أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت11%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 333187 / تحميل: 11876
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

والإدلال به، أمّا السرور به مع التواضع للّه تعالى، والشكر له على توفيقه لطاعتِه، فذلك ممدوحٌ ولا ضيرَ فيه.

مساوئ العجُب:

للعجُب أضرارٌ ومساوئ:

١ - إنّه سببُ الأنانيّة والتكبّر، فمَن أُعجِب بنفسه إزدهاه العُجُب، وتعالى على الناس، وتجبّر عليهم، وذلك يُسبّب مقت الناس وهوانهم له.

٢ - إنّه يعمي صاحبه عن نقائصه ومساوئه، فلا يهتم بتجميل نفسه، وملافاة نقائصه، ممّا يجعله في غمرة الجهل والتخلّف.

٣ - إنّه باعث على استكثار الطاعة، والإدلال بها، وتناسي الذنوب والآثام، وفي ذلك أضرارٌ بليغة، فتناسي الذنوب يُعيق عن التوبة والإنابة إلى اللّه عزّ وجل منها، ويعرّض ذويها لسخطِه وعقابه، واستكثار الطاعة والعبادة يكدّرها بالعُجب والتعامي عن آفاتها، فلا تنال شرف الرضا والقبول من المولى عزّ وجل.

علاج العُجُب:

وحيث كان العُجب والتكبر صنوين من أصل واحد، وإن اختلفا في الاتجاه، فالعجب كما أسلفنا استعظام النفس مجرداً عن التعالي، والتكبر

١٤١

هما معاً، فعلاجهما واحد، وقد أوضحناه في بحث التكبّر.

وجدير بالمعجَب بنفسه، أنْ يدرك أنّ جميع ما يبعثه على الزهو والإعجاب، من صنوف الفضائل والمزايا، إنّما هي نِعَمٌ إلهيّة يُسديها المولى إلى مَن شاء مِن عباده، فهي أحرى بالحمد، وأجدَر بالشكر مِن العُجب والخُيَلاء.

وهي إلى ذلك عُرضةً لصروف الأقدار، وعوادي الدهر، فما للإنسان والعجُب !!

ومِن طريف ما نُقِل عن بعض الصُلَحاء في ملافاة خواطر العجُب:

قيل: إنّ بعضهم خرَج في جُنح الظلام متّجهاً إلى بعض المشاهد المشرّفة، لأداء مراسم العبادة والزيارة، فبينا هو في طريقه إذ فاجأه العجُب بخروجه سَحَرَاً، ومجافاته لذّة الدفء وحلاوة الكَرى مِن أجل العبادة.

فلاح له آنذاك، بائع شلغم فانبرى نحوه، فسأله كم تربح في كسبك وعناء خروجك في هذا الوقت ؟ فأجابه: دِرهَمين أو ثلاث، فرجع إلى نفسه مخاطباً لها علام العجُب ؟ وقيمة إسحاري لا تزيد عن دِرهَمين أو ثلاث.

ونُقِل عن آخر: أنّه عمِل في ليلة القدر أعمالاً جمّةً مِن الصلوات والدعوات والأوراد، استثارت عُجُبه، فراح يُعالِجه بحكمةٍ وسداد: فقال لبعض المتعبّدين: كم تتقاضى على القيام بأعمال هذه الليلة، وهي كيت وكيت. فقال: نصف دينار، فرجع إلى نفسه مؤنّباً لها وموحياً إليها، علام العُجُب وقيمة أعمالي كلّها نصف دينار ؟

١٤٢

اليقين

وهو: الاعتقاد بأُصول الدين وضروراته، اعتقاداً ثابتاً، مطابقاً للواقع، لا تُزَعزِعه الشُبَه، فإنْ لم يُطابق الواقع فهو جهلٌ مركّب.

واليقين هو غرّة الفضائل النفسيّة، وأعزّ المواهب الإلهيّة، ورمز الوعي والكمال، وسبيل السعادة في الدارَين. وقد أولته الشريعة اهتماماً بالغاً ومجّدت ذويه تمجيداً عاطراً، وإليك طرفاً منه:

قال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ الإيمان أفضل من الإسلام، وإنّ اليقين أفضل من الإيمان، وما مِن شيءٍ أعزّ مِن اليقين )(١).

وقالعليه‌السلام : ( إنّ العمل الدائم القليل على اليقين، أفضل عند اللّه مِن العمل الكثير على غير يقين )(٢).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مِن صحّة يقين المرء المسلم، أنْ لا يُرضي الناس بسخطِ اللّه، ولا يلومَهم على ما لم يأته اللّه، فإنّ الرزق لا يسوقه حِرصُ حريص، ولا يردّه كراهيّة كاره، ولو أنّ أحدَكم فرّ مِن رزقه كما يفرّ مِن الموت، لأدركه رِزقه كما يدركه الموت ).

_____________________

(١) البحار م ١٥ ج ٢ ص ٥٧ عن الكافي.

(٢) البحار م ١٥ ج ٢ ص ٦٠ عن الكافي.

١٤٣

ثمّ قال: ( إنّ اللّه بعدلِه وقسطه جعَل الروح والراحة في اليقين والرضا، وجعل الهمّ والحُزن في الشكّ والسخط )(١).

وعنهعليه‌السلام قال: كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: ( لا يَجدُ عبدٌ طعمَ الإيمان، حتّى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليُخطئه، وأنّ ما أخطأه لم يَكن ليُصيبه، وأنّ الضارّ النافع هو اللّه تعالى )(٢).

وسُئل الامام الرضاعليه‌السلام عن رجلٍ يقول بالحقّ ويُسرف على نفسه، بشرب الخمر ويأتي الكبائر، وعن رجلٍ دونه في اليقين وهو لا يأتي ما يأتيه، فقالعليه‌السلام : ( أحسنهما يقيناً كالنائم على المحجّة، اذا انتبه ركبَها، والأدوَن الذي يدخله الشكّ كالنائم على غير طريق، لا يدري اذا انتبه أيّهما المحجّة )(٣).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى بالناس الصبح، فنظر إلى شابٍّ في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه، مصفرّاً لونه، قد نحُف جِسمه، وغارَت عيناه في رأسه، فقال له رسول اللّه: كيف أصبحت يا فلان ؟ قال: أصبحت يا رسول اللّه موقناً، فعجِب رسول اللّه مِن قوله، وقال له: إنّ لكلِّ يقينٍ حقيقة، فما حقيقة يقينك ؟

فقال: إنّ يقيني يا رسول اللّه، هو الذي أحزَنني، وأسهرَ ليلي، وأظمأ هواجري، فعزِفَت نفسي عن الدنيا وما فيها، حتّى كأنّي أنظر إلى

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٥٤ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٥٤ عن الكافي.

(٣) سفينة البحار ج ٢ ص ٧٣٤ عن فقه الرضا.

١٤٤

عرش ربّي، وقد نصب للحساب، وحُشر الخلائق لذلك، وأنا فيهم، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون، على الأرائك متّكئون، وكأنّي أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذَّبون، مصطفون، وكأنّ الآن استمع زفير النار يدور في مسامعي.

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه: هذا عبدٌ نوّر اللّه قلبَه بالإيمان، ثُمّ قال له: إلزَم ما أنت عليه، فقال الشاب: أدع اللّه لي يا رسول اللّه أنْ أُرزق الشهادةَ معك، فدعا له رسول اللّه فلم يلبث أنْ خرَج في بعض غزَوَات النبيّ فاستُشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر )(١).

خصائص الموقنين:

متى ازدهرت النفس باليقين، واستنارت بشُعاعِه الوهّاج، عكَسَت على ذويها ألواناً مِن الجمال والكمال النفسيَّين، وتسامت بهم إلى أوجٍّ روحيٍّ رفيع، يتألّقون في آفاقه تألُّق الكواكب النيّرة، ويتميّزون عن الناس تميّز الجواهر الفريدة مِن الحصا.

