• البداية
  • السابق
  • 29 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 6785 / تحميل: 4422
الحجم الحجم الحجم
مناهج خمسة في الاستدلال على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)

مناهج خمسة في الاستدلال على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

سلسلة المحاضرات الإسلامية

مناهج خمسة في الاستدلال على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام

محاضرة أُلقيت في كاردف، وكلاسكو، ولندن، ومانشستر، سنة 1421 هـ

العلاّمة المحقق: السيّد سامي البدري

١

٢

مناهج خمسة في الاستدلال على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام

٣

٤

إمامة أهل البيت الاثني عشرعليهم‌السلام

أخطر مسألة في الفكر الإسلامي

تعتبر إمامة أهل البيتعليهم‌السلام أخطر وأعظم مسألة في الفكر الإسلامي على الإطلاق، وذلك لانقسام المسلمين جميعاً تبعاً لها إلى معسكرين كبيرين، منذ صدر الإسلام وإلى اليوم، وإلى ما شاء الله تعالى.

المعسكر الأوّل:

ويتمثّل بالشيعة: وهؤلاء يُثبتون لاثني عشر شخصاً من أهل بيت النبي الإمامة الإلهية، التي جعلها لنبيّه الكريم، ومن قبل جعلها لإبراهيم وموسى والمعصومين من بعدهما، مع تثبيت، أنّ الأئمة من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هؤلاء ليسوا بأنبياء ولكنّهم مطهّرون معصومون، ويُلحقون تبعاً للنصوص بهؤلاء المعصومين الاثني عشر الصدّيقة فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

المعسكر الثاني:

ويتمثّل بالسنّة ويندرج ضمنهم الخوارج : وهؤلاء ينفون هذه الإمامة عن أهل البيتعليهم‌السلام كما ينفون أصل وجود معصومين بعد النبي.

مناهج خمسة وليس منهجاً واحداً

وقد يتصوّر البعض، أنَّ مثل هذه المسألة الخطيرة، لم يتوفر لها إلاّ الدليل الروائي الذي يتمثّل بالأحاديث النبويّة التي روتها كتب الحديث

٥

السنيّة، وعلى الرغم من كفاية هذا الدليل بشكلٍ تام لإثبات المطلوب، غير أنّ حال المسألة أوسع من ذلك، إذ هناك خمسة أصعدة ومناهج من البحث لإثباتها(1) ، وكلّ صعيد ومنهج منها ينهض بتحقيق مستوى من الإثبات خاص به.

مضافاً إلى أنّ هذه المناهج يعضد بعضاً، وفيما يلي هذه الأصعدة والمناهج، والتعريف بها بشكلٍ مختصر:

أوّلاً: القرآن الكريم

نريد بالمنهج القرآني في الاستدلال على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ، هو اعتماد القرآن فقط كبداية لتشخيص أطروحة الإمامة الإلهيّة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومبرّرات الحاجة إليها.

أهلُ البيت ينبّهون على المنهج القرآني:

كان أهل البيت هم الذين أثاروا انتباه أصحابهم إلى هذا المنهج، فقد رُوي عن الصادقعليه‌السلام قولُه: (مَن لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكّب الفتن)، وقوله: (لو قُرئ القرآن كما أُنزل لألفيتنا فيه مُسمَّيْن).

ولا يريد الإمام الصادق بحديثه ذاك، أن يقول إنّ أسماء الأئمة

____________________

(1) لم نُدرج الدليل العقلي، لإنّ موضوع البحث، هو إمامة عليّ والحسن والحسين والتسعة من ذريّة الحسين، وليس البحث عن ضرورة وجود حجّة في كلّ زمن، وهي مسألة يتكفّل العقل بإثباتها أساساً؛ مضافاً إلى النصوص.

٦

كانت في القرآن، ثم أُسقطت منه، كما قد يتبادر إلى الذهن ذلك، بل أراد بقوله: (لوجدّتنا مسمَّيْن)، أي لوجدّتنا معرَّفين، وموصوفين بأوصافٍ تقود إلينا، وتنحصر بنا. والاسم هنا معناه الصفة، كما في قوله تعالى:( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) ) الأعراف/180، فأسماء الله تعالى صفاته.

