أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت11%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 331845 / تحميل: 11815
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أخلاق أهل البيت

تأليف: السيّد مهدي الصدر

القسم الأوّل - الأخلاق العامّة

١

٢

( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) .

( القرآن الكريم )

( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ ) .

( القرآن الكريم )

٣

( إنّي تركت فيكم ما إنْ تمسّكتم به لنْ تضلّوا بعدي: كتابَ اللّه حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعترتي أهلَ بيتي، ولنْ يفترقا حتّى يَرِدا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ).

( الرسول الأعظم )

( أفاضلكم أحسنُكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألَفُون ويُؤلَفون وتُوطأ رِحالهُم ).

( الرسول الأعظم )

٤

مُقدمَة الكِتَابَ

٥

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين. وبعد:

فإنّ عِلم الأخلاق هو: العِلم الباحث في مَحاسن الأخلاق ومساوِئها، والحثّ على التحلّي بالأُولى والتخلّي عن الثانية.

ويحتلّ هذا العِلم مكانةً مرموقةً، ومحلاًّ رفيعاً بين العلوم، لشرَفِ موضوعه، وسموِّ غايته. فهو نظامها، وواسطة عقدها، ورمز فضائلها، ومظهر جمالها، إذ العلوم بأسرها منوطة بالخُلق الكريم، تزدان بجماله، وتحلو بآدابه، فإنْ خلت منه غدَت هزيلةُ شَوهاء، تثير السخط والتقزّز.

ولا بدع فالأخلاق الفاضلة هي التي تحقّق في الإنسان معاني الإنسانية الرفيعة، وتحيطه بهالة وضّاءة من الجمال والكمال، وشرف النفس والضمير، وسمو العزة والكرامة، كما تمسخه الأخلاق الذميمة، وتحطّه إلى سويّ الهمج والوحوش.

وليس أثر الأخلاق مقصوراً على الأفراد فحسب، بل يسري الى الأُمم والشعوب، حيثُ تعكس الأخلاق حياتها وخصائصها ومبلغ رقيها، أو تخلّفها في مضمار الأُمم.

وقد زخر التاريخ بأحداث وعبر دلّت على أنّ فساد الأخلاق وتفسّخها كان مِعوَلاً هدّاماً في تقويض صروح الحضارات، وانهيار كثير من الدوَل والممالك:

٦

وإذا أُصيب القوم في أخلاقهم

فأقم عليهم مأتماً وعويلا

وناهيك في عظمة الأخلاق، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أولاها عنايةً كُبرى، وجعلَها الهدف والغاية مِن بعثته ورسالته، فقال:

( بُعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق ).

وهذا هو ما يَهدف إليه عِلم الأخلاق، بما يرسمه من نُظُمٍ وآداب، تُهذِّب ضمائر الناس وتقوّم أخلاقهم، وتوجّههم إلى السيرة الحميدة، والسلوك الأمثل.

وتختلف مناهج الأبحاث الخُلقيّة وأساليبها باختلاف المعنيّين بدراستها مِن القدامى والمحدّثين: بين متزمّتٍ غالٍ في فلسفته الخُلقيّة، يجعلها جافّةً مُرهقةً عسرة التطبيق والتنفيذ. وبين متحكّم فيها بأهوائه، يرسمها كما اقتضت تقاليده الخاصّة، ومحيطه المحدود، ونزعاته وطباعه، ممّا يُجرّدها من صفة الأصالة والكمال. وهذا ما يجعل تلك المناهج مختلفة متباينة، لا تصلح أنْ تكون دستوراً أخلاقيّاً خالداً للبشريّة.

والملحوظ للباحث المقارن بين تلك المناهج، أنّ أفضلها وأكملها هو: النهج الإسلامي المستمدّ من القرآن الكريم، وأخلاق أهل البيتعليهم‌السلام ، الذي ازدان بالقصد والاعتدال، وأصالة المبدأ، وسموّ الغاية، وحكمة التوجيه، وحُسن الملائمة لمختلف العصور والأفكار.

وهو النهج الفريد الأمثل الذي يستطيع بفضل خصائصه وميّزاته أنْ يسمو بالناس فرداً ومجتمعاً، نحو التكامل الخُلقي، والمُثل الأخلاقيّة العُليا، بأُسلوبٍ شيّق محبّب، يستهوي العقول والقلوب، ويحقّق لهم ذلك بأقرب

٧

وقتٍ، وأيسر طريق.

هو منهج يمثّل سموّ آداب الوحي الإلهي، وبلاغة أهل البيتعليهم‌السلام ، وحكمتهم، وهُم يسيرون على ضوئه، ويستلهمون مفاهيمه، ويستقون من معينه، ليُحيلوها إلى الناس حكمةً بالغة، وأدَباً رفيعاً، ودروساً أخلاقيّة فذّة، تشعّ بنورها وطهورها على النفس، فتزكّيها وتنيرها بمفاهيمها الخيّرة وتوجيهها الهادف البنّاء.

مِن أجل ذلك تعشّقت هذا النهج، وصبَوت إليه، وآثرت تخطيط هذه الرسالة ورسم أبحاثها على ضوئه وهُداه.

ولئن اهتدى به أُناسٌ وقَصُر عنه آخرون، فليس ذلك بقادحٍ في حكمته وسموّ تعاليمه، وإنّما هو لاختلاف طِباع الناس، ونَزَعاتهم في تقبّل مفاهيم التوجيه والتأديب وانتفاعهم بها، كاختلاف المرضى في انتفاعهم بالأدوية الشافية، والعقاقير الناجعة: فمنهم المنتفع بها، ومنهم مَن لا تجديه نفعاً.

وممّا يحزُّ في النفس، ويبعث على الأسى والأسَف البالِغَين، أنّ المسلمين بعد أنْ كانوا قادةَ الأُمم، وروّادها إلى الفضائل، ومكارم الأخلاق، قد خسروا مثاليّتهم لانحرافهم عن آداب الإسلام، وأخلاقه الفذّة، ما جعلهم في حالةٍ مُزريةٍ مِن التخلّف والتسيّب الخُلقيَّين. لذلك كان لزاماً علهيم - إذا ما ابتغوا العزّة والكرامة وطيب السُمعة - أنْ يستعيدوا ما أغفلوه مِن تُراثهم الأخلاقي الضخم، وينتفعوا برصيده المذخور، ليكسبوا ثقة الناس وإعجابهم من جديد، وليكونوا كما أراد اللّه تعالى لهم:(..خَيْرَ أُمَّةٍ

٨

أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ...).

وتلك أمنيةٌ غالية، لا تُنال إلاّ بتضافر جهود المُخلصين من أعلام الأُمّة الإسلاميّة وموجّهيها، على توعية المسلمين، وحثّهم على التمسّك بالأخلاق الإسلاميّة، ونشر مفاهيمها البنّاءة والاهتمام بعرضها عرضاً شيّقاً جذّاباً، يُغري الناس بدراستها والإفادة منها.

وهذا ما حداني إلى تأليف هذا الكتاب، وتخطيطه على ضوء الخصائص التالية:

(١) إنّ هذا الكتاب لم يستوعب علم الأخلاق، وإنّما ضَمَّ أهمَّ أبحاثه، وأبلغها أثراً في حياة الناس. وقد جهدت ما استطعت في تجنّب المصطلحات العلميّة وألفاظها الغامضة، وعرضتها بأُسلوبٍ واضح مركّز، يُمتّع القارئ، ولا يُرهقه بالغموض والإطناب، الباعثَين على الملل والسأم.

(٢) اختيار الأحاديث والأخبار الواردة فيه مِن الكتب المعتبرة والمصادر الوثيقة لدى المحدّثين والرواة.

