أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت11%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 333446 / تحميل: 11884
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

وتعصيه أنت، ثمّ تجيئان يوم القيامة سَواء، لأنتَ أعزّ على اللّه منه ! إنّ عليّ بن الحسين كان يقول: ( لمُحسِننا كِفلان مِن الأجر، ولمُسيئنا ضِعفان مِن العذاب ).

قال الحسن بن الوشّا: ثمّ التفت إليّ وقال: يا حسن، كيف تقرأون هذه الآية ؟:( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) )( هود: ٤٦ ).

فقلت: مِن الناس مَن يقرأ:( عَمِلَ غيرَ صالح ) ، ومنهم مَن يقرأ:( عَمَلَ غيرَ صالح ) نَفاهُ عن أبيه.

فقالعليه‌السلام : ( كلا لقد كان ابنه، ولكن لمّا عصى اللّه عزَّ وجل، نفاه اللّه عن أبيه، كذا مَن كان مِنّا ولم يُطِع اللّه فليس منّا، وأنت إذا أطَعت اللّه فأنت منّا أهل البيت )(١) .

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله على الصفا، فقال: يا بني هاشم، يا بني عبد المُطّلب، إنّي رسول اللّه إليكم، وإنّي شفيقٌ عليكم، وإنّ لي عملي، ولكلِّ رجلٍ منكم عمله، لا تقولوا إنّ محمّداً منّا وسنُدخَل مُدخله، فلا واللّه ما أوليائي منكم ولا مِن غيركم، يا بني عبد المطّلب، إلاّ المتّقون، ألا فلا أعرفكم يوم القيامة، تأتون تحملون الدنيا على ظهوركم، ويأتي الناس يحملون الآخرة، ألا إنّي قد أعذرت إليكم فيما بيني وبينكم، وفيما بيني وبين اللّه تعالى فيكم )(٢) .

وعن جابر قال: قال الباقرعليه‌السلام : ( يا جابر، أيكتفي مَن انتحل

_____________________

(١) البحار عن معاني الأخبار وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

(٢) الوافي ج ٣ ص ٦٠ عن الكافي.

٢٨١

التشيّع، أنْ يقول بحبّنا أهل البيت ؟! فو اللّه ما شيعتنا إلاّ مَن اتّقى اللّه وأطاعه - إلى أنْ قال: فاتّقوا اللّه واعملوا لما عند اللّه، ليس بين اللّه وبين أحدٍ قرابة، أحبّ العباد إلى اللّه تعالى وأكرمهم عليه أتقاهم، وأعملهم بطاعته.

يا جابر، واللّه ما يُتَقرّب إلى اللّه إلاّ بالطاعة، ما معنى براءة من النار، ولا على اللّه لأحدٍ مِن حجّة، مَن كان للّه مطيعاً فهو لنا وليّ، ومَن كان للّه عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تُنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورَع )(١) .

وعن المفضّل بن عُمر قال: كنت عند أبي عبد اللّهعليه‌السلام فذكرنا الأعمال، فقلت أنا: ما أضعف عملي. فقال: ( مه ؟! استغفر اللّه ).

ثمّ قال: ( إنّ قليلَ العمل مع التقوى خيرٌ مِن كثيرٍ بلا تقوى ). قلت: كيف يكون كثير بلا تقوى ؟

قال: ( نعم، مثل الرجل يطعم طعامه، ويرفق جيرانه، ويوطئ رحله، فإذا ارتفع له الباب مِن الحرام دخل فيه، فهذا العمل بلا تقوى. ويكون الآخر ليس عنده شيء، فإذا ارتفع له الباب مِن الحرام لم يدخل فيه )(٢) .

قال الشاعر:

ليس من يقطع طريقاً بطلا

إنّما مَن يتّق اللّه البطل

فاتق اللّه فتقوى اللّه ما

جاورت قلب امرئ إلا وصل

_____________________

(١) الوفي ج ٣ ص ٦٠ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٦١ عن الكافي.

٢٨٢

الثبات على المبدأ

للنُظم والمبادئ أهميّةٌ كُبرى، وأثرٌ بالغ في حياة الأُمَم والشعوب، فهي مصدر الإشعاع والتوجيه في الأُمّة، ومظهر رُقيّها أو تخلّفها، وكلّما سمَت مبادئ الأُمّة، ونُظمِها الإصلاحيّة، كان ذلك برهاناً على تحضّرها وازدهارها.

وكلّما هزُلَت وسخفت المبادئ، كان دليلاً على جهل ذويها وتخلّفهم

وخير المبادئ وأشرفها هو: ما ينظّم حياة الإنسان فرداً ومجتمعاً، ويصون حرّيته وكرامته، ويُحقّق أمنه ورخاءه، ويوفّر له وسائل السعادة والسلام في مجالَي الدين والدنيا.

وبديهيّ أنّ المبادئ مهما سمَت، وزخرت بجلائل المزايا والخلال، فإنّها لا تُحقّق أماني الأُمّة وآماله، ولا تفيء عليها بالخير المأمول، إلاّ إذا اعتنقتها وحرَصت على حمايتها وتنفيذها في مختلف مجالات الحياة، وإلاّ كانت عديمة الجدوى والنفع.

لذلك كان الثبات على المبدأ الحق مِن أقدس واجبات الأُمّة وفروضها الحتميّة، فهو الذي يرفع معنويّاتها، ويُعزّز قيمتها، ويحقّق أهدافها وأمانيها.

ولم تعرف البشريّة في تاريخها المديد، أكمل وأفضل مِن المبادئ

٢٨٣

الإسلاميّة الحائزة على جميع الخصائص والفضائل التي أهلتها للخلود، وبوّأتها قمّة الشرائع والمبادئ.

فهي المبادئ الوحيدة التي تلائم الفِطَر السليمة، وتؤلّف بين القِيَم الماديّة والروحيّة، وتكفُل لمعتنقيها سعادة الدين والدنيا.

ناهيك في جلالتها إنّها إستطاعت أنْ تحقّق في أقلِّ مِن رُبع قرن مِن فتوحات الإيمان، ومعاجز الإصلاح، ما عجزت عن تحقيقه سائر الشرائع والمبادئ.

وأنشأت من الأُمّة العربيّة المُتخلّفة في جاهليّتها خير أُمّةٍ أُخرِجت للناس، حضارةً ومجداً وعِلماً وأخلاقاً.

وما ساد المسلمون الأوّلون وانفردوا بحضارتهم وزعامتهم العلميّة، إلاّ بثباتهم على مبادئهم الخالدة، وتفانيهم في حمايتها ونصرتها.

وما فُجِع المسلمون اليوم، وانتابتهم النكسات المُتتالية، إلاّ بإغفال مبادئهم، وانحرافهم عنها.

أنظر كيف يُمجّد القرآن الكريم المسلمين الثابتين على مبادئهم الرفيعة، المُستمسكين بقِيَم الإيمان ومُثُله العليا:

( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ) ( فصّلت: ٣٠ - ٣٢ )

ولقد كان الرسول الأعظم وأهل بيته الطاهرون، المثل الأعلى في الثبات على المبدأ وحمايته والتضحية في سبيله، بأعزّ النفوس والأرواح.

٢٨٤

كانصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما اكفهرّت في وجهه أعاصير المِحن، وتألّبت عليه قِوى الكُفر والطغيان ازداد صموداً ومُضيّاً على نشر رسالته، ضارباً في سبيل ذلك أرفع الأمثال: ( لو وضِعَت الشمسُ في يميني، والقمر في يساري ما تركتُ هذا الأمر حتّى يُظهره اللّه، أو أهلك في طلبه ).

وبهذا الصمود والشموخ انهارت قِوى الشرك، واستسلَمت صاغرةً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكان أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام على سرّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومثاليّته في الثبات على المبدأ والاعتصام به، عُرِضَت عليه الخلافة مشروطةً بكتاب اللّه وسنّة رسوله وسيرة الشيخين، فأبى معتدّاً بمبدئه السامي، ورأيه الأصيل قائلاً: ( بل على كتاب اللّه، وسنّة رسوله، واجتهاد رأيي ).

