَ أراك الدهرُ عجباً.

(٢) سنن الترمذي: ٥ / ٣٠٥، دار الفكر.

(٣) أسنى المطالب: ١٢١.

(٤) مسند أحمد: ١ / ٤١٢، دار الحديث، القاهرة.

٩٠

جمع من المحدّثين والحفّاظ، منهم:

- الترمذي في ( سننه ) (١) .

- وعبد الله بن أحمد في زوائده على ( المسند ) (٢).

- والدولابي في ( الذرِّيَّة الطاهرة النبويّة ) (٣) .

- والطبراني في ( المعجم الصغير ) (٤) .

- والخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد ) (٥) ، وغيرهم.

و دلالة الحديث صريحة في رفعة مقامهم وسموّ منزلتهم وعظيم درجتهم عند الله سبحانه وتعالى.

* الحديث الثامن: قول النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): ( والذي نفسي بيده لا يبغضنا - أهل البيت - أحدٌ إلاّ أدخله اللهُ النارَ ).

أخرج هذا الحديث الحاكم في ( المستدرك ) بسنده إلى أبي سعيد الخدري وقال عنه: ( هذا الحديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه )، وأقرّه الذهبي (٦) . وأخرجه ابن حبّان في ( صحيحه ) (٧) وعزاه السيوطي في ( الدرّ المنثور ) إلى أحمد أيضاً (٨) .

وأورد الحديث وصحّحه السيّد حسن السقاف في ( صحيح شرح العقيدة

____________________

(١) سنن الترمذي: ٥ / ٣٠٥، دار الفكر.

(٢) مسند أحمد: ١ / ٧٧، دار صادر.

(٣) الذرية الطاهرة النبويّة: ١١٩، الدار السلفيّة، الكويت.

(٤) المعجم الصغير: ٢ / ٧٠، دار الكتب العلميّة.

(٥) تاريخ بغداد: ١٣ / ٢٨٩، دار الكتب العلميّة.

(٦) المستدرك وبهامشه تلخيص الذهبي: ٣ / ١٥٠، دار المعرفة.

(٧) صحيح ابن حبّان: ١٥ / ٤٣٥، مؤسّسة الرسالة.

(٨) الدر المنثور: ٧ / ٣٤٩، في ذيل آية المودّة، دار الفكر.

٩١

الطحاويّة ) (١) ، وقال بعده:

( وقد نصّ على محبّة العترة جمهورُ أهل السنّة والجماعة، لكنّها بقيتْ مسألة نظريّة لم يطبّقها كثيرون، فهي مفقودة - حقيقة - في أرض الواقع، وهذا ممّا يؤسف له جدّ الأسف، وقد حاول النواصب وهم المبغضون لسيّدنا علي رضوان الله عليه ولذرِّيَّته - وهم عترة النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) الأطهار - أنْ يصرفوا الناس عن محبّة آل البيت التي هي قربة من القرب، فوضعوا أحاديث في ذلك وبنوا عليها أقوالاً فاسدة، منها: أنّهم وضعوا حديث: ( آل محمّد كلّ تقي ) ، وحديث: ( أنا جدّ كلّ تقي ) ، ونحو هذه الأحاديث التي هي كذب من موضوعات أعداء أهل البيت النبوي، ومن الباطل قول أحد النواصب المبتدعة أثناء كلام له في هذا الموضوع (٢) : ( وأهل بيته في الأصل هم نساؤه صلّى الله عليه وسلم وفيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعاً ) ... ) (٣) .

وعلّق السيّد السقّاف على هذه الفقرة قائلا: ( يريد هذا المبتدع هنا أنْ يصرف الناس عن اعتقاد أنّ أهل البيت هم على وجه الخصوص أصحاب الكساء، سيّدنا علي والسيّدة فاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام )، فادّعى أنّ أهل البيت هنا أزواجه صلّى الله عليه وسلّم، وكأن هذا المبتدع يحترم أزواجه صلّى الله عليه وسلّم!! وقد حاول أنْ يظهر هنا أنّه يحترمهنّ رضوان الله تعالى عليهنّ، مع أنّه يصفهنّ في صحيحته (٤/٥٣١) بأنّ الزنا يجوز عليهنّ

____________________

(١) صحيح شرح العقيدة الطحاويّة: ٦٥٦، دار الإمام النووي.

