الإمام علي (عليه السلام) في آراء الخلفاء

الإمام علي (عليه السلام) في آراء الخلفاء0%

الإمام علي (عليه السلام) في آراء الخلفاء مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 203

الإمام علي (عليه السلام) في آراء الخلفاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مهدي فقيه إيماني
تصنيف: الصفحات: 203
المشاهدات: 148957
تحميل: 6491

توضيحات:

الإمام علي (عليه السلام) في آراء الخلفاء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 203 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 148957 / تحميل: 6491
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي (عليه السلام) في آراء الخلفاء

الإمام علي (عليه السلام) في آراء الخلفاء

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأمراء، وكشفوا عن مخالفتهم لهم بأنّها وظيفة دينية وتكليف شرعي، وعلى هذا الأصل قاوموا خلفاء الزور وحاربوهم حتى الموت والشهادة.

وملخّص الكلام: أنّ الله عزّ وجل وكذا رسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله حذّرانا - نحن المسلمين - بأنّه سيظهر بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خلفاء جور وزور لا إيمان لهم، يبطنون الكفر، ويترقّبون بالإسلام والمسلمين الدوائر، وهم دعاة الباطل والضلال تماماً كما كان في العصور قبل ظهور الإسلام وحتى بعده، حيث ظهرت آلهة مصطنعة ونبوءات مزوّرة، ضلوا وأضلوا الناس السذّج، وساقوهم إلى الكفر والشرك والانحراف والفساد، فعلى هذا فلا ينبغي أن يكتفى بالبراءة منهم وعدم إطاعتهم واتّباعهم فحسب، بل يجب جهادهم وقتالهم ومحاربتهم، ومن هنا عرفنا أنّ في مقابل الأئمة الهداة الصادقين، والخلفاء الذين توفرت فيهم شرائط الإمامة الصحيحة ومواصفات الخلافة القويمة، ثَمَّة أئمة مختلقَون وخلفاء مزوّرون، ظهروا في المجتمع، وفرضوا على الناس شتى أنواع الظلم والجور، وألزموهم بالانقياد إلى العقائد المبتدعة والمنحرفة في المجالات العقائدية والعملية، وإن دلّ هذا على شيء فإنّما يدل على أنّه ليس كل مَن ادّعى الخلافة والإمامة، فهو مُحق في دعواه وصادق في ذلك.

____________________

وخلاصة القول: أنّ الأخبار الواردة في هذا الموضوع، هي من الأدلة القاطعة والنصوص الجليّة الواضحة على أحقية مذهب الشيعة الاثني عشرية وبطلان غيرهم؛ وذلك لأنّ هذه الأحاديث لا تنطبق أصلاً وعقلاً على ما تعتقده العامة، وسائر المذاهب الأخرى؛ لأنّهم إمّا يعتقدون بأقل من اثني عشر إماماً أو أكثر.

ويؤيّد أحقية الشيعة أيضاً حسب هذه الأحاديث، ما ورد من الأحاديث الأخرى المتواترة والمتضافرة من أنّ الأمّة تفترق على سبعين ونيف فرقة كلها في جهنم عدا واحدة، وقد رأينا أنّ جميع المذاهب تخالف الشيعة في أصولها وفروعها، فهل يعقل أنّ الشيعة وحدها تكون في جهنم وسائر المذاهب هي الناجية ؟ وهذا مناقض لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فتدبر.( المعرّب ).

٢١

والجدير بالذكر أنّ كل ما حذّرنا الله عزّ وجل منه، ونبّأنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه سوف يقع، قد وقع وتحقّق ظهوره واحداً تلو الآخر عقيب وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله مباشرةً، ولو راجعنا التاريخ الإسلامي لرأينا أنّه يسرد لنا أسماء أكثر من مِئة شخص، ظهروا في المجتمع وادّعوا الخلافة والإمامة الإسلامية(١) ، وأنّ هناك أكثر من سبعة وعشرين شخصاً، ظهروا في المجتمع الإسلامي منذ وفاة النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى القرن الثالث، وفي مختلف نقاط العالم الإسلامي وغيره تسمّوا بالمهدي، ومع أنّنا قد خلّفنا وراءنا

____________________

(١) أ - الذين تقلّدوا الخلافة بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في سنة ١١ ه-‍ حتى ٣٦ ه‍- ثلاثة خلفاء حيث وصلت الخلافة إلى صاحبها الأَولى بها.

ب - ١٥ خليفةً من بني أميّة وبني مروان حكموا الشام ٩٧ عاماً: بدواً من معاوية وانتهاءً بمروان الحمار.

ج - ١٧ خليفةً من بني أميّة حكموا الأندلس ٢٩ عاماً: بدواً من عبد الرحمن بن معاوية إلى هشام بن عبد الملك.د - ٣٧ خليفةًَ من بني العباس حكموا العراق وخراسان ٥١٩ عاماً: بدواً من السفاح وانتهاءً بالمعتصم العباسي.

ه- - ١٥ خليفةً من بني العباس حكموا مصر ٢٢٨ عاماً: بدواً من المستنصر بالله حتى المتوكل على الله.