وألحّ عليه نفرٌ من خاصّته ومواليه أنْ يستميل مَن أغوتهم زخارف الأطماع فسئموا عدل الإمام ومساواته، واستهواهم إغراء معاوية ونواله الرخيص ( يا أمير المؤمنين، أعط هذه الأموال، وفضّل هؤلاء الأشراف من العرَب وقريش على الموالي والعجَم، ومَن تخاف عليه مِن الناس فراره إلى معاوية ).

فقالعليه‌السلام لهم وهو يُعرِب عن ثباته وتمسّكه بدستور الإسلام، وترفّعه عن الوسائل الاستغلاليّة الآثمة: ( أتأمروني أنْ أطلب النصر بالجور ؟! لا واللّه، ما أفعل ما طلَعت شمسٌ ولاح في السماء نجم، واللّه لو كان مالهم لي لواسيت بينهم، وكيف وإنّما هي أموالهم ؟! ).

٢٨٥

وهكذا سرَت مثاليّة الإمامعليه‌السلام إلى الصفوة المختارة مِن أصحابه وحواريه، فكانوا نماذج فذّة، وأنماطاً فريدةً في الثبات على المبدأ والتمسّك بالحقّ، والذود عنه، رغم معاناتها ضروب الإرهاب والتنكيل.

وقد ازدانت أسفار السيَر بطرائف أمجادهم، وطيب ذكراهم، ممّا خلّدت مآثرهم عِبر القرون والأجيال، وإليك طرفاً منها:

قال الحجّاج بن يوسف الثقفي ذات يوم: أحبّ أنْ أصيب رجلاً مِن أصحاب أبي تراب فأتقرّب إلى اللّه بدمه. فقيل له: ما نعلم أحداً كان أطول صُحبةً لأبي تراب من قنبر مولاه. فبَعث في طلبه فأُتي به، فقال له: أنت قنبر ؟ قال: نعم. قال: أبو همدان. قال: نعم. قال: مولى عليّ بن أبي طالب. قال: ( الله مولاي وأمير المؤمنين عليّ وليّ نعمتي ).

قال: ابرأ من دينه، قال: فإذا برئت مِن دينه تدلّني على دينٍ غيره أفضل منه. قال: إنّي قاتلك، فاختر أيّ قتلةٍ أحبّ إليك. قال: صيّرت ذلك إليك. قال: ولِم ؟ قال: لأنّك لا تقتلني قتلةً إلاّ قتلتك مثلها، وقد أخبرني أمير المؤمنين أنّ منيّتي تكون ذبحاً، ظُلماً بغير حقّ.

قال: فأمر به فذُبِح(١).

ورُوي أنّ معاوية أرسل إلى أبي الأسود الدُّؤَلـي هديةً منها حَلواء، يُريد بذلك استمالته وصرفه عن حبِّ عليّ بن أبي طالب، فدخلت ابنة صغيرة له فأخذت لقمة مِن تلك الحلواء وجعلتها في فمها، فقال لها أبو

_____________________

(١) البحار م ٩ ص ٦٣٠.

٢٨٦

الأسود: يا بنتي، ألقيه فإنّه سُمّ، هذه حلواء أرسلها إلينا معاوية ليخدعنا عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ويردّنا عن محبّة أهل البيت. فقالت الصبيّة: قبّحه اللّه، يخدعنا عن السيّد المُطهّر بالشهد المُزعفَر ! تبّاً لمُرسِله وآكله، فعالَجت نفسها، حتّى قاءت ما أكلتها، ثمّ قالت:

أبا لِشَهد المزعفر يابن هندٍ

نبيع عليك أحساباً(إسلاما-خ‌ل)ودينا

معاذَ اللّه كيف يكون هذا

ومولانا أميرُ المؤمنينا(١)

وكان رشيد الهَجَري من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين، أُتِيَ به إلى زياد لعنه اللّه.

فقال زياد: ما قال لك خليلُك أنّا فاعلون بك ؟ قال: تقطعون يدَيّ ورجلَيّ وتصلبونني.

فقال زياد: أما واللّه لأُكذبنّ حديثه، خلّوا سبيله. فلمّا أراد أنْ يخرج، قال: رُدّوه لا نجد لك شيئاً أصلح ممّا قال صاحبُك، إنّك لن تزال تبغي سوءاً إنْ بقيت، اقطعوا يديه ورجليه وهو يتكلّم، وقال: أُصلبوه خنقاً في عنقه(٢).

ولنستمع إلى كلمات أصحاب الإمام الخالدة، والمُعرِبة عن شدّة حبّهم للإمامعليه‌السلام ، وثباتهم على موالاته، وتفانيهم في سبيله:

فهذا عمرو بن الحمق يُخاطب أمير المؤمنينعليه‌السلام فيقول: ( والله يا أمير المؤمنين، إنّي ما أجبتك ولا بايعتك على قرابةٍ بيني وبينك،

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٦٦٩.

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٥٢٢.

٢٨٧

ولا إرادة مالٍ تؤتينه، ولا إرادة سُلطانٍ ترفع به ذِكري، ولكنّي أجبتك بخصالٍ خمس:

إنّك ابن عمّ رسول اللّه، وأوّل مَن آمن به، وزوج سيّدة نِساء الأُمّة فاطمة بنت محمّد، ووصيّه، وأبو الذريّة التي بقيَت فينا من رسول اللّه، وأسبق الناس إلى الإسلام، وأعظم المهاجرين سهماً في الجهاد.

فلو أنّي كُلّفت نقلَ الجبال الرواسي، ونزح البحور الطوامي، حتّى يؤتى عليّ في أمرٍ أُقوّي به وليّك، وأهينُ به عدوّك، ما رأيت أنّي قد أدّيت فيه كلّ الذي يحقّ عليّ مِن حقّك.

فقال عليّعليه‌السلام : ( اللهم نوّر قلبه بالتقى، واهده إلى صراطك المستقيم، ليت أنّ في جندي مِئةً مثلك )، فقال حجر: إذاً واللّه يا أمير المؤمنين، صحّ جندك، وقلّ فيهم مَن يغشك(١).

ورُوي أنّ أمير المؤمنين قال لحِجر بن عَدِي الطائي: ( كيف بك إذا دُعيت إلى البراءة منّي، فما عساك أنْ تقول ؟) فقال: واللّه يا أمير المؤمنين، لو قُطّعت بالسيف إرباً إرباً، وأضرمت لي النار وألقيت فيها، لآثرت ذلك على البراءة منك. فقال: ( وُفّقت لكلِّ خيرٍ يا حِجر، جزاك اللّه خيراً عن أهل بيت نبيّك )(٢).

وقال هاشم المرقال، وكان على ميسرةِ أمير المؤمنين بصفّين: واللّه ما أحبّ أنّ لي ما على الأرض ممّا أقلّت، وما تحت السماء ممّا أظلّت،

_____________________

(١) البحار م ٨ ص ٤٧٥.

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٢٢٦.

٢٨٨

وإنّي واليت عدوّاً لك أو عاديت وليّاً لك.

فقال له أمير المؤمنين: ( اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك، والمرافقة لنبيّك )(١).

ورُوي أنّ أسوَداً دخل على عليّعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين * إنّي سرقت فطهّرني.

فقال: لعلّك سرقت مِن غير حِرز ونحّى رأسه عنه. فقال: يا أمير المؤمنين، سرقت مِن حِرزٍ فطهّرني. فقالعليه‌السلام : لعلّك سرقت غير نصاب، ونحّى رأسه عنه. فقال: يا أمير المؤمنين، سرقت نصاباً، فلمّا أقرّ ثلاث مرّات قطعه أمير المؤمنين، فذهب وجعل يقول في الطريق: قطعني أميرُ المؤمنين، وإمام المُتّقين، وقائد الغرّ المُحجّلين، ويعسوب الدين، وسيّد الوصيّين، وجعل يمدحه. فسمِع ذلك منه الحسن والحسين وقد استقبلا فدخلا على أمير المؤمنينعليه‌السلام وقالا: ( رأينا أسوَداً يمدحك في الطريق )، فبعث أمير المؤمنينعليه‌السلام مَن أعاده إلى عنده، فقالعليه‌السلام : ( قطعتك وأنت تمدحني ). فقال: يا أمير المؤمنين، إنّك طهّرتني، وإنّ حبّك قد خالط لحمي وعظمي، فلو قطّعتني إرباً إرباً لما ذهب حبّك مِن قلبي. فدعا له أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ووضَع المقطوع إلى موضعه فصحّ وصلح كما كان(٢).

