ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)0%

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 116

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد شهاب الدين العذاري
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: الصفحات: 116
المشاهدات: 78519
تحميل: 6621

توضيحات:

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 116 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78519 / تحميل: 6621
الحجم الحجم الحجم
ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفصل الثالث: خصائص المربّين وأساليب التربية

المبحث الأول: خصائص المربّين

مسؤوليّة التربية مِن أهمّ المسؤوليّات المُلقاة على عاتق المربّين في حركتهم التكامليّة التي رسمها لهم الإسلام، والإسلام جاء لإنشاء أُمّة متكاملة تستهدي بنوره وتنطلق لتنظيم شؤونها وإصلاح أوضاعها، لتتربّى الضمائر والأفكار والعواطف والمواقف على أساس القواعد الكليّة التي حدّدها الإسلام؛ لتكون الروابط إسلاميّة والأخلاق إسلاميّة.

والتربية ليس مجرّد أوامر ونواهٍ تُلَقّن أو تصدر للإنسان فيستجيب لها، وإنّما هي عمليّة تغيير للمحتوى الداخلي للإنسان، وصياغة جديدة لأفكاره وعواطفه وممارساته، ولهذا فلابدّ أنْ يتّصف المربّون بصفات وخصائص تؤهّلهم لتحقيق مظاهر المسؤوليّة في الواقع الإنساني والاجتماعي.

ومِن أهمّ مقوّمات نجاح هذه المسؤوليّة أنْ يكون المربّي مُخلصاً في مهمّته، متفائلاً بالنجاح، متعاوناً مع غيره، مندفعاً ذاتيّاً بلا انتظار جزاءٍ أو أجرٍ إلاّ مِن الله تعالى، فهو المُعين له في إنجاح مسؤوليّته.

ويُمكن تصنيف خصائص وصفات المربّين إلى: خصائص ذاتيّة وخصائص عمليّة.

٦١

الخصائص الذاتية للمربّين

أوّلاً: العلم والمعرفة

ينبغي أنْ يكون المربّي أو المُرشد أو الموجّه عالماً بقواعد وأُسس المفاهيم والقِيَم والآداب والموازين المراد تربية الآخرين على ضوئها، وأنْ يكون مُطّلعاً على كثير من المعارف المتعلّقة بالتربية، كعلم الأخلاق وعلم النفس وعلم الاجتماع، والتاريخ وغيرها.

وأنْ يكون على معرفة واطّلاع إجمالي أو مفصّل بالأمور التالية:

١ - أحوال وظروف المجتمع الذي يعيش فيه.

٢ - خصائص الأفراد مِن حيث أفكارهم وعواطفهم وممارساتهم العمليّة.

٣ - الأحداث والمواقف والتيّارات الناشطة.

٤ - تشخيص ما ينبغي أنْ يعمله تبعاً للظروف مِن حيث: اللين والشدّة، أو التأنّي والإسراع.

٥ - الفوارق بين بيئة وأُخرى وزمان وآخر وقوم وآخرين.

وهذه المعرفة تسهم في الإسراع بإنجاح العمل التربوي والإصلاحي، وعدم المعرفة في جميع أو بعض المجالات تؤدّي إلى نتائج سلبيّة، ولا تُوصل المربّي أو المُصلِح إلى تحقيق أهدافه أو تحقيق الثمار الإيجابيّة لعمله وحركته التربويّة، بل قد تبعده عن جميع ذلك.

قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا تزيده سرعة السير إلاّ بعداً ) (١) .

____________________

(١) تحف العقول / الحرّاني: ص ٢٦٩.

٦٢

وعنه ( عليه السلام ) قال: قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ):( مَن عمِل على غير عِلم كان ما يُفسّد أكثر ممّا يُصلح ) (١) .

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كحقلٍ تربويٍّ يُشترط فيه العِلم والمعرفة، وقد سُئل الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجبٌ هو على الأُمّة جميعاً؟ فقال: ( لا )، فقيل له: ولِمَ؟ قال:( إنّما هو على القويّ المُطاع، العالِم بالمعروف مِن المنكر، لا على الضعيف الذي لا يهتدي سبيلاً إلى أيّ مِن أيّ، يقول مِن الحق إلى الباطل ) (٢) .

وقال ( عليه السلام ):( إنّما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عالمٌ بما يأمر، عالمٌ بما ينهى ) (٣) .

ومن خلال متابعة سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) نجد أنّهم كانوا يحثّون على طلب العِلم، وعلى معرفة أحوال المجتمع وعلى معرفة أحوال المخاطبين؛ لكي يكون المربّي قادراً على النجاح في تحقيق مسؤوليّته.

