الإنسان والعقيدة

الإنسان والعقيدة20%

الإنسان والعقيدة مؤلف:
الناشر: باقيات
تصنيف: المعاد
الصفحات: 292

الإنسان والعقيدة
  • البداية
  • السابق
  • 292 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 56552 / تحميل: 7201
الحجم الحجم الحجم
الإنسان والعقيدة

الإنسان والعقيدة

مؤلف:
الناشر: باقيات
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وكيف كان ، فأصحاب الأعراف هم المهيمنون على المكانين ، المشرفون على الفريقين وليست هذه الكثبان كثبان رمل من مادة أرضنا ، فقد قال سبحانه في وصف الأرض : ( لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً ) (١) ، بل إنّما هو مقامهم المرتفع عن ساحة أهل الجمع ، فهم غير محضَرين ، فهم المخلصون الذين حفظهم الله سبحانه من صعقة النفخ وفزع اليوم ، ومقامهم الحجاب ، وفيه الرحمة التي وسعت كلّ شيء ، والنّار التي أحاط بأهلها سرادقُها ؛ وهو المستشعر بقوله تعالى : ( فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (٢) .

ولم يقل سبحانه : (فأذن بينهم مؤذّن) كما لا يخفى .

وهم الحاكمون يوم القيامة ، قال سبحانه :( وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ) (٣) .

وهي الجنّة كما مرّ ، وكما يدلّ عليه قوله :( ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ) (٤) .

وهم أصحاب الروح المأذون لهم في الكلام والقول الصواب في قوله سبحانه :( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ) (٥) .

وقد فصّلنا القول في معنى الروح وإيمانه وعلمه في" رسالة الإنسان قبل الدنيا " في قوله سبحانه : ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ) (٦) .

فهم ـ أعني أصحاب الأعراف ـ هم المعنيّون ظاهراً بقول سبحانه :

ـــــــــــــ

(١) سورة طه : الآية ١٠٧ .

(٢) سورة الأعراف : الآية ٤٤ .

(٣) سورة الأعراف : الآيتان ٤٨ و ٤٩ .

(٤) سورة الأعراف : الآية ٤٩ .

(٥) سورة النبأ : الآية ٣٨ .

(٦) سورة الشورى : الآية ٥٢ .

١٦١

( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (١) فقد قضوا بخسرانهم .

وهم أيضاً المعنيّون بقوله تعالى :( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (٢) ، فزعمهم ذلك لِمَا قُيُّدوا في الدنيا ، فلم تتّسع أنظارهم بأزيد من أن يدركوا ساعة من دهرهم واقعون فيها ، ففاتهم ما كانوا عليه قبل النزول في الدنيا ، وما سيكونون عليه بعد الارتحال من الدنيا ووقعوا فيها بحسب سيطرة الزمان ، لا تزال ساعة تبطن وساعة تظهر ، فهم يَقسمون حين البعث ما لبثوا غير ساعة ، وهذا الوهم الشبيه بالحقيقة قد قرّره سبحانه بقوله :( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ ) (٣) ، وقوله :( قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (٤) .

ولذلك فليس قولهم وقَسَمُهم على ما يقولون ويدعون ، تقليلاً منهم لمدّة مكثهم في الأرض بالنسبة إلى البقاء الأبدي الذي شاهدوه حين البعث ؛ ولذلك أردف ذلك بقوله : ( كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ) (٥) .

وقولة أُولي العلم والإيمان :( لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ) ، كأنّه

ـــــــــــــ

(١) سورة الشورى : الآية ٤٥ .

(٢) سورة الروم : الآيتان ٥٥ و ٥٦ .

(٣) سورة الأحقاف : الآية ٣٥ .

(٤) سورة المؤمنون : الآيات ١١٢ ـ ١١٤ .

(٥) سورة الروم : الآية ٥٥ .

١٦٢

إشارة إلى قوله :( وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) (١) ، وقد مرّ معنى الآية في الكلام في الأجل والموت .

وإذ كان اللبث وانتهاؤه مفروغاً منه ، أردفوه بقولهم : ( فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ ) ، وهو النتيجة ، وقالوا : ولكنّكم كنتم لا تعلمون بهذا الانتهاء والتحديد ، وأنّ الساعة كلمح البصر أو هي أقرب ، وأنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين .

واعلم أنّ صدور هذه الدعوى الباطلة من المبعوثين ، ثمَّ ظهور بطلانها لهم وأمثال ذلك ، كالمخاصمات التي تقع بين الضعفاء والمتكبّرين ، والأتباع والمتبوعين ، يوم القيامة على ما حكاه سبحانه عنهم ، لا ينافي ما مرّ من أنّ اليوم يوم تظهر فيه الحقائق وترتفع فيه الحُجب ؛ فإنّ الظهور بنفسه يتحقّق عن خفاء وينحلّ إلى مراتب ، غير أنّ الأمر طويل عسير عند البعض ، وقليل نزر يسير عن آخرين .

والأخبار الواردة في الباب تؤيّد ما مرّ من المعاني :

فقد روى العيّاشي عن سلمان قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليّعليه‌السلام أكثر من عشر مرّات :(يا عليّ ، إنّك والأوصياء من بعدك أعرافٌ بين الجنّة والنار ، لا يدخل الجنّة إلاّ مَن عرفكم وعرفتموه ، ولا يدخل النّار إلاّ مَن أنكركم وأنكرتموه) (٢) .

وروى القمّي في تفسيره عن الصادقعليه‌السلام :(كلّ أُمّة يحاسبها إمام زمانها ، ويعرف الأئمة أولياءهم وأعداءهم بسيماهم (٣) ، وهو قوله : ( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ ) (٤) ، فيَعطون أولياءهم كتابهم بيمنيهم ، فيمروا إلى الجنّة بلا حساب ،

ـــــــــــــ

(١) سورة الشورى : الآية ١٤ .

(٢) تفسير العيّاشي : ٢ / ٢٢ ، الحديث ٤٤ .

(٣) وكأنّهم المراد فاعلاً للفعل المجهول في قوله سبحانه :( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ) (الرحمن : ٤١) فهو سبحانه لا يُخفي له منهم شيء ، والمجرمون في شغل عن المعرفة (منه قدِّس سرُّه) .

(٤) سورة الأعراف : الآية ٤٦ .

١٦٣

ويعطون أعداءهم كتابهم بشمالهم ، فيمرّوا إلى النّار بلا حساب) (١) .

ومثله في (الكافي)(٢) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في قوله تعالى : ( وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ ) الآية .

ومن المحتمل أن يُرجععليه‌السلام الضمير في سيماهم إلى قوله : (رِجَالٌ) و(كُلاًّ) جميعاً .

وروى القمي عن الباقرعليه‌السلام أنّه سئل عن أصحاب الأعراف ، فقال :(إنّهم قوم استوت حسناتهم وسيّئاتهم فقصرت بهم الأعمال ، وإنّهم لكما قال الله عزّ وجلّ) (٣) .

أقول : يشيرعليه‌السلام إلى قوله :( وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ) (٤) الآية .

وفي الجوامع عن الصادقعليه‌السلام : (الأعراف : كثبان بين الجنّة والنار يُوقف عليها كلّ نبيّ وكلّ خليفة مع المذنبين من أهل زمانه ، كما يقف صاحب الجيش مع الضعفاء من جنده ، وقد سبق المحسنون إلى الجنّة ، فيقول ذلك الخليفة للمذنبين الواقفين معه :

انظروا إلى إخوانكم المحسنين قد سبقوا إلى الجنّة ، فيسلِّم عليهم المذنبون ، وذلك قوله تعالى : ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ) أن يدخلهم الله إيّاها بشفاعة النبيّ والإمام وينظر هؤلاء إلى النار فيقولون : ( رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٥) .

وينادي أصحاب الأعراف ـ وهم الأنبياء والخلفاء ـ رجالاً من أهل النار ورؤساء الكفّار ، يقولون لهم مقرّعين : ما أغنى عنكم جمعكم واستكباركم ؟! هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة إشارة لهم إلى أهل الجنّة الذين كان الرؤساء يستضعفونهم ويحتقرونهم بفقرهم ، ويستطيلون عليهم بدنياهم ، ويقسمون أنّ الله لا يدخلهم الجنّة أُدخلوا الجنّة .

ـــــــــــــ

(١) تفسير القمّي : ٢ / ٤٠٤ .

(٢) الكافي : ١ / ٢٣٩ ، الباب ٦٤ ، الحديث ٩ .

(٣) وقد ورد في الكافي : ٢ / ٣٨٨ ، الباب ٣٦٠ أصحاب الأعراف ، الحديث ١ .

(٤) سورة الأعراف : الآية ٤٦ .

