أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت11%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 333445 / تحميل: 11884
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

ونوّره بالحكمة، وذلّله بذِكر الموت، وقرّره بالفناء، وبصّره فجائع الدنيا، وحَذّره صَولة الدهر، وفُحش تقلّب الليالي والأيّام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكّره بما أصاب مَن كان قبلَك مِن الأوّلين، وسِر في ديارهم وآثارهم، فانظر فيما فعلوا، وعمّا انتقلوا، وأين حلّوا ونزَلوا، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة، وحلّوا ديار الغربة، وكأنّك عن قليلٍ قد صِرت كأحدِهم، فأصلح مثواك، ولا تبِع آخرتَك بدُنياك )(١).

ومن روائع الحِكَم التشبيه التالي:

( فقد شبّه الحُكماء الإنسان وانهماكه في الدنيا، واغتراره بها، وغفلته عمّا وراءها، كشخصٍ مُدلىً في بئر، ووسَطه مشدودٌ بحبل، وفي أسفل ذلك البئر ثُعبانٌ عظيم، متوجّه إليه، منتظرٌ لسقوطه، فاتحٌ فاهُ لالتقامه، وفي أعلى ذلك البئر جرذان أبيضٌ وأسود، لا يزالان يقرِضان ذلك الحبل، شيئاً فشيئاً، ولا يفتران عن قرضِه آناً ما، وذلك الشخص مع رؤيته ذلك الثعبان، ومشاهدته لانقراض الحبل آناً فآناً، قد أقبل على قليلِ عسلٍ، قد لُطِخ به جِدارُ ذلك البئر وامتزج بترابه، واجتمع عليه زنابيرٌ كثيرة، وهو مشغولٌ بلطعه، منهمكٌ فيه، متلذّذٌ بما أصاب منه، مخاصمٌ لتلك الزنابير التي عليه، قد صرف جميعَ باله إلى ذلك، فهو غير ملتفتٍ إلى ما فوقه وما تحته.

فالبئر هو الدنيا، والحبل هو العمر، والثعبان الفاتح فاه هو الموت،

_____________________

(١) نهج البلاغة في وصيّتهعليه‌السلام لابنه الحسن.

٢٠١

والجرذان هُما الليل والنهار القارضان للأعمال، والعسَل المختلط بالتراب هو لذات الدنيا الممزوجة بالكدَر والآثام، والزنابير هم أبناء الدنيا المتزاحمون عليها ).

ومِن العِبر البالغة في تصرّم الحياة وإنْ طالت: ما رُوي أنّ نوحاًعليه‌السلام عاش ألفَين وخمسمِئة عام، ثمّ إنّ ملَك الموت جاءه وهو في الشمس، فقال: السلام عليك. فرّد عليه نوحعليه‌السلام وقال له: ما حاجتك يا ملك الموت ؟ قال: جئت لأقبض روحك. فقال له: تدَعني أتحوّل من الشمس إلى الظلّ. فقال له: نعم. فتحوّل نوحعليه‌السلام ، ثمّ قال: يا ملك الموت، فكأنّ ما مرّ بي في الدنيا مثل تحوّلي من الشمس إلى الظلّ !! فامضِ لما أُمِرت به. فقبض روحهعليه‌السلام .

ومِن عِبَر الطُّغاة والجبّارين ما قاله المنصور لمّا حضرته الوفاة: ( بعنا الآخرة بنومة ).

وردّد هارون الرشيد وهو ينتقي أكفانه عند الموت:( مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ) ( الحاقّة: ٢٨ - ٢٩ ).

وقيل لعبدِ الملك بن مروان في مرَضه: كيف تجدك يا أبا مروان ؟ قال: أجدُني كما قال اللّه تعالى:( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ..) ( الأنعام: ٩٤ ).

ورأى زيتون الحكيم رجُلاً على شاطئ البحر مهموماً محزوناً، يتلهّف على الدنيا، فقال له: يا فتى، ما تلهفك على الدنيا ! لو كنت في غاية الغنى، وأنت راكبٌ لجّةَ البحر، وقد انكسرت بك السفينة،

٢٠٢

وأشرفت على الغرَق، أما كانت غاية مطلوبك النجاة، وإنْ يفوتك كلّ ما بيدك. قال: نعم.

قال: ولو كنت ملِكاً على الدنيا، وأحاط بك مَن يريد قتلك، أما كان مرادك النجاة مِن يده، ولو ذهب جميع ما تملك. قال: نعم.

قال: فأنتَ ذلك الغنيُّ الآن، وأنت ذلك الملكُ، فتسلّى الرجل بكلامه.

وقال بعض العارفين لرجلٍ مِن الأغنياء: كيف طلبك للدنيا ؟ فقال: شديد. قال: فهل أدركت منها ما تريد ؟ قال: لا. قال: هذه التي صرَفت عُمرك في طلبِها لم تحصَل منها على ما تريد فكيف التي لم تطلبها !!

ولا ريب أنّ تلك العِظات لا تنجع إلاّ في القلوب السليمة، والعقول الواعية، أما الذين إسترقّتهم الحياة، وطبعت على قلوبهم، فلا يجديهم أبلغ المواعظ، كما قال بعض العارفين: إذا أُشرب القلبُ حبَّ الدنيا لم تنجع فيه كثرة المواعظ، كما أنّ الجسَد إذا استحكم فيه الداء، لم ينجع فيه كثرة الدواء.

٢٠٣

( ب ) غرور العلم

ومن صوَر الغرور ومفاتنه، الاغترار بالعلم، واتّساع المعارف، ممّا يثير في بعض الفضلاء الزهو والتيه، والتنافس البشِع على الجاه، والتهالك على الأطماع، ونحوها من الخلال المقيتة، التي لا تليق بالجُهّال فضلاً عن العلماء.

وربّما أفرط بعضهم في الزهو والغرور، فَجُنَّ بجنون العظَمَة، والتطاول على الناس بالكِبَر والازدراء.

وفات المغترّين بالعِلم، أنّ العِلم ليس غايةً في نفسه، وإنّما هو وسيلةٌ لتهذيب الإنسان وتكامله، وإسعاده في الحياتين الدنيويّة والأُخروية، فإذا لم يحقّق العِلم تلك الغايات السامية، كان جُهداً ضائعاً، وعَناءً مُرهِقاً، وغروراً خادعاً:( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا...) ( الجمعة: ٥ ).

وقد أحسن الشاعر حيث يقول:

ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم

ولو عَظّموه في النفوس لعَظُما

ولكن أهانوه فهان وجهّموا

محيّاه بالأطماع حتّى تجهّما

فالعلم كالغيث ينهلّ على الأرض الطيبة، فيحيلها جناناً وارفة،

٢٠٤

تزخر بالخير والجمال، وينهلّ على الأرض السبخة فلا يجديها نفعاً.

وهكذا يفيء العلم على الكرام طيبةً وبهاءً، وعلى اللئام خُبثاً ولُؤماً.

وكيف يغترُّ العالِم بعلمه، ولم يكن الوحيد في مضماره، فقد عرَف الناس قديماً وحديثاً عُلماءً أفذاذاً جَلّوا في ميادين العلم، وحَلّقوا في آفاقه، وكانت لهم مآثرهم العلميّة الخالدة.

وعلى مَ الاغترار بالعلم، ومسؤوليّة العالم خطيرة، ومؤاخذته أشدّ من الجاهل، والحجّة عليه ألزَم، فإنْ لم يهتَدِ بنور العلم، ويعمل بمقتضاه، كان العلم وبالاً عليه، وغدا قدوة سيّئة للناس.

أنظر كيف يصوّر أهل البيتعليهم‌السلام جرائر العلماء المنحرفين، وأخطارهم:

فعن جعفر بن محمّد عن أبيهعليهما‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : صنفان مِن أُمّتي إذا صلُحا صلُحت أُمّتي، وإذا فسَدا فسدت أُمّتي ) قيل: يا رسول اللّه ومَن هما ؟ قال: الفقهاء والأمراء )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( يُغفر للجاهل سبعون ذنباً، قبل أنْ يُغفَر للعالم ذنبٌ واحد )(٢).