ولقد سما الحسينعليه‌السلام وأهل بيته الطاهرون وأصحابه الأكرمون

_____________________

(١) سفينة البحار ج ٢ ص ٧١٦.

(٢) البحار م ٩ ص ٥٥٧.

٢٨٩

إلى أوجّ رفيع، تنحطّ دونه الهِمم والآمال في الثبات على المبدأ والتمسّك بالحقّ، رغم حراجة الموقف، ومعاناة أفدح الخطوب والأهوال.

وقف الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء، وقد أحاط به ثلاثون ألف مقاتل، يبغون إذلاله وقتله، فصرَخ في وجوههم صرخته المدوّية، وأعلن عن إبائه وشموخه بكلماته الخالدة المُجلجلة في مسمع الدهر، والتي لا تزال دستوراً حيّاً يُقدّسه الأباة والأحرار:

( ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ، قد ركَز بين اثنتين، بين السِّلة والذّلة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى اللّه ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابت وطهُرت، وأنوفٌ حميّة، ونفوسٌ أبيّة، مِن أنْ نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ).

ويؤكّد الحسينعليه‌السلام ثباته على المبدأ مؤثراً في سبيله القتل والفداء على الحياة الخانعة الذليلة: ( واللّه لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لكم إقرار العبيد ).

( إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ برَماً ).

وهكذا اقتفى أصحاب الحسينعليهم‌السلام نهجه ومثاليّته في الصمود والثبات على المبدأ، ومُفاداته بأعزّ النفوس والأرواح. خطبهم الحسينعليه‌السلام خطبةً مِلؤها الحبّ والإعجاب والإشفاق:

( أمّا بعد فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً مِن أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل ولا أفضل مِن أهل بيتي، فجزاكم اللّه عنّي خيراً، ألا وإنّي لأظنّ يوماً لنا مِن هؤلاء الأعداء، ألا وإنّي قد أذنت لكم

٢٩٠

فانطلقوا جميعاً في حلٍّ ليس عليكم منّي ذِمام، هذا الليل قد غًشِيَكم فاتّخذوه جملاً، ثمّ ليأخذ كلّ رجلٍ منكم يدَ رجلٍ مِن أهل بيتي، ثمّ تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يُفرّج اللّه، فإنّ القوم إنّما يطلبوني، ولو قد أصابوني لَلَهوا عن طلبِ غيري ).

فقام إليه مسلم بن عوسجة فقال: أنحن نخلّي عنك !! ولمّا نعذر إلى اللّه في أداء حقّك، أما واللّه حتّى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي، ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أُقاتلهم به، لقذفتهم بالحجارة، واللّه لا نخلّيك حتّى يعلم اللّه أنّا قد حفظنا عيبة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيك.

واللّه لو علمت أنّي أُقتل، ثُمّ أُحيى، ثمّ أُقتل، ثمّ أحرق، ثمّ أذرى، ثمّ يُفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك، حتّى ألقى حمامي دونك، وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة، ثمّ هي الكرامة العظمى التي لا انقضاء لها أبداً.

وقام إليه زهير بن القين فقال: واللّه لوددت أنّي قُتلت، ثمّ انتشرت، ثمّ قُتلت، حتّى أُقتل هكذا ألف مرّة، وأنّ اللّه جلّ وعزّ يدفع بذلك القتل عن نفسك ونفوس هؤلاء الفتيان مِن أهل بيتك.

وتكلّم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً، فقالوا: واللّه لا نفارقك، ولكن أنفسنا لك الفداء، نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا، فإذا نحن قُتلنا كنّا وفّينا وقضينا ما علينا(١).

_____________________

(١) عن نفس المهموم للمرحوم الحجّة الشيخ عبّاس القمّي ص ١٢١ بتصرّفٍ بسيط.

٢٩١

وهكذا طفق أصحاب الحسينعليه‌السلام يُعربون عن ثباتهم وتفانيهم في ولائه ونُصرته والذبّ عنه، بأروَع مفاهيم البطولة والفداء.

وما أحوَج المسلمين اليوم أنْ يستلهموا جهاد أولئك العظماء الأفذاذ، ويقتفوا آثارهم، في التمسّك بالدين، والثبات على المبدأ، والتفاني في نصرة الحقّ، ليستردّوا مجدهم الضائع، وعزّهم السليب، وينقذوا أنفسهم مِن هوان الهزائم الفاضحة والنكسات المتتالية، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.

٢٩٢

القسم الثاني - في الحقوق والواجبات

٢٩٣

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )

قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام :

( الحقُّ أوسَع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحدٍ إلاّ جرى عليه، ولا يجري عليه إلاّ جرى له، ولو كان لأحدٍ أنْ يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصاً للّه سُبحانه دون خلقه، لقدرته على عباده، ولعدله في كلّ ما جرت عليه صروف قضائه. ولكن جعل حقّه على العباد أنْ يطيعوه، وجعل جزاءهم عليها مضاعفة الثواب تفضّلاً منه، وتوسّعاً بما هو مِن المزيد أهله. ثُمّ جعل سُبحانه مِن حقوقه حقاً افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها، ويوجِب بعضها بعضاً، ولا يستوجِب بعضها إلاّ ببعض ).

٢٩٤

تمهيد

٢٩٥

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )

الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

وبعد:

فإنّ الإنسان مدنيٌّ بالطبع، لا يستغني عن أبناء جنسه، ولا يستطيع اعتزالهم والتخلّف عن مُسايرة ركبهم، فإنّه متى انفرد عنهم أحسَّ بالوحشة والغُربة، واستشعر الوهن والخذلان، إزاء طوارئ الأقدار وملمّات الحياة، وعجَز عن تحقيق ما يصبو إليه مِن أماني وآمال، لا يتسنّى له تحقيقها إلاّ بالتضامن والتآزر الاجتماعيّين.

فهو فرعٌ من دوحةٍ أسريّة وشجت على الآباء، وتفرّعت عن الأبناء، فالأعمام والأخوال، وامتدّت أغصانها حتّى انتضمت سائر الأقرباء والأرحام.

وهو عنصرٌ مِن عناصر المجتمع، ولبنةٌ في كيانه، تتجاذبه أواصرٌ شتّى وصِلاتٌ مختلفة: من العقيدة، والصداقة، والثقافة، والمهنة، وغيرها من الصِلات الكُثر.

٢٩٦

وهذا الترابط الاجتماعي، أو المجتمع المترابط، لا بدّ له من دستورٍ ينظّم حياته، ويوثق أواصره، ويحقّق العدل الاجتماعي في ظلاله، بما يرسمه من حقوقٍ وواجبات، فرديّة واجتماعيّة، تضمن صالح المجتمع، وتصون حقوقه وحرماته المقدّسة.

وبذلك يغدو المجتمع زاهراً، سعيداً بالوئام والسلام، والخير والجمال. وبإغفال ذلك يغدو المجتمع بائساً شقيّاً، تسوده الفوضى، ويشيع فيه التسيّب، وتنخر في كيانه عوامل التخلّف والانهيار.

وقد حوت الشريعة الإسلاميّة - فيما حوَته مِن ضروب المعجزات الإصلاحية - أنّها جاءت بدستورٍ أخلاقيٍّ هادف بنّاء، يُنظّم حياة الفرد وحياة المجتمع أفضل وأكمل تنظيم، بما يرسم له مِن حقوقٍ وآدابٍ اجتماعيّة في مختلف الحقول والمجالات، ما يحقّق للمسلمين مفاهيم السلام والرخاء، ويكفل إسعادهم أدبيّاً وماديّاً.