(٢) يعني به الشيخ الألباني في كتابه سلسلة الأحاديث الصحيحة.

(٣) صحيح شرح العقيدة الطحاويّة: ٦٥٧، دار الإمام النووي، الأردن.

٩٢

وأنّهن غير محفوظات ولا معصومات منه، كبرتْ كلمة تخرج من فمه!! فعلى الناس أنْ يسألوه ما فائدة إثارة هذا الموضوع الباطل الفاسد بعد خمسة عشر قرناً من وفاتهنّ رضوان الله تعالى عليهنّ... ) (١) .

وعلّق على كلامه في موضع آخر وهو قوله: ( و تخصيص الشيعة ( أهل البيت ) في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلّى الله عليه وآله وسلّم من تحريفهم لآيات الله تعالى؛ انتصاراً لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه ).

قال السيّد السقّاف هنا: ( وهذا من تلبيساته وتمحّله في ردّ السنّة الثابتة في تفسيره لأهل البيت، وهو بهذا أراد أنْ يُلبّس على القارئ بأنّ مَن قال: إنّ أهل البيت هم أهل الكساء، أنّهم هم الشيعة!! والحقّ أنّ مَن قال ذلك جميع أهل السنّة والجماعة وقبلهم الذي لا ينطق عن الهوى صلّى الله عليه وآله وسلّم!! ولكنّ هذا هو النصب الذي يُفضي بصاحبه إلى ما ترى كما شرحنا هذا في موضعه ) (٢) .

هذا، والأحاديث في فضل أهل البيت وعلوّ درجاتهم شهيرة عديدة أفرد لها أصحاب الحديث فصولاً خاصّة، وألّف فيها البعض كتباً مستقلّة، وحيث لم يكن غرضنا إحصاء ذلك، بل كان إشارة إلى جملة من الفضائل؛ لذا نوقف الركب إلى هنا، ونحيل القارئ إلى الكتب المختصّة بذلك.

____________________

(١) المصدر نفسه: ٦٥٧، هامش برقم: ٣٩٠.

(٢) صحيح شرح العقيدة الطحاوية: ٦٥٧، هامش برقم: ٣٩١، دار الإمام النووي، الأردن.

٩٣

ب - الأحاديث الخاصّة في عليٍّ ( عليه السلام )

فضائل علي ( عليه السلام ) ملأت الخافقين، وانتشرت واشتهرت شهرة عظيمة، وفيها ألّفت كتب عديدة؛ لذا سننتخب جملة يسيرة من ذلك ونحيل القارئ إلى مراجعة الكتب الحديثيّة التي خصّصت أبواباً في فضل علي ( عليه السلام ):

* الفضيلة الأولى: أنّه الأوّل إسلاماً:

- أخرج النسائي بسنده إلى زيد بن أرقم قال: ( أوّل مَن أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب ).

قال المحقّق آل زهوي: ( إسناده صحيح ) (١) .

- وأخرجه الحاكم في ( المستدرك ) وقال: ( هذا حديث صحيح الإسناد )، ووافقه الذهبي عليه (٢) .

- وعن زيد بن أرقم أيضاً: ( أوّل مَن صلّى مع رسول الله علي ).

قال آل زهوي: ( إسناده صحيح ) (٣) ، وخرّج الحديث قائلاً: ( أخرجه أحمد: ( ٤/ ٣٦٨، ٣٧٠ )، وفي ( الفضائل ) : ( ١٠٠٠، ١٠٠٤ )، وابن أبي شيبة في ( المغازي ) : ( ٦١ )، والطيالسي في ( مسنده ): ( ٦٧٨ )، والترمذي ( ٣٧٣٥ )، وابن جرير الطبري في ( تاريخه ): ( ٢ / ٢١١، ٢١٢ )... ) وذكر غيرهم أيضاً (٤) .