(٣) الاهتمام بذكر محاسن الخُلق الكريم، ومساوئ الخُلق الذميم، وبيان آثارهما الروحيّة والمادّية في حياة الفرد أو المجتمع.

والجدير بالذكر: أنّ المقياس الخُلقي في تقييم الفضائل الخُلقيّة، وتحديد واقعها هو: التوسّط والاعتدال، المبرّأ من الإفراط والتفريط.

فالخُلق الرضيّ هو: ما كان وسطاً بين المغالاة والإهمال، كنقطة الدائرة مِن محيطها، فإذا انحرف عن الوسط إلى طرف الإفراط أو التفريط غدا خلقاً ذميماً.

٩

فالعفّة فضيلةٌ بين رذيلتَي الشرِّ والجمود: فإنْ أفرط الإنسان بها كان جامداً خاملاً، معرضاً عن ضرورات الحياة ولذائذها المشروعة، وإنْ فرّط فيها وقصّر، كان شرّهاً جشعاً، منهمكاً على اللذائذ والشهوات.

والشجاعة فضيلةٌ بين رذيلتَي التهوّر والجُبن: فإنْ أفرط الشجاع فيها كان متهوّراً مجازفاً فيما يُحسن الأحجام عنه، وإنْ فرَّط وقصّر كان جباناً هيّاباً مُحجماً عمّا يحسن الإقدام عليه.

والسخاء فضيلةٌ بين رذيلتَي التبذير والبُخل: فإنْ أفرط فيها كان مُسرفاً مبذّراً سخيّاً على مَن لا يستحقّ البذل والسخاء، وإنْ فرّط فيها وقصّر كان شحيحاً بخيلاً فيما يجدر الجُود والسخاءُ فيه... وهكذا دواليك.

مِن أجل ذلك كان كسب الفضائل، والتحلّي بها، والثبات عليها، من الأهداف السامية التي يتبارى فيها، ويتنافس عليها، ذوو النفوس الكبيرة، والهمم العالية، ولا ينالها إلاّ ذو حظٍّ عظيم.

ولم أرَ أمثال الرجال تفاوتاً * لدى المجد حتّى عُد ألفٌ بواحدِ

وإنّي لأرجو اللّه عزّ وجل أنْ يتقبّل منّي هذا المجهود المتواضع ويُثيبني عليه، بلطفه الواسع، وكرمه الجزيل، وأنْ يوفّقني وإخواني المؤمنين للانتفاع به، والسير على ضوئه، إنّه وليّ الهداية والتوفيق.

الكاظميّة مهدي السيّد عليّ اللصدر

١٠

حُسن الخُلق

حسن الخلق هو: حالةٌ تبعث على حُسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، وطيب القول، ولطف المداراة، كما عرّفه الإمام الصادقعليه‌السلام حينما سُئل عن حدّه فقال: ( تُليّن جناحَك، وتُطيّب كلامك، وتَلقَى أخاك ببشرٍ حسن )(١) .

من الأماني والآمال التي يطمح إليها كل عاقل حصيف، ويسعى جاهداً في كسبها وتحقيقها، أنْ يكون ذا شخصيّة جذّابة، ومكانةٍ مرموقة، محبّباً لدى الناس، عزيزاً عليهم.

وإنّها لأمنيةٌ غالية، وهدف سامي، لا يناله إلاّ ذوو الفضائل والخصائص التي تؤهّلهم كفاءاتهم لبلوغها، ونيل أهدافها، كالعلم والأريَحيّة والشجاعة ونحوها من الخصال الكريمة.

بيد أنّ جميع تلك القيم والفضائل، لا تكون مدعاة للإعجاب والإكبار، وسموّ المنزلة، ورِفعة الشأن، إلاّ إذا اقترنت بحُسن الخُلق، وازدانت بجماله الزاهر، ونوره الوضّاء. فإذا ما تجرّدت منه فقدت قيمها الأصيلة، وغدَت صوراً شوهاء تثير السأم والتذمّر.

_____________________

(١) الكافي للكليني.

١١

لذلك كان حسن الخُلق ملاك الفضائل ونظام عقدها، ومحوَر فلكِها، وأكثرها إعداداً وتأهيلاً لكسب المحامد والأمجاد، ونيل المحبّة والإعزاز.

أنظر كيف يمجّد أهل البيتعليهم‌السلام هذا الخُلق الكريم، ويُطرون المتحلّين به إطراءاً رائعاً، ويحثّون على التمسّك به بمختلَف الأساليب التوجيهيّة المشوقة، كما تصوّره النصوص التالية:

قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أفاضلُكم أحسنُكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألَفَون ويُؤلَفون وتُوطأ رحالهم )(١).

وقال الباقرعليه‌السلام : ( إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنُهم خُلقاً )(٢).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( ما يقدم المؤمن على اللّه تعالى بعملٍ بعد الفرائض، أحبّ إلى اللّه تعالى مِن أنْ يسعَ الناس بخُلُقه )(٣).

وقالعليه‌السلام : ( إنّ اللّه تعالى ليُعطي العبد مِن الثواب على حُسن الخُلق، كما يُعطي المجاهد في سبيل اللّه، يغدو عليه و يروح )(٤) .

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ صاحب الخُلُق الحسن له مثل أجرِ الصائم القائم )(٥).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ الخُلق الحسن يُميت الخطيئة، كما تُميت الشمس الجليد )(٦).

وقالعليه‌السلام : ( البِرُّ وحُسن الخُلق يُعمّران الديار، ويزيدان

_____________________

(١) الكافي. والأكناف جمع كنف، وهو: الناحية والجانب، ويُقال ( رجل موطأ الأكناف ) أي كريمٌ مضياف.

(٢)، (٣)، (٤)، (٥)، (٦) عن الكافي.

١٢

في الأعمار )(١).

وقالعليه‌السلام : ( إنْ شئت أنْ تُكرمَ فَلِن، وإنْ شِئت أنْ تُهان فاخشن )(٢).

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّكم لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم )(٣).

وكفى بحُسن الخُلق شرَفاً وفضلاً، أنّ اللّه عزّ وجل لم يَبعث رُسله وأنبياءه إلى الناس إلاّ بعد أنْ حلاّهم بهذه السجيّة الكريمة، وزانهم بها، فهي رمزُ فضائلهم، وعنوان شخصيّاتهم.

ولقد كان سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله المثل الأعلى في حُسن الخُلق، وغيره مِن كرائم الفضائل والخِلال. واستطاع بأخلاقه المثاليّة أنْ يملك القلوب والعقول، واستحقّ بذلك ثناء اللّه تعالى عليه بقوله عزّ من قائل:( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .

قال أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام وهو يُصوّر أخلاق رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( كان أجوَد الناس كفّاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجةً، وأوفاهم ذمّةً، وأليَنهم عريكةً، وأكرمهم عِشرةً. مَن رآه بديهة هابه. ومَن خالطهُ فعرفه أحبّه، لم أرَ مثله قبله ولا بعده )(٤).

_____________________

(١) عن الكافي.

(٢) تُحف العقول.

(٣) من لا يحضره الفقيه.

(٤) سفينة البحار - مادّة خُلق -.

١٣

وحسبنا أنْ نذكر ما أصابه مِن قريش، فقد تألّبت عليه، وجرّعته ألوان الغُصَص، حتّى اضطرته الى مغادرة أهله وبلاده، فلمّا نصره اللّه عليهم، وأظفره بهم، لم يشكّوا أنّه سيثأر منهم، وينكّل بهم، فما زاد أنْ قال لهم: ( ما تقولون إنّي فاعل بكم ؟ !) قالوا: خيراً، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم. فقال: ( أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء ).

