الإنسان والعقيدة

الإنسان والعقيدة20%

الإنسان والعقيدة مؤلف:
الناشر: باقيات
تصنيف: المعاد
الصفحات: 292

الإنسان والعقيدة
  • البداية
  • السابق
  • 292 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56523 / تحميل: 7193
الحجم الحجم الحجم
الإنسان والعقيدة

الإنسان والعقيدة

مؤلف:
الناشر: باقيات
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وبالجملة : فصُوَر علومهم وأخلاقهم وأعمالهم أنوار إلهية طاهرة موهوبة ، تطهّرهم من الأرجاس وتنجيهم من الظلمات ، فيشاهدون به عظمة الله وكبريائه وملكوت السموات والأرض ، طوبى لهم وحسن مآب .

ثمَّ بيّن ذلك في الكافرين والفاسقين ، فقال عزّ من قائل : ( وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ) (١) ، وقال : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٢) ، وقال :( أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ) (٣) ، وقال :( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ) (٤) ، وقال : ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (٥) ، وقال :( كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ) (٦) ، إلى أن قال :( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ ) (٧) ، وقال :( فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (٨) ،

ـــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآية ٢٥٧ .

(٢) سورة الأنعام : الآية ٣٩ .

(٣) سورة مريم : الآية ٨٣ .

(٤) سورة الأنعام : الآية ١٢١ .

(٥) سورة الزخرف : الآية ٣٦ .

(٦) سورة الأنعام : الآية ١٠٨ .

(٧) سورة الأنعام : الآية ١٠٨ .

(٨) سورة الأنعام : الآية ١٢٥ .

١٤١

وقال :( إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) (١) ، وقال :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (٢) .

فأخبر سبحانه أنّ الشرك بالله والمعاصي على اختلاف تصوّراتها ، تُوجب خروجهم من النور إلى عام الظلمات ، فيضلّهم الله عزّ وجلّ في الظلمات ، ويصمّهم ، ويبكمهم ، ويُرسل الشياطين إليهم ، وهم قرناؤهم إلى يوم القيامة فيقطب أبصارهم وأفئدتهم فلا يقصدون إلاّ السراب الباطل ، ولا يقدرون أن يروموا الحقّ ويتناولوه( كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ) ، بل الأغلال في أعناقهم والسدود من بين أيديهم ومن خلفهم وهم المغشيُّون ، وليس كلّ ذلك إلاّ صور الأعمال ونتيجة الحساب فيما يُعتبر فيه ثواب وعقاب .

وكثير من الأخبار يشهد بذلك :

فعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(كما تعيشون تموتون ، وكما تموتون تُبعثون) (٣) ـ الخبر ، وهو من جوامع الكلم ، وهو مع قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(النّاس معادن كمعادن الذهب والفضّة) (٤) ـ الخبر ، يعطيان علم مبدأ الإنسان ومعاده بالاستيفاء .

وفي (الكافي) عن الصادقعليه‌السلام ، قال :(إذا وُضع الميّت في قبره ، مثُل له شخص فقال : يا هذا ، كنّا ثلاثة : كان رزقك فانقطع بانقطاع أجَلِك ، وكان أهلك فخلَّفوك وانصرفوا عنك ، وكنت عملك فبقيت معك أمَا إنّي كنت أهون الثلاثة عليك) (٥) .

ـــــــــــــ

(١) سورة يس : الآيتان ٨ و ٩ .

(٢) سورة النور : الآية ٣٩ .

(٣) عوالي اللئالي : ٤ / ٧٢ .

(٤) بحار الأنوار : ٥٨ / ٦٥ ، الباب ٤٢ كتاب السماء والعالم ، الحديث ٥١ .

(٥) الكافي : ٣ / ٢٢٨ ، الباب ١٥٩ ، الحديث ١٤ .

١٤٢

وعن البهائي (رحمه الله) قال : روى أصحابنا عن قيس بن عاصم قال : وفدت مع جماعة من بني تميم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدخلت عليه وعنده الصلصال بن الدلهمس ، فقلت : يا رسول الله ، عظنا موعظة ننتفع بها ، فإنّا قوم نعير في البرية ، فقال رسول الله :(يا قيس ، إنّ مع العزّ ذلاًّ ، وإنّ مع الحياة موتاً ، وإنّ مع الدنيا آخرة ، وإنّ لكلّ شيء حسيباً ، وإنّ لكلّ أجل كتاباً وإنّه لا بدّ لك ـ يا قيس ـ من قرين يدفن معك وهو حيّ وأنت ميّت ، فإن كان كريماً أكرمك ، وإن كان لئيماً أسلمك ثمَّ لا يحشر إلاّ معك ولا تحشر إلاّ معه ، ولا تسأل إلاّ عنه فلا تجعله إلاَّ صالحاً : فإنّه إن صلح أنستَ به ، وإن فسدَ لا تستوحِش إلاّ منه ، وهو فعلُك) (١) ـ الخبر .

والأخبار في تمثيل الصوم والصلاة والزكاة والولاية والصبر والرفق والقرآن والتسبيح والتهليل ، وسائر العبادات والمعاصي ، بصور تعطيها معانيها ، أكثر من أن تُحصى ، والبرهان المذكور سابقاً يُعطى ذلك .

وأيضاً الثواب والعقاب إنّما هما على الطاعة والمعصية ، أي موافقة الأمر ومخالفته ، وهو كما ذكرناه في" رسالة الإنسان في الدنيا " أمرٌ اعتباريٌ وهميٌ ، والثواب والعقاب الآجلان من الأُمور الحقيقيّة الواقعيّة ، والنسبة الرابطة بين الأمرين ـ الاعتباري والحقيقي ـ ممتنعة ، إلاّ بكون الآخر الاعتباري مكتنَفاً بأمر حقيقي ، وحيث إنّ الإنسان بثبوته تثبت الطاعة والمعصية ولو فرضنا رفع ما عداه وبارتفاعه يرتفعان ، ولو فرضنا وضع ما عداه فهذا الأمر الحقيقي مع الإنسان ، وهو مجموع النفس والبدن والبدن يتبدّل بالتدريج قطعاً مع بقاء صفة الطاعة والمعصية والسعادة والشقاوة ، فالذي يدور مداره الأمر هو الروح الذي هو الإنسان ، فمع الإنسان معنى هو المصحّح للنسبة المذكورة ، وهو المعاني المخصوصة من خصوصيّات الطاعات والمعاصي .

ـــــــــــــ

(١) أمالي الصدوق : ٥٠ ، المجلس الأوّل ، الحديث ٤ .

١٤٣

الفصل الثاني عشر: في الشفاعة

قال سبحانه :( وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ) (١) ، وقال :( وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ) (٢) ، وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ ) (٣) .

تنفي الآيات قبول شفاعة من نفسٍ في نفس ، غير أنّ هناك آيات أُخر تخصّص هذا العموم وتفسّره كما تخصّص عموم عدم النصر وتفسّره ، قال سبحانه :( يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) ،

ـــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآية ٤٨ .

(٢) سورة البقرة : الآية ١٢٣ .

(٣) سورة البقرة : الآية ٢٥٤ .

(٤) سورة الدخان : الآيتان ٤١ و ٤٢ .

١٤٤

وقال :( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ) (١) ، وقال : ( وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) (٢) .

فبيّن سبحانه أنّ الشفاعة يومئذٍٍ لا تقع ولا تنفع إلاّ بإذن للشافع في شفاعته وللمشفوع في الشفاعة له ، وقد فسّر الإذن للشافع بقوله :( يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ) (٣) ، فإذنه سبحانه رضاه بقوله ، أي كون قوله ـ وهو شفاعته ـ مرضياً .

وقال سبحانه :( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ) (٤) ، فالقول المرضي هو القول الصواب وقد أسلفنا في (فصل الشهادة) أنّ مرجع ذلك إلى انتهاء أعمال العاملين ولحقوها بهذا الذي أذن له القول الصواب ، وحضورها له ووساطته في إفاضة الفيوضات الإلهيّة لهم ، ويرجع ذلك إلى تمكين الحقّ سبحانه للشافع من شهادة حقائق الأعمال والعلم بها كما قال سبحانه :( وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٥) .

وبالجملة : فإذن سبحانه في قولٍ هو الرضا عنه ، ومن المعلوم أنّ الرضا لا يتعلّق إلاّ بكمال الشيء من حيث إنّه كمال ، فالقول المرضي عنه هو كمال القول ، وهو كونه صواباً فالمأذونون مرضيّون في قولهم ، صائبون في علمهم ، مرضيّون في ذاتهم ؛ إذ القول في آثار الذات ، ولا يُستكمل أثر من آثار الذات إلاّ بعد استكمال نفسه التي هي المبدأ وهو ظاهر ،. دون العكس ؛ إذ الذات يمكن أن يقع مرضيّاً لطهارة محتده ، وخلوص عقائده ، ولا يقع مرضيّاً في أفعاله وآثاره لورود مانع حاجب .

ـــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآية ٢٥٥ .

(٢) سورة سبأ : الآية ٢٣ .

(٣) سورة طه : الآية ١٠٩ .

(٤) سورة النبأ : الآية ٣٨ .

(٥) سورة الزخرف : الآية ٨٦ ، فقد أخذ سبحانه في تملّك الشافع للشفاعة قيدين ، وهما : العلم ، وكون الشفاعة بالحقّ دون الباطل والظاهر أنّ المراد بالشهادة هو تحمّل الأداء وإن كان مرجعهما واحداً (منه قُدِّس سِرُّه) .

١٤٥

والحاصل : أنّ الشافعين هم الذين رضي الله عنهم ، ورضي قولهم ، أي شهد كمالهم ، وكمال قولهم لا يشوبه نقص ولا خطأ ، أي أنّ علمهم علمه سبحانه ، لم يختلط بشبهات الأوهام وخطأ الأهواء ، فإنّ العلم فيما يحيط به ويصدق هو له سبحانه ، قال تعالى :( وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ) (١) .

ولذلك فإنّ النبيّين ، وهم السابقون من المرضيّين ، ينفون العلم عن أنفسهم إذا خاطبهم الله سبحانه :( يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) (٢) ، مع أنّ العلوم التي معهم أكثر وأصدق من علوم غيرهم بلا شكّ ، فهؤلاء باقون على طهارة الذات الأصليّة ، موفون بعهدهم الذي واثقوه مع ربّهم ، قال سبحانه :( لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً ) (٣) .

وبالجملة : فالشافعون هم المرضيّون ذاتاً وأعمالاً .

ومثل ذلك في الذات مأخوذ في جانب المشفوعين ، قال سبحانه : ( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ) (٤) ، فالارتضاء مطلق وليس ناظراً إلى الأعمال ، فإنّ الشفاعة إنّما هي فيها فالارتضاء إنّما تعلّق بهم لا بأعمالهم ، أي أنّ نفوسهم طاهرة بالإيمان ، ويشهد به أيضاً قوله

ـــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآية ٢٥٥ .

(٢) سورة المائدة : الآية ١٠٩ .

(٣) سورة مريم : الآية ٨٧ .

(٤) سورة الأنبياء : الآية ٢٨ .

١٤٦

سبحانه :( وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) (١) ، يشعر بأنّ الإيمان ـ وهو مقابل الكفر ـ مرضي له .

ثمّ إنّه سبحانه قال :( فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) (٢) ، فبانَ بذلك أنّ نفع الشفاعة هو تبدّل السيّئات ـ التي توجب الفسق ـ بغيرها من الحسنات بسببها حتّى يحصل الرضا ، رضى الربّ وقد وعد سبحانه مغفرة الصغائر من المعاصي لمَن اجتنب الكبائر منها ، فقال :( إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) (٣) ، وقال سبحانه : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) (٤) .

فلم يبق لسخط الربّ سبحانه وعدم رضاه إلاّ الكبائر في المستحقّ بها للشفاعة ، وقد صحّ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما رواه الفريقان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(إنّما شفاعتي (٥) لأهل الكبائر من أُمّتي) (٦) ، أو ما في معناه .

فالشفاعة إنّما توجب تبدّل هذه الكبائر ، قال سبحانه :( إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) (٧) .

فالشفاعة ـ كما ترى ـ تحلّ محلّ العمل الصالح ، وقال سبحانه : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ

ـــــــــــــ

(١) سورة الزُّمر : الآية ٧ .

(٢) سورة التوبة : الآية ٩٦ .

(٣) سورة النساء : الآية ٣١ .

(٤) سورة النجم : الآية ٣٢ .

(٥) ويظهر ممّا قدّمناه من القول في باب الشهادة من عموم شفاعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّ المراد بالشفاعة هو الشفاعة الخاصّة في الحديث ، أو أنّ (من أُمّتي) متعلّق بقوله : (شفاعتي) (منه قُدِّس سِرُّه) .

(٦) مَن لا يحضره الفقيه : ٣ / ٣٦٩ ، الباب ١٧٩ معرفة الكبائر ، الحديث ٣٣ .

(٧) سورة الفرقان : الآية ٧٠ .

١٤٧

الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (١) .

فالشفاعة كالعمل الصالح تفيد رفع الكلم الطيّب ـ وهو الإيمان ـ إلى الله سبحانه فالشفاعة توجب لحوق المذنبين من المؤمنين فقط بالصالحين منهم ، فمثل الشفاعة كمثل البدن إذا اعتراه مرض أو قرحة خطيرة ، فإنّ المزاج إذا كان قويّا ، والطبيعة البدنيّة سلامة ، أصلحت الصحّة ودفعت المرض عنه ، وإلاّ احتيجّ إلى علاج بالضدّ ، ودواء يبطل فعل المرض وينصر الطبيعة في إعادتها صحّة البدن إليه ، وتبديلها المواد الفاسدة المجتمعة فيه إلى الصالحة الملائمة له .

فالفاعل للصحّة على كلّ حال هي الطبيعة ، غير أنّها مستقلّة في فعلها حيناً ما ، ومحتاجة إلى ناصر ينصرها حيناً ما ؛ ولذلك فإنّه سبحانه يكرّر القول : ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) (٢) ، وأصرح من ذلك محلاًّ قوله سبحانه : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) (٣) ، فبيّن أوّلاً أنّه سيلحق ذرّيتهم بآبائهم في درجاتهم ، لا في أصل الرحمة لقوله :( وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ) الآية .

فعدّ هذا اللحوق من الكسب ، مع أنّ أعمالهم دون ذلك ، فعلمنا به أنّ الإيمان يوجب اتّصالاً ما من الداني بالعالي ، وإذا حجبهما من الاستواء في الدرجات حاجبٌ مانعٌ من القصور ، أصلحه الإيمان ، وارتفعا جميعاً إلى درجة واحدة وهذه حال الشفاعة توجب لحوق المشفوع بالشافع ، ثمّ إصلاح أعماله السيّئة وجعلها حسنة بذلك .

ـــــــــــــ

(١) سورة فاطر : الآية ١٠ .

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٨٦ .

(٣) سورة الطور : الآية ٢١ .

١٤٨

وفي قوله :( يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) الآية(١) ، إشارة إلى ذلك ؛ إذ لولا أصل محفوظ بين المبدّل والمبدّل منه ، كان التبديل إعداماً للمبدّل وإيجاداً للمبدّل منه .

واعلم أنّ المغفرة في ذلك كالشفاعة ، وسيأتي في فصلي" الأعراف " و" المغفرة " ما يتبيّن به هذا المعنى فضل تبيُّن .

ومن هنا يتبيّن أنّ الشفاعة نوع تصرّف في الأعمال بتبدُّلها ؛ ولذلك خصّه سبحانه بنفسه في قوله : ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ) (٢) .

وهذا يؤيّد ما ذكرناه من مقام الشافع ، أنّ الشفاعة لا تتمّ إلاّ بكمال القرب منه سبحانه ، ويظهر ذلك أيضاً من قوله :( وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) (٣) .

والتفزيع عن القلب كشف الفزع ، وهو الدهشة والصعقة التي توجب غيبوبته عن نفسه ، قوله سبحانه : ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ) (٤) إذا ضمّ إلى الآية الأُولى ـ والسياقان واحد ـ أفادت أنّ تمليكه تعالى الشفاعة لغيره يتحقّق بعد الإذن ، أي بعد الإذن يتحقّق كون فعل الشافع في شفاعته وقوله فعل الله سبحانه .

وأصرح منه قوله :( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ) (٥) ، فالإذن هو الموجب لهذا الذي نسمّيه كمال القرب ، وهو الجاعلُ فعلَ الشافعِ فعلَه سبحانه ، وقد مرّ تفسير الإذن بالرضا .

ـــــــــــــ

(١) سورة الفرقان : الآية ٧٠ .

(٢) سورة السجدة : الآية ٤ .

(٣) سورة سبأ : الآية ٢٣ .

(٤) سورة يونس : الآية ٣ .

(٥) سورة البقرة : الآية ٢٥٥ .

١٤٩

وقد قال سبحانه أيضاً :( يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ ) (١) ، فبيّن به أنّ الذي نسمّي (شفاعة) قائم بالرحمة ، فهو رحمته سبحانه كما يستشمّ أيضاً من قوله سبحانه :( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) (٢) .

ثمّ إنّه سبحانه قال لرسوله : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً ) (٣) ، وهو كلام مطلق يعطي أنّ لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الله سبحانه مقاماً غير مقام الشفاعة ، أرفع منها ، وهو مقام الإذن الذي يحصل بعده وبسببه الشفاعة فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شفيع الشفعاء ـ كما مرّ ـ وإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهيد الشهداء .

