أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت3%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 333175 / تحميل: 11875
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

( ومالي لا أبكي !! ولا أدري إلى ما يكون مصيري، وأرى نفسي تُخادعني، وأيّامي تخاتلني، وقد خفَقَت عند رأسي أجنحة الموت، فمالي لا أبكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لِحدي، أبكي لسؤال منكرٍ ونكير إيّايَ، أبكي لخروجي مِن قبري عُرياناً ذليلاً حاملاً ثقلي على ظهري، أنظر مرّة عن يميني، وأُخرى عن شمالي، إذ الخلائق في شأنٍ غير شأني:( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ) ( عبس: ٣٧ - ٤١).

طرف مِن قَصص الخائفين:

عن الباقرعليه‌السلام قال: ( خرَجَت امرأةٌ بغيّ على شباب مِن بني إسرائيل فأفتنتهم، فقال بعضهم: لو كان العابد فلان رآها أفتنتْه!، وسمِعت مقالتهم، فقالت: واللّه لا أنصرف إلى منزلي، حتّى أفتنه. فمَضت نحوه بالليل فدقّت عليه، فقالت: آوي عندك ؟ فأبى عليها فقالت: إنّ بعض شباب بني إسرائيل راودوني عن نفسي، فإنْ أدخلتني وإلاّ لحقوني، وفضحوني، فلمّا سمِع مقالتها فتح لها، فلمّا دخلت عليه رمَت بثيابها، فلمّا رأى جمالها وهيئتها وقعت في نفسه، فضرب يده عليها، ثُمّ رجعت إليه نفسه، وقد كان يوقد تحت قدرٍ له، فأقبل حتّى وضَع يده على النار فقالت: أيّ شيء تصنع ؟ فقال: أحرقها لأنّها عملت العمل، فخرجت

١٨١

حتّى أتَت جماعة بني إسرائيل فقالت: الحقوا فلاناً فقد وضَع يدَه على النار، فأقبلوا فلحقوه وقد احترقت يده )(١) .

وعن الصادقعليه‌السلام : ( إنّ عابداً كان في بني إسرائيل، فأضافته امرأة مِن بني إسرائيل، فهمَّ بها، فأقبل كلّما همّ بها قرّب إصبعاً مِن أصابعه إلى النار، فلم يزَل ذلك دأبه حتّى أصبح، قال له ا: أخرجي لبئس الضيف كنت لي )(٢).

_____________________

(١)، (٢) عن البحار م ٥ عن قصص الأنبياء للقطب الراوندي.

١٨٢

الرجاء من اللّه تعالى

وهو: انتظار محبوب تمهّدت أسباب حصوله، كمَن زرَع بذراً في أرضٍ طيّبه، ورعاه بالسقي والمداراة، فرجا منه النتاح والنفع.

فإنْ لم تتمهّد الأسباب، كان الرجاء حمقاً وغروراً، كمَن زرع أرضاً سبخة وأهمل رعايتها، وهو يرجو نتاجها.

والرجاء: هو الجناح الثاني من الخوف، اللذان يطير بهما المؤمن إلى آفاق طاعة اللّه، والفوز بشرف رضاه، وكرَم نعمائه، إذ هو باعث على الطاعة رغبةً كما يبعث الخوف عليها رهبة وفزعاً.

ولئن تَساند الخوف والرجاء على تهذيب المؤمن وتوجيهه، وجهة الخير والصلاح، بيد أنّ الرجاء أعذب مورداً، وأحلى مذاقاً مِن الخوف، لصدوره عن الثقة باللّه، والاطمئنان بسعة رحمته، وكرم عفوه، وجزيل ألطافه.

وبديهيّ أنّ المطيع رغبةً ورجاءً، أفضل منه رهبةً وخوفاً، لذلك كانت تباشير الرجاء وافرة، وبواعثه جمّة وآياته مشرّقة، وإليك طرَفاً منها:

١ - النهي عن اليأس والقنوط.