و - ١٤ خليفةً من الفاطميين ( العبيديين ) حكموا مصر ٢٧١ عاماً: بدواً من عبيد الله المهدي حتى زمن العاضد لدين الله، ومن ثمَّ اقتُلعت جذور حكومتهم.ز - خلفاء وسلاطين العثمانية الذين حكموا في تركيا، وقد عدّ مؤلّف كتاب الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية عشر خلفاء منهم فقط، ومنذ ذلك التاريخ حتى عام ١٩٢٣ من الميلاد، حيث ثار عليهم العميل البريطاني أتاتورك، فأباد خلافتهم وأقام حكومةً علمانيةً.ح - خلفاء وأئمة المذهب الزيدي في اليمن، وهؤلاء يعتقدون بإمامة الإمام أمير المؤمنين علي وابنيه، والإمام علي بن الحسين زين العابدين، ومن بعده يوالون مَن ينهض ضد خلفاء الجور والسلاطين حاملاً سيفه مُعلناً الجهاد ضدهم، ويعتقدون فيه بأنّ هذا هو الإمام الحق، وإن كان هذا المذهب قد تفرّع من الشيعة، إلاّ أنّ آدابهم وعقائدهم لا تمتّ إلى الشيعة الإمامية الاثني عشرية بشيء.وأمّا في الأحكام والفقه فإنّهم يتّبعون أبا حنيفة إمام أهل السُنة.

٢٢

النصف الأَوّل من القرن الخامس عشر، فما زلنا نرى البعض يدّعون المهدوية(١) ، وقد تبعهم في ذلك فئات كثيرة من مختلف المذاهب الإسلامية، ولمّا كانت قلوبهم قد ملئت بالعصبيات والأحقاد ضد آل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وشيعتهم، ما عساهم أن يفتحوا أبصارهم على ما هم عليه من التيه والزيغ، ويقوموا بالبحث والتحقيق في موضوع الإمامة ومعرفة الإمام، وسار على هذا النمط أيضاً بعض الفِرق المنتسبة إلى الشيعة مثل، الإسماعيلية، والزيدية، والمتصوّفة من الشيعة - أتباع محيي الدين بن العربي وأحمد الغزالي - وسائر أقطاب الصوفية - من أتباع الخلفاء المختلقين - المتحرّين عن معرفة الإمام المهدي الحق ؟ الذي إنكاره وعدم معرفته مساوق للميتة الجاهلية، كما ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: ( مَن مات ولم يعرف إمامَ زمانهِ ماتَ ميتةً جاهليةً )(٢) .

____________________

(١) ظهر في أطراف البلاد الإسلامية منذ القرن الثاني حتى القرن الرابع عشر الهجري، سبعة وعشرون رجلاً كلٌّ منهم يدّعي أنّه المهدي المنتظر والإمام الموعود، وآخرهم هو محمد القادياني المعاصر لعلي محمد الباب الشيرازي، حيث ادّعى الأَوّل بأنّه المهدي الموعود في أرض الهند، وادّعى الثاني هذه الدعوة في إيران، ولا يخفى أنّ كلا هذين الرجلين هما من مرتزقة بريطانيا وعملائها، وما زال فئات من الناس يتّبعونهما، ويوالونهما على انحرافهما وخروجهما عن الدين، وظلّوا يواصلون دربهما، مع أنّه قد انكشف بعد هلاكهما ودفنهما في مزابل التاريخ، ما كانا يبطنان من نوايا خيانية، وخطط جنائية ماكرة، وعقيدة هؤلاء لا تمتّ إلى الإسلام بشيء، بل إنّ عداءهم وحقدهم على الإسلام والمسلمين يبدو جلياً وأظهر من الشمس.

(٢) هذا الحديث من المتواترات التي صحّحها علماء الفريقين، رواه بعض الصحابة وأخرجه أكثر من سبعين محدّث ومفسّر ومتكلّم من أهل السنة، وإليك أيّها القارئ الكريم والمسلم المنصف طرفاً من طرق هذه الرواية: روي هذا الحديث بألفاظ أخرى عاضدة للفظ المشهور مثل ( مَن مات وليس في عنقه بيعة ماتَ ميتةً جاهلية )، ( مَن مات وليس عليه طاعة مات ميتةً جاهلية )، ( مَن ماتَ ولا إمام له مات ميتةً جاهلية )، ( مَن ماتَ وليس لإمام جماعة عليه طاعة ماتَ ميتةً جاهلية )، وألفاظ أخرى أخرجها أحمد بن حنبل في المسند ٣: ٤٤٦ و ٤: ٩٦، ومسلم في الجامع

٢٣

____________________

الصحيح ٣: ١٤٧٨ ح ٥٨، وابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد ٥: ٢١٨ وما بعده، وأبو داود طيالسي في مسنده: ٢٥٩، والبيهقي في السُنن الكبرى ٨: ١٥٦، وابن كثير في تفسيره ١: ٥١٧ وغيرهم، أخرجوه عن معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن عمر وغيرهما من الصحابة والتابعين.

هذا ما أثبته أرباب الصحاح والمسانيد، وهو حقيقة ساطعة وواضحة فلا نَدحة إلاّ البخوع لمفادها، ولا يتم إسلام مسلم إلاّ بالنزول لمؤدّاها، ولم يختلف في هذا الأمر اثنان، ولا أحد من أتباع المذاهب الإسلامية يخالجه الشك في صدوره عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والترديد بمفاده والأخذ به، سوى بعض فقهاء الوهابية، الذين دأبهم إنكار الضروريات، والتشكيك في البديهيات، وتعتيم الواقعيات، كالجبهان في تبديد الظلام ص ٧٢.

وفي مفاد هذا الحديث نقاط هامة ودقيقة عديدة، نشير إلى بعضها؛ لكي يُعلم السبب والعلة التي من أجلها أنكر عملاء الوهابية المتحجّرة صحة الحديث، بل صدوره عن النبي وثبوته في الكتب.