مِن أجل ذلك كان لزاماً على المسلم أنْ يستلهم ذلك الدستور، ويعرف ماله وعليه من الواجبات والحقوق، ويعنى بتطبيقه والسير على هُداه، ليكون مثَلاً رفيعاً في جمال السيرة وحُسن السلوك، ورعاية حقوق مَن ينتسب إليهم، ويرتبط بهم من صنوف الروابط والصلات الاجتماعيّة، وليُحقّق بذلك ما يهفو إليه مِن توقير وحبٍّ وثناء.

وهذا ما حداني إلى وضع هذا الكتاب، الذي خططته ورسمت مفاهيمه على ضوء القرآن الكريم، وأخلاق أهل البيتعليهم‌السلام ووصاياهم الحكيمة الجليلة. وعرضت فيه طائفة مِن أهمّ الحقوق، وأبلغها أثراً في حياة الفرد

٢٩٧

والمجتمع، مبتدئاً فيه بحقوق اللّه على العباد، فحقوق رسوله الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحقوق الأئمّة المعصومين من آلهعليهم‌السلام . ثمّ استعرضت الحقوق واحداً إثر آخر، متدرجاً من حقوق العلماء إلى حقوق الأساتذة والطلاب، فالوالدين والأولاد، والزوجيّة والرحميّة، إلى الحقوق الاجتماعيّة الأُخرى التي يجدها المُطالع في حقول الكتاب.

وأملي أنْ يجد فيه المؤمنون رائد خير، وداعيةَ صلاح، ومنار هداية. وأنْ يحظى بشرف قبول اللّه تعالى، وجميل رضوانه، وواسع لُطفه ورحمته، إنّه قريب مجيب.

٢٩٨

الحقوق الإلهيّة

تتفاوت الحقوق بتفاوت أربابها، وقِيم عطفهم وفضلهم على المحسنين إليهم.

فللصديق حقٌّ معلوم، ولكنّه دون حقّ الشقيق البار العطوف، الذي جمع بين آصرة القربى وجمال اللطف والحنان.

وحقّ الشقيق دون حقّ الوالدين، لجلالة فضلهما على الولد وتفوقه على كلّ فضل.

وبهذا التقييم ندرك عظمة الحقوق الإلهيّة، وتفوّقها على سائر الحقوق، فهو المنعم الأعظم الذي خلق الإنسان، وحباه مِن صنوف النِّعَم والمواهب ما يعجز عن وصفه وتعداده:( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) ( لقمان: ٢٠ ).

( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ) (ابراهيم: ٣٤).

فكيف يستطيع الإنسان حدّ تلك الحقوق وعرضها، والاضطلاع بواجب شكرها، إلاّ بعون اللّه تعالى وتوفيقه.

فلا مناص من الإشارة إلى بعضها والتلويح عن واجباتها، وهي بعد إحراز الإيمان باللّه، والاعتقاد بوحدانيّته، واتّصافه بجميع صِفات الكمال وتنزيهه عمّا لا يليق بجلال إلوهيّته.

٢٩٩

١ - العبادة:

قال عليّ بن الحسينعليه‌السلام : ( فأمّا حقُّ اللّه الأكبر فإنّك تعبدُه، لا تُشرك به شيئاً، فإذا فعلت ذلك بإخلاص، جعل لك على نفسه أنْ يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحبُّ منها )(١).

والعبادة لغةً: هي غاية التذلّل والخضوع، لذلك لا يستحقّها إلاّ المُنعم الأعظم الذي له غاية الأفضال والإنعام، وهو اللّه عزَّ وجل.

واصطلاحاً هي: المواظبة على فعل المأمور به.

وناهيك في عظمة العبادة وجليل آثارها وخصائصها في حياة البشر:

إنّ اللّه عزَّ وجل جعلها الغاية الكُبرى من خلقهم وإيجادهم، حيث قال: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) ( الذاريات: ٥٦ - ٥٨ ).

وبديهي أنّ اللّه تعالى غنيٌّ عن العالمين، لا تنفعه طاعة المطيعين وعبادتهم، ولا تضرّه معصية العصاة وتمرّدهم، وإنّما فرض عبادته على الناس لينتفعوا بخصائصها وآثارها العظيمة، الموجبة لتكاملهم وإسعادهم.

فمِن خصائص العبادة: أنّها مِن أقوى الأسباب والبواعث على تركيز العقيدة ورسوخ الإيمان في المؤمن، لتذكيرها باللّه عزَّ وجل ورجاء ثوابه، والخوف مِن عقابه، وتذكيرها بالرسول الأعظم، فلا ينساه ولا ينحرف عنه.

_____________________

(١) رسالة الحقوق للإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

امرأته ، فلما صار في النوم وضعت رأسه على الأرض و قامت ، فانتبه المأمون و غضب لذلك فقالت : إنّ أبي أدّبني بأن لا أقعد عند نائم و لا أنام عند قاعد .

قول المصنف ( و هذه من الاستعارات العجيبة ، كأنّه شبّه السّه بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا اطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء ، و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ) فروى أبو داود في سننه في آخر باب الوضوء من النوم عن حيوة بن شريح الحمصي ، في آخرين عن بقية عن الوضين بن عطا عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن عليعليه‌السلام قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكاء السّه العينان فمن نام فليتوضأ(١) .

( و قد رواه قوم لأمير المؤمنينعليه‌السلام و ذكر ذلك المبرد محمد بن يزيد ) قال الحموي : لقب محمد بن يزيد بالمبرد لأنّه لمّا صنّف المازني كتاب الألف و اللام سأله عن دقيقه و عويصه ، فأجابه بأحسن جواب ، فقال له المازني : قم فأنت المبرّد بكسر الراء أي : المثبت للحق ، فحرفه الكوفيون و فتحوا الراء ، و كان متّهما بالوضع في اللغة و أرادوا امتحانه ، فسألوه عن القبعض فقال هو القطن و أنشد

« كأنّ سنامها حشي القبعضا »

فقالوا : إن كان صحيحا فهو عجيب و إن كان مختلقا فهو أعجب(٢) .

( في كتاب المقتضب في باب اللفظ بالحروف ) في كشف الظنون المقتضب في الخطب للمبرد شرحه الرماني و علق على مشكلات أوائله الفارقي .

( و قد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية ) قال ثمة كأنّهعليه‌السلام شبّه السته بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا نامت العين

____________________

( ١ ) سنن أبي داود ١ : ٥٢ ح ٢٣ اسند إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( ٢ ) معجم الأدباء للحموي ١٠ : ١١٢ ١١٣ .

٥٠١

انحلّ صرار السته كما أنّه إذا زال الوكاء وسع بما فيه الوعاء ، الا أن حفظ العين للسته على خلاف حفظ الوكاء للوعاء ، فان العين إذا أشرجت لم تحفظ سيتها و الأوكية إذا حللت لم تضبط أوعيتها(١) .

٣٦ الخطبة ( ٧٩ ) و قالعليه‌السلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَلزَّهَادَةُ قِصَرُ اَلْأَمَلِ وَ اَلشُّكْرُ عِنْدَ اَلنِّعَمِ وَ اَلوَرَعُ عِنْدَ اَلْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ اَلْحَرَامُ صَبْرَكُمْ وَ لاَ تَنْسَوْا عِنْدَ اَلنِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اَللَّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَ كُتُبٍ بَارِزَةِ اَلْعُذْرِ وَاضِحَةٍ « أيها الناس إلى عند المحارم » جعلعليه‌السلام الزهد عبارة عن ثلاثة أمور :

قصر الأمل ، و شكر النعم ، و الورع عند المحارم .

أمّا الأول فقالوا : جمع اللَّه تعالى الزهد في كلمتين(٢) :( لكيلا تأسوا على ما فاتَكم و لا تَفرَحوا بِمآ آتاكم ) (٣) و لا يحصل الحالان إلاّ بقصر الأمل .

و أما الثاني : فلأن من زهد في الدّنيا هان عليه الإنفاق ممّا أنعم اللَّه عليه من المال شكرا .

و قال الصادقعليه‌السلام إنّ اللَّه أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا ، و ابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة(٤) .

و اما الثالث فسئل الصادقعليه‌السلام عن الزاهد في الدنيا فقال : الذي يترك

____________________

( ١ ) المجازات النبوية : ١٧٨ .