فمَن أبرَز خصائصهم ومزاياهم، أنَك تجدهم دائبين في التحلّي بمكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال، وتجنّب رذائلها ومساوِئها، لا تخدعهم زخارف الحياة، ولا تُلهيهم عن تصعيد كفاءاتهم ومؤهّلاتهم الروحيّة لنيل الدرجات الرفيعة، والسعادة المأمولة في الحياة الاخرويّة، فهم متفانون في طاعة اللّه

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٣٣ عن الكافي.

١٤٥

عزّ وجل، ابتغاء رضوانه، وحسن مثوبته، متوكّلون عليه، في سرّاء الحياة وضرّائها، لا يرجون ولا يخشون أحداً سِواه، ليقينهم بحسن تدبيره وحكمة أفعاله.

لذلك تُستجاب دَعَواتهم، وتظهر الكرامات على أيديهم، وينالون شرف الحظوة والرعاية مِن اللّه عزّ وجل.

درجات الايمان:

ويحسن بي وأنا أتحدّث عن اليقين أنْ أعرض طَرفاً مِن مفاهيم الإيمان ودرجاته، وأنواعه إتماماً للبحث وتنويراً للمؤمنين.

يتفاضل الناس في درجات الإيمان تفاضلاً كبيراً، فمنهم المجلّي السباق في حلَبة الايمان، ومنهم الواهن المتخلف، ومنهم بين هذا وذاك كما صوّرته الرواية الكريمة:

قال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ الايمان عشر درجات، بمنزلة السُلّم، يُصعَد منه مرقاةً بعد مرقاة، فلا يقولنّ صاحب الاثنين لصاحب الواحد لَستَ على شيء، حتّى ينتهي إلى العاشرة، فلا تُسقط مَن هو دونك، فيسقطك مَن هو فوقَك، وإذا رأيت مَن هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق، ولا تحملَنّ عليه ما لا يطيق فتكسِره، فإنّ مَن كسَر مؤمناً فعليه جبْرُه )(١).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٣٠ عن الكافي.

١٤٦

أنواع الايمان:

ينقسم الايمان الى ثلاثة أنواع: فطريّ، ومستَودَع، وكَسْبي.

١ - فالفطريّ: هو ما كان هِبةً إلهيّة، قد فطر عليه الإنسان، كما في الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، فإنّهم المثلُ الأعلى في قوّة الإيمان، وسموّ اليقين، لا تخالجهم الشكوك، ولا تعروهم الوساوس.

٢ - المستودَع: وهو ما كان صوريّاً طافياً على اللسان، سرعان ما تزعزعه الشبَه والوساوِس، كما قال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ العبد يصبح مومناً، ويُمسي كافراً، ويصبح كافراً، ويُمسي مؤمناً، وقوم يعارون الإيمان ثُمّ يلبسونه، وُيسَمَّون المُعارين )(١).

وقالعليه‌السلام : ( إنّ اللّه تعالى جبَل النبييّن على نبوّتهم، فلا يرتدّون أبداً، وجَبَل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدّون أبداً، وجبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدّون أبداً، ومنهم مَن أُعير الإيمان عاريةً، فاذا هو دعا وألحّ في الدعاء مات على الإيمان )(٢).

وهكذا تعقّب الامام الصادقعليه‌السلام على حديثَيه السالفَين بحديثٍ ثالثٍ بجعلِه مِقياساً للتمييز بين الإيمان الثابت من المستودع، فيقول: ( إنّ الحسرة والندامة والويل كلّه لِمَن لم ينتفع بما أبصره، ولم يدرِ ما الأمر الذي هو عليه مقيم، أنفْعٌ له أم ضرّ )، قلت ( الراوي ): فَبِم يُعرَف الناجي مِن هؤلاء جُعِلت فداك ؟

_____________________

(١)، (٢) الوافي ج ٣ ص ٥٠ عن الكافي.

١٤٧

قال: ( مَن كان فعله لقوله موافقاً، فأثبتُ له الشهادةَ بالنجاة، ومن لم يكن فعله لقوله موافقاً، فإنما ذلك مستودع»(١).

٣ - الكَسْبي: وهو الايمان الفطري الطفيف الذي نمّاه صاحبه واستزاد رصيده حتى تكامل وسمى الى مستوى رفيع، وله درجات ومراتب.

وإليك بعض الوصايا والنصائح الباعثة على صيانة الجُزء الفطريّ مِن الإيمان، وتوفير الكسبي منه:

١ - مصاحبة المؤمنين الأخيار، ومجانبة الشقاة والعصاة، فإنّ الصاحب متأثّر بصاحبه ومُكتسِب مِن سلوكه وأخلاقه، كما قال الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( المرء على دين خلِيله، فلينظر أحدُكم مَن يُخالِل ).

٢ - ترك النظر والاستماع إلى كتب الضلال، وأقوال المضلّين، المولَعين بتسميم أفكار الناس وحَرْفِهم عن العقيدة والشريعة الإسلاميّتين، وإفساد قِيم الإيمان ومفاهيمه في نفوسهم.

٣ - ممارسة النظر والتفكّر في مخلوقات اللّه عزّ وجل، وما اتّصفت به مِن جميلِ الصنع، ودقّة النظام، وحكمة التدبير، الباهرة المدهشة:( وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) (٢).

٤ - ومن موجبات الإيمان وتوفير رصيده، جهاد النفس، وترويضها على طاعة اللّه تعالي، وتجنّب معاصيه، لتعمر النفس بمفاهيم الإيمان، وتُشرِق بنوره الوضّاء، فهي كالماء الزلال، لا يزال شفافاً رِقراقاً، ما لم تُكدّره

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٥٠ عن الكافي.

(٢) الذاريات (٢٠ - ٢١ ).

١٤٨

الشوائب فيغدو آنذاك آسِناً قاتِماً لا صفاءَ فيه ولا جمال. ولولا صدَأ الذنوب، وأوضار الآثام التي تنتاب القُلوب والنفوس، فتجهّم جمالها وتخبّئ أنوارها، لاستنار الأكثرون بالإيمان، وتألّقت نفوسُهم بشُعاعِه الوهّاج:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) (١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إذا أذنَب الرجل خرَج في قلبه نُكته سَوداء، فإنْ تاب انمحت، وإنْ زاد زادت، حتّى تغلّب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً )(٢).

_____________________

(١) الشمس ( ٧ - ١٠ ).

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٦٧ عن الكافي.

١٤٩

الصبر

وهو: احتمال المكاره مِن غير جزَع، أو بتعريفٍ آخر هو: قَسر النفس على مقتضيات الشرع والعقل أوامِراً ونَواهياً، وهو دليل رَجاحة العقل، وسِعة الأفق، وسموّ اخلق، وعظمة البطولة والجَلَد، كما هو معراج طاعة اللّه تعالى ورضوانه، وسبَب الظفَر والنجاح، والدرع الواقي من شماتة الأعداء والحسّاد.

وناهيك في شرف الصبر، وجلالة الصابرين، أنّ اللّه عزّ وجل، أشاد بهما، وباركهما في نَيف وسبعين موطناً من كتابه الكريم:

بشّر الصابرين بالرضا والحبّ، فقال تعالى:( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) (١).

ووعدهم بالتأييد:( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (٢) .

وأغدق عليهم ألوان العناية واللطف:( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*

____________________

(١) آل عمران: ١٤٦.

(٢) الأنفال: ٤٦.

(٣) الزمر: ١٠.

١٥٠

الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (١).

وهكذا تواترت أخبار أهل البيتعليهم‌السلام في تمجيد الصبر والصابرين.

قال الصادقعليه‌السلام :

( الصبرُ مِن الإيمان بمنزلة الرأس مِن الجسَد، فإذا ذهَب الرأس ذهَب الجسَد، وكذلك إذا ذهَب الصبر ذهَب الإيمان )(٢).

وقال الباقرعليه‌السلام : ( الجنّة محفوفةٌ بالمكاره والصبر، فمَن صبَر على المكاره في الدنيا دخل الجنّة، وجهنّم محفوفةٌ باللذات والشهَوات، فمَن أعطى نفسه لذّتها وشهَوتها دخل النار )(٣).