١ - ما المراد من ميتة الجاهلية ؟ لا يخفى أنّ الجاهلية شر مرحلة مرّ بها الإنسان؛ حيث كانت الأوثان فيها تُعبد من دون الله، والناس في ذاك العهد على شر دين، والكفر يومذاك قد أَطبق وبسط ظله على الناس؛ ولذلك عبّر الدين بالارتداد والتعرّب بعد الهجرة رجوعاً وبخوعاً إلى اللاقيم الجاهلية.

فعلى هذا فمَن مات ولم يكن في عنقه عهد من الخليفة المنصوص، والإمام المعيّن الذي أشار القرآن الكريم ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اسمه وخصاله في أحاديث السُنة، فقد خرج عن الدين وموتته شر ميتة، وهي ميتة كفر وإلحاد وشرك.

٢ - تساؤلات بحاجة إلى إجابات دقيقة، وهنا نسأل: ما هي الموتة التي مات عليها معاوية بن أبي سفيان ؟ وعن أي إمام مات ؟ وبيعة أي إمام حي كانت في عنقه ؟ وهل كان هناك إمام مفروض الطاعة والواجب بيعته نصاً وإجماعاً غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؟ فالتاريخ يشهد أنّه لم يبايع الخليفة المنصوص والمجمع عليه، وإلاّ فما تأويل محاربته للإمام ومناوئته له ومنازعته في أمر الخلافة ؟ فهل كان معاوية ناسياً لهذه الرواية وهو من رواتها ؟ أَليس أنّه طوى تلكم السنين وليس في عنقه بيعة لإمام ؟ وقد ورد أنّه لا يحلّ لمسلم أن يبيت ليلتين ليس في عنقه بيعة لإمام.فعلى هذا فإن مات معاوية والحالة هذه مات ميتةً جاهلية، أو أنّه - كما يزعم البعض - كان

٢٤

تلاحظ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قد بيّن وشيّد قولاً وعملاً في تعريف الإمام الحق، المتكاملة فيه شروط الإمامية، والتجنّب عن اتّباع وإطاعة الأئمة الكذّابين وأدعياء الإمامة، والتورّع عن حمل الأوزار والتبعات، وقد حذّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمّته عن الولوج في الضلالات والانحرافات بحيث إن

____________________

يرى ويجتهد أنّ هذه الكلية في كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تشمله، وأنّه مستثنى من هذه الكلية، بينما الرواية صريحة في التعميم، وليس فيها استثناء فتدبّر وتأمل.

ونسأل ثانيةً: وردت أحاديث عديدة وروايات متواترة تصرّح، بأنّ الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراءعليها‌السلام قضت نحبها، وليس في عنقها بيعة لمَن تقمّص الخلافة بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل ماتت وهي واجدة وغاضبة عليه، فيا ترى هل ماتت فاطمة ميتةً جاهلية ؟ بينما تقرأ في القرآن أنّ الله طهّرها من الأرجاس، وإنّها كانت ممّن باهلَ بهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله النصارى، وقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّها بضعة منه، وإنّ الله يغضب لغضبها، ويرضى لرضاها، ويؤذيه تعالى ورسوله ما يؤذيها، وهكذا بالنسبة إلى أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، الذي لم يبايع خليفة السقيفة طيلة حياة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ؟.فعلى هذا، فهل أنّ الصدّيقة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ماتت على غير دين أبيها، وكانت موتتها موتةً جاهلية؛ لأنّها ما بايعت الخليفة أبا بكر، ولم تعترف له بالخلافة، أم أنّها ماتت على دين أبيها ؟! فلا يمكن أن يُتصور الشق الأَوّل وأنّ فاطمة ماتت ميتةً جاهلية، وهي قد نزل في شأنها ما يدلّ على عصمتها ونزاهتها عن كل ذنب ورجس، حتى ولو كان صغير، فعلى هذا يبقى الشق الثاني، وهو أنّها ماتت على دين أبيها.

وهنا يرد سؤال آخر: هل أنّ فاطمةعليها‌السلام - التي لم تبايع الخليفة المزعوم، وليس له في عنقها بيعة - كانت مخطئةً وغير مصيبة أم أنّها كانت مصيبةً، وأنّ خلافة أبي بكر لم تكن صحيحةً ؟ فإن قلنا بالأَوّل وإنّ فاطمةعليها‌السلام كانت مخطئةً فهذا يعني مخالفة النص القرآني الصريح وتخطئته؛ حيث إنّه نصّ على طهارتها في آية التطهير.

نعم يا أخي القارئ، فإنّ في هذا الموجز نكات ودقائق يجب الالتفات إليها بدقة وتأمل، ولا يفوتنّك بعدها الإذعان إلى الحق والصواب.والجدير بالذكر أنّ فاطمة ماتت وفي عنقها بيعة للإمام المنصوص بالنص القرآني والنبوي - يعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام -.( المعرّب ).

٢٥

داهمتهم المنية، وماتوا وهم يجهلون إمامهم الحق ولم يعرفوه، فإنّهم يموتون على دين الجاهلية، ويحشرون مع الكفار والمشركين الوثنيين وهنا يُطرح سؤال: مَن هو الإمام المنشود الذي يخلف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمنزّه عن جميع المعايب والنواقص والانحرافات، والذي عدم معرفته مساوٍ للميتة الجاهلية؟.