وجاء عن أنَس قال: كنت مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليه بُردٌ غليظ الحاشية، فجذَبه أعرابي بردائه جذبةً شديدة، حتّى أثّرت حاشية البُرد في صفحة عاتقه، ثُم قال: يا محمّد، احمل لي على بعيرَيّ هذَين مِن مال اللّه الذي عندك، فإنّك لا تحمل لي مِن مالك، ولا مال أبيك. فسكَت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثُمّ قال: ( المال مال اللّه، وأنا عبده ).

ثُمّ قال: ( ويُقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي ؟!) قال: لا. قال: ( لِمَ ؟ )، قال: لأنّك لا تكافئ بالسيّئة السيّئة. فضحك النبيّ، ثُمّ أمَر أنْ يحمل له على بعير شعيراً، وعلى الآخر تمراً(١) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: ( إنّ يهوديّاً كان له على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله دنانير، فتقاضاه، فقال له: يا يهودي، ما عندي ما أعطيك. فقال: فإنّي لا أفارقك يا محمّد، حتى تقضيني. فقال: إذن أجلس معك، فجلس معه حتّى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول اللّه يتهدَّدونه

_____________________

(١) سفينة البحار - مادّة خلق -.

١٤

ويتوعّدونه، فنظر رسول اللّه إليهم فقال: ما الذي تصنعون به ؟! فقالوا: يا رسول اللّه يهودي يحبسك ! فقال: لم يبعثني ربِّي عزَّ وجل بأنْ أظلم معاهداً ولا غيره. فلمّا علا النهار قال اليهودي: أشهد أنْ لا إله إلا اللّه، وأشهد أنْ محمّداً عبدُه ورسوله، وشطر مالي في سبيل اللّه، أما واللّه ما فعلت بك الذي فعلت، إلاّ لأنظر إلى نعتك في التوراة، فانّي قرأت نعتك في التوراة: محمّد بن عبد اللّه، مولده بمكّة، ومهاجره بطيبة، وليس بفظٍّ ولا غليظ، ولا صخّاب، ولا متزيّن بالفحش، ولا قول الخنا، وأنا أشهد أنّ لا إله إلاّ اللّه، وأنّك رسول اللّه، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل اللّه، وكان اليهودي كثير المال )(١).

وهكذا كان الأئمّة المعصومون مِن أهل البيتعليهم‌السلام في مكارم أخلاقهم، وسموّ آدابهم. وقد حمل الرواة إلينا صوراً رائعة ودروساً خالدة مِن سيرتهم المثاليّة، وأخلاقهم الفذّة:

مِن ذلك ما ورد عن أبي محمّد العسكريعليه‌السلام قال: ( وردّ على أمير المؤمنينعليه‌السلام أخوان له مؤمنان، أبٌ وابن، فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه، وجلس بين يديهما، ثُمّ أمَر بطعامٍ فأحضر فأكلا منه، ثُمّ جاء قنبر بطست وإبريق خشَب ومنديل، فأخذ أمير المؤمنينعليه‌السلام الإبريق فغسَل يد الرجل بعد أنْ كان الرجل يمتنع من ذلك، وتمرّغ في التراب، وأقسمه أمير المؤمنينعليه‌السلام أنْ يغسل مطمئنّاً، كما كان يغسل لو كان الصابّ عليه قنبر ففعل، ثمُّ ناول الإبريق محمّد بن

_____________________

(١) البحار م ٦ في مكارم أخلاق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٥

الحنفيّة وقال: يا بني، لو كان هذا الابن حضَرني دون أبيه لصبَبت على يده، ولكن اللّه عزّ وجل يأبى أنْ يُسوّي بين ابن وأبيه، إذا جمعهما مكان، ولكن قد صبّ الأب على الأب، فليصب الابن على الابن، فصبّ محمّد بن الحنفيّة على الابن ).

ثُمّ قال العسكريعليه‌السلام : ( فمن اتّبع عليّاً على ذلك فهو الشيعي حقّاً )(١).

وورد أنّ الحسن والحسين مرّا على شيخ يتوضّأ ولا يُحسن، فأخذا في التنازع، يقول كلٌّ واحدٍ منهما أنت لا تُحسن الوضوء، فقالا: ( أيّها الشيخ كن حَكَماً بيننا، يتوضأ كلٌّ واحدٍ منّا، فتوضّئا ثُمّ قالا: أيّنا يُحسن ؟) قال: كلاكما تُحسنان الوضوء، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يُحسن، وقد تعلّم الآن منكما، وتاب على يدَيكما ببركتكما وشفقتكما على أُمّة جدّكما(٢).

وجنى غلام للحسينعليه‌السلام جنايةً توجِب العقاب عليه، فأمر به أنْ يُضرب، فقال: يا مولاي،( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ). قال: ( خلّوا عنه ). فقال: يا مولاي،( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ). قال: ( قد عفوت عنك ). قال: يا مولاي،( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) . قال: ( أنت حرّ لوجه اللّه، ولك ضعف ما كنت أعطيك )(٣).

_____________________

(١) سفينة البحار - مادّة وضع -.

(٢) البحار م ١٠ عن عيون المحاسن ص ٨٩.

(٣) البحار م ١٠ ص ١٤٥ عن كشف الغمّة.

١٦

وحدّث الصولي: أنّه جرى بين الحسين وبين محمّد بن الحنفيّة كلام، فكتب ابن الحنفيّة إلى الحسين:

( أمّا بعد يا أخي، فإنّ أبي وأباك عليّ لا تفضلني فيه ولا أفضلك، وأمّك فاطمة بنت رسول اللّه، لو كان ملء الأرض ذهباً ملك أُمّي ما وفت بأُمّك، فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتّى تترضاني، فإنّك أحقّ بالفضل منّي، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته )، ففعل الحسين فلم يجرِ بعد ذلك بينهما شيء(١).

وعن محمّد بن جعفر وغيره قالوا: وقف على عليّ بن الحسينعليه‌السلام رجلٌ من أهل بيته فأسمعه وشتمه، فلم يكلّمه، فلمّا انصرف قال لجلسائه: ( لقد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحبّ أنْ تبلغوا معي إليه حتّى تسمعوا منّي ردّي عليه ).

فقالوا له: نفعل، ولقد كنّا نحبّ أنْ يقول له ويقول. فأخذ نعليه ومشى وهو يقول:( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )، فعلمنا أنّه لا يقول له شيئاً.

قال: فخرج حتّى أتى منزل الرجل، فصرخ به، فقال: قولوا له هذا عليّ بن الحسين. قال: فخرج متوثّباً للشر، وهو لا يشكّ أنّه إنّما جاء مكافئاً له على بعض ما كان منه.

فقال له عليّ بن الحسين: ( يا أخي، إنّك وقفت عليّ آنفاً وقلت وقلت، فإنْ كنت قلت ما فيّ فأستغفر اللّه منه، وإنْ كنت قلت ما ليس فيّ فغَفَر اللّه لك ). قال: فقبّل الرجل بين عينيه، وقال: بل قلت فيك

_____________________

(١) البحار م ١٠ ص ١٤٤ عن مناقب ابن شهر آشوب.

١٧

ما ليس فيك وأنا أحقّ به(١).

وليس شيء أدلّ على شرَف حُسن الخُلق، وعظيم أثره في سموّ الإنسان وإسعاده، من الحديث التالي:

عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام قال: ثلاثة نفر آلوا باللات والعزّى ليقتلوا محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فذهَب أمير المؤمنين وحده إليهم وقتل واحداً منهم وجاء بآخرَين، فقال النبيّ: ( قدّم إليّ أحد الرجُلَين، فقدّمه فقال: قل لا إله إلاّ اللّه، واشهَد أنّي رسول اللّه. فقال: لَنَقْل جبل أبي قُبَيس أحبّ إليّ مِن أنْ أقول هذه الكلمة،. قال: يا عليّ، أخره واضرب عنقه. ثُمّ قال: قدِّم الآخر، فقال: قل لا إله إلاّ اللّه، واشهد أنّي رسول اللّه. قال: ألحقني بصاحبي.

