رجال السنة في الميزان

رجال السنة في الميزان0%

رجال السنة في الميزان مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 148

رجال السنة في الميزان

مؤلف: المظفر الشيخ محمد الحسن
تصنيف:

الصفحات: 148
المشاهدات: 42922
تحميل: 6802

توضيحات:

رجال السنة في الميزان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 148 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42922 / تحميل: 6802
الحجم الحجم الحجم
رجال السنة في الميزان

رجال السنة في الميزان

مؤلف:
العربية

رجال السُنَّة في الميزان

تأليف

الإمام المظفّر

الشيخ محمَّد الحَسن

١٣٠١ هـ - ١٣٧٥ هـ

مطبوعَات النجاح بالقاهرة

٤١

٤٢

بسم الله الرحمن الرحيم

اَلَحمْدُ للهِ رَبّ العالَمين وَصَلّى الله عَلى سَيِّد النبيّين وَآلِهِ المعصومين الذينَ اَذْهَبَ اللهُ عَنهُم الرجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطهيرا.

المؤلف

٤٣

المَقدّمة

اعلم أنه لا يصح الاستدلال على خصم إلا بما هو حجة عليه، ولذا ترى المصنف رحمه الله وغيره إذا كتبوا في الاحتجاج على أهل السنة التزموا بذكر أخبارهم لا أخبارنا، والقوم لم يلتزموا بقاعدة البحث، ولم يسلكوا طريق المناظرة، فإنهم يستدلون في مقام البحث بأخبارهم على مذهبهم، ويستندون إليها في الجواب عما نورده عليهم ، وهو خطأ ظاهر.

على أن أحاديثهم كما ستعرف حَرِيَّة بأن لا يصح الاستدلال بها في سائر مطالبهم حتى عندهم وإن كانت مما توسم بالصحة بينهم، لكنها صالحة للاستدلال عليهم وإثبات مناقب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، ومثالب أعدائهم، وإن ضعفوا جملة منها، وبيان المدعى يحتاج إلى البحث في مطالب:

حجية أخبار العامة

المطلب الأول

إن عامة أخبارهم التي نستدل بها عليهم حجة عليهم لأمرين:

الأمر الأول: أنَّها إما صحيحة السند عندهم، أو متعددة الطرق بينهم، والتعدد يوجب الوثوق والاعتبار.

الأمر الثاني: إنها مما يقطع عادة بصحتها، لأن كل رواية لهم في مناقب أهل البيت ومثالب أعدائهم، محكومة بوثاقة رجال سندها،

٤٤

وصدقهم في تلك الرواية – وإن لم يكونوا ثقاتاً في أنفسهم – ضرورة أن من جملة ما تعرف به وثاقة الرجل وصدقه في روايته التي يرويها، عدم اغتراره بالجاه والمال، وعدم مبالاته في سبيلها بالخطر الواقع عليه ، فإن غير الصادق لا يتحمل المضار بأنواعها لأجل كذبة يكذبها لا يعود عليه فيها نفع، ولا يجد في سبيلها إلا الضرر.

ومن المعلوم أن من يروي في تلك العصور السالفة فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام أو منقصة لأعدائه فقد غرر بنفسه، وجلب البلاء إليه، كما هو واضح لكل ذي أذن وعين.

ذكر الذهبي في (تذكرة الحفّاظ) بترجمة الحافظ بن السقا عبد الله بن محمد الواسطي قال: (إنه أملى حديث الطير في واسط، فوثبوا به وأقاموه وغسلوا موضعه).

وذكر ابن خلكان في (وفيات الأعيان) بترجمة النسائي أحمد بن شعيب صاحب كتاب (السنن) أحد الصحاح الستة (إنه خرج إلى دمشق فسئل عن معاوية وما روى في فضائله، فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأساً برأس حتى يفضل!؟).

