ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)0%

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 116

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد شهاب الدين العذاري
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: الصفحات: 116
المشاهدات: 78527
تحميل: 6621

توضيحات:

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 116 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 78527 / تحميل: 6621
الحجم الحجم الحجم
ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته، وبخطاب الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في الكوفة والشام والمدينة عاد عددٌ كبير من المسلمين إلى وعيِهم ورُشدِهم فتبنّوا منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) وعاد الكثير منهم إلى الاستقامة.

وكان المنبر الحسيني وسيلةً واسعة لإلقاء الخُطَب والبيانات وتِبيان الحقائق والحثّ على الطاعة، وتبيان مظلوميّة أهل البيت ( عليهم السلام ) وكراماتهم وسيرتهم ليقتدي بها الآخرون، وقد شجّع أهل البيت ( عليهم السلام ) على إقامة مجالس العزاء على سيّد الشهداء، وهي مجالس تلقى فيها الخطب سَواء أكانت خُطباً لأهل البيت ( عليهم السلام ) أم للعلماء أم للصالحين.

والمتابع لخطابات أهل البيت ( عليهم السلام ) يجدها خطابات موجزة ومفهومة للسامعين ومتنوّعة في مفاهيمها وقِيمها.

ثانياً: القصص

القصص بطبيعتها محبّبة لدى الناس ومؤثّرة فيهم حيثُ يتوجّهون إليها بعقولهم وقلوبهم ووجدانهم، يُتابعون أحداثها وفصولها، ويتأثّرون بإبطالها وشخصيّاتها، والقصص تبقى فاعلة في الذهن أكثر مِن غيرها؛ لسهولة حفظها وتذكّرها ونقلها.

وحول دور القصّة في التربية ورد في وصيّة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للإمام الحسن ( عليه السلام ):( أحي قلبك بالموعظة وأعرض عليه أخبار الماضين، وذكّره بما أصاب مَن كان قبلَك مِن الأولين إنّي وإنْ لم أكن عمّرت عمرَ مَن كان قبلي، فقد نظَرْت في أعمالِهم، وفكّرت في أخبارهم، وسِرت في آثارهم؛ حتّى عِدت كأحدِهم؛ بل كأنّي بما انتهى إليّ مِن أمورَهم قد عُمِّرت مع

٨١

أوّلهم إلى آخرهم ) (١) .

وللقصّة دورٌ في تحريك العقول للتفكّر، والوصول إلى الحقيقة وتجسيدها في ممارسات ومواقف عمليّة، وقد حفلت سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) بتربية أصحابهم عن طريق القصص لما فيها من مفاهيم وقِيَم متنوعة في مجالات النفس الإنسانيّة وفي مجالات المجتمع الإنساني، وقد ذكروا ( عليهم السلام ) قصصاً عديدة عن تاريخ ومسيرة الأنبياء والأولياء والصالحين ودورهم في الحياة الإنسانيّة وخصائصهم الحميدة ومواقفهم مِن الأفراد ومن الوجودات، وقِصصاً عن إيمانهم وعباداتهم وعن أخلاقهم وعلاقاتهم مع الناس، وعن زهدهم وإيثارهم وصبرهم وإحسانهم إلى غير ذلك من الصفات النبيلة.

كما ذكر أهل البيت ( عليهم السلام ) قصصاً عن الصالحين وعن التائبين وعن مواقف شريفة ونبيلة، لكي تؤدّي دورها في تربية النفوس والقلوب، ومن هذه القصص: قصّة نقلها الإمام زين العابدين عن امرأة نجَت من سفينة فواجَهها رجلٌ يقطع الطريق وينتهك الحُرُمات، فلم يكلّمها حتّى جلس منها مجلس الرجل مِن المرأة.

فلمّا أنْ همّ بها اضطربت، فقال لها: ما لك تضطربين، قالت: أفرَق مِن هذا وأومأت بيدها إلى السماء، قال: فصنعتِ مِن هذا شيئاً؟ قالت: لا وعزّته، قال: فأنت تفرقين منه هذا الفَرْق ولم تصنعي مِن هذا شيئاً وإنّما استكرهتك استكراهاً، فأنا والله أولى بهذا الفرْق والخوف وأحقّ منك، فقام ولم يحدِث شيئاً ورجع إلى أهله وليست له همّة إلاّ التوبة والمراجعة.(٢)

وهناك قصص عديدة في جميع أصناف وألوان السُلوك والممارسات ذكرها

____________________

(١) نهج البلاغة: ٣٩٣.

(٢) الكافي / الكليني: ٢ / ٧٠.

٨٢

أهل البيت ( عليهم السلام ) في أجواء التربية والإصلاح والإرشاد للموالين وللمخالفين.

ثالثاً: الأمثال والتمثيل

استخدم أهل البيت ( عليهم السلام ) ضَرْب الأمثال كوسيلة مِن وسائل التربية في طريق الهداية والاستقامة بالحثّ على الالتزام بمفاهيم وقِيَم الإسلام.