قال تعالى:( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ

١٨٣

رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ( الزمر: ٥٣ ).

وقال تعالى: «ولا تيأسوا من روح اللّه إنّه لا ييأس من روح اللّه، الا القوم الكافرون» (يوسف: ٨٧).

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لرجلٍ أخرجه الخوف إلى القنوط لكثرة ذنوبه: ( أيا هذا، يأسك مِن رحمةِ اللّه أعظمُ مِن ذنوبك )(١).

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يبعث اللّه المقنّطين يوم القيامة، مغلبّةً وجوهُهُم، يعني غلَبة السواد على البياض، فيُقال لهم: هؤلاء المقنّطون مِن رحمة اللّه تعالى )(١).

٢ - سعة رحمة اللّه وعظيم عفوه:

قال تعالى:( فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ) ( الأنعام: ١٤٧ ).

وقال تعالى:( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ) ( الرعد: ٦ ).

وقال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) ( النساء: ٤٨ ).

وقال تعالى:( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( الأنعام: ٥٤ ).

وجاء في حديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لولا أنكّم تذنبون فتستغفرون اللّه تعالى، لأتى اللّه تعالى بخلقٍ يذنبون ويستغفرون، فيغفر لهم،

_____________________

(١) جامع السعادات ج ١ ص ٢٤٦.

(٢) سفينة البحار ج ٢ ص ٤٥١ عن نوادر الراوندي.

١٨٤

إنّ المؤمن مفتن توّاب، أما سمِعت قول اللّه تعالى:( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) )( البقرة: ٢٢٢ ) الخبر(١).

توضيح: المُفتَن التوّاب: هو مَن يقترف الذنوب ويُسارع إلى التوبة منها.

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إذا كان يوم القيامة، نشَر اللّه تبارك وتعالى رحمته، حتّى يطمَع إبليس في رحمته )(٢).

وعن سليمان بن خالد قال: ( قرأت على أبي عبد اللّهعليه‌السلام هذه الآية:( إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) ( الفرقان: ٧٠ ).

فقال: ( هذه فيكم، إنّه يؤتَى بالمؤمن المذنب يوم القيامة، حتّى يُوقَف بين يديّ اللّه عزَّ وجل، فيكون هو الذي يلي حسابه، فيوقفه على سيّئاته شيئاً فشيئاً، فيقول: عملْْْت كذا في يوم كذا في ساعة كذا، فيقول أعرف يا ربّي، حتّى يوقفه على سيئاته كلّها، كلّ ذلك يقول: أعرف. فيقول سترتها عليك في الدنيا، وأغفرها لك اليوم، أبدلوها لعبدي حسَنَات.

قال: فتُرفَع صحيفته للناس فيقولون: سُبحان اللّه ! أما كانت لهذا العبد سيّئة واحدة، وهو قول اللّه عزَّ وجل:( فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) )( الفرقان: ٧٠ )(٣).

٣ - حسن الظن باللّه الكريم: وهو أقوى دواعي الرجاء.

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٥١ عن الكافي.

(٢) البحار مجلّد ٣ ص ٢٧٤ عن أمالي الشيخ الصدوق.

(٣) البحار مجلّد ٣ ص ٢٧٤ عن محاسن البرقي.

١٨٥

قال الرضاعليه‌السلام : ( أحسِن الظنّ باللّه، فإنّ اللّه تعالى يقول: أنا عند ظنِّ عبدي بي، إنْ خيراً فخيراً، وإنْ شراً فشراً )(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( آخر عبدٍ يؤمر به إلى النار، يلتفت، فيقول اللّه عزَّ وجل: أعجلوه(٢) ، فإذا أُتِيَ به قال له: يا عبدي، لِمَ التفتّ ؟ فيقول: يا ربِّ، ما كان ظنِّي بك هذا، فيقول اللّه عزَّ وجل: عبدي وما كان ظنُّك بي ؟ فيقول: يا ربِّ، كان ظنِّي بك أنْ تغفر لي خطيئتي وتُسكنَني جنَّتك. فيقول اللّه: ملائكتي، وعزَّتي وجلالي وآلائي وبلائي وارتفاع مكاني، ما ظنَّ بي هذا ساعة من حياته خيراً قط، ولو ظنَّ بي ساعة من حياته خيراً ما روّعته بالنار، أجيزوا له كذِبه وأدخلوه الجنّة ).