وفي الجواب على هذا السؤال نقول

أَوّلاً : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب؛ فإنّه أَوّل مَن آمن بي، وأَوّل مَن يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب الدين)(١) .يستفاد من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّ ذاك الإمام المنشود هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، الذي دلّت على طهارته وتنزيهه من النقائص والضعف والانحرافات، أحاديث متواترة ومتضافرة، وتصريحات تاريخية وردت في كتب أهل السنة.

____________________

(١) الاستيعاب ٤: ١٧٤٤ ترجمة أبي ليلى الغفاري رقم ٣١٥٧، أسد الغابة ٥: ٢٨٧ ترجمة أبي ليلى الغفاري، الإصابة ٧: ٢٩٣ باب الكنى ترجمة أبي ليلى الغفاري رقم ١٠٤٨٤، كنز العمال ١١: ٦١٢ ح ٣٢٩٦٤ أخرجه عن أبي نعيم، لسان الميزان ٢: ٤١٤ ترجمة داهر بن يحيى الرازي رقم ١٧٠٤ وفيه: ( فمَن أدركها فعليه بخصلتين: كتاب الله وعلي بن أبي طالب )، إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون ٢: ٩٤، المناقب للخوارزمي: ١٠٤ باب (٨) ح ١٠٨، مناقب سيدنا علي: ٥٩، ميزان الاعتدال ٢: ٣ ترجمة داهر بن يحيى الرازي رقم ٢٥٨٧.

وروى السيوطي في اللآلئ المصنوعة ص ٣٢٤ من الجزء الأَوّل عن ابن عباس أنّه قال: ( ستكون فتنة فإن أدركها أحد منكم فعليه بخصلتين: كتاب الله وعلي بن أبي طالب، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول وهو آخذ بيد عليعليه‌السلام : هذا أَوّل مَن آمن بيوهو الصدّيق الأكبر، وهو بابي الذي أُوتى منه، وهو خليفتي من بعدي ).( المعرّب ).

٢٦

ويستفاد منه أيضاً، أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أُمّته بمشايعة عليعليه‌السلام واتّباعه.

ثانياً : مع غض الطرف عن الاختلافات الموجودة في مسالة الإمامة والخلافة بين أهل السنة والشيعة، حيث إنّ الشيعة تعتقد في الخليفة الحق بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله النص، وقد ثبت ذلك لعليعليه‌السلام وأبنائه الأحد عشر، واحد بعد واحد حتى آخرهم الإمام المهدي الحجّة الغائب عن الأنظار، ويستدلون على إثبات عقيدتهم هذه بالآيات الباهرة، والأحاديث الزاهرة - المروية في كتب الحديث والتاريخ والأخلاق والكلام المعتبرة عند أهل السنة -.

وأمّا أهل السُنة فيذهبون إلى أنّ كل مَن ادّعى الخلافة فهو الخليفة والإمام الحق الواجب الإطاعة، بدواً من أبي بكر حتى المعتصم العباسي آخر حكّام بني العباس، وعلى هذا قالوا بأنّ علياًعليه‌السلام هو رابع خلفائهم.

ولو درست التاريخ بدقة لرأيت أنّ كل مَن تقلّد الخلافة، وتقمّص الإمامة، سواء الذين تقدّموا علياًعليه‌السلام ، أو تأخروا عنه، قد أذعنوا واعترفوا بأفضلية عليعليه‌السلام التامة، وبأنّهعليه‌السلام هو صاحب الحق في خلافة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه هو الإمام والخليفة بعده، ولو نفرض أنّ الشيعة أغمضت الطرف عن تلك الأدلة الواضحة في إثبات أحقية الخلافة لعليعليه‌السلام ولم تتمسّك بها، واستغنت عنها في احتجاجاتهم واستدلالاتهم على أولوية الإمام عليعليه‌السلام ، وأنّه هو الخليفة الحق بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكفتهم في إثبات معتقدهم في موضوع إمامة الإمام عليعليه‌السلام تلك الاعترافات والتصريحات، التي أدلى بها خلفاء أهل السنة والمناوئين لعليعليه‌السلام ، التي رواها علماؤهم في كتبهم.

وبتعبير آخر: إذا تغاضينا لإثبات إمامة الإمام عليعليه‌السلام ، وخلافته بعد النبي عن تلك الثلاثمِئة آية، التي نزلت بشان عليعليه‌السلام كما قال الصحابي عبد الله بن عباس ،

٢٧

ورواها المفسّرون من الفريقين(١) ، ولم نحتج بالأحاديث الصحيحة المروية في سُنن أهل السنة ومجاميعهم، التي رووها بشان الإمام عليعليه‌السلام ، والتي تبيّن فضائله ومناقبه، والتي هي أضعاف أضعاف تلك الآيات، ولم نتمسّك بالروايات التي تربو على المئات، والتي تروي لنا مناشدات الإمام عليعليه‌السلام واحتجاجاته على خصومه، ممّا رواه حفّاظ أهل السُنة.

وكذا لو أغمضنا الطرف عن تاريخ حياة الإمام المهتضم حقه، الذي كتبه وسطّره مفكرو أهل السُنة، والحافل بالقيم الإسلامية، بل واعتبرنا تلك الكتب مثل سائر الكتب القصصية والروائية التي تلفت ونسيت.