وضرب الأمثال يُقرّب المعنى إلى الأذهان ويجعله متحرّكاً في الضمير والوجدان البشري، وهو سهلُ الحفظ والنقل، وله تأثيرٌ محسوس وواقعي على جميع مقوّمات الشخصيّة، إضافةً إلى أنّه يُضرَب باختصار وإيجاز، فلا يصيب المستمع بسماعه ملَلاً، بل يتوجّه بكلّ جوارحه ليستمع إليه.

وقد مثّل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الدنيا بالحيّة فقال:( أمّا بعد فإنّ مثل الدنيا مثل الحيّة، ليّنٌ مسّها، قاتلٌ سمّها ) (١) .

ومثّلها الإمام الصادق ( عليه السلام ) بماء البحر فقال:( مثل الدنيا كمثل البحر كلّما شرِب منه العطشان ازداد عطَشَاً حتَى يقتله ) (٢) .

ومثل الإمام محمّد الباقر ( عليه السلام ) من لم يتبع الأئمّة المنصّبين من قبل الله تعالى بالشاة فقال:( كلّ مَن دان الله بعبادةٍ يُجهد فيها نفسَه ولا إمام له مِن الله؛ فسعيُه غيرُ مقبول، وهو ضالٌّ متحيّر، والله شانئٌ لأعماله، ومثلُه كمثلِ شاةٍ ضلّت عن راعيها وقطيعها ) (٣) .

ويلحق بضرب الأمثال التمثيل العملي فأنّه أسرع للانتقال مِن لسان

____________________

(١) شرح نهج البلاغة: ١٨ / ٦٨.

(٢) الكافي / الكليني: ٢ / ١٣٦.

(٣) الكافي / الكليني: ١ / ٣٧٥.

٨٣

لآخر، ومن محفلٍ لآخر. عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) قال:( إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) نزل بأرض قرعاء، فقال لأصحابه: ائتوا بحطب، فقالوا: يا رسول الله، نحن بأرض قرعاء ما بها من حطَب، قال: فليأت كلّ إنسان بما قدر عليه، فجاءوا به حتّى رمَوا بين يديه، بعضَه على بعض، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): هكذا تجتمع الذنوب.

ثمّ قال:إيّاكم والمحقَّرات مِن الذنوب، فإنّ لكلّ شيء طالباً، ألا وإنّ طالبها يكتب ما قدّموا وآثارهم وكلّ شيء أحصيناه في إمامٍ مبين ) (١) .

رابعاً: العبرة والموعظة

يتّخذ أهل البيت ( عليهم السلام ) من العِبرة والموعظة وسيلة تربويّة لتنوير العقل والقلب، واستخلاص المفاهيم والقِيَم الكامنة وراء المواقِف والحوادِث، وبالعِبرة والموعظة يعي الإنسان حركة الحياة مِن حيث الشدّة والرخاء، وأسباب التقدّم والتأخّر للمجتمعات والحضارات، وبالعبرة والموعظة يُقلع الإنسان عن الممارسات المنحرفة، ثمّ يتوجّه لإصلاح نفسه لتسمو وتتكامل.

وقد ورد في ( نهج البلاغة ) الكثير حول الاعتبار بالأنبياء والصالحين، وبالأقوام السالِفة، والاعتبار بما أصاب الأقوام المتمرّدة على طول التاريخ، والتذكير بالموت والهلاك، والنعيم والعذاب الخالد، والتذكير بما أصاب الأُمم المتمرّدة مِن قلقٍ واضطراب ومِن نقص في الثمرات والأنفس، والتذكير بما تنعّمت به الأُمم الصالحة من نِعمٍ وخيرات.

____________________

(١) الكافي / الكليني: ٢ / ٢٨٨.

٨٤

ومواعظ أهل البيت ( عليهم السلام ) لا تُعَد ولا تُحصى، وكان لها دورٌ ملموس في تربية أصحابهم ومخالفيهم.

خامساً: الاقتداء

الاقتداء وسيلةٌ هامّة من وسائل التربية؛ لأنّ الناس يتأثّرون بمَن يقتدون به، وغالباً ما يكون القدوة من الطبقات العُليا في المجتمع كالرؤساء والقادة وعُلماء الدين أو من السَلَف المتقدّمين، وأهل الكرامة وأهل القدوة يكرمهم الناس وهُم الذين ( يقتدي بهم عامّة الشعب )(١) .

والاقتداء بالأسلاف ( أكثر من الاقتداء بالطبقة العليا )(٢) ؛ لأنّ الناس يتأثّرون بالتراث الفكري والسلوكي لأسلافهم، وخير أُسلوب لتعميق الاقتداء هو التوجيه المستمر والترويج المتزايد لسيرة الأسلاف وممارساتهم العمليّة، وهذا ما أكّد عليه أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) في منهجهم التربوي.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( اقتدوا بهدى نبيّكم فانّه أصدق الهُدى، واستنّوا بسنّته فإنّها أهدى السُنَن ).

وقال ( عليه السلام ):( طُوبى لِمَن عمل بسنّة الدين، واقتفى آثار النبيّين ) (٣) .

وقال ( عليه السلام ):( انظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم، فلنْ يخرجوكم مِن هدىً، ولنْ يُعيدوكم في ردىً، فإنْ لبدوا فالبدوا، وإنْ نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلّوا، ولا تتأخّروا عنهم فتهلَكوا ) (٤) .