واعلم أنّ مساقَ هذه الآية في تفضيلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على العالمين غيرُ مساقِ قوله :( وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (٤) الآية ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ تفضيلهم إنّما هو بجمع الآيات الباهرات لهم ، وهو كذلك ، وليس تفضيلاً في قرب التقوى من الله تعالى ؛ ويدلّ على ذلك النقمات والسخطات ونزول الرجز بهم وليس تفضيل أُمّة على العالمين كتفضيل الواحد على العالمين ، وخاصّة بالرحمة التي هي الواسطة التامّة بين الله سبحانه وبين الموجودات ، وهي شيء في البين وليس بشيء في البين ، فهو سبحانه يخلق كلّ شيء بذاته ، ويرزق كلّ شيء بذاته ، ويبدأ ويدبّر ويعيد كلّ شيء بذاته ، ويفعل ذلك كلّه برحمته .

ـــــــــــــ

(١) سورة الدخان : الآيتان ٤١ و ٤٢ .

(٢) سورة الأعراف : الآية ١٥٦ .

(٣) سورة الأنبياء : الآية ١٠٧ .

(٤) سورة الجاثية : الآية ١٦ .

١٥٠

وفي هذا المعنى خطابه تعالى لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ) (١) .

ولفظ (يبعث) كأنّه تضمَّنَ معنى الإقامة ، وهو كلام مطلق لم يعترضه في كلامه سبحانه تقييد ، فهو مقام محمود بكلّ حمد من كلّ حامد ، فهو مقام فيه كلّ جمال وكمال ؛ لاقتضاء الحمد ذلك ، فكلّ جمال وكمال مترشّح من هناك ، وقد قال سبحانه :( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (٢) .

فخصّ كلّ حمد من كل حامد بنفسه ، فالمقام المحمود مقام متوسط بينه سبحانه وبين الحمد ، فهو كالرحمة شيء وليس بشيء ، وهي المسمّاة بالولاية الكبرى .

وقال سبحانه :( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) (٣) ، وهذا أيضاً كلام مطلق ومن المعلوم أنّ العطية المطلقة منه سبحانه هي الرحمة المطلقة ، فيرجع مضمون الآية إلى الآيتين ، وهما :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (٤) ،( عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ) (٥) .

وتزيد عليهما بالرضى ، ولم يقل سبحانه : حتّى ترضى ، فإنّ العطيّة هذه غير تدريجيّة بتواتر الأمثال وتعاقب الجزئيّات ، وهاهنا كلام كثير لكنّه أرفع سطحاً ممّا جرينا عليه في هذه الرسالة .

ـــــــــــــ

(١) سورة الإسراء : الآية ٧٩ .

(٢) سورة الفاتحة : الآية ٢ .

(٣) سورة الضحى : الآية ٥ .

(٤) سورة الأنبياء : الآية ١٠٧ .

(٥) سورة الإسراء : الآية ٧٩ .

١٥١

فالمحصّل من جميع ما مرّ : أن محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنّ له الشفاعة للمذنبين من أُمّته ، له مقام الإذن في الشفاعة .

والأخبار في ذلك كثيرة متظافرة :

فقد روى القمّي في تفسيره عن الباقرعليه‌السلام ـ في حديث ـ ثمّ قال :(ما من أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ وهو محتاج إلى شفاعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة) (١) ـ الحديث .

وروى هذا اللفظ في المحاسن عن الصادقعليه‌السلام (٢) .

وروى العيّاشي في تفسيره عن الصادقعليه‌السلام ـ في حديث طويل : ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام :(ما من نبيّ من لدن آدم إلى محمّد إلاّ وهم تحت لواء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) (٣) ـ الحديث .

وروى القمّي في تفسيره عن سماعة ، عن الصادقعليه‌السلام قال : سألته عن شفاعة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة ، قال :(يَلجم النّاسَ يوم القيامة العرق ، ويرهقهم الفلق ، فيقولون : انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا ، فيأتون آدم فيقولون : اشفع لنا عند ربّك ، فيقول : إنّ لي ذنباً وخطيئة فعليكم بنوح فيأتون نوحاً فيردّهم إلى مَن يليه ، ويردّهم كلّ نبيّ إلى مَن يلي حتّى ينتهوا إلى عيسى ، فيقول : عليكم بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه فيقول : انطلقوا فينطلق بهم إلى باب الجنّة ويستقبل باب الرحمان ، ويخرّ ساجداً ، فيمكث ما شاء الله ، فيقول الله عزّ وجلّ : ارفع رأسك واشفع تشفّع ، وسلْ تعطَ وذلك قوله : (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً) ) (٤) .

وروى العيّاشي في تفسيره ما يقرب منه(٥) .

وهذا المعنى وارد في إنجيل برنابا بنحو أبسط فيما بشّر به المسيح عيسى بن مريمعليه‌السلام بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) تفسير القمّي : ٢ / ٢٠٢ .

(٢) المحاسن : ١ / ٢٩٣ ، الحديث ١٨٨ .

(٣) تفسير العيّاشي : ٢ / ٣٣٤ ، الحديث ١٤٥ .

(٤) تفسير القمّي : ٢ / ١٧٠ .

(٥) تفسير العيّاشي : ٢ / ٣٣٣ ، الحديث ١٤٥ .

١٥٢

وروى فرات بن إبراهيم في تفسيره عن بشر بن شريح ، قال : قلت لمحمّد بن عليّعليه‌السلام : أيَّةُ آيةٍ في كتاب الله أرجى ؟ قالعليه‌السلام :(ما يقول فيها قومُك ؟) ، قلت : يقولون :( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ) (١) ، قال :(لكنّا أهل بيت لا نقول ذلك) ، قال : قلت : فأيُّ شيء تقولون فيها : قال :( ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) واللهِ الشفاعة ، واللهِ الشفاعة) (٢) .

القول في أقسام الشافعين

منهم : الأنبياء والأولياء من البشر ، وقد سبق الكلام فيه .

ـــــــــــــ

(١) سورة الزُّمر : الآية ٥٣ .

(٢) تفسير فرات الكوفي : ٥٧٠ .

١٥٣

ومنهم : الملائكة ، قال سبحانه :( وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى ) (١) ، إلى غير ذلك من الآيات .

ومنهم : المؤمنون ، قال سبحانه :( وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٢) ، فقد استشعروا أنّ هناك صديقاً حميماً ينفع البعض ؛ لمكان قولهم : (لَنَا) الآية ويظهر منه أنّ الشافع والحميم إنّما ينفع المؤمنين .

وفي (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام :(إنّ الشفاعة لمقبولة ، وما تُقبل في الناصب وإنّ المؤمن ليشفع جاره وما له حسنة ، فيقول : يا ربّ ، جاري كان يكفّ عنّي الأذى ، فيشفع فيه ، فيقول الله تبارك وتعالى : أنا ربّك وأنا أحق مَن كافى عنك فيدخله الله الجنّة وما له من حسنة وإنّ أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً ، فعند ذلك يقول أهل النار : ( فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) ) (٣) .

والروايات في هذا المعنى كثيرة .

ـــــــــــــ

(١) سورة النجم : الآية ٢٦ .

(٢) سورة الشعراء : الآيات ٩٩ ـ ١٠٢ .

(٣) الكافي : ٨ / ٨٨ ، الحديث ٧٢ .

١٥٤

ومن الشفعاء : القرآن والأمانة والرَّحِم عُدّت من الشفعاء في الروايات ، ففي فردوس الديلمي عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال :(الشفعاء خمسة : القرآن ، والأمانة ، والرحم ، ونبيّكم ، وأهل بيت نبيّكم) (١) .

أقول : ولعلّ شفاعة الثلاثة الأُول يستفاد من قوله سبحانه في وصف كتابه :( وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (٢) ، وقد قال سبحانه :( يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ ) (٣) ، وقوله سبحانه :( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ) (٤) .

فبيّن سبحانه أنّ غاية عرض الأمانة على الإنسان وتحمّله لها هو التوبة على المؤمنين ، والعذاب على المنافقين والمشركين بسببها ، وهي الشفاعة ، وقد فسّرنا الآية سابقاً بالولاية ، ولا تنافي ؛ وذلك لأنّ المأخوذ في كلامه سبحانه الأمانة دون الولاية ، فهو أخذ الخاصّ من العامّ ، وانطباقه به .

وقوله سبحانه : ( إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ *

ـــــــــــــ

(١) مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب : ٢ / ١٤ فصل : في أنّه الساقي والشفيع بحار الأنوار : ٨ / ٤٣ ، الباب ٢١ الشفاعة ، الحديث ٣٩ الجامع الصغير / السيوطي : ٢ / ٨٦ ، الحديث ٤٩٤٢ .

(٢) سورة النحل : الآية ٨٩ .

(٣) سورة الدخان : الآيتان ٤١ و ٤٢ .