وفي رواية أخرى: لا أعرف له فضيلة إلا«لا أشبع الله بطنه» فما زالوا يدفعون في حضنه، وفي رواية يدفعون في خصييه، وداسوه حتى حمل إلى الرملة ومات بها.

وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: (لما داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدوس وهو منقول)، فإذا كان هذا فعلهم مع أشهر علمائهم لمجرد إنكار فضل معاوية، فما ظنك بفعلهم مع غيره إذا روى ما فيه طعن على الخلفاء الأُوَل.

٤٥

وذكر ابن حجر في (تهذيب التهذيب) بترجمة نصر بن علي بن صهبان نقلا عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: (لما حدّث نصر بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أخذ بيد حسن وحسين، فقال:«من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان في درجتي يوم القيامة» أمر المتوكل بضربه ألف سوط، فكلمه فيه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له: هذا من أهل السنة، فلم يزل به حتى تركه.

ونقل ابن حجر أيضاًٍ في الكتاب المذكور بترجمة أبي الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري: (أنه لما حدّث أبو الأزهر عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، عن عبد الله ، عن ابن عباس، قال: نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى علي عليه السلام فقال:«أنت سيدٌ في الدنيا سيدٌ في الآخرة» الحديث أخبر بذلك يحيى بن معين، فبينا هو عنده في جماعة، إذ قال يحيى، من هذا الكذّاب النيسابوري الذي يحدث عن عبد الرزاق بهذا الحديث؟ فقام أبو الأزهر فقال: هو ذا أنا ، فتبسم يحيى فقال: أما إنك لست بكذّاب وتعجب من سلامته وقال: الذنب لغيرك في هذا الحديث) انتهى.

وقال الذهبي (في ميزان الاعتدال) بترجمة أبي الأزهر، كان عبد الرزاق يعرف الأمور، فما جسر يحدث بهذا الأثر إلا أحمد بن الأزهر والذنب لغيره) ويعني بغيره محمد بن علي بن سفيان البخاري كما بينه الذهبي.

فليت شعري ما الذي يخافه عبد الرزاق مع شرفه وشهرته وفضله، لولا عادية النواصب، وداعية السوء وأن يواجهه مثل: ابن معين بالتكذيب وأن يشيطوا بدمه، ويا عجباً: من ابن معين ، لم يرض بكتمانه فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، حتى صار يقيم الحواجز دون روايتها، وأعجب

٤٦

من ذلك قوله: الذنب فيه لغيرك، فإن رجال سند الحديث كلهم من كبار علماء القوم وثقاتهم.

وما أدري ما الذي أنكره من هذا الحديث، وهو لم يدل إلا على فضيلة مسلمة مشهورة، من أيسر فضائل أمير المؤمنين، ولعله أنكر تمام الحديث، وهو:«من أحبك فقد أحبني، ومن أبغضك فقد أبغضني، وحبيبك حبيب الله، وبغيضك بغيض الله ، والويل لمن أبغضك» وذلك لأنهم يجدون من أنفسهم بغض إمام المتقين، ويعسوب الدين، وهم يزعمون أنهم لا يبغضون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، كما يعلمون بغض معاوية، وسائر البغاة لأمير المؤمنين، وأنهم أشد أعدائه، والبغيضون له، وهم يرونهم أولياء الله وأحباءه.

ولذا لما أشار الذهبي في (الميزان) إلى الحديث قال: يشهد القلب بأنه باطل. وأنا أشهد له بشهادة قلبه ببطلانه، إذ لم يخالط قلبه حب ذلك الإمام الأعظم، فكيف يصدق بصحته؟ - وإن استفاضت بمضمونه الرواية – حتى روى مسلم(١) (أن أمير المؤمنين عليه السلام قال:«والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لعهد النبي الأمي إليَّ أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق» .

فإذا كان هذا حال ملوكهم وعلمائهم وعوامهم في عصر العباسيين، فكيف ترى الحال في عصر الأمويين، الذي صار فيه سب أخ النبي صلى الله عليه وآله وسلم

____________________

(١) صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلى من الإيمان وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق.