ثانياً: القدوة

الإنسان وخصوصاً في مرحلة الحداثة والطفولة يُحاول التشبّه بالأشخاص الأكثر حيويّة، والأشدّ فاعليّة في المجتمع، ويتعمّق التشبّه في خَلَجَات نفسه بالتدريج، حتّى يستحكم في العقل والعاطفة ثمّ الإرادة والسُلوك، والمربّي هو مِن أكثر أفراد المجتمع عُرضة للتشبه به ثمّ تقليده ثمّ الاقتداء به لأنّه على علاقة

____________________

(١) الكافي / الكليني: ١ / ٤٤.

(٢) المصدر السابق نفسه: ٥ / ٦٠.

(٣) تحف العقول / الحرّاني: ص ٢٦٦.

٦٣

متواصلة مع الناس والأفراد المراد تربيتهم سَواء أكان والداً أم والدةً أم معلّماً أم عالم دين.

وإذا لم يكن المربّي قدوة لغيره فإنّ عمله لا يثمر، ولا يستطيع أنْ ينفذ إلى القلوب ليوجّهها نحو الاستقامة والصلاح ما دام لا يُطابق فعله قوله، وعمله تصوراته، حيث لا يبقى لموعظته أيّ أثر ايجابي على ممارسات وسيرة المراد تربيتهم. قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( إنّ العالِم إذا لم يعمَل بعلمه، زلّت موعظته عن القلوب كما يزلّ المطر عن الصفا ) (١) .

وإذا لم يكن المربّي قدوة في سُلوكه وسيرته، فإنّ الناس لا ينتفعون بقوله ورأيه بمعنى إنّه لا يؤثّر فيهم عمليّاً. قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( مَن لم ينسلخ عن هواجسه، ولم يتخلّص مِن آفات نفسه وشهَواتها، ولم يهزم الشيطان، ولم يدخل في كنَف الله وأمان عصمته؛ لا يص لح له الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنّه إذا لم يكن بهذه الصفة، فكلّما أظهر أمراً كان حجّة عليه، ولا ينتفع الناس به ) (٢) .

وقد مثّل ( عليه السلام ) المربّي والموجّه باليقظان، فإنّ غيره لا يستطيع أنْ يُوقظ الناس لأنّه راقد، فقال ( عليه السلام ):( فإنّ مَثل الواعظ والمتّعظ كاليقظان والراقد، فمَِن استيقظ عن رقدته وغفلته ومخالفاته ومعاصيه، صلُح أنْ يوقظ غيره مِن ذلك الرقاد ) (٣) .

وقد دعا ( عليه السلام ) إلى أنْ يكون المربّي والداعية مُجسّداً للسُلوك الصالح في حركته،

____________________

(١) الكافي / الكليني: ١ / ٤٤.

(٢) مستدرك الوسائل / النوري: ١٢ / ٢٠٣.

(٣) المصدر السابق نفسه.

٦٤

وأنْ يكون مربّياً بسيرته قبل التربية بلسانه، فقال ( عليه السلام ):( كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم؛ ليروا منكم الورع والاجتهاد والصبر والخير، فإنّ ذلك داعية ) (١) .

ومَن يتغلّب على نفسه فإنّه قادر على تربية الآخرين على التغلّب على نفوسهم الإمّارة بالسوء، ومَن لم يمت الشر في داخله فإنّه لا يستطيع أنْ يميته في صدور الآخرين. قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( احصد الشرّ مِن صدر غيرك بقلعه من صدرك ) (٢) .

ودعا ( عليه السلام ) إلى تجسيد المفاهيم والقِيَم الصالحة في النفس والإرادة والسُلوك العملي قَبل دعوة الناس إليها، فقال:( ائتمروا بالمعروف وأمروا به، وتناهَوا عن المنكر وانهوا عنه ) (٣) .

ويرى ( عليه السلام ) أنّ مَن لم يكن قدوةً صالحة فهو غاوٍ لغيره إنْ تبنّى مسؤوليّة التربية، أو الدعوة إلى الدين والسيرة الصالحة، قال ( عليه السلام ):( كفى بالمرء غواية أنْ يأمر الناس بما لا يأتمِر به، وينهاهم عمّا لا ينتهي عنه ) (٤) .

وقد جسّد أهل البيت ( عليهم السلام ) دور القدوة في حركتهم لتربية أبنائهم أو تربية الأُمّة أو تربية الموافقين والمخالفين على حدٍّ سَواء، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( أيّها الناس، إنّي والله ما أحثّكم على طاعةٍ إلاّ وأسبِقُكم إليها، ولا أنهاكم عن معصيةٍ إلاّ وأتناهى قبلكم عنها ) (٥) .

