الإمامة في أهم الكتب الكلامية

الإمامة في أهم الكتب الكلامية0%

الإمامة في أهم الكتب الكلامية مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 527

الإمامة في أهم الكتب الكلامية

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف:

الصفحات: 527
المشاهدات: 256940
تحميل: 8262

توضيحات:

الإمامة في أهم الكتب الكلامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 527 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 256940 / تحميل: 8262
الحجم الحجم الحجم
الإمامة في أهم الكتب الكلامية

الإمامة في أهم الكتب الكلامية

مؤلف:
العربية


« بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمّ. فقلت : أين؟ قال : إلى النار والله. قلت : وما شأنهم؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثمّ إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلّم. قلت : أين؟ قال : إلى النار والله. قلت : وما شأنهم؟ قال : ارتدّوا على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص فيهم إلاّ مثل همل النعم »(١) .

وقال :

« إنّي فرط لكم وأنا شهيد عليكم ، وإنّي والله لأنظر إلى حوضي الآن ، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها »(٢) .

وعن العلاء بن المسيب عن أبيه قال :

« لقيت البراء بن عازب فقلت : طوبي لك ، صحبت رسول الله وبايعته تحت الشجرة. فقال : يا ابن أخي إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده »(٣) .

وعن عائشة أنّها أوصت أن تدفن بالبقيع ، فقيل لها :

« ندفنك عند رسول الله؟

فقالت :

إنّي قد أحدثت بعده ، فادفنوني مع أخواتي.

فدفنت بالبقيع »(٤) .

وقال السّعد : ٣١٠.

( إنّ ما وقع بين الصّحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور

__________________

(١) صحيح البخاري ـ باب الحوض ٤| ٩٧.

(٢) صحيح البخاري ٤/٩٧.

(٣) صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الحديبيّة ٣/٢٠.

(٤) المعارف لابن قتيبة : ٨٠ وغيره.


١٨١


في كتب التواريخ ، والمذكور على ألسنة الثقات ، يدلّ بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق ، وبلّغ حدّ الظلم والفسق ، وكان الباعث له الحقد والعناد ، والحسد واللّداد ، وطلب الملك والرياسة ولميل إلى اللذات والشهوات ، إذ ليس كلّ صحابي معصوماً ، ولا كلّ من لقي النّبي بالخير موسوماً ).

فظهر أن حسن الظنّ بالصّحابة لا يكفي جواباً عمّا إنْ قيل :

( علموا ذلك وكتموه لأغراض لهم في ذلك ، كحبّ الرياسة والحقد على عليّ وحسدهم إيّاه ).

وإنّ دعوى القطع ببراءة الصّحابة عن حبّ الرياسة والحقد والحسد ومتابعة الهوى عارية عن الدليل ، بل الدليل على خلافها

وتلخص : إنّ النص موجود ، وقد علمه القوم ، لكنهم أعرضوا عنه وتركوه وكتموه( وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرياسة ) كما قال ولعلّ ذلك هو « الإحداث » الذي أخبر عنه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واعترف به غير واحد من الأصحاب كعائشة بنت أبي بكر فهذا جواب حسن الظن بالصحابة وما ذكره في مدحهم

وإذا كان أكثرهم كذلك حتى أنه لم يخلص منهم « إلاّ مثل همل النعم » كما في الحديث ، كان من الطبيعي ترك عليعليه‌السلام المحاجّة معهم بالنص تقيةً وخوفاً على نفسه بل لقد هدّد بتحريق داره عليه وعلى أهله وبقتله بمجرّد تخلّفه عن البيعة كما هو مسطور في كتب التاريخ المعتبرة عند القوم(١) .

ثم إنّه وقومه وأتباعه كانوا مشغولين بأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يكن حاضراً في السقيفة حتى يمنع أو يحتج بالنّص على الصّحابة ، ولم يفرغ من

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢/٤٤٣ ، الإمامة والسياسة ١/١٣ ، تاريخ اليعقوبي ٢/١١٥ ، العقد الفريد ٣/٦٣ ، مروج الذهب ٢/٣٠٨.


١٨٢


ذلك إلاّ وقد فوجئ بخبر البيعة لأبي بكر ، فقال العبّاس : « فعلوها وربّ الكعبة »(١) .

وأيّ محاجّة أبلغ من عدم البيعة مع كلّ ذلك الإرعاب والإرهاب فلم يبايع هو ولا الصدّيقة الطّاهرة بضعة الرسول ، ولا أحد من بني هاشم ، مدة حياة الزّهراء بعد الرسول وهي ستة أشهر ، فما بايعت ولا حملها عليّ على البيعة حتى توفّيت(٢) .

بل لقد حاججعليه‌السلام في كلّ فرصة سنحت له ، من ذلك قوله لقنفذ لمّا قال له : « يدعوك خليفة رسول الله » قال : « لسريع ما كذبتم على رسول الله » فرجع قنفذ إلى أبي بكر وأبلغه بما قال(٣) ومن ذلك خطبته المشهورة المعروفة في الشورى ، واحتجاجه على القوم ، الصريح في إمامته منذ أول يوم ، وقد قابله كلّهم بالسّكوت الدالّ على التسليم والقبول(٤) .