(٥) سورة الأعراف : الآية ٤٧ .

١٦٤

يقول أصحاب الأعراف لهؤلاء المستضعفين عن أمر من أمر الله عزّ وجلّ لهم بذلك : ( ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ) (١) ، أي لا خائفين ولا محزونين) (٢) .

أقول : وخصوصيات هذا الحديث مستفادة من خصوصيّات آيات الأعراف ، والأخبار في هذه المعاني كثيرة مروية في تفسيري : القمّي والعيّاشي ، وفي الكافي والبصائر والمجمع والاحتجاج .

والبرهان المذكور سابقاً ربّما استفاد منه هذا الموقف ، وهو وصل قوم إلى مقام ينشعب منه مقام الفريقين ولحوق الضعفاء والمتوسّطين بهم ؛ وبه يظهر أنّ الأعراف ليس موقفاً ذا مرتبة واحدة ، بل ذو مراتب ، ولذلك لا نرى تصريحاً منه سبحانه أنّ المستضعفين على الأعراف كالرجال الذين يحكمون فيها ، وإنّما المفهوم أنّهم عندهم ، يشيرون إليهم ويخاطبونهم ويأمرونهم ويؤمنونهم .

ـــــــــــــ

(١) سورة الأعراف : الآية ٤٩ .

(٢) وقد ورد في بحار الأنوار : ٨٠ / ٣٣٢ ، الباب ٢٥ ، مع اختلاف يسير .

١٦٥

الفصل الرابع عشر: في الجنّة

بسط الكلام فيها وشرح ما تضمّنته الآيات والأخبار ـ على كثرتها فيها ـ أوسع من مجال هذه الرسالة ؛ فقد وردت في كتاب الله تعالى في وصف الجنّة ما يقرب من ثلاثمئة آية ، وذكْرُها مطّرد في جميع سور القرآن إلاّ عشرين سورة ، هي : سورتا الممتحنة والمنافقين ، وثماني عشرة سورة من السور القصار ، لكنّا نتعرّض لكلّيات أوصافها على حسب المقدور .

فاعلم أنّ المستفاد من كلامه سبحانه أنّ هناك ارتباطاً مخصوصاً بين الأرض وبين الجنّة ، قال سبحانه :( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) (١) .

ولعلّ قولهم : ( صَدَقَنَا وَعْدَهُ ) الآية ، إشارة إلى قوله سبحانه :( أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (٢) .

والوراثة هي أن تُملك شيئاً بعد ما ملكه آخر قبلك ، وتخول منه ما خوّله سلفُك .، فالميراث يحتاج إلى شيء ثابت اعتورته يد بعْدَ يد ، وقام به خلف بعد سلف وكان مقتضى ظاهر السياق في بيان صدق الموعد أن يقال : (وأورثنا الأرض نتبوّأ منها) ، أو يقال : (وأورثنا الجنّة نتبوّأ منها) ، فالعدول عن ذلك إلى ما ترى يعطي ارتباطاً ما ، واتّحاداً مخصوصاً بين الأرض والجنّة كما ترى .

ـــــــــــــ

(١) سورة الزُّمر : الآية ٧٤ .

(٢) سورة الأنبياء : الآية ١٠٥ .

١٦٦

وقد أخبر سبحانه بتبديل الأرض يوم القيامة تارةً ، فقال :( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ ) (١) ، وبإشراقها الأرض بنور ربّها تارةً ، فقال :( وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ) (٢) ، وبقبضها تارةً ، فقال : ( وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) (٣) .

ويشير إلى ما مرّ بقوله : ( وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ) (٤) ، وأصرح منه قوله سبحانه : ( وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ * وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (٥) .

فقد فُسّر ووُصف ، عقبى الدار ، بجنّات عدن يدخلونها ، والدخول يستدعي خروجاً ما سابقاً ، فمثلهم كمثل الذي يسكن أرضاً ثمّ يعمر فيها داراً يسكنها ، ثمّ يزيِّن قبّة من قبابها فيدخلها ، فإنّما هو أوج بعد حضيض ، أو ارتقاء بعد ارتقاء ، قال سبحانه :( كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً ) (٦) .

ـــــــــــــ

(١) سورة إبراهيم : الآية ٤٨ .

(٢) سورة الزُّمر : الآية ٦٩ .

(٣) سورة الزُّمر : الآية ٦٧ .

(٤) سورة الرعد : الآية ٤٢ .

(٥) سورة الرعد : الآيات ٢٢ ـ ٢٤ .

(٦) سورة البقرة : الآية ٢٥ .

١٦٧

وهناك آيات أُخر تشعر بذلك ، كقوله سبحانه :( إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) ، وقوله :( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً ) (٢) ، وقوله :( تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٣) .

وفي (المجمع) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(ما من أحد إلاّ وله منزل في الجنّة ومنزل في النّار فأمّا الكافر فيرث المؤمنَ منزله من النار ، والمؤمنُ يرث الكافر منزله من الجنّة ، فذلك قوله : ( أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ) (٤) .

أقول : والرواية ـ لو صحّت ـ لم تنافِ ما ذكرناه من وراثة الأرض ، وكذلك سياق قوله سبحانه : ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (٥) ، وهو ظاهر هذا ، والبرهان السابق تستفاد منه هذه الوراثة .

ثمّ اعلم أنّه سبحانه كرّر الوعد بتطهير الجنّة وأهلها ، وتطييبها من الكدورات والظلمات ، قال تعالى :( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) (٦) ، فالتفريع بالفاء : يعطي طيب المنزل كطيب النازل .

وقال سبحانه :( سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) (٧) ، والتفريع فيها يعطي طيب المنزل ، وهو الأرض ، بطيب النازل بالصبر ، والفرق من جهة أنّ السلام الأوّل شكر ، والثاني في مقام البشرى .

ـــــــــــــ

(١) سورة الأعراف : الآية ١٢٨ .

(٢) سورة مريم : الآية ٦٣ .

(٣) سورة الأعراف : الآية ٤٣ .

(٤) تفسير مجمع البيان : ٤ / ٦٤٩ .

(٥) سورة الأعراف : الآية ١٢٨ .

(٦) سورة الزُّمر : الآية ٧٣ .

(٧) سورة الرعد : الآية ٢٤ .

١٦٨

وقال سبحانه : ( وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ) (١) ، وقال :( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ * لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ ) (٢) ، وقال : ( لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ) (٣) ، إلى غير ذلك من الآيات ، وأجمعها معنى قوله سبحانه :( ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ) (٤) .

فالخوف إنّما يكون من المكروه المحتمل ، والحزن على مكروه واقع ، فقد نفى سبحانه كلّ نقيصة ، وعدم واقع في الموجود ومحتمل ، فأصحاب الجنّة مبرَّءون عن النواقص والإعدام ، وكاملون في وجوداتهم ، فلا مزاحمة من مزاحمات الدنيا هناك أصلاً ، فهي المرفوعة عنهم ، فهم المفلِحون المغشيّون بالأمن والسلام ، قال سبحانه : ( ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ ) (٥) ، وقال : ( لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً ) (٦) .

ثمّ اعلم أنّه سبحانه وعدهم فيها كلّ لذّة وبهجة وجمال وكمال ،

ـــــــــــــ

(١) سورة التوبة : الآية ٧٢ .

(٢) سورة الحجر : الآيتان ٤٧ و ٤٨ .

(٣) سورة فاطر : الآية ٣٥ .

(٤) سورة الأعراف : الآية ٤٩ .

(٥) سورة الحجر : الآية ٤٦ .

(٦) سورة الواقعة : الآيتان ٢٥ و ٢٦ .

١٦٩

قال تعالى :( لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ) (١) ، وقال سبحانه : ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ) (٢) .

وأكثر الروايات واردة في وصف خصوصيّات من قصورها ، وحورها ، وطيورها ، وأشجارها ، وأثمارها ، وأنهارها ، وفواكهها ، وظلّها ، وشرابها ، وغلمانها ، وخلودها ، وينبغي لك أن تفهم منها معانيها مطلقة غير مشوبة بالنواقص والأعدام .

ثم اعلم أنّه سبحانه وعدهم أمراً وراء ذلك ، فقال : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (٣) ، وهذا الوعد بعدما وصف سبحانه عطاءه بكلّ صفة جميلة بليغة ، يعطي أنّه أمر وراء ما يسعه إفهام النفوس .

وقد روى القمّي في تفسيره عن عاصم بن صمد ، عن الصادقعليه‌السلام في حديث يصف فيه الجنّة ، قال : قلت : جعلت فداك ، زدني ، فقال :(إنّ الله خلق جنّة بيده ، ولم ترها عين ، ولم يطّلع عليها مخلوق ، يفتحها الربّ كلّ صباح فيقول : ازدادي ريحاً ازدادي طيباً ، وهو قول الله : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ) (٤) .