____________________

(١) علم الاجتماع / لنقولا الحداد: ص ١٤٠.

(٢) المصدر السابق نفسه: ص ١٤٦.

(٣) تصنيف غرر الحكم: ص ١١٠.

(٤) نهج البلاغة: ص ١٤٣.

٨٥

وأكّد الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) على الاقتداء برسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وبأهل البيت ( عليهم السلام ) فقال:( عليكم بآثار رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وسنّته، وآثار الأئمّة الهداة مِن أهل بيت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مِن بعده وسنّتهم، فإنّه مَن أخذ بذلك فقد اهتدى، ومَن ترك ذلك ورغب عنه ضلّ ) (١) .

والتربية بالقدوة مقدّمة على التربية بالقول أو الخطاب أو الموعظة، ولهذا أكّد أهل البيت ( عليهم السلام ) على المربّي أنْ يكون قدوة، وأنْ يربّي الناس بالاقتداء به.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( مَن نصّب نفسه للناس إماماً، فعليه أنْ يبدأ بتعليم نفسه قَبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ) (٢) .

وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( رحِم الله قوماً كانوا سِراجاً ومناراً؛ كانوا دعاةً إلينا بأعمالهم ومجهود طاقاتهم ) (٣) .

سادساً: الحوار

الحِوار مِن الوسائل المعمول بها في التربية والإصلاح، فيه يَطرح الإنسان متبنّياته الفكريّة والعاطفيّة والسلوكيّة ويردّ على شُبهات المُحاوِرين، ويَطرح الأدلّة والبراهين ويُجيب على حُجج المُقابل.

وبالحِوار يتمكّن المُحاور مِن معرفة الآخرين على المستوى الفكري والعاطفي والسلوكي، ويتعرّف على نقاط القوّة والضعف في شخصيّاتهم، ويتفهّم مشكلاتهم بعُمق ويعيش تجربتهم بكلّ جوانبها، ويتعرّف على مستوى التطوّر

____________________

(١) الكافي / الكليني: ٨ / ٨.

(٢) شرح نهج البلاغة / لابن أبي الحديد: ١٨ / ٢٢٠.

(٣) تحف العقول / الحرّاني: ص ٢٢١.

٨٦

الطارئ أثناء وبَعد الحِوار، وعلى ضوء هذه المعرفة يستطيع أنْ يضع لكلّ فرد الأُسس والقواعد المناسبة لتوجيهه.

وقد استخدم أهل البيت ( عليهم السلام ) الحِوار كوسيلة لإثبات حقّهم في الإمامة ودورهم الريادي في الأُمّة، ولإثبات المفاهيم والقِيَم الصالحة كأُسُس للتعامل وللتقييم، وكانوا يُحاورون مُخالفيهم وأنصارهم حول مختلف القضايا والأُمور وفي جميع مجالات العقيدة والشريعة، فقد احتجّ الإمام أمير المؤمنين على أبي بكر وعمر وعثمان حول إمامته ودوره الرسالي في الأُمّة، وناظر طَلحة والزبير حينما خرجا عليه، وحاوَر الخوارج، وكانت للإمام الحسن ( عليه السلام ) حوارات مع معاوية وعمرو بن العاص، ومع أتباعه وأنصاره، وكذا الحال في سائر الأئمّة ( عليهم السلام )، وكانوا ( عليهم السلام ) يشجّعون أنصارهم وأتباعهم على الحِوار للوصول إلى الحقيقة انطلاقاً مِن نقاط الاشتراك، وكانوا يثنون على من يتمكّن من الحِوار مع الآخرين من أصحابهم.

سابعاً: الأساليب المتداخلة

مِن الأساليب المتداخلة: المُراسلة والشعر، وهُما متداخلان مع بقيّة الأساليب التربويّة، ولأهمّيتهما كان أهل البيت ( عليهم السلام ) يستخدمونهما في لغة التعبير؛ لأنّ الحِكمة والعِبرة والموعظة والنصيحة تحقّق غاياتها كلّما كان الأُسلوب شيّقاً وجذّاباً.

١ - المراسلة

كانت لأهل البيت ( عليهم السلام ) مراسلات مَع مُواليهم ومُخالفيهم، فيها الكثير من الإرشادات والنصائح والأوامر والمواعظ، وقد حقّقت نتائج ملحوظة في حركة

٨٧

التربية، ونكتفي هنا بذكر بعض المراسلات الموجزة:

كتب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى عبد الله بن العبّاس:( أمّا بعد، فإنّك لست بسابقٍ أجلَك، ولا مرزوق ما ليس لك، واعلم بأنّ الدّهر يومان: يومٌ لك ويومٌ عليك، وأنّ الدنيا دار دول، فما كان منها لك أتاك على ضعفِك، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوّتك ) (١) .

وكتَب رجلٌ للإمام الحسين ( عليه السلام ): عِظني بحرفين، فكتب إليه:( مَن حاول أمراً بمعصيةِ الله كان أفوَت لِما يرجو وأسرع لِمجيء ما يحذَر ) (٢) .