٤٧

نفسه شعاراً وديناً لهم، والتسمية باسمه الشريف ذنباً موبقاً عندهم.

قال ابن حجر في (تهذيب التهذيب) بترجمة علي بن رباح: (قال المقري: كان بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه عليّ قتلوه، فبلغ ذلك رباحاً فقال: هو علي مصغراً، وكان يغضب من علي، ويحرِّج على من سماه به.

وقال الليث: قال علي بن رباح: لا أجعل في حل من سماني عليّ، فإن اسمي عُلى، انتهى.

ونقل ابن أبي الحديد(١) عن أبي الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في (كتاب الأحداث، أن معاوية كتب نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته) إلى أن قال ما حاصله: (وكتب إلى عماله أن يدعوا الناس إلى الرواية في فضل عثمان والصحابة والخلفاء الأولين، وان لا يتركوا خبراً يروى في علي إلا وأتوه بمناقض له في الصحابة، وقرئت كتبه على الناس، وبذل الأموال فرويت أخبار كثيرة في مناقبهم مفتعلة، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى تعلموه كما يتعلمون القرآن، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية: القراء المراؤون والمستضعفون الذين يُظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا عند ولاتهم، ويصيبوا الأموال، حتى انتقلت تلك الأخبار إلى أيدي الديانين الذين يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها ، ثم قال:

وقد روى ابن عرفة – المعروف بنفطويه، وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم – في تاريخه ما يناسب هذا الخبر).

____________________

(١) شرح النهج ٣/١٥.

٤٨

ولهذه الأمور ونحوها خفي جلُّ فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وإن جل الباقي عن الإحصاء، ونأى عن العدو الاستقصاء، وليس بقاؤه إلا عناية من الله تعالى بوليه، والدين الحنيف.

ويشهد لإخفائهم فضائله ما رواه البخاري عن أبي إسحاق(١) ، قال:

(سأل رجل البراء وأنا أسمع : أشهد عليّ بدراً؟ قال: بارز وظاهر).

أترى أنه يمكن أن يخفى في الصدر الأول محل أمير المؤمنين عليه السلام ببدر، حتى يحتاج إلى السؤال عن مشهده بها، وهي إنما قامت بسيفه، لولا اجتهاد الناس في كتمان فضائله، وإذا رووا شيئاً منها فلا يروونه على وجهه وبتمامه، كما تدل عليه روايتهم لخطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغدير.

أمن الجائز عقلا أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخم ما تحت الدوح، ويجمع المسلمين – وكانوا نحو مائة ألف – ويقوم في حر الظهيرة تحت وهج الشمس، على منبر يقام له من الأحداج، ويصعد خطيباً وهو بذلك الاهتمام رافعاً بعضد علي عليه السلام، ثم لا يقول إلا:«من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» ، لا أرى عاقلا يرتضي ذلك، ولا سيما إذا حمل المولى على الناصر أو نحوه، فلابد أن تكون الواقعة كما رواها الشيعة وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب تلك الخطبة الطويلة البليغة الجليلة، التي أبان فيها عن قرب موته، وحضور أجله، ونص على خلفائه، وولاة الأمر من بعده، وأنه مخلف في أمته الثقلين، آمراً بالتمسك بهما لئلا يَضِلُّوا ، وبيعة علي عليه السلام ، والتسليم عليه بإمرة المؤمنين.

____________________

(١) صحيح البخاري: ٣ باب قتل أبي جهل من كتاب المغازي.

