الإمامة في أهم الكتب الكلامية

الإمامة في أهم الكتب الكلامية3%

الإمامة في أهم الكتب الكلامية مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 527

الإمامة في أهم الكتب الكلامية
  • البداية
  • السابق
  • 527 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 271313 / تحميل: 8827
الحجم الحجم الحجم
الإمامة في أهم الكتب الكلامية

الإمامة في أهم الكتب الكلامية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420


ولقائل أن يقول : إنّ الغرض الأصلي من التحريم هو إحياء سُنّة الجاهليّة ، فإنّهم « كانوا يرون العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور في الأرض »(٤) .

قال البيهقي : « ما أعمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم عائشة في ذي الحجّة إلاّ ليقطع بذلك أمر الشرك »(١) .

ولذا صحّ عنه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا أنّ معي لأحللت. فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا رسول الله هي لنا أو للأبد؟ فقال : لا ، بل للأبد ». أخرجه أرباب الصحاح كافّة ، وعقد له البخاري في صحيحة باباً.

متعة النساء :

وهي أن تزوجّ المرأة الحرّة الكاملة نفسها من الرجل المسلم بمهرٍ مسمّىّ إلى أجلٍ مسمّىً ، فيقبل الرجل ذلك ، فهذا نكاح المتعة ، أو الزواج الموقّت ، ويعتبر فيه جميع ما يعتبر في النكاح الدائم ، من كون العقد جامعاً لجميع شرائط الصحّة ، وعدم وجود المانع من نسبٍ أو سببٍ وغيرهما ، ويجوز فيه الوكالة كما تجوز في الدائم ، ويلحق الولد بالأب كما يلحق به فيه ، وتترتّب عليه سائر الاثار المترتّبة على النكاح الدائم ، من الحرمة والمحرمية والعدّة

إلاّ أنّ الافتراق بينهما يكون لا بالطلاق بل بانقضاء المدّة أو هبتها من قِبَل الزوج ، وأنّ العدّة ـ إن لم تكن في سنّ اليأس الشرعي ـ قرءان إن كانت تحيض ، وإلاّ خمسة وأربعون يوماً ، وأنّه لا توارث بينهما ، ولا نفقة لها عليه وهذه أحكام دلّت عليها الأدلّة الخاصّة ، ولا تقتضي أن تكون متعة النساء شيئاً في مقابل النكاح مثل ملك اليمين.

__________________

(١) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما في أبواب التمتّع والعمرة.

(٢) سنن البيهقي ٤/٣٤٥.


٤٢١


ثبوتها بالكتاب والسُنّة والإجماع :

وقد دلّ على مشروعيّة هذا النكاح وثبوته في الإسلام :

١ ـ الكتاب ، في قوله عزّ وجلّ :( فما استمتعتم به منهنّ ) (١) وقد روي عن جماعة من كبار الصحابة والتابعين ، المرجوع إليهم في قراءة القرآن واحكامه التصريح بنزول هذه الآية المباركة في المتعة ، حتّى أنّهم كانوا يقرأونها : « فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلّ » ، وكانوا قد كتبوها كذلك في مصاحفهم ، فهي ـ حينئذٍ ـ نصّ في المتعة ، ومن هؤلاء :

عبدالله بن عبّاس ، واُبي بن كعب ، وعبدالله بن مسعود ، وجابر بن عبدالله وأبو سعيد الخدري ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والسدّي ، وقتادة(٢) .

بل ذكروا عن ابن عبّاس قوله : « والله لأنزلها الله كذلك ـ ثلاث مرّات ».

وعنه وعن أُبي التصريح بكونها غير منسوخة.

بل نصّ القرطبي على أنّ دلالتها على نكاح المتعة هو قول الجمهور ، وهذه عبارته : « وقال الجمهور : المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الاسلام »(٣) .

٢ ـ السُنّة : وفي السُنّة أحاديث كثيرة دالّة على ذلك ، نكتفي منها بواحدٍ ممّا أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم عن عبدالله بن مسعود قال :

« كنّا نغزو مع رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ليس لنا نساء. فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى اجل ، ثمّ قرأ عبدالله :( يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا

__________________

(١) سورة النساء : ٢٤.

(٢) راجع التفاسير : الطبري والقرطبي وابن كثير والكشّاف والدرّ المنثور. كلّها بتفسير الآية. وراجع أيضاً : أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٢/١٤٧ ، سنن البيهقي ٧/٢٠٥ ، شرح مسلم ـ النووي ـ ٦/١٢٧ ، المغني لابن قدامة ٧/٥٧١.

(٣) تفسير القرطبي ٥/١٣٠.


٤٢٢


إنّ الله لا يحبّ المعتدين ) (١) .

ولا يخفى ما يقصده ابن مسعود من قراءة الآية المذكورة بعد نقل الحديث ، فإنّه كان ممّن أنكر على من حرّم المتعة.