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يطلع قومٌ من أهل الجنّة إلى قومٍ مِن أهل النار، فيقولون: ما أدخلَكم النار وقد دخلنا الجنّة لفضلِ تأديبكم وتعليمكم ؟ فيقولون: إنّا كنّا نأمر بالخير ولا نفعله )(٣).

_____________________

(١) البحار م ١ ص ٨٣ عن خصال الشيخ الصدوق.

(٢) الوافي مجلّد العقل والعلم ص ٥٢ عن الكافي.

(٣) الوافي في وصيّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذر.

٢٠٥

فجديرٌ بالعلماء والفُضلاء أنْ يكونوا قدوةً حسنةً للناس، ونموذجاً للخُلق الرفيع، وأنْ يتفادوا ما وسعهم مزالِق الغرور، وخلاله المَقيتة، وأنْ يستشعروا الآية الكريمة:

( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ( القصص: ٨٣ ).

٢٠٦

( ج ) غرور الجاه

ويُعتبَر الجاه والسُّلطة مِن أقوى دواعي الغرور، وأشدَّ بواعثه، فترى المتسلّطين يتيهون على الناس زهواً وغروراً، ويستذلّون كراماتهم صَلَفاً وكِبراً.

وقد عاش الناس هذه المأساة في غالب العصور، وعانوا غرور المتسلّطين وتحدّيهم، بأسىً ولوعةٍ بالِغَين.

وفات هؤلاء المغرورين بمفاتن السُّلطة والرِّعَة، أنّ الإسراف في الغرور والأنانيّة أمرٌ يستنكره الإسلام ويتوعّد عليه بصنوف الإنذار والوعيد، في عاجل الحياة وآجلها، كما يعرّضهم لمقت الناس وغضبهم ولعنهم، ويخسرون بذلك أغلى وأخلَد مآثر الحياة: حبَّ الناس وعطفَهم، وكان عليهم أنْ يستغلّوا جاههم، ونفوذهم في استقطاب الناس، وتوفير رصيدهم الشعبي، وكسب عواطف الجماهير وودّهم.

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبَد الإحسان إنسانا

وأقوى عامل على تخفيف حدّة هذا الغرور، وقمع نَزَواته العارمة، هو التأمّل والتفكّر فيما ينتاب هؤلاء المغرورين مِن صروف الدهر، وسطوة الأقدار، وتنكّر الزمان. فصاحب السلطان كراكب الأسد، لا يدري أمَدَ

٢٠٧

غضَبه وافتراسه.

وقد زخَر التاريخ بصنوف العِبَر والعِظات الدالّة على ذلك:

ومنها: ما ذكره عبد اللّه بن عبد الرحمان صاحب الصلاة بالكوفة،

قال: دخلت إلى أُمّي في يوم أضحى، فرأيت عندها عجوزاً في أطمارٍ رثّة، وذلك في سنة ١٩٠، فإذا لها لسانٌ وبيان، فقلت لأُمّي: مَن هذه ؟ قالت: خالتك عباية أُمّ جعفر بن يحيى البرمكي. فسلّمت عليها، وتحفّيت بها، وقلت: أصارك الدهر إلى ما أرى ؟!

فقالت: نعم يا بني، إنّا كنّا في عواري ارتَجَعها الدهر منّا. فقلت: فحدّثيني ببعض شأنك.

فقالت: خذه جملة، لقد مضى عليّ أضحى، وعلى رأسي أربعمِئة وصيفة، وأنا أزعم أنّ ابني عاق، وقد جئتك اليوم أطلب جلدَتَي شاة، اجعل إحداهما شِعاراً، والأُخرى دِثاراً.

قال فرَفَقت لها، ووهبْت لها دراهم، فكادت تموت فرحاً(١) .

ودخل بعض الوعّاظ على الرشيد، فقال: عِظني، فقال له: أتراك لو مُنِعتَ شربةً من ماء عند عطشِك، بِمَ كنت تشتريها ؟ قال: بنصف مُلكي.

قال: أتراها لو حُبِسَت عند خروجها بِمَ كنت تشتريها ؟ قال: بالنصف الباقي.

_____________________

(١) سفينة البحار م ٢ ص ٦٠٩.

٢٠٨

قال: فلا يغرّنّك مُلك قيمته شربة ماء(١) .

فجديرٌ بالعاقل أنْ يدرك أنّ جميع ما يزهو به، ويدفعه على الغرور من مال، أو علم، أو جاه، ونفوذ، إنّما هي نِعَمٌ وألطافٌ إلهيّة أسداها المنعم الأعظم، فهي أحرى بالحمد، وأجدر بالشكر، منها بالغرور والخُيَلاء.

الجاه بين المدح والذم:

ليس طلب الجاه مذموماً على الإطلاق، وإنّما هو مختلف باختلاف الغايات والأهداف، فمن طلبه لغايةٍ مشروعة، وهدَفٍ سامٍ نبيل، كنصرة المظلوم، وعون الضعيف، ودفع المظالم عن نفسه أو غيره، فهو الجاه المحبّب المحمود.

ومَن توخّاه للتسلّط على الناس، والتعالي عليهم، والتحكّم بهم، فذلك هو الجاه الرخيص الذميم.

وقد تلتبس الغايات أحياناً في بعض صور الجاه، كالتصدّي لإمامة الجماعة، وممارسة توجيه الناس وإرشادهم، وتسنّم المراكز الروحيّة الهامّة.

فتتمّيز الغايات آنذاك بما يتّصف به ذووها من حسن الإخلاص، وسموّ الغاية، وحُبّ الخير للناس، أو يتّسمون بالأنانيّة، والانتهازيّة، وهذا مِن صور الغرور الخادعة، أعاذنا اللّه منها جميعاً.

_____________________

(١) لآلي النركاني.

٢٠٩

(د) غرور المال

وهكذا يستثير المال كوامن الغرور، ويعكِس على أربابه صوَراً مَقيتة من التلبيس والخداع.

فهو يفتن الأثرياء من عشّاق الجاه، ويحفّزهم على السخاء والأريحيّة، بأموالٍ مشوبةً بالحرام، ويحبسون أنّهم يحسنون صنعاً، وهُم مخدوعون مغرورون.

وقد يتعطّف بعضهم على البؤساء والمعوزين جهراً ويشحّ عليهم سرّاً، كسباً للسمعة والإطراء، وهو مغرورٌ مفتون.

ومنهم مَن يمتنع عن أداء الحقوق الإلهية المحَتّمة عليه بُخلاً وشُحّاً، مكتفياً بأداء العبادات التي لا تتطلّب البذل والإنفاق، كالصلاة والصيام، زاعماً براءة ذِمّته بذلك، وهو مفتونٌ مغرور، إذ يجب أداء الفرائض الإلهيّة ماديّة وعباديّة، ولكلِّ فرضٍ أهميّته في عالم العقيدة والشريعة.

ومِن أجل ذلك كان المال من أخطر بواعث الغرور ومفاتنه.

فعن الصادقعليه‌السلام قال: ( يقول إبليس: ما أعياني في ابن آدم فلن يُعييني منه واحدة من ثلاثة: أخذُ مالٍ من غير حلّه، أو مَنعه من حقّه، أو وضعِه في غير وجهه )(١).

_____________________

(١) عن خصال الصدوق (ره).

٢١٠

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الدينار والدرهم أهلَكا مَن كان قبلكم، وهُما مهلكاكم )(١).

المال بين المدح والذم:

للمال محاسنه ومساوئه، ومضارّه ومنافعه، فهو يُسعِد ويُشقي أربابه تبَعاً لوسائل كسبه وغايات إنفاقه.

فمن محاسنه: أنّه الوسيلة الفعّالة لتحقيق وسائل العيش، ونيل مآرب الحياة، وأشواقها الماديّة، والسبب القويّ في عزّة ملاكه واستغنائهم عن لئام الناس، والذريعة الهامّة في كسب المحامد والأمجاد. كما قال الشريف الرضي رحمه اللّه:

اشتر العِزّ بما بِيع

فما العز بغالي

بالقصار الصفر إنْ

شِئت أو السمر الطوالِ

ليس بالمغبون عقلاً

مَن شرى عزَّاً بمالِ

إنما يُدَّخَر المالُ

لحاجاتِ الرجالِ

والفتى مَن جَعل

الأموال أثمان المعالي

كما أنّ المال مِن وسائل التزوّد للآخرة، وكسب السعادة الأبديّة فيها.

