ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)33%

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 116

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 116 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81465 / تحميل: 7402
الحجم الحجم الحجم
ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

ملامح المنهج التربوي عند أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته، وبخطاب الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في الكوفة والشام والمدينة عاد عددٌ كبير من المسلمين إلى وعيِهم ورُشدِهم فتبنّوا منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) وعاد الكثير منهم إلى الاستقامة.

وكان المنبر الحسيني وسيلةً واسعة لإلقاء الخُطَب والبيانات وتِبيان الحقائق والحثّ على الطاعة، وتبيان مظلوميّة أهل البيت ( عليهم السلام ) وكراماتهم وسيرتهم ليقتدي بها الآخرون، وقد شجّع أهل البيت ( عليهم السلام ) على إقامة مجالس العزاء على سيّد الشهداء، وهي مجالس تلقى فيها الخطب سَواء أكانت خُطباً لأهل البيت ( عليهم السلام ) أم للعلماء أم للصالحين.

والمتابع لخطابات أهل البيت ( عليهم السلام ) يجدها خطابات موجزة ومفهومة للسامعين ومتنوّعة في مفاهيمها وقِيمها.

ثانياً: القصص

القصص بطبيعتها محبّبة لدى الناس ومؤثّرة فيهم حيثُ يتوجّهون إليها بعقولهم وقلوبهم ووجدانهم، يُتابعون أحداثها وفصولها، ويتأثّرون بإبطالها وشخصيّاتها، والقصص تبقى فاعلة في الذهن أكثر مِن غيرها؛ لسهولة حفظها وتذكّرها ونقلها.

وحول دور القصّة في التربية ورد في وصيّة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للإمام الحسن ( عليه السلام ):( أحي قلبك بالموعظة وأعرض عليه أخبار الماضين، وذكّره بما أصاب مَن كان قبلَك مِن الأولين إنّي وإنْ لم أكن عمّرت عمرَ مَن كان قبلي، فقد نظَرْت في أعمالِهم، وفكّرت في أخبارهم، وسِرت في آثارهم؛ حتّى عِدت كأحدِهم؛ بل كأنّي بما انتهى إليّ مِن أمورَهم قد عُمِّرت مع

٨١

أوّلهم إلى آخرهم ) (١) .

وللقصّة دورٌ في تحريك العقول للتفكّر، والوصول إلى الحقيقة وتجسيدها في ممارسات ومواقف عمليّة، وقد حفلت سيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) بتربية أصحابهم عن طريق القصص لما فيها من مفاهيم وقِيَم متنوعة في مجالات النفس الإنسانيّة وفي مجالات المجتمع الإنساني، وقد ذكروا ( عليهم السلام ) قصصاً عديدة عن تاريخ ومسيرة الأنبياء والأولياء والصالحين ودورهم في الحياة الإنسانيّة وخصائصهم الحميدة ومواقفهم مِن الأفراد ومن الوجودات، وقِصصاً عن إيمانهم وعباداتهم وعن أخلاقهم وعلاقاتهم مع الناس، وعن زهدهم وإيثارهم وصبرهم وإحسانهم إلى غير ذلك من الصفات النبيلة.

كما ذكر أهل البيت ( عليهم السلام ) قصصاً عن الصالحين وعن التائبين وعن مواقف شريفة ونبيلة، لكي تؤدّي دورها في تربية النفوس والقلوب، ومن هذه القصص: قصّة نقلها الإمام زين العابدين عن امرأة نجَت من سفينة فواجَهها رجلٌ يقطع الطريق وينتهك الحُرُمات، فلم يكلّمها حتّى جلس منها مجلس الرجل مِن المرأة.

فلمّا أنْ همّ بها اضطربت، فقال لها: ما لك تضطربين، قالت: أفرَق مِن هذا وأومأت بيدها إلى السماء، قال: فصنعتِ مِن هذا شيئاً؟ قالت: لا وعزّته، قال: فأنت تفرقين منه هذا الفَرْق ولم تصنعي مِن هذا شيئاً وإنّما استكرهتك استكراهاً، فأنا والله أولى بهذا الفرْق والخوف وأحقّ منك، فقام ولم يحدِث شيئاً ورجع إلى أهله وليست له همّة إلاّ التوبة والمراجعة.(٢)

وهناك قصص عديدة في جميع أصناف وألوان السُلوك والممارسات ذكرها

____________________

(١) نهج البلاغة: ٣٩٣.

(٢) الكافي / الكليني: ٢ / ٧٠.

٨٢

أهل البيت ( عليهم السلام ) في أجواء التربية والإصلاح والإرشاد للموالين وللمخالفين.

ثالثاً: الأمثال والتمثيل

استخدم أهل البيت ( عليهم السلام ) ضَرْب الأمثال كوسيلة مِن وسائل التربية في طريق الهداية والاستقامة بالحثّ على الالتزام بمفاهيم وقِيَم الإسلام.

وضرب الأمثال يُقرّب المعنى إلى الأذهان ويجعله متحرّكاً في الضمير والوجدان البشري، وهو سهلُ الحفظ والنقل، وله تأثيرٌ محسوس وواقعي على جميع مقوّمات الشخصيّة، إضافةً إلى أنّه يُضرَب باختصار وإيجاز، فلا يصيب المستمع بسماعه ملَلاً، بل يتوجّه بكلّ جوارحه ليستمع إليه.

وقد مثّل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الدنيا بالحيّة فقال:( أمّا بعد فإنّ مثل الدنيا مثل الحيّة، ليّنٌ مسّها، قاتلٌ سمّها ) (١) .

ومثّلها الإمام الصادق ( عليه السلام ) بماء البحر فقال:( مثل الدنيا كمثل البحر كلّما شرِب منه العطشان ازداد عطَشَاً حتَى يقتله ) (٢) .

ومثل الإمام محمّد الباقر ( عليه السلام ) من لم يتبع الأئمّة المنصّبين من قبل الله تعالى بالشاة فقال:( كلّ مَن دان الله بعبادةٍ يُجهد فيها نفسَه ولا إمام له مِن الله؛ فسعيُه غيرُ مقبول، وهو ضالٌّ متحيّر، والله شانئٌ لأعماله، ومثلُه كمثلِ شاةٍ ضلّت عن راعيها وقطيعها ) (٣) .

ويلحق بضرب الأمثال التمثيل العملي فأنّه أسرع للانتقال مِن لسان

____________________

(١) شرح نهج البلاغة: ١٨ / ٦٨.

(٢) الكافي / الكليني: ٢ / ١٣٦.

(٣) الكافي / الكليني: ١ / ٣٧٥.

٨٣

لآخر، ومن محفلٍ لآخر. عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) قال:( إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) نزل بأرض قرعاء، فقال لأصحابه: ائتوا بحطب، فقالوا: يا رسول الله، نحن بأرض قرعاء ما بها من حطَب، قال: فليأت كلّ إنسان بما قدر عليه، فجاءوا به حتّى رمَوا بين يديه، بعضَه على بعض، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): هكذا تجتمع الذنوب.

ثمّ قال:إيّاكم والمحقَّرات مِن الذنوب، فإنّ لكلّ شيء طالباً، ألا وإنّ طالبها يكتب ما قدّموا وآثارهم وكلّ شيء أحصيناه في إمامٍ مبين ) (١) .

رابعاً: العبرة والموعظة

يتّخذ أهل البيت ( عليهم السلام ) من العِبرة والموعظة وسيلة تربويّة لتنوير العقل والقلب، واستخلاص المفاهيم والقِيَم الكامنة وراء المواقِف والحوادِث، وبالعِبرة والموعظة يعي الإنسان حركة الحياة مِن حيث الشدّة والرخاء، وأسباب التقدّم والتأخّر للمجتمعات والحضارات، وبالعبرة والموعظة يُقلع الإنسان عن الممارسات المنحرفة، ثمّ يتوجّه لإصلاح نفسه لتسمو وتتكامل.

وقد ورد في ( نهج البلاغة ) الكثير حول الاعتبار بالأنبياء والصالحين، وبالأقوام السالِفة، والاعتبار بما أصاب الأقوام المتمرّدة على طول التاريخ، والتذكير بالموت والهلاك، والنعيم والعذاب الخالد، والتذكير بما أصاب الأُمم المتمرّدة مِن قلقٍ واضطراب ومِن نقص في الثمرات والأنفس، والتذكير بما تنعّمت به الأُمم الصالحة من نِعمٍ وخيرات.