قال: يا عليّ، أخره واضرب عنقه. فأخره وقام أمير المؤمنين ليضرب عُنقه فنزل جبرئيل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا محمّد، إنّ ربَّك يُقرئك السلام، ويقول لا تقتله فإنّه حَسن الخُلق سخيٌّ في قومه. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ، أمسك فإنّ هذا رسول ربِّي يُخبرني أنّه حَسن الخُلق سخيّ في قومه. فقال المُشرك تحت السيف: هذا رسول ربِّك يُخبرك ؟ قال: نعم. قال: واللّه ما ملكت درهماً مع أخٍ لي قط، ولا قطبت وجهي في الحرب، فأنا أشهد أنْ لا اله إلا اللّه، وأنّك رسول اللّه. فقال رسول اللّه: هذا ممّن جرّه حُسن خُلقه وسخائه إلى جنّات النعيم )(٢).

_____________________

(١) البحار م ١١ ص ١٧ عن إعلام الورى وإرشاد المفيد.

(٢) البحار م ١٥ ج ٢ ص ٢١٠ في حسن الخلق.

١٨

سُوء الخلق:

وهو: انحراف نفساني، يسبّب انقباض الإنسان وغلظته وشراسته، ونقيض حُسن الخلق.

من الثابت أنّ لسوء الخُلق آثاراً سيّئة، ونتائج خطيرة، في تشويه المتّصف به وحطّ كرامته، ما يجعله عُرضةً للمقت والازدراء، وهدفاً للنقد والذم.

وربّما تفاقَمت أعراضه ومضاعفاته، فيكون حينذاك سبباً لمختلف المآسي والأزمات الجسميّة والنفسيّة الماديّة والروحيّة.

وحسبُك في خِسّة هذا الخُلق وسُوء آثاره، أنّ اللّه تعالى خاطب سيّد رُسله، وخاتم أنبيائه، وهو المثل الأعلى في جميع الفضائل والمكرمات قائلاً:( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ).

مِن أجل ذلك فقد تساند العقل والنقل على ذمّه والتحذير منه، وإليك طَرفاً من ذلك:

قال النبيّ ( صلى اللّه عليه وآله ): ( عليكم بحُسنِ الخُلق، فإنّ حَسنَ الخُلق في الجنّة لا محالة، وإيّاكم وسُوء الخُلق، فإنّ سُوء الخُلق في النار لا محالة )(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنْ شئت أنْ تُكرم فلِن، وأنْ شِئت

_____________________

(١) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ( ره ).

١٩

أنْ تُهان فاخشَن )(١).

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أبى اللّه لِصاحب الخُلق السيّئ بالتوبة، قيل: فكيف ذلك يا رسول اللّه ؟ قال: لأنّه إذا تاب مِن ذنبٍ وقَع في ذنبٍ أعظم منه )(٢).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ سُوء الخُلق ليُفسد العمل كما يُفسد الخلّ العسل )(٣).

وقالعليه‌السلام : ( مَن ساءَ خُلقه عذّب نفسه )(٤) .

الأخلاق بين الاستقامة والانحراف:

كما تمرض الأجساد وتعروها أعراض المرض مِن شحوب وهزال وضعف، كذلك تمرض الأخلاق، وتبدو عليها سِمات الاعتدال ومضاعفاته، في صور من الهزال الخلقي، والانهيار النفسي، على اختلاف في أبعاد المرض ودرجات أعراضه الطارئة على الأجسام والأخلاق.

وكما تُعالَج الأجسام المريضة، وتستردّ صحّتها ونشاطها، كذلك تُعالَج الأخلاق المريضة وتستأنف اعتدالها واستقامتها، متفاوتةً في ذلك حسب أعراضها، وطباع ذويها، كالأجسام سواء بسواء.

ولولا إمكان معالجة الأخلاق وتقويمها، لحبطت جهود الأنبياء في تهذيب الناس، وتوجيههم وجهة الخير والصلاح، وغدا البشر من جرّاء

_____________________

(١) تُحف العقول.

(٢)، (٣)، (٤) عن الكافي.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الأهل والمؤمنين بعدي) (1) .

____________________

(1) الأمالي للطوسي: 521/1147، عن المجاشعي، عن الإمام الرضا، عن آبائه، عن الإمام زين العابدين (عليهم السلام) عن عمر وسلمة ابني أمّ سلمة ربيبَي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، كشف الغمّة: 2/35 عن عمر وسلمة وراجع تفسير العيّاشي: 1/332/153 وبشارة المصطفى: 147، والبرهان في تفسير القرآن: 2/227/2909 وبحار الأنوار: 37/256/11.

١٦١

بحث حول حديث المنزلة

إنّ حديث المنزلة الذي نقلناه بصور متنوّعة، يمثّل فضيلة من الفضائل العلويّة الرفيعة، ومنقبة من مناقبها الكريمة، واستبان ممّا ورد أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) نطق بهذه الفضيلة في مواطن كثيرة، فما جرى على لسانه المطهّر في غزوة تبوك وإن كان أشهرها، ولكنّه لا يقتصر عليها.

والأسانيد العديدة والمنقولات الجمّة لهذا الحديث لا تَدَع مجالا للشكّ في صدوره القطعي، وقد أدّى سعة نقله وكثرة أسانيده، إلى أن يصرّح علماء ومحدّثون سنّة كبار بتواتره وكثرة نقله من طرق ومصادر مختلفة، ويؤكّدون على كونه الحديث الأكثر ثبتاً بين الآثار المنقولة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، مبيّنين بذلك اتّفاق رواة الحديث وحفظة الآثار على صحّته.

وكتب الحسكاني يقول عن أسانيده:

وهذا حديث المنزلة الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ يقول: خرّجته بخمسة آلاف إسناد!! (1) .

____________________

(1) شواهد التنزيل: 1/195.

١٦٢

وفيه قال محمّد بن عبد البرّ:

روى قولَه (صلَّى الله عليه وآله): (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى) جماعةٌ من الصحابة، وهو من أثبت الآثار وأصحّها.

رواه عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) سعد بن أبي وقّاص، وطرق حديث سعد فيه كثيرة جدّاً، قد ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره، ورواه ابن عبّاس، وأبو سعيد الخدري، وأمّ سلمة، وأسماء بنت عُميس، وجابر بن عبد الله، وجماعة يطول ذكرهم (1) .

وكتب محمّد بن يوسف الگنجى:

هذا حديث متّفق على صحّته، رواه الأئمّة الحفّاظ كأبي عبد الله البخاري في صحيحه، ومسلم بن الحجّاج في صحيحه، وأبي داود في سننه، وأبي عيسى الترمذي في جامعه، وأبي عبد الرحمن النسائي في سننه، وابن ماجة القزويني في سننه، واتّفق الجميع على صحّته حتى صار ذلك إجماعاً منهم.

قال الحاكم النيسابوري: هذا حديث دخل في حدّ التواتر (2) .

وأورد السيوطي في كتابه الذي أفرده لنقل الأحاديث المتواترة وسمّاه بـ (الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة) حديث المنزلة (3) ، مصرّحاً عمليّاً بتواتره.

إنّ ما ورد أعلاه يعكس بعضاً من الآراء الواردة بشأن أسانيده، ولا ريب أنّ التتبّع في المصادر الحديثيّة ينفي أيّة أوهام تشكّك في قطعيّة صدوره.