٣ ـ الإجماع : فإنّه لا خلاف بين المسلمين في أنّ « المتعة » نكاح. نصّ على ذلك القرطبي ، وذكر طائفةً من أحكامها ، حيث قال :

« لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نكاح إلى أجل ، لا ميراث فيه ، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق » ثمّ نقل عن ابن عطيّة كيفيّة هذا النكاح وأحكامه(٢) .

وكذا الطبري ، فنقل عن السدّي ، « هذه هي المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرطٍ إلى أجل مسمّى »(٣) .

وعن ابن عبدالبّر في « التمهيد » : « أجمعوا على أنّ المتعة نكاح ، لا إشهاد فيه ، وأنّه نكاح إلى أجلٍ يقع فيه الفرقة بلا طلاق ولا ميراث بينهما ».

تحريم عمر :

وكانت متعة النساء ـ كمتعة الحجّ ـ حتّى وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وزمن أبي بكر ، وفي شطرٍ من خلافة عمر بن الخطّاب ، حتّى قال :

« متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما » وقد وردت قولته هذه في كتب الفقه والحديث والتفسير والكلام أنظر منها : تفسير الرازي ٢/١٦٧ ، شرح معاني الاثار ٣٧٤ ، سنن البيهقي ٧/٢٠٧ ، بداية المجتهد ١/٣٤٦ المحلّى ٧/١٠٧ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١/٢٧٩ ، شرح التجريد

__________________

(١) صحيح البخاري/في كتاب النكاح وفي تفسير سورة المائدة ، صحيح مسلم كتاب النكاح ، مسند أحمد ١/٤٢٠.

(٢) تفسير القرطبي ٥/١٣٢.

(٣) تفسير الطبري بتفسير الآية.


٤٢٣


للقوشجي الأشعري ، تفسير القرطبي ٢/٣٧٠ ، المغني ٧/٥٢٧ ، زاد المعاد في هدي خير العباد ٢/٢٠٥ ، الدرّ المنثور ٢/١٤١ ، كنز العمّال ٨/٢٩٣ ، وفيات الأعيان ٥/١٩٧.

ومنهم من نصّ على صحّته كالسرخسي ، ومنهم من نصّ على ثبوته كابن قيّم الجوزية ، وفي المحاضرات للراغب الأصبهاني : « قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة : بمن اقتديت في جواز المتعة؟ قال : بعمر بن الخطّاب. فقال : كيف هذا وعمر كان أشدّ الناس فيها؟! قال : لأنّ الخبر الصحيح قد أتى أنّه صعد المنبر فقال : إنّ الله ورسوله أحلاّ لكم متعتين وإنّي أحرمهما عليكم وأعاقب عليهما ؛ فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه ».

وفي بعض الروايات : أنّ النهي كان عن المتعتين وحيّ على خير العمل(١) .

وعن عطاء ، عن جابر بن عبدالله : « استمتعنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وأبي بكر وعمر ، حتى إذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حديث بامرأة ـ سمّاها جابر فنسيتها ـ فحملت المرأة ، فبلغ ذلك عمر ، فدعاها فسألها فقالت : نعم ، قال من أشهد؟ قال عطاء : لا أدري قال : أُمّي أمْ وليّها. قال فهلاً غيرها؟!

فذلك حين نهى عنها »(٢) .

ومثله أخبار أُخرى ، وفي بعضها التهديد بالرجم(٣) .

فالذي نهى عن المتعة هو عمر بن الخطّاب

وفي خبرٍ : أنّ رجلاً قدم بن الشام ، فمكث مع امرأةٍ إلى ما شاء الله أن

__________________

(١) كذا في شرح التجريد للقوشجي ، بحث خلافة عمر.

(٢) صحيح مسلم باب نكاح المتعة ٦/١٢٧ بشرح النووي هامش القسطلاني ، مسند أحمد ٣/٣٠٤ ، سنن البيهقي ٧/٢٣٧ ، والقصّة هذه في المصنّف لعبد الرزّاق ٧/٤٦٩.

(٣) بل عنه أنّه قال : « لا أؤتى برجلٍ تزوّج امرأةً إلى أجلٍ إلاّ رجمته ولو أدركته ميّتاً لرجمت قبره! » المبسوط ـ للسرخسي ـ ٥/١٥٣.


٤٢٤


يمكث ، ثمّ إنّه خرج ، فأُخبر بذلك عمر بن الخطّاب ، فأرسل إليه فقال : ما حملك على الذي فعلته؟ قال : فعلته مع رسول الله ، ثمّ لم ينهانا عنه حتّى قبضه الله. ثمّ مع أبي بكر فلم ينهانا حتى قبضه الله ، ثمّ معك ، فلم تُحدث لنا فيه نهياً. فقال عمر : أم والذي نفسي بيده لو كنت تقدّمت في نهيٍ لرجمتك »(١) .