____________________

(١) خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بتحقيق آل زهوي: ٢٠، المكتبة العصريّة للطباعة والنشر.

(٢) المستدرك على الصحيحين وبهامشه تلخيص المستدرك للذهبي: ٣ / ١٣٦، دار المعرفة.

(٣) خصائص أمير المؤمنين: ٢٠، المكتبة العصريّة.

(٤) المصدر نفسه.

٩٤

- وعن سلمان الفارسي قال: أوّل هذه الأمّة وروداً على نبيّها صلّى الله عليه وسلّم أوّلها إسلاماً علي بن أبي طالب )، قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ): ( رواه الطبراني ورجاله ثقات ) (١) .

- وعن عبد الله بن عبّاس قال: ( أوّل مَن أسلم عليٌّ رضي الله عنه ).

رواه الطبراني في ( الأوائل )، وقال المحقّق: ( حديث صحيح رجاله ثقات ) (٢) .

- وعن سعد بن أبي وقّاص في حديثه مع رجل يشتم عليّاً: ( يا هذا على ما تشتم علي بن أبي طالب، ألم يكن أوّل مَن أسلم، ألم يكن أوّل من صلّى مع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، ألم يكن أعلم الناس... ).

أخرجه الحاكم وصحّحه ووافقه الذهبي (٣) .

- وعن علي ( عليه السلام ) قال: ( أنا أوّل رجل صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم )، أخرجه أحمد في المسند، وقال عنه أحمد محمّد شاكر محقّق الكتاب: ( إسناده صحيح ) (٤) ، وأخرجه ابن أبي شيبة في ( المصنف ) (٥) . وابن أبي عاصم في ( الأوائل ) (٦) .

____________________

(١) مجمع الزوائد: ٩ / ١٠٢.

(٢) الأوائل بتحقيق محمّد شكور: ٧٨، مؤسّسة الرسالة.

(٣) المستدرك على الصحيحَين وبهامشه تلخيص الذهبي: ٣ / ١٢٥، دار المعرفة.

(٤) مسند أحمد بتحقيق أحمد محمّد شاكر: ٢ / ٩٨ برقم: ١١٩١، دار الحديث القاهرة.

(٥) المصنف: ٨ / ٣٣٢، دار الفكر.

(٦) الأوائل: ٧٩، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت.

٩٥

هذا، والمروي في أنّ عليّاً أوّل مَن أسلم كثير جدّاً، وما ذكرناه نموذجٌ من الصحابة الذين قالوا بتقدّم إسلامه ليس إلاَّ، واستقصاء ذلك يحتاج إلى بحثٍ خاص، ونختم الكلام بنقل كلمتَين لعالمين من علماء أهل السنّة، فقد قال الحاكم النيسابوري في ( معرفة علوم الحديث ): ( ولا أعلمُ خلافاً بين أصحاب التواريخ، أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه أوّلهم إسلاماً ) (١) .

- وقال السيوطي في ( تاريخ الخلفاء ): ( أَسْلَمَ قديماً، بل قال ابن عبّاس، وأنس، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وجماعة: إنّه أوّل مَن أسلم، ونقل بعضهم الإجماع عليه ) (٢) .

* الفضيلة الثانية: أنّه أحبّ الخلق إلى الله:

- أخرج النسائي بسنده إلى أنس بن مالك قال: ( إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان عنده طائر فقال: ( اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجاء أبو بكر فردّه، وجاء عمر فردّه، وجاء علي فأَذِنَ له ) (٣)، وهذا الحديث معروف بحديث الطير وله طرق عديدة متكاثرة جدّاً (٤) عن جمع كبير من الصحابة، منهم: علي بن أبي طالب، وابن عبّاس، وسفينة خادم رسول الله، وأبي سعيد الخدري، مضافاً لأنس المتقدّم ذكر الحديث عنه، وغيرهم، وأخرجه جمع كبير من الحفّاظ والمحدّثين.