هذا ، مضافاً إلى احتجاجات الزّهراء الطاهرة وبعض الأصحاب الذين عرفوا منذ حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتشيّع والولاء لهعليه‌السلام وثبتوا على ذلك ، في مناسبات مختلفة

وهذا جواب ما ذكره من أن( مثل عليّ مع صلابته في الدين وبسالته ، وشدّة شكيمته وقوة عزيمته وعلّو شأنه وكثرة أعوانه وكون أكثر المهاجرين والأنصار والرؤساء الكبار معه قد ترك حقّه ، وسلّم الأمر لمن لا يستحقه ، من شيخ بني

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢/١١٥.

(٢) صحيح البخاري ـ كتاب المغازي. باب غزوة خيبر صحيح كتاب الجهاد ، باب قول النبي لا نورّث. تاريخ الطبري ٢/٤٤٨ الكامل لابن الأثير ٢/٢٢٤.

(٣) تاريخ الطبري ٢/٤٤٤ تاريخ أبي الفداء ١/١٦٥ الامامة والسياسة ١/١٣.

(٤) الاحتجاج في الشورى رواه علماء الفريقين بكامله أو قطع منه ، ومن رواته من أهل السنّة : الدار قطني ، الخوارزمي ، ابن عساكر ، الحمويني ، الكنجي ، ابن حجر المكي ، ابن المغازلي ، المتقي ، وأشار إليه السّعد في الكتاب ٢٧٣.


١٨٣


تيم ـ ضعيف الحال عديم المال قليل الاتباع والأشياع ـ ولم يقم بأمره وطلب حقه ) ٢٦٠.

مع ما فيه من أباطيل وأكاذيب ، فإنّ الإمامعليه‌السلام لم يكن معه أكثر المهاجرين والأنصار والرؤساء الكبار ، ولم يكن أبوبكر قليل الأتباع والأشياع وإلاّ فما معنى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بيته : « أنتم المستضعفون بعدي »(١) وما معنى قول علي : « إنّ مما عهد إليّ النّبي أنّ الأمّة ستغدر بي بعده »(٢) ؟

وبه يظهر الجواب عن النقص بقيامه بأمره في مقابل معاوية

ومن العجب التناقضات الموجودة في كلماته :

فهو في هذا المقام يصف علياً بكثرة الأعوان وكون أكثر المهاجرين والأنصار والرؤساء الكبار معه ، وفي مقام الإستدلال على خلافة أبي بكر يدّعي الإجماع على خلافة!

وأيضاً : يصف أبابكر بضعف الحال وعدم المال وفي مقام تفضيله ينسب إلى الجمهور نزول آية :( سيجنّبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى ) في أبي بكر ، ويستدل بالحديث الباطل : « وأين مثل أبي بكر جهّزني بماله وواساني بنفسه وجاهد معي ساعة الخوف » ٢٩٢.

وأيضاً : يجعل من الأمارات على عدم النّص قول أبي بكر عند موته « وددت أني سألت النبي عن هذا الأمر فيمن هو » ويرسله إرسال المسلّم ، لكن حيث يستدل بهذا الكلام على شكّه في استحقاقه الإمامة هو صريح فيه يقول في الجواب :( إنّ هذا على تقدير صحته لا يدلّ على الشك ) ٢٨٠.

وأما الأمارات الأخرى فلا يخفى ما فيها :

فقول العباس لعلي( أمدد يدك أبايعك ) يدلّ على اعتقاده خلافة أمير

__________________

(١) مسند أحمد ٦/٣٣٩.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣/١٤٠ ، ١٤٢ ، ورواه غيره أيضاً.


١٨٤


المؤمنينعليه‌السلام دون غيره ، ولذا كان من المتخلّفين معه عن البيعة ، وإنّه لمّا سمع دعوى القوم البيعة لأبي بكر قال : « فعلوها وربّ الكعبة ».

و( قول عمر لأبي عبيدة : أمدد يدك أبايعك » لا دلالة فيه على عدم النص ، على أنّه ليس بحجة

و( قبول علي الشورى ) إنّما كان للاحتجاج على القوم والمطالبة بحقه

و( احتجاجه على معاوية بالبيعة له دون النص ) كان من باب الالزام ، وإلاّ فمعاوية باغ طاغ يريد الأمر لنفسه

و( معاضدته لأبي بكر وعمر في الأمور ) كانت خدمةً للاسلام ، ولا دلالة فيها على عدم النّص عليهعليه‌السلام .

ودعوى( سكوته عن النصّ عليه في خطبه وكتبه ) كاذبة.

وكذا دعوى( إنكار زيد بن علي وكثير من عظماء أهل البيت ) وإلاً لذكر إنكاره وأسماءهم وما قالوه عن المصادر المعبترة

وأمّا( تسمية الصّحابة أبابكر مدة حياته بخليفة رسول الله ) فقد عرفت إنكار عليعليه‌السلام لها ، أمّا ما عن غيره فليس بحجة.

وأمّا( إتّهام ابن جرير الطبري بالتشيّع ) ودعوى أنّ( دعوى النصّ الجلّي ممّا وضعه هشام بن الحكم ونصره فلان وفلان ) والاستشهاد بقول المأمون العبّاسي : « وجدت الكذب في الرافضة » فكلّ ذلك من العجز كما لا يخفى على المحصّلين ولا يليق بنا مقابلته بالمثل على أنه في ذلك تبع للقاضي عبدالجبار في ( المغني ) ، وليته لاحظ الجواب عنه في ( الشافي )(١) .