أقول : وقوله : ( جَزَاء بِمَا ) الآية ، يعطي أنّ هذا الذي فوق فهم الأفهام أُخفيت للإنسان بإزاء العمل جزاء له ، وقد قال سبحانه : ( لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا ) (٥) ، فكلّ ما تتعلّق به المشيئة مملوك للإنسان هناك .

ـــــــــــــ

(١) سورة الزُّمر : الآية ٣٤ .

(٢) سورة فصّلت : الآيتان ٣١ و ٣٢ .

(٣) سورة السجدة : الآية ١٧ .

(٤) تفسير القمّي : ٢ / ١٧٠ .

(٥) سورة ق : الآية ٣٥ .

١٧٠

وقال أيضاً :( وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى ) (١) .

فكلّ ما يحبّه الإنسان هناك أعمّ ممّا يسعه الفهم ، وما لا يسعه مملوك له ؛ لمكان قوله : (لَهُمْ) الآية ، وواقع تحت المشيئة المطلقة لقوله :( مَا يَشَآؤُونَ ) الآية .

لكنّ الآية تفيد أنّ للإنسان كمالاً فوق مرتبة الفهم ، يمكن أن يملكه بالعمل ، وهو ظاهر ؛ ولعلّ ذلك ما يفيده قوله سبحانه :( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (٢) ، وهو المشاهدة بالقلوب في غير جهة ولا جسم ولا تشبيه ؛ لقوله تعالى : ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (٣) ، حيث رتّب اللقاء على العلم النافع والعمل الصالح .

ثمّ إنّه سبحانه قال :( لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) (٤) ، فإثباته المزيد لديه بعد ما أخبر أنّ لهم كلّ ما يتعلّق به مشيئتهم يعطي أنّه أمر لا يقع تحت مطلق المشيئة ، ولا شكّ أنّه كمال ، وأنّ كلّ كمال يقع تحت المشيئة ، فليس إلاّ أنّه كمال غير محدود ، فلا يقع تحت المشيئة ؛ إذ كلّ ما يقع تحتها يصير محدوداً .

وفي تفسير القمّي في قوله : ( وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) ، قالعليه‌السلام : (ينظرون إلى رحمة الله) (٥) .

أقول : ولعلّ الرواية مستفادة من قوله تعالى : ( لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (٦) .

ـــــــــــــ

(١) سورة النجم : الآيات ٣٩ ـ ٤١ .

(٢) سورة القيامة : الآيتان ٢٢ و ٢٣ .

(٣) سورة الكهف : الآية ١١٠ .

(٤) سورة ق : الآية ٣٥ .

(٥) تفسير القمّي : ٢ / ٣٣٤ .

(٦) سورة النُّور : الآية ٣٨ .

١٧١

فبيّن أنّ المزيد الذي هو رزق بغير حساب من الفضل ، وقد قال : ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً ) (١) ، فالفضل من الرحمة ، وهي الرحمة من غير استحقاق .

وقال سبحانه :( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) (٢) ، فهذا المكتوب لهم الذي لا يسعه شيء هو المزيد ، ولئن تدبّرت في قوله سبحانه :( فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ ) (٣) ، وقوله :( أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ ) (٤) الآية ، وقوله :( إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) (٥) ، وقوله :( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ) (٦) ، أنّ الرحمة هي الجنّة بوجه ، بل إنّ الجنّة من مراتبها .

ـــــــــــــ

(١) سورة النُّور : الآية ٢١ .

(٢) سورة الأعراف : الآية ١٥٦ .

(٣) سورة الحديد : الآية ١٣ .

(٤) سورة الأعراف : الآية ٤٩ .

(٥) سورة الأعراف : الآية ٥٦ .

(٦) سورة ق : الآية ٣١ .

١٧٢

الفصل الخامس عشر: في النار

أعاذنا الله سبحانه منها ، والآيات الواردة في تفاصيل العذاب والإخبار بها أكثر عدداً من آيات الجنّة ، فهي تقرب من أربعمئة آية ، وما خلت عن ذكرها تصريحاً أو تلويحاً إلاّ اثنتا عشرة سورة من السور القصار .

وكيف كان فجملة حالهم أنّهم محرومون من الحياة الحقيقيّة الأُخرويّة قال سبحانه :( قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ) (١) ، وقال :( إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) (٢) ، وقال :( وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ ) (٣) .

وقد قال سبحانه في وصف الآخرة : ( وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ) (٤) ، هي الرحمة الإلهيّة التي هي منبع كلّ كمال وجمال ، كما قال :( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ) (٥) .

ـــــــــــــ

(١) سورة الممتحنة : الآية ١٣ .

(٢) سورة يوسف : الآية ٨٧ .

(٣) سورة الحجر : الآية ٥٦ .

(٤) سورة العنكبوت : الآية ٦٤ .

(٥) سورة الأعراف : الآية ١٥٦ .

١٧٣

وهي تفيد أنّهم في عين حرمانهم منها مشمولون لها ، وقد قال :( وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ) (١) ، وقال : ( فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ) (٢) .

ويتحصّل منه أنّهم في عين مشموليّتهم للرحمة محرومون عنها ؛ لكونها في باطنِ حجابٍ هم لا يجاوزون ظاهره ، وقد مرّ بيانه في" فصل : الأعراف " (٣) فالحجاب هو الذي يمنعهم من النعيم ، وظاهره هو الذي يعذّبون به وقد بيّن سبحانه أنّهم إنّما يعذّبون بأعمالهم السيّئة بأقسامها ، فأعمالهم هي أنواع عذابهم والأصل الذي تنشعب منه هذه الأنواع ، هو أصل الحجاب لهم ، وهو الغفلة ، قال تعالى :( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) (٤) ، وقال سبحانه :( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ) (٥) ، فهم متوقّفون في حجاب أعمالهم .

وقد قال سبحانه : ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً) (٦) ، وقال : ( أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ) (٧) ،

ـــــــــــــ

(١) سورة الأعراف : الآية ٤٦ .

(٢) سورة الحديد : ١٧٥ .

(٣) راجع الصفحة : ١٧٥ .

(٤) سورة الأعراف : الآية ١٧٩ .

(٥) سورة المطفّفين : الآيتان ١٤ و ١٥ .

(٦) سورة الفرقان : الآية ٢٣ .

(٧) سورة النور : الآية ٣٩ .

١٧٤

وقال :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ) (١) ، وقال : ( وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ ) (٢) ، فمقامهم سراب الأوهام دون الحقيقة ، والظاهر دون الباطن ، والبوار والهلاك دون الحياة ، ومواطنها كلّها هي الدنيا التي حياتها متاع الغرور ؛ ولذلك فلها ارتباط خاصّ بجهنّم ، قال سبحانه :( وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ) (٣) ، وقال سبحانه في سورة السجدة :( وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (٤) .

وهذه أبلغ الآيات في الكشف عن شأن جهنّم ، ولذلك ورد عنهمعليهم‌السلام ، كما في (ثواب الأعمال) عن الصادقعليه‌السلام :(مَن اشتاق إلى الجنّة وإلى صفتها فليقرأ الواقعة ، ومَن أحبّ أن ينظر إلى صفة النّار فليقرأ سجدة لقمان) (٥) .

وفي معنى الآية السابقة قوله :( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) (٦) .

وممّا ظهر يظهر معنى صنف آخر من الآيات كقوله سبحانه :( فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) (٧) ،

ـــــــــــــ

(١) سورة إبراهيم : الآيتان ٢٨ و ٢٩ .

(٢) سورة فاطر : الآية ١٠ .

(٣) سورة مريم : الآيتان ٧١ و ٧٢ .

(٤) سورة السجدة : الآية ١٣ .

(٥) ثواب الأعمال : ١١٧ .

(٦) سورة التين : الآيات ٤ ـ ٦ .

(٧) سورة البقرة : الآية ٢٤ .

١٧٥

وقوله :( قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) (١) ، والمراد بالحجارة ـ بقرينة المورود ـ هي الأصنام المتخّذة من الحجارة المعبودة من دون الله .

وقوله سبحانه :( وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ) (٢) .

وقوله سبحانه :( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) (٣) .

وقد استدرك سبحانه المعبودين من دون الله من عباده الصالحين بقوله ـ بعد الآية ـ : ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) (٤) .

وقوله سبحانه :( نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) (٥) الآيات .

واعلم أنّ ما مرّ أُصول صفة النار ، وهي المستفادة من البرهان السابق .

ـــــــــــــ

(١) سورة التحريم : الآية ٦ .

(٢) سورة آل عمران : الآية ١٠ .