(٤) سورة الأحزاب : الآيتان ٧٢ و ٧٣ .

١٥٥

فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ ) (١) ، والحميم هو القريب ذو الرحم ؛ والدليل على شفاعته قوله تعالى : (لَهُ) الآية .

وفي (الكافي) عن سعد الخفّاف ، عن الباقرعليه‌السلام أنّه قال :(يا سعد ، تعلّموا القرآن ، فإنّ القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليها الخَلق) ، ثمَّ ذكرعليه‌السلام :(أنّه يأتي صفّ المسلمين ، ثمَّ صفّ الشهداء ، ثمَّ الأنبياء ، ثمَّ الملائكة ، وكلّ يحسب أنّه منهم ، ثمَّ يشفع فيشفّع ، ويسال فيُعطى) . وفي آخره قال سعد : قلت : جعلت فداك يا أبا جعفر ، وهل يتكلّم القرآن ؟ فتبسّمعليه‌السلام ثمَّ قال :(رحم الله الضعفاء من شيعتنا ، إنّهم أهل تسليم) ، قال سعد : فتغيّر لذلك لوني ، وقلت : هذا شيء لا استطيع التكلّم به في الناس ، فقال أبو جعفرعليه‌السلام :(وهل الناس إلاّ شيعتنا ، فمَن لم يُعرف بالصلاة فقد أنكر حقّنا) ، ثمَّ قال :(يا سعد ، أُسمعك كلام القرآن ؟ ) ، قال سعد : فقلت : بلى صلّى الله عليك ، فقال :( ( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) (٢) ، فالنهي كلام الفحشاء ، والمنكر رجال ، ونحن ذكر الله ، ونحن أكبر) (٣) ـ الحديث .

وهو مشتمل على معانٍ جمّة يستفاد بها أُخرى ، والذي يرتبط بما نحن فيه ، أنّ المعاني التي تشترك في اللفظ مع المعاني والأحوال الموجودة في الأحياء ، كالأمر والنهي والنفع والشفاعة وغيرها ، ستتمثّل في البرزخ بصورها ، وتتحقّق في الحشر بحقيقتها ولمزيد البيان موضعٌ آخر ، على أنّها مستفاد من البرهان المذكور سابقاً ، وهاهنا روايات أُخر متفرّقة في أبواب المعارف والعبادات .

ومن الشفعاء : الأعمال الصالحة ، قال سبحانه :( إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً

ـــــــــــــ

(١) سورة الحاقّة : الآيات ٣٣ ـ ٣٥ .

(٢) سورة العنكبوت : الآية ٤٥ .

(٣) الكافي : ٢ / ٥٩١ ، كتاب فضل القرآن ، الحديث ١ .

١٥٦

صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) (١) ، فقد مرّ أنّ معنى الشفاعة تبديل سيّئة المذنب بالحسنة(٢) ؛ لقربٍ بين الشافع والمشفوع له ، والرواية السابقة في شفاعة القرآن تعطي معنى كلّياً في شفاعة الأعمال .

ـــــــــــــ

(١) سورة الفرقان : الآية ٧٠ .

(٢) راجع الصفحة : ١٦٣ .

١٥٧

الفصل الثالث عشر: في الأعراف

قال سبحانه :( وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ ) (١) .

أعراف الحجاب : أعاليه ، والأعراف : التلال المرتفعة من كثبان الرمل ، واتّصال الأعراف في الآية الشريفة بالحجاب ، يُؤيّد المعنى الأوّل ، وكون الرجال عليها يُؤيّد المعنى الثاني لكن لا مغايرة ؛ فالحجاب ما يحجب شيئاً عن شيء ، فهؤلاء الرجال في مقام عالٍ مرتفع مطلّ على الفريقين : أهل الجنّة وأهل النار ، مشرف على المقامين : الجنّة والنار ، ولذلك كانوا على الأعراف ليعرفوا كلاًّ بسيماهم ، وقد وصف سبحانه الأمر بلسان آخر في قوله :( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ) (٢) .

فقوله :( انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ) كقوله في ذيل آية الأعراف :( وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ) (٣) .

واختصاص المنافقين بالباب لمكان نفاقهم واشتراكهم مع المؤمنين في ظاهر أمرهم ، فيعذّبون من ظاهر الحجاب من قبل الباب .

ـــــــــــــ

(١) سورة الأعراف : الآية ٤٦ .

(٢) سورة الحديد : الآية ١٣ .

(٣) سورة الأعراف : الآية ٥٠ .

١٥٨

وبالجملة : فقد بيّن سبحانه أنّ هذا الحجاب والسور شيء واحد ذو ظاهر وباطن ، وأنّ الرحمة للفائزين في باطنه ، وأنّ العذاب للهالكين في ظاهره فكأنّهم لو جازت أنظارهم ظاهره ، أصابوا النعيم وغشيتهم الرحمة وكأنّ المؤمنين والكافرين ليس قبلهم إلاّ شيء واحد ، وإنّما الاختلاف من ناحية إدراكهم كحالهم في الدنيا ، وهو السبيل إلى الله ، سلكه المؤمنون في الدنيا صراطاً مستقيماً ، وانحرف فيه غيرهم ؛ ولذلك قال سبحانه ـ قبل آية الأعراف :( وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ ) (١) ، فالسبيل واحد ، وهو الله وإلى الله ، سلكه سالك بالاستقامة وآخر قصده عِوجاً ومنحرفاً .

وهذا المعنى مكرّر الورود تصريحاً وتلويحاً في القرآن :

قال سبحانه : ( يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ) (٢) .

وقال :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ) (٣) .

وقال :( فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُم

ـــــــــــــ

(١) سورة الأعراف : الآيتان ٤٤ و ٤٥ .

(٢) سورة الروم : الآيتان ٧ و ٨ .

(٣) سورة النور : الآية ٣٩ .

١٥٩

مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى ) (١) .

وقال سبحانه :( إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) (٢) .

والآيات في هذا المعنى كثيرة جدّاً ؛ يمنعنا عن الاستقصاء فيها وبيانها ما شرطنا على أنفسنا في صدر الرسالة من الاختصار ، ومن أبلغها في هذا الباب قوله سبحانه :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً ) (٣) .

وقد مرّ أنّ النعمة في هذه الآية هي الولاية ، وهي السبيل إلى الله ويقابله الكفر : ( وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ) (٤) ، فغاية هؤلاء البوار ؛ لجمودهم على الظاهر وإعراضهم عن الباطن ، والظاهر بائر والباطن ثابت قاطن كما يشير إليه قوله سبحانه :( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ) (٥) ، وقوله : ( فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ) (٦) ، وقوله :( لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً ) (٧) ، وقوله :( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا كِذَّاباً ) (٨) ، فغاية المؤمنين هو محلّ الصدق ، والحقّ ليس فيه لغو ولا كذب بخلاف غيرهم .

ـــــــــــــ

(١) سورة النجم : الآيتان ٢٩ و ٣٠ .

(٢) سورة يونس : الآيتان ٧ و ٨ .

(٣) سورة إبراهيم : الآية ٢٨ .

(٤) سورة إبراهيم : الآيتان ٢٨ و ٢٩ .

(٥) سورة يونس : الآية ٢ .

(٦) سورة القمر : الآية ٥٥ .

(٧) سورة الواقعة : الآية ٢٥ .

(٨) سورة النبأ : الآية ٣٥ .

١٦٠

الفصل الرابع

الإمام الحسينعليه‌السلام ترجمته وفضائله

١ ـ نسب الإمام الحسينعليه‌السلام

٢ ـ مولده ووفاتهعليه‌السلام وعمره الشريف

٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته ورضاعه ـ أولادهعليه‌السلام

٤ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته وجماله

٥ ـ فضائل الحسينعليه‌السلام :

ـ فضائل الحسينعليه‌السلام الخاصة

ـ الإمام الحسينعليه‌السلام والقرآن

ـ جملة من مناقب الحسينعليه‌السلام

٦ ـ الذرية والإمامة :

ـ قصة الحجاج مع يحيى بن يعمر

ـ قصيدة لابن المعتز ، وردّ صفي الدين الحلي عليها.

١٦١
١٦٢

الفصل الرابع :

الإمام الحسينعليه‌السلام

(ترجمته وفضائله)

١٠٦ ـ الإمام الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٣٩)

ثالث أئمة أهل البيت الطاهر ، وثاني السبطين السعيدين ، سيدي شباب أهل الجنّة ، وريحانتي المصطفى ، وأحد الخمسة أصحاب العبا ، وسيد الشهدا.

الإمام الهمام ، وقرة باصرة سيد الأنام. سبط الرحمة ، وكاشف الغمة. مهجة الزهرا ، وثمرة فؤاد علي المرتضى. الّذي حمله ميكائيل ، وناغاه في المهد جبرائيل. الإمام القتيل ، الّذي اسمه مكتوب على سرادق عرش الجليل : الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة. الشافع في يوم الجزاء ، سيدنا ومولانا سيد الشهداء ، عليه سلام الله الملك الأعلى. الّذي بولايته ربيّت ، وبكأسه الأوفى من صغري شربت ورويت.