____________________

(١) الكافي / الكليني: ٢ / ٧٨.

(٢) تصنيف غرر الحكم: ص ١٠٦.

(٣) المصدر السابق نفسه: ص ٣٣٢.

(٤) المصدر السابق نفسه: ص ٣٣٣.

(٥) نهج البلاغة: ص ٢٥٠.

٦٥

وكان أهل البيت ( عليهم السلام ) قدوة في كلّ شيء، وكانوا القمّة في جميع الفضائل والمحاسن والمكارم، ولهذا استطاعوا تربية عدد كبير من المسلمين واعدّوهم ليكونوا مربين بدورهم، فكانوا قمّة في الإخلاص لله تعالى، وقمّة في المعرفة، وفي الشجاعة، وفي العدالة، وفي الصدق والأمانة والوفاء بالعهد، وفي جميع مجالات ومقوّمات الشخصيّة في الفكر والعاطفة والسلوك.

ثالثاً: الإنصاف والإيثار

للإنصاف والإيثار دورٌ كبير في خَلق الأجواء الروحيّة والنفسيّة لنموّ حركة التربية، حيثُ يرتبط الناس روحيّاً وعاطفيّاً بمَن يتّصف بهاتين الصفتين، ويشعرون بأنّ المربّي أو المُصلِح غاية في الكمال والتسامي، وأنّه عادلٌ في تعامله مع الآخرين وفي تقييمهم، وأنّه يتمتّع بالتعالي على الأُطر والمصالح الضيّقة والأنانيّة، وبهذا الشعور وبهذا الانسداد يُمكن التأثير على أفكار وعواطف وممارسات الآخرين، حيثُ يجد المربّي لرأيه ولإرشاده قبولاً، وهو مقدّمة أساسيّة للتربية والإصلاح.

يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في هذا الصدد:

١ -( المُنصِف كثير الأولياء والأودّاء ) .

٢ -( الإنصاف يستديم المحبّة ).

٣ -( الإنصاف يألّف القلوب ).

٤ -( مع الإنصاف تدوم الأُخوّة ).

٥ -( مَن عُدِم إنصافه لم يُصحَب ) (١) .

____________________

(١) تصنيف غرر الحكم: ص ٣٩٤، ٣٩٥.

٦٦

والمربّي الكثير الأولياء والمحبوب مِن قِبل الآخرين أكثر تأثيراً مِن غيره، حيث تتقبّل القلوب إرشاداته وتوجيهاته وتسعى لتحقيقها في الواقع في ممارساتٍ عمليّة.

وحول صفة الإيثار قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):

١ -( غاية المكارم الإيثار ).

٢ -( بالإيثار يسترق الأحرار ) .

٣ -( بالإيثار على نفسك تملك الرقاب ) (١) .

والمربّي المتّصف بالإيثار له سلطانٌ روحي وهيمنة عاطفيّة على الآخرين وجميع ذلك يؤثّر في تقرير المفاهيم والقيم الصالحة في عقول وقلوب وإرادة من يراد تربيتهم.

وقد ملك أهل البيت ( عليهم السلام ) قلوب الناس بالإيثار، واستطاعوا إيصالهم إلى شاطئ السعادة في الدنيا والآخرة، بالتزامهم بالنهج القويم الذي أرسى أركانه القرآن الكريم ورسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأهل بيته ( عليهم السلام ).

رابعاً: الزهد

الزهد في أموال الناس وممتلكاتهم، والزهد الذاتي في الحياة الدنيا بزينتها وملذّاتها يسهم في ازدياد ثقة الناس بالمربّي والمبلّغ والداعية؛ حيثُ يشعرون بأنّه لا يرجو من عمله وحركته دنيا ولا جاهاً، وإنّما يعمل لذات المسؤوليّة تقرباً إلى الله تعالى. وبالزهد يكتسب المربّي محبّة الناس، وبهذه المحبّة يستطيع

____________________

(١) المصدر السابق نفسه: ص ٣٩٦.

٦٧

التأثير على عقولهم وقلوبهم وإراداتهم.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( تحبّب إلى الناس بالزهد فيما بأيديهم، تقرّ بالمحبّة منهم ) (١) .

وقال ( عليه السلام ):( الزهد أقلّ ما يوجد، وأجلّ ما يعهد، ويمدحه الكلّ ويتركه الجلّ ) (٢) .

والزهد مفتاح الصلاح للمربّي وللمجتمع أجمع، وهو زين الحكمة، كما جاء في قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( الزهد مفتاح صلاحٍ ) وقال ( عليه السلام ):( زين الحكمة الزهد في الدنيا ) (٣) .