طبيعة المنهج القرآني:

المراد من قول الإمام الصادقعليه‌السلام : (لو قُرئ القرآن كما أُنزل)، هو التدبّر في القرآن بلحاظ ارتباط آياته بعضها ببعض، وهي الحقيقة التي يُشير إليها قوله تعالى:

( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) ) الزمر/23

والمراد بقوله تعالى:( متشابهاً ) ، أي كلّ ما في هذا القرآن، هو حقّ، والحقّانية تسري فيه بدرجةٍ واحدةٍ.

وموضع بحثنا، هو كلمة( مثانيَ ) ، حيث وردت نعتاً وصفةً للقرآن، وقد وردت الكلمة أيضاً نعتاً لآيات القرآن، كما في قوله تعالى:( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) ) الحجر/87

٧

ولا يسمى الشيء مثاني، إلاّ إذا كانت له مطاوي ومحاني ومعاطف ومنعَرَجات.

تقول: ثنى الشيء ثَنْياً: أي ردَّ بعضه على بعض، وقد تثنّى وانثنى، وأثناؤه ومثانيه: قِواه وطاقاته(1) ، وأثناء واحدها ثني، ومَثناة ومِثناة عن ثعلب.

وأثناء الحيّة: مطاويها إذا تحوَّت، أي إذا انطوت. وثني الحيّة: انثناؤها، وهو أيضاً ما تعوّج منها، إذا تثنّت، والجمع أثناء.

ومثاني الوادي ومحانيه: معاطفه. والثِّني: واحد أثناء الشيء، أي تضاعيفه، تقول: أنفذت كذا ثِنْيَ كتابي أي في طيِّه.

وثِنْي الناقة: ولدها، وكذلك المرأة. أقول سميّ ولد الناقة، أو ولد المرأة ثِني، لأنّه كان في أحنائهما وطيّاتهما.

وفي ضوء ذلك يتّضح، أنّ وصف الكتاب بالمثاني معناه، أنّ آياته لها

____________________

(1) القوّة: الخصلة الواحدة من قوى الحبل، وقيل: القوّة الطاقة الواحدة من طاقات الحبل أو الوتر، والجمع كالجمع قوى وقوى. وحبل قو ووتر قو كلاهما: مختلف القوى. وأقوى الحبل والوتر: جعل بعض قواه أغلظ من بعض. وفي حديث ابن الديلمي: ينقض الإسلام عروةً عروة، كما ينقض الحبل قوةً قوة. والمقوي: الذي يقوي وتره؛ وذلك إذا لم يجد غارته، فتراكبت قواه. ويقال: وتر مقوى. أبو عبيدة: يقال أقويت حبلك، وهو حبل مقوّى، وهو أن ترخي قوةً، وتغيّر قوة، فلا يلبث الحبل أن يتقطّع، ويقال: قوة وقوى، مثل صوة وصوى وهوة وهوى. وفي الحديث: يذهب الدين سنةً سنةً كما يذهب الحبل قوةً قوةً.

٨

ارتباط بعضها ببعض،كارتباط محاني الأفعى ومعاطفها ومنعرجاتها بعضها ببعض، وكارتباط محاني الوادي ومنعطفاته ومنعرجاته بعضها ببعض.

ولم يترك القرآن قارئه حيران، لا يهتدي إلى هذه المنعرجات والمحاني والبطون، بل هداه إليها بواسطة ألفاظ الآية، أو مترادفاتها غالباً وأحياناً بواسطة عبارة أو جملة منها.

وهكذا يتّضح، أنّ المراد من حديث الإمام الصادقعليه‌السلام : (لو قُرئ القرآن كما أُنزل لألفيتنا فيه مسمَّيْن)، هو أنّ القرآن لو فُسِّر على أساس الأصول التي بُني عليها، بكون الآية لها محاني ومطاوي تقود إليها ألفاظها أو مرادفاتها؛ لوجد الباحثون وقرّاء القرآن، أهل البيت مشخّصين ومعرَّفين بصورة لا تقبل الشك والتردد؛ (من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكّب الفتن).

خصائص المنهج القرآني:

يتميّز المنهج القرآني في الاستدلال على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام بكونه الأساس للمناهج الأخرى، والمنبّه عليها فهو:

ينبِّه إلى أنَّ خبر أهل البيت في الكتب السابقة، كما هو الحال في خبر بعثة النبي. وهذا هو المنهج الثاني.

٩

وينبِّه إلى أنَّ النبي يُعلن فضلهم ويبيِّن عظيم منزلتهم عند الله تعالى. وهذا هو المنهج الثالث.

