رجال السنة في الميزان

رجال السنة في الميزان0%

رجال السنة في الميزان مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 148

رجال السنة في الميزان

مؤلف: المظفر الشيخ محمد الحسن
تصنيف:

الصفحات: 148
المشاهدات: 42939
تحميل: 6802

توضيحات:

رجال السنة في الميزان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 148 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42939 / تحميل: 6802
الحجم الحجم الحجم
رجال السنة في الميزان

رجال السنة في الميزان

مؤلف:
العربية

رجال السنة في الميزان

المظفّر الشيخ محمد الحسن

١

٢

٣

مقدمة الكتاب

بقلم

السيد مرتضى الرضوي

مؤلف كتاب مع رجال الفكر في القاهرة

بسم الله الرّحمن الرّحيم ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم

بين آونة واُخرى تُطل علينا مطبوعات حاوية بين دفتيها من سموم وتهم، وأكاذيب ومفتريات تلصق بالطائفة الشيعيّة، ولن يستفيد من هذه المطبوعات والنشرات أحد سوى العدوّ اللّدود الّذي يكيد للإسلام والمسلمين لقاعدة (فرِّق تسد) ومن هذا المنطلق دخل المخرّبون عملاء الاستعمار، وأعداء الإنسانية والإسلام كالسعوديّين الوهابيّين لإيجاد التفرقة ولتمزيق وحدة الصفّ بين المسلمين، ولو احتفظ المسلمون، واهتمّوا بجمع كلمتهم كما أمرهم الله عزّ وجل بقوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُوا ) لما استطاع الأجنبي أن يستعمرهم.

وقد اطلع بعض الأخوة الأفاضل على عنوان هذا الكتاب (رجال السنة في الميزان) حبَّذ تبديله وتغييره وقال: إنّي أرى من الأحسن تغيير هذا الاسم. فاستخرت الله تعالى على أن اُوافقه على رأيه فجاءت هذه الآية:( الّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ* فَوَرَبّكَ لَنَسْأَلَنّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمّا كَانُوا يَعْمَلُونَ* فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) (الحجر: ٩١- ٩٣).

هذه الآية تدلّ على صدق التسمية، وناهية، بل ومنذرة، ومهدِّدة للعدول عنه إلى غيره مع العلم أنّ هذا الاسم يصدق على بعض رجالهم.

وفي خلال العشر سنوات التي مضت صدر أكثر من مائة كتاب لأكثر من ثلاثين عميلاً – جنَّدتهم المملكة العربية السعودية الوهابيّة لضرب وقمع الشيعة الإماميّة لكونها تابعة لمذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام وممتثلة لأوامر الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم ومتمسّكة بحديث

٤

الثقلين(١) الّذي أمر الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بالحثّ عليه واتباعه:

« إنّي تارك فيكم الثقلين خلفي: كتاب الله وعترتي» وفي لفظ: «قد تركت فيكم ما لم تضلّوا بعده» وفي لفظ: «إنّي تركت فيكم الثقلين: الثقل الأكبر، والثقل الأصغر.

وأما الثقل الأكبر فبيد الله طرفه، والطرف الآخر بأيديكم، وهو كتاب الله إن تمسكتم به لن تضلّوا، ولن تذلّوا أبداً»، أو«فاستمسكوا به فلا تضلّوا ولا تبدّلوا، أو فتمسكوا به لن تُزالوا، ولن تضلّوا» .

«وأما الثقل الأصغر فعترتي أهل بيتي» ، أو«ألا وعترتي» ، أو أذكركم الله في أهل بيتي، مرّة، أو مرتين، أو ثلاث مرات، أو«إنّ الله عز وجل أوحى إليَّ أنّي مقبوض: أقول لكم قولاً إن عملتم به نجوتم وإن تركتموه هلكتم، إنَّ أهل بيتي وعترتي هم خاصتي، وحامّتي وإنكم مسؤولون عن الثقلين: كتاب الله وعترتي... الخ»

منهم: النّدوي والنعماني الهنديان، وأبو بكر الجزائري، وإبراهيم الجبهان، وعبد الله محمد الغريب المجوسي، ومحمد أحمد التركماني، ومحمد مال الله البحريني وإحسان إلهي ظهير الباكستاني وغير هؤلاء ومنهم مؤلف عام.