(٣) سورة الأنبياء : الآية ٩٨ .

(٤) سورة الأنبياء : الآية ١٠١ .

(٥) سورة الهُمزة : الآيتان ٦ و ٧ .

١٧٦

الفصل السادس عشر: في عموم المعاد

قال سبحانه : ( مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ) (١) .

أفاد أنّ خِلقة ما في السموات والأرض وما بينهما مقرون بالحقّ وأجل مسمّى ، (والباء للسبيّة أو للمصاحبة) ، وقد عرفت في الفصل الأوّل أنّ الأجل المسمّى هو الحياة عند الله ، حياة تامّة سعيدة من غير فناء وزوال ، ولا شوب بمزاحمات الحياة الدنيا وآلامها وأعراضها وأغراضها ، وهي حياة الدار التي نزلت منها كما قال سبحانه :( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) (٢) .

فمنبع حياة جميع هذه الموجودات ، على كثرتها وتفصيلها ، حياة تامّة غير محدودة ، ومعادها إلى ما بدئت منه .

وهذا هو الذي يعطيه كون الخِلقة بالحقّ ، فإنّ الباطل هو الفعل الذي لا ينتهي إلى غاية تكون هي المنتهى إليها والمراد بالفعل ، ومن المحال ، أن يكون المراد والغاية بالفعل نفس الفعل ، وبالخلق نفس الخلق ، إلاّ أن يكون كاملاً في أصل وجوده ، غير متدرِّج من النقص إلى الكمال ، ثابتاً غير متغيّر ، فالبراهين مطبقة على ذلك على أنّه من القضايا التي قياساتها معها .

ـــــــــــــ

(١) سورة الأحقاف : الآية ٣ .

(٢) سورة الحجر : الآية ٢١ .

١٧٧

ومثل الآية السابقة قوله سبحانه :( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ) (١) وحيث لم يفرّق سبحانه في السياقين بين الموجودات الحيّة باعتقادنا وغيرها ، والعاقلة وغيرها ؛ علمنا بذلك أنّ حكم المعاد والحشر يعمّ الجميع .

ثمّ إنّه سبحانه قال في خصوص الأحياء من خليفة الأرض :( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) (٢) ، وظاهر آخر الآية أنّ حشرهم إنّما هو لكونهم أُمماً أمثال الناس ، غير باطل الخلق ؛ ففيهم غاية مقصودة من الخلقة ، وهي العود فالفرق والنشر مقصود للجمع والحشر ، كما أنّ الجمع والحشر مقصود للفرق والنشر ، يعطي ذلك قوله سبحانه : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ ) (٣) .

وكذلك صفاته وأسماؤه تعالى ، فاعتبِرْ إن كنت من أهله إن شاء الله .

فحشرهم إلى ربّهم نتيجة كونهم أُممّاً أمثال الناس أو كالنتيجة له ؛ ويبيّن السبب في ذلك قوله تعالى : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) الآية .

فإنّه الكتاب الحقّ الذي يقول فيه :( هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ) ، وحقيقة الكتاب تُعطي أن لا تكون الاختلافات التي تجعل الدواب والطير أُمّةٍ أُمّة ، تفترق كلّ أُمّة عن غيرها بأشكال وصور وأفعال وخواصّ فيها لغواً باطلاً ، بل مؤثّراً في الغاية والمنتهى ، من دون استهلاك لها وزوال في الوسط قبل البلوغ إلى الغاية ؛ وإلاّ كان الاختلاف باطلاً وتفريطاً في الكتاب ، مخلاًّ لإتقانه .

ـــــــــــــ

(١) سورة ص : الآية ٢٧ .

(٢) سورة الأنعام : الآية ٣٨ .

(٣) سورة الحجر : الآية ٢١ .

١٧٨

فقد تحصّل أن الحيوانات الأرضيّة أُمم أمثال الناس ، بينهم ولهم ما للناس من العود إلى ربّهم والاجتماع عنده سبحانه ، وقال سبحانه أيضاً : ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ) (١) ، فعمّم الحكم إلى كلّ ذي روح في السموات والأرض.

ومثله قوله سبحانه :( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً ) (٢) .

وقوله : (عَبْداً) الآية ، يعطي أنّ لكلّ منها عبودية بحسب نفسه ، ونُسكاً إليها يتقرّب به إلى ربّه ، وقد مرّ تفسير الفرد .

واعلم أنّ قوله :( وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً ) ـ على ما تفسِّره الآيات من معنى (الفرد) ـ يعطي لقوله :( وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ ) الآية ، معنىً آخر غير ما يتسابق إلى الفهم من معنى الجمع ، وقد تكرّر إطلاق الجمع والحشر على البعث في الآيات ، كقوله :( لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ) (٣) ، وقوله : ( يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ) (٤) .

وبذلك يتّضح معنى قوله سبحانه :( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ) (٥) ، وقوله :( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً ) (٦) ، وقوله :( لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ

ـــــــــــــ

(١) سورة الشورى : الآية ٢٩ .

(٢) سورة مريم : الآيات ٩٣ ـ ٩٥ .

(٣) سورة النساء : الآية ٨٧ .

(٤) سورة التغابن : الآية ٩ .

(٥) سورة الزُّمر : الآية ٧٣ .

(٦) سورة الزُّمر : الآية ٧١ .

١٧٩

جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ) (١) .

ولنرجع إلى ما كنّا فيه .

يُشير إلى بعث غير ذوي الروح والشعور قوله سبحانه :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ) (٢) .

وضمير (كانوا) في الموضعين راجع إلى المعبودات من غير الله ، كما يدلّ عليه قوله سبحانه :( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) (٣) وكُفرُهم قولهم على ما حكاه سبحانه : ( تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ) (٤) .

وبالجملة فقوله :( مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ ) (٥) إلخ ، ظاهر الدلالة على أنّ المعبودات من غير الله ، من النبات والجماد ، غير البشر والملائكة ، فهم مبعوثون ليوم القيامة ؛ بدلالة قوله :( وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء ) (٦) إلخ .

ويدلّ عليه بعينه قوله سبحانه : ( أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) (٧) .

واعلم أنّ ظاهر هذه الآيات ملازمة البعث مع الحياة والعلم كما يفيده حال

ـــــــــــــ

(١) سورة الأنفال : الآية ٣٧ .

(٢) سورة الأحقاف : الآيتان ٥ و ٦ .

(٣) سورة فاطر : الآيتان ١٣ و ١٤ .

(٤) سورة القصص : الآية ٦٣ .

(٥) سورة الأحقاف : الآية ٥ .

(٦) سورة الأحقاف : الآية ٦ .

(٧) سورة النحل : الآية ٢١ .

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

(الاول): في الانساب.

ومراتبهم ثلاث: (الاولى): الآباء والاولاد: لا لاب يرث المال إذا انفرد.

والام الثلث والباقي بالرد.

ولو اجتمعا فللام الثلث وللاب الباقي.

ولو كان له أخوة كان لها السدس.

ولو شاركهما زوج او زوجة، فللزوج النصف، وللزوجة الربع.

وللام ثلث الاصل إذا لم يكن حاجب والباقي للاب، ولو كان لها حاجب كان لها السدس.

ولو انفرد الابن فالمال له.

ولو كانوا أكثر اشتركوا بالسوية.

ولو كانوا ذكرانا وإناثا فللذكر سهمان، وللانثى سهم.

ولو اجتمع معهما الابوان فلهما السدسان والباقي للاولاد ذكرانا كانوا او اناثا او ذكرانا وإناثا ولو كانت بنت فلها النصف وللابوين السدسان، والباقي يرد أخماسا.

ولوكان من يحجب الام ردعلى الاب والبنت أرباعا.

ولو كانت بنتان فصاعدا فللابوين: السدسان، وللبنتين او البنات: الثلثان بالسوية.

ولو كان معهما او معهن أحد الابوين كان له: السدس، ولهما اولهن: الثلثان والباقي يرد أخماسا.

ولو كان مع البنت والابوين زوج او زوجة كان للزوج: الربع، وللزوجة الثمن، وللابوين: السدسان، والباقي للبنت.

وحيث يفضل عن النصف يرد الزائد عليها وعلى الابوين أخماسا.

ولو كان من يحجب الام رددناه على البنت والاب أرباعا.

ويلحق مسائل: (الاولى): الاولاد يقومون مقام آبائهم عند عدمهم ويأخذ كل فريق نصيب من يتقرب به، ويقسمونه للذكر مثل حظ الانثيين، اولاد ابن كانوا او أولاد البنت على الاشبه.

(ويمنع) الاقرب الابعد.

ويرد على ولد البنت كما يرد

٢٦١

على امه ذكرا كان او انثى.