وينبِّه إلى خصائص واقعهم التاريخي، من خلال الحديث عنهم بواسطة نُظرائهم من بني إسرائيل، و ما جرى عليهم من أمور خاصّة بهم، أو الإشارة إلى وقائع مستقبلية، مع تواريخ مضبوطة لا تنطبق إلاّ عليهم. وهذا هو المنهج الرابع.

وينبِّه إلى أنّهم وارثون لعلم الكتاب الموحى إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبالتالي فالعلم المأثور عنهم يكتسب خصائص الكتاب نفسه، هذه الخصائص التي فَرضت، أن يُفسَّر الكتاب الإلهي بمصدرٍ غير بشري، وكذلك تَفرض، أن يفسَّر تراث أهل البيتعليهم‌السلام الذي يتميّزون به بأنهم ورثوا العلم وراثة خاصّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا هو منهج الاستدلال بخصائص تراث أهل البيت. وهذا هو المنهج الخامس.

خلاصة ما ذكره القرآن عن الأئمّةعليهم‌السلام :

يُمكننا أن نُلخّص نتائج المنهج القرآني كما يلي:

1 - يذكر القرآن، أنّ الله تعالى طهّر أُناساً من أسرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

١٠

وجعلهم سابقين بالخيرات بإذنه، وجعلهم أئمّةَ هدىً، كما طهّر أُناساً من أُسر الأنبياء السابقين، وجعلهم أئمّةَ هدىً.

2 - إنّهم مبشّر بهم منذ عهد إبراهيم إلى جنب التبشير بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

3 - إنّهم شفعاء دار البقاء.

4 - إنّهم شهداء دار الفناء أي مفروضوا الطاعة والاقتداء.

5 - إنّهم مكلّفون بحفظ الرسالة من الانقلاب على الأعقاب، الذي سيقع بعد النبي.

6 - إنّ معرفة الشخص الأوّل، أو الوجبة الأولى منهم، كمعرفة شخص الصلاة والصيام موكول إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

7 - إنّهم محسودون مستضعفون.

8 - إنّ النصر النهائي لهم.

وهناك معلومات أكثر عنهم، من خلال قصص نُظرائهم من أئمّة الهدى في الأمم السابقة.

نماذج من الآيات التي تتحدّث عنهم:

من الآيات التي تتحدّث عن وارثين مصطفَّين، جعلهم الله أئمّةً، قوله تعالى:

( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ

١١

إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) ) فاطر/31-32.

الكتاب في الآيتين الكريمتين: هو القرآن الكريم.

ووراثة الكتاب هنا يراد بها وراثة النص القرآني، مع بيانه وتفسيره لقوله تعالى:( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) ) القيامة/18-19.

وقد أشار القرآن، إنّه آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم:( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاّ الظَّالِمُونَ (49) ) العنكبوت/49.

وأهل العلم هؤلاء الوارثون للكتاب وبيانه، هم المشار إليهم في قوله تعالى:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) ) النساء/54، وآل إبراهيم في القرآن، يراد بهم المحسنون المخلَصون من ذريّة إسماعيل في عهد النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله خاصّة.

قوله تعالى:( اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) : أي اجتبينا من عبادنا، وهم فئة خاصّة إذ ليس كلُّ مسلم هو مصطفى من الله.

فمنهم أي من عبادنا من هو ظالم لنفسه، ومنهم من هو مقتصدٌ، أي يطلب الاستقامة، ويسأل من يدلّه عليها، وكِلاهما ليس مؤهّلاً لأن يوّرث العلم الكامل، ومنهم من هو سابقٌ بالخيرات بإذن الله، أي سبق غيره إلى العمل بالخير، فهو أوّل العاملين بالرسالة حين يعد العاملون،

١٢

وهذه الأوّلية توفيق إلهي خاص، وهذا الصنف هو المؤهّل، أن يكون وارثاً لخط النبوّة، ومقام الإمامة الإلهية:( وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) ) البقرة/124.

ومن الآيات أيضاً قوله تعالى:

( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) ) الحج/78.

قوله تعالى:( هُوَ اجْتَبَاكُمْ ) ، أي هو اصطفاكم وليس كلُّ مسلمٍ مصطفى.

وقوله تعالى:( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ) ، قرينة على أنّ المخاطَبين في الآية، ليس كلّ المسلمين، إذ ليس كلّ ذريّة إبراهيم قد أسلمت، ولا كلّ المسلمين من ذرية إبراهيم.