____________________

(١) معرفة علوم الحديث: ٢٣، دار الآفاق الجديدة.

(٢) تاريخ الخلفاء: ١٢٨، دار الكتاب العربي.

(٣) السنن الكبرى: ٥ / ١٠٧، دار الكتب العلميّة.

(٤) انظر: بعض طرقه في ( تاريخ دمشق ): ٤٢ / ٢٤٥، وما بعدها.

٩٦

- فقد أخرجه الحاكم في ( المستدرك ) من طريق أنس وصحّحه، ثمّ قال: ( و قد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً، ثمّ صحّت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة ) (١) .

- ورواه الطبراني من طريق سفينة (٢)، وأورده الهيثمي في مجمعه، وقال: ( ورجال الطبراني رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة ) (٣) .

- كما حسّن حديث الطير الحافظ ابن حجر عند ذكره لتلخيص الأحاديث التي أخرجها الأئمّة الستّة في الحديث السادس عشر في آخر رسالته الموسومة بـ ( أجوبة الحافظ ابن حجر عن أحاديث المصابيح )، والمطبوعة في ذيل كتاب ( مشكاة المصابيح ) (٤) .

فالحديث، مضافاً لكثرة طرقه التي تصل حد التواتر بلا كلام، فإنّ له طرقاً صحيحة ولله الحمد (٥) .

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٣٠، دار المعرفة.

(٢) المعجم الكبير: ٧ / ٨٢، دار إحياء التراث العربي.

(٣) مجمع الزوائد: ٩ / ١٢٦، دار الكتب العلميّة.

(٤) مشكاة المصابيح: ٣/١٧٩١، ط - المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة، ١٩٨٥، بيروت، بتحقيق الألباني.

(٥) وممّن أخرج حديث الطير:

- أحمد في ( فضائل الصحابة ): ٢ / ٥٦٠، مؤسّسة الرسالة.

- والترمذي في ( سننه ): ٥ / ٣٠٠، دار الفكر.

- والبزّار في مسنده: ٩ / ٢٨٧، مؤسّسة علوم القرآن.

- والطبراني في ( الأوسط ): ( ٢ / ٢٠٧ )، ( ٦ / ٩٠ )، دار الحرمين.

- وأبو نعيم في ( مسند أبي حنيفة ): ١ / ٢٣٤، مكتبة الكوثر، الرياض.

- والخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد ): ( ٣ / ٣٩٠ ) و ( ٩ / ٣٧٦ )، دار الكتب العلميّة، وغيرهم الكثير.

- مضافاً لِمَا تقدّم ذكره من ( سنن النسائي )، و ( تاريخ دمشق )، و ( مستدرك الحاكم ).

٩٧

* الفضيلة الثالثة: قول الرسول في حقّه في حديث الغدير المعروف: ( مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ).

وهذا الحديث لا يخفى على أحد، فهو كالشمس في رابعة النهار، صحيحٌ متواتر رواه الجمّ الغفير عن الجمّ الغفير في مختلف الأزمنة والأعصار، وأخرجه أئمّة الحديث وكبار الحفّاظ في كتبهم ومسانيدهم.

و للحديث زيادات في الألفاظ من قبيل قول النبي: ( أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم )، أو قوله: ( اللّهم والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه ) وغيرها. لذا سنذكر طرفاً من ذلك ونشير إلى مَن صحّحه من علماء أهل السنّة:

- فقد أخرج النسائي في ( خصائص أمير المؤمنين ) بسنده إلى زيد بن أرقم، قال: ( لمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حجّة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقُمِمْنَ، ثمّ قال: ( كأنّي قد دُعيتُ فأجبتُ، إنّي تركتُ فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يَرِدَا عليّ الحوض )، ثمّ قال: ( إنّ الله مولاي، وأنا وليّ كلّ مؤمن )، ثمّ أخذ بيد علي فقال: ( مَن كنتُ وليّه، فهذا وليّه، اللّهم والِ مَن والاهُ، وعادِ مَن عاداه )، فقلتُ لزيد: سمعتَه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: ما كان في الدوحات أحدٌ إلاّ رآه بعينيه وسمعه بأذنيه ) (١) .