__________________

(١) الشافي في الامامة ٨/٨١ فما بعد.


١٨٥


الإمام الحق بعد النبي

قال(٣٦٤) :

( الامام الحق بعد رسول الله عندنا وعند المعتزلة وأكثر الفرق : أبوبكر. وعند الشيعة عليّ. ولا عبرة بقول الروندية ـ أتباع القاسم بن روند ـ إنه العباس.

لنا وجوه : الأول : وهو العمدة : إجماع أهل الحلّ والعقد على ذلك ، وإن كان من البعض بعض تردّد وتوقّف ).

الكلام على أدلة خلافة أبي بكر

أقول :

نعم ، هذا عمدة أدلّتهم ، إذ النصَّ على إمامة أبي بكر مفقود باعترافهم ، لكنْ فيه:

أولاً : إنّ إمامة أبي بكر انعقدت ببيعة عمر كما نصّ عليه هو وغيره كشيخه العضد ، فإنْ كان الشرط إجماع أهل الحل والعقد فهذا غير حاصل ، وإنْ كان يكفي بيعة الواحد فلماذا دعوى الاجماع؟

و ثانياً : قد أشرنا سابقاً إلى خلاف الواقع في السقيفة بين أهلها ، والخلاف الواقف بين أهلها ومن كان في خارجها فأين الاجماع؟

وثالثاً : إنّه لا خلاف في وفاة الصّديقة البتول وبضعة الرّسول من غير بيعة لأبي بكر ، فلابدّ وأن تكون قد بايعت عليّاً بالإمامة والخلافة ، وإلاّ فقد ماتت ميتة جاهلية والعياذ بالله ، وفاطمة الزّهراءعليها‌السلام ، معصومة بالكتاب والسنة المعتبرة ، وهي وبعلها أحبّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ورابعاً : إنّه لا سبيل إلى إنكار وجود الخلاف بين أهل الحلّ والعقد حول إمامته ، وحتّى السّعد يعترف بذلك وهو في مقام دعوى الإجماع منهم ، فيقول :


١٨٦


( وإنْ كان من البعض تردّد وتوقّف ) فأورد كلام أنصار ، وخلاف أبي سفيان ، وتخلّف علي والزبير والمقداد وسلمان وأبي ذر وأشار إلى ما أخرج في البخاري وغيره من الكتب الصحيحة من أنّ بيعة علي(١) عليه‌السلام كانت بعد وفاة الزهراء لستّة أشهر من وفاة النّبي ـ وانصراف وجوه الناس عنه وقد أشرت إلى موجز نصّ الحديث في بيعته قريباً.

قال(٢٦٥) :

( الثاني : إنّ المهاجرين والأنصار اتّفقوا على أنّ الإمامة لا تعدو أبابكر وعليّاً والعبّاس ، ثمّ إنّ عليّاً والعبّاس بايعا أبابكر وسلّما له الأمر ، فلو لم يكن على الحق لنازعاه فتعيّن أبوبكر ، للاتفاق على أنّها ليست لغيرهم ).

أقول :

هذا هو الوجه الثاني الذي استدل به في المتن ، أمّا في الشرح فقد جعل الأوّل هو العمدة ، وظاهره عدم الاعتماد على هذا الثاني الذي ذكره أيضاً شيخه القاضي العضد في ( المواقف ) وقد قلنا في جوابه :

إنّه إنْ أريد ثبوت الاتفاق على إمامة أحد الثلاثة بعد موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبل بيعة أبي بكر ، فهذا ممنوع ، لأن المسلمين أو أهل الحلّ والعقد منهم لم يجتمعوا حتى تعرف آراؤهم ، ومن اجتمع منهم في السقيفة كان بعضهم يرى أن سعد بن عبادة هو الحقيق بها ، فكيف يدعى وقوع الاجماع حينئذٍ على حقية أحد الثلاثة المذكورين؟

على أنا لم نسمع أنّ أحداً ذكر العباس حينئذٍ.

وإنْ أُريد ثبوت الإتفاق المذكور بعد بيعة أبي بكر ، فهو ينافي ما زعموه ـ في

__________________

(١) قد قطع الكلام هنا ولم يذكر الحديث ، فجاء في النسخ : « وقع في هذا الموضع من المصنف بياض مقدار ما يسع فيه كلمتان » ولا ندري هل البياض من المصنف حقاً أو من غيره؟ وكيف كان فأنا وأنت ندري سبب الحذف!


١٨٧


الوجه الأوّل وجعلوه العمدة ـ من الاجماع على بيعة أبي بكر خاصة ، إن اتفق زمن الأجماعين ، وإلاّ بطل الاجماع على حقيّة أحدهم سواء تقدم أم تأخّر ، لأنّ الاجماع على تعيين واحد هوالذي يجب اتباعه ، فيكون الحق مختصاً بأبي بكر ، ولم يصح جعل الاجماع على حقيّة أحد الثلاثة وجهاً ثانياً. ويحتمل بطلان الاجماع المتقدم وصحّة المتأخر مطلقاً ، وهو الأقرب.

قوله :( ثمّ عليّاً والعبّاس بايعاً أبابكر وسلّما له الأمر ) .

قلت : قد أشرت إلى أنه متى بايع علي؟ وكيف بايع؟

قوله :( فلو لم يكن على الحقّ لنازعاه ) .