قوله:( هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ ) ، أي إبراهيم كان قد طلبكم منّي حين دعا هو وإسماعيل، عند بناء البيت قال تعالى:( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ (128) رَبَّنَا

١٣

وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) ) البقرة/127-129.

قوله:( مِنْ قَبْل ) : أي في الكتب الإلهية السابقة.

( وَفِي هَذَا ) : أي وفي هذا القرآن أنتم مذكورون بهذه الصفة.

وقوله:( لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) ، أي لستم أنبياء، ومن هنا جعلناكم شهداء على الناس بواسطة الرسول نفسه، الذي بعثناه إليكم خاصّة؛ ليعلّمكم، ويوّرثكم العلم، ويُعلن عظيم فضلكم:( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ) .

ثمّ بعثنا النبي إلى الناس عامّة؛ ليطهّرهم ويعلّمهم:( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) ) الجمعة/2-4.

والأميّون هم أهل مكة، وهم في ضلالٍ مبين، أي مشركون يعبدون الأصنام، وهؤلاء يتلو عليهم النبي القرآن؛ ليُزكّيهم من الشرك، ويُعلنوا عن إسلامهم العام؛ ليكونوا طاهرين طهارة الإسلام، ثم يكونوا مهيّئين؛ لتلقّي العلم عن النبي.

ومن أجل أن يوحي قوله، أنّ أهل مكّة كلّهم مشركون قال تعالى:

١٤

( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) ، أي وآخرين من أهل مكّة لم يشاركوا قومهم في شركهم، وهم الفئة المسلمة بدعوة إبراهيم: عبد المطلب وأبو طالب والنبي وعلي وفاطمة بنت أسد.

ثانياً: الكتب المقدّسة المعتبرة عند اليهود والنصارى

إنّ الكتب الإلهية السابقة (التوراة، الإنجيل، والأسفار الملحقة بها) على الرغم ممّا أصابها من تحريف، توجد فيها نصوص كثيرة تتحدّث عن أهل البيت، كما تحدّثت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله . والقرآن الكريم هو أوّل من أثار هذا المنهج، وأثبته في مواضع كثيرة.

وقال تعالى:( وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) ) الشعراء/196-197.

قال تعالى:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ (157) ) الأعراف/157.

وفي الرواية عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال: (يعني النبيّ والوصيّ والقائم)(1) .

وأهم النتائج التي يقدّمها هذا المنهج هي: إنّ الكتب المقدّسة بنُسخها المعتمدة عند اليهود والمسيحيين المتداولة فعلاً تقدّم معلومات، وبشارات عن نبوّة مكّية تمتد باثني عشر إماماً إلهياً.

وقد جاء في بعض هذه النصوص اسم عليّ والمهديعليهم‌السلام إلى جنب اسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما

____________________

(1) الكافي 1/429.

١٥

أشارت نصوص كثيرة إلى ظُلامة الحسين، وكيف أنّ الله تعالى جعل هذه الظلامة؛ سبباً لصلاح الأمّة، وحفظ الدين، وكيف أنّ الله تعالى جعل للحسين نسلاً صالحاً تطول أيامه؛ تكون الخاتمة الطيبة للمسيرة الدينية على الأرض على يده.

ومن أشهر هذه النصوص: الفقرة 20 من الإصحاح 17 من سفر التكوين: (أمّا إسماعيل، فقد سمعت قولك فيه، ها أنا ذا أباركه وأُنمّيه وأُكثّره جدّاً جدّاً، ويلد اثني عشر رئيساً، وأجعله أمّةً عظيمةً).

وقد أجمع علماء المسلمين وعلماء اليهود الذين أسلموا، على أنّ هذا النصّ يبشّر بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ عبارة (جدّاً جدّاً)، وهي ترجمة لعبارة (بمآد مآد) (بماد ماد) العبرية الواردة في النصّ العبري، كانت بالأصل تُشير إلى اسم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ حُرّفت إلى كلمةٍ متكافئةٍ من ناحية العدد(1) مع اسم محمّد وهي (بمآد مآد)؛ إذ كلاهما يساوي (92).