ومن هنا ترى أنّه في جميع الأخبار ينسبون النهي إلى عمر ، يقولون : « فلمّا كان عمر نهانا عنهما » و« نهى عنها عمر » و « قال رجل برأيه ما شاء » ونحو ذلك ، ولو كان ثمّة نهي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما كان لنسبة النهي وما ترتّب عليه من الآثار الفاسدة إلى عمر وجه كما هو واضح. وقد جاء عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قوله : « لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي »(٢) وعن ابن عبّاس : « ما كانت المتعة إلاّ رحمةً من الله تعالى رحم بها عباده ، ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلاّ شقي »(٣) .

ومن هنا جعل تحريم المتعة من أوّليّات عمر بن الخطّاب(٤) .

بل إنّ عمر نفسه يقول : « كانتا على عهد رسول الله ، وأنا أنهى عنهما » فلا يخبر عن نهي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل ينسب النهي إلى نفسه ويتوعّد بالعقاب ، بل إنّه لم يكذّب الرجل الشامي لمّا أجابه بما سمعت ، بل لمّا قال له : « ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً » اعترف بعدم النهي مطلقاً حتى تلك الساعة ولا يخفى ما تدلّ عليه كلمة « تحدثّ ».

__________________

(١) كنز العمّال ٨/٢٩٤.

(٢) المصنّف ـ لعبد الرزّاق بن همام ـ ٧/٥٠٠ ، تفسير الطبري ٥/١٧ ، الدرّ المنثور ٢/٤٠ ، تفسير الرازي ٣/٢٠٠.

(٣) تفسير القرطبي ٥/١٣٠. ومنهم من رواه بلفظ « شفا » أي قليل. أُنظر : النهاية وتاج العروس وغيرهما من كتب اللغة.

(٤) تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ.


٤٢٥


موقف عليّ وكبار الصحابة من تحريمها :

ثم إنّه وإنْ تابع عمر في تحريمه بعض القوم كعبدالله بن الزبير ، لكنْ ثبت على القول بحلّيّة المتعة ـ تبعاً للقرآن والسنّة ـ أعلام الصحابة ، وعلى رأسهم مولانا أمير المؤمنين وأهل البيتعليهم‌السلام قال ابن حزم :

« وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله جماعة من السلف ، منهم من الصحابة : أسماء بنت أبي بكر وجابر بن عبدالله وابن مسعود وابن عبّاس ومعاوية ابن أبي سفيان وعمرو بن حريث وأبو سعيد الخدري وسلمة ومعبد ابنا أُميّة بن خلف.

ورواه جابر عن جميع الصحابة مدّة رسول الله ومدّة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر ».

قال : « ومن التابعين : طاووس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكّة أعزّها الله »(١) .

ولم يذكر ابن حزم عمران بن حصين وبعض الصحابة الآخرين : وذكر ذلك القرطبي وأضاف عن ابن عبدالبّر : « اصحاب ابن عباس من أهل مكّة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عبّاس »(٢) .

ومن أشهر فقهاء مكّة المكرّمة القائلين بحلّيّة المتعة : عبدالملك بن عبدالعزيز ، المعروف بابن جريج المكّي ، المتوفّى سنة ١٤٩ هـ ، وهو من كبار الفقهاء وأعلام التابعين وثقات المحدّثين ومن رجال الصحيحين ، فقد ذكروا أنّه تزوّج نحواً من تسعين امرأة بنكاح المتعة.

وذكر ابن خلّكان أنّ المأمون أمر أيّام خلافته أن ينادى بحلّيّة المتعة. قال :

__________________

(١) المحلّى ٩/٥١٩.

(٢) تفسير القرطبي ٥/١٣٣.


٤٢٦


فدخل عليه محمد بن منصور وأبو العيناء ، فوجداه يستاك ويقول ـ وهو متغيّظ ـ : متعتان كانتا على عهد رسول الله وعهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما. قال : ومن أنت يا جعل حتى تنهى عمّا فعله رسول الله وأبو بكر؟! فأراد محمد بن منصور أن يكلّمه ، فأومأ إليه أبو العيناء وقال : رجل يقول في عمر بن الخطّاب ما يقول نكلّمه نحن؟! ودخل عليه يحيى بن أكثم فخلا به وخوّفه من الفتنة ، ولم يزل به حتى صرف رأيه »(١) .

الأقوال في الدفاع عن عمر :

وجاء دور المدافعين والموجّهين الّذين يتعبون أنفسهم في هذا السبيل كما هو شأنهم في كلّ قضيّة من هذا القبيل حيث الحكم ثابت بالكتاب والسُنّة وبالضروة من الدين والخليفة يخالف بكلّ صراحةٍ حكم ربّ العالمين

لكنّهم اختلفوا إلى طوائف بين قائل بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي حرّمها ، وقائل بأنّ عمر هو الذي حرّمها وقائل بأنْ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي نسخ حكم الإباحة لكن لم يعلم به إلاّ عمر!!