ويشاركون الابوين كما يشاركهما الاولاد للصلب على الاصح.

(الثانية): يحبى الولد الاكبر بثياب بدن الميت وخاتمه وسيفه ومصحفه إذا خلف الميت غير ذلك.

ولو كان الاكبر بنتا أخذه الاكبر من الذكور ويقضي عنه ما ترك من صيام او صلاة.

وشرط بعض الاصحاب ألا يكون سفيها ولا فاسد الرأي.

(الثالثة): لا يرث مع الابوين ولا مع الاولاد جد ولا جدة ولاأحد من ذوي القرابة.

لكن يستحب للاب أن يطعم أباه وأمه: السدس من أصل التركة بالسوية، إذا حصل له الثلثان.

وتطعم الام أباها وأمها: النصف من نصيبها بالسوية إذا حصل لها الثلث فما زاد.

ولو حصل لاحدهما نصيبه الاعلى دون الآخر استحب له طعمة الجد والجدة دون صاحبه.

ولا طعمة لاحد الاجداد إلا مع وجود من يتقرب به.

(الرابعة): لا يحجب الاخوة الام إلا بشروط أربعة: أن يكون أخوين او أخا وأختين او أربع أخوات فما زاد لاب وأم او لاب مع وجود الاب، غير كفرة ولا رق.

وفي القتلة قولان، أشبههما: عدم الحجب وان يكونوا منفصلين لا حملا.

(المرتبة الثانية): الاخوة والاجداد اذا لم يكن أحد الابوين، ولا ولد وان نزل، فالميراث للاخوة والاجداد.

فالاخ الواحد للاب والام يرث المال، وكذا الاخوة.

والاخت انما ترث النصف بالتسمية، والباقي بالرد.

وللاختين فصاعدا الثلثان بالتسمية والباقي بالرد.

ولو اجتمع الاخوة والاخوات لهما كان المال بينهم للذكر سهمان وللانثى سهم.

٢٦٢

وللواحد من ولد الام السدس ذكرا كان او انثى.

وللاثنين فصاعدا الثلث بينهم بالسوية ذكرانا كانوا او اناثا.

ولا يرث مع الاخوة للاب والام ولا مع أحدهم أحد من ولد الاب، لكن يقومون مقامهم عند عدمهم.

ويكون حكمهم في الانفراد والاجتماع ذلك الحكم.

ولو اجتمع الكلالات كان لولد الام السدس إن كان واحدا، والثلث ان كانوا أكثر، والباقي لولد الاب والام ويسقط أولاد الاب.

فان أبقت الفريضة فالرد على كلالة الاب والام، وان ابقت الفريضة مع ولد الام وولد الاب، ففي الرد قولان، أحدهما: يرد على كلالة الاب، لان النقص يدخل عليهم، مثل أخت لاب مع واحد او اثنين فصاعدا من ولد الام، او أختين للاب، مع واحد من ولد الام.

والآخر: يرد على الفريقين بنسبة مستحقهما وهو أشبه.

وللجد المال إذا انفرد لاب كان او لام.

وكذا الجدة.

ولو اجتمع جد وجدة، فان كانا لاب فلهما المال، للذكر مثل حظ الانثيين وإن كانا لام فالمال بالسوية.

واذا اجتمع الاجداد المختلفون، فلمن يتقرب بالام الثلث على الاصح، واحدا كان او اكثر.

ولمن يتقرب بالاب الثلثان ولو كان واحدا.

ولو كان معهم زوج او زوجة أخذ النصيب الاعلى.

ولمن يتقرب بالام ثلث الاصل.

والباقي لمن يتقرب بالاب.

والجد الادنى يمنع الاعلى.

واذا اجتمع معهم الاخوة، فالجد كالاخ والجدة كالاخت.

مسألتان: (الاولى): لو اجتمع أربعة أجداد لاب ومثلهم لام كان لاجداد الام الثلث بينهم أرباعا.

ولاجداد الاب وجداته الثلثان، لابوي أبيه ثلثا الثلثين

٢٦٣

أثلاثا ولابوي امه الثلث أثلاثا أيضا فيصح من مئة وثمانية.

(الثانية): الجد وإن علا يقاسم الاخوة والاخوات.

وأولاد الاخوة والاخوات وإن نزلوا، يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الاجداد والجدات ويرث كل واحد منهم نصيب من يتقرب به.

ثم إن كانوا أولاد أخوة او أخوات لاب اقتسموا المال، للذكر مثل حظ الانثيين.

وإن كانوا لام اقتسموا بالسوية.

(المرتبة الثانية): الاعمام والاخوال: المعلم المال اذا انفرد.

وكذا للعمين فصاعدا.

وكذا العمة والعمتان والعمات.

والعمومة والعمات: للذكر مثل حظ الانثيين.

ولو كانوا متفرقين، فلمن تقرب بالام السدس ان كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر بالسوية.

والباقي لمن يتقرب بالاب والام للذكر مثل حظ الانثيين ويسقط من يتقرب بالاب معهم.

ويقومون مقامهم عند عدمهم.

ولا يرث الابعد مع الاقرب مثل ابن خال مع خال او عم.

اوابن عم مع خال او عم، الا ابن عم لاب وأم مع عم لاب فابن العم أولى.

وللخال المال اذا انفرد.

وكذا للخالين والاخوال والخالة والخالتين والخالات.

ولو اجتمعوا فالمال بينهم بالسوية كيف كانوا.

ولو كانوا متفرقين، فلمن يتقرب بالام السدس ان كان واحدا، والثلث إن كانوا اكثر.

والثلثان لمن يتقرب بالاب والام.

ويسقط من يتقرب بالام معهم.

والقسمة بينهم للذكر مثل حظ الانثيين.

ولو اجتمع الاخوال والاعمام فللاخوال الثلث وللاعمام الثلثان.

ولو كان معهم زوج او زوجة فلهما النصيب الاعلى.

ولمن يتقرب بالام ثلث الاصل.

والباقي لمن يتقرب بالاب.

ولو اجمتع عم الاب وعمته وخاله وخالته وعم الام وعمتها وخالها وخالتها كان

٢٦٤

لمن يتقرب بالام الثلث بينهم أرباعا.

ولمن يتقرب بالاب الثلثان: ثلثاه لعمه وعمته أثلاثا.

وثلثه لخاله وخالته بالسوية، على قول.

مسائل: (الاولى): عمومة الميت وعماته وخئولته وخالاته وأولادهم وإن نزلوا أولى من عمومة أبيه وخئولته.

وكذا أولاد كل بطن أقرب.

أولى من البطن الابعد.

ويقوم اولاد العمومة والعمات والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به واحدا كان أو أكثر.

(الثانية): من اجتمع له سببان ورث بهما ما لم يمنع أحدهما الآخر.

فالاول كابن عم لاب هو خال لام، وزوج هو ابن عم، وعمة لاب هي خالة لام.

والثاني كابن عم هو أخ لام.

(الثالثة): حكم أولاد العمومة والخئولة مع الزوج والزوجة حكم آبائهم، يأخذ من يتقرب بالام ثلث الاصل والزوج نصيبه الاعلى.

وما يبقى لمن يتقرب بالاب.

المقصد الثاني في ميراث الازواج: للزوج مع عدم الولد النصف، وللزوجة الربع.

ومع وجوده وإن نزل نصف النصيب.

ولو لم يكن وارث سوى الزوج، رد عليه الفاضل.

وفي الزوجة قولان: أحدهما: لها الربع والباقي للامام.

والآخر: يرد عليها الفاضل كالزوج.

وقال ثالث: بالرد مع عدم الامام والاول: أظهر.

واذا كن اكثر من واحدة فهن مشتركات في الربع أو الثمن.

وترث الزوجة وإن لم يدخل بها الزوج.

وكذا الزوج.

وكذا في العدة

٢٦٥

الرجعية خاصة.

لكن لو طلقها مريضا ورثت وإن كان بائنا ما لم تخرج السنة ولم يبرأ ولم تتزوج.

ولا ترث البائن إلا هنا.

ويرث الزوج من جمع ما تركته المرأة، وكذا المرأة عدا العقار، وترث من قيمة الآلات والابنية، ومنهم من طرد الحكم في أرض المزارع والقرب، وعلم الهدى يمنعها العين دون القيمة.

مسألتان: (الاولى): إذا طلق واحدة من أربع وتزوج أخرى فاشتبهت كان للاخيرة ربع الثمن مع الولد او ربع الربع مع عدمه، والباقي بين الاربعة بالسوية.

(الثانية): نكاح المريض مشروط بالدخول، فان مات قبله فلا مهر لها ولا ميراث.

المقصد الثالث في الولاء وأقسامه ثلاثة.