( ٢ ) من حديث للإمام الصادقعليه‌السلام ، بحار الأنوار ٧٨ : ٧٠ بتصرف .

( ٣ ) الحديد : ٢٣ .

( ٤ ) تحف العقول : ٢٦٧ .

٥٠٢

حلالها مخافة حسابه و يترك حرامها مخافة عقابه(١) .

« فإن عزب » أي : بعد و غاب .

« ذلك » الذي ذكر من الأمور الثلاثة .

« عنكم » فلا بدّ لكم من رعاية الثاني ، و الثالث شكر النعم و الورع عن المحارم ، و أشار إلى الورع بقوله .

« فلا يغلب الحرام صبركم » لأنّه ورد أنّه يؤتى يوم القيامة بأعمال قوم كالجبال فتصير هباء منثورا لغلبة الحرام على صبرهم .

و أشار إلى الشكر بقوله :

« و لا تنسوا عند النعم شكركم » فإنّ شكر المنعم واجب عقلي و قال تعالى :

( و لئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ) (٢) .

« فقد أعذر اللَّه عليكم بحجج مسفرة » أي : مشرقة مضيئة( لئلاّ يكون لِلنَّاس على اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُل ) (٣) .

« و كتب بارزة العذر واضحة » إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله و إلى أنبياء قبله .

٣٧ الحكمة ( ٤٢ ) و قالعليه‌السلام : لبعض أصحابه :

جَعَلَ اَللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ فَإِنَّ اَلْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ وَ لَكِنَّهُ يَحُطُّ اَلسَّيِّئَاتِ وَ يَحُتُّهَا حَتَّ اَلْأَوْرَاقِ وَ إِنَّمَا اَلْأَجْرُ فِي اَلْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَ اَلْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ اَلْأَقْدَامِ وَ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٠ : ٣١١ .

( ٢ ) إبراهيم : ٧ .

( ٣ ) النساء : ١٦٥ .

٥٠٣

اَلنِّيَّةِ وَ اَلسَّرِيرَةِ اَلصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ اَلْجَنَّةَ قول المصنّف : ( و قالعليه‌السلام لبعض أصحابه ) :

هو صالح بن سليم بن سلامان بن طي ( في علة اعتلها ) فلم يشهد معه صفّين لمرضه ، فقالعليه‌السلام ما نقل(١) المصنف له لمّا رجع من صفّين في طريقه .

ففي ( صفّين نصر بن مزاحم ) : قال عبد الرحمن بن جندب : لمّا أقبل عليّعليه‌السلام من صفّين أقبلنا معه إلى أن قال حتى جزنا النخيلة و رأينا بيوت الكوفة ، فإذا نحن بشيخ جالس في ظلّ بيت على وجهه أثر المرض ، فأقبل إليه عليّعليه‌السلام و نحن معه ، فقال له : مالي أرى وجهك منكفتا ؟ أمن مرض ؟ قال : نعم .

قال : فلعلك كرهته فقال : ما أحبّ أن يعتري قال : أليس احتساب بالخير في ما أصابك منه ؟ قال : بلى قال : أبشر برحمة ربّك و غفران ذنبك ، من أنت يا عبد اللَّه ؟ قال : أنا صالح بن سليم قال : ممّن ؟ قال : أمّا الأصل فمن سلامان بن طي ، و أمّا الجوار و الدعوة فمن بني سليم بن منصور قال : سبحان اللَّه ما أحسن اسمك و اسم أبيك و اسم من اعتزيت إليه ، هل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟ قال : لا و اللَّه ما شهدتها و لقد أردتها و لكن ما ترى بي من لحب الحمّى خذلني عنها .

قالعليه‌السلام : ليسَ على الضُعَفاءِ و لاَ عَلى المَرضَى و لا على الذين لا يَجدُونَ ما يُنفقُون حرجٌ( إِذا نَصَحوا للَّه و رسوله ما على المحسنين من سبيلٍ و اللَّه غفورٌ رحيم ) (٢) أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا و بين أهل الشام ؟ قال : منهم المسرور فيما كان بينك و بينهم و اولئك أغبياء الناس ، و منهم المكبوت الأسف لمّا كان من ذلك و اولئك نصحاء الناس لك ، و ذهب لينصرف فقالعليه‌السلام له : صدقت جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك ، فإنّ المرض لا أجر فيه

____________________

( ١ ) النهج ، الحكمة : ٤٢ .

( ٢ ) التوبة : ٩١ .

٥٠٤

و لكن لا يدع للعبد ذنبا إلاّ حطّه ، إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل باليد و الرجل ، و إنّ اللَّه عز و جل يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من عباده الجنّة(١) .

« جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك » في الخبر عاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان في علته فقال : إنّ لك فيها ثلاث خصال : أنت من اللَّه تعالى بذكر ، و دعاؤك فيه مستجاب ، و لا تدع العلّة عليك ذنبا إلاّ حطّته(٢) .

و في الخبر : حمّى ليلة كفّارة سنة لأنّه يبقى أثرها إلى سنة(٣) .

و في ( الطرائف ) : برى‏ء الفضل بن سهل من علّة فقال : إنّ في المرض لنعما لا ينبغي للعقلاء أن يجحدوها ، منها تمحيص للذنوب و تعرّض للثواب و الصبر و إيقاظ من الغفلة و ادكار للنعمة الموجودة في الصحة و رضا بما قدر اللَّه و قضائه و استدعاء للتوبة و حضّ على الصدقة(٤) .

« فإنّ المرض لا أجر فيه و لكنه يحط السيئات و يحتها حت الأوراق » يقال : حت الدم عن الثوب و حت الورق عن الشجر .

و في ( أدب كاتب الصولي ) لبعضهم تشبيها بمقط القلم لاصلاحه :

فإن تكن الحطوب فرين مني

أديما لم يكن قدما يعط

فإنّ كرائم الأقلام تحفى

فيصلح من تشعثها المقط(٥)

هذا ، و في ( تاريخ بغداد ) اعتل الحسن بن وهب من حمّى نافض و صالب و طاولته فكتب إليه أبو تمّام :

____________________

( ١ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٥٢٨ ، و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٢ : ٥٥١ .

( ٢ ) ذكره الصدوق في الخصال : ١٧١ ( ١٩٥ ) و المجلسي في البحار ٧٧ : ٦٢ رواية ٣ و ٨١ : ١٨٥ رواية ٣٧ .

( ٣ ) نسبه الطوسي في أماليه إلى الرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه و آله ، الأمالي : ٦٤١ ح ١ .

( ٤ ) الظرائف للمقدّسي : ١٤٣ .

( ٥ ) أدب الكتاب للصولي : ١١ .

٥٠٥

ليت حمّاك فيّ و كان لك الأجر

فلا تشتكي و كنت المريضا(١)

( و فيه ) : إعتل الفضل بن سهل ذو الرياستين بخراسان ثم برى‏ء فجلس للناس فهنّأوه بالعافية و تصرّفوا في الكلام ، فلمّا فرغوا أقبل على الناس فقال :

إنّ في العلل لنعما ينبغي للعقلاء أن يعلموها : تمحيص للذنوب ، و تعرّض لثواب الصبر ، و إيقاظ من الغفلة ، و ادكار للنعمة في حال الصحة ، و استدعاء للتوبة ، و حضّ على الصدقة ، و في قضاء اللَّه و قدره بعدم الخيار فنسي الناس ما تكلّموا به و انصرفوا بكلام الفضل(٢) .