ثُمّ قال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : ( ما ظنَّ عبدٌ باللّه خيراً، إلاّ كان اللّه عند ظنِّه به، ولا ظنَّ به سوءاً إلاّ كان اللّه عند ظنِّه به، وذلك قوله عزَّ وجل:( وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) )( فصّلت: ٢٣ )(٣).

٤ - شفاعة النبيّ والأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام لشيعتهم ومحبّيهم:

عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان يوم القيامة ولّينا حساب شيعتنا، فمَن كانت مظلمته فيما بينه وبين اللّه عزَّ وجل، حكمنا فيها فأجابنا، ومَن كانت

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٥٩ عن الكافي.

(٢) أعجلوه: أي ردّوه مستعجلاً.

(٣) البحار م ٣ ص ٢٧٤ عن ثواب الأعمال للصدوق.

١٨٦

مظلمته فيما بينه وبين الناس استوهبناها فوُهِبَت لنا، ومَن كانت مظلمته فيما بينه وبيننا كنّا أحقُّ مَن عفى وصفَح )(١).

وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير بالإسناد إلى جرير بن عبد اللّه البجَلي قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( ألا ومَن مات على حبِّ آل محمّدٍ مات شهيداً، ألا ومَن مات على حبِّ آل محمّدٍ مات مغفوراً له، ألا ومَن مات على حبِّ آل محمّدٍ مات تائباً، ألا ومَن مات على حبِّ آل محمّدٍ مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومَن مات على حبِّ آل محمّدٍ بشّره ملَكُ الموت بالجنّة ثُمّ منكرٌ ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمّد يُزَفّ إلى الجنّة كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومَن مات على حبِّ آل محمّدٍ فُتِح له في قبره بابان إلى الجنّة، ألا ومَن مات على حبِّ آل محمّدٍ جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حبِّ آل محمّدٍ مات على السنَّة والجماعة.

ألا ومَن مات على بغض آلِ محمّدٍ، جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيسٌ مِن رحمة اللّه....).

وقد أرسله الزمخشري في تفسير آية المودّة مِن كشّافه إرسال المسلّمات، رواه المؤلّفون في المناقب والفضائل مُرسَلاً مرّة ومسنداً تارات(٢) .

وأورد ابن حجَر في صواعقه ص ١٠٣ حديثاً هذا لفظه:

( إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خرَج على أصحابه ذات يوم،

_____________________

(١) البحار م ٣ ص ٣٠١ عن عيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

(٢) الفصول المهمّة للمرحوم آية اللّه السيّد عبد الحسين شرف الدين.

١٨٧

ووجهه مشرقٌ كدائرة القمر، فسأله عبد الرحمان بن عوف عن ذلك، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( بشارةٌ أتتني مِن ربّي في أخي وابن عمّي وابنتي، بأنّ اللّه زوّج عليّاً من فاطمة، وأمَر رضوان خازن الجِنان فهزّ شجرةَ طوبى، فحملت رقاقاً ( يعني صكاكاً ) بعدد محبّي أهل بيتي، وأنشأ تحتها ملائكةً من نور، دفع إلى كلّ ملَك صكاً، فإذا استوت القيامة بأهلها، نادت الملائكة في الخلائق، فلا يبقى محبّ لأهل البيت، إلاّ دَفعت إليه صكاً فيه فكاكه من النار، فصار أخي وابن عمّي وابنتي فكاكَ رقابِ رجالٍ ونساء مِن أُمّتي من النار )(١).