٤٩

لكن القوم بين من لم يرو أصل الواقعة – إضاعة لذكرها – وبين من روى اليسير منها بعد الطلب من أمير المؤمنين عليه السلام، فكان لها بعده نوع ظهور، وإن اجتهد علماء الدنيا في درس أمرها، والتزهيد بأثرها، ولو رأيت كيف يسرع علماؤهم في رمي الشخص بالتشيع، الذي يجعله هدفاً للبلاء، ومحلا للطعن، لعلمت كيف كان اهتمامهم في درس فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، وكيف كان ذلك الشخص في الإنصاف والوثاقة بتلك الرواية التي رواها، حتى أنهم رموا النسائي بالتشيع، كما ذكره في (وفيات الأعيان) وما ذلك إلا لتأليفه كتاب: (خصائص أمير المؤمنين عليه السلام) وقوله: لا أعرف لمعاوية فضيلة إلا«لا أشبع الله بطنه» مع استفاضة هذا الحديث حتى رواه مسلم في صحيحه كما ستعرف.

وكذا رموا بالتشيع أبا عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله، وأبا نعيم الفضل بن دكين، وعبد الرزاق، وأبا حاتم الرازي، وابنه عبد الرحمن، وغيرهم ممن لا ريب بتسننه من علمائهم، لروايتهم بعض فضائل آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعنايتهم بها في الجملة، وما ذلك إلا ليحصل الردع بحسب الإمكان عن رواية مناقبهم وتدوينها، وإن كان قصد الراوي بيان سعة اطلاعه، وطول باعه، وإذا صحح قسما منها زاد طعنهم فيه، وفي روايته، مع أن طريقتهم التساهل في باب الفضائل، لكن في فضائل أعداء أهل البيت عليهم السلام.

فظهر مما ذكرنا لكل متدبر: أن جميع ما روي في مناقب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكذا مثالب أعدائهم، حق لا مرية فيه، ولا سيما مع روايته عندنا، وتواتر الكثير منه، فيكون مما اتفق عليه الفريقان، وقام به الإسنادان، بخلاف ما روي في فضائل مخالفي أهل البيت، فإنه من رواية المتهمين بأنواع التهم،

٥٠

ولو كان له أقل أصل لتواتر البتة، لوجود المقتضي وعدم المانع، بعكس فضائل آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا سيما مع طلبهم مقابلة ما جاء في فضل أهل البيت عليهم السلام، فيكون كذباً جزماً، ولولا خوف الملال لأطنبنا في المقال.

وفيما ذكرناه كفاية لمن أنصف وطلب الحق.

قيمة مناقشة السند

لا قيمة لمناقشة أهل السنة في السند

المطلب الثاني

في بيان أن تضعيفهم للرواية ومناقشتهم في السند لا قيمة لها ولا عبرة بها لأمرين:

الأمر الأول: أن علماء الجرح والتعديل، مطعون فيهم عندهم، فلا يصح اعتبار أقوالهم، كما يدل عليه ما في (ميزان الاعتدال) بترجمة عبد الله بن ذكوان، المعروف بأبي الزناد، قال: (قال ربيعة ليس بثقة ولا رضي) ثم قال: (لا يسمع قول ربيعة فيه فإنه كان بينهما عداوة ظاهرة).

وفي (الميزان) أيضاً بترجمة الحافظ أبي نعيم الأصبهاني أحمد بن عبد الله قال: (هو أحد الأعلام ، صدوق، تكلم فيه بلا حجة، ولكن هذه عقوبة من الله لكلامه في ابن منده بهوى، ثم قال: وكلام ابن منده في أبي نعيم فظيع لا أحب حكايته، ثم قال : كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه

٥١

إلا من عصم الله، وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس).

فإن هذه الكلمات ونحوها دالة على أن الطعن للحسد والهوى والعداوة فاشٍ بينهم، وعادة لهم، فلا يجوز الاعتبار بأقوالهم في مقام الجرح والتعديل حتى مع اختلاف العصر، أو عدم ظهور الحسد والعداوة، لارتفاع الثقة بهم، وزوال عدالتهم، وصدور الكذب منهم.