« و إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل بالأيدي و الأقدام » و المرض ليس منهما فليس فيه أجر ، و أمّا قوله( ذلك بأنّهم لا يصيبُهم ظمأ و لاَ نَصبُ و لا مخمصة في سبيل اللَّه و لا يطَؤُنَ موطئا يغيظ الكفّار و لا ينالُونَ من عَدُوّ نيلاً إِلاّ كُتب لهُم به عمل صالح إِن اللَّه لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنينَ و لا يُنفِقونَ نَفَقَةً صغيرةً و لا كبيرةً و لا يقطَعُون وادياً إِلاّ كتب لَهُم ليَجزِيَهُمُ اللَّهُ أَحسَن ما كانوا يَعمَلُون ) (٣) في جعل إصابتهم الجوع و العطش و التعب و هي ليست من أعمال الجوارح مثل وطى‏ء الأقدام في غيظ الكفار و النيل منهم و الإنفاق و قطع الوادي في الجهاد و نحوها ممّا هو العمل بالأيدي و الأقدام ، فلا ينافي كلامهعليه‌السلام لأنّ ما ذكر أوّلا مسبّب عن أعمال الجوارح ، فإنّ الجوع و العطش و التعب كانت بواسطة الجهاد .

« و ان اللَّه سبحانه يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنّة » الظاهر كون الكلام استدراكا من قولهعليه‌السلام السابق « و انما الأجر . » ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٨ : ٢٥٢ ، لم نعثر على البيت الشعري في ديوان أبي تمام .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١٢ : ٣٤٢ .

( ٣ ) التوبة : ١٢٠ ١٢١ .

٥٠٦

بمعنى أن النيّة و إن لم تكن عمل الجوارح إلاّ أنّها لمّا كانت سببا لأعمال الجوارح كانت أيضا موجبا للأجر إن كانت صالحة ، و للوزر إن كانت فاسدة .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نيّة المؤمن خير من عمله و نيّة الكافر شرّ من عمله »(١) ، و قال تعالى .( إِن السَمعَ و البَصَرَ و الفؤاد كُل اُولئكَ كان عنه مسؤولاً ) (٢) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إنّما خلّد أهل النّار في النّار لأنّ نياتهم في الدّنيا ان لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللَّه أبدا ، و إنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم أن لو بقوا في الدّنيا أن يطيعوا اللَّه أبدا ، فبالنيّات خلّد هؤلاء و هؤلاء ثم تلا قوله تعالى قُل كُلٌ يعمَلُ على شاكِلَتِه(٣) .

و في ( الكافي ) : و إن المؤمن الفقير يقول : ربّ ارزقني حتى أفعل كذا و كذا من البرّ ، فإذا علم تعالى ذلك منه بصدق نيّة كتب له من الأجر مثل ما لو عمله ، إنّ اللَّه واسع كريم(٤) .

هذا ، و قالعليه‌السلام بصدق النيّة ، لأنّه ليست كلّ نيّة صادقة ، فقد قال تعالى( و منهم من عاهدَ اللَّه لئن آتانا من فَضلِهِ لنَصَّدَّقَنَّ و لنكُوننَّ من الصالحين فَلما آتاهُم من فَضلِهِ بَخِلُوا بهِ و تَولَّوا و هُم مُعرِضون فأَعقَبَهُم نفاقاً في قلوبهم إِلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللَّه ما و عدُوه و بما كانوا يكذِبُونَ ) (٥) .

و قال الصادقعليه‌السلام في صدق النية : عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر ، تصفية العمل أشدّ من العمل ، تخليص النيّة من الفساد أشد على العالمين

____________________

( ١ ) علل الشرائع للصدوق ٢ : ٤٠٣ حديث ٤ .

( ٢ ) الاسراء : ٣٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٥ ، و ذكره الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٥٢٣ ح ١ ، و الآية ٨٤ من سورة الاسراء .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٣ ، و ذكره البرقي في المحاسن : ٢٦١ .

( ٥ ) التوبة : ٧٥ ٧٧ .

٥٠٧

من طول الجهاد(١) .

( قال الرضي : و أقول : صدقعليه‌السلام ، إنّ المرض لا أجر فيه لأنّه ليس من قبيل ما يستحق عليه العوض ، لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل اللَّه تعالى بالعبد من الآلام و الأمراض و ما يجري مجرى ذلك ، و الأجر و الثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد ، فبينهما فرق قد بيّنه كما يقتضيه علمه الثاقب و رأيه الصائب ) و قد قالعليه‌السلام في المرض يصيب الصبي : إنّه كفارة لوالديه ، و ورد أنّ النّوم الموحش كفّارة(٢) .

٣٨ الحكمة ( ٤٧ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْرُ اَلرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ وَ صِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ وَ شَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ وَ عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ « قدر الرجل على قدر همّته » في ( تاريخ بغداد ) غلب عبد اللَّه بن طاهر على الشام و وهب له المأمون ما وصل إليه من الأموال هنا لك ، ففرّقه على القوّاد ثم وقف على باب مصر فقال : أخزى اللَّه فرعون ما كان أخسّه و أدنى همّته ، ملك هذه القرية فقال( أنا ربُّكم الأعلى ) (٣) و اللَّه لا دخلتها(٤) .

و في ( المعجم ) قال الصاحب بن عباد :

و قائلة : لم عرتك الهموم

و أمرك ممتثل في الامم

____________________

( ١ ) الروضة من الكافي للكليني : ٢ ح ١ .

( ٢ ) بحار الأنوار عن الإمام عليعليه‌السلام ٥ : ٣١٧ و عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ٨١ : ١٩٧ رواية ٥٤ .

( ٣ ) النازعات : ٢٤ .

( ٤ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٤٨٣ ، ترجمة عبد اللَّه بن طاهر ( ٥٠١٤ ) .

٥٠٨

فقلت دعيني و ما قد عرى(١)

فإنّ الهموم بقدر الهمم(٢)

و في ( الكامل ) : سافر كعب بن مامة الأيادي مع رجل من بني النمر بن قاسط ، فقلّ الماء فتصافناه و التصافن أن يطرح حجر في الاناء ثم يصبّ فيه من الماء ما يغمره لئلا يتغابنوا ، فجعل النمري يشرب نصيبه فإذا أخذ كعب نصيبه قال : اسق أخاك النمري فيؤثره ، حتى جهد كعب و رفعت له أعلام الماء ، فقيل له رد كعب و لا ورود به فمات عطشا .

و وفد أوس بن حارثة بن لام الطائي و حاتم الطائي على عمرو بن هند ملك الحيرة ، فدعا أوسا فقال له : أنت أفضل أم حاتم ؟ فقال له : أبيت اللعن ، لو ملكني حاتم و ولدي و لحمتي لوهبنا في غداة واحدة ، ثم دعا حاتما فقال له :

أنت أفضل أم أوس ؟ فقال : أبيت اللعن إنّما ذكّرت بأوس ، و لأحد ولده أفضل منّي .

و كان النعمان بن المنذر دعا بحلة و عنده وفود العرب من كلّ حي فقال :

احضروني في غد فانّي ملبس هذه الحلة أكرمكم ، فحضر القوم جميعا إلاّ أوسا ، فقيل له لم تخلفت ؟ فقال : إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء بي ألاّ أكون حاضرا ، و إن كنت أنا المراد فسأطلب و يعرف مكاني ، فلما جلس النعمان لم ير أوسا فقال : إذهبوا إلى أوس فقولوا له : إحضر آمنا ممّا خفت ، فحضر فلبس الحلة فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة : اهجه و لك ثلاثمائة ناقة فقال : كيف أهجو رجلا لا أرى في بيتي أثاثا و لا مالا إلاّ من عنده ، ثم قال :

كيف الهجاء و ما تنفكّ صالحة

من آل لأم(٣) بظهر الغيب تأتيني(٤)

____________________

( ١ ) ورد في الديوان بلفظ : « فقلت ذريني على غصتي »

( ٢ ) ديوان الصاحب بن عباد : ٢٨٠ .

( ٣ ) نسخة التحقيق « إذا ذكرت » .

( ٤ ) ديوان الحطيئة : ١٧٤ .

٥٠٩

فقال لهم بشر بن أبي خازم الأسدي : أنا أهجوه لكم ، فأخذ الابل و فعل ، فأغار أوس على الابل فاكتسحها و جعل بشر لا يستجير حيّا إلاّ قالوا قد أجرناك إلاّ من أوس و كان في هجائه إيّاه ذكر امّه فأتى به فدخل على امه فقال : قد أتينا ببشر الهاجي لك و لي فما ترين فيه ؟ قالت : أرى أن ترد عليه ماله و تعفو عنه و تحبوه و أفعل مثل ذلك ، فانّه لا يغسل هجاه إلاّ مدحه ، فخرج إليه و قال له : إنّ امّي سعدى التي كنت تهجوها أمرت لك بكذا و كذا فقال : لا جرم ، لا و اللَّه لا مدحت أحدا حتى أموت غيرك(١) .