(القسم الاول): ولاء العتق: ويشترط التبرع بالعتق وألا يتبرأ من ضمان جريرته.

فلو كان واجبا كان المعتق سائبة.

وكذا لو تبرع بالعتق وتبرأ من الجريرة ولا يرث المعتق مع وجود مناسب وإن بعد.

ويرث مع الزوج والزوجة.

وإذا اجتمعت الشروط ورثه المنعم إن كان واحدا، واشتركوا في المال ان كانوا أكثر.

ولو عدم المنعم فللاصحاب فيه أقوال، أظهرهما.

انتقال الولاء إلى الاولاد الذكور دون الاناث.

فان لم يكن الذكور، فالولاء لعصبة المنعم.

ولو كان المعتق امرأة فالى عصبها دون أولادها ولو كانوا ذكورا.

ولا يرث الولاء من يتقرب بأم المنعم.

ولا يصح بيعه ولا هبته.

ويصح جره من مولى الام إلى المولى الاب اذا كان الاولاد مولودين على الحرية.

٢٦٦

القسم الثاني ولاء تضمن الجريرة: من توالى إنسانا يضمن حدثه: ويكون ولاؤه له.

ثبت له الميراث ولا يتعدى الضامن، ولا يضمن إلا سائبة كالمعتق في النذر والكفارات أو من لا وارث له.

ولا يرث الضامن الا مع فقد كل مناسب ومع فقد المعتق.

ويرث معه الزوج والزوجة نصيبهما الاعلى وما بقي له، وهو أولى من بيت مال الامام.

القسم الثالث ولاء الامامة: ولا يرث الا مع فقد وارث عدا الزوجة فانها تشاركه على الاصح.

ومع وجوده (ع) فالمال له يصنع به ما شاء.

وكان عليعليه‌السلام يعطيه فقراء بلده تبرعا.

ومع غيبته يقسم في الفقراء ولا يعطي الجائر إلا مع الخوف.

وأما اللواحق فأربعة: (الاول): في ميراث ابن الملاعنة: ميراثه لامه وولده، للام السدس والباقي للولد.

ولو انفردت كان لها الثلث والباقي بالرد.

ولو انفردت الاولاد فللواحد النصف وللاثنتين فصاعدا الثلثان.

وللذكران المال بالسوية.

وان اجتمعوا فللذكر سهمان وللانثى سهم.

ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الاعلى مع عدم الولد وان نزل، والادنى معهم.

ولو عدم الولد يرثه من تقرب بأمه الاقرب فالاقرب الذكر والانثى سواء.

ومع عدم الوارث يرثه الامام.

ويرث هو امه ومن يتقرب بها على الاظهر.

ولا يرث أباه ولا من يتقرب به ولا يرثونه.

ولو اعترف به الاب لحق به، وورث هو أباه دون غيره من ذوي قرابة أبيه ولا عبرة بنسب الاب.

فلو ترك اخوة الاب وأم مع أخ أو اخت لام كانوا سواء في المال.

وكذا لو ترك جدا لام مع أخ أو أخت أو اخوة أو أخت من أب وأم.

٢٦٧

خاتمة تشتمل على مسائل: (الاولى): ولد الزنا لا ترثه أمه ولا غيرها من الانساب.

ويرثه ولده إن نزل والزوج أو الزوجة.

ولو لم يكن أحدهم فميراثه للامام.

وقيل: ترثه أمه كابن الملاعنة.

(الثانية): الحمل يرث ان سقط حيا وتعتبر حركة الاحياء كالاستهلال، والحركات الارادية، دون التقلص.

(الثالثة): قال الشيخ: يوقف للحمل نصيب ذكرين احتياطا.

ولو كان ذو فرض أعطوا النصيب الادنى.

(الرابعة): يرث دية الجنين أبواه ومن يتقرب بهما أو بالاب.

(الخامسة): اذا تعارفا بما يقتضي الميراث توارثا ولم يكلف أحدهما البينة.

(السادسة): المفقود يتربص بماله.

وفى قدر التربص روايات: أربع سنين، وفي سندها ضعف.

وعشر سنين وهي في حكم خاص.

وفي ثالثة يقتسمه الورثة اذا كانوا ملاء، وفيها ضعف أيضا.

وقال في الخلاف حتى يمضي مدة لا يعيش مثله إليها، وهو أولى في الاحتياط وأبعد من التهجم على الاموال المعصومة بالاخبار الموهومة.

(السابعة): لو تبرأ من جريرة ولده و ميراثه، ففي رواية يكون ميراثه للاقرب إلى أبيه، وفي الرواية ضعف.

(الثاني): في ميراث الخنثى: من له فرج الرجال والنساء يعتبر بالبول، فمن أيهما سبق يورث عليه.

فان

٢٦٨

بدر منهما قال الشيخ: يورث على الذي ينقطع منه أخيرا، وفيه تردد.

وإن تساويا، قال في الخلاف: يعمل فيه بالقرعة، وقال المفيد وعلم الهدى: تعد أضلاعه.

وقال في النهاية والايجاز والمبسوط: يعطى نصف ميراث رجل ونصف امرأة، وهو أشهر.

ولو اجتمع مع الانثى ذكر وانثى، قيل: للذكر أربعة، وللخنثى ثلاثة وللانثى سهمان.

وقيل: تقسم الفريضة مرتين فتفرض مرة ذكرا ومرة انثى ويعطى نصف النصيبين وهو أظهر.

مثاله خنثى وذكر تفرضهما ذكرين تارة وذكرا وأنثى أخرى، وتطلب أقل مال له نصف ولنصفه نصف وله ثلث ولثلثه نصف، فيكون اثنا عشر فيحصل للخنثى خمسة وللذكر سبعة.

ولو كان بدل الذكر انثى حصل للخنثى سبعة وللانثى خمسة.

ولو شاركهم زوج أو زوجة صححت فريضة الخنثى ثم ضربت فخرج نصيب الزوج أو الزوجة في تلك الفريضة فما ارتفع فمنه تصح.

ومن ليس له فرج النساء ولا الرجال يورث بالقرعة.

ومن له رأسان أو بدنان على حقو واحد يوقظ أو يصاح به، فان انتبه أحدهما فهما اثنان.

(الثالث): في الغرقى والمهدوم عليهم: وهؤلاء يرث بعضهم إذا كان لهم أو لاحدهم مال وكانوا يتوارثون واشتبه المتقدم في الموت بالمتأخر.

وفي ثبوت هذا الحكم بغير سبب الغرق والهدم تردد.

ومع الشرائط يورث الاضعف أولا، ثم الاقوى، ولا يورث مما ورث منه.

وفيه قول آخر.

والتقديم على الاستحباب على الاشبه.

فلو غرق أب وابن، ورث الاب أولا نصيبه، ثم ورث الابن من أصل تركة

٢٦٩

أبيه مما لا ورث منه، ثم يعطى نصيب كل منهما لوارثه.

ولو كان لاحدهما وارث اعطي ما اجتمع لدى الوراث لهم، وما اجتمع للآخر للامام.

ولو لم يكن لهما غيرهما انتقل مال كل منهما إلى الآخر ثم منهما إلى الامام.

واذا لم يكن بينهما تفاوت في الاستحقاق سقط اعتبار التقديم، كأخوين، فان كان لهما مال ولا مشارك لهما انتقل مال كل منهما إلى صاحبه ثم منهما إلى ورثتهما.

وإن كان لاحدهما مال صار ماله لاخيه، ومنه إلى ورثته ولم يكن للآخر شئ ولو لم يكن لهما وارث انتقل المال إلى الامام.

ولو ماتا حتف أنفهما لم يتوارثا، وكان ميراث كل منهما لورثته.

(الرابع): في ميراث المجوس: وقد اختلف الاصحاب فيه.

فالمحكي عن يونس أنه لا يورثهم إلا بالصحيح من النسب والسبب.

وعن الفضل بن شاذان: أنه يورثهم بالنسب، صحيحه وفاسده.

والسبب الصحيح خاصة، وتابعه المفيدرحمه‌الله .

وقال الشيخ: يورثون بالصحيح والفاسد فيهما.

واختيار الفضل أشبه.

ولو خلف أما هي زوجة، فلها نصيب الام دون الزوجة.

ولو خلف جدة هي أخت ورثت بهما.

ولا كذا لو خلف بنتا هي أخت، لانه لا ميراث للاخت مع البنت.

٢٧٠

خاتمة في حساب الفرائض مخارج الفروض ستة: ونعني بالمخرج أقل عدد يخرج منه ذلك الجزء صحيحا.

فالنصف من اثنين، والربع من أربعة، والثمن من ثمانية، والثلثان والثلث من ثلاثة، والسدس من ستة.