قلت :

إن اُريد من المنازعة خصوص المحاربة ، فإنّه لم يكن له ناصر إلاّ أقل القليل ، وقد صرّح بقلّة ناصريه في غير واحد من خطبه وكلماته ورسائله ، وناهيك بالخطبة الشقشقية. وما ذكر السّعد من كثرة أعوانه وكون أكثر المهاجرين والأنصار والرؤساء معه مخالف للواقع كما عرفت. وإن أريد من المنازعة المعارضة بغير حرب فهذا ما قد فعله ، بل يكفي الامتناع عن البيعة منه ومن أهله وذويه وأتباعه تبعاً له ، بل توفّيت الزهراء الطاهرة ولم تبايعه ، وهي وعلي يعلمان بأنّ « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية » بل إنّه حملها ـ والحسنين ـ إلى وجوه الاصحاب مستنصراً فلم ينصروه ، كما رواه غير واحد من المؤرخين(١) وهذا ما ذكره معاوية في كتاب له معيّراً إيّاه به.

قوله :( لأنّ ترك المنازعة يكون مخلاً بالعصمة ).

قلت : ترك المنازعة إنما يكون مخلاً بالعصمة مع الاقتدار ، ولذا قام بالواجب أمام معاوية وما سكت عنه.

ثم لو سلّمنا أنّ الإمامعليه‌السلام ترك المنازعة مطلقاً في الأشهر الستة

__________________

(١) الامامة والسياسة ١٣ ، شرح نهج البلاغة عن الجوهري.


١٨٨


وبعدها فأيّ دلالة لذلك على تعيّن أبي بكر إماماً على الحق إذا لم يكن إماماً على الحق؟ وهل هذا إلاّ تهافت؟

لقد التفت السّعد إلى هذا الاعتراض وما كان جوابه إلاّ مصادرة.

هذا ، وممّا يؤكّد سقوط الوجهين المذكورين لجوء القوم إلى الاستدلال ببعض النصوص الموضوعة من قبل البكرية ، مع اعترافهم بعدم النص على إمامة أبى بكر مطلقاً ، وقد ذكرنا سابقاً أنها حتى لو تمت سنداً ودلالةً لا تكون حجة علينا.

قال(٢٦٥) :

( الثالث : قوله تعالى :( وعدالله الذين آمنوا ... ) (١) ).

أقول :

أولاً : لقد قام الاجماع من أهل البيتعليهم‌السلام على أنّ المراد بهذه الآية هو الامام المهديعليه‌السلام وأنصاره وأتباعه(٢) وإجماع أهل البيت حجة بالأدلة القاطعة.

وثالثاً : لو كانت هذه الآية دالة على خلافة أبي بكر لكانت خلافته مستندة إلى الله ، لكنّ خلافته ليست بنصب من الله بالإجماع. أما عندنا فواضح ، وأمّا عندهم فلأنّ الخلافة عندهم ليست بنصب من الله بل من الناس.

و ثالثاً : لو كانت هذه الآية دالة على خلافة أبي بكر ، لما عارض معارض ، لا من المهاجرين ولا من الأنصار ، مع أن الزّهراء توفيت ولم تبايعه ، وما أبوبكر ولم يبايعه سعد ومن معه ، وعليعليه‌السلام طعن في تسميته « خليفة رسول الله » لكونه كذباً على الله ورسوله ، لأنّهما لم يستخلفاه ، بل إنّ مذهب القوم أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يستخلف أحداً ، وهذا ما نصّ عليه عمر أيضاً فيما رووه

__________________

(١) سورة النور : ٥٥.

(٢) مجمع البيان في تفسير القرآن ٧/١٥٢.


١٨٩


عنه(١) فليس أبوبكر وعمر وعثمان المراد بقوله تعالى :( ليستخلفنّهم ) .

قال(٢٦٦) :

( الرابع : قوله تعالى : ( قل للمخلّفين من الأعراب ) (٢) جعل الداعي مفترض الطاعة ، والمراد به عند أكثر المفسّرين : أبوبكر ).

أقول :

الاستدلال منهم بهذه الآية قديم جدّاً ، فقد تعرّض له شيخنا أبو جعفر الطوسي المتوفى سنة ٤٦٠ وأجاب عنه بالتفصيل ، فليت السّعد لاحظ كلامه ولم يكرّر الاستدلال بها ، وحاصل كلامةرحمه‌الله : إن هذا الذي ذكروه غير صحيح من وجهين : أحدهما : إنّه غلط في التاريخ ووقت نزول الآية. والثاني : إنه غلط في التأويل(٣) هذا أولاً.

وثانياً : إنّ أحاديث القوم أنفسهم في تفسير الآية مختلفة ، وكذا أقوال المفسرين ، وإن بعضهم كقتادة وسعيد بن جبير على أنّ الآية نزلت من أهل خيبر وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الداعي فراجع(٤) .

وثالثاً : إنّ الذي فسّر الآية بأبي بكر وأن القوم بنو حنيفة أصحاب مسيلمة هو « محمد بن شهاب الزّهري » وهذا الرجل مقدوح وانحرافه عن عليعليه‌السلام معروف.

ورابعاً : إنه يمكن أنْ يقال ـ بناء على تفسيرها بأبي بكر وعمر ـ بعدم وجود ما يدل على مدح للداعي ولاعلى إمامته فيها(٥) .

وخامساً : إن الحق كون الداعي هو الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام

__________________

(١) الملل والنحل ١/٢٣ ، السيرة الحلبية ٣/٢٠٧ وغيرهما من المصادر.