وقالعليه‌السلام : ( لمّا حضَرت أبي الوفاة ضمّني إلى صدره، وقال: يا بُني، إصبر على الحقّ وإنْ كان مرّاً، تُوفّ أجرك بغير حساب )(٤).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن ابتُليَ مِن المؤمنين ببلاءٍ فصبَر عليه، كان له أجرُ ألف شهيد )(٥).

_____________________

(١) البقرة: ( ١٥٥ - ١٥٧ ).

(٢) الوافي: ( ج ٣ ص ٦٥ عن الكافي ).

(٣) الوافي: ( ج ٣ ص ٦٥ عن الكافي ).

(٤) الوافي: ( ج ٣ ص ٦٥ عن الكافي ).

(٥) الوافي ج ٣ ص ٦٦ عن الكافي ).

١٥١

ورُبَّ قائلٍ يقول: كيف يُعطى الصابر أجرَ ألف شهيد، والشهداء هُم أبطال الصبر على الجهاد والفداء ؟

فالمراد: أنّ الصابر يستحقّ أجر أُولئك الشهداء، وإنْ كانت مكافأتهم وثوابهم على اللّه تعالى أضعافاً مضاعفة عنه.

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( من لم يُنجه الصبر، أهلكه الجزع )(١).

أقسام الصبر

ينقسم الصبر باعتبار ظروفه ومقتضياته أقساماً أهمّها:

(١) الصبر على المكاره والنوائب:

وهو أعظم أقسامه، وأجلّ مصاديقه الدالّة على سموّ النفس، وتفتح الوعي، ورباطة الجأش، ومضاء العزيمة.

فالإنسان عرضةً للمآسي والارزاء، تنتابه قسراً واعتباطاً، وهو لا يملك إزائها حولاً ولا قوّة، وخير ما يفعله المُمتَحَن هو التذرّع بالصبر، فإنّه بلسم القلوب الجريحة، وعزاء النفوس المعذّبة.

ولولاه لانهار الإنسان، وغدا صريع الأحزان والآلام، من أجلّ ذلك حرّضت الآيات والأخبار على التحلّي بالصبر والاعتصام به:

قال تعالى:( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا

_____________________

(١) نهج البلاغة.

١٥٢

لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (١).

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( إنْ صبَرت جرى عليك القدَر وأنت مأجور، وإنْ جزعت جرى عليك القَدرُ، وأنت مأزور )(٢).

وممّا يجدر ذكره أنّ الصبر الجميل المحمود، هو الصبر على النوائب التي لا يستطيع الإنسان دفعها والتخلّص منها، كفقد عزيز، أو اغتصاب مال، أو اضطهاد عدوّ.

أمّا الاستسلام للنوائب، والصبر عليها مع القدرة على درئها وملافاتها فذلك حُمقٌ يستنكره الإسلام، كالصبر على المرَض وهو قادر على علاجه، وعلى الفقر وهو يستطيع اكتساب الرزق، وعلى هضم الحقوق وهو قادرٌ على استردادها وصيانتها.

ومِن الواضح أنّ ما يجرّد المرء مِن فضيلة الصبر، ويخرجه عن التجلّد، هو الجزَع المُفرِط المؤدّي إلى شقّ الجيوب، ولطم الخدود، والإسراف في الشكوى والتذمّر.

أمّا الآلام النفسيّة، والتنفيس عنها بالبكاء، أو الشكاية مِن متاعب المرض وعنائه فإنّها مِن ضرورات العواطف الحيّة، والمشاعر النبيلة، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله عند وفاة ابنه ابراهيم: ( تدمع العين، ويَحزَن القلب، ولا نقول ما يُسخِط الربّ ).

_____________________

(١) البقرة ( ١٥٥ - ١٥٧ ).

(٢) نهج البلاغة.

١٥٣

وقد حكت لنا الآثار طرَفاً رائعاً ممتعاً من قصص الصابرين على النوائب، ممّا يبعث على الإعجاب والإكبار، وحُسن التأسّي بأُولئك الأفذاذ.

حُكي أنّ كسرى سخَط على ( بزرجمهر ): فحبَسه في بيتٍ مظلم، وأمَر أنْ يُصفّد بالحديد، فبقيّ أيّاماً على تلك الحال، فأرسل إليه مَن يسأله عن حاله، فإذا هو منشرح الصدر، مطمئنّ النفس، فقالوا له: أنت في هذه الحالة مِن الضيق ونراك ناعم البال. فقال: اصطنعت ستّة أخلاط وعجنتها واستعملتها، فهي التي ابقتني على ما ترون.

قالوا: صِف لنا هذه لعلّنا ننتفع بها عند البلوى، فقال: نعم.

أمّا الخَلط الأوّل: فالثقة باللّه عزّ وجل.

وأمّا الثاني: فكلّ مقدرٍّ كائن.

وأمّا الثالث: فالصبرُ خير ما استعمله الممتَحن.

وأمّا الرابع: فإذا لم أصبر فماذا أصنع، ولا أعين على نفسي بالجزَع.

وأمّا الخامس: فقد يكون أشدّ ممّ أنا فيه.

وأمّا السادس، فمِن ساعة إلى ساعة فرج.

فبلغ ماقاله كسرى فأطلقه وأعزّه(١).

وعن الرضا عن أبيه عن أبيهعليهم‌السلام قال: ( إنّ سليمان بن داود قال ذات يوم لأصحابه: إنّ اللّه تبارك وتعالى قد وهَب لي مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ مِن بعدي: سخّر لي الريح، والإنس، والجنّ، والطير، والوحش، وعلّمني منطق الطير، وآتاني مِن كلّ شيء، ومع جميع ما أوتيتُ

_____________________

(١) سفينه البحار ج ٢ ص ٧.

١٥٤

مِن الملك ما تمّ لي سرورٌ يوم إلى الليل، وقد أحبَبت أنْ أدخل قصري في غد، فأصعَد أعلاه، وأنظر إلى ممالِكي، فلا تأذنوا لأحدٍ عليّ لئلاّ يردّ عليّ ما ينغّص عليّ يومي. قالوا: فلمّا كان من الغد أخذ عصاه بيده، وصعد إلى أعلى موضع قصره، ووقَف متّكئاً على عصاه ينظر إلى ممالكه مسروراً بما أُوتي، فرِحاً بما أعطي، اذ نظر إلى شابٍّ حسن الوجه واللباس قد خرَج عليه مِن بعض زوايا قصره، فلمّا بصر به سليمانعليه‌السلام ، قال له: من أدخَلك إلي هذا القصر، وقد أردت أنْ أخلو فيه اليوم، فبإذن مَن دخلت ؟

فقال الشاب: أدخلني هذا القصر ربّه، وبإذنه دخلت.

فقال: ربّه أحقّ به منّي، فمَن أنت ؟

قال: أنا ملَك الموت، قال: وفيما جئت ؟

قال: جئت لأقبض روحك.

قال: إمض لِما أُمِرت به، فهذا يومُ سروري، وأبى اللّه أنْ يكون لي سرور دون لقائه. فقبض ملك الموت روحه وهو متّكئ على عصاه...)(١) .

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٦١٤ عن عيون أخبار الرضا.

١٥٥

(٢) الصبر على طاعة اللّه والتصبّر عن عصيانه:

مِن الواضح أنّ النفوس مجبولةٌ على الجُموح والشرود مِن النُّظُم الإلزاميّة والضوابط المحدّدة لحُريّتها، وانطلاقها في مسارح الأهواء والشهَوات، وإنْ كانت باعثةً على إصلاحها وإسعادها.

فهي لا تنصاع لتلك النظُم، والضوابط، إلاّ بالإغراء، والتشويق، أو الإنذار والترهيب. وحيث كانت ممارسة طاعة اللّه عزّ وجل، ومجافاة عصيانه، شاقّين على النفس، كان الصبر على الطاعة والتصبّر عن المعصية من أعظم الواجبات، وأجلّ القُرُبات.