وجاء في الصواعق ص ٩٦ لابن حجَر: ( أنّه قال: لمّا أنزل اللّه تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) ( البينة: ٧ - ٨).

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : ( هُم أنتَ وشيعتُك، تأتي أنتَ وشيعتُك يوم القيامة راضين مرضيّين، ويأتي عدوّك غضابى مقمحين )(٢) .

٥ - النوائب والأمراض كفارة لآثام المؤمن:

قال الصادقعليه‌السلام : ( يا مفضّل، إيّاك والذنوب، وحذّرها شيعتنا، فوَاللّه ما هي إلى أحدٍ أسرع منها إليكم، إنّ أحدكم لتصيبه المعرّة من السلطان، وما ذاك إلاّ بذنوبه، وإنّه ليُصيبه السقَم، وما ذاك إلاّ

_____________________

(١) الفصول المهمّة للإمام شرف الدين ص ٤٤.

(٢) الفصول المهمّة للإمام شرف الدين ص ٣٩.

١٨٨

بذنوبه، وإنّه ليحبس عنه الرزق وما هو إلاّ بذنوبه، وإنّه ليُشدّد عليه عند الموت، وما هو إلاّ بذنوبه، حتّى يقول مَن حضَر: لقد غمّ بالموت.

فلمّا رأى ما قد دخَلني، قال: ( أتدري لِمَ ذاك يا مفضّل ؟ ) قال: قلتُ لا أدري جُعلتُ فِداك.

قال: ( ذاك واللّه أنكم لا تؤاخذون بها في الآخرة وعُجلت لكم في الدنيا )(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال اللّه تعالى: وعزّتي وجلالي، لا أُخرِج عبداً من الدنيا وأنا أُريد أنْ أرحمه، حتّى أستوفي منه كلّ خطيئةٍ عمِلها، إمّا بسَقمٍ في جسَده، وإمّا بضيقٍ في رزقه، وإمّا بخوفٍ في دنياه، فإنْ بقيت عليه بقيّة، شدّدت عليه عند الموت...)(٢).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما يزال الغمّ والهمّ بالمؤمن حتّى ما يدَع له ذنباً )(٣).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ المؤمن ليُهوَّل عليه في نومِه فيُغفَر له ذنوبه، وإنّه ليُمتَهَنُ في بدنه فيغفر له ذنوبه )(٤).

واقع الرجاء

وممّا يجدر ذكره: أنّ الرجاء كما أسلَفنا لا يُجدي ولا يُثمر، إلاّ

_____________________

(١) البحار م ٣ ص ٣٥ عن عِلل الشرائع للصدوق (ره).

(٢)، (٣)، (٤) الوافي ج ٣ ص ١٧٢ عن الكافي.

١٨٩

بعد توفّر الأسباب الباعثة على نجاحه، وتحقيق أهدافه، وإلاّ كان هوَساً وغروراً.

فمن الحُمق أنْ يتنكّب المرء مناهج الطاعة، ويتعسّف طُرق الغواية والضلال، ثُمّ يُمنّي نفسه بالرجاء، فذلك غرورٌ باطل وخِداع مغرِّر.

ألا ترى عظَماء الخلْق وصفوتهم من الأنبياء والأوصياء والأولياء كيف تفانوا في طاعة اللّه عزَّ وجل، وانهمكوا في عبادته، وهُم أقرب الناس إلى كرم اللّه وأرجاهم لرحمته.

إذاً فلا قيمة للرجاء، إلا بعد توفّر وسائل الطاعة، والعمل للّه تعالى، كما قال الإمام الصادقعليه‌السلام : ( لا يكون المؤمنُ مؤمناً، حتّى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً، حتّى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو )(١).