____________________

(١) الكافي / الكليني: ٢ / ٢٨٨.

٨٤

ومواعظ أهل البيت ( عليهم السلام ) لا تُعَد ولا تُحصى، وكان لها دورٌ ملموس في تربية أصحابهم ومخالفيهم.

خامساً: الاقتداء

الاقتداء وسيلةٌ هامّة من وسائل التربية؛ لأنّ الناس يتأثّرون بمَن يقتدون به، وغالباً ما يكون القدوة من الطبقات العُليا في المجتمع كالرؤساء والقادة وعُلماء الدين أو من السَلَف المتقدّمين، وأهل الكرامة وأهل القدوة يكرمهم الناس وهُم الذين ( يقتدي بهم عامّة الشعب )(١) .

والاقتداء بالأسلاف ( أكثر من الاقتداء بالطبقة العليا )(٢) ؛ لأنّ الناس يتأثّرون بالتراث الفكري والسلوكي لأسلافهم، وخير أُسلوب لتعميق الاقتداء هو التوجيه المستمر والترويج المتزايد لسيرة الأسلاف وممارساتهم العمليّة، وهذا ما أكّد عليه أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) في منهجهم التربوي.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( اقتدوا بهدى نبيّكم فانّه أصدق الهُدى، واستنّوا بسنّته فإنّها أهدى السُنَن ).

وقال ( عليه السلام ):( طُوبى لِمَن عمل بسنّة الدين، واقتفى آثار النبيّين ) (٣) .

وقال ( عليه السلام ):( انظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم، فلنْ يخرجوكم مِن هدىً، ولنْ يُعيدوكم في ردىً، فإنْ لبدوا فالبدوا، وإنْ نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلّوا، ولا تتأخّروا عنهم فتهلَكوا ) (٤) .

____________________

(١) علم الاجتماع / لنقولا الحداد: ص ١٤٠.

(٢) المصدر السابق نفسه: ص ١٤٦.

(٣) تصنيف غرر الحكم: ص ١١٠.

(٤) نهج البلاغة: ص ١٤٣.

٨٥

وأكّد الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) على الاقتداء برسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وبأهل البيت ( عليهم السلام ) فقال:( عليكم بآثار رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وسنّته، وآثار الأئمّة الهداة مِن أهل بيت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مِن بعده وسنّتهم، فإنّه مَن أخذ بذلك فقد اهتدى، ومَن ترك ذلك ورغب عنه ضلّ ) (١) .

والتربية بالقدوة مقدّمة على التربية بالقول أو الخطاب أو الموعظة، ولهذا أكّد أهل البيت ( عليهم السلام ) على المربّي أنْ يكون قدوة، وأنْ يربّي الناس بالاقتداء به.

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( مَن نصّب نفسه للناس إماماً، فعليه أنْ يبدأ بتعليم نفسه قَبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ) (٢) .

وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( رحِم الله قوماً كانوا سِراجاً ومناراً؛ كانوا دعاةً إلينا بأعمالهم ومجهود طاقاتهم ) (٣) .

سادساً: الحوار

الحِوار مِن الوسائل المعمول بها في التربية والإصلاح، فيه يَطرح الإنسان متبنّياته الفكريّة والعاطفيّة والسلوكيّة ويردّ على شُبهات المُحاوِرين، ويَطرح الأدلّة والبراهين ويُجيب على حُجج المُقابل.

وبالحِوار يتمكّن المُحاور مِن معرفة الآخرين على المستوى الفكري والعاطفي والسلوكي، ويتعرّف على نقاط القوّة والضعف في شخصيّاتهم، ويتفهّم مشكلاتهم بعُمق ويعيش تجربتهم بكلّ جوانبها، ويتعرّف على مستوى التطوّر

____________________

(١) الكافي / الكليني: ٨ / ٨.

(٢) شرح نهج البلاغة / لابن أبي الحديد: ١٨ / ٢٢٠.

(٣) تحف العقول / الحرّاني: ص ٢٢١.

٨٦

الطارئ أثناء وبَعد الحِوار، وعلى ضوء هذه المعرفة يستطيع أنْ يضع لكلّ فرد الأُسس والقواعد المناسبة لتوجيهه.

وقد استخدم أهل البيت ( عليهم السلام ) الحِوار كوسيلة لإثبات حقّهم في الإمامة ودورهم الريادي في الأُمّة، ولإثبات المفاهيم والقِيَم الصالحة كأُسُس للتعامل وللتقييم، وكانوا يُحاورون مُخالفيهم وأنصارهم حول مختلف القضايا والأُمور وفي جميع مجالات العقيدة والشريعة، فقد احتجّ الإمام أمير المؤمنين على أبي بكر وعمر وعثمان حول إمامته ودوره الرسالي في الأُمّة، وناظر طَلحة والزبير حينما خرجا عليه، وحاوَر الخوارج، وكانت للإمام الحسن ( عليه السلام ) حوارات مع معاوية وعمرو بن العاص، ومع أتباعه وأنصاره، وكذا الحال في سائر الأئمّة ( عليهم السلام )، وكانوا ( عليهم السلام ) يشجّعون أنصارهم وأتباعهم على الحِوار للوصول إلى الحقيقة انطلاقاً مِن نقاط الاشتراك، وكانوا يثنون على من يتمكّن من الحِوار مع الآخرين من أصحابهم.

سابعاً: الأساليب المتداخلة

مِن الأساليب المتداخلة: المُراسلة والشعر، وهُما متداخلان مع بقيّة الأساليب التربويّة، ولأهمّيتهما كان أهل البيت ( عليهم السلام ) يستخدمونهما في لغة التعبير؛ لأنّ الحِكمة والعِبرة والموعظة والنصيحة تحقّق غاياتها كلّما كان الأُسلوب شيّقاً وجذّاباً.

١ - المراسلة

كانت لأهل البيت ( عليهم السلام ) مراسلات مَع مُواليهم ومُخالفيهم، فيها الكثير من الإرشادات والنصائح والأوامر والمواعظ، وقد حقّقت نتائج ملحوظة في حركة

٨٧

التربية، ونكتفي هنا بذكر بعض المراسلات الموجزة:

كتب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى عبد الله بن العبّاس:( أمّا بعد، فإنّك لست بسابقٍ أجلَك، ولا مرزوق ما ليس لك، واعلم بأنّ الدّهر يومان: يومٌ لك ويومٌ عليك، وأنّ الدنيا دار دول، فما كان منها لك أتاك على ضعفِك، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوّتك ) (١) .

وكتَب رجلٌ للإمام الحسين ( عليه السلام ): عِظني بحرفين، فكتب إليه:( مَن حاول أمراً بمعصيةِ الله كان أفوَت لِما يرجو وأسرع لِمجيء ما يحذَر ) (٢) .

وعن عليّ بن سُويد، عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) قال: سألته عن الضعَفَاء، فكتب إليّ:( الضعيف مَن لم تُرفع إليه حجّة ولم يعرِف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بمستضعف ) (٣) .

٢ - الشعر

الشعر له دورٌ في التربية والتوجيه والتثقيف عند جميع الأُمَم وفي جميع الحضارات، وله دورٌ في تحريك العُقول والقلوب والضمائر، وقد دلّت التجارب والدراسات على ذلك.

وأهل البيت ( عليهم السلام ) كمربّين لم يغفلوا أُسلوب الشعر في الجانب التربوي، فقد تمثّلوا بأشعارٍ كثيرة في الموعظة والإرشاد، ورُويت لهم بعض الأشعار الموجزة المعبّرة عن المفاهيم والقِيم الصالحة، نكتفي بذكر نماذج منها:

فمن الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ):

____________________

(١) نهج البلاغة: ٤٦٢.

(٢) الكافي / الكليني: ٢ / ٢٧٣.

(٣) المصدر السابق نفسه: ص ٤٠٦.