وجاءت الآيات الكريمة وأحاديث أهل البيتعليهم‌السلام مشوّقة إلى الأُولى ومحذّرة مِن الثانية بأساليبها الحكيمة البليغة:

قال الصادقعليه‌السلام : ( اصبروا على طاعة اللّه، وتصبّروا عن معصيته، فإنّما الدنيا ساعة، فما مضى فلستَ تجِد له سروراً ولاحزناً، وما لم يأتِ فلست تعرفه، فاصبر على تلك الساعة، فكأنّك قد اغتبطت )(١).

وقالعليه‌السلام : ( إذا كان يوم القيامة، يقوم عُنقٌ مِن الناس، فيأتون باب الجنّة فيضربونه، فيُقال لهم: مَن أنتم ؟ فيقولون: نحن أهل

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٣ عن الكافي.

١٥٦

الصبر. فيُقال لهم: على ما صبرتم ؟ فيقولون: كنّا نصبر على طاعة اللّه، ونصبر عن معاصي اللّه، فيقول اللّه تعالى: صدَقوا أدخلوهم الجنّة، وهو قوله تعالى:( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ( الزمر: ١٠ )(١)

وقالعليه‌السلام :

( الصبر صبران: فالصبر عند المصيبة، حَسَنٌ جميل، وأفضل مِن ذلك الصبر عمّا حرّم اللّه عزّ وجل، ليكون لك حاجزاً )(٢).

(٣) الصبر على النِّعَم:

وهو: ضبط النفس عن مسوّلات البطَر والطُّغيان، وذلك من سِمات عظمة النفس، ورجاحة العقل، وبُعد النظر.

فليس الصبر على مآسي الحياة وأرزائها بأَولى مِن الصبر على مسرّاتها وأشواقها، ومفاتنها، كالجاه العريض، والثراء الضخم، والسلطة النافذة، ونحو ذلك. حيث إنّ إغفال الصبر في الضرّاء يفضي إلى الجزع المدمّر، كما يؤدّي إهماله في السرّاء إلى البطَر والطغيان:( إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ) ( العلق: ٦ - ٧ ) وكلاهما ذميمٌ مقيت.

والمراد بالصبر على النِّعَم هو: رعاية حقوقها، واستغلالها في مجالات

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٥ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٦٥ عن الفقيه.

١٥٧

العطف والإحسان المادّية، أو المعنويّة: كرعاية البؤساء، وإغاثة المُضطهدين، والاهتمام بحوائج المؤمنين، والتوقّي مِن مزالق البطَر والتجبّر.

وللصبر أنواعٌ عديدةٌ أٌخرى:

فالصبر في الحرب: شجاعة، وضدّه الجُبْن.

والصبر عن الانتقام: حِلم، وضدّه الغضب.

والصبر عن زخارف الحياة: زُهد، وضدّه الحِرص.

والصبر على كتمان الأسرار: كتمان، وضدّه الإذاعة والنشر.

والصبر على شهوَتَيّ البطن والفرج: عفّة، وضدّه الشرَه.

فاتّضح بهذا أنّ الصبر نظام الفضائل، وقُطبها الثابت، وأساسها المكين.

محاسن الصبر:

نستنتج من العرض السالف أنّ الصبرَ عِماد الفضائل، وقُطب المكارم، ورأس المفاخر.

فهو عصمة الواجد الحزين، يخفّف وَجده، ويلطّف عناءه، ويمدّه بالسكينة والاطمئنان.

وهو ظمانٌ من الجزَع المدمّر، والهلَع الفاضح، ولولاه لانهار المصاب، وغدا فريسة العلل والأمراض، وعرضة لشماتة الأعداء والحسّاد.

وهو بعد هذا وذاك الأمل المرجّى فيما أعدّ اللّه للصابرين، من عظيم المكافآت، وجزيل الأجر والثواب.

١٥٨

كيف تكسب الصبر:

وإليك بعض النصائح الباعثة على كسب الصبر والتحلّي به:

١ - التأمّل في مآثر الصبر، وما يفيء على الصابرين من جميل الخصائص، وجليل العوائد والمنافع في الحياة الدنيا، وجزيل المثوبة والأجر في الآخرة.

٢ - التفكّر في مساوئ الجزَع، وسوء آثاره في حياة الإنسان، وأنّه لا يشفي غليلاً، ولا يردُّ قضاءً، ولا يُبدّل واقعاً، ولاينتج إلاّ بالشقاء والعناء. يقول ( دليل كارنيجي ): ( لقد قرأتُ خلال الأعوام الثمانية الماضية كلّ كتاب، وكلّ مجلّة، وكلّ مقالة عالجت موضوع القلَق، فهل تريد أنْ تعرف أحكَم نصيحة، وأجداها خرجْتُ بها مِن قراءتي الطويلة ؟ إنّها: ( إرض بما ليس منه بدّ ).

٣ - تفهم واقع الحياة، وأنّها مطبوعة على المتاعب والهموم:

طبعت على كدر وأنت تريدها

صفواً مِن الأقذار والأكدار

فليست الحياة دار هناء وارتياح، وإنّما هي: دار اختبار وامتحان للمؤمن، فكما يُرهق طلاّب العلم بالامتحانات إستجلاء لرصيدهم العلمي، كذلك يُمتحن المؤمن إختباراً لأَبعاد إيمانه ومبلغ يقينه.

قال تعالى:( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ

١٥٩

الكاذبين ) ( العنكبوت: ٢ - ٣ ).

٤ - الاعتبار والتأسّي بما عاناه العظماء، والأولياء، من صنوف المآسي والأرزاء، وتجلّدهم فيها وصبرهم عليها، في ذات اللّه، وذلك من محفّزات الجلَد والصمود.

٥ - التسلية والترفيه بما يُخفّف آلام النفس، ويُنَهنِه عن الوجد: كتغير المناخ، وإرتياد المناظر الجميلة، والتسلّي بالقصَص الممتعة، والأحاديث الشهيّة النافعة.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

يده مع يد الذّابح، ويسمّي الله تعالى، ويقول « وَجَّهْتُ وَجْهِيَ » إلى قوله « وأنا من المسلمين » ثمَّ يقول: « اللهم منك ولك. بسم الله، والله أكبر. اللهمّ تقبّل منّي » ثمَّ يمرّ السّكين. ولا ينخعه حتّى يموت. ومن أخطأ في الذّبيحة، فذكر غير صاحبها، كانت مجزئة عنه بالنّيّة. وينبغي أن يبدأ أيضا بالذّبح قبل الحلق، وفي العقيقة بالحلق قبل الذّبح. فإن قدّم الحلق على الذّبح ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن السّنّة أن يأكل الإنسان من هديه لمتعته، ومن الأضحيّة ويطعم القانع والمعترّ: يأكل ثلثه، ويطعم القانع والمعترّ ثلثه، ويهدي لأصدقائه الثّلث الباقي. وقد بيّنّا أنه لا يجوز أن يأكل من الهدي المضمون إلّا إذا كان مضطرّا. فإن أكل منه من غير ضرورة، كان عليه قيمته. ولا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وادّخارها. ولا يجوز أن يخرج من منى من لحم ما يضحّيه. ولا بأس بإخراج السّنام منه. ولا بأس أيضا بإخراج لحم قد ضحّاه غيره. ويستحبّ أن لا يأخذ شيئا من جلود الهدي والأضاحي، بل يتصدّق بها كلّها. ولا يجوز أيضا أن يعطيها الجزّار. وإذا أراد أن يخرج شيئا منها لحاجته إلى ذلك، تصدّق بثمنه.

ولا يجوز أن يحلق الرّجل رأسه، ولا أن يزور البيت، إلا بعد الذّبح، أو أن يبلغ الهدي محلّه. وهو أن يحصل في رحله

٢٦١

فإذا حصل في رحله بمنى، وأراد أن يحلق، جاز له ذلك. ومتى فعل ذلك ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومن وجبت عليه بدنة في نذر أو كفّارة، ولم يجدها، كان عليه سبع شياه. فإن لم يجد، صام ثمانية عشر يوما إمّا بمكّة أو إذا رجع إلى أهله.

والصّبيّ إذا حجّ به متمتّعا، وجب على وليّه أن يذبح عنه.

ومن لم يتمكّن من شراء هدي، إلّا يبيع بعض ثيابه التي يتجمّل بها، لم يلزمه ذلك، وكان الصوم مجزئا عنه.