وعن عليّ بن سُويد، عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) قال: سألته عن الضعَفَاء، فكتب إليّ:( الضعيف مَن لم تُرفع إليه حجّة ولم يعرِف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بمستضعف ) (٣) .

٢ - الشعر

الشعر له دورٌ في التربية والتوجيه والتثقيف عند جميع الأُمَم وفي جميع الحضارات، وله دورٌ في تحريك العُقول والقلوب والضمائر، وقد دلّت التجارب والدراسات على ذلك.

وأهل البيت ( عليهم السلام ) كمربّين لم يغفلوا أُسلوب الشعر في الجانب التربوي، فقد تمثّلوا بأشعارٍ كثيرة في الموعظة والإرشاد، ورُويت لهم بعض الأشعار الموجزة المعبّرة عن المفاهيم والقِيم الصالحة، نكتفي بذكر نماذج منها:

فمن الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ):

____________________

(١) نهج البلاغة: ٤٦٢.

(٢) الكافي / الكليني: ٢ / ٢٧٣.

(٣) المصدر السابق نفسه: ص ٤٠٦.

٨٨

وأفضل قَسْم الله للمرء عقله

فليس من الخيرات شيء يقاربه

إذا أكمل الرحمان للمرء عقله

فقد كملت أخلاقه ومآربه

يعيش الفتى في الناس بالعقل انّه

على العقل يجري علمه وتجاربه(١)

وقال ( عليه السلام ):

ومَن يَصحب الدنيا يكن مثل قابضٍ

على الماءِ خانته فروج الأصابع(٢)

* * *

ومن الشعر المنسوب إلى الإمام زين العابدين ( عليه السلام ):

تخرّب ما يبقى وتعمّر فانياً

فلا ذاك موفورٌ ولا ذاك عامرُ

أترضى بأنْ تَفنى الحياةُ وتنقضي

ودينك منقوصٌ ومالُك وافرُ(٣)

* * *

نُراعُ إذا الجنائز قابَلتنا

ونلهو حين تَمضي ذاهبات

كروعة ثلّة لمغار سبعٍ

فلمّا غاب عادت راتعات(٤)

* * *

ومن الشعر المنسوب للإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):

يموت  الفتى مِن عثرةٍ بلسانه

وليس يموت المرء مِن عثرة الرّجل

فعثرته مَن فيه تَرمي برأسه

وعثرته  بالرجل تبرأ على مَهل(٥)

* * *

____________________

(١) ديوان الإمام عليّ: ص ٣٧.

(٢) ديوان الإمام عليّ: ص ١٩٤.

(٣)و(٤) مختصر تاريخ دمشق / لابن منظور: ١٧ / ٢٥٤، ٢٥٦.

(٥) العقد الفريد / لابن عبد ربّه: ٢ / ٣٠٣.

٨٩

ومِن الشعر المنسوب للإمام عليّ الرضا ( عليه السلام ):

إنّي  ليهجرني الصديق تجنّبا

فأريه  أن لهجره أسبابا

وأراه  إن عاتبته أغريته

فأرى له ترك العتاب عتابا

وإذا  بليت بجاهل متحكّم

يجد  المحال من الاُمور صوابا

أوليته  مني السكوت وربما

كان السكوت عن الجواب جوابا(١)

* * *

واُدخل الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) على المتوكّل والكأس في يدِه، فلمّا رآه هابه وعظّمه وأجلسه إلى جانبه وقال له: أنشدني شِعراً، فقال الإمام ( عليه السلام ): أنا قليل الرواية للشعر، ثمّ أنشده:

باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسُهم

غُلْب الرجال فما أغنتهم القُلَل

واستنزلوا  بعد عزٍّ عن معاقلهم

واُسكنوا  حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخٌ من بعد دفنهم

أين الأساور والتيجان والحُلل

أين الوجوه التي كانت منعّمة

من دونها تُضرب الأستار والكِلَل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا

فبكى المتوكّل حتّى بلّت لحيته دموع عينه وبكى الحاضرون(٢) .

* * *

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) / الشيخ الصدوق: ٢ / ١٧٥.

(٢) تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي: ص ٣٢٣.

٩٠

الفصل الرابع: مميّزات المنهج التربوي عند أهل البيت ( عليهم السلام )

اختصّ منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) بخصائص امتاز بها عن غيره من المناهج، وهي تعتبر الحَجَر الأساس في بناء الشخصيّة لِمَن يلتزم بها، ومِن أهمّها:

١ - ربانيّة المنهج التربوي

أهل البيت ( عليهم السلام ) عنوانٌ مضيء في حياة الإنسانيّة، وعنوانٌ شامخ في حركة التاريخ والمسيرة الإنسانيّة، وهُم أعلام الهُدى وقدوة المتّقين، عُرفوا بالعِلم والحكمة والإخلاص والوفاء والصدق والحلم وسائر صفات الكمال في الشخصيّة الإسلاميّة؛ فكانوا قدوةً المسلمين وروّاد الحركة الإصلاحية والتغييريّة في المسيرة الإسلاميّة، وكان لهم مقامهم الكريم ودورهم السامي عند الفقهاء والمفسّرين والرواة والمؤرخّين والأُدباء والشعراء، وعند العابدين والزاهدين والأولياء.