خامساً: البشاشة وطلاقة الوجه ولين الكلام

البشاشة وطلاقة الوجه ولين الكلام من الممارسات المحبوبة عند جميع الناس، وهي تسهم في جذب الناس وامتلاك عواطفهم ومشاعرهم؛ لأنّ الناس يتأثّرون بالشخص قبل التأثّر بالمفاهيم والأفكار، وهم يقيسون الإنسان على ظاهره قَبل باطنه، فحينما يرونه بشوشاً طليق الوجه ليّن الكلام فإنّهم سيتوجّهون إلى أفكاره ورغباته بشوقٍ وجاذبيّة.

وفي ذلك قال إمامنا أمير المؤمنين ( عليه السلام ):

١ -( طلاقة الوجه بالبشر والعطيّة وفعل البرّ وبذل التحيّة داعٍ إلى محبّة البريّة ) .

____________________

(١) تصنيف غرر الحكم: ص ٤٣٧.

(٢) المصدر السابق نفسه: ص ٢٧٥.

(٣) المصدر السابق نفسه: ص ٢٧٥.

٦٨

٢ -( عليك بالبشاشة فإنّها حبالة المودّة ) .

٣ -( البِشْر يُطفئ نار المعاندة ).

٤ -( البِشْر يؤنس الرفاق ).

٥ -( عوّد لسانك لين الكلام وبذل السّلام يكثر محبّوك ويقلّ مبغضوك ) .

٦ -( من عذب لسانه كثر إخوانه ) (١) .

٧ -( من لانت كلمته وجبت محبّته ) (٢) .

٨ -( إنّ أحسن ما يُألّف به الناس قلوب أودّائهم، ونفوا به الضغن عن قلوب أعدائهم حسن البِشْر عند لقائهم، والتفقّد في غيبتهم والبشاشة بهم عند حضورهم ) (٣) .

الخصائص العمليّة للمربّين

أوّلاً: المداراة

يجد المربّي أصنافاً مِن الناس يختلفون في أعمارهم وأجناسهم، ويختلفون في طاقاتهم وإمكاناتهم الفكريّة والعاطفيّة والسلوكيّة، ويختلفون في انتماءاتهم وولاءاتهم الطبَقيّة والقبَليّة والقوميّة والطائفيّة، ويختلفون في درجات قُربهم وبعدهم عن الدين، ويختلفون في نظرتهم للمربّي من حيثُ الاحترام والتقدير وعدمهما، ومن حيثُ الثقة به وعدمها، وجميع ذلك بحاجة إلى المداراة.

____________________

(١) تصنيف غرر الحكم: ص ٤٣٤، ٤٣٦.

(٢) تحف العقول / الحرّاني: ص ٦٠.

(٣) المصدر السابق نفسه: ص ١٥٢.

٦٩

ومداراة أفراد المجتمع المتعدّدين في كلّ جوانب الشخصيّة، من أولويّات العمل والفعّاليّة في أوساطهم لإصلاحهم وتربيتهم، ولهذا جاءت الروايات لتؤكّد على هذه الظاهرة الجميلة.

عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) قال:( قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): أمَرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض ) (١) .

وعنه ( عليه السلام ) قال:( قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): ثلاث مَن لم يكنّ فيه لم يتمّ له عمل: ورعٌ يحجزه عن معاصي الله، وخُلُقٌ يُداري به الناس، وحلمٌ يردُّ به جهل الجاهل ) (٢) .

والمداراة كما وصفها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هي جمال الحكمة، وسلامة الدين والدنيا، وأحمد الخلال، فقال ( عليه السلام ):

١ -( جمال الحكمة الرفق وحسن المداراة ).

٢ -( سلامة الدين والدنيا في مداراة الناس ).

٣ -( المداراة أحمد الخلال ) (٣) .

ومن مصاديق المداراة أنْ يتحدّث المربّي بلغة مبسطة واضحة مفهومة من قبل جميع المستويات الفكريّة والعلميّة، وأنْ يتجنّب المصطلحات الغامضة والعبارات غير الواضحة التي لا تحقّق أي تقدّم في المجال التربوي.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):

١ -( أحسن الكلام ما زانه حُسن النظام، وفهمه الخاص والعام ) .

____________________

(١) الكافي / الكليني: ٢ / ١١٧.

(٢) المصدر السابق نفسه: ص ١١٦.

(٣) تصنيف غرر الحكم: ص ٤٤٥.

٧٠

٢ -( أبلغ البلاغة ما سهل في الصواب مجازه، وحسن إيجازه ) .