ويجزي الهدي عن الأضحيّة. وإن جمع بينهما، كان أفضل. ومن لم يجد الأضحيّة، جاز له أن يتصدّق بثمنها. فإن اختلفت أثمانها، نظر إلى الثّمن الأوّل والثّاني والثّالث، وجمعها ثمَّ يتصدّق بثلثها، وليس عليه شي‌ء.

ومن نذر لله تعالى أن ينحر بدنة، فإن سمّى الموضع الذي ينحرها فيه، وجب عليه الوفاء به، وإن لم يسمّ الموضع، لم يجز له أن ينحرها إلّا بفناء الكعبة. ويكره للإنسان أن يضحّي بكبش قد تولّى تربيته، ويستحبّ أن يكون ذلك ممّا يشتريه.

باب الحلق والتقصير

يستحبّ أن يحلق الإنسان رأسه بعد الذّبح. وإن كان صرورة، لا يجزئه غير الحلق. وإن كان ممّن حجّ حجّة الإسلام، جاز له التّقصير، والحلق أفضل. اللهمّ إلّا أن يكون قد لبّد

٢٦٢

شعره. فإن كان كذلك، لم يجزئه غير الحلق في جميع الأحوال.

ومن ترك الحلق عامدا أو التّقصير إلى أن يزور البيت، كان عليه دم شاة. وإن فعله ناسيا، لم يكن عليه شي‌ء، وكان عليه إعادة الطّواف. ومن رحل من منى قبل الحلق، فليرجع إليها، ولا يحلق رأسه إلّا بها مع الاختيار. فإن لم يتمكّن من الرّجوع إليها، فليحلق رأسه في مكانه، ويردّ شعره إلى منى، ويدفنه هناك فإن لم يتمكّن من ردّ الشعر، لم يكن عليه شي‌ء.

والمرأة ليس عليها حلق، ويكفيها من التّقصير مقدار أنملة.

وإذا أراد أن يحلق، فليبدأ بناصيته من القرن الأيمن ويحلق إلى العظمين ويقول إذا حلق: « اللهمّ أعطني بكلّ شعرة نورا يوم القيامة ». ومن لم يكن على رأسه شعر، فليمرّ الموسى عليه. وقد أجزأه. وإذا حلق رأسه، فقد حلّ له كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النّساء والطّيب، إن كان متمتّعا. فإن كان حاجّا غير متمتّع، حلّ له كلّ شي‌ء إلّا النّساء. فإذا طاف طواف الزّيارة، حلّ له كلّ شي‌ء إلّا النّساء. فإذا طاف طواف النّساء، حلّت له أيضا النّساء.

ويستحبّ ألا يلبس الثّياب إلّا بعد الفراغ من طواف الزّيارة، وليس ذلك بمحظور. وكذلك يستحبّ ألّا يمسّ الطّيب إلّا بعد الفراغ من طواف النّساء، وإن لم يكن ذلك محظورا على ما قدّمناه.

٢٦٣

باب زيارة البيت والرجوع الى منى ورمي الجمار

فإذا فرغ من مناسكه بمنى، فليتوجّه إلى مكّة، وليزر البيت يوم النّحر، ولا يؤخره إلّا لعذر. فإن أخّره لعذر، زار من الغد ولا يؤخر أكثر من ذلك. هذا إذا كان متمتّعا. فإن كان مفردا أو قارنا، جاز له أن يؤخر الى أيّ وقت شاء، غير أنّه لا تحلّ له النّساء. وتعجيل الطّواف للقارن والمفرد أفضل من تأخيره.

ويستحبّ لمن أراد زيارة البيت أن يغتسل قبل دخول المسجد والطّواف بالبيت، ويقلّم أظفاره، ويأخذ من شاربه، ثمَّ ثمَّ يزور. ولا بأس أن يغتسل الإنسان بمنى، ثمَّ يجي‌ء إلى مكّة، فيطوف بذلك الغسل بالبيت. ولا بأس أن يغتسل بالنّهار ويطوف بالليل ما لم ينقض ذلك الغسل بحدث أو نوم. فإن نقضه بحدث أو نوم، فليعد الغسل استحبابا، حتّى يطوف وهو على غسل. ويستحبّ للمرأة أيضا أن تغتسل قبل الطّواف.

وإذا أراد أن يدخل المسجد، فليقف على بابه، ويقول: « اللهمّ أعنّي على نسكك » إلى آخر الدّعاء الذي ذكرناه في الكتاب المقدّم ذكره. ثمَّ يدخل المسجد، ويأتي الحجر الأسود فيستلمه ويقبّله. فإن لم يستطع، استلمه بيده وقبّل يده. فإن لم يتمكّن من ذلك أيضا، استقبله، وكبّر، وقال ما قال حين طاف بالبيت يوم قدم مكّة. ثمَّ يطوف بالبيت أسبوعا كما قدّمنا وصفه

٢٦٤

ويصلّي عند المقام ركعتين. ثمَّ ليرجع الى الحجر الأسود فيقبّله، إن استطاع، ويستقبله ويكبّر. ثمَّ ليخرج إلى الصّفا، فيصنع عنده ما صنع يوم دخل مكّة. ثمَّ يأتي المروة، ويطوف بينهما سبعة أشواط، يبدأ بالصّفا ويختم بالمروة.

فإذا فعل ذلك، فقد حلّ له كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النّساء. ثمَّ ليرجع الى البيت، فيطوف به طواف النّساء أسبوعا، يصلّي عند المقام ركعتين، وقد حلّ له النّساء.

وأعلم أنّ طواف النّساء فريضة في الحجّ وفي العمرة المبتولة. وليس بواجب في العمرة التي يتمتّع بها الى الحج. فإن مات من وجب عليه طواف النّساء. كان على وليّه القضاء عنه. وإن تركه وهو حيّ، كان عليه قضاؤه. فإن لم يتمكّن من الرّجوع الى مكّة، جاز له أن يأمر من يتوب عنه. فإذا طاف النّائب عنه، حلّت له النّساء. وطواف النّساء فريضة على النّساء والرّجال والشّيوخ والخصيان، لا يجوز لهم تركه على حال.

فإذا فرغ الإنسان من الطّواف فليرجع إلى منى ولا يبيت ليالي التّشريق إلّا بها. فإن بات في غيرها، كان عليه دم شاة. فإن بات بمكّة ليالي التّشريق، ويكون مشتغلا بالطّواف والعبادة، لم يكن عليه شي‌ء. وإن لم يكن مشتغلا بهما، كان عليه ما ذكرناه، وان خرج من منى بعد نصف اللّيل، جاز له أن يبيت بغيرها، غير أنّه لا يدخل مكّة إلّا بعد طلوع الفجر. وإن تمكّن ألّا يخرج

٢٦٥

منها إلّا بعد طلوع الفجر، كان أفضل. ومن بات الثّلاث ليال بغير منى متعمّدا، كان عليه ثلاثة من الغنم. والأفضل أن لا يبرح الإنسان أيّام التّشريق من منى. فإن أراد أن يأتي مكّة للطّواف بالبيت تطوّعا، جاز له ذلك، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه.

وإذا رجع الإنسان إلى منى لرمي الجمار، كان عليه أن يرمي ثلاثة أيّام: الثّاني من النّحر والثّالث والرّابع، كلّ يوم بإحدى وعشرين حصاة. ويكون ذلك عند الزّوال، فإنّه الأفضل. فإن رماها ما بين طلوع الشمس الى غروبها، لم يكن به بأس.

فإذا أراد أن يرمي، فليبدأ بالجمرة الأولى، فليرمها عن يسارها من بطن المسيل بسبع حصيات يرميهنّ خذفا. ويكبّر مع كلّ حصاة، ويدعوا بالدّعاء الذي قدّمناه. ثمَّ يقوم عن يسار الطّريق ويستقبل القبلة، ويحمد الله تعالى ويثني عليه، ويصلّي على النّبيّ وآله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمَّ ليتقدم قليلا ويدعوا ويسأله أن يتقبّل منه. ثمَّ يتقدّم أيضا ويرمي الجمرة الثّانية، ويصنع عندها كما صنع عند الأولى، ويقف ويدعوا، ثمَّ يمضي إلى الثّالثة فيرميها كما رمى الأوليين، ولا يقف عندها.