وأهل البيت ( عليهم السلام ) عِدل القرآن وهُم القرآن الناطق المتحرّك وقد تضافرت وتواترَت الروايات على إثبات هذا المقام، ففي روايةٍ عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنّه قال:( يا أيّها الناس، إنّي قد تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لنْ تضلّوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي ) (١) .

____________________

(١) سُنَن الترمذي: ٥ / ٦٢٢.

٩١

وفي روايةٍ أُخرى أنّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال:( إنّي تاركٌ فيكم خليفتين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لنْ يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض ) (١) .

ومثّل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أهل البيت ( عليهم السلام ) بسفينةِ نُوح فقال:( ألا إنّ مَثلُ أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق ) (٢) .

وقال ( عليه السلام ):( النجوم أمانٌ لأهل الأرض مِن الغرَق، وأهل بيتي أمانٌ لأُمّتي مِن الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلةٌ مِن العرَب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (٣) .

ووصَفَهم أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) قائلاً:( هُم عيش العِلم ومَوت الجهل؛ يُخبركم حِلمهم عن عِلمهم، وظاهرُهم عن باطنهم، وصمتهم عن حِكم منطقهم؛ لا يُخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه، وهُم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحقّ إلى نِصابه عقلوا الدين عقل وعايةٍ ورعاية لا عقلَ سماعٍ ورواية ) (٤) .

وقال ( عليه السلام ):( نحن النمرقة الوسطى؛ بها يلحق التالي، وإليها يرجع الغالي ) (٥) .

____________________

(١) مسند أحمد بن حنبل: ٦ / ٢٣٢، مجمع الزوائد / الهيثمي: ٩ / ١٦٣.

(٢) المستدرك على الصحيحين / الحاكم: ٣ / ١٥١، مجمع الزوائد / الهيثمي: ٩/١٦٨، الجامع الصغير / السيوطي: ٢ / ٥٣٣.

(٣) المستدرك على الصحيحين / الحاكم: ٣ / ١٤٩، الصواعق المُحرقة / ابن حَجَر: ص ٢٣٤.

(٤) نهج البلاغة: ص ٣٥٧، ٣٥٨.

(٥) نهج البلاغة: ص ٤٨٨.

٩٢

وهذه الأحاديث تدلّ دلالةً واضحةً على عِصمة أهل البيت ( عليهم السلام ) بمعنى اندكاكهم الكامل بالقرآن فلا افتراق ولا اختلاف عنه، فما يصدر منهم صادر عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عن الله تعالى، وبعبارةٍ أُخرى إنّ منهجهم هو منهج الله تعالى، ولهذا يصحّ القول بأنّ منهجهم ربّانيّ، كما تدلّ أحاديثهم الشريفة على ذلك أيضاً.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام ):( إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أدّبه الله وهو أدّبني، وأنا أؤدّب المؤمنين، وأُورث الآداب المكرمين ) (١) .

وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( والله ما نقول بأهوائنا، ولا نقول برأينا، ولا نقول إلاّ ما قال ربّنا ) (٢) .

وقال ( عليه السلام ):( لو كنّا نحدّث الناس أو حدّثناهم برأينا لكنّا من الهالكين، ولكنّا نحدّثهم بآثار عندنا من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) (٣) .

وسأله رجلٌ عن مسألة فأجابَه فيها، فقال الرجل: أرأيت إنْ كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟ قال له:( مه، ما أجبتك فيه مِن شيء فهو عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لسنا مِن ( أرأيت ) في شيء ) (٤) .

ووضّح ( عليه السلام ) سلسلة الحديث ومصادرها فأرجعها إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وإلى الله تعالى فقال:( حديثي حديثُ أبي، وحديثُ أبي حديثُ جدّي، وحديثُ جدّي حديثُ الحسين، وحديثُ الحسين حديثُ الحسن، وحديثُ الحسن حديثُ أمير المؤمنين، وحديثُ أمير المؤمنين حديثُ

____________________

(١) تحف العقول / الحرّاني: ص ١١٤.

(٢) و(٣) بحار الأنوار / المجلسي: ٢ / ١٧٣.

(٤) الكافي: ١ / ٥٨.

٩٣

رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، وحديثُ رسول الله قول الله عزّ وجلّ ) (١) .

وعن سُماعة عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) قال: قلت له:أكلُّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )؟ أو تقولون فيه؟ قال: ( بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه ) (٢) .