والفريضة إما بقدر السهام أو أقل أو أكثر: فما كان بقدرها فان انقسم من غير كسر وإلا فاضرب عدد من انكسر عليهم في أصل الفريضة مثل: أبوين وخمس بنات، تنكسر الاربعة على الخمسة، فتضرب خمسة في اصل الفريضة فما اجتمع فمنه الفريضة، لانه لا وفق بين نصيبهن وعددهن.

ولو كان وفق ضربت الوفق من العدد لا من النصيب في اصل الفريضة مثل: أبوين وست بنات، للبنات أربعة، وبين نصيبهن وهو أربعة وعددهن وهو ستة، وفق، وهو النصف فيضرب الوفق من العدد وهو ثلاثة في أصل الفريضة وهو ستة فما اجتمع صحت منه.

ولو نقصت الفريضة بدخول الزوج أو الزوجة فلا عول ويدخل النقص على البنت أو البنات أو من يتقرب بالاب والام، أو الاب، مثل: ابوين، وزوج وبنت.

فللابوين السدسان وللزوج الربع، والباقي للبنت.

وكذا الابوان أو أحدهما، وبنت او بنات وزوج، النقص يدخل على البنت او البنات، واثنان من ولد الام والاختان للاب والام أو للاب مع زوج أو زوجة يدخل النقص على من يتقرب بالاب والام، أو الاب خاصة.

ثم ان انقسمت الفريضة على صحة والا ضربت سهام من انكسر عليهم.

في أصل الفريضة.

٢٧١

ولو زادت الفريضة كان الرد على ذوي السهام دون غيرهم.

ولا تعصيب.

ولا يرد على الزوج والزوجة، ولا على الام مع وجود من يحجبها، مثل أبوين وبنت.

فاذا لم يكن حاجب فالرد أخماسا.

وان كان حاجب فالرد ارباعا تضرب فخرج سهام الرد في أصل الفريضة فما اجتمع صحت منه الفريضة.

تتمة في (المناسخات) ونعني به أن يموت الانسان فلا تقسم تركته، ثم يموت أحد وراثه ويتعلق الغرض بقسمة الفريضتين من أصل واحد.

فان اختلف الوارث او الاستحقاق اوهما ونهض نصيب الثاني بالقسمة على وراثه والا فاضرب الوفق من الفريضة الثانية في الفريضة الاولى، ان كان بين الفريضتين وفق.

وان لم يكن فاضرب الفريضة الثانية في الاولى فما بلغ صحت منه الفريضتان.

٢٧٢

كتاب القضاء والنظر في الصفات، والآداب، وكيفية الحكم، وأحكام الدعوى

والصفات ست: التكليف، والايمان، والعدالة، وطهارة المولد، والعلم، والذكورة ويدخل في العدالة اشتراط الامانة والمحافظة على الواجبات.

ولا ينعقد الا لمن له أهلية الفتوى، ولا يكفيه فتوى العلماء.

ولابد أن يكون ضابطا، فلو غلبه النسيان لم ينعقد له القضاء.

وهل يشترط علمه بالكتابة؟ الاشبه: نعم، لاضطراره إلى ما لا يتيسر لغير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الا بها، ولا ينعقد للمرأة.

وفي انعقاده للاعمى تردد، والاقرب: أنه لا ينعقد لمثل ما ذكرناه في الكتابة وفي اشتراط الحرية تردد، الاشبه: أنه لا يشترط.

ولا بد من اذن الامام ولا ينعقد بنصب العوام له.

نعم لو تراضى اثنان بواحد من الرعية فحكم بينهما لزم.

ومع عدم الامام ينفذ قضاء الفقيه من فقهاء أهل البيتعليهم‌السلام ، الجامع للصفات.

وقبول القضاء عن السلطان العادل مستحب لمن يثق بنفسه، وربما وجب النظر الثاني في الآداب: وهي مستحبة ومكروهة.

فالمستحب: اشعار رعيته بوصوله ان لم يشتهر خبره.

والجلوس في قضائه مستدبر القبلة، وأن يأخذ ما في يد المعزول من حجج الناس وودائعهم.

والسؤال عن أهل السجون واثبات أسمائهم، والبحث عن موجب اعتقالهم ليطلق من يجب اطلاقه، وتفريق الشهود عند الاقامة، فانه اوثق، خصوصا في موضع الريبة.

٢٧٣

عدا ذوي البصائر، لما يتضمن من الغضاضة، وأن يستحضر من أهل العلم من يخاوضه(١) في المسائل المشتبهة.

والمكروهات: الاحتجاب وقت القضاء، وان يقضي مع ما يشغل النفس، كالغضب، والجوع، والعطش، والغم، والفرح، والمرض، وغلبة النعاس، وأن يرتب قوما للشهادة، وأن يشفع إلى الغريم في اسقاط أو ابطال.

مسائل: (الاولى): للامام أن يقضي بعلمه مطلقا في الحقوق، ولغيره في حقوق الناس، وفي حقوق الله قولان.

(الثانية): إن عرف عدالة الشاهدين حكم، وان عرف فسقهما اطرح، وإن جهل الامرين، فالاصح: التوقف حتى يبحث عنهما.

(الثالثة): تسمع شهادة التعديل مطلقة، ولا تسمع شهادة الجرح الا مفصلة.

(الرابعة): اذا التمس الغريم احضار الغريم وجب اجابته ولو كان امرأة ان كانت برزة.

ولو كان مريضا او امرأة غير برزة استناب الحاكم من يحكم بينهما.

(الخامسة): الرشوة على الحاكم حرام وعلى المرتشي اعادتها.

النظر الثالث في كيفية الحكم، وفيه مقاصد: (الاول): في وظائف الحاكم، وهي أربع: (الاولى): التسوية بين الخصوم في السلام، والكلام، والمكان، والنظر، والانصات، والعدل في الحكم.

ولو كان أحد الخصمين كافرا جاز أن يكون الكافر قائما والمسلم قاعدا أو أعلى منزلا.

(الثانية): لا يجوز أن يلقن أحد الخصمين شيئا يستظهره على خصمه.

٢٧٤

(الثالثة): اذا سكتا استحب له أن يقول: تكلما، او ان كنتما حضرتما لشئ فاذكراه او ما ناسبه.

(الرابعة): اذا بدر أحد الخصمين سمع منه.

ولو قطع عليه غريمه منعه حتى تنتهي دعواه او حكومته.

ولو ابتدرا الدعوى.

سمع من الذي عن يمين صاحبه.

وان اجتمع خصوم كتب أسماء المدعين واستدعى من يخرج اسمه.

المقصد الثاني - في جواب المدعى عليه.

وهو إما اقرار، او انكار، او سكوت.

أما الاقرار فيلزم إذا كان جائز الامر، رجلا كان او امرأة.

فان التمس المدعي الحكم به حكم له.

ولا يكتب على المقر حجة إلا بعد المعرفة باسمه ونسبه او يشهد بذلك عدلان إلا أن يقنع المدعي بالحلية.

ولو امتنع المقر من التسليم أمر الحاكم خصمه بالملازمة، ولو التمس حبسه حبس.

ولو ادعى الاعسار كلف البينة، ومع ثبوته ينظر.

وفي تسليمه إلى الغرماء رواية، وأشهر منها: تخليته.

ولو ارتاب بالمقر توقف في الحكم حتى يستبين حاله.

وأما الانكار فعنده يقال للمدعي: ألك بينة؟ فان قال: نعم، امر باحضارها فاذا حضرت سمعها. ولو قال: البينة غائبة، اجل بمقدار احضارها.

وفي تكفيل المدعى عليه تردد، ويخرج من الكفالة عند انقضاء الاجل.

وإن قال: لا بينة، عرفه الحاكم أن له اليمين. ولا يجوز إحلافه حتى يلتمس المدعي.

فان تبرع او احلفه الحاكم لم يعتد بها، واعيدت مع التماس المدعي.

ثم المنكر: إما أن يحلف او يرد او ينكل، فان حلف سقطت الدعوى، ولو ظفر له المدعي بمال لم يجز له المقاصة.

ولو عاود الخصومة لم تسمع دعواه.

ولو

٢٧٥

أقام بينة لم تسمع، وقيل: يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها.

ولو أكذب نفسه جاز مطالبته وحل مقاصته.

فان رد اليمين على المدعي صح.

فان حلف استحق.

وان امتنع سقطت دعواه.

ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر، قضي عليه بالنكول، وهو المروي.

وقيل: يرد اليمين على المدعي، فان حلف ثبت حقه، وان نكل بطل.

ولو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت اليه.

ولا يستحلف المدعي مع بينة إلا في الدين على الميت يستحلف على بقائه في ذمته استظهارا.

وأما السكوت: فان كان لآفة توصل إلى معرفة إقراره او انكاره.