أمّا القول الأخير فهو للفخر الرازي ، فقد قال :

« فلم يبق إلاّ أن يقال : كان مراده أنّ المتعة كانت مباحةً في زمن الرسولعليه‌السلام ، وأنا أنهى عنه لِما ثبت عندي أنّه نسخها «(٢) .

وقال النووي بعد قولة عمر :

« محمول على أنّ الذي استمتع في عهد أبي بكر وعمر لم يبلغه النسخ »(٣) .

__________________

(١) وفيات الأعيان ٥/١٩٧ بترجمة يحيى بن أكثم.

(٢) تفسير الرازي ، بتفسير الآية.

(٣) المنهاج ـ شرح صحيح مسلم ٦/١٢٨.


٤٢٧


وأمّا القولان الأوّلان فقد ذكرهما ابن قيّم الجوزيّة(١) .

لكن اختلف أصحاب القول الأول في وقت تحريم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أقوال سبعة(٢) .

١ ـ أنّه يوم خيبر : وهذا قول طائفةٍ ، منهم الشافعي.

٢ ـ أنّه في عمرة القضاء.

٣ ـ أنّه عام فتح مكّة. وهذا قول ابن عيينة وطائفة.

٤ ـ أنّه في أوطاس.

٥ ـ أنّه عام حنين. قال ابن القيّم : وهذا في الحقيقة هو القول الثاني ، لاتّصال غزاة حنين بالفتح.

قلت : وسأذكر الحديث فيه.

٦ ـ أنّه عام تبوك : وسأذكر الحديث فيه.

٧ ـ أنّه عام حجّة الوداع.

قال ابن القيّم : « وهو وهم من بعض الرواة ، سافر فيه وهمه من فتح مكّة إلى حجّة الوداع وسفر الوهم من زمان إلى زمان ، ومن مكان إلى مكان ، ومن واقعة إلى واقعة ، كثيراً ما يعرض للحفاظ فمن دونهم »(٣) .

وعمدة ما ذكره أصحاب القول الثاني في وجه تحريم ما أحلّه الله ورسوله وبقي الحكم كذلك حتى ذهاب رسول الله إلى ربه ـ وقد تقرّر أن لا نسخ بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ هو : « إنّ عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها ، وقد أمر رسول الله باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون »(٤) .

__________________

(١) زاد المعاد ٢/١٨٤ وسنذكر عبارته.

(٢) ذكر منها ابن القيّم أربعة هي : خيبر ، الفتح ، حنين ، حجّة الوداع ، والثلاثة الاخرى من فتح الباري ٩/١٣٨.

(٣) زاد المعاد في هدي خير العباد ٢/١٨٣.

(٤) زاد المعاد في هدي خير العباد ٢/١٨٤.


٤٢٨


فهذه هي الأقوال التي يستخلصها المتتبّع المنقّب من خلال كلماتهم المضطربة وأقوالهم المتعارضة

نقد القول بأنّ السنخ من النبيّ ولم يعلم به إلاّ عمر :

أمّا القول الثالث ـ وهو أنّ النسخ كان من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه ، ولكن لم يعلم به غير عمر ـ فقد كان الأولى بإمامهم!! الفخر الرازي أن لا يتفوّه به! إذ كيف يثبت النسخ عند عمر فقط ولا يثبت عند عليعليه‌السلام وجمهور الصحابة؟! ولماذا خصّة النبّيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعلم به دونهم؟! وهلاّ أخبر هو عن هذا النسخ ـ الثابت عنده! ـ حين قال له ناصحه ، وهو عمران ابن سوادة : « عابت أُمّتك منك أربعاً قال : وذكروا أنّك حرّمت متعة النساء وقد كانت رخصةً من الله ، نستمتع بقبضةٍ ونفارق عن ثلاث. قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أحلّها في زمان ضرورة ، ثم رجع الناس إلى سعة »(١) .

ولماذا لم تقبل الأُمّة منه ذلك وبقي الخلاف حتى اليوم؟!

نقد القول بأنّ التحريم من عمر ويجب اتّباعه :

قال ابن القيّم : « فإن قيل : فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله قال : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيّام على عهد رسول الله وأبي بكر ، حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث. وفيما ثبت عن عمر أنّه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما : متعة النساء ومتعة الحجّ؟

قيل : الناس في هذا طائفتان :

__________________

(١) تاريخ الطبري ـ حوادث سنة ٢٣هـ.


٤٢٩


طائفة تقول : إنّ عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها ، وقد أمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم باتّباع ما سنّة الخلفاء الراشدون. ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح ، فإنّه من رواية عبدالملك ابن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جدّه. وقد تكلم فيه ابن معين. ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدّة الحاجة إليه وكونه أصلاً من أصول الإسلام. ولو صحّ عنده لم يصبر من إخراجه والإحتجاج به. قالوا : ولو صحّ حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود ، حتّى يروي أنّهم فعلوها. ويحتجّ بالآية.