(٢) سورة الفتح : ١٦.

(٣) التبيان في تفسير القرآن ٩/٣٢٤/٣٢٦.

(٤) الدر المنثور في التفسير المأثور ٦/٧٢.

(٥) راجع : التبيان في تفسير القرآن ٩/٣٢٦.


١٩٠


كما ذكر شيخنا أبو جعفر(١) .

قال(٢٦٦) :

* ( الخامس : قوله صلّى الله عليه وسلّم : إقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر وعمر ).

أقول :

إستدلال السّعد وغيره بهذا الحديث دليل على أنّهم لم يروا أحداً من المحدثين ، ولا رووا حديثاً من أمر الدين لأنّه وإنْ كان أجلّ ما رووه في فضائل الشيخين ـ كما نص عليه الحاكم النيسابوري(٢) ـ إلاّ أنّ كبار أئمّتهم والذين عليهم اعتمادهم في الجرح والتعديل ومعرفة الحديث ينصّون على أنه « باطل » ، « منكر » ، « موضوع » ، « غلط ».

فقد « أعلّه أبو حاتم ، وقال البزّار كابن حزم : لا يصح »(٣) .

وقال الترمذي : « حديث غريب ، لا نعرفه إلاّ من حديث يحيى بن سلمة ابن كهيل ، ويحيى بن سلمة يضعف في الحديث »(٤) .

وقال العقيلي : « حديث منكر لا أصل له من حديث مالك »(٥) .

وقال النقاش : « هو واه »(٦) .

وقال الذهبي مرة « هذا غلط » وأخرى : « واه » وثالثة : « واه جداً »(٧) .

وقال الهيثمي : « فيه من لم أعرفهم »(٨) .

__________________

(١) راجع : التبيان في تفسير القرآن ٦/٣٢٥.

(٢) المستدرك ٣/٧٥.

(٣) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ٢/٥٦.

(٤) صحيح الترمذي ٥/٦٧٢.

(٥) الضعفاء الكبير ٤/٩٥.

(٦) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٢/١٤٢.

(٧) ميزان الاعتدال ١/١٠٥ ، ١٤١ تلخيص المستدرك ٣/٧٥.

(٨) مجمع الزوائد ٩/٥٣.


١٩١


وقال العبري الفرغاني : « موضوع »(١) .

وقال شيخ الاسلام الهروي : « باطل »(٢) .

هذه كلمات أكابر القوم ومثلها عن غير من ذكر تجد ذلك كلّه في رسالة لنا مفردة في هذا الحديث مطبوعة *.

قال(٢٦٦) :

( السّادس : قول النبي : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ).

أقول :

وهذا الحديث كسابقه فإنّهم لم يرووه عن أحد من الصّحابة المشهورين وإنّما هو عن ( سفينة ) وهو أحد الموالي ، قيل : كان مولى رسول الله ، وقيل : مولى أم سلمة وهو مجهول حتى اسمه لم يعرف ، لأن سفيتة لقب له ، فقيل اسمه : مهران ، وقيل : رومان ، وقيل : نجران ، وقيل غير ذلك.

ثم إنّه لم يروه عنه إلاّ : « سعيد بن جمهان » الذي نصّ أكابرهم على أنّه لا يحتجّ به. فعن أبي حاتم « يكتب حديثه ولا يحتجّ به » وعن أحمد : « إنه سئل عنه ، فلم يرضه » وعن الساجي : « لا يتابع على حديثه » وعن البخاري : « في حديثه عجائب » وعن ابن معين : « روى عن سفينة أحاديث لا يرويه غيره »(٣) . قلت : وهذا منها.

ثم إنّ هذا الحديث ممّا أعرض عنه البخاري ومسلم وغيرهما ، ولم يخرجه سوى الترمذي وأبي داود بالسند المذكور.

ويعارضه ما رووه عن حذيفة : « إن الخلافة تصير ملكاً عاضاً ثم ملكاً

__________________

(١) شرح المنهاج للبيضاوي. مخطوط.

(٢) الدر النضيد ٩٧.

* وهي أيضاً مطبوعة في هذه المجموعة.

(٣) لاحظ : تهذيب التهذيب ٤/١٣.


١٩٢


جبرية ثم تعود خلافة على منهاج النبوة ». وقد طبّق بعضهم هذه الخلافة الجديدة على منهاج النبوة على عمر بن عبدالعزيز ولمّا أبلغ بذلك سرّ به(١) ولذلك قال بعضهم بأن الخلفاء الراشدين خمسة(٢) . إلاّ أنّ في حديث سعيد بن جمهان عن سفينة ـ عند أبي داود ـ أنّ بعضهم كان لا يرى علياً من الخلفاء الراشدين(٣) !

وعلى الجملة فأحاديثهم وأقاويلهم في هذا الباب مختلفة إلاّ أنّ الذي يهوّن الخطب إعراض البخاري ومسلم وأمثالهما عنها بل الذي أخرجاه هما وسائر أصحاب السنن والمسانيد فاتفقوا عليه وهو الحق عندنا حديث « الاثنا عشر خليفة » المعتضد بالأحاديث الكثيرة الصحيحة وهذا الحديث ـ مهما حاول القوم تأويله وصرفه ـ يدل على ما نذهب إليه من القول بالأئمّة الاثني عشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهم خلفاؤه الراشدون ، وإن خلافتهم باقية إلى يوم يبعثون أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم المهدي من ولد الحسين بن علي ومن هنا أورد أبو داود هذا الحديث في كتاب المهدي من ( سننه ) وجعله أول حديثٍ من أحاديثه.