____________________

١.حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة الصحيحة بإجماع علماء المسلمين كافة من شيعة وسنة والطرق المروّية لهذا الحديث تبلغ ستين طريقاً أو أكثر وكلّها متفقة على نقل لفظي الكتاب والعترة وعن صواعق ابن حجر: إن لحديث التمسك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيّاً، وقد جمع العلامة الفاضل الشيخ محمد قوام الدين الوشنوي رواة هذا الحديث من طرق السنة مع اختلاف الألفاظ المروّية فيه بجميع طرقه وذكر أسانيده فليرجع إليه من شاء ونشرته (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) باسم (حديث الثقلين) وطبع بمطبعة مخيمر ٢٩ شارع الجيش بمصر عام ١٣٧٤ هـ - ١٩٥٥م.

٥

(رجال الشيعة في الميزان) وقد ذكر المؤلف جرحهم ولم يذكر تعديلهم.

والكتاب الّذي نقدم له الآن قد ألَّفه سماحة الإمام المظفر الشيخ محمد الحسن طاب ثراه قبل أكثر من نصف قرن وقد طبع في مصر عام ١٣٧٦ هـ في مقدمة كتابه: (دلائل الصدق) فرأينا من الأفضل نشره الآن مستقلاّ ليكون ردّاً على ما ألّفه: (عبد الرحمن الزرعي)(١) وجواباً لما كتبه.

وقال سيّدنا وإمامنا الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:

«ردّ الحجر من حيث جاء فإن الشرّ لا يدفعه إلاّ الشر» .

ولقد عانى فريق من أعلام الإسلام من شيعة وسنّة حول جمع الكلمة، ولمّ شعث المسلمين. واُسست بالقاهرة جمعيّة باسم: (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) وأصدرت مجلّة باسم: (رسالة الإسلام).

وكان من المؤازرين، والمشجّعين لها بعقيدة وإخلاص جماعة خيِّرة من شيوخ وعلماء الأزهر الشريف بل ومن جماعة كبّار العلماء بمصر.

منهم: الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الأزهر الأسبق وبعده الشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد محمد المدني رئيس تحرير مجلة رسالة الإسلام التي كانت تصدرها (دار التقريب) والشيخ محمد الغزالي الكاتب الإسلامي المعروف وغيرهم.

وسنقدم إلى قرائنا الكرام نماذج مقتطفة من كلماتهم المنشورة في كتابنا: (في سبيل الوحدة الإسلامية)(٢) وهذا نصها:

____________________

١- (رجال الشيعة في الميزان) نشرته دار الأرقم – الكويت عام ١٩٨٣م.

٢- طبع هذا الكتاب في مطبعة دار المعلم بالقاهرة بشارع المبتديان في حيّ (السيدة زينب) عام ١٤٠٠ هـ - ١٩٨٠م.

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

( وَاعْتصِمُوا بحَبلِ الله جميعاً ولا تفرقوا )

٧

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد فإنه لم يبق شك في أن أمر الأمة الإسلامية لا يصلح الآن على الاحتفاظ بالعصبيات، والاحتفال بالخلافات، وإحياء ما مضى في أعماق التاريخ من ضغائن وعداوات.

فهل يمكننا على هذا أن نحتفظ بخلافاتنا، وأن نقضي الحقب الطوال، والجهود المضنية في تحقيق مشكلة الصفات وهل هي عين الموصوف، أو غير الموصوف، بين السنة وغير السنة، أو مشكلة التجسيم بين المجسمة والمنزهة أو مشكلة الخلافة بين الشيعة والسنة؟

هل يمكننا أن نشغل أوقاتنا وعقول شبابنا وكهولنا بالبحث في نظرية وجوب الصلاح والأصلح على الله أو عدم الوجوب.

أو نظرية خلق أفعال العباد.

أو نظرية جواز تعذيب المطيع وإثابة العاصي، ونحو ذلك.