وإذا ثبت ذلك وهو ثابت، كان الاثنا عشر بعدها ممّا يرتبط بمحمّد وليس بإسماعيل، وهو ما كان يفهمه علماء اليهود الذين أسلموا، حيث كانوا يختارون التشيّع على غيره من المذاهب؛ باعتباره مذهباً يقوم على الإيمان باثني عشر وصيّاً للنبي(2) .

____________________

(1) والهدف من ذلك: هو حصر المعرفة بالبشارة بِكَهنة اليهود.

(2) قال ابن تيمية في معرض الردّ على الشيعة، وعقيدتهم بالاثني عشر المذكورين في حديث جابر بن سمرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : (الأئمّة من بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش)، قال: (وهؤلاء المبشّر بهم في حديث جابر بن سمرة، وقُرّر أنّهم يكونون مفرّقين في الأمة، ولا تقوم الساعة حتى يوجَدوا، وقد غلط كثير ممّن تشرّف بالإسلام من اليهود، فظنّوا أنّهم الذين تدعوا إليهم فرقة الرافضة فاتّبعوهم)، البداية والنهاية لابن كثير 6/250. أنظر كتابنا شُبهات ورُدود، الحلقة الأولى، الفصل السادس. وبحثنا دعوة إبراهيم وإسماعيل، المنشور في مجلّة (ميقات الحج)، العدد الأوّل.

١٦

ومن أشهر النصوص أيضاً، الفقرات 19- 22 من الإصحاح الأوّل من إنجيل يوحنّا:

(وَهَذِهِ شَهَادَةُ يُوحَنَّا حِينَ أَرْسَلَ الْيَهُودُ مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْضَ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ يَسْأَلُونَهُ: (مَنْ أَنْتْ؟) 20فَاعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ، بَلْ أَكَّدَ قَائِلاً: (لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ). 21فَسَأَلُوهُ: (مَاذَا إِذَنْ؟ هَلْ أَنْتَ إِيلِيَّا؟) قَالَ: (لَسْتُ إِيَّاهُ!)؛ (أَوَ أَنْتَ النَّبِيُّ؟) فَأَجَابَ: (لاَ!) 22فَقَالُوا: (فَمَنْ أَنْتَ، لِنَحْمِلَ الْجَوَابَ إِلَى الَّذِينَ أَرْسَلُونَا؟ …فَعَادُوا يَسْأَلُونَهُ: (إِنْ لَمْ تَكُنْ أَنْتَ الْمَسِيحَ، وَلاَ إِيلِيَّا، وَلاَ النَّبِيَّ، فَلِمَاذَا تُعَمِّدُ إِذَنْ؟) 26أَجَابَ: (أَنَا أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ! وَلكِنَّ بَيْنَكُمْ مَنْ لاَ تَعْرِفُونَهُ، 27وَهُوَ الآتِي بَعْدِي، وَأَنَا لاَ أَسْتَحِقُّ أَنْ أَحُلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ)).

إنّ النبي في النصّ: يُشير إلى النبيّ الأميّ الموعود.

وإيلِيَّا: هو عليٌّ وصيُّ النبي.

والمسيح: هو ماشيحا العبرية وتعني المهدي المنتظر، أو المخلِّص.

ولا تنافي بين كون عيسى بن مريم هو مسيح ومخلِّص أيضاً، إلاّ إنّه مسيح لبني إسرائيل خاصّة، وقد ورد في إنجيل متَّى 24، قول المسيح: (مَا أُرْسِلْتُ إِلاَّ إِلَى الْخِرَافِ الضالَّةِ، إِلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ!).

١٧

ثالثاً: الحديث النبويّ الشريف المعتبر لدى أهل السنّة

إنّ الاستدلال بالحديث النبوي الشريف المعتبر لدى أهل السنة مسألة واضحة ومعروفة، وقد كتب فيها علماء الشيعة تراثاً ضخماً جدّاً.

يقدّم الحديث النبوي المعتبر عند أهل السنّة، رؤية واضحة عن أهل البيت خلاصتها: أنّهم عِدلُ الكتاب، وأنّ التمسّك بهما معاً يعصم من الضلالة، وأنّ ولايتهم ولاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في حديث الثقلين وحديث الغدير.

وإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عيَّن عددهم وهم اثنا عشر، وسمّى أوّلهم: وهو عليّ، ثمّ شبَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله منزلة عليٍّ منه بمنزلة هارون من موسى، ثمّ سمّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن والحسين وقال عنهم: إنّهم سبطان من الأسباط، يُشير إلى قوله تعالى:( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) ) البقرة/136. والأسباط هنا هم: يوسف والأئمّة من ذريّته.