____________________

(1) الاستيعاب: 3/202/1875.

(2) كفاية الطالب: 283.

(3) الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة: 76/103.

١٦٣

ومن حيث المضمون نرى أنّه جعل لعليّ (عليه السلام) جميع المناصب التي كانت لهارون (عليه السلام) في عصر موسى (عليه السلام) إلاّ النبوّة، وذكر القرآن الكريم مناصب هارون بهذا النحو: ( وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) (1) .

وثبتت هذه المناصب لعليّ (عليه السلام) في الأحاديث النبويّة بصراحة (2) .

وأورد القرآن الكريم قسماً آخر من مناصب هارون بالنحو الآتي:

( ... اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (3) .

إنّ واقع حياة عليّ (عليه السلام)، ودفاعه الفذّ عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وشهوده الذي لا مثيل له في حروبه جميعها، كلّ أولئك مَعْلَم على أنّ الله تعالى جعل لعليّ (عليه السلام) من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) منزلة هارون من موسى (عليهما السلام).

لقد مضى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في إبلاغ رسالته حسب المجريات الطبيعيّة للأُمور، وكان عليّ (عليه السلام) أفضل وأثبت نصير له في هذا السبيل، فمبيته في فراشه، واستبساله العجيب في معركة بدر التي كانت أوّل اختبار للمسلمين، وكانت مصيريّة رهيبة، وحمايته العظيمة له (صلَّى الله عليه وآله) في أُحد - وقد فرَّ كثير من المدّعين - ومبارزته لعمرو بن عبد ودّ في معركة الخندق بعد حصار المشركين المخيف، وتجلّي قوّته في خيبر، وقد ظلّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وأصحابه خلف أسوارها، وغير ذلك كلّه آية على أنّ دعمه لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) كان مصيريّاً.

____________________

(1) طه: 29 - 32.

(2) راجع: القسم التاسع/عليّ عن لسان النبيّ/المكانة السياسيّة والاجتماعيّة/وزيري.

(3) الأعراف: 142.

١٦٤

ونُضيف إلى ما ذكرناه، أنّ هذه الأحاديث تدلّ على أنّ عليّاً (عليه السلام) كان متميّزاً بين الصحابة، ولم يُقرَن به أحد منهم، كما كان هارون في بنى إسرائيل. انظر إلى الروايات الآتية:

ـ الإمام عليّ (عليه السلام): (إنّ الله تبارك اسمه... شدّ بي أزر رسوله، وأكرمني بنصره، وشرَّفني بعلمه، وحباني بأحكامه، واختصَّني بوصيّته، واصطفاني بخلافته في أُمّته، فقال (صلَّى الله عليه وآله) - وقد حشده المهاجرون والأنصار، وانغصّت بهم المحافل -: أيّها الناس، إنّ عليّاً منّي كهارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي.

فعقلَ المؤمنون عن الله نطق الرسول؛ إذ عرفوني أنّي لستُ بأخيه لأبيه وأُمّه، كما كان هارون أخا موسى لأبيه وأُمّه، ولا كنت نبيّاً فأقتضي نبوّة، ولكن كان ذلك منه استخلافاً لي، كما استخلف موسى هارون (عليهما السلام) حيث يقول: ( ... اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ )) (1) (2) .

ـ أبو خالد الكابلي: قيل لسيّد العابدين عليّ بن الحسين: إنّ الناس يقولون: إنّ خير الناس بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أبو بكر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان، ثمّ عليّ (عليه السلام). قال: (فما يصنعون بخبر رواه سعيد بن المسيّب، عن سعد بن أبي وقّاص عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) أنّه قال لعليّ (عليه السلام): (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)؟! فمَن كان في زمن موسى مثل هارون؟!) (3)

ـ أبو هارون العبدي: سألت جابر بن عبد الله الأنصاري عن معنى قول

____________________

(1) الأعراف: 142.

(2) راجع: الفصل العاشر/احتجاجات عليّ.

(3) معاني الأخبار: 74/2.

١٦٥

النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)، قال: استخلفَه بذلك - واللهِ - على أُمّته في حياته وبعد وفاته، وفرض عليهم طاعته؛ فمَن لم يشهد له بعد هذا القول بالخلافة فهو من الظالمين (1) .

ـ سلم بن وضّاح: كنّا عند محمّد بن عبد الله، فسأله معلّى بن سليمان عن قول النبيّ (صلَّى الله عليه وآله): (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى) أيّ شيء أراد به؟ قال: أراد به أن يُطاع من بعده كما يُطاع النبيّ في حياته (2) .

راجع:أحاديث الخلافة

القسم التاسع: عليّ عن لسان النبيّ/الأُسرة/بمنزلة رأسي من بدني،

ومنزلته عندي كمنزلتي عند الله.

عليّ عن لسان النبيّ /المكانة السياسيّة والاجتماعيّة/وزيري.

عليّ عن لسان أصحاب النبيّ/عمر، وسعد بن أبي وقّاص، وابن عبّاس.

كتاب (تاريخ دمشق): 42/142 - 186.

____________________

(1) معاني الأخبار: 74/1.

(2) المناقب للكوفي: 1/510/429.

١٦٦

١٦٧

الفصل الخامس

  أحاديث الإمارة

5/1

معنى أُولي الأمر

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) (1) .

489 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) - في معنى أُولي الأمر -: (هو عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)) (2) .

490 - كمال الدين، عن جابر بن عبد الله الأنصاري: لمّا أنزل الله عزّ وجلّ على نبيّه محمّد (صلَّى الله عليه وآله): ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) ، قلت: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمَن أُولو الأمر الذين قرن الله طاعتَهم بطاعتك؟ فقال (صلَّى الله عليه وآله): (هم خلفائي - يا جابر - وأئمّة المسلمين من بعدي،

____________________

(1) النساء: 59.

(2) تفسير فرات: 109/110 عن سلمان الفارسي، اليقين: 379/134 عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

١٦٨

أوّلهم عليّ بن أبي طالب) (1) .

491 - الإمام عليّ (عليه السلام): (قلت: يا رسول الله، ومَن شركائي من بعدي؟ قال: الذين قرنهم الله عزّ وجلّ بنفسه وبي، فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) الآية. فقلت: يا رسول الله، ومَن هم؟ قال: الأوصياء منّي إلى أن يردوا عليّ الحوض، كلّهم هادٍ مهتدٍ، لا يضرّهم مَن خذلهم، هم مع القرآن، والقرآن معهم، لا يُفارقهم ولا يُفارقونه) (2) .

492 - الكافي، عن سليم بن قيس: سمعت عليّاً صلوات الله عليه يقول: (... أدنى ما يكون به العبد ضالاّ ً أن لا يعرف حجّة الله تبارك وتعالى، وشاهده على عباده، الذي أمر الله عزّ وجلّ بطاعته، وفرض ولايته. قلت: يا أمير المؤمنين، صِفهم لي. فقال: (الذين قرنَهم الله عزّ وجلّ بنفسه ونبيّه، فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) ).

قلت: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك أوضح لي. فقال: (الذين قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في آخر خطبته يوم قبضه الله عزّ وجلّ إليه: إنّي قد تركتُ فيكم أمرين، لن تضلّوا بعدي ما إن تمسّكتم بهما: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي؛ فإنّ اللطيف الخبير قد عهد لي أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، كهاتين - وجمع بين مسبّحتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين المسبّحة والوسطى - فتسبق

____________________

(1) كمال الدين: 253/3، إعلام الورى: 2/181، المناقب لابن شهر آشوب: 1/282.