وأخيراً فإذا لم نلتزم بتلك الاعترافات والتصريحات، التي صرّح بها كبار صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في شأن عليعليه‌السلام وأفضليته وخلافته الحقة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .وكذا لو تركنا تلك الكتب والرسائل القيمة، التي كتبها علماء أهل السُنة ومحققوهم الأعاظم بشتى اللغات والأساليب العلمية والحديثية والأدبية والتاريخية، في بيان شخصية الإمام عليعليه‌السلام وفضائله، والتي تتجاوز هذه الكتب والرسائل حدّ الإحصاء، سواء ما أُلّف مستقلاً أو ضمنياً(٢) ، وجعلنا كل ذلك في أرشيف التاريخ، وبعد كل هذا، توجهنا إلى ما نُقل من اعترافات مخالفي عليعليه‌السلام وأعدائه وتصريحاتهم - كما تكفّل هذا الكتاب ببيانها، والاحتجاج بها على الخصم - لكفانا ذلك في إثبات أولوية الإمام عليعليه‌السلام وأحقيته للإمامة، وإنّه الوصي والخليفة

____________________

(١) تاريخ الخلفاء: ١٧٢.

(٢) لقد صنّف العلاّمة المحقّق السيد عبد العزيز الطباطبائي في هذا المضمار كتاباً أسماه ( أهل البيت في المكتبة العربية )، ونشرته مؤسسة آل البيت، وذكر فيه أسماء ما يربو على ٨٥٦ كتاباً مطبوعاً ومخطوطاً يتعلق بالموضوع، وكذلك كتاب ( أصالة المهدوية في الإسلام ) لمؤلّف هذا الكتاب حيث يذكر أسماء ١٥٢ ذكر السيد الطباطبائي ٦٦ كتاباً منها في كتابه الآنف الذكر، فيكون مجموع ما ذُكر في الكتابين هو ٩٤٢ كتاب.

٢٨

المفترض الطاعة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويتلوه أولاده الأئمة الحق، والخلفاء بالنص الواجب اتّباعهم والتشيع لهم، وهكذا فلو التزم السُني بهذه الاعترافات التي نُقلت في كتب علمائه، والمروية عن خلفائه - الذين يعتقد بصحة خلافتهم - لعرف أنّها أثبت حجة عليه، وأذعن للحق، وآمن بأنّ علياًعليه‌السلام هو الإمام الحق والخليفة الأَوّل، وأمّا إذا ترك الإذعان والالتزام بهذه التصريحات والاعترافات، فلا شك أنّه ليس تابعاً للخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان، وليس هو من شيعة عليعليه‌السلام كذلك، وسوف تشمله الرواية المتواترة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن ماتَ ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية ).

وعلى هذا سنوافيك أيّها القارئ ببعض تلك الأحاديث والاعترافات، التي رويت عن خلفاء أهل السُنة في المجالات العلمية وغيرها، قد استخرجناها من مصادرهم ومراجعهم المعتمد عليها عندهم، راجين من الله عزّ وجل وقرّائنا قبولها.

مهدي الفقيه الإيماني ١٥ / ٢ / ١٤١٦ ه-.ق

٢٩

محتويات الكتاب

١ - التطرّق إلى الأحاديث التي رواها خلفاء أهل السُنة الراشدون، وبعض حكّام بني أميّة وبني العباس، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيما يختص بشان الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، والتمسّك بها للاحتجاج على غيرهم.

٢ - سرد اعترافاتهم بما امتاز به الإمام عليعليه‌السلام من الفضل والخصائص التي لا تُحصى كثرةً، خاصةً الاعترافات التي تمّت بأمر خلافته وولايته بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مثل الفضائل العلمية والتقوائية والأخلاقية، والمناقب السياسية والحماسية والأدبية، واعترافهم بدوره في مؤازرته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في دعوته، وتقويم جذور الإسلام.

٣ - نقل إرجاعات الخلفاء الراشدين إلى الإمام عليعليه‌السلام ، واستفسارهم منه في شتى المسائل العلمية والدينية، ومشورتهم إيّاه في الأمور السياسية، والتماسهم منه الحلّ والجواب في معضلاتهم، وأجوبة الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، التي حيّرت العقول على أسئلة علماء اليهود والنصارى - وكذا المسلمين - التي كانت تُطرح على الخلفاء الراشدين والحكام، وهم على أريكة الاقتدار فيعجزون عن جوابها، ويرجعون فيها إلى الإمام عليعليه‌السلام .

٣٠

٣١

الإمام عليعليه‌السلام في رأي الخليفة أبي بكر

٣٢

١ - أبو بكر يعترف: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عزله، ونصّب علياًعليه‌السلام .

أخرج الإمام أحمد بن حنبل وغيره، من المحدّثين والمؤرّخين من أهل السُنة بإسنادهم عن أبي بكر: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه بالبراءة لأهل مكّة، وإبلاغهم ببعض الآيات من سورة التوبة، وفيها - أيضاً - لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلاّ نفس مسلمة، ومَن كان بينه وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مدة فأجله إلى مدته، والله بريء من المشركين ورسوله، فسار بها ثلاثاً متوجهاً نحو مكّة، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : ( الحقه فردّ عليّ أبا بكر وبلّغها أنت.قال: ففعل - عليعليه‌السلام - ما أمر، فلمّا قَدم أبو بكر على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بكى فقال: يا رسول الله، حدث فيّ شيء ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما حدث فيك إلاّ خير، ولكن أُمرت أن لا يبلّغه إلاّ أنا أو رجل مني )(١) .

قال العلاّمة الأميني: هذه الإثارة أخرجها كثير من أئمة الحديث وحفّاظه، وعدّد منهم ٧٣ نسمةً(٢) .