وقيل لهعليه‌السلام : إنّ قوماً مِن مواليك يَلمّون بالمعاصي، ويقولون نرجو. فقال: ( كذِبوا ليسوا لنا بمَوَالِ، أُولئك قومٌ ترجّحت بهم الأماني، مَن رجا شيئاً عمِل له، ومَن خاف شيئاً هربَ منه )(٢).

الحكمة في الترجّي والتخويف

يختلف الناس في طباعهم وسلوكهم اختلافاً كبيراً، فمِن الحكمة في إرشادهم وتوجيههم، رعاية ما هو الأجدر بإصلاحهم مِن الترجّي والتخويف

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٥٨ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٥٧ عن الكافي.

١٩٠

فمِنهم مَن يصلحه الرجاء، وهُم:

١ - العُصاة النادمون على ما فرّطوا في الآثام، فحاولوا التوبة إلى اللّه، بيد أنّهم قنَطوا مِن عفو اللّه وغُفرانه، لفداحة جرائمهم، وكثرة سيّئاتهم، فيُعالج والحالةُ هذه قنوطَهم بالرجاء بعظيم لُطف اللّه، وسعة رحمته وغُفرانه.

٢ - وهكذا يُداوى بالرجاء مَن أنهك نفسه بالعبادة وأضرّ بها.

أمّا الذين يصلحهم الخوف:

فهم المرَدَة العُصاة، المنغمسون في الآثام، والمغترّون بالرجاء، فعلاجهم بالتخويف والزجر العنيف، بما يتهدّدهم مِن العقاب الأليم، والعذاب المُهين.

وما أحلى قول الشاعر:

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس

١٩١

الغرور

وهو: انخداع الإنسان بخِدعةٍ شيطانيّة ورأيٍ خاطئ، كمَن ينفق المال المغصوب في وجوه البرِّ والإحسان، معتقداً بنفسه الصلاح، ومؤمّلاً للأجر والثواب، وهو مغرورٌ مخدوع بذلك.

وهكذا ينخدع الكثيرون بالغرور، وتلتبس به أعمالهم، فيعتقدون صحّتها ونُجحها، ولو محصوها قليلاً، لأدركوا ما تتّسم به مِن غرورٍ وبطلان.

لذلك كان الغرور مِن أخطر أشراك الشيطان، وأمضى أسلحته، وأخوَف مكائده.

وللغرورِ صِوَرٌ وألوانٌ مختلفة باختلاف نزَعات المغرورين وبواعث غرورهم، فمنهم المغترّ بزخارف الدنيا ومباهجها الفاتنة، ومنهم المغترّ بالعلم أو الزعامة، أو المال، أو العبادة، ونحو ذلك من صِوَر الغرور وألوانه.

وسأعرض في البحث التالي أهمّ صور الغرور وأبرَز أنواعه، معقّباً على كلّ نوع منها بنصائح علاجيّة، تجلو غبش الغرور وتخفّف مِن حدّته.

١٩٢

( أ ) الاغترار بالدنيا

وأكثر مَن يتّصف بهذا الغرور هُم: ضُعَفاء الإيمان، والمخدوعون بمباهج الدنيا ومفاتنها، فيتناسَون فناءها وزوالها، وما يَعقبها مِن حياة أبديّة خالدة، فيتذرّعون إلى تبرير اغترارهم بالدنيا، وتهالكهم عليها، بزعمَين فاسِدَين، وقياسَين باطِلَين:

الأوّل: أنّ الدنيا نقد، والآخرة نسيئة، والنقد خيرٌ من النسيئة.

الثاني: أنّ لذائذ الأُولى ومتعها يقينيّة، ولذائذ الثانية - عندهم - مشكوكة، والمتيقّن خيرٌ مِن المشكوك.