(2) كمال الدين: 285/37، تفسير العيّاشي: 1/253/177، الاعتقادات: 121 وفيه (قرن الله طاعتهم بطاعته وبطاعتي) بدل (قرنهم الله عزّ وجلّ بنفسه وبي)، الغيبة للنعماني: 81/10، كتاب سليم بن قيس: 2/626/10 كلّها عن سليم بن قيس، وزاد فيهما بعد الآية (فإن خفتم تنازعاً [ التنازع ] في شيء، فأرجعوه إلى الله وإلى رسوله وإلى أُولي الأمر منكم).

١٦٩

إحداهما الأُخرى، فتمسّكوا بهما لا تزلّوا ولا تضلّوا، ولا تقدّموهم فتضلّوا) (1) .

493 - الإمام زين العابدين (عليه السلام): (إنّ أُولي الأمر الذين جعلهم الله عزّ وجلّ أئمّة للناس وأوجب عليهم طاعتهم: أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين ابنا عليّ بن أبي طالب، ثمّ انتهى الأمر إلينا) (2) .

494 - الإمام الباقر (عليه السلام) - في قوله تعالى: ( ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) -: (هي في عليّ وفي الأئمّة، جعلهم الله مواضع الأنبياء، غير أنّهم لا يُحلّون شيئاً، ولا يُحرّمونه) (3) .

495 - الكافي، عن أبي بصير: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: ( ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) ، فقال: (نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام)) (4) .

496 - الإمام الصادق (عليه السلام): (نزلت ( ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) في عليّ والحسن والحسين فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في عليّ: مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه. وقال (صلَّى الله عليه وآله): أُوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي؛ فإنّي سألتُ الله عزّ وجلّ ألاّ يفرّق بينهما حتى يُوردهما عليّ الحوض، فأعطاني ذلك. وقال: لا تعلّموهم فهم أعلم منكم. وقال: إنّهم لن يُخرجوكم من باب هدى، ولن يُدخلوكم في باب

____________________

(1) الكافي: 2/415/1، معاني الأخبار: 394/45 نحوه إلى آخر الآية، كتاب سليم بن قيس: 2/616/8 كلّها عن سليم بن قيس.

(2) كمال الدين: 319/2، الاحتجاج: 2/152/188، إعلام الورى: 2/194، كلّها عن أبي خالد الكابلي.

(3) تفسير العيّاشي: 1/252/173 عن عبد الله بن عجلان.

(4) الكافي: 1/286/1.

١٧٠

ضلالة) (1) .

497 - تفسير العيَّاشي، عن عمرو بن سعيد: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله: ( ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ... ) ، قال: (عليّ بن أبي طالب والأوصياء من بعده) (2) .

498 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) - في وصف عليّ (عليه السلام) -: (هو وليّ الأمر بعدي، ووارث علمي وحكمتي، وسرّي وعلانيتي، وما ورثه النبيّون قبلي، وأنا وارث ومورّث) (3) .

499 - عنه (صلَّى الله عليه وآله) - في وصف عليّ (عليه السلام) -: (هو أخي، ووصيّي، ووليّ أمركم من بعدي) (4) .

راجع: كتاب (أهل البيت (عليهم السلام) في الكتاب والسنّة)/خصائص أهل البيت (عليهم السلام)/أُولو الأمر.

كتاب (بحار الأنوار): 23/283 - 304.

كتاب (الميزان في تفسير القرآن): 4/385 - 414.

5/2

الأمير بعد النبيّ

500 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (يا معشر المهاجرين والأنصار، أوصيكم بوصيّة فاحفظوها، وإنِّي مؤدٍّ إليكم أمراً فاقبلوه: ألا إنّ عليّاً أميركم من بعدي، وخليفتي فيكم) (5) .

____________________

(1) الكافي: 1/287/1 عن أبي بصير.

(2) تفسير العيّاشي: 1/253/176.

(3) خصائص الأئمّة (عليهم السلام): 75، عن أبي موشى الضرير البجلي، عن أبي الحسن (عليه السلام).

(4) دعائم الإسلام: 1/383 عن بريدة، وراجع الأمالي للصدوق: 175/178.

(5) الخصال: 462/4، الاحتجاج: 1/190/37 كلاهما عن خالد بن سعيد بن العاص.

١٧١

501 - عنه (صلَّى الله عليه وآله) - في وصف عليّ (عليه السلام) -: (هو إمام كلّ مسلم، وأمير كلّ مؤمن بعد وفاتي) (1) .

502 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (أنا سيّد الأوّلين والآخرين، وعليّ بن أبي طالب... إمام المسلمين، ومولى المؤمنين، وأميرهم بعدي) (2) .

503 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (يا عليّ، أنت الإمام بعدي والأمير، وأنت الصاحب بعدي والوزير، وما لك في أمَّتي من نظير) (3) .

504 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (مَن أحبّ أن يتمسّك بديني ويركب سفينة النجاة بعدي فليقتدِ بعليّ بن أبي طالب، وليُعادِ عدوّه، وليُوالِ وليّه؛ فإنّه وصيِّي، وخليفتي على أمَّتي في حياتي وبعد وفاتي، وهو إمام كلّ مسلم، وأمير كلّ مؤمن بعدي، قوله قولي، وأمره أمري، ونهيه نهيي، وتابعه تابعي، وناصره ناصري، وخاذله خاذلي) (4) .

505 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (إنّ الله عزّ وجلّ بعثني إليكم رسولاً، وأمرني أن أستخلف عليكم عليّاً أميراً) (5) .

____________________

(1) إعلام الورى: 2/184، عن الأصبغ بن نباتة، عن الإمام عليّ (عليه السلام).

(2) الأمالي للصدوق: 678/924 عن عائشة.

(3) الأمالي للصدوق: 101/77، عن مقاتل بن سليمان، عن الإمام الصادق، عن آبائه (عليهم السلام)، روضة الواعظين: 115، المناقب لابن شهر آشوب: 3/57.

(4) كمال الدين: 260/6، التحصين لابن طاووس: 553، كلاهما عن الحسين بن خالد، عن الإمام الرضا عن آبائه (عليهم السلام).

(5) الأمالي للصدوق: 492/669 عن ابن عبّاس.

١٧٢

506 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (مَن كنت نبيّه فعليّ أميره) (1) .

507 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (مَن كنت وليّه فعليّ أميره) (2) .

508 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (مَن كنت أميره فعليّ أميره) (3) .

509 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ مَن وآله، وعادِ مَن عاداه) (4) .

510 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (أنت - يا عليّ - أمير من في السماء، وأمير من في الأرض،

____________________

(1) تهذيب الأحكام: 3/144/317، عن عليّ بن الحسين العبدي، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، الأمالي للصدوق: 492/669 عن ابن عبّاس وفيه (... فإنّ عليّاً أميره)، مصباح المتهجّد: 748/842 من دون إسناد إلى المعصوم، الإقبال: 2/284، عن عليّ بن الحسن العبدي، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، تفسير فرات: 517/675 عن حذيفة بن اليمان، المناقب للكوفي: 2/430/912 عن أنس، الاحتجاج: 1/297/52، اليقين: 448/170 كلاهما عن أبي بن كعب وفيهما (فهذا أميره).

(2) المناقب للكوفي: 1/415/328 وج 2/516/1020 كلاهما عن أنس.

(3) معاني الأخبار: 66/5 عن أبي سعيد، بحار الأنوار:/224/100.