وأيضاً : ولو صحّ لم يقل عمر إنّها كانت على عهد رسول الله ، وأنا أنهى عنها وأُعاقب عليها ، بل كان يقول إنّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم حرّمها ونهى عنها. قالوا : ولو صحّ لم تفعل على عهد الصدّيق وهوعهد خلافة النبوّة حقّاً.

والطائفة الثانية رأت صحّة حديث سبرة ، ولو لم يصحّ فقد صحّ حديث عليّ رضي الله عنه أن رسول الله حرّم متعة النساء.

فوجب حمل حديث جابر على أنّ الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر ، فلمّا وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر.

وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها. وبالله التوفيق »(١) .

أقول : فالقائلون بهذا القول يلتزمون بأنّ التحريم كان من عمر لا من الله ورسوله ، لكنّهم يوجّهون تحريم عمر ، بل ينسبونه إلى الله ورسوله باعتبار أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون.

هذا عمدة دليلهم فإذا لم يثبت « أنّ رسول الله أمر باتّباع ما سنّة الخلفاء الراشدون » لم يبق مناص من الاعتراف بأنّ ما فعله عمر كان « إحداثاً في الدين » كما قال غير واحدٍ من الصحابة!

إنّ قوله : « وقد أمر رسول الله باتّباع ما سنّه الخلفاء » اشارة إلى ما يروونه

__________________

(١) زاد المعاد في هدي خير العباد ٢/١٨٤.


٤٣٠


عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي وعضّوا عليها بالنواجذ!.

لكن هذا الحديث من أحاديث سلسلتنا في ( الأحاديث الموضوعة ).

إنّه حديث باطل بجميع أسانيده وطرقه ، ولقد أفصح عن بطلانه بعض كبار الأئمّة كالحافظ ابن القطّان ، المتوفّى سنة ٦٢٨ هـ ، قال ابن حجر بترجمة عبدالرحمن السلمي : « له في الكتب حديث واحد في الموعظة صحّحه الترمذي قلت : وابن حبّان والحاكم في المستدرك.

وزعم ابن القطّان الفاسي : إنّه لا يصحّ ، لجهالته »(١) .

وقد ترجم لابن القطّان وأثنى عليه كبار العلماء(٢) .

وبقي القول بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذّي حرّمها وقد عرفت أنّ القائلين به اختلفوا على أقوال :

أمّا القول بأنّه كان عام حجّة الوداع فقد قال ابن القيّم : « هو وهم من بعض الرواة ».

وأمّا القول بأنّه كان عام حنين ، فقد قال ابن القيّم : « هذا في الحقيقة هو القول الثاني ، لاتّصال غزاة حنين بالفتح ».

وأمّا القول بأنّه كان في غزوة أوطاس فقد قال السهيلي : « من قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح »(٣) .

وأمّا القول بأنّه كان في عمرة القضاء فقد قال السهيلي : « أغرب ما روي في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك ، ثمّ رواية الحسن أنّ ذلك كان في عمرة القضاء »(٤) . وقال ابن حجر : « وأمّا عمرة القضاء فلا يصحّ الأثر فيها ، لكونه من

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٦/٢٣٨.

(٢) أُنظر : تذكرة الحفّاظ ٤/١٤٠٧ وطبقات الحفّاظ : ٤٩٤.

(٣) فتح الباري ٩/١٣٨.

(٤) فتح الباري ٩/١٣٨.


٤٣١


مرسل الحسن ، ومراسيله ضعيفة ، لأنّه كان يأخذ عن كلّ أحد ، وعلى تقدير ثبوته فلعلّه أراد أيّام خيبر لأنّهما كانا في سنةٍ واحدة ، كما في الفتح وأوطاس سواء »(٢) .

قال ابن القيّم : « والصحيح أنّ المتعة إنّما حرّمت عام الفتح »

وقال ابن حجر : « الطريق التي أخرجها مسلم مصرّحة بأنّها في زمن الفتح أرجح ، فتعين المصير إليها ».

قال هذا بعد أن ذكر روايات الأقوال الأخرى ، وتكلّم عليها بالتفصيل حتى قال : « فلم يبق من المواطن ـ كما قلنا ـ صحيحاً صريحاً سوى غزوة خيبر وغزوة الفتح. وفي غزوة خيبر من كلام أهل العلم ما تقدّم »(٣) .

بل لقد نسب السهيلي هذا القول إلى المشهور(٤) .

١ ـ حديث التحريم عام الفتح :

قلت : وهذا نصّ الحديث عند مسلم بسنده :

« حدّثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا يحيى بن آدم ، حدّثنا إبراهيم بن سعد ، عن عبدالملك بن الربيع بن سبرة الجهني ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : أمرنا رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكّة ، ثمّ لن يخرج حتى نهانا عنها »(٥) .