ريحانة الرسول ، وقرة عين البتول. وثمرة قلب الوصي ، وشقيق الزكي. أحد الثقلين ، وحبيب خيرة الثقلين ، أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام .

١ ـ نسب الإمام الحسينعليه‌السلام

١٠٧ ـ نسبه الشريف :

الإمام الحسينعليه‌السلام هو أحد أولاد الإمام عليعليه‌السلام من زوجته العصماء فاطمة الزهراء ، بنت الرسول الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد ولدت خديجة الكبرى أم المؤمنينعليها‌السلام .

للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدة أولاد ذكور وإناث ، مات أكثرهم صغيرا ، ولم ينجب منهم ذرية سوى فاطمةعليها‌السلام التي تزوجها الإمام عليعليه‌السلام فولدت له الحسن والحسين ، ثم زينب العقيلة (المدفونة في ضاحية دمشق) وأم كلثوم. ولو لا الحسن

١٦٣

والحسينعليهما‌السلام لا نقطعت سلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد تربيا في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يحبهما حبا جمّا ، ويعتبرهما بمثابة أولاده. ومن ألقابهما السبطان(١) وسيدا شباب أهل الجنّة ، وريحانتا رسول الله. وهو الإمام بعد أخيه الحسنعليه‌السلام بنصّ أبيه وجده ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين

إمامان ، قاما أو قعدا».

٢ ـ مولد الحسينعليه‌السلام ووفاته وعمره الشريف

١٠٨ ـ مولد الحسينعليه‌السلام ووفاته وعمره الشريف :

قال ابن سعد في (الطبقات) : علقت فاطمة بالحسينعليه‌السلام لخمس ليال خلون من ذي القعدة سنة ثلاث من الهجرة ، بعد مولد الحسنعليه‌السلام بخمسين ليلة.

ووضعته في شعبان لليال خلون منه سنة أربع هجرية.

وقال ابن شهراشوب في مناقبه (ج ٣ ص ٢٣١ ط نجف) :

ولد الحسينعليه‌السلام عام الخندق في المدينة يوم الخميس أو الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما. وروي أنه لم يكن بينه وبين أخيه إلا الحمل ، والحمل ستة أشهر.

وقال مصعب الزبيري في (نسب قريش ، ص ٤٠) :

ولد الحسينعليه‌السلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة ٤ من الهجرة.

وقال العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) :

الأشهر في ولادتهعليه‌السلام أنه ولد لثلاث خلون من شعبان سنة ٤ ه‍ يوم الخميس. وقيل ولد في ٥ شعبان سنة ٤ ه‍ ، وهو قول الشيخ المفيد.

وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) :

وكانت مدة حمله ستة أشهر. وروي أنه لم يولد لستة أشهر ، إلا عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ، والحسين بن عليعليهم‌السلام .

وروى الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه قال : لم تكن بين ولادة الحسنعليه‌السلام والحمل بالحسينعليه‌السلام إلا طهر واحد.

والعلماء مجمعون على أن وفاة الحسينعليه‌السلام كانت بكربلاء يوم العاشر من

__________________

(١) السبط : يطلق على ابن البنت ، والحفيد : يطلق على ابن الولد ، ذكرا كان أو أنثى.

١٦٤

المحرم سنة ٦١ ه‍ ، والأغلب أنه قتل يوم الجمعة بعد الظهر ، وقيل يوم السبت.ودفن بكربلاء من غربي الفرات.

فيكون عمره الشريف سبعا وخمسين سنة ، وبالدقة ستا وخمسين سنة وخمسة أشهرعليه‌السلام .

١٠٩ ـ معاصرته للمعصومينعليهم‌السلام :

وقد عاش الحسينعليه‌السلام من حياته مع جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع سنين ، ومع أبيه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثين سنة ، ومع أخيه الحسن بعد وفاة أبيهعليه‌السلام نحو عشر سنين ، وعاش بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام إلى حين مقتله الشريف نحو عشر سنين.

وحين توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم فاطمة الزهراءعليها‌السلام بعده بقليل ، كان عمر الحسينعليه‌السلام سبع سنين ، فعاش وأخوه يتيمين.

٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته ورضاعه

١١٠ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)

لما ولد الحسينعليه‌السلام جاءت به أمه فاطمةعليها‌السلام إلى جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستبشر به ، وأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وحنّكه بريقه وتفل

في فمه.

فلما كان اليوم السابع عقّ عنه بكبش (العقيقة : هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم سبوعه عند حلق شعره) وأعطى القابلة رجل العقيقة. وأمر أمه أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة ، وكان وزنه درهما. وسماهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسينا ، وهو مشتق من اسم (حسن) بالتصغير.

١١١ ـ اسمه الشريف :

يقول محمّد مهدي المازندراني في (معالي السبطين) ج ١ ص ٤٧ : اسمه الحسين ، وفي التوراة (شبير) ، وفي الانجيل (طاب).

وحسين مصغّر حسن ، كما أن شبير مصغّر شبّر ، وهذا التصغير لأجل التعظيم

١٦٥

كما لا يخفى على البصير. ولم يسمّ أحد بهذا الاسم قبله ، كما أن يحيىعليه‌السلام لم يسمّ باسمه أحد قبله. والاسم الكريم (الحسين) صفة مشبّهة في الاشتقاق ، والصفة المشبهة تعني اللزوم والديمومة.

وقد ذكر ابن الأعرابي أن الله قد حجب اسم الحسن والحسينعليهما‌السلام حتّى سمّى بهما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبطيه ، وهما اسمان من أسماء أهل الجنّة ، وما سمّت الجاهلية بهما.

وفي (مدينة المعاجز) ص ٢٧٥ ط حجر إيران :

عن زرارة عن عبد الخالق بن عبد ربه ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :( نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) [مريم : ٧] الحسين بن عليعليهما‌السلام لم يكن له من قبل سميّا ، ويحيى بن زكرياعليه‌السلام لم يكن له من قبل سميّا. ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا. (قال) قلت : ما بكاؤهما؟. قال : تطلع الشمس حمراء وتغرب حمراء.

١١٢ ـ ألقابهعليه‌السلام :

للحسينعليه‌السلام ألقاب كثيرة منها : أبو عبد الله ، والسيد ، والسبط ، والإمام الشهيد ، وسيد شباب أهل الجنّة.

ونقش خاتمه : (لكل أجل كتاب) أو (حسبي الله) أو (إنّ الله بالغ أمره).

١١٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين ، ج ١ ص ٣٧)

قالت صفية بنت عبد المطلب عمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما سقط الحسينعليه‌السلام من بطن أمه ، كنت قد وليته. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عمة هلمي إليّ بابني. فقلت : يا رسول الله إنا لم ننظفه بعد. فقال : يا عمة أنت تنظفينه!. إن الله تبارك وتعالى قد نظفّه وطهّره. فدفعته إليه وهو في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضع لسانه في فيه ، وأقبل الحسين (على لسان النبي) يمصّه. قالت : فما كنت أحسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغذوه إلا لبنا أو عسلا.

قالت صفية : فقبّله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين عينيه ، ثم دفعه إليّ وهو يبكي ويقول : لعن الله قوما هم قاتلوك يا بني (يقولها ثلاثا). فقلت : فداك أبي وأمي ، ومن يقتله؟.قال : يقتله فئة باغية من بني أمية.

١٦٦

(أقول) : لم يسمع بأن ينعى أحد قبل موته ومنذ يوم ولادته ، وهذا مخصوص بالحسينعليه‌السلام ؛ نعاه ناع يوم ولادته ، ونعاه ناع يوم شهادته.

١١٤ ـ رواية أسماء بنت عميس :

(إعلام الورى في أعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢١٤)

في مسند الإمام الرضاعليه‌السلام عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال : حدثتني أسماء بنت عميس ، قالت : لما كان بعد الحول من مولد الحسنعليه‌السلام ولد الحسينعليه‌السلام . فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضعه في حجره وبكى.قالت أسماء : فداك أبي وأمي ممّ بكاؤك؟. قال : من ابني هذا. فقلت : إنه ولد الساعة. قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي.

ثم قال : يا أسماء لا تخبري فاطمةعليها‌السلام فإنها حديثة عهد بولادته. ثم قال لعليعليه‌السلام : أي شيء سمّيت ابني هذا؟. قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت أحب أن أسميه (حربا). فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنت لأسبق باسمه ربي. فأتاه جبرئيل فقال : الجبار يقرئك السلام ، ويقول : سمّه باسم ابن هرون. فقال : ما اسم ابن هرون؟. قال : شبير. قال : لسان عربي. قال : سمّه الحسين ، فسماه الحسينعليه‌السلام .