٣ -( أحسن الكلام ما لا تمجّه الآذان، ولا يتعب فهمه الأذهان ) (١) .

ومن المداراة اختصار الكلام وتجنّب الإسهاب المؤدّي إلى الكلل والملل.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( الكلام كالدواء قليلهُ ينفع وكثيره قاتل ) .

وقال ( عليه السلام ):( أقلّ المقال، وقصّر الآمال، ولا تقل ما يُكسِبك وِزراً ويُنفّر عنك حُرّاً ) (٢) .

ومِن المداراة تجنّب الحديث عن الأمور التي لا يتعقّلها المراد تربيتهم ولا تتحمّلها عقولهم.

قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( رحم الله عبداً اجتر مودّة الناس إلينا، فحدّثهم بما يعرفون واترك ما يُنكرون ) (٣) .

وعن محمّد بن عبيد قال: دخلت على الرضا ( عليه السلام ) فقال لي:( قل للعبّاسي: يكفّ عن الكلام في التوحيد وغيره، ويكلّم الناس بما يعرفون، ويكفّ عمّا يُنكرون ) (٤) .

ودخل عليه يونس بن عبد الرحمان فشكا إليه ما يلقى من أصحابه من الوقيعة، فقال له الإمام الرضا ( عليه السلام ):( دارهم فإنّ عقولهم لا تبلغ ) (٥) .

وينبغي أنْ لا تكون المداراة في ترك الحقّ كما ورد عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ):

____________________

(١) تصنيف غرر الحكم: ص ٢١٠.

(٢) المصدر السابق نفسه: ص ٢١١.

(٣) بحار الأنوار / المجلسي: ٢ / ٦٥.

(٤) التوحيد / الشيخ الصدوق: ص ٩٥.

(٥) رجال الكشي: ص ٤٨٨.

٧١

( رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس في غير ترك الحق ) (١) .

ومن مصاديق المداراة مراعاة الدوافع النفسيّة والعاطفيّة للانحراف، وأجواء المنحرف الاجتماعيّة، ولذا كان أهل البيت ( عليهم السلام ) يُراعون الضعف البشري عند أصحابهم وعند مخالفيهم ويُقابلونه بالمداراة؛ لأنّها الكفيلة بتحقيق الأهداف المتوخّاة من التربية.

ثانياً: الرفق

من طبيعة الإنسان أنّه يأنس بآرائه وأفكاره ومواقفه، ويحرص على عدم المساس بها لأنّها جزء من شخصيّته، ويرى فيها كرامته وكبرياءه ووجوده، فينبغي لمن يريد أنْ يتحرّك في وسط المجتمع ليربيه أو يصلحه، أنْ يتعامل برفق مع الناس سَواء في تخطئة آرائهم وأفكارهم ومواقفهم أم تبيان صحّة المفاهيم والقيم المراد تقريرها في نفوسهم وواقعهم.

والرفق صفة محبّبة لدى الناس وبها تتيسّر الصعاب وتُسهّل الأمور، ويتفاعل الناس مع المربّي والمبلّغ والداعية إلى الله، كما ورد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( الرفق يُيسّر الصعاب ويسهّل شديد الأسباب ) .

وقال ( عليه السلام ):( من استعمل الرفق لان له الشديد ) (٢) .

فبالرفق يتنازل الإنسان عن رأيه الخاطئ وعن موقفه الخاطئ، ويتقبل النصح والإرشاد، بل يتفاعل معه ليصلح نفسه على ضوء الأُسس والمفاهيم المراد تقريرها في الواقع.

____________________

(١) تحف العقول / الحرّاني: ص ٢٩.

(٢) تصنيف غرر الحكم: ص ٢٤٤.

٧٢

وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( مَن كان رفيقاً في أمره نال ما يُريد من الناس ) (١) .

والمربّي لا يُريد من الناس أجراً أو شكراً، وإنّما يُريد لهم الخير والسعادة بتربيتهم على أساس الخُلق السامي والسُلوك السليم، فهو يُريد لهم أنْ يكونوا صالحين ومُصلحين، فالمصلحة تعود لهم ولمجتمعهم، فمِن الطبيعي أنْ ينال ما يُريده إذا كان رفيقاً معهم.

وجعل الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) الرفق حقاً من حقوق المستنصح، فقال:( وأمّا حق المُستنصح، فإنّ حقّه أنْ تؤدّي إليه النصيحة على الحقّ الذي ترى له أنّه يحمل ويخرج المخرج الذي يلين على مسامعه، وتكلّمه مِن الكلام بما يطيقه عقله؛ فإنّ لكلّ عقلٍ طبقه من الكلام يعرفه ويجتنبه، وليكن مذهبك الرحمة ) (٢) . وفي رواية أُخرى:( وليكن مذهبك الرحمة والرفق به ) (٣) .