__________________

(١) فتح الباري ٩/١٣٩.

(٢) زاد المعاد ٦/١٢٧.

(٣) فتح الباري ٩/١٣٩.

(٤) فتح الباري ٩/١٣٨.

(٥) صحيح مسلم ـ بشرح النووي هامش القسطلاني ـ ٦/١٢٧.


٤٣٢


٢ ـ حديث التحريم في غزوة تبوك :

ورووا حديث التحريم في غزوة تبوك عن :

١ ـ أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٢ ـ جابر بن عبدالله.

٣ ـ أبي هريرة.

أمّا الحديث عن أمير المؤمنينعليه‌السلام فقد ذكره النووي قائلاً :

« وذكر غير مسلم عن عليّ أنّ النبيّ نهى عنها في غزوة تبوك ، من رواية إسحاق بن راشد ، عن الزهري ، عن عبدالله بن محمد بن عليّ ، عن أبيه ، عن عليّ »(١) .

وأمّا الحديث عن جابر فأخرجه الحازمي.

وأمّا الحديث عن أبي هريرة فأخرجه ابن راهويه وابن حبّان من طريقه وقد أوردهما ابن حجر(٢) ولا حاجة إلى ذكرهما اكتفاءً بما سنذكره في نقدهما.

٣ ـ حديث التحريم في غزوة حنين :

ورووا حديث التحريم في غزوة حنين عن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام كذلك فقد أخرج النسائي قائلاً :

« أخبرنا عمرو بن عليّ ومحمّد بن بشّار ومحمد بن المثّنى ، قالوا : أنبأنا عبدالوهّاب ، قال : سمعت يحيى بن سعيد ، يقول : أخبرني مالك بن أنس أنّ ابن شهاب أخبره أنّ عبدالله والحسن ابني محمد بن عليّ أخبراه أنّ أباهما محمد بن عليّ أخبرهما أن عليّ بن أبي طالب قال : نهى رسول الله يوم خيبر عن متعة النساء.

__________________

(١) المنهاج ، شرح صحيح مسلم هامش القسطلاني ٦/١١٩.

(٢) فتح الباري ٩/١٣٨.


٤٣٣


قال ابن المثنّى : يوم حنين ، وقال : هكذا حدّثنا عبدالوهّاب من كتابه »(١) .

٤ ـ حديث التحريم في يوم خيبر :

ورووا في الصحاح وغيرها حديث التحريم في يوم خيبر عن أمير المؤمنينعليه‌السلام كذلك ، لكن باختلاف في اللفظ كما سترى ، ونكتفي هنا بما جاء عند البخاري ومسلم :

أخرج البخاري : « حدّثنا مالك بن إسماعيل ، حدّثنا ابن عيينة أنّه سمع الزهري يقول : أخبرني الحسن بن محمّد بن عليّ وأخوه عبدالله عن أبيهما إنّ عليّاً رضي الله عنه قال لابن عبّاس : إنّ النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر »(٢) .

وأخرج مسلم : « حدّثنا يحيى بن يحيى ، قال : قرأت على مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبدالله والحسن ابني محمد بن عليّ ، عن أبيهما ، عن عليّ بن أبي طالب أن رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإِنسية.

وحدّثناه عبدالله بن محمد بن أسماء الضبعي ، حدّثنا جويرية ، عن مالك بهذا الإسناد وقال : سمع عليّ بن أبي طالب يقول لفلان : إنّك رجل تائه ، نهانا رسول الله. بمثل حديث يحيى عن مالك.

حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة وابن نمير وزهير بن حرب جميعاً ، عن ابن عيينة ، قال زهير : حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن حسن وعبدالله ابني محمد بن عليّ ، عن أبيهما ، عن عليّ : أنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية.

__________________

(١) سنن النسائي ٦/١٢٦.

(٢) صحيح البخاري ـ بشرح ابن حجر ـ ٩/١٣٦.


٤٣٤


وحدّثنا محمد بن عبدالله بن نمير ، حدّثنا أبي ، حدثّنا عبيدالله ، عن ابن شهاب ، عن الحسن وعبدالله ابني محمد بن عليّ ، عن أبيهما ، عن عليّ إنّه سمع ابن عبّاس يلين في متعة النساء فقال : مهلاً يا ابن عبّاس ، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية.

وحدّثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى ، قالا : أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن الحسن وعبدالله ابني محمد بن عليّ بن أبي طالب ، عن أبيهما أنّه سمع عليّ بن أبي طالب يقول لابن عبّاس : نهى رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية »(١) .

أقول :

وفي جميع أحاديث الباب نقود مشتركة ، توجب القول ببطلانها جميعاً ، حتى لو صحّت كلّها سنداً

فنذكر تلك النقود المشتركة بإيجاز ، ثم نتعرّض لنقد حديث فتح مكّة لكونه القول المشهور كما عرفت ، ولنقد حديث خيبر بالتفصيل لكونه المشهور عندهم عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو من أحاديث الصحيحين!!