٨٨

وأفضل قَسْم الله للمرء عقله

فليس من الخيرات شيء يقاربه

إذا أكمل الرحمان للمرء عقله

فقد كملت أخلاقه ومآربه

يعيش الفتى في الناس بالعقل انّه

على العقل يجري علمه وتجاربه(١)

وقال ( عليه السلام ):

ومَن يَصحب الدنيا يكن مثل قابضٍ

على الماءِ خانته فروج الأصابع(٢)

* * *

ومن الشعر المنسوب إلى الإمام زين العابدين ( عليه السلام ):

تخرّب ما يبقى وتعمّر فانياً

فلا ذاك موفورٌ ولا ذاك عامرُ

أترضى بأنْ تَفنى الحياةُ وتنقضي

ودينك منقوصٌ ومالُك وافرُ(٣)

* * *

نُراعُ إذا الجنائز قابَلتنا

ونلهو حين تَمضي ذاهبات

كروعة ثلّة لمغار سبعٍ

فلمّا غاب عادت راتعات(٤)

* * *

ومن الشعر المنسوب للإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):

يموت  الفتى مِن عثرةٍ بلسانه

وليس يموت المرء مِن عثرة الرّجل

فعثرته مَن فيه تَرمي برأسه

وعثرته  بالرجل تبرأ على مَهل(٥)

* * *

____________________

(١) ديوان الإمام عليّ: ص ٣٧.

(٢) ديوان الإمام عليّ: ص ١٩٤.

(٣)و(٤) مختصر تاريخ دمشق / لابن منظور: ١٧ / ٢٥٤، ٢٥٦.

(٥) العقد الفريد / لابن عبد ربّه: ٢ / ٣٠٣.

٨٩

ومِن الشعر المنسوب للإمام عليّ الرضا ( عليه السلام ):

إنّي  ليهجرني الصديق تجنّبا

فأريه  أن لهجره أسبابا

وأراه  إن عاتبته أغريته

فأرى له ترك العتاب عتابا

وإذا  بليت بجاهل متحكّم

يجد  المحال من الاُمور صوابا

أوليته  مني السكوت وربما

كان السكوت عن الجواب جوابا(١)

* * *

واُدخل الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) على المتوكّل والكأس في يدِه، فلمّا رآه هابه وعظّمه وأجلسه إلى جانبه وقال له: أنشدني شِعراً، فقال الإمام ( عليه السلام ): أنا قليل الرواية للشعر، ثمّ أنشده:

باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسُهم

غُلْب الرجال فما أغنتهم القُلَل

واستنزلوا  بعد عزٍّ عن معاقلهم

واُسكنوا  حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخٌ من بعد دفنهم

أين الأساور والتيجان والحُلل

أين الوجوه التي كانت منعّمة

من دونها تُضرب الأستار والكِلَل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا

فبكى المتوكّل حتّى بلّت لحيته دموع عينه وبكى الحاضرون(٢) .

* * *

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) / الشيخ الصدوق: ٢ / ١٧٥.

(٢) تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي: ص ٣٢٣.

٩٠

الفصل الرابع: مميّزات المنهج التربوي عند أهل البيت ( عليهم السلام )

اختصّ منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) بخصائص امتاز بها عن غيره من المناهج، وهي تعتبر الحَجَر الأساس في بناء الشخصيّة لِمَن يلتزم بها، ومِن أهمّها:

١ - ربانيّة المنهج التربوي

أهل البيت ( عليهم السلام ) عنوانٌ مضيء في حياة الإنسانيّة، وعنوانٌ شامخ في حركة التاريخ والمسيرة الإنسانيّة، وهُم أعلام الهُدى وقدوة المتّقين، عُرفوا بالعِلم والحكمة والإخلاص والوفاء والصدق والحلم وسائر صفات الكمال في الشخصيّة الإسلاميّة؛ فكانوا قدوةً المسلمين وروّاد الحركة الإصلاحية والتغييريّة في المسيرة الإسلاميّة، وكان لهم مقامهم الكريم ودورهم السامي عند الفقهاء والمفسّرين والرواة والمؤرخّين والأُدباء والشعراء، وعند العابدين والزاهدين والأولياء.

وأهل البيت ( عليهم السلام ) عِدل القرآن وهُم القرآن الناطق المتحرّك وقد تضافرت وتواترَت الروايات على إثبات هذا المقام، ففي روايةٍ عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنّه قال:( يا أيّها الناس، إنّي قد تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لنْ تضلّوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي ) (١) .

____________________

(١) سُنَن الترمذي: ٥ / ٦٢٢.

٩١

وفي روايةٍ أُخرى أنّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال:( إنّي تاركٌ فيكم خليفتين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لنْ يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض ) (١) .

ومثّل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أهل البيت ( عليهم السلام ) بسفينةِ نُوح فقال:( ألا إنّ مَثلُ أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق ) (٢) .

وقال ( عليه السلام ):( النجوم أمانٌ لأهل الأرض مِن الغرَق، وأهل بيتي أمانٌ لأُمّتي مِن الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلةٌ مِن العرَب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (٣) .

ووصَفَهم أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) قائلاً:( هُم عيش العِلم ومَوت الجهل؛ يُخبركم حِلمهم عن عِلمهم، وظاهرُهم عن باطنهم، وصمتهم عن حِكم منطقهم؛ لا يُخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه، وهُم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحقّ إلى نِصابه عقلوا الدين عقل وعايةٍ ورعاية لا عقلَ سماعٍ ورواية ) (٤) .

وقال ( عليه السلام ):( نحن النمرقة الوسطى؛ بها يلحق التالي، وإليها يرجع الغالي ) (٥) .

____________________

(١) مسند أحمد بن حنبل: ٦ / ٢٣٢، مجمع الزوائد / الهيثمي: ٩ / ١٦٣.

(٢) المستدرك على الصحيحين / الحاكم: ٣ / ١٥١، مجمع الزوائد / الهيثمي: ٩/١٦٨، الجامع الصغير / السيوطي: ٢ / ٥٣٣.

(٣) المستدرك على الصحيحين / الحاكم: ٣ / ١٤٩، الصواعق المُحرقة / ابن حَجَر: ص ٢٣٤.

(٤) نهج البلاغة: ص ٣٥٧، ٣٥٨.

(٥) نهج البلاغة: ص ٤٨٨.

٩٢

وهذه الأحاديث تدلّ دلالةً واضحةً على عِصمة أهل البيت ( عليهم السلام ) بمعنى اندكاكهم الكامل بالقرآن فلا افتراق ولا اختلاف عنه، فما يصدر منهم صادر عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عن الله تعالى، وبعبارةٍ أُخرى إنّ منهجهم هو منهج الله تعالى، ولهذا يصحّ القول بأنّ منهجهم ربّانيّ، كما تدلّ أحاديثهم الشريفة على ذلك أيضاً.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام ):( إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أدّبه الله وهو أدّبني، وأنا أؤدّب المؤمنين، وأُورث الآداب المكرمين ) (١) .

وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ):( والله ما نقول بأهوائنا، ولا نقول برأينا، ولا نقول إلاّ ما قال ربّنا ) (٢) .

وقال ( عليه السلام ):( لو كنّا نحدّث الناس أو حدّثناهم برأينا لكنّا من الهالكين، ولكنّا نحدّثهم بآثار عندنا من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) (٣) .

وسأله رجلٌ عن مسألة فأجابَه فيها، فقال الرجل: أرأيت إنْ كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟ قال له:( مه، ما أجبتك فيه مِن شيء فهو عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لسنا مِن ( أرأيت ) في شيء ) (٤) .

ووضّح ( عليه السلام ) سلسلة الحديث ومصادرها فأرجعها إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وإلى الله تعالى فقال:( حديثي حديثُ أبي، وحديثُ أبي حديثُ جدّي، وحديثُ جدّي حديثُ الحسين، وحديثُ الحسين حديثُ الحسن، وحديثُ الحسن حديثُ أمير المؤمنين، وحديثُ أمير المؤمنين حديثُ

____________________

(١) تحف العقول / الحرّاني: ص ١١٤.

(٢) و(٣) بحار الأنوار / المجلسي: ٢ / ١٧٣.

(٤) الكافي: ١ / ٥٨.

٩٣

رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )، وحديثُ رسول الله قول الله عزّ وجلّ ) (١) .

وعن سُماعة عن أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) قال: قلت له:أكلُّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم )؟ أو تقولون فيه؟ قال: ( بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه ) (٢) .