وهل ينتظرنا العالم الصاعد بركبه الحضاري إلى آفاق السماوات حتّى نفرغ من خلافاتنا حول هذه المسائل وأمثالها؟

لا شك في أنه لم يعد مجال لمثل ذلك وأنه إذا كان الأولون قد وجدوا وقتاً وجهداً وسعة في آفاق التفكير أباحت لهم هذا اللون من الرفاهية العقلية، فإننا الآن نعانى ظروفاً غير تلك الظروف، يجب أن نقاسي معها ألواناً من التقشّف، ومن أول ذلك وأولاه أن ننصرف عن هذه الخلافات، وننسى هذه العصبيات، ونذكر فقط إننا مسلمون، ديننا واحد، وربّنا واحد، وكتابنا واحد، ورسولنا واحد، وأهدافنا في الحياة واحدة، وأعداؤنا هم

٨

أعداء لنا، لا بحكم أننا شيعة أو سنة، ولكن بحكم أننا مسلمون تجمعنا أهداف الإسلام، وأصول الإسلام.

وليس من غايتنا أن يترك السني مذهبه أو الشيعي مذهبه، وإنما نريد أن يتّحد الجميع حول الأصول المتفق عليها، ويعذر بعضهم بعضاً فيما وراء ذلك مما ليس شرطاً من شروط الإيمان، ولا ركنا من أركان الإسلام، ولا إنكاراً لما هو معلوم في الدين بالضرورة، والله المستعان وبه التوفيق، وهو ولي المؤمنين وناصر المخلصين(١) .

القاهرة

محمد محمد المدني

____________________

١- دعوة التقريب ص٤ – ٧ ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة عام ١٣٨٦ – ١٩٦٦ م.

٩

١٠

١١

قال فضيلة الأستاذ الأكبر:

من بين ما تعنى به كلية الشريعة في منهجها الجديد: دراسة الفقه المقارن بين المذاهب الإسلامية على الأسس التالية:

أولا – تكون الدراسة على مختلف المذاهب لا فرق بين سنة وشيعة.

ويعنى بوجه خاص وجهة النظر الفقهي حكماً ودليلا لكل من مذاهب السنة وهي الأربعة المعروفة والإمامية – الإثنا عشرية – والزيدية.

ثانياً – يستخلص الحكم الذي يرشد إليه الدليل دون التفات إلى كونه موافقاً أو مخالفاً لمذهب الأستاذ أو الطالب، حتى تتحقق الفائدة من المقارنة وهي وضوح الرأي الراجح من بين الآراء المتعددة وتبطل العصبيات المذمومة.

وفي أصول الفقه – يعني بوجه خاص ببيان المواضع الأصولية التي وقع الاختلاف فيها بين المذاهب الستة السابقة الذكر، مع بيان أسباب الخلاف.

وفي علم مصطلح الحديث ورجاله. تشمل الدراسة ما اصطلح عليه السنة وما اصطلح عليه الإمامية، والزيدية، كما تشمل دراسة الرجال المشهورين وأصحاب المسانيد ومسانيدهم في كل من الفريقين هذا بالإضافة إلى التوسع من هذه الدراسة تفصيلا في الدراسات العليا بكلية الشريعة.

١٢

* * *

قيل لفضيلته:

إن بعض الناس يرى أنه يجب على المسلم لكي تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة وليس من بينها مذهب الشيعة الأمامية ولا الشيعة الزيدية فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الأمامية الإثنا عشرية مثلا.

فأجاب فضيلته:

١- إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معين بل نقول: إن لكل مسلم الحق في أن يقلد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحاً والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة ولمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره – أي مذهب كان – ولا حرج عليه في شيء من ذلك.

٢- إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة(١) .

فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق

____________________

١- وقد أعلن: فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت فتوى في جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية وكانت مجلة رسالة الإسلام التي تصدر عن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة قد نشرت الفتوى التاريخية في العدد الثالث من السنة الحادية عشر ص٢٢٧ عام ١٣٧٩ هـ ١٩٥٩ م.

١٣

لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى يجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم ، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.

وللأستاذ الأكبر محمود شلتوت مقدمة في قصة التقريب نشرتها مجلة رسالة الإسلام لجماعة التقريب في القاهرة في: المجموعة الثانية العدد ٥٥ ص ١٩٤ وأوردها الأستاذ الكبير المغفور له الشيخ محمد محمد المدني في كتابه (دعوة التقريب) من : مطبوعات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة عام ١٩٦٦م.