وإنّما تعرضنا ـ من بين الأحاديث الأخرى ـ لحديثي تبوك وحنين لأنّهم رووهما عن أمير المؤمنينعليه‌السلام كذلك.

__________________

(١) صحيح مسلم ـ بشرح النووي هامش القسطلاني ٦/١٢٩ ـ ١٣٠.


٤٣٥


نقود مشتركة :

وأوّل ما في هذا الأحاديث تكاذب البعض منها مع البعض الآخر ، الأمر الذي حار القوم واضطربوا وتضاربت كلماتهم في حلّه(١) فاضطرّ بعضهم إلى القول بأنّ المتعة أُحلّت ثم حُرمت ثمّ أُحلّت ثمّ حُرمت حتّى عنون مسلم في صحيحه : « باب نكاح المتعة وبيان أنّه أبيح ثمّ نسخ ثم أبيح ثم نسخ ، واستقرّ حكمه إلى يوم القيامة ».

لكن الأخبار لم تنته بذلك ، بل جاءت بالتحليل والتحريم حتى سبعة مواطن كما قال القرطبي(٢) .

إلاّ أنّ ابن القيّم ينصّ على أنّ النسخ لا يقع في الشريعة مرّتين ، فكيف بالأكثر؟! وهذه عبارته حيث اختار التحريم في عام الفتح : « ولو كان التحريم زمن خيبر لزم النسخ مرّتين ، وهذا لا عهد بمثله في الشريعة ألبتّه ولا يقع مثله فيها »(٣) .

ثم تكذيب قولة عمر : « متعتان كانتا على عهد رسول الله ، وأنا أنهى عنهما » لجميعها : فإنّه في هذا القول الثابت عنه ـ معترف بأنّه هو الذي حرّم ما كان حلالاً على عهد رسول الله عليه وآله وسلّم.

ثم قول الأصحاب ، قبل عمر وفي زمانه وبعده ـ بحلّيّة المتعة ، وأنّ عمر هو الذي حرّمها ، وأنّه لولا تحريمه لما زنى إلاّ شقي

__________________

(١) راجع إن شئت الوقوف على طرفٍ منها : المنهاج للنووي ٦/١١٩ فما بعدها ، وفتح الباري ـ لابن حجر ـ ٩/١٣٨.

(٢) تفسير القرطبي ٥/١٣٠.

(٣) زاد المعاد في هدي خير العباد ٢/١٨٤.


٤٣٦


نقد حديث عام الفتح

أمّا حديث عام الفتح فقد عرفت من كلام ابن القيّم عدم صحّته ، قال : « فإنّه من رواية عبدالملك بن الربيع بن سبرة ، عن أبيه ، عن جدّه وقد تكلّم فيه ابن معين ، ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه ».

أقول : نكتفي هنا من ترجمة الرجل بما ذكره ابن حجر العسقلاني وأشار في كلامه إلى هذا الحديث ، وهذا نصّ عبارته : « قال أبو خيثمة : سئل يحيى بن معين عن أحاديث عبدالملك بن الربيع عن أبيه عن عن جدّه فقال : ضعاف. وحكى ابن الجوزي عن ابن معين أنّه قال : عبدالملك ضعيف. وقال أبو الحسن ابن القطّان : لم تثبت عدالته ، وإنْ كان مسلم أخرج له فغير محتجّ به. إنتهى.

ومسلم إنّما أخرج له حديثاً واحداً في المتعة متابعةً. وقد نبّه على ذلك المؤلّف »(١) .

نقد حديث حنين

وأمّا حديث التحريم يوم حنين الذي رواه النسائي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام فسنتكلّم عليه عندما نتعرّض لما رووه عنهعليه‌السلام .

قلت : هذا مضافاً إلى أنّهم رووا عن الربيع بن سبرة نفسه أنّ التحريم كان في حجّة الوداع :

أخرج أبو داود : « حدّثنا مسدّد بن مسهّر ، حدّثنا عبدالوارث ، عن إسماعيل

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٦/٣٤٩.


٤٣٧


ابن اُميّة ، عن الزهري ، قال : كنّا عند عمر بن عبدالعزيز ، فتذاكرنا متعة النساء. فقال له رجل يقال له ربيع بن سبرة : اشهد على أبي أنّه حدّث أنّ رسول الله نهى عنها في حجّة الوداع »(١) .

نقد حديث غزوة تبوك

وأمّا حديث عزوة تبوك فالذي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام سنذكره كذلك.

وأمّا الذي عن جابر بن عبدالله فقد نصّ ابن حجر العسقلاني على أنّه « لا يصح ، فإنّه من طريق عبّاد بن كثير ، وهو متروك »(٢) .