ومن الرفق عدم التكلّف في طرح الأفكار والمفاهيم، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( قولوا ما قيل لكم، وسلّموا لمّا رُوي لكم، ولا تَكَلَّفوا ما لم تُكَلَّفوا، فإنّما تبعته عليكم فيما كسبت أيديكم ولفظت ألسنتكم، أو سبَقت إليه غايتكم ) (٤) .

ومن الرفق كما ورد في أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) إبداء النصيحة بمرونةٍ ويُسر

____________________

(١) الكافي: ٢ / ١٢٠.

(٢) تحف العقول / الحرّاني: ص ١٩٤.

(٣) مكارم الأخلاق / الطبرسي: ص ٤٢٣.

(٤) تحف العقول / الحرّاني: ص ١٠٤.

٧٣

وبصورة شيّقة وجذّابة، وأنْ لا يتحدّث المربّي بما يُفزع الناس ويشقّ عليهم في مسائل عذاب الله تعالى وعذاب القبر، ومِن الأفضل تقديم صفات الرحمة والرأفة والغفران على صفات الانتقام، وفي إبداء النصيحة العامّة ينبغي عدم ذكر أسماء المنحرفين أمام الملأ، وأنْ تكون النصيحة سرّاً.

ومِن الرفق مراعاة الأوضاع النفسيّة للإنسان في مجال العبادة الواجبة والمندوبة، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبَلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض ) (١) .

وذكر الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) قصّة الكافر الذي أسلم فاصطحبه أحدُ المسلمين وأثقله بالصلاة وحمّله ما لا يطيق، فقال له: انصرف عنّي، فإنّ هذا دينٌ شديد لا أطيقه(٢) .

ثالثاً: الإحسان

بالإحسان إلى الآخرين يتمكّن المربّي من التأثير على عواطفهم، ثُمّ عقولهم، ثُمّ ممارساتهم؛ لأنّ النفس الإنسانيّة مجبولة على حبّ من أحسن إليها، والإحسان يؤدّي إلى كسب ودّ الآخرين والسيطرة على كيانهم فيخضعون لإرادة المُحسن ولسلطانه الروحي، كما ورد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ):

١ -( الإحسان يسترق الإنسان ) .

٢ -( بالإحسان تملك القلوب ).

٣ -( سبب المحبّة الإحسان ).

____________________

(١) نهج البلاغة: ٥٣٠.

(٢) الخصال / الشيخ المفيد: ص ٣٥٤.

٧٤

٤ -( عليك بالإحسان فإنّه أفضل زراعة وأربح بضاعة ) (١) .

فالإحسان له دَورٌ كبيرٌ في إصلاح النفوس وتوجيهها نحو الاستقامة ومِن ثمّ التكامل والسموّ؛ لأنّها ستتوجّه إلى المُحسن بكلّ جوارحها، فيكون له التأثير عليها بالاستهواء، فتَتسارع النفوس للاستجابة لإرشاداته قناعةً أو حياءً.

وقد استطاع أهل البيت ( عليهم السلام ) إصلاح الكثيرين بعد الإحسان إليهم، والأفضل مِن الإحسان مقابلة الإساءة بالإحسان، وكانت هذه صفةٌ من صفاتهم ( عليهم السلام ).

روى المبرّد وابن عائشة: أنّ شاميّاً رأى الإمام الحسن بن عليّ ( عليه السلام ) راكباً فجعل يلعنه، والحسن لا يرد، فلمّا فرغ أقبل الحسن ( عليه السلام ) فسلّم عليه وضحك، وقال:( أيّها الشيخ أظنّك غريباً، ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإنْ كنت جائعاً أشبعناك، وإنْ كنت عرياناً كسوناك، وإنْ كنت محتاجاً أغنيناك، وإنْ كنت طريداً آويناك، وإنْ كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رَحلَك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقتِ ارتحالك كان أعوَد عليك؛ لأنّ لنا موضعاً رحِباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً ) .

فلمّا سمِع الرجل كلامه بكى ثمّ قال: أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيثُ يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ(٢) .

____________________

(١) تصنيف غُرر الحِكَم: ص ٣٨٥، ٣٨٦، ٣٨٨.

(٢) بحار الأنوار / المجلسي: ٤٣ / ٣٤٤.