ثم عقّ عنه يوم سابعه بكبش ، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقا ، وطلا رأسه بالخلوق (نوع من الطيب) وقال : الدم فعل الجاهلية. وأعطى القابلة فخذ الكبش.

١١٥ ـ رواية أم الفضل :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)

روى الحاكم في (المستدرك) بسنده عن أم الفضل بنت الحارث (زوجة العباس ابن عبد المطلب) أنها دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة. قال : وما هو؟. قالت : إنه شديد. قال : وما هو؟. قالت : رأيت كأن قطعة (وفي رواية : بضعة) من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رأيت خيرا ، تلد فاطمة إنشاء الله غلاما ، فيكون في حجرك. قالت :فولدت فاطمة الحسينعليه‌السلام فكان في حجري ، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فدخلت يوما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعته في حجره ، فأخذ يلاعبه ساعة. ثم

١٦٧

حانت مني التفاتة ، فإذا عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تهريقان بالدموع. فقلت : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي مالك؟. قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا.فقلت : هذا!. فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء.

وقد دمجنا روايتين بنفس المضمون مع بعضهما.

١١٦ ـ لماذا لم ترضع فاطمة الحسينعليه‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٩ ط نجف) عن أبي المفضل بن خير بإسناده ، أنه اعتلّت فاطمةعليها‌السلام لما ولدت الحسينعليه‌السلام وجف لبنها.فطلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرضعا فلم يجد ، فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصّها ، ويجعل الله له في إبهام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رزقا يغذوه.

ويقال : بل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل لسانه في فيه فيغرّه كما يغرّ الطائر فرخه(١) . فجعل الله له في ذلك رزقا. ففعل أربعين يوما وليلة ، فنبت لحمه من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

تعليق :

يبدو من الروايات أن فاطمةعليها‌السلام لما ولدت بالحسينعليه‌السلام مرضت وجفّ لبنها ، فأرضعته أم الفضل زوجة العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلبن ابنها (قثم بن العباس). وهذا معارض لما ورد من أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي أرضعه.

والظاهر أن الحسينعليه‌السلام لما لم يرضع من أمه فاطمةعليها‌السلام عرض على غيرها من المرضعات ، فرفض الرضاع. فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضع إبهامه في فيه ، فيمصّ ما يكفيه ، فنبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودمه ، وهذا مصداق قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حسين مني ، وأنا من حسين».

ويمكن الجمع بين الأمرين ، بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرضع الحسينعليه‌السلام أربعين ليلة حتّى نبت لحمه من لحمه ، ثم ردّه إلى أم الفضل فأرضعته وحضنته.

ولله درّ الشاعر حيث قال :

لله مرتضع لم يرتضع أبدا

من ثدي أنثى ، ومن طه مراضعه

يعطيه إبهامه آنا وآونة

لسانه ، فاستوت منه طبائعه

__________________

(١) غرّ الطائر فرخه يغرّه : أي زقّه الطعام

١٦٨

١١٧ ـ ماذا فعلوا به؟ :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٦)

نبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعظمه من عظم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودمه من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولذا كان يشمّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقبّله ، ويقول : «حسين مني ، وأنا من حسين».

يقول الشيخ محمّد مهدي المازندراني :

أما اللحم الّذي تربّى من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد وزّعته سيوف أهل الكوفة ورماحهم. وأما الدم الّذي تربّى من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد أراقته سيوف بني أمية.وأما العظم الّذي تربّى من عظم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد هشّمته الخيل بحوافرها. يقول الشاعر :

ومن ارتبى طفلا بحجر محمّد

حتّى اغتذى وحي الإله رضيعا

يغذو غذاء المرهفات وبعد ذا

منه ترضّ الصافنات ضلوعا

وقد تربّى الحسينعليه‌السلام في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يزل في حجره ، فإذا نامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ظهره ، يرقى الحسين على صدره ويجلس عليه. وهذا الصدر الشريف هو الّذي طحنوه يوم عاشوراء. يقول الشاعر :

يومان لم ترني الأيام مثلهما

فسرّني ذا وهذا زادني أرقا

يوم الحسين رقى صدر النبي به

ويوم شمر على صدر الحسين رقى

١١٨ ـ أولاد الحسينعليه‌السلام :

للحسينعليه‌السلام ستة ذكور وأربع بنات ، هم :

ـ علي الأكبر : قاتل بين يدي أبيه حتّى قتل شهيدا في كربلاء.

ـ علي الأوسط : زين العابدينعليه‌السلام وكان مريضا في كربلاء.

ـ علي الأصغر : أصابه سهم في كربلاء وهو طفل فمات.

ـ عبد الله الرضيع : قتل بين يدي أبيه وهو يستسقي له الماء.

ـ محمّد وجعفر : ماتا صغيرين في حياة أبيهماعليه‌السلام .

ـ البنات : زينب وفاطمة وسكينة ورقيةعليهم‌السلام .

* وقد مرّ ذلك مفصّلا فيما مضى من الكتاب ، فراجع ص ١٢١.

١٦٩

والذكر المخلّد هو لزين العابدينعليه‌السلام أبي الأئمة ، الّذي منه اتصلت سلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد كان مريضا يوم كربلاء على وشك الموت ، ثم شفاه الله من علته ليكون منه النسل النبوي الشريف.

٤ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته وجماله

١١٩ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته :

(غصن الرسول : الحسين بن عليعليه‌السلام لفؤاد علي رضا ، ص ٣٤)

في كتاب (الشفا) للقاضي عياض من أحاديث عدة ، أن الحسينعليه‌السلام كان واسع الجبين ، كثّ اللحية تملأ صدره ، واسع الصدر ، عظيم المنكبين ، ضخم العظام ، عبل العضدين والذراعين والأسافل ، رحب الكفين والقدمين ، أنور المتجرد ، ربعة القد ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد ، رجل الشعر ، متماسك البدن.

١٢٠ ـ صفة شعره ولحيته الشريفة وخضابه :

(المصدر السابق ص ٣٥)

روى ابن عساكر عن قال : رأيت الحسينعليه‌السلام وهو أسود الرأس واللحية إلا من شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري بعد ذلك ، هل خضب أم ترك ، أو ما شاب منه غير ذلك.

وروى ابن كثير في (البداية والنهاية) ، (قال) قال سفيان : قلت لعبيد الله بن زياد:رأيت الحسين؟. قال : نعم ، أسود الرأس واللحية إلا شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان تشبّها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لم يكن شاب منه غير ذلك.

وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ص ٢٩١ : وروى المطلب بن زياد عن السدي قال : رأيت الحسينعليه‌السلام وله جمّة خارجة من تحت عمامته (أخرجه الطبراني برقم ٢٧٩٦).

وعن الشعبي قال : رأيت الحسينعليه‌السلام يتختّم في شهر رمضان.

وفي (بحار الأنوار) للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٨٤ ط ٣ : سأل رجل الحسينعليه‌السلام

١٧٠

وهو في قصر بني مقاتل : يا أبا عبد الله ، هذا الّذي أرى خضاب أو شعرك؟. فقال :خضاب ، والشيب إلينا بني هاشم يعجل.

وقال المفيد في (الإرشاد) : كانعليه‌السلام يخضب بالحناء والكتم(١) ، وقتل وقد نصل الخضاب من عارضيه(٢) .

١٢١ ـ جمال الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٥٩)

كان الحسينعليه‌السلام جيد البدن ، حسن القامة ، جميل الوجه ، صبيح المنظر ، نور جماله يغشى الأبصار ، وله مهابة عظيمة ، ويشرق منه النور بلحية مدوّرة ، قد خالطها الشيب. أدعج العينين (أي شديد سواد العين وبياضها مع سعة) ، أزجّ الحاجبين ، واضح الجبين ، أقنى الأنف (أي في أنفه ارتفاع في وسط القصبة مع ضيق في المنخرين).

وكان الحسنعليه‌السلام يشبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من رأسه إلى صدره ، والحسينعليه‌السلام يشبه من صدره إلى رجليه.

وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) ج ٤ ص ٩٧ : ومما يدل على جمال الحسينعليه‌السلام ووضاءة وجهه وشبهه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما رواه البخاري في صحيحه في باب مناقب الحسن والحسينعليه‌السلام بسنده عن أنس بن مالك ، قال :أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسينعليه‌السلام فجعل في طشت ، فجعل ينكت الرأس ، وقال في حسنه : ما رأيت مثل هذا حسنا. فقال أنس بن مالك : كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أي أشبه أهل البيت بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى ابن كثير وابن عساكر عن شهاب بن خراش ، أنه كان في صوت الحسينعليه‌السلام غنّة.