أقول : ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب : « عبّاد بن كثير الثقفي البصري » و« عبّاد بن كثير الرملي الفلسطيني » وكلاهما « متروك » « يروي أحاديث موضوعة » ، « كذّب ». وعن أبي حاتم بترجمة الثاني ـ : « ظننت أنّه أحسن حالاً من عبّاد بن كثير البصري فإذا هو قريب منه ، ضعيف الحديث »(٣) .

هذا ، وكأنّ واضعه وضعه ليقابل به الحديث الصحيح الثابت عنه الدالّ على بقائه على الإباحة حتى آخر لحظةٍ من حياته.

كما وضعوا الأحاديث العديدة في رجوع ابن عبّاس كما سنشير.

وكما وضعوا عن أمير المؤمنينعليه‌السلام كما ستعلم!.

والذي عن أبي هريرة قال ابن حجر : « إنّ في حديث أبي هريرة مقالاً ، فإنّه من رواية مؤمّل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمّار ، وفي كلّ منهما مقال »(٤) .

__________________

(١) سنن أبي داود ١/٣٢٤.

(٢) فتح الباري ٩/١٣٩.

(٣) تهذيب التهذيب ٥/٨٧ ـ ٨٩.

(٤) فتح الباري ٩/١٣٩.


٤٣٨


أقول : فإنْ شئت تفصيل ذلك فراجع ترجمتهما(١) .

نقد حديث يوم خيبر

وأهمّ أحاديث المسألة ما وضع على لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام لأنّ أمير المؤمنين أهمُّ المعارضين فلتبذل الهمم من الّذين أشربوا في قلوبهم حسبةً وتزلّفاً إلى الحكّام والولاة المتسلّطين.

لكن الأحاديث الموضوعة على لسانه متكاذبة متهافتة لتكثّر القالّة عليه وتعدّد الأيدي المختلقة وهذه آية من آيات علوّ الحقّ

لقد وضعوا الحديث على لسان أحفاده عن ابنه محمد بن الحنفيّة ولم يضعوه على لسان أولاد الحسنين عنهما عن أمير المؤمنين لأنّهم يعلمون أنّ مثل هذه التهمة لا تلتصق بهم

وضعوه على لسانهعليه‌السلام . يخاطب ابن عمّه عبدالله بن العبّاس وقد بلغه أنّه يقول بالمتعة يخاطبه بلهجةٍ حادّة

ولقد كان بالإمكان أنْ تنطلي الحقيقة على خواصّ الناس فضلاً عن عوامّهم لولا اختلاف الاختلاق!

فلنشرع في شرح القضيّة ببعض التفصيل في فصول :

١ ـ تعارض الحديث عن عليّ في وقت التحريم :

لقد روي هذا الحديث عن الزهري ، عن الحسن بن محمد بن عليّ وأخيه عبدالله بن محمد بن عليّ ، عن أبيهما ، عن عليّعليه‌السلام أنّه قال لابن عبّاس :

إنّك رجل تائه ، إنّ رسول الله نهى عنها يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١٠/٣٣٩ ، و٧/٢٣٢.


٤٣٩


الإنسية »(١) .

وعن الزهري ، عنهما ، عن أبيهما ، عن عليّ « يوم حنين »(٢) .

وعن الزهري ، عن عبدالله بن محمّد بن عليّ ، عن أبيه ، عن عليّ :

« إنّ النبي نهى عنها في غزوة تبوك »(٣) .

وعن محمّد بن الحنفيّة أنّه قالعليه‌السلام لابن عبّاس :

« إنّك رجل تائه ، إنّ رسول الله نهى عن متعة النساء في حجّة الوداع »(٤) .

وعن الشافعي عن مالك بإسناده عن عليّ :

« إنّ رسول الله نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية » ولم يزد على ذلك ، وسكت عن قصّة المتعة »(٥) .

فهذه أخبارهم بالسند الواحد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حول أمر واحدٍ ...!!

فإن قلت : ليس كلّها بصحيحٍ عندهم.

قلت : أمّا الأول فقد اتّفقوا على صحّته واستندوا إليه في بحوثهم.

وأمّا الثاني فهو عند النسائي وكتابه من صحاحهم.

وأمّا الرابع الذي رواه الطبراني فقد أورده الهيثمي وقال : « رجاله رجال الصحيح »(٦) .

نعم ، الثالث ذكره النووي ثم قال نقلاً عن القاضي عياض : « لم يتابعه أحد على هذا وهو غلط »(٧) .

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ـ هامش القسطلاني ـ ٦/١٢٩.

(٢) سنن النسائي ٦/١٢٦.

(٣) المنهاج في شرح مسلم ـ هامش القسطلاني ـ ٦/١٣٠.

(٤) مجمع الزوائد ٤/٢٦٥.

(٥) عمدة القاري ـ شرح البخاري.

(٦) مجمع الزوائد ٤/٢٦٥.

(٧) المنهاج ـ شرح صحيح مسلم ـ ٦/١٣١.


٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527