وعلى ضوء ما تقدّم يُمكن القول: إنّ منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) التربوي هو منهج ربّاني، بمعنى أنّه موضوعٌ مِن قِبل ربّ الإنسان وخالقه وليس مِن وضع الإنسان، فقد وضعه مَن له إحاطة تامّة بالعالَم كلّه وبالأرض كلّها وبالناس كلّهم؛ يعلم سكنَات النفس وما تخفي الصدور، وهو سُبحانه وتعالى أودع الغرائز والرغبات في الإنسان، ولذلك فهو أعلم بكيفيّة إشباعها وبكيفيّة التوازن بينها، فيكون المنهج التربوي الموضوع مِن قِبله تعالى كاملاً لا نقص فيه ولا ضَعف، فيستجيب له الإنسان مطمئنّاً بأنّه المنهج الأمثل في التربية، أمّا المناهج الوضعيّة فهي صادرة مِن البشر الذي يتّصف بالضعف وعدم الإحاطة التامّة بالحياة، ويتّصف بمحدوديّة فكره وكثرة أخطائه إضافةً إلى تحكّم الأهواء به، فتكون ناقصة وقابلة للتبدّل والتغيّر لتغيّر آراء وتصورات واضعيها.

والإنسان بانتسابه إلى العقيدة الربانيّة يرى نفسه مرتبطاً بالمطلق العليم الحكيم المُهيمِن، وهذه الرؤية تجعله مرتبطاً بغاية وهدَف، فلا عبَث ولا لهو؛ بل تكون جميع أفكاره وعواطفه وإرادته متّجهة نحو المطلق، ويستتبعها سُلوكه في نفس الاتّجاه، فيبتعد الإنسان عن التخبّط والتغيّر السلبي والمزاجيّة والتمزّق والصراع النفسي، ويستقيم على منهجٍ واحد في عقيدته وعواطفه وسُلوكه.

____________________

(١) الكافي: ١ / ٥٣.

(٢) المصدر السابق نفسه: ١ / ٦٢.

٩٤

والربانيّة تَزرع في نفس الإنسان حالة التقديس للمنهج التربوي؛ لأنّه يشعر بأنّه موضوع مِن قِبل المُطلق العليم، أو مِن قِبل شخصيّات شهِد القرآن ورسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعصمتها، وهذا التقديس يُشجّع الإنسان ويدفعه إلى العمل الدؤوب لتطبيق قواعد المنهج في نفسه وأُسرته ومجتمعه.

ثمّ إنّ الارتباط بالله تعالى يدفع الإنسان للارتباط بكلّ ما يُريده ربّه، فيرتبط بالقرآن وما فيه مِن مقوّمات تربويّة، وبالعبادات وما فيها من قِيَمٍ روحيّة والالتقاء بالصالحين، والارتباط بالعلماء. وارتباط العبد بخالقه يُحقّق الاستقامة في السُلوك بعد شفاء الإنسان من الوَسوسَة والقلَق والاضطراب؛ فيَطمئنّ ويستشعر الحماية والأمن، ويكون شفاءً من الأمراض السلوكيّة والاجتماعيّة.

وقد أثبت منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) التربوي قدرته على بناء الإنسان بناءً متكاملاً، فقد تخرّج على هذا المنهج مِئات الشخصيّات التي كانت قمّة في السموّ الروحي والتكامل النفسي والسُلوكي، وقدوةً لجميع بني الإنسان لاستشعارها بأنّ المنهج ربّانيّ النشأة وربّانيّ المصدر، وبعد أنْ واكبَت تعاليمه وإرشاداته وقواعده منذ بداية الحياة الزوجيّة باختيار شريك الحياة المتديّن الصالح، ومروراً بمرحلة الحمل والطفولة بجميع مراحلها، وكانت تلك الشخصيّات قدوةً لجميع بني الإنسان.

وعلى الرغم من ابتعاد أغلب المسلمين عن المنهج التربوي لأهل البيت في تصوّراتهم وممارساتهم، إلاّ أنّ آثاره بقِيَت حاكمةً على كثيرٍ من المواقف والممارسات، وكان المسلمون وخصوصاً أتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) أقلّ انحرافاً وانحطاطاً مِن غيرهم مِن أصحاب الديانات الإلهيّة المحرّفة أو الوضعيّة، ولا تزال كثير مِن العلاقات الاجتماعيّة قائمة على أُسُس صحيحة تحت تأثير ذلك

٩٥

المنهج، ولو قُدّر للإسلام أنْ يبقى في دوره الريادي دون إقصائه من قِبل المحتلّين والغُزاة لانتهى الانحراف وانحسر في دائرة ضيّقة.

وفي مقابل ذلك نرى أنّ المناهج الوضعيّة في التربية لم تحقّق إلاّ مزيداً مِن الانحراف النفسي والسُلوكي؛ حيثُ القلَق والاضطراب في النفس والانحراف في السُلوك الفردي والاجتماعي، وكان مِن آثاره كثرة الجرائم وكثرة الفساد وبالتالي فقدان الأمن والاطمئنان، وفيما يلي نذكر بعض الإحصائيات في ذلك.

في( نيويورك ) وحدها يوجد أكثر من ٣٠٠ ألف مُدمِن على المخدّرات، وهؤلاء يحتاجون يومياً إلى (٥٠ - ١٠٠) دولار لكلّ شخص لتأمين الهيروئين لأنفسهم، وإنّ إحصاءات الجرائم في نيويورك تدلّ على أنها بلغت ٣٦٨ ألف جريمة خلال العشرة أشهر الأولى مِن عام ١٩٧٢ مِن أمثال القتل، والاغتصاب، والهجوم المسلّح(١) .

وفي عام ١٩٩١ بلغ عدد جرائم القتل إلى ٢٤٠٠٢٠ جريمة، وقد ازداد العدد في عام ١٩٩٢(٢) .

وتشير الإحصائيّات إلى ٩٦٣ حالة اغتصاب في الولايات المتّحدة في أوائل التسعينات، علماً أنّ الإباحيّة الجنسيّة منتشرة والسُلوك الجنسي سهل الإشباع.

وفي مجال جرائم القتل العائليّة أفادت دراسة لوزارة العدل الأمريكيّة في ١٠ تموز ١٩٩٤ أنّ ٨٠% مِن ضحايا القتل قتلوا بأيدي أفراد من عائلاتهم.

____________________

(١) الأفكار والرغَبَات بين الشيوخ والشباب / محمّد تقي فلسفي: ١ / ١٨٦، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط ١، ١٤١٥هـ.

(٢) مجلّة نور الإسلام: ٤٣ / ٩٦.

٩٦

وفي عام ١٩٩٥ أعلنت وزارة الداخليّة البريطانيّة أنْ نسبة الجريمة في انجلترا وويلز ارتفعت للمرّة الأولى في عامين، وكانت أكبر زيادة في جرائم العنف والاعتداء والاغتصاب(١) .

وأظهرت دراسة نشرها مركز مراقبة الأمراض والوقاية منها: إنّ نسبة جرائم قتل الأطفال الأمريكيّين في عام ١٩٩٥ بلغت ٢٥٧ طفلاً بين كلّ مِئة ألف، وبلغت نسبة الانتحار بين الأطفال دون الخامسة عشرة ٥٥ بين كلّ مِئة ألف(٢) .

وأكّدت منظمة الصحّة العالميّة أنّ حوالي مِئة مليون مِن أطفال الشوارع حديثي السنّ يتعاطون الخمر والمخدّرات وأنّ وضعهم يدعو إلى القلَق.

ودلّت الإحصائيّات على أنّ عدداً كبيراً من فتيات تحت سنّ الخامسة عشرة تظهر عليهنّ آثار الحمل كلّ شهر، وبما أنّ الأطبّاء يخشون القيام بإسقاط الجنين لصغر سنّهن فإنّهن يُصبحْن أُمّهات، ويزداد طلب إجراء عمليّة الإجهاض يوماً بعد يوم مِن المستوصفات الأمريكيّة(٣) .

وفي إحصائيّة أُقيمت سنة ١٩٨٥ دلّت على أنّ طفلاً واحداً من بين كلّ ستّة أطفال يُولدون بصورة غير شرعيّة في بريطانيا، وقد ارتفع عدد حالات الاغتصاب بنسبة ٢٧% خلال الستّة شهور مِن سنة ١٩٨٥(٤) .