____________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١: ٣ و ١: ٧ ح ٤ من الطبعة الحديثة، كفاية الطالب: ٢٥٤ باب ( ٦٢ ).

أخرجه عن أحمد بن حنبل، والحافظ أبي نعيم، وابن عساكر، البداية والنهاية ٧: ٣٥٧ - ٣٥٨ وفيه: أو ( رجل من أهل بيتي )، البيان والتعريف ١: ٣٧٨ ح ٤٤١ أخرجه عن أحمد بن حنبل، وابن خزيمة، وأبي عوانة، أنساب الأشراف ٢: ٨٨٦.

(٢) الغدير ٦: ٣٣٨ - ٣٥٠.

٣٣

وقد زاد العلاّمة المرعشي التستري على هذا العدد آخرين من مؤلفي أهل السُنة(١) ، يمكن لمَن يراجع كتابه إحقاق الحق أن يستزيد معرفةً وعلماً إلى علمه.

ذِكراً: أنّ رواة هذه القصة أكثر من اثني عشر صحابياً، غير أبي بكر ممّن رووا حديث البراءة، ولكن اعتراف وإقرار أبي بكر بنفسه، بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عزله عن القيام بهذه المهمة الدينية، ذات أهمية كبرى وكرامة عظمى للإمام عليعليه‌السلام ، وأنّ هذا العزل لم يكن إلاّ بأمر إلهي، أوحي إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يعزل أبا بكر وينصّب علياًعليه‌السلام مكانه؛ للقيام بهذه المهمة وإبلاغ البراءة لأهل مكة، وأنّ علياًعليه‌السلام قد أدى هذا الأمر بأبلغ وجه وأتمه - كما مرّ في الحديث -.

٢ - أبو بكر يعترف: بقصة الغدير ومولوية عليعليه‌السلام ، لمَن كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مولاه.

روى مِئة وعشر من كبار صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وثمانون وأربع راوٍ من التابعين، وكذا أخرج ما يربو عن أربعمِئة عالم ومحدّث ومفسّر ومؤرّخ ورجالي، وكثير من رجال العلم والأدب المعتمد عليهم عند أهل السُنة(٢) .

وكذا صنّف أكثر من مِئة وأربع وثمانين كتاباً ورسالةً، بلغات مختلفة عربية وفارسية وهندية وأجنبية، فيما يخص مسالة الغدير، وقد طُبعت أكثرها، وبعضها تكرّر طبعه حتى وصل إلى

____________________

(١) إحقاق الحق ٣: ٣٩٩ سورة التوبة.

(٢) ومَن أراد الاستزادة من التفصيل، ومعرفة أسماء رواة حديث الغدير، وأسماء الحفّاظ والمصادر التي أخرجت هذا الحديث، فليراجع موسوعة الغدير للعلاّمة الأميني المجلد الأَوّل ص ١٤ - ١٥٨، حيث إنّه روى عن ثلاثمِئة وستين عالماً، وستة وعشرين كتاباً، من علماء أهل السُنة وكتبهم، واستقصى العلاّمة التستري في كتابه القيم إحقاق الحق المجلد الثاني ص ٤١٥ - ٥٠١ رواة هذا الحديث حتى أوصل ذلك العدد إلى أربعمِئة راوٍ.

٣٤

خمس مرات أو أكثر(١) .

وحديث الغدير هو:

لمّا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله راجعاً من حجّته - حجّة الوداع - وذلك في السنة العاشرة الهجرية، نزل عليه الوحي يأمره بإكمال الدين، يعني تبليغ تلك المسألة المصيرية، أي تعيين الإمام والخليفة من بعده، فأمر الناس بتجهيز مقدمات ذاك الأمر، مثل الإعلان بتريّث المسلمين الحجاج، وتوقّفهم في محل يُعرف بغدير خم، وهو مفترق الطرق المؤدّية إلى مكة والمدينة وغيرها، وأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله بإرجاع الذين سبقوا الآخرين بالذهاب وإيقاف القادمين، حتى تجمّع آنذاك في ذاك المحل مِئة وعشرون ألف حاجّاً من شتى أقطار البلاد الإسلامية.

وكان ذلك اليوم يوماً حاراً هاجراً شديد الرمضاء، والشمس ساطعة حرارتها على رؤوسهم، وقد اشتعلت أرض الحجاز، فأمرهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأن يصنعوا له من جهاز الجمال والمراكب مكاناً مرتفعاً كالمنبر، حيث يراه الحاضرون جميعاً ويسمعون كلامه، فوقف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على ذاك الموضع المنبري، وخطب الناس خطبةً غرّاء، وقال فيما قالهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( أيّها الناس.مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله)، وغير ذلك من العبارات الباهرة، حيث شبّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله علياًعليه‌السلام بنفسه، وبأنّه ولي الناس والقائم بأمرهم، وطاعته فرض واجب، وأنّه الخليفة من بعده، ولكي يصدّ أمام ملابسات المنافقين، وشبهات المخالفين، لمولوية الإمام عليعليه‌السلام وخلافته، أخذ بيد عليعليه‌السلام ورفعه عالياً، حيث يراه جميع الحضّار والمجتمعين في هذا المؤتمر العالمي، ثمّ دعاصلى‌الله‌عليه‌وآله لمَن يتولى علياً وينصره، ولعن مَن عاداه وخذله، وبعد ذلك أمر

____________________

(١) الغدير للعلاّمة المحقّق السيد عبد العزيز الطباطبائي: ٢٣ - ٢٣٣.