وأسخف من ذلك ما في (تهذيب التهذيب) بترجمة عبد الله بن سعد أبي قدامة السرخسي قال: (قال الحاكم روى عنه محمد بن يحيى ثم ضرب على حديثه، وسبب ذلك أن محمداً دخل عليه فلم يقم له، فإن من هذا فعله كيف يعتمد عليه في التوثيق والتضعيف، ويجعل عدم روايته عن شخص دليل الضعف.

وقريب منه ما ذكروه في ترجمة النسائي كما سيأتي إن شاء الله تعالى في (المطلب الثالث) وأعظم من ذلك ما في (تهذيب التهذيب) بترجمة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: إنّ مالكا لم يكتب عنه.

قال الساجي: يقال إنه وعظ مالكا فوجِدَ عليه فلم يرو عنه، فإن من يترك الرواية عن شخص لموعظته له، حقيق بأن لا يجعل عدم روايته عن الأشخاص علامة الضعف، وأولى بأن لا يعتمد على توثيقه وتضعيفه.

نعم ذكر في (تهذيب التهذيب) أيضاً عن ابن معين (أن سعداً تكلم في نسب مالك فترك الرواية عنه، فحينئذ يمكن أن يكون بهذا وجه لترك مالك الرواية عنه، لكن لا لوم على سعد، إذ لا يمكن لعاقل أن يرى أحداً

٥٢

ولد بعد أبيه بثلاث، زاعماً أنه حمل في هذه المدة ويصدق نسبه.

وذكر في (تهذيب التهذيب) بترجمة محمد بن إسحاق صاحب السيرة (أن مالكا قال في حقه: دجال من الدجاجلة، ثم ذكر في الجواب عنه قول محمد بن فليح: نهاني مالك عن شخصين من قريش، وقد أكثر عنهما في (الموطأ)، وهما مما يحتج بهما).

وحاصله: أن قدح مالك لا عبرة به لأن فعله ينقض قوله.

وإليك جملة من علماء الجرح والتعديل، لتنكشف لك الحقيقة تماماً، ولنذكر أشهرهم وأعظمهم بيسير من أحوالهم التي تيسر لي فعلا بيانها، فمنهم:

أحمد بن حنبل: ذكر في (تهذيب التهذيب) بترجمة علي بن عاصم بن صهيب الواسطي (أن أبا خيثمة قال: قلت لابن معين إن أحمد يقول: ليس هو بكذاب، قال: لا والله ما كان عنده قط ثقة، ولا حدث عنه بشيء، فكيف صار اليوم عنده ثقة)، فإنه صريح في اتهام ابن معين لأحمد وتكذيبه له.

ونقل السيد العلوي(١) عن المقبلي في العلم الشامخ (أن أحمد لما تكلم في مسألة خلق القرآن وابتلى بسببها جعلها عدل التوحيد أو زاد، ثم ذكر المقبلي: أن أحمد كان يرد رواية كل من خالفه في هذه المسألة تعصباً منه، قال: وفي ذلك خيانة للسند، ثم قال: بل زاد فصار يرد الواقف، ويقول فلان واقفي مشؤوم، بل غلا وزاد وقال: لا أحب الرواية عمن أجاب

____________________

(١) السيد محمد بن عقيل (النصائح الكافية لمن يتولى معاوية) ص١٠٢.

٥٣

في المحنة كيحيى بن معين ) أقول: صدق المقبلي فإن من سبر (تهذيب التهذيب) و (ميزان الاعتدال) رأى ذلك نصب عينه، ومنهم:

يحيى بن سعيد القطان: ذكر في (تهذيب التهذيب) بترجمة همام بن يحيى بن دينار (أن أحمد بن حنبل قال: شهد يحيى بن سعيد شهادة في حداثته، فلم يعدله همام، فنقم عليه) وفي (ميزان الاعتدال) قال (ما رأيت ابن سعيد أسوأ رأيا منه في حجاج وابن إسحاق، وهمام لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم)، وبالضرورة أن تفسيق المسلم والحقد عليه مستمراً لأمر معذور فيه ظاهراً، أعظم ذنب مسقط لفاعله، ومانع من الاعتبار بقوله في الجرح والتعديل. ومنهم:

يحيى بن معين: ذكر ابن حجر في (تهذيب التهذيب) والذهبي في (ميزان الاعتدال) كلاهما بترجمة ابن معين (أن أبا داود كان يقع فيه وأن أحمد بن حنبل قال: أكره الكتابة عنه).