ودلّت الإحصائيّات الأخيرة على قَبول الناس لفكرة الإنجاب غير الشرعي

____________________

(١) العنف والجريمة / د. جليل وديع مشكور: ص ١٣ و ١٨، الدار العربية للعلوم، بيروت، ١٤١٨هـ.

(٢) صحيفة كيهان، العدد ٣٨٧٦.

(٣) الأفكار والرغبات: ١ / ١٨٠.

(٤) الإسلام دين البشريّة: ص ٦٢.

٩٧

للأطفال، وأكّدت على أنّ ٣٤% مِن الأطفال الذين ولِدوا أحياءً في انگلترا وويلز عام ١٩٩٥ ولدوا سِفاحاً دون زواج(١) .

وأشارت التقارير إلى وجود نصف مليون شابّة يُمارسن الدعارة في مدينة ساوباولو البرازيليّة في عام ١٩٩٦، وأنّ أطفالاً بين سنّ السابعة والثامنة يعيشون مِن ممارسة الدعارة، وأنّ موسكو تُعاني مِن وجود أكثر مِن ألف طفل يُتاجرون ببيع أجسادهم، ودلّت أيضاً على وجود ثماني مِئة ألف من البغايا الأطفال في تايلند، وأربعمِئة ألف في الهند وستّون ألف في الفيليبين، كما ظهرت مراكز دوليّة جديدة لبِغاء الأطفال في فيتنام وكمبوديا ولاوس والصين، وفي تقرير آخر أشار إلى أنّ أكثر من ٥٠% مِن البغايا الأطفال في تايلند مصابات بفيروس الآيدز(٢) .

وفي تمّوز عام ١٩٩٧ تظاهر نحو ٦٠ ألفاً مِن الشواذّ جنسيّاً في شوارع لندن على غرار ما يفعلون سنويّاً للمطالبة بحقوقهم، وجرى لأوّل مرّة في سويسرا حفل زواج لشابّين شاذّين جنسيّاً في كنيسة بروتستانتيّة بمنطقة برن.

وفي شباط ١٩٩٥ دعا البرلمان الأوروبّي في قرار الدول الأعضاء إلى منح الشاذّين جنسيّاً الحقوق والواجبات نفسها التي يتمتّع بها الأزواج العاديّون(٣) .

٢ - شموليّة المنهج التربوي

يمتاز منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) التربوي بالشمول، فهو يراعي الإنسان في جميع

____________________

(١) مجلّة نور الإسلام: ٦٥ / ٩٦.

(٢) الطفولة المنحرفة: ص ١٠٦ و ١٠٨.

(٣) مجلّة نور الإسلام: ٥٩ / ٨٦.

٩٨

مقوّماته، وينظر إليه مِن جميع جوانبه، فهو مخلوق مزدوج الطبيعة روح وعقل وغرائز، وجسد متعدّد الجوارح، وهو موضوع للإنسان ككل فلا انفصال بين حاجات الجسد وحاجات الروح، فهو يدعو إلى إشباع حاجات الإنسان لكي يتقبّل ما يُلقى إليه مِن قواعد وأُسُس تربويّة وتوجيهيّة وإرشاديّة.

والمنهج التربوي لأهل البيت عليهم السلام يواكب حركة الانسان في جميع مراحلها ابتداءً باختيار شريك الحياة المناسب مروراً بمرحلة الاقتران وانعقاد الجنين ومراحل الطفولة الأخرى، ويضع لكل مرحلة تعاليم وتوجيهات منسجمة مع عمر الطفل الزمني والعقلي، ومع حاجاته المادية والروحية، ثم تأتي التكاليف حينما يصل الطفل إلى مرحلة من النضج الجسدي والعقلي؛ لتكون هي الموجهة له في حركته الواقعية في الحياة.

والمنهج لا يقتصر على تعاليم وإرشادات خاصّة في مجال معيّن، بل إنّها شاملة لجميع المجالات، وكلّ ما يسهم في تربية الإنسان بشكلٍ أو بآخر، حيثُ يبدأ المنهج بربط الإنسان وخصوصاً في مرحلة الطفولة بالمفاهيم والتصوّرات الإسلاميّة الأساسيّة، كالإيمان بالله تعالى، وبالثواب والعقاب، وذكر الله عن طريق قراءة القرآن والدعاء والعبادة، وذكر الموت، والرضا بالقضاء.

والمنهج يتدخّل في جميع المؤثّرات التربويّة، فيدعو إلى إصلاح المحيط التربوي المتمثّل بالأسرة والأصدقاء وحلقَات الذكر والمسجد والعُلماء وأجهزة الدولة.

ولا يقتصر المنهج على إلقاء التعاليم والإرشادات، بل يدعو إلى خلق الأجواء السليمة التي تسهم في تطبيق تفاصيل المنهج، وهي تعميق المودّة داخل الأسرة، ومراعاة الحقوق والواجبات، وتجنّب المشاكل والخلافات،

٩٩

وإشباع حاجات الطفل إلى الحبّ والحنان والتكريم وإشعاره بذاته، وإشباع حاجاته إلى الرفاهيّة وإلى اللعب وإلى الحريّة وإلى السلطة الضاغطة الموجّهة.

والمنهج التربوي شامل في استخدام أساليب اللين والشدّة ومراعاة الحقوق والواجبات، وهو شاملٌ لمعرفة الأفكار وتنميتها، وتنمية العواطف، وتنمية الإرادة، وتربية السُلوك، ويتصاعد المنهج التربوي بتكثيف التربية والتمرين على الطاعات المختلفة حسب القدرة ودرجة التلقّي وتفاوت الأعمار.

وحينما تصطدم حاجات الإنسان بالواقع ويحرم من تحقيق بعضها بسبب الظروف النفسيّة أو الاجتماعيّة، يضع المنهج التربوي برنامجاً لمقاومة حالات التصدّع النفسي في شخصيّة الإنسان، ومعالجة الأمراض النفسيّة والروحيّة وهي في مهدها، ومن مصاديق هذا البرنامج الدعوة إلى الصبر؛ لأنّه سلاح المؤمن في مقاومة العقَبَات والهموم والآلام، وبه يتغلّب على جميع أثقال الحياة مِن جوع ومرَض وفقر وحِرمان ومِن اضطهاد وظُلم، والصبر له تأثيرات ايجابيّة على الصحّة النفسيّة، والإنسان الذي يُقابل الحرمان والهموم والآلام بالصبر والثبات سيكون مطمئنّاً مستقرّاً؛ لإيمانه بأنّ الله معه يحرسه ويرعاه ويتلطّف عليه، ويفرّج عنه الضيق والشدّة.

والصابر يكون في أعلى قِمم الصحة النفسيّة حينما يشعر بأنّ الله يعوضه عن صبره بالحب واللطف، فلا شقاء مع حبّ الله له، ولا قيمة لشيء أمامه وهو داخل في دائرة الحبّ الإلهي، ومِن مصاديقه أيضاً التفكير بالجزاء والثواب الخالد، فإنّ لهذا التفكير تأثيراً إيجابيّاً على مَن يعيش الحرمان والمصائب والآلام؛ لأنّ التفكير بالجزاء والعوَض الإلهي عمّا فقده في الدنيا يجعله يعيش الأمل في نَيل ذلك الجزاء، وهذا الأمل يخفّف مِن معاناته، ويجعله موصولاً

١٠٠

في ذمته أو كان له مال تجدد له بعد الحجر ـ ولو بالاستدانة أو قبول الهدية مثلاً ـ أو أذن له الغرماء بدفع الثمن من ماله المحجور عليه.

مسألة 333 : تثبت الشفعة للشريك وإن كان سفيهاً أو صبياً أو مجنوناً فيأخذ لهم الولي بها ، بل إذا أخذ السفيه بها بإذن الولي صح. نعم إذا كان الولي هو الوصي أو الحاكم ليس له ذلك إلا مع رعاية الغبطة والمصلحة بخلاف الأب والجد فإنه تكفي فيهما رعاية عدم المفسدة كما هو الحال في سائر التصرفات.