٣٥

الناس الذين اجتمعوا في هذا المؤتمر، بأن يقوموا فرداً فرداً ويبايعوا علياً، ويسلّموا عليه بالإمرة والخلافة طوعاً.وقد طالت هذه البيعة من ضحى ذاك اليوم حتى غروبه، وحتى نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر المؤمنات جِئنَ فوضعنَ أيديهنّ في الطشت - الذي وضع أمير المؤمنين الإمام عليعليه‌السلام يده فيه - وهو خلف الخيمة فبايعنَه على الخلافة والولاية، وبهذه الطريقة أعلن المسلمون آنذاك بأجمعهم التزامهم، بالانقياد والطاعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

هذه خلاصة حديث الغدير.أبو بكر يروي حديث الغدير: ولمّا كان موضوع كتابنا هذا، هو نقل روايات الخلفاء واعترافاتهم، التي أقرّوا بها بأولوية الإمام عليعليه‌السلام ، يجدر بنا أن نلفت أبصار القرّاء الكرام إلى حقيقتين مهمتين، بلغتا من الأهمية حدّها الأقصى، حتى يذهب الزَبد جفاء ويبقى ما ينفع الناس:

الأُولى : قال أكثر الحفّاظ والمؤرّخين السنيين، الذين رووا حديث الغدير في كتبهم ورسائلهم، أو صنّفوا كتاباً مستقلاً وخاصاً بموضوع الغدير: إنّ أبا بكر وعمر وعثمان كانوا في مقدمة الرواة لحديث الغدير، الذين نقلوا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام : ( مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه ).

الثانية : روى أكثر من ستين عالماً وحافظا ومؤرّخاً، بأنّ أبا بكر وعمر هما أَوّل مَن بارك وهنّأ علياً بالخلافة والولاية، وقالا له: بخ بخ لك يا علي، أو قالا له: أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن، وذلك عندما انتهت مراسيم حفل الغدير، وإعلان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ علياً هو مولى المؤمنين، وبعد ما أمر الناس بالبيعة لعليعليه‌السلام .

٣٦

وممّن روى حديث الغدير - حديث ( مَن كنت مولاه فعلي مولاه ) - عن أبي بكر:

١ - الحافظ ابن عقدة - ٣٣٣ ه-‍ قد روى عن مِئة وخمس صحابياً رووا حديث الغدير، ويذكر في كتابه ( حديث الولاية ) أسماء الرواة وقبائلهم، ثمّ يخص بالذكر ثمانية عشر راوٍ دون أن يذكر خصائصهم، ثمّ يقول: إنّ أَوّل مَن روى حديث الغدير هو أبو بكر بن أبي قحافة التيمي - ١٣ ه-‍(١) .

٢ - القاضي أبو بكر الجعابي - ٣٥٦ ه-‍ روى حديث الغدير عن مِئة وخمس وعشرين طريقاً من الصحابة، منهم أبي بكر(٢) .

٣ - واستخرج العلاّمة منصور اللاتي الرازي - من أعلام القرن الخامس - في كتابه ( حديث الغدير ) أسماء مَن روى حديث الغدير مرتّباً على حروف المعجم، وذكر منهم أبا بكر(٣) .

٤ - قال العلاّمة ابن المغازلي الشافعي - ٤٨٤ ه‍-: وقد روى حديث غدير خم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نحو من مِئة نفس، منهم العشرة المبشّرة، وهم: أبو بكر وعثمان وطلحة والزبير وهو حديث ثابت لا أعرف له علة(٤) ، تفرّد عليعليه‌السلام بهذه

____________________

(١) أسد الغابة ٣: ٢٧٤ ترجمة عبد الله بن ياميل، الإصابة ٤: ٢٢٦ ترجمة عبد الله بن ياميل رقم ٥٠٤٧، الطرائف للسيد ابن طاووس: ١٤٠.

(٢) المناقب للسروي ٣: ٢٥، بحار الأنوار ٣٧: ١٥٧. وقال رواه صاحب بن عباد وثمانية وسبعون صحابياً من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، منهم: أبو بكر، عمر، عثمان، الإمام عليعليه‌السلام ، طلحة، والزبير.

(٣) المناقب للسروي ٣: ٢٥، الغدير للعلاّمة الأميني ١: ١٧ و ١٥٥. ولمزيد من الاطلاع على هذه المصادر الثلاثة المذكورة راجع: الغدير للعلاّمة الطباطبائي: ٤١ - ٨١ ترجمة رقم ٦ و ١٠ و ١٩.

(٤) لا أعرف له علة، أي أنّي لم أعرف مخالفاً لهذه الرواية؛ وذلك لأنّ هذا الحديث المتواتر فاقد لأي عيب ونقيصة، سنداً ومتناً، إلاّ أنّ هناك بعض المغرضين والمنحرفين عن عليعليه‌السلام .

٣٧

الفضيلة ليس يشركه فيها أحد(١) .

٥ - وأخرجه أيضا العلاّمة الجزري الشافعي في كتابيه ( أسنى المطالب ) و ( أسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب )(٢) .

٦ - وروى المؤرّخ العلاّمة زيني دحلان، عن أبي بكر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: ( مَن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وأحب مَن أحبه، وأبغض مَن أبغضه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله، وأدر الحق معه حيث دار )(٣) .

وأمّا حديث التهنئة فسوف نوافيك به ضمن الأحاديث المروية عن عمر بن الخطاب(٤) .

٣ - أبو بكر يقول: ملائكة خُلقوا من نور وجه عليعليه‌السلام .