ومِن مساوئ المال: أنّه باعثٌ على التورّط في الشُّبُهات، واقتراف المحارم والآثام، كاكتسابه بوسائل غير مشروعة، أو منع الحقوق الإلهيّة

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٥٢ عن الكافي.

٢١١

المفروضة عليه، أو إنفاقه في مجالات الغواية والمنكرات، كما أوضحت غوائله النصوص السالفة.

وهو إلى ذلك من أقوى الصوارف والملهيات عن ذكر اللّه عزّ وجل، والتأهّب للحياة الأخرويّة الخالدة.

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) ( المنافقون: ٩ ).

فليس المال مذموماً إطلاقاً، وإنّما يختلف باختلاف وسائله وغاياته، فإنْ صحّت ونَبُلَت كان مَدعاة للحمد والثناء، وإنْ هبطت وأسفّت كان مَدعاة للذمّ والاستنكار.

ولمّا كانت النفوس مشغوفةً بالمال، ومولعةً بجمعه واكتنازه، فحريٌّ بالمؤمن الواعي المستنير، أنْ لا ينخدع ببريقه، ويغترّ بمفاتنه، وأنْ يتّعظ بحرمان المغرورين به، والحريصين عليه، من كسب المثوبة في الآخرة، وإفلاسهم ممّا زاد عن حاجاتهم وكفافهم في الدنيا، فإنهم خزّان أمناء، يكدحون ويشقون في ادخاره، ثمّ يخلّفونه طعمة سائغة للوارثين، فيكون عليهم الوزر ولأبنائهم المُهنّى والاغتباط.

٢١٢

( هـ ) غرور النسب

وقد يغترُّ بعضهم برفعة أنسابهم، وانحدارهم من سلالة أهل البيتعليهم‌السلام ، فيحسبون أنّهم ناجون بزلفاهم، وإنْ انحرفوا عن نهجِهم، وتعسّفوا طُرق الغواية والضلال.

وهو غرور خادع حيث إنّ اللّه تعالي يُكرم المطيع ولو كان عبداً حبشيّاً، ويهين العاصي ولو كان سيّداً قرشيّاً.

وما نال أهل البيتعليهم‌السلام تلك المآثر الخالدة، ونالوا شرف العزّة والكرامة عند اللّه عزَّ وجل، إلاّ باجتهادهم في طاعة اللّه، وتفانيهم في مرضاته.

فاغترار الأبناء بشرف آبائهم وعراقتهم، وهُم منحرفون عن سيرتهم، من أحلام اليقظة ومفاتن الغرور.

أرأيت جاهلاً غدا عالماً بفضيلة آبائه ؟ أو جباناً صار بطلاً بشجاعة أجداده ؟ أو لئيماً عاد سخيّاً معطاءً بجود أسلافه ؟ كلا، ما كان اللّه تعالى ليساوي بين المطيع والعاصي، وبين المجاهد والوادع.

أنظر كيف يقصّ القرآن الكريم ضراعة نوحعليه‌السلام إلى ربِّه في استشفاع وليده الحبيب ونجاته من غَمَرات الطوفان الماحق، فلم يُجده

٢١٣

ذلك لكفر ابنه وغوايته:( وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) ( هود: ٤٥ - ٤٦ ).

واستمع إلى سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله كيف يُملي على أسرته الكريمة درساً خالداً في الحثِّ على طاعة اللّه تعالى وتقواه، وعدم الاغترار بشرف الأنساب والأحساب، كما جاء عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال: ( قام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الصفا، فقال: يا بني هاشم، يا بني عبد المطّلب، إنّي رسول اللّه إليكم، وإنّي شفيقٌ عليكم، وإنّ لي عملي، ولكلِّ رجلٍ منكم عملُه، لا تقولوا إنّ محمّداً منّا، وسنُدخَل مُدخله، فلا واللّه، ما أوليائي منكم، ولا مِن غيركم، يا بني عبد المطّلب إلاّ المتّقون، ألا فلا أعرفكم يوم القيامة، تأتون تحملون الناس على ظهوركم، ويأتي الناس يحملون الآخرة، ألا إنّي قد أُعذِرت إليكم، فيما بيني وبينكم، وفيما بيني وبين اللّه تعالى فيكم )(١) .

فجديرٌ بالعاقل أنْ يتوقّى فتنة الغرور بشرف الأنساب، وأنْ يسعى جاهداً في تهذيب نفسه وتوجيهها وجهة الخير والصلاح، متمثّلاً قول الشاعر:

إنّ الفتى مَن يقول ها أنذا

ليس الفتى مَن يقول كان أبي

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٠ عن الكافي.

٢١٤

الحسَد

وهو تمنّي زوال نعمة المحسود، وانتقالها للحاسد، فإنْ لم يتمنَّ زوالها، بل تمنّى نظيرها، فهو غبطة، وهي ليست ذميمة.

والحسَد مِن أبشع الرذائل وألأم الصفات، وأسوَأ الانحرافات الخُلقيّة أثراً وشرّاً، فالحَسود لا ينفكّ عن الهمّ والعِناد، ساخطاً على قضاء اللّه سُبحانه في رعاية عبيده، وآلائه عليهم، حانقاً على المحسود، جاهداً في كيده، فلا يستطيع ذلك، فيعود وبال حسده عليه، ويرتدّ كيده في نحره.

ناهيك في ذمّ الحسَد والحُسّاد، وخطرها البالغ، أنّ اللّه تعالى أمر بالاستعاذة من الحاسد، بعد الاستعاذة من شرّ ما خلَق قائلاً:( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ) ( الفلق: ٥ ).

لذلك تكاثرت النصوص في ذمّه والتحذير منه:

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الحسد يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب )(١).

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( ما رأيت ظالماً أشبَهُ بمظلومٍ مِن

_____________________

(١) البحار م ١٥ ج ٣ عن المجازات النبويّة، وجاء في الكافي عن الصادقعليه‌السلام : ( يأكل الإيمان ) بدَل الحسنات.

٢١٥

الحاسد، نَفَس دائم، وقلب هائم، وحُزنٍ لازِم )(١) .

وقال الحسن بن عليّعليه‌السلام : ( هلاك الناس في ثلاث: الكبر، والحرص، والحسد.

فالكِبَر: هلاك الدين وبه لُعِن إبليس.

والحرص: عدوّ النفس، وبه أُخرج آدم من الجنّة.

والحسَد: رائد السُّوء، ومنه قَتْلُ قابيل هابيل )(٢).

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم لأصحابه: ( ألا إنّه قد دبَّ إليكم داءُ الأُمم مِن قبلكم، وهو الحسَد، ليس بحالق الشَّعر، لكنّه حالق الدين، ويُنجي منه أنْ يكُفَّ الإنسان يدَه، ويخزن لسانه، ولا يكون ذا غمزٍ على أخيه المؤمن )(٣).

بواعث الحسَد:

للحسَد أسبابٌ وبواعث نجملها في النقاط التالية:

١ - خُبث النفس:

فهناك شِذاذ طُبِّعوا على الخُبث واللؤم، فتراهم يحزنون بمباهج الناس

_____________________

(١) البحار م ١٥ ج ٣ ص ١٣١ عن كنز الكراجكي.

(٢) عن كشف الغمّة.

(٣) البحار م ١٥ ج ٣ ص ١٣١ عن مجالس الشيخ المفيد وأمالي ابن الشيخ الطوسي.

٢١٦

وسعادتهم، ويُسَرّون بشقائهم ومآسيهم، ومِن ثمّ يحسدونهم على ما آتاهم اللّه من فضله، وإنْ لم يكن بينهم تِرة أو عداء. وذلك لخُبثِهم ولؤم طباعهم.

٢- العِداء:

وهو أقوى بواعث الحسَد، وأشدّها صرامةً على مكايدة الحسود واستلاب نعمته.

٣ - التنافس:

بين أرباب المصالح والغايات المشتركة: كتحاسد أرباب المِهَن المتّحدة وتحاسد الأبناء في الحظوة لدى آبائهم، وتحاسد بطانة الزعماء والأمراء في الزلفى لديهم.

وهكذا تكثر بواعث الحسَد بين فئات تجمعهم وحدة الأهداف والروابط، فلاتجد تحاسداً بين متباينين هدفاً واتجاهاً، فالتاجر يَحسُد نظيره التاجر دون المهندس والزارع.