وإذا غابت الشّمس، ولم يكن قد رمى بعد، فلا يجوز له أن يرمي إلّا في الغد. فإذا كان من الغد، رمى ليومه مرّة، ومرّة قضاء لما فاته، ويفصل بينهما بساعة. وينبغي أن يكون الذي يرمي لأمسه بكرة، والذي ليومه عند الزّوال. فإن فاته رمي يومين،

٢٦٦

رماها كلّها يوم النّفر، وليس عليه شي‌ء. وقد بينا أنّه لا يجوز الرّمي باللّيل. وقد رخّص للعليل والخائف والرّعاة والعبيد الرّمي باللّيل. ومن نسي رمي الجمار الى أن أتى مكّة، عاد إلى منى، ورماها، وليس عليه شي‌ء. وحكم المرأة في جميع ما ذكرناه حكم الرّجل سواء.

فإن لم يذكر الى أن يخرج من مكّة، لم يكن عليه شي‌ء. إلّا أنّه إن حجّ في العام المقبل، أعاد ما كان قد فاته من رمي الجمار. وإن لم يحجّ أمر وليّه أن يرمي عنه. فإن لم يكن له وليّ، استعان برجل من المسلمين في قضاء ذلك عنه.

والترتيب واجب في الرّمي. يجب أن يبدأ بالجمرة العظمى ثمَّ الوسطى ثمَّ جمرة العقبة. فمن خالف شيئا منها، أو رماها منكوسة، كان عليه الإعادة. ومن بدأ بجمرة العقبة ثمَّ الوسطى ثمَّ الأولى، أعاد على الوسطى ثمَّ جمرة العقبة وقد أجزأه. فإن نسي فرمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات، ورمى الجمرتين الأخريين على التّمام، كان عليه ان يعيد عليها كلّها. وإن كان قد رمى من الجمرة الأولى بأربع حصيات ثمَّ رمى الجمرتين على التّمام، كان عليه أن يعيد على الأولى بثلاث حصيات. وكذلك إن كان قد رمى على الوسطى أقل من أربعة، أعاد عليها وعلى ما بعدها. وإن رماها بأربعة، تمّمها، وليس عليه شي‌ء من الإعادة على الثّالثة. ومن رمى جمرة بست حصيات، وضاعت عنه واحدة،

٢٦٧

أعاد عليها بحصاة، وإن كان من الغد. ولا يجوز له أن يأخذ من حصى الجمار فيرمي بها. ومن علم أنّه قد نقص حصاة واحدة، ولم يعلم من أي الجمار هي، أعاد على كلّ واحدة منها بحصاة. فإن رمى بحصاة، فوقعت في محمله، أعاد مكانها حصاة أخرى. فإن أصابت إنسانا أو دابّة، ثمَّ وقعت على الجمرة، فقد أجزأه.

ولا بأس أن يرمي الإنسان راكبا. وإن رمى ماشيا، كان أفضل ولا بأس أن يرمى عن العليل والمبطون والمغمى عليه والصّبيّ.

وينبغي أن يكبّر الإنسان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة. يبدأ بالتّكبير يوم النّحر من بعد الظّهر إلى صلاة الفجر من اليوم الثّالث من أيّام التّشريق، وفي الأمصار عقيب عشر صلوات، يبدأ عقيب الظّهر من يوم النّحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثّاني من أيّام التّشريق، ويقول في التّكبير: « الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلّا الله، والله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام ».

باب النفر من منى ودخول الكعبة ووداع البيت

لا بأس أن ينفر الإنسان من منى اليوم الثّاني من أيّام التّشريق وهو اليوم الثّالث من يوم النّحر. فإن أقام إلى النّفر الأخير، وهو اليوم الثّالث من أيّام التّشريق والرّابع من يوم النّحر، كان أفضل. فإن كان ممّن أصاب النّساء في إحرامه أو صيدا، لم يجز له أن

٢٦٨

ينفر في النّفر الأوّل. ويجب عليه المقام الى النّفر الأخير. وإذا أراد أن ينفر في النّفر الأوّل، فلا ينفر إلّا بعد الزّوال، إلّا أن تدعوه ضرورة إليه من خوف وغيره، فإنّه لا بأس أن ينفر قبل الزّوال، وله أن ينفر بعد الزّوال ما بينه وبين غروب الشّمس. فإذا غابت الشّمس، لم يجز له النّفر، وليبت بمنى الى الغد. وإذا نفر في النّفر الأخير، جاز له أن ينفر من بعد طلوع الشّمس أيّ وقت شاء. فإن لم ينفر وأراد المقام بمنى، جاز له ذلك، إلّا الإمام خاصّة، فإنّ عليه أن يصلّي الظّهر بمكّة.

ومن نفر من منى، وكان قد قضى مناسكه كلّها، جاز له أن لا يدخل مكّة. وإن كان قد بقي عليه شي‌ء من المناسك، فلا بدّ له من الرّجوع إليها. والأفضل على كلّ حال الرّجوع إليها لتوديع البيت وطواف الوداع.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان بمسجد منى، وهو مسجد الخيف. وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مسجده عند المنارة التي في وسط المسجد، وفوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا، وعن يمينها وعن يسارها مثل ذلك. فإن استطعت أن يكون مصلّاك فيه، فافعل. ويستحبّ أن يصلّي الإنسان ستّ ركعات في مسجد منى. فإذا بلغ مسجد الحصباء، وهو مسجد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليدخله وليسترح فيه قليلا وليستلق على قفاه.

٢٦٩

فإذا جاء إلى مكّة فليدخل الكعبة، إن تمكّن من ذلك سنّة واستحبابا. والصّرورة لا يترك دخولها على حال مع الاختيار. فإن لم يتمكّن من ذلك، لم يكن عليه شي‌ء.

فإذا أراد دخول الكعبة فليغتسل قبل دخولها سنّة مؤكّدة. فإذا دخلها، فلا يمتخط فيها، ولا يبصق. ولا يجوز دخولها بحذاء. ويقول إذا دخلها: « اللهمّ إنّك قلت: ومن دخله كان آمنا، فآمنّى من عذابك عذاب النار ».

ثمَّ يصلّي بين الأسطوانتين على الرّخامة الحمراء ركعتين، يقرأ في الأولى منهما « حم السّجدة » وفي الثّانية عدد آياتها، ثمَّ ليصلّ في زوايا البيت كلّها، ثمَّ يقول: « اللهمّ من تهيّأ وتعبّأ » إلى آخر الدّعاء. فإذا صلّى عند الرّخامة على ما قدّمناه، وفي زوايا البيت، قام فاستقبل الحائط بين الرّكن اليمانيّ والغربيّ، ويرفع يديه، ويلتصق به، ويدعوا. ثمَّ يتحوّل الى الرّكن اليمانيّ، فيفعل به مثل ذلك. ثمَّ يأتي الرّكن الغربيّ، ويفعل به أيضا مثل ذلك، ثمَّ ليخرج. ولا يجوز أن يصلّي الإنسان الفريضة جوف الكعبة مع الاختيار. فإن اضطرّ الى ذلك، لم يكن عليه بأس بالصّلاة فيها. فأمّا النّوافل فالصّلاة فيها مندوب اليه.