وقال ابن حجر أيضاً: (قال أبو زرعة: لا ينتفع به لأنه يتكلم في الناس، ويروي هذا عن علي بن المديني من وجوه).

وقال أيضاً في ترجمة شجاع بن الوليد (قال أحمد بن حنبل: لقي ابن معين شجاعاً فقال له: يا كذاب، فقال له شجاع: إن كنت كذاباً وإلا فهتكك الله، وقال أحمد: أظن أن دعوة الشيخ أدركته).

ونحوه في (ميزان الاعتدال) أيضاً، وقد تقدم تناقض كلامه في قضية أبي الأزهر، فإنه نسبه إلى الكذب أولا، ثم ما برح حتى صدقه ونسب الكذب إلى ثقات علمائهم. ومنهم:

٥٤

ابن المديني أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر: فإن أحمد بن حنبل كذبه كما ذكره ابن حجر والذهبي في الكتابين المذكورين، بترجمة ابن المديني، وقال ابن حجر: (قيل لإبراهيم الحربي أكان ابن المديني يتهم بالكذب قال: لا، إنما حدث بحديث فيه كلمة ليرضى ابن أبي داود، قيل له: فهل كان يتكلم في أحمد ؟ قال: إنما كان إذا رأى في كتبه حديثاً عن أحمد قال: أضرب عليه ليرضى ابن أبي داود).

وليت شعري كيف لا يتهم بالكذب، وقد زعم أنه زاد في الحديث إرضاءً لصاحبه؟ وهل يتصور عدم كلامه في أحمد، وقد فعل معه ما هو أشد من الكلام ومن فروعه، وهو الضرب على حديثه.

وبالضرورة: إن من يزيد في الحديث كذباً، ويضرب على ما هو معتبر ويبطل الصحيح المقبول عندهم طلباً للدنيا ورضا أهلها، لا يؤمن أن يوافق الهوى في توثيق الرجال وتضعيفهم.

وإن شئت قلت: إن ضربه على أحاديث أحمد طعن في أحدهما وهو من المطلوب. ومنهم:

الترمذي: ذكر الذهبي في (الميزان) بترجمة إسماعيل بن رافع (أن جماعة من علمائهم ضعفوا إسماعيل، وجماعة قالوا: متروك) ثم قال: (ومن تلبيس الترمذي قال: ضعفه بعض أهل العلم).

وذكر أيضاً بترجمة يحيى بن يمان حديثاً وقال: (حسنه الترمذي مع ضعف ثلاثة فيه، فلا يغتر بتحسين الترمذي، فعند المحاقة غالبها ضعاف) ، وقال أيضاً بترجمة كثير بن عبد الله المزني: (لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي). ومنهم:

٥٥

الجوزجاني إبراهيم بن يعقوب السعدي: فإنهم ذكروا أنه ناصبي معلن به، كما ستعرفه في ترجمته بالمطلب الثالث إن شاء الله تعالى.

ومن المعلوم أن الناصب : فاسق منافق، لما سبق في رواية مسلم: إن مبغض علي منافق، ولا ريب أن النفاق أعظم الفسق، وقد قال تعالى:( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا... ) بل النفاق نوع من الكفر، بل أشده، فلا يقبل قول مثله في الرجال، وشهادته فيهم مردودة وتوثيقه وتضعيفه غير مسموع، ومنهم:

محمد بن حبان: قال في (الميزان) بترجمته: (قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: غلط الغلط الفاحش في تصرفه – صدق أبو عمرو – وله أوهام يتبع بعضها بعضاً).