وأخرجه الحاكم في ( المستدرك ) (٢) ، وابن أبي عاصم في ( السنّة ) (٣)،

____________________

(١) خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ٧١ - ٧٢، المكتبة العصريّة.

(٢) المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٠٩، دار المعرفة.

(٣) السنة: ٦٣٠، المكتب الإسلامي، بيروت.

٩٨

والطبراني في ( الكبير ) (١) .

قال الحاكم: ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخَين ولم يخرجاه بطوله) (٢) .

- وأورده ابن كثير في ( البداية والنهاية ) وقال: ( قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح ) (٣) .

- وعن أبي الطفيل ( عامر بن واثلة ) قال: ( جمع عليٌّ - رضي الله تعالى عنه - الناسَ في الرحبة، ثمّ قال لهم: أنشد الله كلّ امرئ مسلم سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول يوم غدير خم ما سمع لمّا قام، فقام ثلاثون من الناس ( وفي رواية: فقام ناس كثير ) فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: مَن كنتُ مولاه فهذا مولاه، اللّهم والِ مَن والاهُ، وعادِ مَن عاداه، قال ( يعني الصحابي أبا الطفيل ) فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلتُ له: إنّي سمعتُ عليّاً رضي الله عنه يقول كذا وكذا، قال: فما تنكر، قد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ذلك له ).

أخرجه أحمد في ( المسند ) (٤) ، والنسائي في ( الخصائص ) (٥) ، وابن حبّان في

____________________

(١) المعجم الكبير: ٥ / ١٦٦، دار إحياء التراث العربي.

(٢) المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٠٩، دار المعرفة.

(٣) البداية والنهاية: ٥ / ٢٢٨ - ٢٢٩، مؤسّسة التاريخ العربي.

(٤) مسند أحمد: ٤ / ٣٧٠، دار صادر.

(٥) خصائص أمير المؤمنين بتحقيق آل زهوي: ٨٢، المكتبة العصريّة.

٩٩

( صحيحه ) (١) ، والهيثمي في ( موارد الظمآن ) (٢) ، وغيرهم.

قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ): ( رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة ) (٣) .

قال الألباني: ( وإسناده صحيح على شرط البخاري ) (٤)

قال الداني بن منير آل زهوي: ( إسناده صحيح ) (٥) .

- وعن رياح بن الحارث قال: ( جاء رهط إلى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم غدير خم يقول: مَن كنتُ مولاه فإنّ هذا مولاه، قال رياح: فلمّا مضوا تبعتُهم فسألتُ مَنْ هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيّوب الأنصاري ).

أخرجه أحمد في ( المسند ) (٦) ، والطبراني في ( الكبير ) (٧) .

قال الهيثمي: ( رواه أحمد والطبراني...، ورجال أحمد ثقات ) (٨) .

____________________

(١) صحيح ابن حبّان: ١٥ / ٣٧٦، مؤسّسة الرسالة.

(٢) موارد الظمآن: ٥٤٤، دار الكتب العلميّة، بيروت.

(٣) مجمع الزوائد: ٩ / ١٠٤، دار الكتب العلميّة.

(٤) سلسلة الأحاديث الصحيحة: ٤ / ٣٣١، حديث رقم: ١٧٥٠، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض.

(٥) خصائص أمير المؤمنين للنسائي بتحقيق آل زهوي: ٨٢، المكتبة العصريّة.

(٦) مسند أحمد: ٥ / ٤١٩، دار صادر.

(٧) المعجم الكبير: ٤ / ١٧٤، دار إحياء التراث العربي.

(٨) مجمع الزوائد: ٩ / ١٠٤، دار الكتب العلميّة.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480