٤ - الأنانيّة:

وقد يستحوِذ الحسَد عن ذويه بدافع الأثرة والأنانيّة، رغبةً في التفوّق على الأقران، وحبّاً بالتفرّد والظهور.

٥ - الازدراء:

وقد ينجم الحسَد على ازدراء الحاسد للمحسود، مستكثراً نِعَمِ اللّه عليه، حاسداً له على ذلك.

وربّما اجتمعت بواعث الحسَد في شخص، فيغدو آنذاك بُركاناً ينفجر حسَداً وبغياً، يتحدّى محسوده تحدّياً سافراً مليئاً بالحُنق واللؤم، لا يستطيع

٢١٧

كتمان ذلك، ممّا يجعله شريراً مجرماً خطيراً.

مساوئ الحسَد:

يختصّ الحسَد بين الأمراض الخلقيّة بأنّه أشدّها ضرراً، وأسوأها مغبّةً في دين الحاسد ودُنياه.

١ - فمِن أضراره العاجلة في دنيا الحاسِد، أنّه يُكدّر عليه صفوَ الحياة، ويجعله قرين الهمّ والعناء، لتبرّمه بنِعَم اللّه على عباده، وهي عظيمةٌ وفيرة، وذلك ما يُشقيه، ويتقاضاه عِلَلاً صحيحة ونفسيّة ماحقة.

كما يُفجعه في أنفس ذخائر الحياة: في كرامته، وسُمعته، فتَراه ذميماً مُحَقّراً، منبوذاً تمقته النفوس، وتنبذه الطباع.

ويُفجِعه كذلك في أخلاقه، فتراه لا يتحرّج عن الوقيعةِ بمحسوده، بصنوف التُّهم والأكاذيب المحرّمة في شُرعة الأخلاق، ولا يألو جُهداً في إثارة الفتَن المفرّقة بينه وبين أودّائه، وذَوي قُرباه، نكايةً به وإذلالاً له.

وأكثر الناس استهدافاً للحسَد، ومعاناة لشروره وأخطاره، اللامعون المتفوّقون مِن أرباب العلم والفضائل، لما ينفسه الحسّاد عليهم من سموّ المنزلة، وجلالة القدر، فيسعون جاهدين في ازدرائهم واستنقاصهم، وشنّ الحمَلات الظالمة عليهم.

وهذا هو سرّ ظلامة الفضَلاء، وحرمانهم من عواطف التقدير والإعزاز، وربّما طاشت سهام الحسَد، فأخلَفت ظنّ الحاسَد، وعادت

٢١٨

عليه باللوعة والأسى، وعلى المحسود بالتنويه والإكبار كما قال أبو تمام:

وإذا أراد اللّه نصر فضيلة

طُويَت أتاح لها لسان حسُود

لولا اشتعال النار فيما جاورت

ما كان يُعرف طيبُ عَرف العُود

لولا التخوّف للعواقب لم يزل

للحاسِد النعمى على المسحود

ويقول الآخر:

اصبر على حسَد الحسُود

فإنّ صبَرك قاتله

فالنار تأكُل بعضَها

إنْ لم تجِد ما تأكله

٢ - وأمّا أضرار الحسَد الآجلة:

فقد عرفت ما يتذرّع به الحاسِد من صنوف الدس والتخريب في الوقيعة بالمحسود، وهدر كرامته. وهذا ما يعرض الحاسِد لسخط اللّه تعالى وعقابه، ويأكل حسَناته كما تأكل النار الحطب.

هذا إلى تنمّر الحاسد، وسخطه على مشيئة اللّه سُبحانه، في إغداق نعمه على عباده، وتلك جرأة صارخة تبّوئه السخط والهَوان.

علاج الحسَد:

وإليك بعض النصائح العلاجيّة للحسَد:

١ - تَركُ تطلّع المرء إلى مِن فوقه سعادة ورخاءً وجاهاً، والنظر إلى من دونه في ذلك، ليستشعر عناية اللّه تعالى به، وآلائه عليه، فتخفّ بذلك نوازع الحسَد وميوله الجامحة.

٢١٩

٢ - تذكّر مساوئ الحسَد. وغوائله الدينيّة والدنيويّة، وما يُعانيه الحسّاد من صنوف المكاره والأزَمات.

٣ - مراقبة اللّه تعالى، والإيمان بحكمة تدبيره لعباده، والاستسلام لقضائه، متوقّياً بوادر الحسَد، ومقتضياته الأثيمة مِن ثلب المحسود والإساءة إليه، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ويُنجي منه أنْ يكفّ الإنسان يده، ويخزن لسانه، ولا يكون ذا غمزٍ على أخيه المؤمن ).

ولو لم يكن في نبْذ الحسَد إلاّ استهجانه، والترفّع عن الاتّصاف بمثالبه المقيتة، لوجوب نبذه ومجافاته.

وجدير بالآباء أنْ لا يميّزوا بين أبنائهم في شمول العناية والبِرِّ. فيبذروا في نفوسهم سموم الحسَد، ودوافعه الأثيمة.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

امرأته ، فلما صار في النوم وضعت رأسه على الأرض و قامت ، فانتبه المأمون و غضب لذلك فقالت : إنّ أبي أدّبني بأن لا أقعد عند نائم و لا أنام عند قاعد .

قول المصنف ( و هذه من الاستعارات العجيبة ، كأنّه شبّه السّه بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا اطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء ، و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ) فروى أبو داود في سننه في آخر باب الوضوء من النوم عن حيوة بن شريح الحمصي ، في آخرين عن بقية عن الوضين بن عطا عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن عليعليه‌السلام قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكاء السّه العينان فمن نام فليتوضأ(١) .

( و قد رواه قوم لأمير المؤمنينعليه‌السلام و ذكر ذلك المبرد محمد بن يزيد ) قال الحموي : لقب محمد بن يزيد بالمبرد لأنّه لمّا صنّف المازني كتاب الألف و اللام سأله عن دقيقه و عويصه ، فأجابه بأحسن جواب ، فقال له المازني : قم فأنت المبرّد بكسر الراء أي : المثبت للحق ، فحرفه الكوفيون و فتحوا الراء ، و كان متّهما بالوضع في اللغة و أرادوا امتحانه ، فسألوه عن القبعض فقال هو القطن و أنشد

« كأنّ سنامها حشي القبعضا »

فقالوا : إن كان صحيحا فهو عجيب و إن كان مختلقا فهو أعجب(٢) .

( في كتاب المقتضب في باب اللفظ بالحروف ) في كشف الظنون المقتضب في الخطب للمبرد شرحه الرماني و علق على مشكلات أوائله الفارقي .

( و قد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية ) قال ثمة كأنّهعليه‌السلام شبّه السته بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا نامت العين

____________________

( ١ ) سنن أبي داود ١ : ٥٢ ح ٢٣ اسند إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( ٢ ) معجم الأدباء للحموي ١٠ : ١١٢ ١١٣ .

٥٠١

انحلّ صرار السته كما أنّه إذا زال الوكاء وسع بما فيه الوعاء ، الا أن حفظ العين للسته على خلاف حفظ الوكاء للوعاء ، فان العين إذا أشرجت لم تحفظ سيتها و الأوكية إذا حللت لم تضبط أوعيتها(١) .

٣٦ الخطبة ( ٧٩ ) و قالعليه‌السلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَلزَّهَادَةُ قِصَرُ اَلْأَمَلِ وَ اَلشُّكْرُ عِنْدَ اَلنِّعَمِ وَ اَلوَرَعُ عِنْدَ اَلْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ اَلْحَرَامُ صَبْرَكُمْ وَ لاَ تَنْسَوْا عِنْدَ اَلنِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اَللَّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَ كُتُبٍ بَارِزَةِ اَلْعُذْرِ وَاضِحَةٍ « أيها الناس إلى عند المحارم » جعلعليه‌السلام الزهد عبارة عن ثلاثة أمور :

قصر الأمل ، و شكر النعم ، و الورع عند المحارم .