« و صدقه على قدر مروّته » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل و سجوده ، فإنّ ذلك شي‏ء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ، و لكن انظروا إلى صدق حديثه و أداء أمانته(٢) .

و عنهعليه‌السلام : إنّما سمّي اسماعيل صادق الوعد لأنّه وعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة فأتاه بعد سنة فقال له إسماعيل : مازلت منتظرا لك(٣) .

و في ( الخصال ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ست من المروّة ، ثلاث منها في الحضر ، و ثلاث منها في السفر : فأمّا الّتي في الحضر ، فتلاوة كتاب اللَّه عز و جل و عمارة مساجد اللَّه و اتخاذ الإخوان في اللَّه عز و جل ، و أمّا الّتي في السفر ، فبذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير معاصي اللَّه(٤) .

« و شجاعته على قدر أنفته » في ( وزراء الجهشياري ) : بلغ موسى بن المهدي و هو الهادي حال بنت لعمارة بن حمزة مولاهم و هي جميلة

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرّد ١ : ١٩٧ ١٩٩ ، طبعة مصر .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٠٥ ح ١٢ .

( ٣ ) ورد في البحار قريب منه عن الإمام الرضاعليه‌السلام ٣ : ٣٨٨ رواية ١ .

( ٤ ) الخصال للصدوق ١ : ٣٢٤ ح ١١ .

٥١٠

فراسلها فقالت لأبيها ذلك ، فقال : إبعثي إليه في المصير إليك و أعلميه أنّك تقدرين على إيصاله إليك في موضع يخفى أثره ، فأرسلت إليه بذلك و حمل موسى على المصير نفسه ، فأدخلته حجرة قد فرشت و اعدّت له ، فلما صار إليها دخل عليه عمارة فقال : السّلام عليك أيها الأمير ماذا تصنع هاهنا ؟

إتّخذناك وليّ عهد فينا أو فحلا في نسائنا ؟ ثم أمر به فبطح في موضعه فضربه عشرين درة خفيفة و ردّه إلى منزله ، فحقد عليه فلما ولي الخلافة دسّ إليه رجلا يدّعي عليه أنّه غصبه الضيعة المعروفة بالبيضاء بالكوفة و كانت قيمتها ألف ألف درهم فبينا الهادي ذات يوم جالس للمظالم و عمارة بحضرته ، و ثب الرجل فتظلم منه ، فقال الهادي لعمارة : ما تقول ؟ قال : ان كانت الضيعة لي فهي له و ان كانت له فهي له و وثب فانصرف عن المجلس(١) .

( و عفته على قدر غيرته ) كانعليه‌السلام يقول لأهل العراق : نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق ، أما تستحون و لا تغارون ؟

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان اللَّه تعالى غيور يحب كلّ غيور ، و لغيرته حرّم الفواحش ظاهرها و باطنها ، و إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب(٢) .

و عنهعليه‌السلام : لمّا أقام العالم الجدار أوحى تعالى إلى موسىعليه‌السلام : إنّي مجازي الأبناء بسعي الآباء ، إن خيرا فخير و إن شرّا فشر ، لا تزنوا فتزني نساؤكم ، و من وطى‏ء فراش امرى‏ء مسلم وطى‏ء فراشه ، كما تدين تدان(٣) .

و عن الصادقعليه‌السلام : كانت في بني اسرائيل بغيّ و كان رجل منهم يكثر

____________________

( ١ ) وزراء الجهشياري تاريخ الوزراء : ١٤٧ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٣٦ ح ٣ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ١ ، و كذلك ثواب الأعمال : ١٣ ، و أيضا المجلسي في بحار الأنوار ١٣ : ٢٩٦ رواية ١٣ .

٥١١

الاختلاف إليها ، فلمّا كان في آخر ما أتاها أجرى اللَّه على لسانها : أما إنّك سترجع إلى أهلك فتجد معها رجلا ، فارتفعا إلى موسىعليه‌السلام فنزل جبرئيلعليه‌السلام و قال : يا موسى من يزن يزن به ، فنظر موسى إليهما فقال : عفّوا تعفّ نساؤكم(١) .

٣٩ الحكمة ( ٤٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلظَّفَرُ بِالْحَزْمِ وَ اَلْحَزْمُ بِإِجَالَةِ اَلرَّأْيِ وَ اَلرَّأْيُ بِتَحْصِينِ اَلْأَسْرَارِ هو قياس منتج : ان الظفر بتحصين الأسرار و هو قياس ينحلّ إلى قياسين ، لأنّ القضية الثانية كبرى بالنسبة إلى الاولى و صغرى بالنسبة إلى الثالثة .

أمّا كون الظّفر بالحزم ففي العيون : قيل لرجل من بني عبس : ما أكثر صوابكم فقال : نحن ألف رجل و فينا حازم واحد و نحن نطيعه ، فكأنّا ألف حازم(٢) .

و يقال : روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم(٣) .

و أمّا كون الحزم بإجالة الرأي فكان عامر بن الظرب حكيم العرب يقول :

دعوا الرأي يغبّ حتى يختمر ، و إيّاكم و الرأي الفطير(٤) .

و لمّا استعجل الحجّاج المهلّب في حرب الأزارقة قال المهلّب : إنّ من

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٠ ٣٢ ، و كذلك العقد الفريد ١ : ٦٠ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٤ .

( ٤ ) ابن عبد ربه ١ : ٦٠ ( دار الكتب العلمية ) .

٥١٢

البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره(١) .

و يقال : ليس بين الملك و بين ان يملك رعيته أو تملكه رعيته إلاّ حزم أو توان .

و قيل : من التمس الرخصة من الإخوان عند المشورة و من الأطباء عند المرض و من الفقهاء عند الشبهة أخطأ الرأي و ازداد مرضا و حمل الوزر(٢) .

و أمّا كون الرأي بتحصين الأسرار فيقال : ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك(٣) .

و في ( وزراء الجهشياري ) : كان موسى بن عيسى الهاشمي يتقلّد للرشيد مصر ، و كثر التظلّم منه و اتّصلت السعايات به و قيل إنّه قد استكثر من العبيد و العدّة فقال الرشيد ليحيى البرمكي : اطلب لي رجلا كاتبا عفيفا يكمل لمصر و يستر خبره فلا يعلم موسى بن عيسى حتى يفجأه قال : قد وجدته هو عمر بن مهران و كان كتب للخيزران و لم يكتب لغيرها قط و كان رجلا أحول مشوّه الخلق خسيس اللّباس فأمر بإحضاره قال : فاستدناني الرشيد و نحّى الغلمان و أمرني أن أستر خبري حتى افاجى‏ء موسى بن عيسى فأتسلّم العمل منه ، فأعلمته أنّه لا يقرأ لي ذكرا في كتب أصحاب الأخبار حتى أوافي مصر ، فكتب لي بخطّه إلى موسى ، فخرجت من غد مبكرا على بغلة لي و معي غلام أسود على بغل استأجرته ، معه خرج فيه قميص و مبطنة و طيلسان و شاشية و خف و مفرش صغير ، و اكتريت لثلاثة من أصحابي أثق بهم ثلاثة أبغل ، و أظهرت أنّي وجّهت ناظرا في أمور بعض العمّال ، كلّما وردت

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣١ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٣٠ ، في كتاب للهند .

( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ٤٠ .