(4) مسند ابن حنبل: 6/401/18506 عن البرّاء بن عازب وج 7/82/19321 عن أبي الطفيل وص 86/19344 وفيه (فإنّ عليّاً مولاه) وص87/19347 عن ميمون أبي عبد الله9/51/23204، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/597/1017 وفيه (فإنّ عليّاً)، المستدرك على الصحيحين: 3/118/4576، كلاهما نحوه، والثلاثة الأخيرة عن زيد بن أرقم وص 126/4601 عن سعد بن مالك وص 419/5594 عن إياس الضبِّي عن أبيه، صحيح ابن حبّان: 15/376/6931 عن أبي الطفيل وفيه (... فإنّ هذا مولاه...) بدل (فعليّ مولاه)، المصنّف لابن أبي شيبة: 7/499/28 عن زيد بن يثيع وح 29 عن أبي يزيد الأودي عن أبيه، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 150/79 عن زيد بن أرقم وص 177/96 عن سعد، تاريخ دمشق: 42/206/8682 عن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ الكافي: 1/294 وص 295/3 عن عبد الحميد بن أبي الديلم، عن الإمام الصادق (عليه السلام) وج 8/27/4 عن جابر بن يزيد، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، تهذيب الأحكام: 3/263/746 عن حسّان الجمّال، عن الإمام الصادق (عليه السلام).

١٧٣

وأمير مَن مضى، وأمير مَن بقي) (1) .

511 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (إن تؤمّروا عليّاً - ولا أراكم فاعلين - تجدوه هادياً مهديّاً، يأخذ بكم الطريق المستقيم) (2) .

512 - الإمام عليّ (عليه السلام): (أنا وصيّ نبيّكم، وخليفته، وإمام المؤمنين، وأميرهم ومولاهم) (3) .

5/3

أمير البررة

513 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) - يوم الحديبيّة وهو آخذ بيد عليّ (عليه السلام) -: (هذا أمير البرَرَة، وقاتل الفَجَرة، منصورٌ مَن نصره، مخذولٌ مَن خذله) - يمدّ بها صوته - (4) .

514 - عنه (صلَّى الله عليه وآله) - في يوم بنى النضير -: (عليّ إمام البرَرَة، وقاتل الفَجَرة، منصورٌ

____________________

(1) مائة منقبة: 76/26، تأويل الآيات الظاهرة: 1/185/31 عن أنس بن مالك، وكلاهما عن ابن عبّاس، الصراط المستقيم: 2/54 وفيه (أنت أمير من الله على مَن مضى ومَن بقي).

(2) مسند ابن حنبل: 1/232/859، فضائل الصحابة لابن حنبل: 1/231/284، المعجم الأوسط: 2/341/2166، مسند البزّار: 3/33/783، أُسد الغابة: 4/106/3789، البداية والنهاية: 7/361 كلّها عن زيد بن يثيع عن الإمام عليّ (عليه السلام)، تاريخ دمشق: 24/421/9014 عن يزيد بن يثيع عن الإمام عليّ (عليه السلام) عنه (صلَّى الله عليه وآله) وص 420، شواهد التنزيل: 1/82/99 كلاهما عن حذيفة وفى بعضها (يسلك) بدل (يأخذ) .

(3) مائة منقبة: 83/32، الاستنصار: 22 كلاهما عن المسيّب.

(4) تاريخ بغداد: 2/377/877 وج 4/219/1915، تاريخ دمشق: 42/383/8985 و8986، المناقب لابن المغازلي: 84/125، كفاية الطالب: 221؛ المسترشد: 622/289 كلّها عن جابر بن عبد الله.

١٧٤

مَن نصره، مخذولٌ مَن خذله) (1) .

515 - المستدرك على الصحيحين، عن جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) - وهو آخذ بضبع (2) عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) - وهو يقول: (هذا أمير البرَرَة، قاتل الفَجَرة، منصورٌ مَن نصره، مخذولٌ مَن خذله) - ثمّ مدّ بها صوته - (3) .

516 - الأمالي للطوسي، عن حذيفة بن اليمان: انظروا الفئةَ التي فيها عليّ (عليه السلام) فأتوها ولو زحفاً على رُكَبكم؛ فإنّي سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول: (عليّ أمير البَررَة، وقاتل الفَجَرة، منصورٌ مَن نصره، مخذولٌ مَن خذله إلى يوم القيامة) (4) .

517 - الإمام الصادق (عليه السلام) - في ذكر مَن أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه في مجلس رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) -: (قام أبو أيّوب الأنصاري فقال: اتّقوا الله - عباد الله - في أهل بيت نبيّكم، واردُدوا إليهم حقّهم الذي جعله الله لهم؛ فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبيّنا محمّد (صلَّى الله عليه وآله) ومجلس بعد مجلس يقول: أهل بيتي أئمّتكم بعدي! ويومئ إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ويقول: إنّ هذا أمير البرَرَة، وقاتل الكَفَرة، مخذولٌ مَن خذله، منصورٌ مَن نصره!!) (5)

____________________

(1) المناقب للخوارزمي: 200/240؛ كشف الغمّة: 1/256 كلاهما عن عمرو بن العاص، وراجع علل الشرائع: 213/2.

(2) الضبع - بسكون الباء -: وسط العضد (النهاية: 3/73).

(3) المستدرك على الصحيحين: 3/140/4644، المناقب لابن المغازلي: 80/120 وفيه (قاتل الكفرة)؛ الأمالي للطوسي: 483/1055.

(4) الأمالي للطوسي: 483/1054؛ المناقب للخوارزمي: 177/215 وفيه من (سمعت رسول الله...) وراجع رجال الكشّي 1/289/129.

(5) الاحتجاج: 1/199/12 عن أبان بن تغلب، الدرجات الرفيعة: 315.

١٧٥

5/4

مبدأ تسمية عليّ بأمير المؤمنين

518 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (لو علم الناس متى سُمّي عليّ أميرَ المؤمنين، ما أنكروا فضله، سُمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد. قال الله عزّ وجلّ: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ... ) (1) ، قالت الملائكة: بلى. قال تبارك وتعالى: أنا ربّكم، ومحمّد نبيّكم، وعليّ أميركم) (2) .

519 - الكافي، عن عليّ بن أبي حمزة: سأل أبو بصير أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر، فقال: جُعلت فداك! كم عُرج برسول الله (صلَّى الله عليه وآله)؟ فقال: (مرّتين، فأوقفه جبرئيل مَوقفاً، فقال له: مكانك يا محمّد؛ فلقد وقفت موقفاً ما وقفه ملك قطّ ولا نبيّ...

فقال الله تبارك وتعالى: يا محمّد. قال: لبّيك ربّي، قال: مَن لأُمّتك من بعدك؟! قال: الله أعلم. قال: عليّ بن أبي طالب، أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين) (3) .

قال: ثمّ قال أبو عبد الله (عليه السلام) لأبى بصير: (يا أبا محمّد، والله، ما جاءت ولاية

____________________

(1) الأعراف: 172.

(2) الفردوس: 3/354/5066، ينابيع المودّة: 2/279/802 وفيه إلى (والجسد)، وكلاهما عن حذيفة بن اليمان وح 803 عن أبي هريرة، وفيه من قوله تعالى؛ نهج الحقّ: 191 وفيه روى الجمهور عنه (صلَّى الله عليه وآله) وراجع الفضائل لابن شاذان: 89.

(3) في الحديث: (أُمّتي الغرّ المحجّلون)؛ أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي والوجه والأقدام (لسان العرب: 11/144).

١٧٦

عليّ (عليه السلام) من الأرض، ولكن جاءت من السماء مشافهة) (1) .

520 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (أُوحي إليّ في عليّ أنّه أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين) (2) .

521 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (إنّ جبرئيل أتاني من قِبَل ربّي بأمر قرّت به عيني، وفرح به صدري وقلبي، يقول: إنّ عليّاً أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين) (3) .