نعم ، حاول الكثير منهم صرفه عن الدلالة على ذلك لكن المحقّقين منهم كالقاضي عياض وابن الجوزي وابن العربي المالكي وابن حجر العسقلاني يعترفون بالعجز عن تطبيقه على مذهبهم وتفسيره بمعنى يلتئم مع ما يقولون به

فظهر سقوط حديث سفينة وأن المعتمد في الباب ما أخرجه الشيخان وغيرهما(٤) .

__________________

(١) مسند أحمد ٤/٢٧٣.

(٢) سنن أبي داود ٢/٢٦٣ كتاب السنّة.

(٣) سنن أبي داود ٢/٢٩٤ كتاب السنّتة.

(٤) صحيح البخاري ـ كتاب الاحكام باب استخلاف. صحيح مسلم كتاب الامارة باب الناس تبع لقريش. صحيح الترمذي باب ما جاء في الخلفاء. سنن ابي داود كتاب المهدي. مسند أحمد


١٩٣


قال(٢٦٦) :

( السّابع : قوله في مرضه الذي توفي فيه : ائتوني بكتاب وقرطاس أكتب لكم كتاباً لا يختلف فيه إثنان. ثم قال : يأبي الله والمسلمون إلاّ أبابكر ).

أقول :

أخرج أحمد ومسلم عن يزيد بن هارون عن إبراهيم بن سعد عن صالح ابن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : « قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرضه : أدعي لي أبابكر أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً ، فإنّي أخاف أن يتمنّى متمّنٍ ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبي الله والمؤمنون إلاّ أبابكر »(١) .

هذا هوالحديث بسنده ومتنه.

أمّا سنداً فلم يروه البخاري ولا غيره من أرباب الصّحاح غير مسلم ، هذا أوّلاً.

وثانياً : فيه ( الزهري ) من مشاهير المنحرفين عن أمير المؤمنين ، ومن كبار المروّجين للأكاذيب ومقاصد السّلاطين.

وثالثاً : فيه ( عروة بن الزبير ) من أعلام أعداء آل الرّسول ، والمشيّدين لحكومة الغاصبين الفاسقين.

ورابعاً : إنّه لا يروى إلاّ عن عائشة ، وهي في مثل هذا الحديث متهمة

فالحديث موضوع قطعاً.

ومتنه أيضاً يدل على وضعه لوجوه :

الأول : إنّ أبابكر ممّن أمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالخروج مع

__________________

٥| ٨٦ ، ٨٩ ، ١٠٦ ، ١٠٨ ، وغير ذلك. جامع الأصول ٤/٤٤٠ ـ ٤٤٢ المستدرك على الصحيحين ٣/٦٠٨ معرفة الصّحابة.

(١) صحيح مسلم ٧/١١٠ ، مسند أحمد ٦/١٤٤.


١٩٤


أسامة ، كما روى ذلك عن الواقدي وابن سعد وابن إسحاق وابن الجوزي وابن عساكر(١) وقد لعن المتخلّف عنه(٢) فكيف يدعوه مع أنّ كتابة الكتاب لم تكن موقوفة على حضوره؟

والثّاني : إنّ أبابكر حضر عنده فأمره بالانصراف ولم يكتب شيئاً روى ذلك أبو جعفر الطبري وغيره عن ابن عباس حيث سئل : « أوصى رسول الله؟ قال : لا. قلت : فكيف كان ذلك؟ قال قال رسول الله : إبعثوا إلى عليّ فادعوه. فقالت عائشة : لو بعثت إلى أبي بكر ، وقالت حفصة : لو بعثت إلى عمر. فاجتمعوا عنده جميعاً فقال رسول الله : إنصرفوا فإن تك لي حاجة أبعث إليكم فانصرفوا »(٣) فانّه طلب عليّاًعليه‌السلام ليوصي اليه ، لكنّهم بعثوا إلى الرجلين ، فصرفهما

والثالث : إنّ هذا الحديث وضع ليقابل به حديث القرطاس الذي منع عمر ابن الخطّاب فيه عن كتابة الكتاب وقال كلمته المشهورة ، فلو صحّ فإنّ حديث القرطاس يتقدّم عليه الأمرين ، أحدهما : كونه متفقاً عليه. والآخر : أنّ النّبي إنما لم يكتب هناك في حق علي شيئاً لمنع عمر ، وفي هذا الحديث لم يكتب شيئاً في حق أبي بكر مع أنه ما منعه مانع!

قال(٢٦٦) :

( التّاسع : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استخلفه في الصلاة التي هي أساس الشريعة ولم يعزله. ورواية العزل افتراء من الروافض ).

أقول :

أمّا أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله استخلف أبابكر في الصّلاة ، فدعوى

__________________

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨/١٢٤.

(٢) الملل النحل ١/٢٩ ، شرح المواقف ٨/٣٧٦.

(٣) تاريخ الطبري ٢/٤٣٩.