٥١٣

بلدا توهّم من معي أنّي قصدته و ليس يعرف خبري أحد من أهل البلدان أمرّ بها في نزولي و نفوذي حتى وافيت الفسطاط فنزلت جنابا و خرجت منه وحدي في زيّ متظلم أو تاجر ، فدخلت دار الامارة و ديوان البلد و بيت المال ، و سألت و بحثت عن الأخبار و جلست مع المتظلمين و غيرهم ، فمكثت ثلاثة أيام أفعل ذلك حتى عرفت جميع ما احتجت إليه ، فلمّا نام الناس دعوت أصحابي فقلت للّذي أردت استكتابه على الديوان : قد رأيت مصر و قد استكتبتك على الديوان فبكّر إليه فاجلس فيه ، فإذا سمعت الحركة فاقبض على الكاتب و وكلّ به و بالكتاب و الأعمال ، و لا يخرج من الديوان أحد حتى أوافيك ، و دعوت بآخر فقلّدته بيت المال و أمرته بمثل ذلك ، و قلّدت الآخر عملا من الأعمال بالحضرة ، و أمرتهم أن يبكّروا و لا يظهروا أنفسهم حتى يسمعوا الحركة ، و بكّرت فلبست ثيابي و وضعت الشاشية على رأسي و مضيت إلى دار الامارة ، فأذن موسى للناس إذنا عامّا ، فدخلت فيمن دخل ، فإذا موسى على فرش و القوّاد وقوف عن يمينه و شماله و الناس يدخلون فيسلّمون و يخرجون و أنا جالس بحيث يراني و حاجبه ساعة بساعة يقيمني و يقول لي تكلّم بحاجتك ، فأعتلّ عليه حتى خفّ الناس ، فدنوت منه و أخرجت إليه كتاب الرشيد فقبّله و وضعه على عينه ثم قرأه فامتقع لونه و قال : السمع و الطاعة تقرى‏ء أبا حفص السلام و تقول له : ينبغي لك أن تقيم بموضعك حتى نعدّ لك منزلا يشبهك و يخرج غدا أصحابنا يستقبلونك فتدخل مدخل مثلك .

فقال له : أنا عمر بن مهران قد أمرني الرشيد بإقامتك للناس و انصاف المظلوم منك و أنا فاعل ذلك فقال : أنت عمر بن مهران ؟ قلت : نعم قال :( لعن اللَّه فرعون حيث يقول أليس لي مُلك مِصر ) (١) و اضطرب الصوت في الدار ،

____________________

( ١ ) الزخرف : ٥١ .

٥١٤

فقبض كاتبي على الديوان و صاحبي الآخر على بيت المال و ختما عليه و وردت عليه رقاع أصحاب أخباره بذلك ، فنزل عن فرشه و قال : « لا إله إلاّ اللَّه هكذا تقوم الساعة ما ظننت أنّ أحدا بلغ من الحزم و الحيلة ما بلغت ، فإنّك قد تسلّمت الأعمال و أنت في مجلسي » ثم نهضت إلى الديوان فقطعت أمور المتظلمين منه و انصرفت على بغلتي التي دخلت عليها و معي غلامي الأسود(١) .

و في ( عيون ابن قتيبة ) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إستعينوا على الحوائج بالكتمان ، فإنّ كلّ ذي نعمة محسود(٢) .

و كان عليعليه‌السلام يتمثل بهذين البيتين :

و لا تفش سرّك إلاّ إليك

فإنّ لكلّ نصيح نصيحا

فإنّي رأيت غواة الرجال

لا يتركون أديما صحيحا(٣)

و قال الشاعر :

و لو قدرت على نسيان ما اشتملت

منّي الضلوع من الأسرار و الخبر

لكنت أوّل من ينسى سرائره

إذ كنت من نشرها يوما على خطر(٤)

٤٠ الحكمة ( ٦٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلشَّفِيعُ جَنَاحُ اَلطَّالِبِ

____________________

( ١ ) تاريخ الوزراء للجهشياري : ٢١٧ ٢٢٠ بتصرف .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ، أخرجه عن أحمد بن خليل عن محمد بن الحصيب عن أوس بن عبد اللَّه بن بريدة عن أخيه عن بريدة ١ : ٣٨ و قد مرّ .

( ٣ ) ذكرهما ابن قتيبة في العيون ١ : ٣٩ ، و قد مرّ ذكره .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبه ١ : ٣٩ .

٥١٥

قالوا : الشفاعات مفاتيح الطلبات و قيل في فضل البرمكي :

و من يكن الفضل بن يحيى بن خالد

شفيعا له عند الخليفة ينجح(١)

و في ( تاريخ بغداد ) : إشترى أخ لشعبة من طعام السلطان فخسر هو و شركاؤه ، فحبس بستة آلاف دينار بحصته ، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلّمه فيه ، فلمّا دخل عليه قال للمهدي : انشدني قتادة و سماك بن حرب لامية بن أبي الصلت يقوله لعبد اللَّه بن جدعان :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك إن شيمتك الحياء

كريم لا يعطّله صباح

عن الخلق الكريم و لا مساء

فارضك أرض مكرمة بنتها

بنو تيم و أنت لهم سماء

فقال : لا ، لا تذكرها قد عرفناها و قضيناها لك ، إرفعوا إليه أخاه لا تلزموه شيئا(٢) .

هذا ، و في المعجم قال أبو العيناء : كان لي صديق فجاءني يوما و قال :

أريد الخروج إلى فلان العامل و أحببت أن يكون معي إليه وسيلة و قد سألت عن صديقه فقيل لي الجاحظ و هو صديقك فاحبّ أن تأخذ لي كتابه إليه بالعناية ، فصرت إلى الجاحظ فقلت له جئتك مسلّما و قاضيا للحق و لبعض أصدقائي حاجة و هي كذا و كذا فقال : لا تشغلنا الساعة عن المحادثة و إذا كان في غد وجّهت إليك بالكتاب ، فلمّا كان في غد ، وجّه إليّ بالكتاب ، فقلت لابني :

وجّه هذا الكتاب إلى فلان ففيه حاجته فقال لي : إن الجاحظ بعيد الغور فينبغي أن نفضّه و ننظر ما فيه ، ففعل فإذا في الكتاب :

« هذا الكتاب مع من لا أعرفه و قد كلّمني فيه من لا أوجب حقّه ، فان

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٨ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٢٥٦ في ترجمة شعبة بن الحجاج .

٥١٦

قضيت حاجته لم أحمدك ، و ان رددته لم أذممك » .

فلمّا قرأت الكتاب مضيت من فوري إلى الجاحظ فقال : قد علمت انّك أنكرت ما في الكتاب ، فقلت أو ليس موضع نكرة ، فقال لا هذه علامة بيني و بين الرجل في من أعتني به ، فقلت : لا إله إلاّ اللَّه ما رأيت أحدا أعلم بطبعك و ما جبلت عليه من هذا الرجل ، انّه لمّا قرأ هذا الكتاب قال : أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف قحبة و ام من يسأله حاجة فقلت له : يا هذا تشتم صديقنا فقال :

هذه علامة في من أشكره فضحك الجاحظ(١) .

٤١ الخطبة (( الحكمة )) ( ٦٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْعَفَافُ زِينَةُ اَلْفَقْرِ وَ اَلشُّكْرُ زِينَةُ اَلْغِنَى أقول : كرّره المصنف في ( ٣٤٠ ) سهوا ، لكن نقله عنه هنا ابن ميثم بدون الفقرة الأخيرة(٢) و انما نقله عنه معها ابن أبي الحديد(٣) .

« العفاف زينة الفقر » و قد وصف اللَّه تعالى الفقراء المتزيّنين بالعفاف في قوله( يَحسَبُهُم الجاهِلُ أَغنياءَ مِنَ التَّعفُّف تَعرفُهم بسيماهم لا يَسألونَ الناس إِلحافاً ) (٤) .

« و الشكر زينة الغنى » قال سليمانعليه‌السلام ( ربِّ أَوزعني أن أَشكُر نعمتك الّتي أَنعمتَ عليَّ وَ على والديَّ ) (٥) و قال أيضا لمّا رأى عرش ملكة سبأ مستقرا

____________________

( ١ ) معجم الادباء للحموي ١٦ : ٨٣ ، في ترجمة عمرو بن بحر ، الجاحظ .

( ٢ ) نقل شرح ابن ميثم « العفاف زينة الفقر » ٥ : ٢٧٣ رقم ٦٠ .

( ٣ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٣ رقم ٦٦ .

( ٤ ) البقرة : ٢٧٣ .

( ٥ ) النمل : ١٩ .

٥١٧