فإذا خرج من البيت ونزل عن الدرجة، صلّى عن يمينه ركعتين. فإذا أراد الخروج من مكّة، جاء الى البيت، فطاف به أسبوعا طواف الوداع سنّة مؤكّدة. فإن استطاع أن يستلم الحجر

٢٧٠

والرّكن اليمانيّ في كل شوط، وفعل. وإن لم يتمكّن، افتتح به، وختم به، وقد أجزأه. فإن لم يتمكن من ذلك أيضا، لم يكن عليه شي‌ء. ثمَّ يأتي المستجار، فيصنع عنده كما صنع يوم قدم مكّة. ويتخيّر لنفسه من الدّعاء ما أراد. ثمَّ يستلم الحجر الأسود، ثمَّ يودّع البيت ويقول: « اللهمّ لا تجعله آخر العهد من بيتك » ثمَّ ليأت زمزم فيشرب منه، ثمَّ ليخرج، ويقول: « آئبون تائبون، عابدون، لربّنا حامدون، الى ربّنا راغبون، الى ربّنا راجعون ». فإذا خرج من باب المسجد، فليكن خروجه من باب الحنّاطين. فيخرّ ساجدا، ويقوم مستقبل الكعبة، فيقول: « اللهمّ إني أنقلب على لا إله إلا الله ».

ومن لم يتمكّن من طواف الوداع، أو شغله شاغل عن ذلك حتى خرج، لم يكن عليه شي‌ء. فإذا أراد الخروج من مكّة، فليشتر بدرهم تمرا، وليتصدّق به، ليكون كفّارة لما دخل عليه في الإحرام، إن شاء الله.

باب فرائض الحج

فرائض الحجّ: الإحرام من الميقات، والتّلبيات الأربع، والطّواف بالبيت، إن كان متمتّعا، ثلاثة أطواف: طواف للعمرة، وطواف للزيارة، وطواف للنّساء، وإن كان قارنا أو مفردا، طوافان: طواف للحجّ، وطواف للنّساء، ويلزمه مع

٢٧١

كلّ طواف ركعتان عند المقام، وهما أيضا فرضان، والسّعي بين الصّفا والمروة، والوقوف بالموقفين: عرفات والمشعر الحرام وإن كان متمتّعا، كان الهدي أيضا واجبا عليه أو ما يقوم مقامه.

فمن ترك الإحرام متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركه ناسيا حتّى يجوز الميقات، كان عليه أن يرجع إليه، ويحرم منه، إذا تمكّن منه. فإن لم يتمكّن لضيق الوقت أو الخوف أو ما جرى مجراهما من أسباب الضّرورات، أحرم من موضعه وقد أجزأه. فإن كان قد دخل مكّة، وأمكنه الخروج الى خارج الحرم، فليخرج وليحرم منه. فإن لم يستطع ذلك، أحرم من موضعه.

ومن ترك التّلبية متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركها ناسيا، ثمَّ ذكر، فليجدّد التّلبية، وليس عليه شي‌ء.

ومن ترك طواف الزّيارة متعمّدا، فلا حجّ له. وإن تركه ناسيا، أعاد الطّواف أيّ وقت ذكره.

ومن ترك طواف النّساء متعمّدا، لم يبطل حجّة، إلّا أنّه لا تحلّ له النّساء، حتى يطوف عنه حسب ما قدّمناه. وركعتا الطّواف متى تركهما ناسيا، كان عليه قضاءهما حسب ما قدّمناه.

ومن ترك السّعي متعمّدا، فلا حجّ له. فإن تركه ناسيا،

٢٧٢

عليه قضاؤه حسب ما قدّمناه.

ومن ترك الوقوف بعرفات متعمّدا، أو بالمشعر الحرام، فلا حجّ له. فإن ترك الوقوف بعرفات ناسيا، كان عليه أن يعود، فيقف بها ما بينه وبين طلوع الفجر من يوم النّحر. فإن لم يذكر إلّا بعد طلوع الفجر، وكان قد وقف بالمشعر، فقد تمَّ حجّه، وليس عليه شي‌ء.

وإذا ورد الحاجّ ليلا، وعلم: أنّه مضى الى عرفات، وقف بها وإن كان قليلا، ثمَّ عاد الى المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس، وجب عليه المضيّ إليها والوقوف بها، ثمَّ يجي‌ء إلى المشعر الحرام. فإن غلب على ظنّه أنّه إن مضى الى عرفات، لم يلحق المشعر قبل طلوع الشّمس، اقتصر على الوقوف بالمشعر، وقد تمَّ حجّه، وليس عليه شي‌ء.

ومن أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس، فقد أدرك الحجّ. وإن أدركه بعد طلوع الشّمس، فقد فاته الحجّ.

ومن وقف بعرفات، ثمَّ قصد المشعر، فعاقه في الطّريق عائق، فلم يلحق الى قرب الزّوال، فقد تمَّ حجّه، ويقف قليلا بالمشعر ويمضي إلى منى. ومن لم يكن قد وقف بعرفات، وأدرك المشعر بعد طلوع الشّمس، فقد فاته الحجّ، لأنّه لم يلحق أحد الموقفين في وقته.

ومن فاته الحجّ، فليقم على إحرامه الى انقضاء أيّام

٢٧٣

التّشريق، ثمَّ يجي‌ء، فيطوف بالبيت، ويسعى بين الصّفا والمروة، ويجعل حجّته عمرة. وإن كان قد ساق معه هديا، فلينحره بمكّة وكان عليه الحجّ من قابل إن كانت حجته حجّة الإسلام. وإن كانت حجّة التّطوّع، كان بالخيار: إن شاء حجّ، وإن شاء لم يحجّ. ومن حضر المناسك كلّها ورتّبها في مواضعها. إلّا أنّه كان سكرانا، فلا حجّ له، وكان عليه الحجّ من قابل.

باب مناسك النساء في الحج والعمرة

قد بيّنّا فيما تقدّم من أن الحجّ واجب على النّساء كوجوبه على الرّجال. فمتى كانت المرأة لها زوج، فلا تخرج إلّا معه. فإن منعها زوجها من الخروج في حجّة الإسلام، جاز لها خلافه. ولتخرج، وتحجّ حجّة الإسلام. وإن أرادت أن تحجّ تطوّعا، فمنعها زوجها، فليس لها مخالفته.

وينبغي أن لا تخرج إلّا مع ذي محرم لها من أب أو أخ أو عمّ أو خال. فإن لم يكن لها أحد ممّن ذكرناه. جاز لها أن تخرج مع من تثق بدينه من المؤمنين.

وإذا كانت المرأة في عدّة الطّلاق، جاز لها أن تخرج في حجّة الإسلام، سواء كان للزّوج عليها رجعة أو لم تكن. وليس لها أن تخرج إذا كانت حجّتها تطوّعا، إلّا أن تكون العدّة

٢٧٤

لزوجها عليها فيها رجعة. فأمّا عدّة المتوفّى عنها زوجها، فلا بأس بها أن تخرج فيها الى الحجّ فرضا كان أو نفلا.

وإذا خرجت المرأة، وبلغت ميقات أهلها، فعليها أن تحرم منه، ولا تؤخره. فإن كانت حائضا، توضّأت وضوء الصّلاة واحتشت واستثفرت وأحرمت، إلّا أنها لا تصلّي ركعتي الإحرام فإن تركت الإحرام ظنّا منها أنّه لا يجوز لها ذلك، وجازت الميقات، كان عليها أن ترجع الى الميقات، فتحرم منه، إذا أمكنها ذلك. فإن لم يمكنها، أحرمت من موضعها. إذا لم تكن قد دخلت مكّة. فإن كانت قد دخلت مكّة، فلتخرج الى خارج الحرم، وتحرم من هناك. فإن لم يمكنها ذلك، أحرمت من موضعها، وليس عليها شي‌ء.

فإذا دخلت المرأة مكّة، وكانت متمتّعة، طافت بالبيت، وسعت بين الصّفا والمروة، وقصّرت. وقد أحلّت من كلّ ما أحرمت منه مثل الرّجل سواء.

فإن حاضت قبل الطّواف، انتظرت ما بينها وبين الوقت الذي تخرج الى عرفات. فإن طهرت، طافت وسعت. وإن لم تطهر، فقد مضت متعتها، وتكون حجّة مفردة، تقضي المناسك كلّها ثمَّ تعتمر بعد ذلك عمرة مبتولة. فإن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثمَّ حاضت، كان حكمها حكم من لم يطف. وإذا طافت أربعة أشواط، ثمَّ حاضت، قطعت الطّواف،

٢٧٥

وسعت بين الصّفا والمروة، وقصّرت، ثمَّ أحرمت بالحجّ، وقد تمّت متعتها.