ولو افتقر إلى مترجم لم يقتصر على الواحد.

ولو كان عنادا حبسه حتى يجيب.

المقصد الثالث - في كيفية الاستحلاف: ولا يستحلف أحد إلا بالله ولو كان كافرا، لكن ان رأى الحاكم احلاف الذمي بما يقتضيه دينه اردع جاز.

ويستحب للحاكم تقديم العظة.

ويجزيه ان يقول: والله ماله قبلي كذا.

ويجوز تغليظ اليمين بالقول والزمان والمكان.

ولا تغليظ لما دون نصاب القطع.

ويحلف الاخرس بالاشارة، وقيل: يوضع يده على اسم الله تعالى في المصحف وقيل: يكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد اعلامه فان شربه كان حالفا وإن امتنع الزم الحق.

ولا يحلف الحاكم أحدا إلا في مجلس قضائه إلا معذورا كالمريض، او امرأة غير برزة.

٢٧٦

ولا يحلف المنكر إلا على القطع.

ويحلف على فعل غيره على نفي العمل كما لو ادعى على الوارث فأنكر، او ادعى أن يكون وكيله قبض او باع.

واما المدعي ولا شاهد له، فلا يمين عليه إلا مع الرد او مع نكول المنكر على قول.

ويحلف على الجزم.

ويكفي مع الانكار الحلف على نفي الاستحقاق.

فلو ادعى المنكر الابراء او الاداء انقلب مدعيا.

والمدعي منكرا، فيكفيه اليمين على بقاء الحق.

ولا يتوجه على الوارث بالدعوى على موروثه الا مع دعوى علمه بموجبه أو إثباته وعلمه بالحق وأنه ترك في يده مالا.

ولا تسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البينة.

ولا يتوجه بها يمين على المنكر.

ولو ادعى الوارث لموروثه مالا سمع دعواه سواء كان عليه دين يحيط بالتركة أو لم يكن.

ويقضى بالشاهد واليمين في الاموال والديون.

ولا يقبل في غيره مثل الهلال والحدود والطلاق والقصاص.

ويشترط شهادة الشاهد أولا، وتعديله.

ولو بدأ باليمين وقعت لاغية.

ويفتقر إلى اعادتها بعد الاقامة.

ولا يحلف مع عدم العلم ولا يثبت مال غيره(١) .

مسألتان: (الاولى): لا يحكم الحاكم باخبار لحاكم آخر، ولا بقيام البينة بثبوت الحكم عند غيره.

نعم لو حكم بين الخصوم واثبت الحكم واشهد على نفسه فشهد شاهدان

____________________ ___

(١) إي: مال لغيره.

وفى الشرح الكبير: فلو ادعى غريم الميت مالا له (للميت) على آخر مع شاهد فان حلف الوارث ثبت وان امتنع لم يحلف الغريم ولا يجبر الوارث عليه.. لان يمينه لاثبات مال الغير.

(*)

٢٧٧

يحكم عند آخر وجب على المشهود عنده انفاذ ذلك الحكم.

(الثانية): القسمة تميز الحقوق ولا يشترط حضور قاسم بل هو أحوط فاذا عدلت السهام كفت القرعة في تحقق القسمة.

وكل ما يتساوى اجزاؤه يجبر الممتنع على قسمته كالحنطة، والشعير، وكذا ما لا يتساوى أجزاؤه اذا لم يكن في القسمة ضرر.

كالارض، والخشب.

ومع الضرر لا يجبر الممتنع.

المقصد الرابع - في الدعوى.

وهي تستدعي فصولا: (الاول) في المدعي: وهو الذي يترك لو ترك الخصومة.

وقيل: هو الذي يدعي خلاف الاصل او امرا خفيا.

ويشترط التكليف، وان يدعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه، وايراد الدعوى بصيغة الجزم وكون المدعى به مملوكا.

ومن كانت دعواه عينا فله انتزاعها.

ولو كان دينا والغريم مقر باذل او مع جحوده عليه حجة لم يستقل المدعي بالانتزاع من دون الحاكم.

ولو فات احد الشروط وحصل للغريم في يد المدعي مال كان له المقاصة ولو كان من غير جنس الحق.

وفي سماع الدعوى المجهولة تردد، اشبهه: الجواز.

مسائل: (الاولى): من انفرد بالدعوى لما لا يد عليه قضى له به.

ومن هذا ان يكون بين جماعة كيس فيدعيه أحدهم.

(الثانية): لو انكسرت سفينة في البحر فما اخرجه البحر فهو لاهله.

وما اخرج بالغوص فهو لمخرجه، وفي الرواية ضعف.

(الثالثة): روي في رجل دفع إلى رجل دراهم بضاعة يخلطها بماله ويتجر بها، فقال: ذهبت، وكان لغيره معه مال كثير فأخذوا أموالهم، قال: يرجع عليه

٢٧٨

بماله ويرجع هو على اولئك بما أخذوا.

ويمكن حمل ذلك على من خلط المال ولم يأذن له صاحبه وأذن الباقون.

(الرابعة): لو وضع المستأجر الاجرة على يد أمين فتلفت كان المستأجر ضامنا إلا أن يكون الآجر دعاه إلى ذلك فحقه حيث وضعه.

(الخامسة): يقضى على الغائب مع قيام البينة، ويباع ماله، ويقضى دينه ويكون الغائب على حجته، ولا يدفع اليه المال إلا بكفلاء.

(الفصل الثاني): في الاختلاف في الدعوى: وفيه مسائل: (الاولى): لو كان في يد رجل وامرأة جارية فادعى أنها مملوكته وادعت المرأة حريتها وأنها بنتها، فان أقام أحدهما بينة قضي له وإلا تركت الجارية حتى تذهب حيث شاء‌ت.

(الثانية): لو تنازعا عينا في يدهما قضي لهما بالسوية ولكل منهما احلاف صاحبه.

ولو كانت في يد أحدهما قضي بها للمتشبث وللخارج احلافه.

ولو كانت في يد ثالث وصدق أحدهما قضي له، وللآخر إحلافه.

ولو صدقهما قضى لهما بالسوية.

ولكل منهما احلاف الآخر وإن كذبهما أقرت في يده.

(الثالثة): اذا تداعيا خصا قضي لمن اليه القمط(١) وهي رواية عمرو بن شمر عن جابر، وفي عمرو ضعف.

وعن منصور بن حازم عن أبي عبداللهعليه‌السلام أن علياعليه‌السلام قضى بذلك، وهي قضية في واقعة.

(الرابعة): إذا ادعى ابوالميتة عارية بعض متاعها كلف البينة وكان كغيره من الانساب.

وفيه رواية بالفرق ضعيفة.

(الخامسة): اذا تداعى الزوجان متاع البيت فله ما للرجال، ولها ما للنساء وما يصلح لهما يقسم بينهما.

وفي رواية: هو للمرأة وعلى الرجال البينة.

____________________ ___

(١) القمط بالكسر: الحبل الذى يشد به الخص.

(*)

٢٧٩

وفي المبسوط: اذا لم يكن بينة ويدهما عليه كان بينهما.

(الثالث): في تعارض البينات: يقضى مع التعارض للخارج إذا شهدتا بالملك المطلق على الاشبه.

ولصاحب اليد لو انفردت بينته بالسبب كالنتاج وقديم الملك وكذا الابتياع.

ولو تساويا في السبب فروايتان، أشبههما: القضاء للخارج.

ولو كانت يداهما عليه قضي لكل منهما بما في يد الآخر، فيكون بينهما نصفين.

ولو كان المدعى به في يد ثالث قضي بالاعدل فالاكثر، فان تساويا عدالة وكثرة أقرع بينهما، فمن خرج اسمه أحلف وقضي له.

ولو امتنع احلف الآخر.

ولو امتنعا قسم بينهما.

وفي المبسوط: يقرع بينهما إن شهدتا بالملك المطلق.

ويقسم إن شهدتا بالملك المقيد.

والاول أشبه.

كتاب الشهادات

والنظر في امور أربعة: (الاول): في صفات الشاهد، وهي ستة: (الاول): البلوغ، فلا تقبل شهادة الصبي ما لم يصر مكلفا.

وقيل: تقبل اذا بلغ عشرا، وهو شاذ.

واختلفت عبارة الاصحاب في قبول شهادتهم في الجنايات و محصلها القبول في الجراح مع بلوغ العشر ما لم يختلفوا، ويؤخذ بأول قولهم.

وشرط الشيخ في الخلاف: ألا يفترقوا.

(الثاني): كمال العقل: فالمجنون لا تقبل شهادته.

ومن يناله الجنون أدوارا تقبل في حال الوثوق باستكمال فطنته.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292