وقوله تعالى:( وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا (160) ) الأعراف/159-160. والأسباط هنا من آل هارون المشار إليهم في قوله تعالى:( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) ) البقرة/248، وال هارون هم النقباء الاثني عشر المشار اليهم في قوله تعالى( وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ) المائدة/12.

١٨

وقد شبّه النبيُّ أوصياءه بالأئمّة من بني إسرائيل، كما في رواية مسروق عن ابن مسعود قال: (سأل رجل عبد الله بن مسعود قال له: يا أبا عبد الرحمان، هل سألتم رسول الله كم يملك هذه الأمّة من خليفة؟ فقال عبد الله: سألناه فقال: (اثنا عشر عدّة نُقباء بني إسرائيل))(1) .

وفي رواية أخرى: (يكون بعدي من الخلفاء عدّة أصحاب موسى)(2) .

____________________

(1) مسند أحمد 1/398،406. قال أحمد شاكر في هامش الحديث الأوّل: (إسناده صحيح). ومستدرك الحاكم 4/501. وفتح الباري 16/339. مجمع الزوائد 5/190. كنز العمّال 13/27.

(2) البداية والنهاية (لابن كثير) 6/248. وكنز العمّال 13/27. قال ابن كثير (وقد رُوي مثل هذا عن عبد الله بن عمر، وحذيفة، وابن عباس). أقول: وقد رُوي مثله الهيثمي في مجمع الزوائد عن الطبراني في الأوسط والكبير، والبزّار، عن أبي جُحيفة.

ويتبيّن من ذلك: أنّ حديث الاثني عشر عند السنّة، لا تنحصر روايته بالصحابي جابر بن سمرة، بل يرويه صحابة آخرون، ذكرت الكتب السنّية الميسرة فعلاً خمسة منهم.

لقد ظنّ علماء الحديث من أهل السنّة أنّ المراد بهؤلاء الاثني عشر: هم الحكّام الذين جاءوا بعد الرسول، واتّفقوا على تسمية الأربعة الأوائل منهم، وحاروا في تكملة العدد، فمنهم من عدّ: معاوية بن أبي سفيان، ويزيد بن معاوية، وعبد الملك بن مروان، والوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، ثمّ يزيد بن عبد الملك، ثمّ هشام بن عبد الملك، وبين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك). وقد رجّح هذا القول ابن حجر.

ومنهم من قال: إنّ هؤلاء الاثني عشر مفرّقين في الأمّة إلى آخر الدنيا. وهذا التفسير بعيد عن الصحّة تماماً؛ وذلك لإنّ تشبيه النبي (صلّى الله عليه وآله) لهؤلاء الاثني عشر بأصحاب موسى، ونُقباء بني إسرائيل يفيد أنّهم من سِنخهم.

١٩

وفي رواية أخرى: (كلُّهم تجتمع عليه الأمّة)(1) .

رابعاً: السيرة التاريخية للأئمّة الإثني عشرعليهم‌السلام

تاريخ الأئمّة الاثني عشر بعضه مبسوط في كتب التاريخ العامّة، من قبيل تاريخ عليٍّ والحسن والحسين وذريّة الحسين إلى ولده الحسن العسكريعليه‌السلام .

وبعض هذا التاريخ ينفرد به الشيعة كليّاً، كقولهم: إنّ الحسن العسكريعليه‌السلام له ولد هو محمّدعليه‌السلام وهو المهدي الموعود، وإنّه غاب غيبتين: صغرى كان له فيها نوّاب وسفراء توسّطوا بينه وبين شيعته، وغيبةٌ كبرى انقطعت فيها أخباره. وإنّه سيُظهره الله تعالى في آخر الزمان؛ ليملأ الأرض قِسطاً وعدلاً.

والبعض الآخر من الحقائق التاريخية التي يذكرها الشيعة عن أئمّتهم، نجد لها ذكراً ما في المصادر السنّية، من قبيل ما ذكره الشيعة في كتبهم عن الإمام الباقر والصادقعليهما‌السلام ، أنّهم كان عندهم كتب عليٍّعليه‌السلام ، التي كتب فيها كلّ السنّة النبوية، وبيان القرآن بإملاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، جاءتهم عن

____________________

(1) سنن أبي داود 2 /423.

٢٠