مسألة 334 : إذا أسقط الولي عن الصبي أو المجنون أو السفيه حق الشفعة ـ مع رعاية ما تقدم ـ لم يكن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد ، وكذا إذا لم يكن الأخذ بها مصلحة فلم يطالب. أما إذا ترك المطالبة بها مساهلة منه في حقهم فالظاهر أن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد.

مسألة 335 : إذا كان المبيع مشتركاً بين الولي والمولى عليه فباع الولي سهم المولىّ عليه جاز له أن يأخذ بالشفعة لنفسه على الأقوى.

مسألة 336 : إذا باع الولي سهم نفسه جاز له أن يأخذ بالشفعة للمولى عليه ، وكذا الحكم في الوكيل إذا كان شريكاً مع الموكل.

١٠١

فصل

في الأخذ بالشفعة

مسألة 337 : الأخذ بالشفعة من الإنشائيات المعتبر فيها الإيقاع ويتحقق ذلك بالقول مثل أن يقول : أخذت المبيع الكذائي بثمنه ، وبالفعل مثل أن يدفع الثمن إلى المشتري ويستقل بالمبيع.

مسألة 338 : لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع وترك بعضه الآخر بل إما أن يأخذ الجميع أو يدع الجميع.

مسألة 339 : الشفيع يتملك المبيع بإعطاء قدر الثمن إلى المشتري لا بأكثر منه ولا بأقل سواء أكانت قيمة المبيع السوقية مساوية للثمن أم زائدة أم ناقصة ، ولا يلزم أن يعطي عين الثمن في فرض التمكن منها بل له أن يعطي مثله إن كان مثلياً.

مسألة 340 : إذا كان الثمن قيمياً ففي ثبوت الشفعة للشريك بأن يأخذ المبيع بقيمة الثمن حين البيع إشكال ، فالأحوط له عدم الأخذ بالشفعة إلا برضى المشتري كما أن الأحوط للمشتري إجابته إذا أخذ بها.

مسألة 341 : إذا غرم المشتري شيئاً من أجرة الدلال أو غيرها أو تبرع بشيء للبائع من خلعة ونحوها لم يلزم الشفيع تداركه.

مسألة 342 : إذا حط البائع شيئاً من الثمن للمشتري بعد البيع لم يكن للشفيع تنقيصه.

مسألة 343 : الأقوى لزوم المبادرة إلى الأخذ بالشفعة فيسقط مع المماطلة والتأخير بلا عذر ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر ـ ولو كان عرفياً ـ كجهله بالبيع أو جهله باستحقاق الشفعة ، أو توهمه كثرة الثمن فبان قليلا ،

١٠٢

أو كون المشتري زيداً فبان عمراً ، أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس ، أو أنه واحد فبان اثنين أو العكس ، أوإن المبيع النصف بمائة فتبين أنه الربع بخمسين ، أو كون الثمن ذهباً فبان فضة ، أو لكونه محبوساً ظلماً أو بحق يعجز عن أدائه ، وكذا أمثال ذلك من الأعذار.

مسألة 344 : المبادرة اللازمة في استحقاق الأخذ بالشفعة يراد منها المبادرة على النحو المتعارف الذي جرت به العادة ، فإذا كان مشغولاً بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها.

مسألة 345 : إذا كان مشغولاً بأكل أو شرب لم يجب قطعه ولا يجب عليه الإسراع في المشي.

مسألة 346 : يجوز له إن كان غائباً انتظار الرفقة إذا كان الطريق مخوفاً ، أو انتظار زوال الحر أو البرد إذا جرت العادة بانتظاره لمثله ، وقضاء وطره من الحمام إذا علم بالبيع وهو في الحمام وأمثال ذلك مما جرت العادة بفعله لمثله ، نعم يشكل مثل عيادة المريض وتشييع المؤمن ونحو ذلك إذا لم يكن تركه موجباً للطعن فيه وكذا الاشتغال بالنوافل ابتداءً ، والأظهر السقوط في كل مورد صدقت فيه المماطلة عرفاً.

مسألة 347 : إذا كان غائباً عن بلد البيع وعلم بوقوعه وكان يتمكن من الأخذ بالشفعة ولو بالتوكيل فلم يبادر إليه سقطت الشفعة.

مسألة 348 : لا ينتقل المبيع إلى الشفيع بمجرد قوله : ( أخذت بالشفعة ) مثلاً ، بل لابد من تعقبه بدفع الثمن إلا أن يرضى المشتري بالتأخير ، فإذا قال ذلك وهرب أو ماطل أو عجز عن دفع الثمن بقي المبيع على ملك المشتري لا أنه ينتقل بالقول إلى ملك الشفيع وبالعجز أو الهرب أو المماطلة يرجع إلى ملك المشتري.

مسألة 349 : إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط بل

١٠٣

جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني وتجزي الإجازة منه في صحته له ، وله الأخذ من المشتري الثاني بثمنه فيصح البيع الأول.

مسألة 350 : إذا زادت العقود على اثنين فإن أخذ بالأول بطل ما بعده ويصح مع إجازته ، وإن أخذ بالأخير صح ما قبله ، وإن أخذ بالمتوسط صح ما قبله وبطل ما بعده ويصح مع إجازته.

مسألة 351 : إذا تصرف المشتري في المبيع بوقف أو هبة غير معوضة أو بجعله صداقاً أو غير ذلك مما لا شفعة فيه كان للشفيع الأخذ بالشفعة بالنسبة إلى البيع فتبطل التصرفات اللاحقة له.

مسألة 352 : الشفعة من الحقوق فتسقط بالإسقاط ، ويجوز أخذ المال بإزاء إسقاطها وبإزاء عدم الأخذ بها ، لكن على الأول لا يسقط إلا بالإسقاط فإذا لم يسقطه وأخذ بالشفعة صح ولم يستحق المال المبذول ، بل الظاهر صحة الأخذ بالشفعة على الثاني أيضاً. ويصح الصلح على سقوطها فيسقط بذلك.

مسألة 353 : الظاهر أنه لا إشكال في أن حق الشفعة لا يقبل الانتقال إلى غير الشفيع.

مسألة 354 : إذا باع الشريك نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها خصوصاً إذا كان بيعه بعد علمه بالشفعة.

مسألة 355 : المشهور اعتبار العلم بالثمن في جواز الأخذ بالشفعة ، فإذا أخذ بها وكان جاهلاً به لم يصح لكن الصحة لا تخلو من وجه.

مسألة 356 : إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت.

مسألة 357 : إذا تلف بعضه دون بعض لم تسقط وجاز له أخذ الباقي بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري.

١٠٤

مسألة 358 : إذا كان التلف بعد الأخذ بالشفعة فإن كان التلف بفعل المشتري ضمنه.

مسألة 359 : إذا كان التلف بغير فعل المشتري ضمنه المشتري أيضاً فيما إذا كان التلف بعد المطالبة ومسامحة المشتري في الإقباض.

مسألة 360 : في انتقال الشفعة إلى الوراث إشكال وعلى تقدير الانتقال ليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون.

مسألة 361 : إذا أسقط الشفيع حقه قبل البيع لم يسقط ، وكذا إذا شهد على البيع أو بارك للمشتري إلا أن تقوم القرينة على إرادة الإسقاط بالمباركة بعد البيع.

مسألة 362 : إذا كانت العين مشتركة بين حاضر وغائب وكانت حصة الغائب بيد ثالث فعرضها للبيع بدعوى الوكالة عن الغائب جاز الشراء منه والتصرف فيه ما لم يعلم كذبه في دعواه ، وهل يجوز للشريك الحاضر الأخذ بالشفعة بعد إطلاعه على البيع؟ إشكال ، وإن كان الجواز أقرب فإذا حضر الغائب وصدق فهو ، وإن أنكر كان القول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر فإذا حلف انتزع الحصة من يد الشفيع وكان له عليه الأجرة إن كانت ذات منفعة مستوفاة أو غيرها على تفصيل تقدم في المسألة (78) ، فإن دفعها إلى المالك رجع بها على مدعي الوكالة.

مسألة 363 : إذا كان الثمن مؤجلاً جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن المؤجل ، والظاهر جواز إلزامه بالكفيل ، ويجوز أيضاً الأخذ بالثمن حالاً إن رضي المشتري به أو كان شرط التأجيل للمشتري على البائع.