وقد أخطأوا وضلّوا ضلالاً مبيناً، إذ فاتهم في زعمهم الأوّل، أنّ النقد خيرٌ من النسيئة إنْ تعادلا في ميزان النفع، وإلاّ فإنْ رجُحت النسيئة كانت أفضل وأنفع من النقد، كمَن يُتاجر بمبلغٍ عاجلٍ من المال، ليربح أضعافه في الآجل، أو يحتمي عن شهَوات ولذائذ عاجلة توخّياً للصحّة في الآجل المديد.

هذا إلى الفارق الكبير، والبون الشاسع، بين لذائذ الدنيا والآخرة، فلذائذ الأُولى فانية، منغّصة بالأكدار والهموم، والثانية خالدة هانئة.

وهكذا أخطأوا بزعمهم الثاني في شكّهم وارتيابهم في الحياة الأخرويّة.

١٩٣

فقد أثبتها الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام والعلماء، وكثيرٌ من الأُمم البدائيّة الأُولى، وأيقنوا بها يقيناً لا يُخالجه الشكّ، فارتياب المغرورين بالآخرة والحالة هذه، هَوَس يستنكره الدين والعقل.

ألا ترى كيف يؤمن المريض بنجع الدواء الذي أجمع عليه الأطباء ؟! وإنْ كذّبهم فصبيّ غِر أو مُغفّلٌ بليد.

وبعد أنْ عرَفت فساد ذَينك الزعمَين وبطلانهما، فاعلم أنّه لم يُصوِّر واقع الدنيا، ويَعرِض خدعها وأمانيها المُغرِّرة كما صوّرها القرآن الكريم، وعرّفها أهل البيتعليهم‌السلام ، فإذا هي برْقٌ خلّب وسرابٌ خادِع.

أنظر كيف يُصوّر القرآن واقع الدنيا وغرورها، فيقول تعالى:

(....أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ...) ( الحديد:٢٠ ).

وقال تعالى:( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ( يونس: ٢٤ ).

وقال عزّ وجل:( فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) ( النازعات: ٣٧ - ٤١ ).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( ماذئبان ضاريان في غنمٍ قد فارقها

١٩٤

رعاؤها، أحدُهما في أوّلِها، والآخر في آخرها، بأفسَدَ فيها، من حُبِّ الدنيا [المال] والشرف في دين المسلم )(١).

وقال الباقرعليه‌السلام : ( مَثَلُ الحريص على الدنيا، مثل دودة القز كلّما ازدادت مِن القزِّ على نفسها لفّاً، كان أبعَد لها من الخروج، حتّى تموتَ غمّاً )(٢).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن أصبح وأمسى، والدنيا أكبر همّه، جعل اللّه تعالى الفقر بين عينيه، وشتّت أمره، ولم ينَل مِن الدنيا إلاّ ما قُسِم له، ومَن أصبح وأمسى والآخرة أكبرُ همّه، جعل اللّه تعالى الغنى في قلبه، وجمَع له أمره )(٣).

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( إنّما الدنيا فناءٌ وعَناء وغِيَرٌ وعِبَر: فمِن فنائها: أنّك ترى الدهر موتِراً قوسه، مفوقاً نبله، لا تُخطئ سهامه، ولا يشفى جراحه، يرمي الصحيح بالسقم، والحيَّ بالموت.

ومِن عنائها: أنّ المرء يجمَع ما لا يأكُل، ويبني ما لا يَسكن، ثُمّ يخرج إلى اللّه لا مالاً حمَل ولا بناءً نقَل.

ومن غِيَرِها أنّك ترى المغبوط مرحوماً، والمرحوم مغبوطاً، ليس بينهم إلاّ نعيمٌ زلّ، وبؤسٌ نزَل.

ومن عِبَرها: إنّ المرء يشرف على أمله، فيتخطّفه أجله، فلا أمَل مدروك، ولا مؤمّل متروك )(٤).

_____________________

(١)، (٢) الوافي ج ٣ ص ١٥٢ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٣ ص ١٥٤ عن الكافي.

(٤) سفينة البحار ج ١ ص ٤٦٧.