وعلى ضوء ما تقدّم يُمكن القول: إنّ منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) التربوي هو منهج ربّاني، بمعنى أنّه موضوعٌ مِن قِبل ربّ الإنسان وخالقه وليس مِن وضع الإنسان، فقد وضعه مَن له إحاطة تامّة بالعالَم كلّه وبالأرض كلّها وبالناس كلّهم؛ يعلم سكنَات النفس وما تخفي الصدور، وهو سُبحانه وتعالى أودع الغرائز والرغبات في الإنسان، ولذلك فهو أعلم بكيفيّة إشباعها وبكيفيّة التوازن بينها، فيكون المنهج التربوي الموضوع مِن قِبله تعالى كاملاً لا نقص فيه ولا ضَعف، فيستجيب له الإنسان مطمئنّاً بأنّه المنهج الأمثل في التربية، أمّا المناهج الوضعيّة فهي صادرة مِن البشر الذي يتّصف بالضعف وعدم الإحاطة التامّة بالحياة، ويتّصف بمحدوديّة فكره وكثرة أخطائه إضافةً إلى تحكّم الأهواء به، فتكون ناقصة وقابلة للتبدّل والتغيّر لتغيّر آراء وتصورات واضعيها.

والإنسان بانتسابه إلى العقيدة الربانيّة يرى نفسه مرتبطاً بالمطلق العليم الحكيم المُهيمِن، وهذه الرؤية تجعله مرتبطاً بغاية وهدَف، فلا عبَث ولا لهو؛ بل تكون جميع أفكاره وعواطفه وإرادته متّجهة نحو المطلق، ويستتبعها سُلوكه في نفس الاتّجاه، فيبتعد الإنسان عن التخبّط والتغيّر السلبي والمزاجيّة والتمزّق والصراع النفسي، ويستقيم على منهجٍ واحد في عقيدته وعواطفه وسُلوكه.

____________________

(١) الكافي: ١ / ٥٣.

(٢) المصدر السابق نفسه: ١ / ٦٢.

٩٤

والربانيّة تَزرع في نفس الإنسان حالة التقديس للمنهج التربوي؛ لأنّه يشعر بأنّه موضوع مِن قِبل المُطلق العليم، أو مِن قِبل شخصيّات شهِد القرآن ورسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعصمتها، وهذا التقديس يُشجّع الإنسان ويدفعه إلى العمل الدؤوب لتطبيق قواعد المنهج في نفسه وأُسرته ومجتمعه.

ثمّ إنّ الارتباط بالله تعالى يدفع الإنسان للارتباط بكلّ ما يُريده ربّه، فيرتبط بالقرآن وما فيه مِن مقوّمات تربويّة، وبالعبادات وما فيها من قِيَمٍ روحيّة والالتقاء بالصالحين، والارتباط بالعلماء. وارتباط العبد بخالقه يُحقّق الاستقامة في السُلوك بعد شفاء الإنسان من الوَسوسَة والقلَق والاضطراب؛ فيَطمئنّ ويستشعر الحماية والأمن، ويكون شفاءً من الأمراض السلوكيّة والاجتماعيّة.

وقد أثبت منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) التربوي قدرته على بناء الإنسان بناءً متكاملاً، فقد تخرّج على هذا المنهج مِئات الشخصيّات التي كانت قمّة في السموّ الروحي والتكامل النفسي والسُلوكي، وقدوةً لجميع بني الإنسان لاستشعارها بأنّ المنهج ربّانيّ النشأة وربّانيّ المصدر، وبعد أنْ واكبَت تعاليمه وإرشاداته وقواعده منذ بداية الحياة الزوجيّة باختيار شريك الحياة المتديّن الصالح، ومروراً بمرحلة الحمل والطفولة بجميع مراحلها، وكانت تلك الشخصيّات قدوةً لجميع بني الإنسان.

وعلى الرغم من ابتعاد أغلب المسلمين عن المنهج التربوي لأهل البيت في تصوّراتهم وممارساتهم، إلاّ أنّ آثاره بقِيَت حاكمةً على كثيرٍ من المواقف والممارسات، وكان المسلمون وخصوصاً أتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) أقلّ انحرافاً وانحطاطاً مِن غيرهم مِن أصحاب الديانات الإلهيّة المحرّفة أو الوضعيّة، ولا تزال كثير مِن العلاقات الاجتماعيّة قائمة على أُسُس صحيحة تحت تأثير ذلك

٩٥

المنهج، ولو قُدّر للإسلام أنْ يبقى في دوره الريادي دون إقصائه من قِبل المحتلّين والغُزاة لانتهى الانحراف وانحسر في دائرة ضيّقة.

وفي مقابل ذلك نرى أنّ المناهج الوضعيّة في التربية لم تحقّق إلاّ مزيداً مِن الانحراف النفسي والسُلوكي؛ حيثُ القلَق والاضطراب في النفس والانحراف في السُلوك الفردي والاجتماعي، وكان مِن آثاره كثرة الجرائم وكثرة الفساد وبالتالي فقدان الأمن والاطمئنان، وفيما يلي نذكر بعض الإحصائيات في ذلك.

في( نيويورك ) وحدها يوجد أكثر من ٣٠٠ ألف مُدمِن على المخدّرات، وهؤلاء يحتاجون يومياً إلى (٥٠ - ١٠٠) دولار لكلّ شخص لتأمين الهيروئين لأنفسهم، وإنّ إحصاءات الجرائم في نيويورك تدلّ على أنها بلغت ٣٦٨ ألف جريمة خلال العشرة أشهر الأولى مِن عام ١٩٧٢ مِن أمثال القتل، والاغتصاب، والهجوم المسلّح(١) .