١٩٥


لا دليل عليها إلاّ من أحاديثهم وعن أسانيدهم خاصة ، ولا وجه لالزامنا بها هذا أولاً. وثانياً : فإنّ أسانيد هذا الحديث كلّها ساقطة عن الاعتبار بضعف رجالها ، مضافاً الى أنها جميعاً تنتهي إلى عائشه ، وهي في مثل هذه القضية ـ لكونها بنت أبي بكر ، ومناوئة لعليعليه‌السلام ـ متهمة في النقل.

هذا من حيث السند.

وأمّا من حيث الدلالة ، فإنّها وان اشتملت على أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاه بالصلاة بالناس في موضعه ، لكنها جميعاً مشتملة على خروجه إلى المحراب وإمامته في تلك الصلاة بنفسه الشريفة.

فهذا ما جاء في نفس الأخبار المستدل بها على الاستخلاف ، وليست أخباراً أخرى ، كما ليست الصلاة صلاة أخرى ولا ريب في أنّ خروجه للصلاة بنفسه ـ بعد أمره أبابكر بالصلاة كما هو المفروض ـ عزل له عن ذلك.

فمن قال بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله عزله عن الصلاة فإنّما أراد هذا المعنى ، ولم يرد ورود رواية في كتابٍ لأهل السنة مشتملة على لفظ العزل حتى يقال :( ورواية العزل افتراء من الروافض ).

وكأنّ السّعد قد تبع في هذا القول شيخه العضد حيث قال : « وما نقلوه فيه مختلق » ولم يشر أحد منهما ولا غيرهما تلك الرواية ومن رواها؟

هذا ، ولم يتعرّض السّعد إلى دعوى صلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خلف أبي بكر ، وظاهره القول بعدم صحة ذلك ، وفاقاً لكبار الحفاظ المحققين أمثال : ابن الجوزي وابن عبدالبر والنووي وهو ظاهر شيخه القاضي العضد وهذا هو الحلق فإنّ النّبي لا يصلي خلف أحدٍ من أفراد أمته ، وهو المستفاد من قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله ) (١) وهو المصرّح به في كلام عدة من كبار الفقهاء كمالك بن أنس وأتباعه وآخرين ،

__________________

(١) سورة الحجرات : ١.


١٩٦


قالوا : بأنّه لا يصح التقدّم بين يديه لا في الصلاة ولا في غيرها ، لا لعذرٍ ولا لغيره(١) .

وممّا يؤكّد كذب أصل خبر أمره أبابكر بالصلاة : كون أبي بكر(٢) في ذلك الوقت في جيش أسامة في خارج المدينة ، الذي أصرّصلى‌الله‌عليه‌وآله على الخروج معه ولعن من تخلّف عنه(٣) فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يعود ـ والحال هذه ـ فيستخلفه في الصّلاة.

وأيضاً : فإنهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان ملتزماً بالحضور للصّلاة بنفسه ، فقد صلّى بالنّاس حتى آخر يوم من حياته ، وفي مرضه إلاّ الصّلاة الأخيرة من عمره الشّريف ، حيث اشتدّ حاله فلم يحضر(٤) ، وهذه هي الصلاة التي جاء أبوبكر ليصلّيها بالناس ، فلمّا علم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك خرج مع شدة حالته ، معتمداً على رجلين أحدهما عليعليه‌السلام (٥) . فصلّى تلك الصلاة أيضاً بنفسه لأنّه لم يكن قد أمره بذلك

ولو فرض أنها كانت بأمره فقد عزله

ولو فرض أنّه أمره ولم يعزله فليس أبوبكر وحده الذي يكون قد صلّى بالناس بأمرٍ منه ، فقد استخلف رسول الله عليه وآله وسلّم في الصلاة بالناس حتى ابن ام مكتوم الأعمى ولم يدّع الخلافة ولا ادّعاها أحد له لذلك.

ولذا ترى بعضهم ـ كشارح المواقف ـ يضيف إلى دعوى الاستخلاف دعوى صلاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلفه لكنها دعوى باطلة ليس لها مستند معتبر

__________________

(١) فتح الباري : ٣/١٣٩ ، نيل الأوطار ٣/١٩٥ ، السيرة الحلبيّة ٣/٣٦٥.

(٢) فتح الباري ٨/١٢٤.

(٣) الملل والنحل ١/٢٩ ، شرح المواقف ٨/٣٧٦.

(٤) صحيح البخاري ـ بشرح ابن حجر ـ ٢/١٣٧ باب : إنّما جعل الامام ليؤتّم به.

(٥) عمدة القاري ٥/١٨٧ ، فتح الباري ٢/١٢٣ ، الكواكب الدراري ٥/٥٢.


١٩٧


وأمّا خبر أنّ عليّاًعليه‌السلام قال لأبي بكر : « قدّمك رسول الله فلا نؤخرك ، رضيك لديننا فرضيناك لدنيانا » فليس في الكتب المعتبرة حتى عند أهل السنة نعم رواه بعضهم عن الحسن البصري مرسلاً(١) .

والخبر المرسل لا يحتج به ، لا سيّما والمرسل هو الحسن البصري المدّلس الكثير الإرسال المنحرف عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، مضافاً إلى تكذيب أخبار التواريخ والسّير هذا الخبر ونحوه ممّا وضعوه على لسان الامامعليه‌السلام .

هذا موجز الكلام في هذه القضية ، ولنا فيها رسالة مفردة حققناها فيها من جميع جوانبها ، فليرجع اليها من شاء *.

قال(٢٦٧) :

( العاشر : لو كانت الإمامة حقاً لعلي غصبها أبوبكر ورضيت الجماعة بذلك ).