١٩٥

وقال الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام : ( يا هشام، إنّ العُقلاء زهدوا في الدنيا، ورغبوا في الآخرة ؛ لأنّهم علموا أنّ الدنيا طالبة مطلوبة، والآخرة طالبة ومطلوبة: فمَن طلَب الآخرة طلبته الدنيا، حتّى يستوفي منها رزقه، ومَن طلَب الدنيا طلبته الآخرة، فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه وآخرته )(١).

القانون الخالد:

تواطأ الناس بأسرهم، على ذمّ الدنيا وشكايتها، لمعاناة آلامها، ففرحها مُكدَّر بالحزن، وراحتها منغصّة بالعَناء، لا تصفو لأحد، ولا يهنأ بها إنسان. وبالرغم مِن تواطئهم على ذلك تباينوا في سُلوكهم وموقفهم من الحياة:

فمنهم مَن تعشّقها، وهام بحبّها، وتكالَب على حُطامها، ما صيَرهم في حالة مُزرية، مِن التنافس والتناحر.

ومنهم مَن زهِد فيها، وانزوى هارباً مِن مباهجها ومُتعها إلى الأديِرَة والصوامع، ما جعلَهُم فلولاً مُبعثَرة على هامش الحياة.

وجاء الإسلام، والناس بين هذين الاتّجاهين المتعاكسين، فاستطاع بحكمته البالغة، وإصلاحه الشامل، أنْ يشرّع نظاماً خالداً، يؤلّف بين الدين والدنيا، ويجمَع بين مآرب الحياة وأشواق الروح، بأُسلوبٍ يُلائم

_____________________

(١) تحف العقول في وصيته لهشام بن الحكم.

١٩٦

فطرة الإنسان، ويضمن له السعادة والرخاء.

فتراه تارة يحذّر عشّاق الحياة من خُدعها وغرورها، ليحررهم من أسرها واسترقاقها، كما صورته الآثار السالفة.

وأخرى يستدرج المتزمتين الهاربين من زخارف الحياة إلى لذائذها البريئة وأشواقها المرفرفة، لئلاّ ينقطعوا عن ركب الحياة، ويصبحوا عرضة للفاقة والهوَان.

قال الصادقعليه‌السلام : ( ليس منّا مَن ترَك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدُنياه )(١) .

وقال العالمعليه‌السلام : ( اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً )(٢).

وبهذا النظام الفذ ازدهرت حضارة الإسلام، وتوغل المسلمون في مدارج الكمال، ومعارج الرقيّ الماديّ والروحي.

وعلى ضوء هذا القانون الخالد نستجلي الحقائق التالية:

١ - التمتّع بملاذ الحياة، وطيباتها المحلّلة، مُستحسن لا ضير فيه، ما لم يكن مشتملاً على حرام أو تبذير، كما قال سُبحانه:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ( الأعراف: ٣٢ ).

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( اعلموا عباد اللّه أنّ المتّقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم

_____________________

(١)، (٢) الوافي ج ١٠ ص ٩ عن الفقيه.

١٩٧

أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سُكِنَت، وأكلوها بأفضل ما أُكِلَت، فحظُوا مِن الدنيا بما حظى به المُترفون، وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبّرون، ثُمّ انقلبوا عنها بالزاد المُبلّغ والمتْجر الرابح )(١).

٢ - إنّ التوفر على مقتنيات الحياة ونفائسها ورغائبها، هو كالأوّل مستحسن محمود، إلاّ ما كان مختَلساً مِن حرام، أو صارفاً عن ذكر اللّه تعالى وطاعته.

أمّا اكتسابها استعفافا عن الناس، أو تذرّعاً بها إلى مرضاة اللّه عزَّ وجل كصلة الأرحام، وإعانة البؤَسَاء، وإنشاء المشاريع الخيريّة كالمساجد والمدارس والمستشفيات، فإنّه من أفضل الطاعات وأعظم القُرُبات، كما صرّح بذلك أهل البيتعليهم‌السلام :

قال الصادقعليه‌السلام : ( لا خير فيمَن لا يجمع المال مِن حلالٍ، يكفّ به وجهه، ويقضي به دينه، ويصِل به رحمه )(٢).