مسألة 364 : إذا تقايل المتبايعان قبل أخذ الشريك بالشفعة فالمشهور عدم سقوطها بالإقالة ، بل لو أخذ الشفيع بها كشف ذلك عن بطلان الإقالة فيكون نماء المبيع بعدها للمشتري ونماء الثمن للبائع كما كان الحال قبلها

١٠٥

كذلك ، ولكن لا يبعد سقوطها حينئذ ، وأما لو كان التقايل بعد أخذ الشريك بالشفعة لم يمنع ذلك عن صحة الإقالة فيرجع البائع بعوض المبيع إلى المشتري.

مسألة 365 : إذا كان للبائع خيار رد العين فالظاهر أن الشفعة لا تسقط به لكن البائع إذا فسخ قبل أخذ الشريك بالشفعة يرجع المبيع إليه ولا شفعة وإن فسخ بعده رجع بالمثل أو القيمة ، وهكذا الحكم في سائر الخيارات الثابتة للبائع أو المشتري غير ما يسقط بخروج العين عن ملك المشتري كخيار العيب.

مسألة 366 : إذا كانت العين معيبة فإن علمه المشتري فلا خيار له ولا أرش ، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة فإن كان عالماً به فلا شيء له وإن كان جاهلاً كان له الخيار في الرد وليس له اختيار الأرش ، وأذا كان المشتري جاهلاً كان له الرد فإن لم يمكن ـ ولو لأخذ الشريك بالشفعة قبل ذلك ـ كان له الأرش ، وأما الشفيع الجاهل بالعيب حين أخذه بالشفعة فيتخير بين الرد إلى المشتري وبين مطالبته بالأرش حتى وإن كان قد أسقطه عن البائع على الأقرب.

مسألة 367 : إذا اتفق اطلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع فالظاهر أن له أخذ الأرش وعليه دفعه إلى الشفيع ، وأذا اطلع الشفيع عليه دون المشتري فليس له مطالبة البائع بالأرش بل له إعلام المشتري بالحال ويتخير بين رد العين المعيبة إليه وبين مطالبته بالأرش.

١٠٦

كتاب الإجارة

١٠٧
١٠٨

وهي المعاوضة على المنفعة عملاً كانت أو غيره ، فالأول مثل إجارة الخياط للخياطة ، والثاني مثل إجارة الدار.

وفيه فصول :

فصل في شروطها

مسألة 368 : لابد فيها من الإيجاب والقبول ، فالإيجاب مثل قول الخياط : آجرتك نفسي ، وقول صاحب الدار : آجرتك داري ، والقبول مثل قول المستأجر : قبلت ، ويجوز وقوع الإيجاب من المستأجر ، مثل : استأجرتك لتخيط ثوبي وأستأجرت دارك ، فيقول المؤجر : قبلت ، ويكفي في الأخرس الإشارة المفهمة للإيجار أو الاستئجار.

مسألة 369 : تجري المعاطاة في الإجارة ـ كما تجري في البيع ـ فلو سلّم المؤجر ماله للمستأجر بقصد الإيجار وقبضه المستأجر بقصد الاستئجار صحت الإجارة.

مسألة 370 : يشترط في صحة الإجارة أمور بعضها في المتعاقدين ، وبعضها في العين المستأجرة ، وبعضها في المنفعة المقصودة بالإجارة ، وبعضها في الأجرة.

١٠٩

( شرائط المتعاقدين )

يشترط في المؤجر والمستأجر أن يكون كل منهما بالغاً عاقلا مختارا ، كما يشترط في المؤجر أن يكون مالكا للمنفعة المقصودة بالإيجار وفي المستأجر أن يكون مالكاً للأجرة ، ويشترط فيهما أن لا يكونا محجورين لسفه أو تفليس ، فلا تصح إجارة الصبي والمجنون والمكره ـ إلا أن يكون الإكراه بحق ـ كما لا تصح إجارة الفضولي ، ولا إجارة السفيه أمواله مطلقاً ، ولا إجارة المفلس أمواله التي حجر عليها.

مسألة 371 : إذا أجر السفيه نفسه لعمل فالأظهر بطلان الإجارة ـ ما لم تتعقب بإجازة الولي ـ وأما إذا آجر المفلس نفسه فالأظهر صحتها.

مسألة 372 : إذا لم يكن المؤجر مالكاً للمنفعة ـ ولم يكن ولياً ولا وكيلاً ـ توقفت صحة الإجارة على إجازة المالك ، وأذا كان محجوراً عليه لسفه توقفت صحتها على إجازة الولي ، وإن كان محجوراً عليه لفلس توقفت صحتها على إجازة الغرماء ، وإن كان مكرهاً توقفت صحتها على الرضا لا بداعي الإكراه.

( شرائط العين المستأجرة )

وهي أمور :

1 ـ التعيين ، فلا يصح إجارة المبهم كما لو قال : ( آجرتك إحدى دوري ) نعم يصح إجارة الكلي في المعين كسيارة من عدة سيارات متماثلة.

2 ـ المعلومية ، فإن كانت عيناً معينة فإما بالمشاهدة وأما بذكر الأوصاف التي تختلف بها الرغبات في إجارتها لو كانت غائبة ، وكذا لو كانت كلية.

١١٠

3 ـ التمكن من التسليم ، فلا تصح الإجارة من دونه حتى مع الضميمة على الأحوط ، نعم يكفي تمكن المستأجر من الاستيلاء على العين المستأجرة فتصح إجارة الدابة الشاردة مثلاً إذا كان المستأجر قادراً على أخذها.

4 ـ إمكان الانتفاع بها مع بقاء عينها ، فلا تصح إجارة الخبز ونحوه من المأكولات للأكل.

5 ـ قابليتها للانتفاع المقصود من الإجارة ، فلا تصح إجارة الأرض للزراعة إذا لم يكن المطر وافياً ولم يمكن سقيها من النهر أو غيره.

( شرائط المنفعة المقصودة بالإجارة )

وهي أمور :

1 ـ أن تكون محللة ، فلو انحصرت منافع المال في الحرام أو اشترط الانتفاع بخصوص المحرم منها ، أو أوقع العقد مبنياً على ذلك بطلت الإجارة ، كما لو آجر الدكان بشرط أن يباع أو يحفظ فيه الخمر ، أو آجر الحيوان بشرط أن يحمل الخمر عليه.

2 ـ أن تكون لها مالية يبذل المال بإزائها عند العقلاء على الأحوط.

3 ـ تعيين نوع المنفعة إذا كانت للعين منافع متعددة ، فلو أجر حيواناً قابلاً للركوب ولحمل الأثقال وجب تعيين حق المستأجر من الركوب أو الحمل أو كليهما.

4 ـ معلومية المنفعة ، وهي أما بتعيين المدة مثل سكنى الدار سنة أو شهراً ، وأما بتعيين المسافة مثل ركوب السيارة فرسخاً أو فرسخين ، وأما بتعيين العمل كخياطة الثوب المعين على كيفية معينة أو سياقة السيارة إلى مكة أو غيرها من البلاد المعروفة من طريق معين.

١١١

ولابد في الأولين من تعيين الزمان ، فإذا استأجر الدار للسكنى سنة ، والسيارة للركوب فرسخا من دون تعيين الزمان ، بطلت الإجارة ، إلا أن تكون قرينة على التعيين كالإطلاق الذي هو قرينة على التعجيل.

مسألة 373 : لا يعتبر تعيين الزمان في الإجارة على الخياطة ونحوها من الأعمال ، فيجب الإتيان به متى طالب المستأجر ، هذا إذا لم تختلف الأغراض باختلاف الأزمنة التي يقع فيها العمل ، والا فلابد من تعيين الزمان فيه أيضاً.

( شرائط الأجرة )

يعتبر في الأجرة معلوميتها ، فإذا كانت من المكيل أو الموزون أو المعدود لابد من معرفتها بالكيل أو الوزن أو العد ، وما يعرف منها بالمشاهدة لابد من مشاهدته أو وصفه على نحو ترتفع الجهالة.

ويجوز أن تكون الأجرة عيناً خارجية أو كلياً في الذمة ، أو عملاً أو منفعة أو حقاً قابلاً للنقل والانتقال كحق التحجير.