ثم قال: (قال أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام : سمعت عبد الصمد بن محمد يقول: سمعت أبي يقول: أنكروا على ابن حبان قوله: النبوة العلم والعمل، وحكموا عليه بالزندقة) وهجروه وكتبوا فيه إلى الخليفة، فأمر بقتله.

وقال أبو إسماعيل الأنصاري: سألت يحيى بن عمار عنه فقال: رأيته، ونحن أخرجناه من خراسان، كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين). ومنهم:

ابن حزم: وهو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، قال ابن خلكان في ترجمته من (وفيات الأعيان): (كان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين، لا يكاد أحد يسلم من لسانه، فنفرت منه القلوب، واستهدف لفقهاء وقته، فتمالأوا

٥٦

على بغضه، وردوا قوله: واجتمعوا على تضليله، وشنعوا عليه) – إلى أن قال – (وفيه قال العباس بن العريف: لسان ابن حزم، وسيف الحجاج بن يوسف شقيقان) مضافاً إلى أنه كان شبيهاً بابن تيمية في شدة النصب لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.

ولذا كان يستشهد بأقواله في نقص أمير المؤمنين عليه السلام وإمام المتقين، كما يعرف شدة نصبه من له إلمام بكتابه المسمى بـ (الفصل في الملل والأهواء والنحل) الذي ملأه بالجهل، والهذيان. ومنهم:

الذهبي: صاحب كتاب (ميزان الاعتدال) محمد بن أحمد بن عثمان) فإنه كان ناصبياً ظاهر النصب لآل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، بين التعصب على من احتمل فيه ولاء أهل البيت عليهم السلام، كما يشهد به كتابه المذكور، فإنه ما زال يتحامل فيه على كل رواية في فضل آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى رواتها وكل من أحس منه حبهم.

وقد ذكر هو في (تذكرة الحفاظ) الحافظ بن خراش وأطراه في الحفظ والمعرفة، ثم وصفه بالتشيع، واتهمه بالرواية في مثالب الشيخين، ثم قال مخاطباً له وساباً إياه بما لفظه: فأنت زنديق معاند للحق، فلا رضي الله عنك.

مات: (ابن خراش إلى غير رحمة الله سنة ثلاث وثمانين بعد المائتين) وما رأيناه قال بعض هذا ممن سب أمير المؤمنين عليه السلام ومرق عن الدين بل رأيناه يسدد أمره، ويرفع قدره، ويدفع القدح عنه بما تمكن، كما هو ظاهر لمن يرى يسيراً من (ميزان الاعتدال)،

٥٧

وقد نقل السيد الأجل السيد محمد بن عقيل في كتابه(١) عن السبكي تلميذ الذهبي، أنه وصف شيخه الذهبي بالنصب، ونقل أيضاً عن العقيلي قوله من قصيدة:

وشاهدي كتب أهل الرفض أجمعهم * والناصبين كأهل الشام كالذهبي

ولنكتف بهذا القدر من ذكر علماء الجرح والتعديل، المطعون فيهم بالنصب واتباع الهوى ونحوهما، فالتعجب ممن يستمع لأقوالهم، ويصغي لآرائهم ويجعلهم الحجة بينه وبين الله تعالى في ثبوت سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

الأمر الثاني: من الأمرين الموجبين لإلغاء مناقشتهم في السند، أن ابن روزبهان قال في آخر مطالب الفضائل متصلا بالمطاعن:

(اتفق العلماء على أن كل ما في الصحاح الستة – سوى التعليقات – لو حلف بالطلاق أنه من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو من فعله وتقريره لم يقع الطلاق ولم يحنث) فإن مقتضى هذا الإجماع أنهم يلغون أقوال علمائهم في تضعيف رجال الصحاح الستة، لا سيما صحيحي البخارى ومسلم، فإنهم جميعاً يحتجون بأخبارهما بلا نكير، وبالضرورة أنه لم يرد نص ولم تقم حجة على استثناء رجال صحاحهم، فيلزم إلغاء أقوال علمائهم في الرجال مطلقاً وإلا فالفرق تحكم)(٢) .