يستعرض الأستاذ الأكبر في هذه المقدمة المراحل التي مرت عليها قصة التقريب حتى اختمرت وظهرت فكرة قاطعة تجسدت فيها فتواه بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية – الإثنا عشرية – كسائر المذاهب الإسلامية الأخرى المعترفة.

وإليك مقتطفات من النصوص التي يتحدث فيها الأستاذ الأكبر عن هذه المراحل إذ يقول:

لقد آمنت بفكرة التقريب كمنهج قويم، وأسهمت منذ أول يوم في جماعتها، وفي وجوه نشاط دارها بأمور كثيرة، كان منها تلك الفصول المتتابعة في تفسير القرآن الكريم التي ظلت تنشرها مجلتها (رسالة الإسلام) قرابة أربعة عشر عاما حتى اكتملت كتابا سويا أعتقد أنه تتضمن أعز أفكاري، وأخلد آثاري، وأعظم ما أرجو به ثواب ربي ، فإن خير ما يحتسبه المؤمن عند الله، هو ما ينفقه من الجهد الخاص في خدمة كتاب الله.

١٤

ولقد تهيأ لي بهذه الأوجه من النشاط العلمي أن أطل على العالم الإسلامي من نافذة مشرفة عالية وأن أعرف كثيراً من الحقائق التي كانت تحول بين المسلمين واجتماع الكلمة، وائتلاف القلوب على أخوة الإسلام، وأن أتعرف إلى كثير من ذوي الفكر والعلم في العالم الإسلامي، ثم تهيأ لي بعد ذلك وقد عهد إلي بمنصب مشيخة الأزهر أن صدرت فتواي في جواز التعبد على المذاهب الإسلامية الثابتة الأصول، المعروفة المصادر، المتبعة لسبيل المؤمنين، ومنها مذهب الشيعة الإمامية (الإثنا عشرية) وهي تلك الفتوى المسجلة بتوقيعنا في دار التقريب التي وزعت صورتها الزنگغرافية بمعرفتنا والتي كان لها ذلك الصدى البعيد في مختلف بلاد الأمة الإسلامية، وقرت بها عيون المؤمنين المخلصين الذين لا هدف لهم إلا الحق والألفة ومصلحة الأمة وظلت تتوارد على الأسئلة، والمشاورات، والمجادلات في شأنها، وأنا مؤمن بصحتها، ثابت على فكرتها، أؤيدها في الحين بعد الحين، فيما أبعث بها من رسائل للمستوضحين، أو أرد به على شبه المعترضين، وفيما أنشر من مقال ينشر، أو حديث يذاع، أو بيان أدعو به إلى الوحدة والتماسك، والالتفات حول أصول الإسلام، ونسيان الضغائن والأحقاد، حتى أصبحت والحمد لله حقيقة مقررة، تجري بين المسلمين مجرى القضايا المسلمة بعد أن كان المرجفون في مختلف عهود الضعف الفكري، والخلاف الطائفي، والنزاع السياسي يثيرون في موضوعها الشكوك والأوهام بالباطل.

وها هو ذا الأزهر الشريف ينزل على حكم هذا المبدأ، مبدأ التقريب بين أرباب المذاهب المختلفة فيقرر دراسة فقه المذاهب الإسلامية، سنيها وشيعيها دراسة تعتمد على الدليل والبرهان، وتخلو من التعصب لفلان أو فلان، كما أنه اهتم في تكوين مجمع البحوث الإسلامية بأن يكون أعضاؤه ممثلين لمختلف المذاهب الإسلامية.

١٥

وبهذا تكون الفكرة التي آمنا بها، وعملنا جاهدين في سبيلها قد تركزت الآن وأصبحت رسالة الدار محل التقدير والتنفيذ.

وكنت أود لو أستطيع أن أتحدث عن الاجتماعات في دار التقريب حيث يجلس المصري إلى الإيراني، أو اللبناني أو العراقي أو الباكستاني، أو غير هؤلاء في مختلف الشعوب الإسلامية، وحيث يجلس الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي بجانب الإمامي والزيدي حول مائدة واحدة تدوي بأصوات فيها علم، وفيها أدب، وفيها تصوف، وفيها فقه وفيها مع ذلك كله روح الأخوة وذوق المودة والمحبة، وزمالة العلم والعرفان.