٧٥

رابعاً: الاختلاط بالناس

مِن الصفات المهمّة للمربّي وللمصلِح أنْ يختلط مع الناس ولا ينعزل عنهم؛ لأنّ التربية والإصلاح لا تقتصر على إلقاء الخُطَب في المجالس العامّة والخاصّة، وإنّما هي حركةٌ وعملٌ دؤوب في الأوساط الاجتماعيّة تتطلّب مشاركة الناس في آمالهم وآلامهم، وأنْ يعيش المربّي معهم كواحد منهم، يُشاركهم في نشاطاتهم وفعاليّاتهم واحتفالاتهم وأحزانهم، وهكذا كان أهل البيت ( عليهم السلام ) في وسط الأُمّة، وبهذا استطاعوا تربية وإصلاح الكثير مِن أتباعهم ومخالفيهم.

قال صعصعة بن صوحان يصف أمير المؤمنين ( عليه السلام ): كان فينا كأحدنا، ليّن جانب، وشدّة تواضع، وسهولة قياد، وكنّا نهابه مهابة الأسير المربوط للسيّاف الواقف على رأسه(١) .

وقال نافع بن جُبير للإمام زين العابدين ( عليه السلام ): إنّك تُجالس قوماً دوناً، فقال له:( إنّي أُجالس مَن أنتفع بمجالسته في ديني ) (٢) .

وكانت إرشاداتهم لأصحابهم أنْ يتعايشوا مع غيرهم مِن المُخالفين، ومن هذه الإرشادات ما جاء عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال:( كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً ولا تكونوا عليه شيناً؛ صلّوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم ) (٣) .

والاختلاط بالمجتمع يسهم مساهمة فعّالة في معرفة أحوال وأوضاع الناس

____________________

(١) شرح نهج البلاغة: ١ / ٢٥.

(٢) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ١٧٥.

(٣) الكافي: ٢ / ٢١٩.

٧٦

المختلفة، وهي مقدّمة للإصلاح والتربية، ومِن تلك الأوضاع والأحوال:

١ - معرفة مستويات الناس المراد تربيتهم.

٢ - معرفة الصالحين من الطالحين.

٣ - معرفة الأسباب والعوامل المساهِمة في الانحراف.

ومن هنا يستطيع المربّي أنْ يمتلك القدرة على تشخيص الانحراف في بدايته، وعلى اختيار الأُسلوب المناسب للإصلاح والتربية، والتعاون مع بقيّة المربّين لوضع البرامج والخُطط التربويّة المناسبة.

خامساً: الصبر والحِلم

إنّ التربية والدعوة إلى الصلاح والاستقامة ( ليست أفكاراً تُطرح أو خطابات تُلقى، بل هي مسؤوليّة كبيرة مليئة بالمصاعب والمشاكل والمعوّقات والعراقيل؛ لأنّها تصطدم بشهَوَات النفس ونَزَوَاتها، وتُواجه اعتزاز الناس بمفاهيمهم وقِيَمهم التي أنَسوا بها، وتُواجه السلطات المنحرفة التي تريد إشغال الناس بالانحراف عن المنهج القويم، وتواجه المنحرفين الذين يكرهون الصلاح والصالحين، ويواجه المربّي ضغوطات نفسه التي تروم إلى الراحة والاسترخاء، والوحشة من طول الطريق وقلة المربّين وكثرة المنحرفين، ويواجه المغريات التي تثنيه عن أداء مسؤوليّته.

قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ):( المؤمن بين خمس شدائد: مؤمن يحسُده، ومنافق يبغضه، وكافرٌ يُقاتله، وشيطانٍ يضلّه، ونفس تُنازعه ) (١) .

____________________

(١) المحجّة البيضاء / الفيض الكاشاني: ٥ / ١١٥.

٧٧

وأمام هذه الشدائد لابدّ من الصبر والتحمّل، فبالصبر يتغلّب المربّي على جميع المصاعب، وهو عونٌ له للاستمرار في حركته التربويّة بلا تردّد ولا تراجع.

وحول أهميّة الصبر وآثاره الايجابيّة قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):

١ -( الصبر عونٌ على كلّ أمر ).

٢ -( الصبر كفيلٌ بالظفَر ).

٣ -( بشّر نفسك إذا صبرت بالنجاح والظفَر ) (١) .

وينبغي أنْ يكون المربّي الصابر حليماً حتّى ينال احترام وتقدير الآخرين، ويملك أزمّة قلوبهم ومشاعرهم بحِلمه.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):

١ -( بالحلم تكثر الأنصار ).

٢ -( بالاحتمال والحِلم يكون لك النّاس أنصاراً وأعواناً ).