١٢٢ ـ نور وجههعليه‌السلام :

في (المنتخب) للطريحي ، أن الحسينعليه‌السلام كان إذا جلس في المكان المظلم

__________________

(١) الكتم : نبت يخلط بالحناء ، ويخضب به الشعر فيبقى لونه.

(٢) يقال : نصل الخضاب من اللحية ، إذا بانت أصولها ، بأن مضى عليها أكثر من ثلاثة أيام ، فهي سوداء وأصل الشعر أبيض.

١٧١

يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره ، كأن الذهب يجري في تراقيه. وإذا تكلم رؤي النور يخرج من بين ثناياه. ولم يكن يمرّ في طريق فتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه ، لطيب رائحته.

وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا ما [كان] يقبّل الحسين بنحره وجبهته.

٥ ـ فضائل الحسينعليه‌السلام

١٢٣ ـ بعض فضائل الحسينعليه‌السلام :

فضائل الإمام الحسينعليه‌السلام لا يحدها عدّ ولا حصر ، بدءا من الحسب والنسب ، وانتهاء بالسعادة والشهادة. فجده سيد الكائنات محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمه فاطمة سيدة نساء العالمين ، وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنّة ، وهما مع جدهما وأبيهما وأمهما أصحاب الكساء ، الذين طهّرهم الله من كل رجس ، وفضّلهم على كل نفس ، فكانوا سادة الأمجاد ، وحجج الله على العباد.

يقول الشيخ عباس القمي في (نفس المهموم) : اعلم أن مناقب مولانا الحسينعليه‌السلام واضحة الظهور ، وسنا شرفه ومجده مشرق النور ، فله الرتبة العالية والمكانة السامية في كل الأمور. وكيف لا يكون كذلك ، وقد اكتنفه الشرف من جميع أكنافه ، وظهرت مخايل السؤدد على شمائله وأعطافه ، وكاد الجمال يقطر من نواحيه وأطرافه!.

١٢٤ ـ وصف الإمام الحجةعليه‌السلام للحسينعليه‌السلام في زيارة الناحية :

قال الحجة المهديعليه‌السلام في زيارة الناحية المقدسة ، معددا بعض مناقب الحسينعليه‌السلام : كنت للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولدا ، وللقرآن سندا ، وللأمة عضدا ، وفي الطاعة مجتهدا. حافظا للعهد والميثاق ، ناكبا عن سبل الفسّاق. باذلا للمجهود ، طويل الركوع والسجود. زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ، ناظرا إليها بعين المستوحشين منها.

١٢٥ ـ فضائل مشتركة للحسينعليه‌السلام :

في (مناقب ابن شهراشوب) وغيره ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد ريحانة ، وريحانتاي من الدنيا الحسن والحسينعليه‌السلام ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة».

١٧٢

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : «ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : «هذان ابناي ، فمن أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني».

وروى محمّد بن أبي عمير عن رجاله ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : قال الحسنعليه‌السلام لأصحابه : إن لله مدينتين ، إحداهما في المشرق اسمها (جابلقا) ، والأخرى في المغرب اسمها (جابرسا) ، فيهما خلق لله تعالى لم يهمّوا بمعصية له قط. والله ما فيهما حجة لله على خلقه غيري وغير أخي الحسينعليه‌السلام .

فضائل الحسينعليه‌السلام الخاصة

١٢٦ ـ ما علّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ١٤٦)

قيل للحسينعليه‌السلام : ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال سمعته يقول :

«إن الله يحبّ معالي الأمور ، ويكره سفسافها». وعقلت عنه أنه يكبّر فأكبّر خلفه ، فإذا سمع تكبيري أعاد التكبير حتّى يكبّر سبعا. وعلّمني( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) (١) [الإخلاص : ١] ، وعلّمني الصلوات الخمس.

وسمعته يقول : «من يطع الله يرفعه ، ومن يعص الله يضعه ، ومن يخلص نيّته لله يزينه ، ومن يثق بما عند الله يغنه ، ومن يتعزز على الله يذلّه».

١٢٧ ـ حديث سلمان رضي الله عنه :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٢٦ ط نجف)

عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا الحسينعليه‌السلام على فخذيه ، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ، ويقول :«أنت سيّد ابن سيد أخو سيد ، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام ، وأنت حجة ابن حجة أخو حجة ، وأنت أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم».

١٢٨ ـ حديث ابن عباس رضي الله عنه :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٦)

روى الخوارزمي بإسناده عن ابن عباس قال : حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند وفاته وهو يجود بنفسه ، وقد ضمّ الحسينعليه‌السلام إلى صدره ، وهو يقول :

١٧٣

«هذا من أطائب أرومتي ، وأبرار عترتي ، وخيار ذرّيتي ؛ لا بارك الله فيمن لم يحفظه من بعدي».

قال ابن عباس : ثم أغمي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساعة ، ثم أفاق فقال :

«يا حسين ، إنّ لي ولقاتلك يوم القيامة مقاما بين يدي ربي وخصومة ، وقد طابت نفسي إذ جعلني الله خصما لمن قاتلك يوم القيامة».

١٢٩ ـ الحسينعليه‌السلام سبط من الأسباط :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٣)

حدثنا الحسين بن عرفة عن يعلى بن مرة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط من الأسباط». أي أمّة من الأمم.

١٣٠ ـ حديث البراء بن عازب :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٧)

روى محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى ، ص ١٣٣) بإسناده عن البراء بن عازب (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسن أو للحسينعليهما‌السلام : «هذا مني وأنا منه ، وهذا يحرم عليه ما يحرم عليّ».

١٣١ ـ حديث جابر بن عبد الله :

(المصدر السابق)

روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فإني سمعت ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٣٢ ـ أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :

وفي (القمقام) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحبّ أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ، فلينظر إلى الحسينعليه‌السلام . إنما الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه ريح الجنّة».

فكيف بمن قتله وسفك دمه وسلب أثوابه وأوطأ الخيل صدره؟!.

١٧٤

١٣٣ ـ الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٤٥)

وروى الخوارزمي بإسناده عن عبد الله (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) [الرعد : ٧] ، وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون ، وبه تشقون.

ألا وإن الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة».

١٣٤ ـ حديث أبي بن كعب :

في (البحار) عن أبي بن كعب ، قال : دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسينعليه‌السلام فقال له : مرحبا بك يا أبا عبد الله ، يا زين السموات والأرضين!. فقال أبّي : وكيف يكون يا رسول الله زين السموات والأرضين أحد غيرك؟. فقال :

«يا أبيّ ، والذي بعثني بالحق نبيا ، إن الحسين بن عليعليهما‌السلام في السماء أكبر منه في الأرضين ، وإنه لمكتوب على يمين العرش :

الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»

وفي رواية الشيخ الصدوق :

(مصباح هدى وسفينة نجاة ، وإمام غير وهن ، وعزّ وفخر ، وعلم وذخر. وإن اللهعزوجل مركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية ، خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام ، أو يجري ماء في الأصلاب ، أو يكون ليل أو نهار).

ثم أخذ بيده ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أيها الناس ، هذا الحسين بن علي فاعرفوه وفضّلوه كما فضّله الله ، فو الذي نفسي بيده إنه لفي الجنّة ، ومحبّيه في الجنّة ، ومحبّي محبّيه في الجنّة».

١٣٥ ـ عوّض الله الحسينعليه‌السلام عن قتله بأربع خصال :

عن حميد بن مسلم ، قال : سمعت الباقر والصادقعليهما‌السلام يقولان : إن الله تعالى عوّض الحسينعليه‌السلام عن قتله ، أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعدّ أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره.

١٧٥

وسوف نشرح بعد قليل الخصلة الأولى (الإمامة من ذريته). أما فيما يتعلق (بفضل تربته) فنرجئ بحثه إلى آخر الموسوعة.

فضائل الحسينعليه‌السلام على لسان الصحابة

١٣٦ ـ كلام عبد الله بن عمر :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ٢٤)

روى ابن حجر بإسناده عن العيزار بن حرب : بينا عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة ، إذ رأى الحسينعليه‌السلام مقبلا ، فقال : هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.

١٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٢ ط نجف)

روى ابن الأثير بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ، قال : كنت في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو بن العاص ، فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه القوم ، فسكت عبد الله بن عمرو ، حتّى إذا فرغوا رفع عبد الله بن عمرو صوته فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أقبل على القوم فقال : ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟. قالوا : بلى. قال :هذا هو المقتفي (يقصد الحسين) ، والله ما كلمني بكلمة من ليالي صفين ، ولأن يرضى عني أحبّ إليّ من أن تكون لي حمر النّعم.

١٣٨ ـ حكم المحرم الّذي يقتل الذباب :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٢)

روى البخاري من حديث شعبة ومهدي بن ميمون ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، سمعت ابن أبي نعيم ، قال : سمعت عبد الله بن عمر ، وقد سأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب؟. فقال : أهل العراق يسألون عن قتل الذباب ، وقد قتلوا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«هما ريحانتاي من الدنيا».