أمّا الأول فقالوا : جمع اللَّه تعالى الزهد في كلمتين(٢) :( لكيلا تأسوا على ما فاتَكم و لا تَفرَحوا بِمآ آتاكم ) (٣) و لا يحصل الحالان إلاّ بقصر الأمل .

و أما الثاني : فلأن من زهد في الدّنيا هان عليه الإنفاق ممّا أنعم اللَّه عليه من المال شكرا .

و قال الصادقعليه‌السلام إنّ اللَّه أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا ، و ابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة(٤) .

و اما الثالث فسئل الصادقعليه‌السلام عن الزاهد في الدنيا فقال : الذي يترك

____________________

( ١ ) المجازات النبوية : ١٧٨ .

( ٢ ) من حديث للإمام الصادقعليه‌السلام ، بحار الأنوار ٧٨ : ٧٠ بتصرف .

( ٣ ) الحديد : ٢٣ .

( ٤ ) تحف العقول : ٢٦٧ .

٥٠٢

حلالها مخافة حسابه و يترك حرامها مخافة عقابه(١) .

« فإن عزب » أي : بعد و غاب .

« ذلك » الذي ذكر من الأمور الثلاثة .

« عنكم » فلا بدّ لكم من رعاية الثاني ، و الثالث شكر النعم و الورع عن المحارم ، و أشار إلى الورع بقوله .

« فلا يغلب الحرام صبركم » لأنّه ورد أنّه يؤتى يوم القيامة بأعمال قوم كالجبال فتصير هباء منثورا لغلبة الحرام على صبرهم .

و أشار إلى الشكر بقوله :

« و لا تنسوا عند النعم شكركم » فإنّ شكر المنعم واجب عقلي و قال تعالى :

( و لئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ) (٢) .

« فقد أعذر اللَّه عليكم بحجج مسفرة » أي : مشرقة مضيئة( لئلاّ يكون لِلنَّاس على اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُل ) (٣) .

« و كتب بارزة العذر واضحة » إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله و إلى أنبياء قبله .

٣٧ الحكمة ( ٤٢ ) و قالعليه‌السلام : لبعض أصحابه :

جَعَلَ اَللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ فَإِنَّ اَلْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ وَ لَكِنَّهُ يَحُطُّ اَلسَّيِّئَاتِ وَ يَحُتُّهَا حَتَّ اَلْأَوْرَاقِ وَ إِنَّمَا اَلْأَجْرُ فِي اَلْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَ اَلْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ اَلْأَقْدَامِ وَ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٠ : ٣١١ .

( ٢ ) إبراهيم : ٧ .

( ٣ ) النساء : ١٦٥ .

٥٠٣

اَلنِّيَّةِ وَ اَلسَّرِيرَةِ اَلصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ اَلْجَنَّةَ قول المصنّف : ( و قالعليه‌السلام لبعض أصحابه ) :

هو صالح بن سليم بن سلامان بن طي ( في علة اعتلها ) فلم يشهد معه صفّين لمرضه ، فقالعليه‌السلام ما نقل(١) المصنف له لمّا رجع من صفّين في طريقه .

ففي ( صفّين نصر بن مزاحم ) : قال عبد الرحمن بن جندب : لمّا أقبل عليّعليه‌السلام من صفّين أقبلنا معه إلى أن قال حتى جزنا النخيلة و رأينا بيوت الكوفة ، فإذا نحن بشيخ جالس في ظلّ بيت على وجهه أثر المرض ، فأقبل إليه عليّعليه‌السلام و نحن معه ، فقال له : مالي أرى وجهك منكفتا ؟ أمن مرض ؟ قال : نعم .

قال : فلعلك كرهته فقال : ما أحبّ أن يعتري قال : أليس احتساب بالخير في ما أصابك منه ؟ قال : بلى قال : أبشر برحمة ربّك و غفران ذنبك ، من أنت يا عبد اللَّه ؟ قال : أنا صالح بن سليم قال : ممّن ؟ قال : أمّا الأصل فمن سلامان بن طي ، و أمّا الجوار و الدعوة فمن بني سليم بن منصور قال : سبحان اللَّه ما أحسن اسمك و اسم أبيك و اسم من اعتزيت إليه ، هل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟ قال : لا و اللَّه ما شهدتها و لقد أردتها و لكن ما ترى بي من لحب الحمّى خذلني عنها .

قالعليه‌السلام : ليسَ على الضُعَفاءِ و لاَ عَلى المَرضَى و لا على الذين لا يَجدُونَ ما يُنفقُون حرجٌ( إِذا نَصَحوا للَّه و رسوله ما على المحسنين من سبيلٍ و اللَّه غفورٌ رحيم ) (٢) أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا و بين أهل الشام ؟ قال : منهم المسرور فيما كان بينك و بينهم و اولئك أغبياء الناس ، و منهم المكبوت الأسف لمّا كان من ذلك و اولئك نصحاء الناس لك ، و ذهب لينصرف فقالعليه‌السلام له : صدقت جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك ، فإنّ المرض لا أجر فيه

____________________

( ١ ) النهج ، الحكمة : ٤٢ .

( ٢ ) التوبة : ٩١ .

٥٠٤

و لكن لا يدع للعبد ذنبا إلاّ حطّه ، إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل باليد و الرجل ، و إنّ اللَّه عز و جل يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من عباده الجنّة(١) .

« جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك » في الخبر عاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان في علته فقال : إنّ لك فيها ثلاث خصال : أنت من اللَّه تعالى بذكر ، و دعاؤك فيه مستجاب ، و لا تدع العلّة عليك ذنبا إلاّ حطّته(٢) .

و في الخبر : حمّى ليلة كفّارة سنة لأنّه يبقى أثرها إلى سنة(٣) .

و في ( الطرائف ) : برى‏ء الفضل بن سهل من علّة فقال : إنّ في المرض لنعما لا ينبغي للعقلاء أن يجحدوها ، منها تمحيص للذنوب و تعرّض للثواب و الصبر و إيقاظ من الغفلة و ادكار للنعمة الموجودة في الصحة و رضا بما قدر اللَّه و قضائه و استدعاء للتوبة و حضّ على الصدقة(٤) .

« فإنّ المرض لا أجر فيه و لكنه يحط السيئات و يحتها حت الأوراق » يقال : حت الدم عن الثوب و حت الورق عن الشجر .

و في ( أدب كاتب الصولي ) لبعضهم تشبيها بمقط القلم لاصلاحه :

فإن تكن الحطوب فرين مني

أديما لم يكن قدما يعط

فإنّ كرائم الأقلام تحفى

فيصلح من تشعثها المقط(٥)

هذا ، و في ( تاريخ بغداد ) اعتل الحسن بن وهب من حمّى نافض و صالب و طاولته فكتب إليه أبو تمّام :

____________________

( ١ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٥٢٨ ، و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٢ : ٥٥١ .

( ٢ ) ذكره الصدوق في الخصال : ١٧١ ( ١٩٥ ) و المجلسي في البحار ٧٧ : ٦٢ رواية ٣ و ٨١ : ١٨٥ رواية ٣٧ .

( ٣ ) نسبه الطوسي في أماليه إلى الرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه و آله ، الأمالي : ٦٤١ ح ١ .

( ٤ ) الظرائف للمقدّسي : ١٤٣ .

( ٥ ) أدب الكتاب للصولي : ١١ .

٥٠٥

ليت حمّاك فيّ و كان لك الأجر

فلا تشتكي و كنت المريضا(١)

( و فيه ) : إعتل الفضل بن سهل ذو الرياستين بخراسان ثم برى‏ء فجلس للناس فهنّأوه بالعافية و تصرّفوا في الكلام ، فلمّا فرغوا أقبل على الناس فقال :

إنّ في العلل لنعما ينبغي للعقلاء أن يعلموها : تمحيص للذنوب ، و تعرّض لثواب الصبر ، و إيقاظ من الغفلة ، و ادكار للنعمة في حال الصحة ، و استدعاء للتوبة ، و حضّ على الصدقة ، و في قضاء اللَّه و قدره بعدم الخيار فنسي الناس ما تكلّموا به و انصرفوا بكلام الفضل(٢) .