وكنت أود لو أستطيع أن أبرز صورة كصورة الرجل السمح الزكي القلب العف اللسان، رجل العلم والخلق المغفور له الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرزاق، أو صورة كصورة الرجل المؤمن القوي الضليع في مختلف علوم الإسلام، المحيط بمذاهب الفقه أصولا وفروعاً الذي كان يمثل الطود الشامخ في ثباته، والذي أفاد منه التقريب في فترة ترسيخ مبادئه أكبر الفائدة المغفور له أستاذنا الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم رضي الله عنه وأرضاه أو صورة كصورة ذلك الرجل الذي حنكته التجارب، واحتضنته محافل العلم والرأي المغفور له الأستاذ محمد علي علوبة، جزاه الله عن جهاده وسعيه خير الجزاء.

ولعلى أيضاً كنت أستطيع أن أتحدث عن صور لكثيرين ممن وهبوا أنفسهم لهذه الدعوة الإسلامية، ووقفوا عليها جهودهم، وآمنوا بالتقريب سبيلا إلى دعم قوة المسلمين وإبراز محاسن الإسلامي، وغير هؤلاء كثيرون ممن سبقونا إلى لقاء الله من أئمة الفكر في شتى البلاد الإسلامية الذين انضموا إلى التقريب، وبذلوا جهودهم لنشر مبادئه، وساجلناهم علماً بعلم، ورأياً برأي، وتبادلنا وإياهم كثيراً من الرسائل والمشروعات والمقترحات وفي مقدمتهم

١٦

المغفور له الإمام الأكبر الحاج أقا حسين البروجردي أحسن الله في الجنة مثواه، أو المغفور لهما الإمامان: الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، والسيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي رحمهما الله.

ولقد ذهب هؤلاء إلى ربهم راضين مرضيين، وإن لنا لأخوة آمنوا بالفكرة، ولا يزالون يعملون في سبيل دعمها، وهم أئمة الإسلام، وأعلام الفكر في شتى الأقطار الإسلامية، أطال الله أعمارهم وسدد في سبيل الحق خطاهم( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) .

حارب هذه الفكرة ضيقوا الأفق، كما حاربها صنف آخر من ذوي الأغراض الخاصة السيئة ولا تخلو أية أمة من هذا الصنف من الناس، حاربها الذين يجدون في التفرق ضماناً لبقائهم وعيشهم، وحاربها ذوو النفوس المريضة، وأصحاب الأهواء والنزعات الخاصة.

هؤلاء وأولئك ممن يؤجرون أقلامهم لسياسات مفرقة لها أساليبها المباشرة وغير المباشرة في مقاومة أية حركة إصلاحية، والوقوف في سبيل كل عمل يضم شمل المسلمين ويجمع كلمتهم.

محمود شلتوت

عضو جماعتي كبار العلماء والتقريب

فتوى الشيخ شلتوت نفتي بها الآن حينما نسأل بلا تقييد بالمذاهب الأربعة والشيخ شلتوت إمام مجتهد ورأيه صادق عين الحق لماذا نقتصر في تفكيرنا وفتاوانا على مذاهب معينة وكلهم مجتهدون.

عبد الرحمن النجار

مدير المساجد القاهرة:

١٧

وأعتقد أن فتوى الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شوط واسع في هذه السبيل، وهي استئناف لجهد المخلصين من أهل السلطة وأهل العلم جميعاً، وتكذيب لما يتوقعه المستشرقون من أنّ الأحقاد سوف تأكل هذه الأمة قبل أن تلتقي صفوفها تحت راية واحدة.

وهذه الفتوى في نظري بداية الطريق وأول العمل.

بداية الطريق لتلاق كريم تحت عنوان الإسلام الذي أكمله الله جل شأنه وارتضاه لنا ديناً.

وبداية العمل للرسالة الجامعة التي تعني العزة للمؤمنين، والرحمة للعالمين،

إن الظنون والخرافات تجتاح الجماهير من السنة والشيعة.

والتخلف البعيد يقعد بهم جميعاً عن حق الله وحق الحياة.