مسألة 374 : إذا استأجر سيارة للحمل فلابد من تعيين الحمل ، وأذا استأجر دراجة للركوب فلابد من تعيين الراكب ، وأذا استأجر ماكنة لحرث جريب من الأرض فلابد من تعيين الأرض. نعم إذا كان اختلاف الراكب أو الحمل أو الأرض لا يوجب اختلافاً في الأغراض النوعية لم يجب التعيين.

مسألة 375 : إذا قال آجرتك الدار شهراً أو شهرين أو قال آجرتك كل شهر بدرهم مهما أقمت فيها بطلت الإجارة ، وأذا قال : آجرتك شهراً بدرهم فإن زدت فبحسابه صح في الشهر الأول وبطل في غيره ، هذا إذا كان بعنوان الإجارة ، أما إذا كان بعنوان الجعالة بأن يجعل المنفعة لمن يعطيه درهماً أو كان من قبيل الإباحة بالعوض بأن يبيح المنفعة لمن يعطيه درهما فلا

١١٢

بأس.

مسألة 376 : إذا قال : إن خطت هذا الثوب بدرز فلك درهم وإن خطته بدرزين فلك درهمان ، فإن قصد الجعالة كما هو الظاهر صح وإن قصد الإجارة بطل ، وكذا إن قال : إن خطته هذا اليوم فلك درهم وإن خطته غداً فلك نصف درهم. والفرق بين الإجارة والجعالة أن في الإجارة تشتغل ذمة العامل بالعمل للمستأجر حين العقد وكذا تشتغل ذمة المستأجر بالعوض ولأجل ذلك صارت عقداً وليس ذلك في الجعالة فإن اشتغال ذمة المالك بالعوض يكون بعد عمل العامل من دون اشتغال لذمة العامل بالعمل أبداً ، ولأجل ذلك صارت إيقاعا.

مسألة 377 : إذا استأجره على عمل مقيد بقيد خاص من زمان أو مكان أو آلة أو وصف فجاء به على خلاف القيد لم يستحق شيئاً على عمله ، فإن لم يمكن العمل ثانياً تخير المستأجر بين فسخ الإجارة وبين مطالبة الأجير بأجرة المثل للعمل المستأجر عليه فإن طالبه بها لزمه إعطاؤه أجرة المثل ، وإن أمكن العمل ثانياً وجب الإتيان به على النهج الذي وقعت عليه الإجارة.

مسألة 378 : إذا استأجره على عمل بشرط ، بأن كان إنشاء الشرط في ضمن عقد الإجارة أو وقع العقد مبنياً عليه فلم يتحقق الشرط ، كما إذا استأجره ليوصله إلى مكان معين وشرط عليه أن يوصله في وقت محدد فأوصله ولكن في غير ذلك الوقت أو استأجره على خياطة ثوبه وأشترط عليه قراءة سورة من القرآن فخاط الثوب ولم يقرأ السورة ـ كان له فسخ الإجارة وعليه حينئذ أجرة المثل وله إمضاؤها ودفع الأجرة المسماة ، والفرق بين القيد والشرط أن متعلق الإجارة في موارد التقييد حصة خاصة مغايرة لسائر الحصص وأما في موارد الاشتراط فمتعلق الإجارة هو طبيعي العمل ولكن العقد معلق على التزام الطرف بتحقق أمر كالإيصال في الوقت المحدد أو القراءة في المثالين ، ولازم

١١٣

ذلك أن يكون التزامه بالعقد مشروطاً بنفس تحقق الملتزم به ، ومعنى ذلك جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم تحققه.

مسألة 379 : إذا استأجر سيارة إلى «كربلاء» مثلاً بدرهم وأشترط له على نفسه أنه إن أوصله المؤجر نهاراً أعطاه درهمين صح.

مسألة 380 : لو استأجر سيارة مثلاً إلى مسافة بدرهمين وأشترط على المؤجر أن يعطيه درهماً واحداً إن لم يوصله نهاراً صح ذلك.

مسألة 381 : إذا استأجر سيارة على أن يوصله المؤجر نهاراً بدرهمين أو ليلاً بدرهم بحيث تكون الإجارة على أحد الأمرين مردداً بينهما فالإجارة باطلة.

مسألة 382 : إذا استأجره على أن يوصله إلى «كربلاء» وكان من نيته زيارة ليلة النصف من شعبان ولكن لم يذكر ذلك في العقد ولم تكن قرينة على التعيين استحق الأجرة وإن لم يوصله ليلة النصف من شعبان.

١١٤

فصل

في مسائل تتعلق بلزوم الإجارة

مسألة 383 : الإجارة من العقود اللازمة لا تنفسخ إلا بالتراضي بين الطرفين أو يكون للفاسخ الخيار ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الإجارة منشأة باللفظ أو بالمعاطاة.

مسألة 384 : إذا باع المالك العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة لم تنفسخ الإجارة بل تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة وإذا كان المشتري جاهلاً بالإجارة أو معتقداً قلة المدة فتبين زيادتها كان له فسخ البيع وليس له المطالبة بالأرش ، وإذا فسخت الإجارة رجعت المنفعة إلى البائع.

مسألة 385 : لا فرق فيما ذكرناه من عدم انفساخ الإجارة بالبيع بين أن يكون البيع على المستأجر وغيره ، فلو استأجر داراً ثم اشتراها بقيت الإجارة على حالها ويكون ملكه للمنفعة في بقية المدة بسبب الإجارة لا من جهة تبعية العين فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقية المدة إلى البائع ، ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله.

مسألة 386 : إذا باع المالك العين على شخص وأجرها وكيله مدة معينة على شخص آخر واقترن البيع والإجارة زماناً صحا جميعاً فيكون المبيع للمشتري مسلوب المنفعة مدة الإجارة ويثبت الخيار له حينئذ.

مسألة 387 : لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر حتى فيما إذا استأجر داراً على أن يسكنها بنفسه فمات ، فإنه لا تبطل الإجارة بموته

١١٥

ولكن يثبت للمؤجر مع التخلف خيار الفسخ ، نعم إذا اعتبر سكناه على وجه القيدية تبطل بموته.

مسألة 388 : إذا أجر نفسه للعمل بنفسه فمات قبل إنجازه بطلت الإجارة ، نعم إذا تعمد ترك الإتيان به قبل موته لم تبطل الإجارة بل يتخير المستأجر بين الفسخ وبين المطالبة بأجرة مثل العمل.

مسألة 389 : إذا لم يكن المؤجر مالكا للعين المستأجرة بل مالكا لمنفعتها ما دام حياً ـ بوصية مثلاً ـ فمات أثناء مدة الأجارة بطلت حينئذ بالنسبة إلى المدة الباقية ، نعم لما كانت المنفعة في بقية المدة لورثة الموصي فلهم أن يجيزوها بالنسبة إلى تلك المدة فتقع لهم الإجارة وتكون لهم الأجرة.

مسألة 390 : إذا أجر البطن السابق من الموقوف عليهم العين الموقوفة فانقرضوا قبل انتهاء مدة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقية المدة إذا لم تجزها الطبقة المتأخرة ، وفي صورة أخذ الطبقة الأولى للأجرة كلها يكون للمستأجر استرجاع مقدار إجارة المدة الباقية منها من أموال الطبقة الأولى ، وأما إذا أجرها المتولي ـ سواء أكان هو البطن السابق أم غيره ـ ملاحظاً بذلك مصلحة الوقف لم تبطل بموته ، وكذا إذا أجرها لمصلحة البطون اللاحقة إذا كانت له ولاية على ذلك فأنها تصح ويكون للبطون اللاحقة حصتهم من الأجرة.

مسألة 391 : إذا أجر نفسه للعمل أما بالإتيان به مباشرة أو تسبيباً فمات قبل ذلك بطلت الإجارة على تفصيل تقدم في المسألة (388) ، وأما إذا تقبل العمل الكلي في ذمته من دون التقييد بذلك فمات قبل تحقيقه لم تبطل المعاملة بل يجب أداء العمل من تركته كسائر الديون.

مسألة 392 : إذا أجر الولي مال الطفل مدة ، وبلغ الطفل أثناءها كانت صحة الإجارة بالنسبة إلى ما بعد بلوغه موقوفة على إجازته حتى فيما إذا كان

١١٦