« و إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل بالأيدي و الأقدام » و المرض ليس منهما فليس فيه أجر ، و أمّا قوله( ذلك بأنّهم لا يصيبُهم ظمأ و لاَ نَصبُ و لا مخمصة في سبيل اللَّه و لا يطَؤُنَ موطئا يغيظ الكفّار و لا ينالُونَ من عَدُوّ نيلاً إِلاّ كُتب لهُم به عمل صالح إِن اللَّه لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنينَ و لا يُنفِقونَ نَفَقَةً صغيرةً و لا كبيرةً و لا يقطَعُون وادياً إِلاّ كتب لَهُم ليَجزِيَهُمُ اللَّهُ أَحسَن ما كانوا يَعمَلُون ) (٣) في جعل إصابتهم الجوع و العطش و التعب و هي ليست من أعمال الجوارح مثل وطى‏ء الأقدام في غيظ الكفار و النيل منهم و الإنفاق و قطع الوادي في الجهاد و نحوها ممّا هو العمل بالأيدي و الأقدام ، فلا ينافي كلامهعليه‌السلام لأنّ ما ذكر أوّلا مسبّب عن أعمال الجوارح ، فإنّ الجوع و العطش و التعب كانت بواسطة الجهاد .

« و ان اللَّه سبحانه يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنّة » الظاهر كون الكلام استدراكا من قولهعليه‌السلام السابق « و انما الأجر . » ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٨ : ٢٥٢ ، لم نعثر على البيت الشعري في ديوان أبي تمام .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١٢ : ٣٤٢ .

( ٣ ) التوبة : ١٢٠ ١٢١ .

٥٠٦

بمعنى أن النيّة و إن لم تكن عمل الجوارح إلاّ أنّها لمّا كانت سببا لأعمال الجوارح كانت أيضا موجبا للأجر إن كانت صالحة ، و للوزر إن كانت فاسدة .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نيّة المؤمن خير من عمله و نيّة الكافر شرّ من عمله »(١) ، و قال تعالى .( إِن السَمعَ و البَصَرَ و الفؤاد كُل اُولئكَ كان عنه مسؤولاً ) (٢) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إنّما خلّد أهل النّار في النّار لأنّ نياتهم في الدّنيا ان لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللَّه أبدا ، و إنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم أن لو بقوا في الدّنيا أن يطيعوا اللَّه أبدا ، فبالنيّات خلّد هؤلاء و هؤلاء ثم تلا قوله تعالى قُل كُلٌ يعمَلُ على شاكِلَتِه(٣) .

و في ( الكافي ) : و إن المؤمن الفقير يقول : ربّ ارزقني حتى أفعل كذا و كذا من البرّ ، فإذا علم تعالى ذلك منه بصدق نيّة كتب له من الأجر مثل ما لو عمله ، إنّ اللَّه واسع كريم(٤) .

هذا ، و قالعليه‌السلام بصدق النيّة ، لأنّه ليست كلّ نيّة صادقة ، فقد قال تعالى( و منهم من عاهدَ اللَّه لئن آتانا من فَضلِهِ لنَصَّدَّقَنَّ و لنكُوننَّ من الصالحين فَلما آتاهُم من فَضلِهِ بَخِلُوا بهِ و تَولَّوا و هُم مُعرِضون فأَعقَبَهُم نفاقاً في قلوبهم إِلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللَّه ما و عدُوه و بما كانوا يكذِبُونَ ) (٥) .

و قال الصادقعليه‌السلام في صدق النية : عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر ، تصفية العمل أشدّ من العمل ، تخليص النيّة من الفساد أشد على العالمين

____________________

( ١ ) علل الشرائع للصدوق ٢ : ٤٠٣ حديث ٤ .

( ٢ ) الاسراء : ٣٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٥ ، و ذكره الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٥٢٣ ح ١ ، و الآية ٨٤ من سورة الاسراء .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٣ ، و ذكره البرقي في المحاسن : ٢٦١ .

( ٥ ) التوبة : ٧٥ ٧٧ .

٥٠٧

من طول الجهاد(١) .

( قال الرضي : و أقول : صدقعليه‌السلام ، إنّ المرض لا أجر فيه لأنّه ليس من قبيل ما يستحق عليه العوض ، لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل اللَّه تعالى بالعبد من الآلام و الأمراض و ما يجري مجرى ذلك ، و الأجر و الثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد ، فبينهما فرق قد بيّنه كما يقتضيه علمه الثاقب و رأيه الصائب ) و قد قالعليه‌السلام في المرض يصيب الصبي : إنّه كفارة لوالديه ، و ورد أنّ النّوم الموحش كفّارة(٢) .

٣٨ الحكمة ( ٤٧ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْرُ اَلرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ وَ صِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ وَ شَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ وَ عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ « قدر الرجل على قدر همّته » في ( تاريخ بغداد ) غلب عبد اللَّه بن طاهر على الشام و وهب له المأمون ما وصل إليه من الأموال هنا لك ، ففرّقه على القوّاد ثم وقف على باب مصر فقال : أخزى اللَّه فرعون ما كان أخسّه و أدنى همّته ، ملك هذه القرية فقال( أنا ربُّكم الأعلى ) (٣) و اللَّه لا دخلتها(٤) .

و في ( المعجم ) قال الصاحب بن عباد :

و قائلة : لم عرتك الهموم

و أمرك ممتثل في الامم

____________________

( ١ ) الروضة من الكافي للكليني : ٢ ح ١ .

( ٢ ) بحار الأنوار عن الإمام عليعليه‌السلام ٥ : ٣١٧ و عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ٨١ : ١٩٧ رواية ٥٤ .

( ٣ ) النازعات : ٢٤ .

( ٤ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٤٨٣ ، ترجمة عبد اللَّه بن طاهر ( ٥٠١٤ ) .

٥٠٨

فقلت دعيني و ما قد عرى(١)

فإنّ الهموم بقدر الهمم(٢)

و في ( الكامل ) : سافر كعب بن مامة الأيادي مع رجل من بني النمر بن قاسط ، فقلّ الماء فتصافناه و التصافن أن يطرح حجر في الاناء ثم يصبّ فيه من الماء ما يغمره لئلا يتغابنوا ، فجعل النمري يشرب نصيبه فإذا أخذ كعب نصيبه قال : اسق أخاك النمري فيؤثره ، حتى جهد كعب و رفعت له أعلام الماء ، فقيل له رد كعب و لا ورود به فمات عطشا .

و وفد أوس بن حارثة بن لام الطائي و حاتم الطائي على عمرو بن هند ملك الحيرة ، فدعا أوسا فقال له : أنت أفضل أم حاتم ؟ فقال له : أبيت اللعن ، لو ملكني حاتم و ولدي و لحمتي لوهبنا في غداة واحدة ، ثم دعا حاتما فقال له :

أنت أفضل أم أوس ؟ فقال : أبيت اللعن إنّما ذكّرت بأوس ، و لأحد ولده أفضل منّي .

و كان النعمان بن المنذر دعا بحلة و عنده وفود العرب من كلّ حي فقال :

احضروني في غد فانّي ملبس هذه الحلة أكرمكم ، فحضر القوم جميعا إلاّ أوسا ، فقيل له لم تخلفت ؟ فقال : إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء بي ألاّ أكون حاضرا ، و إن كنت أنا المراد فسأطلب و يعرف مكاني ، فلما جلس النعمان لم ير أوسا فقال : إذهبوا إلى أوس فقولوا له : إحضر آمنا ممّا خفت ، فحضر فلبس الحلة فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة : اهجه و لك ثلاثمائة ناقة فقال : كيف أهجو رجلا لا أرى في بيتي أثاثا و لا مالا إلاّ من عنده ، ثم قال :

كيف الهجاء و ما تنفكّ صالحة

من آل لأم(٣) بظهر الغيب تأتيني(٤)

____________________

( ١ ) ورد في الديوان بلفظ : « فقلت ذريني على غصتي »

( ٢ ) ديوان الصاحب بن عباد : ٢٨٠ .

( ٣ ) نسخة التحقيق « إذا ذكرت » .

( ٤ ) ديوان الحطيئة : ١٧٤ .