وفي عام ١٩٩١ بلغ عدد جرائم القتل إلى ٢٤٠٠٢٠ جريمة، وقد ازداد العدد في عام ١٩٩٢(٢) .

وتشير الإحصائيّات إلى ٩٦٣ حالة اغتصاب في الولايات المتّحدة في أوائل التسعينات، علماً أنّ الإباحيّة الجنسيّة منتشرة والسُلوك الجنسي سهل الإشباع.

وفي مجال جرائم القتل العائليّة أفادت دراسة لوزارة العدل الأمريكيّة في ١٠ تموز ١٩٩٤ أنّ ٨٠% مِن ضحايا القتل قتلوا بأيدي أفراد من عائلاتهم.

____________________

(١) الأفكار والرغَبَات بين الشيوخ والشباب / محمّد تقي فلسفي: ١ / ١٨٦، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط ١، ١٤١٥هـ.

(٢) مجلّة نور الإسلام: ٤٣ / ٩٦.

٩٦

وفي عام ١٩٩٥ أعلنت وزارة الداخليّة البريطانيّة أنْ نسبة الجريمة في انجلترا وويلز ارتفعت للمرّة الأولى في عامين، وكانت أكبر زيادة في جرائم العنف والاعتداء والاغتصاب(١) .

وأظهرت دراسة نشرها مركز مراقبة الأمراض والوقاية منها: إنّ نسبة جرائم قتل الأطفال الأمريكيّين في عام ١٩٩٥ بلغت ٢٥٧ طفلاً بين كلّ مِئة ألف، وبلغت نسبة الانتحار بين الأطفال دون الخامسة عشرة ٥٥ بين كلّ مِئة ألف(٢) .

وأكّدت منظمة الصحّة العالميّة أنّ حوالي مِئة مليون مِن أطفال الشوارع حديثي السنّ يتعاطون الخمر والمخدّرات وأنّ وضعهم يدعو إلى القلَق.

ودلّت الإحصائيّات على أنّ عدداً كبيراً من فتيات تحت سنّ الخامسة عشرة تظهر عليهنّ آثار الحمل كلّ شهر، وبما أنّ الأطبّاء يخشون القيام بإسقاط الجنين لصغر سنّهن فإنّهن يُصبحْن أُمّهات، ويزداد طلب إجراء عمليّة الإجهاض يوماً بعد يوم مِن المستوصفات الأمريكيّة(٣) .

وفي إحصائيّة أُقيمت سنة ١٩٨٥ دلّت على أنّ طفلاً واحداً من بين كلّ ستّة أطفال يُولدون بصورة غير شرعيّة في بريطانيا، وقد ارتفع عدد حالات الاغتصاب بنسبة ٢٧% خلال الستّة شهور مِن سنة ١٩٨٥(٤) .

ودلّت الإحصائيّات الأخيرة على قَبول الناس لفكرة الإنجاب غير الشرعي

____________________

(١) العنف والجريمة / د. جليل وديع مشكور: ص ١٣ و ١٨، الدار العربية للعلوم، بيروت، ١٤١٨هـ.

(٢) صحيفة كيهان، العدد ٣٨٧٦.

(٣) الأفكار والرغبات: ١ / ١٨٠.

(٤) الإسلام دين البشريّة: ص ٦٢.

٩٧

للأطفال، وأكّدت على أنّ ٣٤% مِن الأطفال الذين ولِدوا أحياءً في انگلترا وويلز عام ١٩٩٥ ولدوا سِفاحاً دون زواج(١) .

وأشارت التقارير إلى وجود نصف مليون شابّة يُمارسن الدعارة في مدينة ساوباولو البرازيليّة في عام ١٩٩٦، وأنّ أطفالاً بين سنّ السابعة والثامنة يعيشون مِن ممارسة الدعارة، وأنّ موسكو تُعاني مِن وجود أكثر مِن ألف طفل يُتاجرون ببيع أجسادهم، ودلّت أيضاً على وجود ثماني مِئة ألف من البغايا الأطفال في تايلند، وأربعمِئة ألف في الهند وستّون ألف في الفيليبين، كما ظهرت مراكز دوليّة جديدة لبِغاء الأطفال في فيتنام وكمبوديا ولاوس والصين، وفي تقرير آخر أشار إلى أنّ أكثر من ٥٠% مِن البغايا الأطفال في تايلند مصابات بفيروس الآيدز(٢) .

وفي تمّوز عام ١٩٩٧ تظاهر نحو ٦٠ ألفاً مِن الشواذّ جنسيّاً في شوارع لندن على غرار ما يفعلون سنويّاً للمطالبة بحقوقهم، وجرى لأوّل مرّة في سويسرا حفل زواج لشابّين شاذّين جنسيّاً في كنيسة بروتستانتيّة بمنطقة برن.

وفي شباط ١٩٩٥ دعا البرلمان الأوروبّي في قرار الدول الأعضاء إلى منح الشاذّين جنسيّاً الحقوق والواجبات نفسها التي يتمتّع بها الأزواج العاديّون(٣) .