والدنيا تنطلق بسرعة، وتصعد في سلم الارتقاء المادي المحض، وتنظر شزراً إلى الأجناس المتخلفة وكأنها خلق آخر.

وليس إلا الإسلام علاجاً لهذا الشرور.

لكن أي إسلام؟

الإسلام الذي تآخى فيه العارفون، واشرب روحه أتباع عقلاء مساميح، إن الجهل والفراغ يهزان أصول الاعتقاد، وتنشأ في ظلها أجيال تافهة عابثة؟

فهل ندع الحريق يجتاح بيضتنا، وننشغل عنه بالتلاوم والتكاذب؟

ألا إن الأمر أجل مما يتوهم قصار النظر.

١٨

وأرى أن الطريق لا يزال طويلا.

ولكننا عرفناه، وبدأنا المسير، ومن سار على الدرب وصل(١) ٠

* * *

إنني آسف لأن بعض من يرسلون الكلام على عواهنه لا بل بعض ممن يسوقون التهم جزافاً غير مبالين بعواقبها دخلوا في ميدان الفكر الإسلامي بهذه الأخلاق المعلولة فأساؤا إلى الإسلام وأمته شر إساءة.

سمعت واحداً من هؤلاء يقول في مجلس علم:

إن للشيعة قرآناً آخر يزيد وينقص عن قرآننا المعروف.

فقلت له: أين هذا القرآن؟

إن العالم الإسلامي الذي امتدت رقعته في ثلاث قارات ظل من بعثة محمد صلى الله عليه [وآله] وسلّم الى يومنا هذا بعد أن سلخ من عمر الزمن أربعة عشر قرناً لا يعرف إلا مصحفاً واحداً مضبوط البداية والنهاية، معدود السور والآيات والألفاظ فأين هذا القرآن الآخر؟

ولماذا لم يطلع الإنس والجن على نسخة منه خلال هذا الدهر الطويل؟ لماذا يساق هذا الافتراء؟

ولحساب من تفتعل هذه الإشاعات وتلقي بين الأغرار ليسوء ظنهم بإخوانهم وقد يسوء ظنهم بكتابهم.

إن المصحف واحد يطبع في القاهرة فيقدسه الشيعة في النجف أو في طهران ويتداولون نسخة بين أيديهم وفي بيوتهم دون أن يخطر ببالهم شيء

____________________

١- دفاع عن العقيدة والشريعة ص ٢٥٥ – ٢٥٨ ط رابعة بمصر.

١٩

بتة إلا توقير الكتاب ومنزله – جل شأنه – ومبلغه صلى الله عليه (وآله) وسلّم: فلم الكذب على الناس وعلى الوحي؟

ومن هؤلاء الآفاكين من روج أن الشيعة أتباع علي، وأن السنيين أتباع محمد وأن الشيعة يرون علياً أحق بالرسالة، أو أنها أخطاته إلى غيره؟

وهذا لغو قبيح وتزوير شائن.

إن الشيعة يؤمنون برسالة محمد يرون شرف علي في انتمائه إلى هذا الرسول وفي استمساكه بسنته.

وهم كسائر المسلمين لا يرون بشراً في الأولين والآخرين أعظم من الصادق الأمين ولا أحق منه بالاتباع، فكيف ينسب لهم هذا الهذر؟

الواقع إن الذين يرغبون في تقسيم الأمة طوائف متعادية لما لم يجدوا لهذا التقسيم سبباً معقولاً لجأوا إلى افتعال أسباب الفرقة، فاتسع لهم ميدان الكذب حين ضاق أمامهم ميدان الصدق.

لست أنفي أن هناك خلافات فقهية ونظرية بين الشيعة والسنة، بعضها قريب الغور، وبعضها بعيد الغور، بيد أن هذه الخلافات لا تستلزم معشار الجفاء الذي وقع بين الفريقين.

وقد نشب خلاف فقهي ونظري بين مذاهب السنة نفسها بل بين أتباع المذهب الواحد منها، ومع ذلك فقد حال العقلاء دون تحول هذا الخلاف إلى خصام بارد أو ساخن.

وكان خيراً للشيعة أن يفهموا أن أهل السنة يضمرون أعمق الود لأهل البيت وينفرون أشد النفرة مما يسوءهم.

٢٠