١٧٦

وروى الترمذي عن عقبة بن مكرم ، عن وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، نحوه : أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب (أطاهر هو أم نجس؟). فقال ابن عمر : انظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر تمام الحديث ، ثم قال :

حسن صحيح.

١٣٩ ـ حكم دم البعوض في الصلاة :

(إسعاف الراغبين للصبان ص ١٩٣)

روى البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن عمر ، أنه سأله رجل عن دم البعوض ، طاهر أم لا؟.(وفي رواية) أنه سأله عن المحرم بالحج يقتل الذباب ، ماذا يلزمه إذا قتله؟. فقال له : ممن أنت؟. فقال : من أهل العراق. فقال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض (وفي الرواية الثانية : عن قتل الذباب) مع حقارته ، وقد أفرطوا وقتلوا ابن نبيهم مع جلالته ، وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الحسنان ريحانتاي من الدنيا».

وفي رواية ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص ١٧٢ ط ٢ :والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «هما سيدا شباب أهل الجنّة».

رواية مشابهة عن الحسن البصري :

(الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٧٢)

وسأل أهل الكوفة مرة الحسن البصري عن دم البعوض؟. فقال : تستحلون دم الحسينعليه‌السلام وتسألون عن دم البعوض؟. ما رأيت أجهل منكم!.

الإمام الحسينعليه‌السلام والقرآن

١٤٠ ـ التشابه بين الحسينعليه‌السلام والقرآن :

(الخصائص الحسينية ، ص ٢٠٣)

ألفّ الشيخ جعفر التستري كتابا فريدا في موضوعه ، جمع فيه كل الخصال التي اختص بها الحسينعليه‌السلام ، وسمّاه (الخصائص الحسينية) نقتطف منه هذه الفقرات.

١٧٧

قال الشيخ جعفر التستري :

* القرآن فيه البسملة مائة وأربعة عشر مكانا ، والحسينعليه‌السلام في بدنه جروح السيف مثل البسملة مائة وأربعة عشر.

* القرآن يقسّم إلى أربعة أقسام : طوال ومئين ومثاني ومفصّل(١) ، والحسينعليه‌السلام أربعة أقسام : رأس على الرمح مسافر ، وجسد في كربلا مطروح ، ودم على أجنحة الطيور وفي القارورة الخضراء عند الملك ، ومفصّل من صغار أعضاء أطراف الجسد متفرقة.

* القرآن سمّاه الله مباركا ، فقال :( هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ ) ، وقد سمّى الله الحسينعليه‌السلام في تسميته مباركا ، في وحيه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا واسطة ، فيقول :

«بورك من مولود عليه صلواتي وبركاتي ورحمتي».

* القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين ، والحسينعليه‌السلام شفاء للأمراض الباطنة ، وتربته للأمراض الظاهرة ، وهو رحمة للمؤمنين ، أكثر فوزهم يكون به.

١٤١ ـ في الآيات النازلة في حق الحسينعليه‌السلام في القرآن :

(المصدر السابق ، ص ٢٠٨)

يقول الشيخ جعفر التستري :

١ ـ في بيان الحمل بهعليه‌السلام وولادته ، وهو قوله تعالى :( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (١٥) [الأحقاف : ١٥].

__________________

(١) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعطيت السّبع الطوال مكان التوراة ، والمئين مكان الإنجيل ، والمثاني مكان الزبور ، وفضّلت بالمفصّل». وإليك بيان ذلك :

السبع الطوال : من البقرة إلى التوبة. المئين : بعد السبع الطوال ، وهي سبع سور تحوي كل واحدة مائة آية أو يزيد قليلا أو يقلّ ، وهي : بنو إسرائيل ـ الكهف ـ مريم ـ طه ـ الأنبياء ـ الحج ـ المؤمنون. المثاني : السور بعد المئين. المفصّل : السور القصار بعد الحواميم إلى آخر القرآن. وذكر وجه التسمية لها بالمفصل ، أن هذه السور قصيرة ، ولذلك كثر الفصل بينها بالتسمية.

١٧٨

ومن الثابت أن الّذي ولد لستة أشهر ، فكان حمله ورضاعه ثلاثون شهرا ، هو الحسينعليه‌السلام ويحيى بن زكرياعليه‌السلام .

يقول : فلو قال في الآية : (وأصلح لي ذريتي) لكانت ذريته كلهم أئمة ، ولكنه قال( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) [الأحقاف : ١٥] أي بعضهم ، وهم الأئمة الأطهار من نسل الحسينعليه‌السلام .

٢ ـ في بيان خروجه من المدينة ، وهو قوله تعالى :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ ) (٤٠) [الحج : ٣٩ ـ ٤٠].

عن الإمام الصادقعليه‌السلام أن هذه الآية نزلت في عليعليه‌السلام وجعفر وحمزة ، وجرت في الحسينعليه‌السلام أيضا.

٣ ـ في قلة أنصاره ، وهو قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) [النساء : ٧٧]. وفي هذا إشارة إلى ما عمل الحسنعليه‌السلام حين كفّ يده وصالح.( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ ) [النساء : ٧٧] أي مع الحسين( إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) [النساء : ٧٧]. وهذا إشارة إلى وقت خروج القائمعليه‌السلام .

٤ ـ في مجمل بيان شهادته ومكانه وحالاتهعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى :( كهيعص ) (١) [مريم : ١]. وسوف نتناول شرح هذه الآية في الفصل القادم.

٥ ـ فيما نودي من الله به عند قتلهعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى :

( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨)فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩)وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (٣٠) [الفجر : ٢٧ ـ ٣٠]. يقول الإمام الصادقعليه‌السلام : يعني الحسينعليه‌السلام ، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضيّة.

٦ ـ في طلب ثأره في الرجعة ، وهي قوله تعالى :( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) (٣٣) [الإسراء : ٣٣].فالحسينعليه‌السلام قتل مظلوما ، ووليه الّذي سيأخذ بثأره هو الحجة القائمعليه‌السلام .( فَلا يُسْرِفْ فِي ) [الإسراء : ٣٣] : أي لا يقتل إلا من شرك في قتله.

٧ ـ في الانتقام له يوم القيامة ، وهي قوله تعالى :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (٩) [التكوير : ٨ ـ ٩]. عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنها نزلت في الحسينعليه‌السلام ،

١٧٩

لأن الحسينعليه‌السلام وعياله وأطفاله يوم عاشوراء قبل أن يستشهدوا أحاط بهم الأعداء وعزلوهم عن العالم وضيّقوا عليهم الخناق ، ومنعوهم من كل مقوّمات الحياة ، فهم كالموؤودة في التراب.

والمقصود( الْمَوْؤُدَةُ ) (٨) [التكوير : ٨] : ولاية أهل البيتعليهم‌السلام التي وأدها المسلمون في كربلاء ، بدون ذنب جنته. فيسألون عنها يوم القيامة ، بأي ذنب قتلوها؟!.

وفي (مناقب ابن شهراشوب) ج ٣ ص ٢٣٧ ط نجف :

عن الإمام الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ ) (٨) [التكوير : ٨] يقول : يسألكم عن الموؤودة التي أنزل عليكم فضلها ، مودة ذي القربى ، وحقّنا الواجب على الناس ، وحبّنا الواجب على الخلق. قتلوا مودتنا ، بأي ذنب قتلونا؟.

جملة من مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام

سوف نسرد في هذه الفقرة باقة من مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهي تشمل محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ، ثم عبادته وسخاءه ورأفته بالفقراء وإباءه للضيم وشجاعته.

يقول الشيخ أحمد فهمي محمّد في كتابه (ريحانة الرسول : الشهيد المظلوم) :وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شديد الحب للحسينعليه‌السلام لشوق فؤاده إلى الذرية من سلالته.

١٤٢ ـ شدة حب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١٠٠)

قال ابن عباس : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب الحسينعليه‌السلام ويحمله على كتفه ويقبّل شفتيه وثناياه.

ومرّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيت فاطمةعليها‌السلام فسمع الحسينعليه‌السلام يبكي ، فقال : بنيّة سكّتيه ، ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني».

(أقول) : لم يستطع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسمع بكاء الحسينعليه‌السلام من غاية شفقته عليه ، ليت شعري فما حاله ليلة الحادي عشر من المحرم ، حين وقف عليه فرآه مقطّع الرأس ، ومبضّعا بالسيوف والنبال والرماح ، وقد قطع الجمّال يديه!.

١٤٣ ـ أيهما أحبّ إلى النبي : الحسين أم علي؟ :

(معالي السبطين للشيخ محمّد مهدي الحائري ، ج ١ ص ٨٨)

في (تظلّم الزهراء) عن كتاب (منتخب آثار أمير المؤمنين) : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292