روى العلاّمة الخطيب الخوارزمي بإسناده عن عثمان بن عفان قال: سمعت عمر بن الخطاب قال: سمعت أبا بكر بن أبي قحافة قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ( إنّ الله خلق من نور وجه علي بن أبي طالب ملائكةً، يسبّحون ويقدّسون ويكتبون ثواب ذلك لمحبيه ومحبي وُلده )(٥) .

وأخرج أيضاً بسند آخر عن عثمان بن عفان عن عمر بن الخطاب أنّه قال:

حرّفوا بعض ألفاظه، أو أسقطوا منها شيئاً، وقد ذكرنا ذلك في كتاب أضواء على الصحيحين.( المعرّب ).

____________________

(١) المناقب لابن المغازلي: ٢٧ ذيل ح ٣٩.

(٢) أسنى المطالب: ٣٥ تحقيق المحمودي، وص ١٢ تحقيق الطنطاوي.

(٣) فتح المبين في فضائل الخلفاء الراشدين، بهامش السيرة النبوية لزيني دحلان ٢: ١٦١.

(٤) راجع ص: ٧٤ - ٨١ (٥) مقتل الحسينعليه‌السلام للخوارزمي: ٩٧.

٣٨

( إنّ الله تعالى خلق ملائكةً من نور وجه علي بن أبي طالبعليه‌السلام )(١) .

أقول: ولعلّ هاتين الروايتين حديث واحد، وإنّما وقع الاختلاف والنقيصة فيه حين التخريج عمداً أو سهواً.

٤ - أبو بكر يعترف: النخلة تشهد لعليعليه‌السلام بالوصية.

أخرج العلاّمة العيني الحنفي بسنده عن أبي بكر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك لمّا سمع صوت خرج من النخلة، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أتدرون ما قالت النخلة ؟ قال أبو بكر: قلنا: الله ورسوله أعلم.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : صاحت: هذا محمد رسول الله، ووصيه علي بن أبي طالب )(٢) .

٥ - أبو بكر يعترف: عليعليه‌السلام خير مَن طلعت عليه الشمس وغربت.

أخرج الحافظ ابن حجر العسقلاني بإسناده عن أبي الأسود الدؤلي قال: سمعت أبا بكر يقول: أيّها الناس، عليكم بعلي بن أبي طالب، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ( علي خير مَن طلعت عليه الشمس وغربت بعدي )(٣) .

٦ - أبو بكر يعترف: عليعليه‌السلام من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كالنبي من الله عزّ وجلّ.

روى المحب الطبري وغيره بإسنادهم عن ابن عباس قال:قال أبو بكر: يا علي، ما كنت لأتقدّم رجلاً سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ( علي مني كمنزلتي -

____________________

(١) المناقب للخوارزمي: ٣٢٩ فصل ( ١٩ ) ح ٣٤٨.

(٢) مناقب سيدنا عليعليه‌السلام للعيني: ١٥ ح ٤ طبعة أعظم بريس حيدر آباد.

(٣) لسان الميزان ٦: ٧٨ ترجمة المغيرة بن سعيد البجلي رقم ٢٨١.

٣٩

بمنزلتي، خ - من ربّي ).أخرجه ابن السمان في كتاب الموافقة(١) .

يعني أنّ منزلة عليعليه‌السلام وكرامته عندي كمنزلتي، وبقدر مالي من المنزلة والكرامة عند الله عزّ وجل.

ورواه أيضاً العلاّمة الحريفيش بلفظ آخر: قال أبو بكر: أنا لا أتقدّم على رجل قال في حقه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ علياً يجيء يوم القيامة، ومعه أولاده وزوجته على مراكب من البُدن، فيقول أهل القيامة: أيُّ نبي هذا ؟ فينادي منادٍ: هذا حبيب الله، هذا علي بن أبي طالب )(٢) .

٧ - أبو بكر يعترف: جواز العبور على الصراط بيد عليعليه‌السلام .

روى العلاّمة الحافظ المحب الطبري، وآخرون بإسنادهم عن قيس بن أبي حازم قال: التقى أبو بكر وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فتبسّم أبو بكر في وجه عليعليه‌السلام ، فقالعليه‌السلام له: مالك تبسّمت ؟ قال: سمعت رسول اللهعليه‌السلام يقول: ( لا يجوز أحد الصراط إلاّ مَن كتب له علي الجواز ).أخرجه ابن السمان في كتاب الموافقة(٣) .

____________________

(١) ذخائر العقبى: ٦٤، الرياض النضرة ٣: ١١٨ و ٢٣٢، الصواعق المحرقة: ١٧٧، توضيح الدلائل: ٢٣٩ مخطوط، الروض الأزهر: ٩٧، إحقاق الحق ١٧: ١٩٤ خرّجه عن وسيلة النجاة: ١٣٤، ووسيلة المال: ١١٣، ومناقب العشرة: ١٢. مناقب سيدنا علي: ٣٩، أرجح المطالب: ٤٦٨.

(٢) إحقاق الحق ١٥: ٤٣٩ أخرجه عن الروض الفائق في المواعظ والدقائق، لشعيب بن عبد الله المعروف بالحريفيش: ٢٦٧.

(٣) ذخائر العقبى: ٧١، الرياض النضرة ٣: ١٣٧، الصواعق المحرقة: ١٢٦ أخرجه عن ابن السمان والعسقلاني في المطالب العالية، ينابيع المودة: ٤١٩ باب ( ٧٠ ) المناقب

٤٠