٥٠٩

فقال لهم بشر بن أبي خازم الأسدي : أنا أهجوه لكم ، فأخذ الابل و فعل ، فأغار أوس على الابل فاكتسحها و جعل بشر لا يستجير حيّا إلاّ قالوا قد أجرناك إلاّ من أوس و كان في هجائه إيّاه ذكر امّه فأتى به فدخل على امه فقال : قد أتينا ببشر الهاجي لك و لي فما ترين فيه ؟ قالت : أرى أن ترد عليه ماله و تعفو عنه و تحبوه و أفعل مثل ذلك ، فانّه لا يغسل هجاه إلاّ مدحه ، فخرج إليه و قال له : إنّ امّي سعدى التي كنت تهجوها أمرت لك بكذا و كذا فقال : لا جرم ، لا و اللَّه لا مدحت أحدا حتى أموت غيرك(١) .

« و صدقه على قدر مروّته » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل و سجوده ، فإنّ ذلك شي‏ء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ، و لكن انظروا إلى صدق حديثه و أداء أمانته(٢) .

و عنهعليه‌السلام : إنّما سمّي اسماعيل صادق الوعد لأنّه وعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة فأتاه بعد سنة فقال له إسماعيل : مازلت منتظرا لك(٣) .

و في ( الخصال ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ست من المروّة ، ثلاث منها في الحضر ، و ثلاث منها في السفر : فأمّا الّتي في الحضر ، فتلاوة كتاب اللَّه عز و جل و عمارة مساجد اللَّه و اتخاذ الإخوان في اللَّه عز و جل ، و أمّا الّتي في السفر ، فبذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير معاصي اللَّه(٤) .

« و شجاعته على قدر أنفته » في ( وزراء الجهشياري ) : بلغ موسى بن المهدي و هو الهادي حال بنت لعمارة بن حمزة مولاهم و هي جميلة

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرّد ١ : ١٩٧ ١٩٩ ، طبعة مصر .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٠٥ ح ١٢ .

( ٣ ) ورد في البحار قريب منه عن الإمام الرضاعليه‌السلام ٣ : ٣٨٨ رواية ١ .

( ٤ ) الخصال للصدوق ١ : ٣٢٤ ح ١١ .

٥١٠

فراسلها فقالت لأبيها ذلك ، فقال : إبعثي إليه في المصير إليك و أعلميه أنّك تقدرين على إيصاله إليك في موضع يخفى أثره ، فأرسلت إليه بذلك و حمل موسى على المصير نفسه ، فأدخلته حجرة قد فرشت و اعدّت له ، فلما صار إليها دخل عليه عمارة فقال : السّلام عليك أيها الأمير ماذا تصنع هاهنا ؟

إتّخذناك وليّ عهد فينا أو فحلا في نسائنا ؟ ثم أمر به فبطح في موضعه فضربه عشرين درة خفيفة و ردّه إلى منزله ، فحقد عليه فلما ولي الخلافة دسّ إليه رجلا يدّعي عليه أنّه غصبه الضيعة المعروفة بالبيضاء بالكوفة و كانت قيمتها ألف ألف درهم فبينا الهادي ذات يوم جالس للمظالم و عمارة بحضرته ، و ثب الرجل فتظلم منه ، فقال الهادي لعمارة : ما تقول ؟ قال : ان كانت الضيعة لي فهي له و ان كانت له فهي له و وثب فانصرف عن المجلس(١) .

( و عفته على قدر غيرته ) كانعليه‌السلام يقول لأهل العراق : نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق ، أما تستحون و لا تغارون ؟

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان اللَّه تعالى غيور يحب كلّ غيور ، و لغيرته حرّم الفواحش ظاهرها و باطنها ، و إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب(٢) .

و عنهعليه‌السلام : لمّا أقام العالم الجدار أوحى تعالى إلى موسىعليه‌السلام : إنّي مجازي الأبناء بسعي الآباء ، إن خيرا فخير و إن شرّا فشر ، لا تزنوا فتزني نساؤكم ، و من وطى‏ء فراش امرى‏ء مسلم وطى‏ء فراشه ، كما تدين تدان(٣) .

و عن الصادقعليه‌السلام : كانت في بني اسرائيل بغيّ و كان رجل منهم يكثر

____________________

( ١ ) وزراء الجهشياري تاريخ الوزراء : ١٤٧ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٣٦ ح ٣ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ١ ، و كذلك ثواب الأعمال : ١٣ ، و أيضا المجلسي في بحار الأنوار ١٣ : ٢٩٦ رواية ١٣ .

٥١١

الاختلاف إليها ، فلمّا كان في آخر ما أتاها أجرى اللَّه على لسانها : أما إنّك سترجع إلى أهلك فتجد معها رجلا ، فارتفعا إلى موسىعليه‌السلام فنزل جبرئيلعليه‌السلام و قال : يا موسى من يزن يزن به ، فنظر موسى إليهما فقال : عفّوا تعفّ نساؤكم(١) .

٣٩ الحكمة ( ٤٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلظَّفَرُ بِالْحَزْمِ وَ اَلْحَزْمُ بِإِجَالَةِ اَلرَّأْيِ وَ اَلرَّأْيُ بِتَحْصِينِ اَلْأَسْرَارِ هو قياس منتج : ان الظفر بتحصين الأسرار و هو قياس ينحلّ إلى قياسين ، لأنّ القضية الثانية كبرى بالنسبة إلى الاولى و صغرى بالنسبة إلى الثالثة .

أمّا كون الظّفر بالحزم ففي العيون : قيل لرجل من بني عبس : ما أكثر صوابكم فقال : نحن ألف رجل و فينا حازم واحد و نحن نطيعه ، فكأنّا ألف حازم(٢) .

و يقال : روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم(٣) .

و أمّا كون الحزم بإجالة الرأي فكان عامر بن الظرب حكيم العرب يقول :

دعوا الرأي يغبّ حتى يختمر ، و إيّاكم و الرأي الفطير(٤) .

و لمّا استعجل الحجّاج المهلّب في حرب الأزارقة قال المهلّب : إنّ من

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٠ ٣٢ ، و كذلك العقد الفريد ١ : ٦٠ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٤ .

( ٤ ) ابن عبد ربه ١ : ٦٠ ( دار الكتب العلمية ) .

٥١٢

البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره(١) .

و يقال : ليس بين الملك و بين ان يملك رعيته أو تملكه رعيته إلاّ حزم أو توان .

و قيل : من التمس الرخصة من الإخوان عند المشورة و من الأطباء عند المرض و من الفقهاء عند الشبهة أخطأ الرأي و ازداد مرضا و حمل الوزر(٢) .

و أمّا كون الرأي بتحصين الأسرار فيقال : ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك(٣) .

و في ( وزراء الجهشياري ) : كان موسى بن عيسى الهاشمي يتقلّد للرشيد مصر ، و كثر التظلّم منه و اتّصلت السعايات به و قيل إنّه قد استكثر من العبيد و العدّة فقال الرشيد ليحيى البرمكي : اطلب لي رجلا كاتبا عفيفا يكمل لمصر و يستر خبره فلا يعلم موسى بن عيسى حتى يفجأه قال : قد وجدته هو عمر بن مهران و كان كتب للخيزران و لم يكتب لغيرها قط و كان رجلا أحول مشوّه الخلق خسيس اللّباس فأمر بإحضاره قال : فاستدناني الرشيد و نحّى الغلمان و أمرني أن أستر خبري حتى افاجى‏ء موسى بن عيسى فأتسلّم العمل منه ، فأعلمته أنّه لا يقرأ لي ذكرا في كتب أصحاب الأخبار حتى أوافي مصر ، فكتب لي بخطّه إلى موسى ، فخرجت من غد مبكرا على بغلة لي و معي غلام أسود على بغل استأجرته ، معه خرج فيه قميص و مبطنة و طيلسان و شاشية و خف و مفرش صغير ، و اكتريت لثلاثة من أصحابي أثق بهم ثلاثة أبغل ، و أظهرت أنّي وجّهت ناظرا في أمور بعض العمّال ، كلّما وردت

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣١ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٣٠ ، في كتاب للهند .

( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ٤٠ .