٣ -( ضادّوا الغضب بالحِلم تحمدوا عواقبكم في كلّ أمر ) (٢) .

سادساً: القدرة على التقييم الموضوعي

التقييم الموضوعي للأفراد والكيانات الاجتماعيّة، يسهم في إنجاح الأعمال والنشاطات المتعلّقة بمسؤوليّة التربية والإصلاح والتغيير، فينبغي لِمَن تحمّل هذه المسؤوليّة أنْ يكون قادراً على التقييم السليم القائم على أُسُس وموازين سليمة، من حيث قُربهم وبعدهم عن الاستقامة الفكريّة والسلوكيّة.

____________________

(١) تصنيف غُرر الحِكَم: ص ٢٨٠، ٢٨٣.

(٢) المصدر السابق نفسه: ص ٢٨٧.

٧٨

والتقييم الموضوعي يسهم في دفع الجانِحين للعودة إلى الاستقامة، ومِن ثُمّ التوجّه للتكامل والسموّ والوصول إلى القمّة في جميع مقوّمات الشخصيّة؛ لأنّه يستنهض الهِمم ويستجيش العزائم ليتحول الإنسان مِن سيءٍ إلى حسن، ومن حسنٍ إلى أحسن.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( لا يكوننّ المُحسن والمسيء عندك بمنزلةٍ سَواء، فإنّ ذلك تزهيدٌ لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبٌ لأهل الإساءة على الإساءة، فألزم كلاًّ منهم ما ألزم نفسه أدباً منك ينفعه الله به، وتنفع به أعوانك ) (١) .

والمساواة في التقييم، بمعنى عدم التمييز بين المحسن والمسيء، وبين العامل والمقصّر، تؤدّي إلى تعطيل الطاقات الفعّالة المثمرة، وتميت روح المبادرة، وتؤدّي إلى توقف أو بطء حركة التربية والإصلاح.

ولهذا نجد أهل البيت عليهم السلام يصفون أصحابهم بالوصف المناسب لهم من حيث الإخلاص والاستقامة ومن حيث قُربهم وبُعدهم عن منهجهم ( عليهم السلام ) ومن حيث ما قدّموه من خدمات للدين وللأُمّة.

المبحث الثاني: أساليب التربية

أولاً: أُسلوب الخطاب

أسلوب الخطاب من الأساليب التربوية الشائعة والتي مُورست من قِبل

____________________

(١) تُحف العقول: ص ٨٧.

٧٩

جميع التيّارات والوجودات والشخصيّات، وقد مارس أهل البيت ( عليهم السلام ) هذا الأُسلوب في تربية أصحابهم وسائر أبناء المجتمع المسلم، وسيرتهم حافلة بالخطابات والبيانات التي تُخاطب جميع مقوّمات الشخصيّة، حيثُ تُخاطب العقل والقلب والإرادة لتستجيش فيها عناصر الخير والصلاح، وتُطارد عناصر الشر والانحراف، موجّهة الأنظار إلى خالق الكون والحياة والإنسان وإلى رقابته على سَكَنَات الإنسان وحرَكَاته، وموجّهة العقول والقلوب إلى يوم الحساب ويوم الثواب والعقاب وإلى عذاب القبر، ومحذّرة مِن مزالِق الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء، ومحذّرة من المُغريات التي تستهوي الإنسان ليركن إليها وينشغل باللهث ورائها تاركاً مسؤوليّته في الحياة، وكانت الخطابات توجّه العقول والقلوب إلى سنن الله تعالى المتحكّمة في الحياة والإنسان وإلى آثار بعض الأعمال الصالحة والطالحة.

والخطاب أهمّ وسيلة لتحريك العقل الجمعي وتوجيهه نحو الصلاح والاستقامة، وهو الوسيلة التربويّة الموجّهة لعددٍ كبير من الناس فيها اقتصاد في الوقت وتجميع للطاقات.

وقد سنحت الفرصة للإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لإلقاء خطبه بعد بسط اليد له بالبيعة العامّة وتسلمه الخلافة، وكذلك للإمام الحسن وللإمام الحسين ( عليهما السلام )، وبعض الفُرَص للإمام زين العابدين ( عليه السلام ) وللإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) وللإمام عليّ ابن موسى الرضا ( عليه السلام )، أمّا بقيّة الأئمّة فكانت فُرَص الخطاب محدودة في كمّها ونوعها حيث كانت مقتصرة على الأتباع والأنصار والمقرّبين، حيث إنّ المنابر العامّة كانت بيد أعدائهم ومخالفيهم.

وكان للخطاب الدور الأكبر في كشف حقيقة النظام الأمَوي بعد إقدامه على

٨٠