٢ - شموليّة المنهج التربوي

يمتاز منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) التربوي بالشمول، فهو يراعي الإنسان في جميع

____________________

(١) مجلّة نور الإسلام: ٦٥ / ٩٦.

(٢) الطفولة المنحرفة: ص ١٠٦ و ١٠٨.

(٣) مجلّة نور الإسلام: ٥٩ / ٨٦.

٩٨

مقوّماته، وينظر إليه مِن جميع جوانبه، فهو مخلوق مزدوج الطبيعة روح وعقل وغرائز، وجسد متعدّد الجوارح، وهو موضوع للإنسان ككل فلا انفصال بين حاجات الجسد وحاجات الروح، فهو يدعو إلى إشباع حاجات الإنسان لكي يتقبّل ما يُلقى إليه مِن قواعد وأُسُس تربويّة وتوجيهيّة وإرشاديّة.

والمنهج التربوي لأهل البيت عليهم السلام يواكب حركة الانسان في جميع مراحلها ابتداءً باختيار شريك الحياة المناسب مروراً بمرحلة الاقتران وانعقاد الجنين ومراحل الطفولة الأخرى، ويضع لكل مرحلة تعاليم وتوجيهات منسجمة مع عمر الطفل الزمني والعقلي، ومع حاجاته المادية والروحية، ثم تأتي التكاليف حينما يصل الطفل إلى مرحلة من النضج الجسدي والعقلي؛ لتكون هي الموجهة له في حركته الواقعية في الحياة.

والمنهج لا يقتصر على تعاليم وإرشادات خاصّة في مجال معيّن، بل إنّها شاملة لجميع المجالات، وكلّ ما يسهم في تربية الإنسان بشكلٍ أو بآخر، حيثُ يبدأ المنهج بربط الإنسان وخصوصاً في مرحلة الطفولة بالمفاهيم والتصوّرات الإسلاميّة الأساسيّة، كالإيمان بالله تعالى، وبالثواب والعقاب، وذكر الله عن طريق قراءة القرآن والدعاء والعبادة، وذكر الموت، والرضا بالقضاء.

والمنهج يتدخّل في جميع المؤثّرات التربويّة، فيدعو إلى إصلاح المحيط التربوي المتمثّل بالأسرة والأصدقاء وحلقَات الذكر والمسجد والعُلماء وأجهزة الدولة.

ولا يقتصر المنهج على إلقاء التعاليم والإرشادات، بل يدعو إلى خلق الأجواء السليمة التي تسهم في تطبيق تفاصيل المنهج، وهي تعميق المودّة داخل الأسرة، ومراعاة الحقوق والواجبات، وتجنّب المشاكل والخلافات،

٩٩

وإشباع حاجات الطفل إلى الحبّ والحنان والتكريم وإشعاره بذاته، وإشباع حاجاته إلى الرفاهيّة وإلى اللعب وإلى الحريّة وإلى السلطة الضاغطة الموجّهة.

والمنهج التربوي شامل في استخدام أساليب اللين والشدّة ومراعاة الحقوق والواجبات، وهو شاملٌ لمعرفة الأفكار وتنميتها، وتنمية العواطف، وتنمية الإرادة، وتربية السُلوك، ويتصاعد المنهج التربوي بتكثيف التربية والتمرين على الطاعات المختلفة حسب القدرة ودرجة التلقّي وتفاوت الأعمار.

وحينما تصطدم حاجات الإنسان بالواقع ويحرم من تحقيق بعضها بسبب الظروف النفسيّة أو الاجتماعيّة، يضع المنهج التربوي برنامجاً لمقاومة حالات التصدّع النفسي في شخصيّة الإنسان، ومعالجة الأمراض النفسيّة والروحيّة وهي في مهدها، ومن مصاديق هذا البرنامج الدعوة إلى الصبر؛ لأنّه سلاح المؤمن في مقاومة العقَبَات والهموم والآلام، وبه يتغلّب على جميع أثقال الحياة مِن جوع ومرَض وفقر وحِرمان ومِن اضطهاد وظُلم، والصبر له تأثيرات ايجابيّة على الصحّة النفسيّة، والإنسان الذي يُقابل الحرمان والهموم والآلام بالصبر والثبات سيكون مطمئنّاً مستقرّاً؛ لإيمانه بأنّ الله معه يحرسه ويرعاه ويتلطّف عليه، ويفرّج عنه الضيق والشدّة.

والصابر يكون في أعلى قِمم الصحة النفسيّة حينما يشعر بأنّ الله يعوضه عن صبره بالحب واللطف، فلا شقاء مع حبّ الله له، ولا قيمة لشيء أمامه وهو داخل في دائرة الحبّ الإلهي، ومِن مصاديقه أيضاً التفكير بالجزاء والثواب الخالد، فإنّ لهذا التفكير تأثيراً إيجابيّاً على مَن يعيش الحرمان والمصائب والآلام؛ لأنّ التفكير بالجزاء والعوَض الإلهي عمّا فقده في الدنيا يجعله يعيش الأمل في نَيل ذلك الجزاء، وهذا الأمل يخفّف مِن معاناته، ويجعله موصولاً

١٠٠