____________________

(١) العتب الجميل ص١١٣.

(٢) ابن روزبهان قال في ردّه على العلامّة الحلّي طاب ثراه لكتاب إحقاق الحق المطبوع في إيران. وقد ورد كلام ابن روزبهان في دلائل الصدق. – الناشر-

٥٨

مناقشة الصحاح الستة

المطلب الثالث

إن أخبارهم غير صالحة للاستدلال بها على شيء من مطالبهم لأن منتقى أخبارهم ما جمعته الصحاح الستة، وهي مشتملة على أنواع من الخلل ساقطة عن الاعتبار البتة لأمور:

الأمر الأول – كيفية جمعها:

إنهم ذكروا في كيفية جمعها وفي جامعيها ما يقضي بوهنها.

ذكر ابن حجر في (تهذيب التهذيب) بترجمة سويد بن سعيد الهروي: (أن إبراهيم بن أبي طالب قال لمسلم: كيف استجزت الرواية عن سويد قال: ومن أين آتي بنسخة حفص بن ميسرة)، ومثله في (ميزان الاعتدال).

فهل ترى أن هذا عذر في الرواية عن الضعفاء، وهو يدعي أنه لا يروي في صحيحه إلا عن ثقة، فيكون غادراً خائناً فيسقط كتابه عن الاعتبار.

ونقل الذهبي في (الميزان) بترجمة أحمد بن عيسى بن حسان المصري: (أن أبا زرعة ذكر عنده صحيح مسلم فقال: هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه، فعملوا شيئاً يتشرفون به) وقال (يروى عن أحمد بن عيسى في (الصحيح): ما رأيت أهل مصر يشكون في أنه – وأشار إلى لسانه).

وذكر ابن حجر بترجمة عمرو بن مرزوق: (إن الأزدي قال: كان علي بن المديني صديقاً لأبي داود، وكان أبو داود لا يحدث حتى يأمره عليّ، وكان ابن معين يطرى عمرو بن مرزوق ويرفع ذكره، ولا يصنع ذلك

٥٩

بأبي داود لطاعته لعلي ) وهذا يدل على أن اعتبارهم للرجال تبع للهوى لا للحق.

وذكر ابن حجر بترجمة أحمد بن صالح المصري: (إن الخطيب قال: احتج بأحمد بن صالح جميع الأئمة إلا النسائي، فإنه نال منه جفاء في مجلسه فذلك السبب الذي أفسد الحال بينهما، وقال العقيلي: كان أحمد بن صالح لا يحدث أحداً حتى يسأل عنه، فجاءه النسائي فأبى أن يأذن له فشنع عليه) انتهى ملخصاً.

وذكر ابن حجر بترجمة ابن ماجة محمد بن يزيد بن ماجة: (إن في كتابه (السنن) أحاديث ضعيفة جداً، حتى بلغني أن السري كان يقول: مهما انفرد بخبر فهو ضعيف غالباً، ووجدت بخط الحافظ شمس الدين محمد بن علي الحسيني ما لفظه: سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول: كل ما انفرد به ابن ماجة ضعيف).

وذكر كل من الذهبي وابن حجر أو أحدهما في كتابيهما المذكورين (إن البخاري احتج بجماعة في صحيحه ضعفهم بنفسه) كما يعلم من تراجمهم في الكتابين، كأيوب بن عائذ، وثابت بن محمد العابد، وحصين بن عبد الرحمن السلمى، وحمران بن أبان، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، وكهمس بن المنهال، ومحمد بن يزيد الحزامي، ومقسم بن بجرة. وإنما خصصنا البخاري بهذا لأنه أعظم أرباب صحاحهم عندهم، وإلا فكلهم على هذا النمط.

بل وجدنا أبا داود كذب نعيم بن حماد الخزاعي، والوليد بن مسلم

٦٠