522 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (... أنت - يا عليّ - أمير المؤمنين في السماء، وأمير المؤمنين في الأرض) (4) .

523 - الإمام الحسين، عن الإمام عليّ (عليهما السلام): (أنّه جاء إليه رجل فقال له: يا أبا الحسن، إنّك تُدعى أمير المؤمنين؛ فمن أمّرك عليهم؟ قال (عليه السلام): الله جلّ جلاله أمَّرني عليهم. فجاء الرجل إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، أيصدُق عليّ فيما يقول: إنّ الله أمّره على خلقه؟ فغضب النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) ثمّ قال: إنّ عليّاً أمير المؤمنين بولاية من الله عزّ وجلّ، عقدها له فوق عرشه، وأشهد على ذلك ملائكته...) (5) .

524 - الكافي، عن جابر: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): لِمَ سُمّي أمير المؤمنين؟ قال: (الله سمّاه) (6) .

____________________

(1) الكافي: 1/442/13 وراجع الاختصاص: 54.

(2) موضح أوهام الجمع والتفريق: 1/191؛ اليقين: 184/37 كلاهما عن أسعد بن زرارة221/64 عن أبي نذرة نحوه وراجع تاريخ بغداد: 13/123/7106.

(3) الاعتقادات: 86.

(4) اليقين: 242/79 عن ابن عبّاس.

(5) بشارة المصطفى: 24 عن أبي حمزة عن الإمام زين العابدين (عليه السلام).

(6) الكافي: 1/412/4، مختصر بصائر الدرجات: 171.

١٧٧

525 - حلية الأولياء، عن القاسم بن جندب، عن أنس: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (يا أنس، اسكب لي وضوءاً). ثمّ قام فصلَّى ركعتين، ثمّ قال: (يا أنس، أوّل مَن يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين).

قال أنس: قلت: اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار. وكتمتُه، إذ جاء عليّ فقال: (مَن هذا يا أنس؟). فقلت: عليّ. فقام مستبشراً فاعتنقه، ثمّ جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق عليّ بوجهه.

قال عليّ: (يا رسول الله، لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعت بي من قبل؟!). قال: (وما يمنعني، وأنت تؤدّي عنّي، وتُسمعهم صوتي، وتُبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي؟!) (1)

526 - تاريخ دمشق، عن أنس بن مالك: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (اسكب إليّ ماءً - أو وضوءاً -)، فتوضّأ، ثمّ قام فصلّى ركعتين، ثمّ قال: (يا أنس، أوّل مَن يدخل من هذا الباب أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين، سيّد المؤمنين عليّ) (2) .

527 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (يا أمّ سلمة، اشهدي واسمعي، هذا عليّ أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين) (3) .

____________________

(1) حلية الأولياء: 1/63، تاريخ دمشق: 42/386/8994، المناقب للخوارزمي: 85/75، فرائد السمطين: 1/145/109، كفاية الطالب: 211، الفردوس: 5/364/8449؛ الإرشاد: 1/46، تفسير العيَّاشي: 2/262/39، المناقب للكوفي: 1/312/232 والأربعة الأخيرة نحوه430/335، المسترشد: 601/272 وراجع الاحتجاج: 1/326/55 واليقين: 137/7.

(2) تاريخ دمشق: 42/303/8837.

(3) المناقب للخوارزمي: 142/163، كفاية الطالب: 168؛ الإرشاد: 1/47، بشارة المصطفى: 167، اليقين: 173/30 وص 415/154 عن الإمام عليّ (عليه السلام) عنه (صلَّى الله عليه وآله)، شرح الأخبار: 1/124/53، المناقب لابن شهر آشوب: 3/54، المناقب للكوفي: 1/368/293 كلّها عن ابن عبّاس.

١٧٨

528 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (يا أمَّ سلمة، هذا عليّ؛ سيّد مبجّل، مؤمّل المسلمين، وأمير المؤمنين، وموضع سرّي وعلمي، وبابي الذي آوي إليه، وهو الوصيّ على أهل بيتي، وعلى الأخيار من أُمّتي، هو أخي في الدنيا والآخرة، وهو معي في السناء (1) الأعلى) (2) .

529 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (إمام المسلمين، وأمير المؤمنين، ومولاهم بعدي؛ عليّ بن أبي طالب) (3) .

530 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (يا عليّ، أنت أمير المؤمنين، وإمام المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين) (4) .

531 - عنه (صلَّى الله عليه وآله) - في وصف عليّ (عليه السلام) -: (هو أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين، ويعسوب الدين، وخير الوصيّين) (5) .

532 - عنه (صلَّى الله عليه وآله) - في وصف عليّ (عليه السلام) -: (هو أخي ووزيري، وخير مَن أُخلِّف في

____________________

(1) السناء: الرفعة. وفى الخبر: (بشّر أُمّتي بالسناء)؛ أي بارتفاع القدر والمنزلة عند الله تعالى (مجمع البحرين: 2/896).

(2) المحاسن والمساوئ: 44 عن ابن عبّاس.

(3) الأمالي للصدوق: 374/471، بشارة المصطفى: 34، التحصين لابن طاووس: 563/20 نحوه وكلّها عن ابن عبّاس.

(4) الأمالي للصدوق: 450/609 عن عبد الله بن عبّاس، تفسير فرات: 266/360 عن الإمام عليّ (عليه السلام) عنه (صلَّى الله عليه وآله) وليس فيه (وإمام المسلمين).

(5) الأمالي للصدوق: 188/197، بشارة المصطفى: 24 كلاهما عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام).

١٧٩

أهلي، وسيّد المسلمين، وأمير المؤمنين من بعدي، وقائد الغرّ المحجّلين يوم القيامة) (1) .

533 - الأمالي للصدوق، عن أبي ذرّ الغفاري: كنّا ذات يوم عند رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في مسجد قُبا - ونحن نفر من أصحابه - إذ قال: (معاشر أصحابي، يدخل عليكم من هذا الباب رجل، هو أمير المؤمنين، وإمام المسلمين).

قال: فنظروا - وكنت فيمَن نظر - فإذا نحن بعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قد طلع، فقام النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) فاستقبله وعانقه وقبّل ما بين عينيه، وجاء به حتى أجلسه إلى جانبه، ثمّ أقبل علينا بوجهه الكريم فقال: (هذا إمامكم من بعدي، طاعته طاعتي، ومعصيته معصيتي؛ وطاعتي طاعة الله، ومعصيتي معصية الله عزّ وجلّ) (2) .

5/5

اختصاص هذا الاسم بعليٍّ

534 - رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): (لمّا أُسري بي إلى السماء، كنت من ربِّي كقاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليّ ربّي ما أوحى، ثمّ قال: يا محمّد، أقرئ عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين السلام؛ فما سمّيت بهذا أحداً قبله، ولا أُسمّي بهذا أحداً بعده) (3) .

535 - عنه (صلَّى الله عليه وآله): (لمّا أُسري بي إلى السماء، ثمّ من السماء إلى السماء إلى سدرة المنتهى، وقفت بين يدي ربّي عزّ وجلّ، فقال لي: يا محمّد... اخترت لك عليّاً

____________________

(1) شرح الأخبار: 1/206/170 عن ابن عبّاس.

(2) الأمالي للصدوق: 634/850 بحار الأنوار: 38/106/34.

(3) الأمالي للطوسي: 295/578، بشارة المصطفى: 186، عن عيسى بن أحمد بن عيسى المنصوري، عن الإمام الهادي، عن آبائه، عن الإمام عليّ (عليهم السلام)، عنه (صلَّى الله عليه وآله) وراجع الكافي: 1/441/8 والأمالي للصدوق: 701/956.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517