٥١٣

بلدا توهّم من معي أنّي قصدته و ليس يعرف خبري أحد من أهل البلدان أمرّ بها في نزولي و نفوذي حتى وافيت الفسطاط فنزلت جنابا و خرجت منه وحدي في زيّ متظلم أو تاجر ، فدخلت دار الامارة و ديوان البلد و بيت المال ، و سألت و بحثت عن الأخبار و جلست مع المتظلمين و غيرهم ، فمكثت ثلاثة أيام أفعل ذلك حتى عرفت جميع ما احتجت إليه ، فلمّا نام الناس دعوت أصحابي فقلت للّذي أردت استكتابه على الديوان : قد رأيت مصر و قد استكتبتك على الديوان فبكّر إليه فاجلس فيه ، فإذا سمعت الحركة فاقبض على الكاتب و وكلّ به و بالكتاب و الأعمال ، و لا يخرج من الديوان أحد حتى أوافيك ، و دعوت بآخر فقلّدته بيت المال و أمرته بمثل ذلك ، و قلّدت الآخر عملا من الأعمال بالحضرة ، و أمرتهم أن يبكّروا و لا يظهروا أنفسهم حتى يسمعوا الحركة ، و بكّرت فلبست ثيابي و وضعت الشاشية على رأسي و مضيت إلى دار الامارة ، فأذن موسى للناس إذنا عامّا ، فدخلت فيمن دخل ، فإذا موسى على فرش و القوّاد وقوف عن يمينه و شماله و الناس يدخلون فيسلّمون و يخرجون و أنا جالس بحيث يراني و حاجبه ساعة بساعة يقيمني و يقول لي تكلّم بحاجتك ، فأعتلّ عليه حتى خفّ الناس ، فدنوت منه و أخرجت إليه كتاب الرشيد فقبّله و وضعه على عينه ثم قرأه فامتقع لونه و قال : السمع و الطاعة تقرى‏ء أبا حفص السلام و تقول له : ينبغي لك أن تقيم بموضعك حتى نعدّ لك منزلا يشبهك و يخرج غدا أصحابنا يستقبلونك فتدخل مدخل مثلك .

فقال له : أنا عمر بن مهران قد أمرني الرشيد بإقامتك للناس و انصاف المظلوم منك و أنا فاعل ذلك فقال : أنت عمر بن مهران ؟ قلت : نعم قال :( لعن اللَّه فرعون حيث يقول أليس لي مُلك مِصر ) (١) و اضطرب الصوت في الدار ،

____________________

( ١ ) الزخرف : ٥١ .

٥١٤

فقبض كاتبي على الديوان و صاحبي الآخر على بيت المال و ختما عليه و وردت عليه رقاع أصحاب أخباره بذلك ، فنزل عن فرشه و قال : « لا إله إلاّ اللَّه هكذا تقوم الساعة ما ظننت أنّ أحدا بلغ من الحزم و الحيلة ما بلغت ، فإنّك قد تسلّمت الأعمال و أنت في مجلسي » ثم نهضت إلى الديوان فقطعت أمور المتظلمين منه و انصرفت على بغلتي التي دخلت عليها و معي غلامي الأسود(١) .

و في ( عيون ابن قتيبة ) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إستعينوا على الحوائج بالكتمان ، فإنّ كلّ ذي نعمة محسود(٢) .

و كان عليعليه‌السلام يتمثل بهذين البيتين :

و لا تفش سرّك إلاّ إليك

فإنّ لكلّ نصيح نصيحا

فإنّي رأيت غواة الرجال

لا يتركون أديما صحيحا(٣)

و قال الشاعر :

و لو قدرت على نسيان ما اشتملت

منّي الضلوع من الأسرار و الخبر

لكنت أوّل من ينسى سرائره

إذ كنت من نشرها يوما على خطر(٤)

٤٠ الحكمة ( ٦٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلشَّفِيعُ جَنَاحُ اَلطَّالِبِ

____________________

( ١ ) تاريخ الوزراء للجهشياري : ٢١٧ ٢٢٠ بتصرف .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ، أخرجه عن أحمد بن خليل عن محمد بن الحصيب عن أوس بن عبد اللَّه بن بريدة عن أخيه عن بريدة ١ : ٣٨ و قد مرّ .

( ٣ ) ذكرهما ابن قتيبة في العيون ١ : ٣٩ ، و قد مرّ ذكره .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبه ١ : ٣٩ .

٥١٥

قالوا : الشفاعات مفاتيح الطلبات و قيل في فضل البرمكي :

و من يكن الفضل بن يحيى بن خالد

شفيعا له عند الخليفة ينجح(١)

و في ( تاريخ بغداد ) : إشترى أخ لشعبة من طعام السلطان فخسر هو و شركاؤه ، فحبس بستة آلاف دينار بحصته ، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلّمه فيه ، فلمّا دخل عليه قال للمهدي : انشدني قتادة و سماك بن حرب لامية بن أبي الصلت يقوله لعبد اللَّه بن جدعان :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك إن شيمتك الحياء

كريم لا يعطّله صباح

عن الخلق الكريم و لا مساء

فارضك أرض مكرمة بنتها

بنو تيم و أنت لهم سماء

فقال : لا ، لا تذكرها قد عرفناها و قضيناها لك ، إرفعوا إليه أخاه لا تلزموه شيئا(٢) .

هذا ، و في المعجم قال أبو العيناء : كان لي صديق فجاءني يوما و قال :

أريد الخروج إلى فلان العامل و أحببت أن يكون معي إليه وسيلة و قد سألت عن صديقه فقيل لي الجاحظ و هو صديقك فاحبّ أن تأخذ لي كتابه إليه بالعناية ، فصرت إلى الجاحظ فقلت له جئتك مسلّما و قاضيا للحق و لبعض أصدقائي حاجة و هي كذا و كذا فقال : لا تشغلنا الساعة عن المحادثة و إذا كان في غد وجّهت إليك بالكتاب ، فلمّا كان في غد ، وجّه إليّ بالكتاب ، فقلت لابني :

وجّه هذا الكتاب إلى فلان ففيه حاجته فقال لي : إن الجاحظ بعيد الغور فينبغي أن نفضّه و ننظر ما فيه ، ففعل فإذا في الكتاب :

« هذا الكتاب مع من لا أعرفه و قد كلّمني فيه من لا أوجب حقّه ، فان

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٨ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٢٥٦ في ترجمة شعبة بن الحجاج .

٥١٦

قضيت حاجته لم أحمدك ، و ان رددته لم أذممك » .

فلمّا قرأت الكتاب مضيت من فوري إلى الجاحظ فقال : قد علمت انّك أنكرت ما في الكتاب ، فقلت أو ليس موضع نكرة ، فقال لا هذه علامة بيني و بين الرجل في من أعتني به ، فقلت : لا إله إلاّ اللَّه ما رأيت أحدا أعلم بطبعك و ما جبلت عليه من هذا الرجل ، انّه لمّا قرأ هذا الكتاب قال : أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف قحبة و ام من يسأله حاجة فقلت له : يا هذا تشتم صديقنا فقال :

هذه علامة في من أشكره فضحك الجاحظ(١) .

٤١ الخطبة (( الحكمة )) ( ٦٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْعَفَافُ زِينَةُ اَلْفَقْرِ وَ اَلشُّكْرُ زِينَةُ اَلْغِنَى أقول : كرّره المصنف في ( ٣٤٠ ) سهوا ، لكن نقله عنه هنا ابن ميثم بدون الفقرة الأخيرة(٢) و انما نقله عنه معها ابن أبي الحديد(٣) .

« العفاف زينة الفقر » و قد وصف اللَّه تعالى الفقراء المتزيّنين بالعفاف في قوله( يَحسَبُهُم الجاهِلُ أَغنياءَ مِنَ التَّعفُّف تَعرفُهم بسيماهم لا يَسألونَ الناس إِلحافاً ) (٤) .

« و الشكر زينة الغنى » قال سليمانعليه‌السلام ( ربِّ أَوزعني أن أَشكُر نعمتك الّتي أَنعمتَ عليَّ وَ على والديَّ ) (٥) و قال أيضا لمّا رأى عرش ملكة سبأ مستقرا

____________________

( ١ ) معجم الادباء للحموي ١٦ : ٨٣ ، في ترجمة عمرو بن بحر ، الجاحظ .

( ٢ ) نقل شرح ابن ميثم « العفاف زينة الفقر » ٥ : ٢٧٣ رقم ٦٠ .

( ٣ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٣ رقم ٦٦ .

( ٤ ) البقرة : ٢٧٣ .

( ٥ ) النمل : ١٩ .

٥١٧