وقال رجل لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : واللّه إنّا لنطلب الدنيا ونحبُّ أنْ نُؤتاها.

فقال: ( تحبُّ أنْ تصنع بها ماذا ؟ ) قال: أعُود بها على نفسي وعيالي، وأصِلُ بها، وأتصدّق بها، وأحجُّ، وأعتمِر. فقال أبو عبد اللّه: ( ليس هذا طلَب الدنيا، هذا طلب الآخرة )(٣).

_____________________

(١) نهج البلاغة.

(٢) الوافي ج ١٠ ص ٩ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ١٠ ص ٩ عن الكافي.

١٩٨

٣ - إنّ حبَّ البقاء في الدنيا ليس مذموماً مطلقاً، وإنّما يختلف بالغايات والأهداف، فمن أحبّه لغاية سامية، كالتزود من الطاعة، واستكثار الحسنات، فهو مستحسن. ومن أحبّه لغاية دنيئة، كممارسة الآثام، واقتراف الشهوات، فذلك ذميم مقيت، كما قال زين العابدينعليه‌السلام : ( عَمّرني ما كان عمري بِذلةً في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعاً للشيطان فاقبضني إليك ).

ونستخلص ممّا أسلفناه أنّ الدنيا المذمومة هي التي تخدع الإنسان، وتصرفه عن طاعة اللّه والتأهب للحياة الأخرويّة.

ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا

وأقبح الكُفر والإفلاس في الرجل

مساوئ الاغترار بالدنيا:

١ - من أبرز مساوئ الغرور أنّه يُلقي حجاباً حاجزاً بين العقل وواقع الإنسان، فلا يتبيّن آنذاك نقائصه ومساويه، من جشعٍ، وحرصٍ، وتكالبٍ على الحياة، ممّا يُسبّب نقصه وذمّه.

٢ - إنّ الغرور يُشقي أربابه، ويدفعهم إلى معاناة الحياة، ومصارعتها، دون اقتناعٍ بالكفاف، أو نظرٍ لزوالها المحتوم، ممّا يُظنيهم ويُشقيهم، كمّا صوّره الخبَر الآنف الذكر: ( مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القزّ، كلّما ازدادت على نفسها لفّاً، كان أبعد لها مِن الخروج، حتّى تموت غماً ).

٣ - والغرور بعد هذا وذاك، مِن أقوى الصوارف والمُلهيات عن

١٩٩

التأهّب للآخرة والتزوّد من الأعمال الصالحة، الموجبة للسعادة الأخرويّة، ونعيمها الخالد.

وقال تعالى:( فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) ( النازعات: ٣٧ - ٤١ ).

علاج هذا الغرور:

وهو كما يلي مجملاً:

١ - استعراض الآيات والنصوص الواردة في ذم الغرور بالدنيا وأخطاره الرهيبة.

٢ - إجماع الأنبياء والأوصياء والحكماء على فناء الدنيا، وخلود الآخرة، فجديرٌ بالعاقل أنْ يؤثّر الخالد على الفاني، ويتأهّب للسعادة الأبديّة والنعيم الدائم:( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) ( الأعلى: ١٦ - ١٩ ).

٣ - الإفادة من المواعظ البليغة، والحكم الموجهة، والقصَص الهادفة المعبرة عن ندم الطغاة والجبارين، على اغترارهم في الدنيا، وصرف أعمارهم باللهو والفسوق.

ومِن أبلغ العِظات وأقواها أثراً في النفس كلمة أمير المؤمنين لابنه الحسنعليه‌السلام : ( أحي قلبَك بالموعظة، وأمِته بالزهادة، وقوّه باليقين،

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517