أقول :

هذا ليس إلاّ مجّرد استبعاد ، والأصل فيه هو حسن الظنّ بالأصحاب ، وقد عرفت أن السّعد نفسه يصرّح بأنّ كثيراً منهم قد حاد عن طريق الحق ، وبلغ حدّ الظلم والفسق ، وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد ولقد كان في عليعليه‌السلام ما يبعثهم على الحقد ، فإنّه قد قتل آباءهم وأقرباءهم في الحروب والغزوات ، وما يبعثهم على الحسد ، فإنّه كان أقرب الناس إلى رسول الله وافضلهم عنده وأحبّهم لديه

قال(٢٦٧) :

( وهذه الوجوه وإن كانت ظنّيات ).

أقول :

قد عرفت من كلامه أنّ العمدة عندهم هوالاجماع. وأنّه لا نصّ على

__________________

(١) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣/٩٧١.

* في هذه المجموعة.


١٩٨


خلافة أبي بكر مطلقاً لكنه مع ذلك يملأ كتابه بأشياء باطلة باعترافهم وأخرى غير ثابتة حتى عندهم ثم يقول : « إنّها باجتماعها ربما تفيد القطع لبعض المنصفين »!! وهذا ـ إن دلّ على شيء ـ فإنّما يدل على اضطراب القوم وتزلزلهم في اعتقادهم :

ثم يقول :( ولو سلّم فلا أقل من صلوحها سنداً للاجماع وتأييداً ) ، لكنك عرفت حال الاجماع وعرفت حال ما اتّخذ سنداً!.

من الأدلة والنصوص على إمامة الأمير

أقول : إنّ الأدلة العقليّة على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام والنصوص الدالة عليها من الكتاب والسنّة كثيرة جداً وقد أوردها أصحابنا الإمامية في كتبهم الكلاميّة عن الفريقين وإن الذي تعرّض له السّعد في كتابه لشيء يسير منها ، وقد يكون بعض ما لم يذكر أقوى سنداً ودلالة من بعض ما ذكر وعلى كلّ حال فإنّنا نتكلّم على ما جاء به في الجواب عن كلّ واحد من الوجوه التي تعرّض لها ، مقتصرين على كلامه ، مستندين إلى كتب أعلام مذهبه في إبطال مرامه

وقد ذكر قبل الورود في البحث أمرين :

أحدهما : إنّ الشيعة باثباتهم إمامة عليعليه‌السلام يقدحون فيمن عداه من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ معنى ذلك أن يكون قد خفيت تلك الأدلة على الكبار من الأنصار والمهاجرين.

والثاني : إنّ الشيعة يدّعون في كثير من الأخبار الواردة في هذا الباب التواتر.

ثم قال :( ومن العجائب أنّ بعض المتأخّرين من المتشغبين الذين لم يروا أحداً من المحدّثين ، ولا رووا حديثاً في أمر الدّين ملأوا كتبهم من أمثال هذه الأخبار والمطاعن ، في الصحابة الأخيار ، وإنْ شئت فانظر في كتاب التجريد


١٩٩


المنسوب إلى الحكيم نصير الطوسي ، كيف نصر الأباطيل ، وقرّر الأكاذيب ).

أقول :

أمّا القدح والطّعن في الصّحابة فنحن لسنا بصدد ذلك ، لكنّ البحث ـ لأجل إثبات أمر أو دفعه ـ قد ينجّر إلى ذكر أمور تؤدّي إلى الطعن والقدح ، لا في كلّ الصّحابة وإنّما في بعضهم ولذا اضطّر السّعد نفسه في أواخر الكتاب إلى الإشارة إلى بعض ما كان من الصّحابة ثم الاعتراف بأنّه :( ليس كلّ صحابي معصوماً ولا كلّ من لقي النبي بالخير موسوماً ) ٣١١.

نحن قد أوردنا سابقاً عن حال الصّحابة جملاً عن الكتاب والسنّة.

وأمّا الأخبار الواردة في هذا الباب فإنّها متواترةً قطعاً ، لا سيّما الوارد منها من طرقنا وتلك كتبنا تشهد بذلك ، بل لقد أقرّ غير واحد من علماء طائفته بتواتر بعض ما يحتجّ به أصحابنا ـ كما سترى ـ لكنّ السّعد يجهل ذلك كلّه أو يتجاهله

وأمّا ذكره المحقق العظيم الجامع بين العلوم العقلية والنقلية نصير الدين الطوسي وكتابه ( تجريد الاعتقاد ) بما ذكره فعدول عن النظر والحجاج إلى القذف والسباب والافتراء ، أو استعمال طريقة جهّال العامّة في التشنيع على المذاهب وسبّ أهلها ، وقلّما يستعمل ذلك إلاّ عند نفاد الحجة وقلّة الحيلة وكذلك حال السّعد في هذا الكتاب ، كما سترى أجوبته عمّا ذكره من الدليل والنص في هذا الباب.

انتفاء شرائط الإمامة عن غيره

قال(٢٦٨) :

( الأول : ـ إنّ بعد رسول الله إماماً ، وليس غير عليّ ، لأنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً ومنصوصا عليه وأفضل أهل زمانه. ولا يوجد شيء من ذلك في باقي الصّحابة ، أمّا العصمة والنص فبالإتفاق ، وأمّا الأفضلية فلما سيأتي.


٢٠٠