فإذا فرغت من المناسك، وطهرت تمّمت الطّواف. وإن كانت قد طافت الطّواف كلّه، ولم تكن قد صلّت الرّكعتين عند المقام، فلتخرج من المسجد، ولتسع، وتعمل ما قدّمناه من الإحرام بالحجّ وقضاء المناسك، ثمَّ تقضي الرّكعتين إذا طهرت. وإذا طافت بالبيت بين الصّفا والمروة وقصّرت، ثمَّ أحرمت بالحجّ، وخافت أن يلحقها الحيض فيما بعد، فلا تتمكّن من طواف الزّيارة وطواف النّساء، فجائز لها أن تقدّم الطّوافين معا، والسّعي بين الصّفا والمروة، ثمَّ تخرج فتقضي المناسك كلّها، ثمَّ ترجع الى منزلها.

فإن كانت قد طافت طواف الزّيارة، وبقي عليها طواف النّساء، فلا تخرج من مكّة إلّا بعد أن تقضيه. وإن كانت قد طافت منه أربعة أشواط وأرادت الخروج، جاز لها أن تخرج وإن لم تتمّ الطّواف.

والمستحاضة لا بأس بها أن تطوف بالبيت، وتصلّي عند المقام، وتشهد المناسك كلّها، إذا فعلت ما تفعله المستحاضة. والفرق بينها وبين الحائض، أنّ الحائض لا يحلّ لها دخول المسجد، فلا تتمكّن من الطّواف، ولا يجوز لها أيضا الصّلاة، والطّواف لا بدّ فيه من الصّلاة، وليس هذا حكم المستحاضة.

٢٧٦

وإذا أرادت الحائض وداع البيت، فلا تدخل المسجد، ولتودّع من أدنى باب من أبواب المسجد، وتنصرف، إن شاء الله.

وإذا كانت المرأة عليلة لا تقدر على الطّواف، طيف بها، وتستلم الأركان والحجر. فإن كان عليها زحمة، فتكفيها الإشارة. ولا تزاحم الرّجال. وإن كان بها علّة تمنع من حملها والطّواف بها، طاف عنها وليّها، وليس عليها شي‌ء. وكذلك إذا كانت عليلة لا تعقل عند الإحرام، أحرم عنها وليّها، وجنّبها ما يجتنب المحرم، وقد تمَّ إحرامها. وليس على النّساء حلق ولا دخول البيت. فإن أرادت دخول البيت، فلتدخله إذا لم يكن هناك زحام. ولا يجوز للمستحاضة دخول البيت على حال.

باب من حج عن غيره

من وجب عليه الحجّ، لا يجوز له أن يحجّ عن غيره إلّا بعد أن يقضي حجّته التي وجبت عليه. فإذا قضاها، جاز له بعد ذلك أن يحجّ عن غيره. ومن ليس له مال يجب عليه الحجّ، جاز له أن يحجّ عن غيره. فإن تمكّن بعد ذلك من المال، كان عليه أن يحجّ عن نفسه، وقد أجزأت الحجّة التي حجّها عمّن حجّ عنه.

وينبغي لمن يحجّ عن غيره أن يذكره في المواضع كلّها،

٢٧٧

فيقول عند الإحرام: اللهمّ ما أصابني من تعب أو نصب أو لغوب فأجر فلان بن فلان، وأجرني في نيابتي عنه. وكذلك يذكره عند التّلبية والطّواف والسّعي وعند الموقفين وعند الذّبح وعند قضاء جميع المناسك، فإن لم يذكره في هذه المواضع، وكانت نيته الحجّ عنه، كان جائزا.

ومن أمر غيره أن يحجّ عنه متمتّعا، فليس له أن يحجّ عنه مفردا ولا قارنا. فإن حجّ عنه كذلك، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. وإن أمره أن يحجّ عنه مفردا أو قارنا، جاز له أن يحجّ عنه متمتّعا، لأنه يعدل الى ما هو الأفضل. ومن أمر غيره أن يحجّ عنه على طريق بعينها، جاز له أن يعدل عن ذلك الطّريق الى طريق آخر. وإذا أمره أن يحجّ عنه بنفسه، فليس له أن يأمر غيره بالنّيابة عنه. فإن جعل الأمر في ذلك اليه، جاز له أن يستنيب غيره فيه. وإذا أخذ حجة عن غيره، لا يجوز له أن يأخذ حجة أخرى، حتى يقضي التي أخذها.

وإذا حجّ عن غيره، فصدّ عن بعض الطّريق، كان عليه ممّا أخذه بمقدار ما بقي من الطّريق. اللهم إلّا أن يضمن الحجّ فيما يستأنف، ويتولّاه بنفسه.

فإن مات النّائب في الحجّ، وكان موته بعد الإحرام ودخول الحرم، فقد سقطت عنه عهدة الحجّ، وأجزأ عمّن حجّ عنه وإن مات قبل الإحرام ودخول الحرم، كان على ورثته، إن

٢٧٨

خلّف في أيديهم شيئا، مقدار ما بقي عليه من نفقة الطّريق. وإذا أخذ حجة، فأنفق ما أخذه في الطّريق من غير إسراف، واحتاج الى زيادة، كان على صاحب الحجّة أن يتمّمه استحبابا. فإن فضل من النّفقة شي‌ء، كان له، وليس لصاحب الحجّة الرّجوع عليه بالفضل. ولا يجوز للإنسان أن يطوف عن غيره وهو بمكّة، إلّا أن يكون الذي يطوف عنه مبطونا لا يقدر على الطّواف بنفسه، ولا يمكن حمله والطّواف به. وإن كان غائبا، جاز أن يطوف عنه.

وإذا حجّ الإنسان عن غيره من أخ له أو أب أو ذي قرابة أو مؤمن، فإن ثواب ذلك يصل الى من حجّ عنه من غير أن ينقض من ثوابه شي‌ء. وإذا حجّ الإنسان عمّن يجب عليه الحجّ بعد موته تطوّعا منه بذلك، فإنّه يسقط عن الميّت بذلك فرض الحجّ.

ومن كان عنده وديعة، فمات صاحبها، وله ورثة، ولم يكن قد حجّ حجّة الإسلام، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يحجّ عنه، ويردّ الباقي على ورثته، إذا غلب على ظنّه أنّ ورثته لا يقضون عنه حجّة الإسلام. فإن غلب على ظنّه أنّهم يتولّون القضاء عنه، فلا يجوز له أن يأخذ منها شيئا إلّا بأمرهم.

ولا بأس أن تحجّ المرأة عن الرّجل إذا كانت قد حجّت

٢٧٩

حجّة الإسلام، وكانت عارفة. وإذا لم تكن حجّت حجّة الإسلام، وكانت صرورة، لم يجز لها أن تحجّ عن غيرها على حال.

ولا يجوز لأحد أن يحجّ عن غيره إذا كان مخالفا له في الاعتقاد، اللهمّ إلّا أن يكون أباه، فإنّه يجوز له أن يحجّ عنه.

باب العمرة المفردة

العمرة فريضة مثل الحجّ، لا يجوز تركها. ومن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، سقط عنه فرضها. وإن لم يتمتّع، كان عليه أن يعتمر بعد انقضاء الحجّ، إن أراد، بعد انقضاء أيّام التّشريق، وإن شاء أخّرها إلى استقبال المحرّم. ومن دخل مكّة بالعمرة المفردة في غير أشهر الحجّ، لم يجز له أن يتمتّع بها الى الحجّ. فإن أراد التّمتّع كان عليه تجديد عمرة في أشهر الحجّ. وإن دخل مكّة بالعمرة المفردة في أشهر الحجّ، جاز له أن يقضيها، ويخرج الى بلده أو أيّ موضع شاء. والأفضل له أن يقيم حتى يحجّ، ويجعلها متعة. وإذا دخلها بنيّة التّمتّع، لم يجز له أن يجعلها مفردة، وأن يخرج من مكّة، لأنّه صار مرتبطا بالحجّ. وأفضل العمرة ما كانت في رجب، وهي تلي الحجّ في الفضل.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517