أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت7%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 333368 / تحميل: 11880
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ثمّ يضيف :( وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ) ،( وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ ) .(١)

في الحقيقة أنّ هذه الأقسام الثلاثة مرتبطة بعضها بالآخر ومكملة للآخر ، وكذلك لأنّنا كما نعلم أنّ القمر يتجلى في الليل ، ويختفي نوره في النهار لتأثير الشمس عليه ، والليل وإن كان باعثا على الهدوء والظلام وعنده سرّ عشاق الليل ، ولكن الليل المظلم يكون جميلا عند ما يدبر ويتجه العالم نحو الصبح المضيء وآخر السحر ، وطلوع الصبح المنهي الليل المظلم أصفى وأجمل من كل شيء حيث يثير في الإنسان إلى النشاط ويجعله غارقا في النور الصفاء.

هذه الأقسام الثلاثة تتناسب ضمنيا مع نور الهداية (القرآن) واستدبار الظلمات (الشرك) وعبادة (الأصنام) وطلوع بياض الصباح (التوحيد) ، ثمّ ينتهي إلى تبيان ما أقسم من أجله فيقول تعالى :( إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ ) .(٢)

إنّ الضمير في (إنّها) إمّا يرجع إلى «سقر» ، وإمّا يرجع إلى الجنود ، أو إلى مجموعة الحوادث في يوم القيامة ، وأيّا كانت فإنّ عظمتها واضحة.

ثمّ يضيف تعالى :( نَذِيراً لِلْبَشَرِ ) .(٣)

لينذر الجميع ويحذرهم من العذاب الموحش الذي ينتظر الكفّار والمذنبين وأعداء الحق.

وفي النهاية يؤكّد مضيفا أنّ هذا العذاب لا يخص جماعة دون جماعة ، بل :( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) فهنيئا لمن يتقدم ، وتعسا وترحا لمن يتأخر.

واحتمل البعض كون التقدم إلى الجحيم والتأخر عنه ، وقيل هو تقدم النفس

__________________

(١) «أسفر» من مادة (سفر) على وزن (قفر) ويعني انجلاء الملابس وانكشاف الحجاب ، ولذا يقال للنساء المتبرجات (سافرات) وهذا التعبير يشمل تشبيها جميلا لطلوع الشمس.

(٢) «كبر» : جمع كبرى وهي كبيرة ، وقيل المراد بكون سقر إحدى الطبقات الكبيرة لجهنّم ، هذا المعنى لا يتفق مع ما أشرنا إليه من قبل وكذا مع الآيات.

(٣) «نذيرا» : حال للضمير في «أنّها» الذي يرجع إلى سقر ، وقيل هو تمييز ، ولكنه يصح فيما لو كان النذير مصدرا يأتي بمعنى (الإنذار) ، والمعنى الأوّل أوجه.

١٨١

الإنسانية وتكاملها أو تأخرها وانحطاطها ، والمعنى الأوّل والثّالث هما المناسبان ، دون الثّاني.

* * *

١٨٢

الآيات

( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) )

التّفسير

لم صرتم من أصحاب الجحيم؟

إكمالا للبحث الذي ورد حول النّار وأهلها في الآيات السابقة ، يضيف تعالى في هذه الآيات :( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) .

«رهينة» : من مادة (رهن) وهي وثيقة تعطى عادة مقابل القرض ، وكأن نفس الإنسان محبوسة حتى تؤدي وظائفها وتكاليفها ، فإن أدت ما عليها فكت وأطلقت ، وإلّا فهي باقية رهينة ومحبوسة دائما ، ونقل عن أهل اللغة أنّ أحد

١٨٣

معانيها الملازمة والمصاحبة(١) ، فيكون المعنى : الكلّ مقترنون بمعية أعمالهم سواء الصالحون أم المسيئون.

لذا يضيف مباشرة :( إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ ) .

إنّهم حطموا أغلال وسلاسل الحبس بشعاع الإيمان والعمل الصالح ويدخلون الجنّة بدون حساب.(٢)

وهناك أقوال كثيرة حول المقصود من أصحاب اليمين :

فقيل هم الذين يحملون كتبهم بيمينهم ، وقيل هم المؤمنون الذين لم يرتكبوا ذنبا أبدا ، وقيل هم الملائكة ، وقيل غير ذلك والمعنى الأوّل يطابق ظاهر الآيات القرآنية المختلفة ، وما له شواهد قرآنية ، فهم ذو وإيمان وعمل صالح ، وإذا كانت لهم ذنوب صغيرة فإنّها تمحى بالحسنات وذلك بحكم( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (٣) .

فحينئذ تغطّي حسناتهم سيئاتهم أو يدخلون الجنّة بلا حساب ، وإذا وقفوا للحساب فسيخفف عليهم ذلك ويسهل ، كما جاء في سورة الإنشقاق آية (٧) :( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ) .

ونقل المفسّر المشهور «القرطبي» وهو من أهل السنة تفسير هذه الآية عن الإمام الباقرعليه‌السلام فقال : «نحن وشيعتنا أصحاب اليمين وكل من أبغضنا أهل البيت فهم مرتهنون».(٤)

وأورد هذا الحديث مفسّرون آخرون منهم صاحب مجمع البيان ونور

__________________

(١) لسان العرب مادة : رهن.

(٢) قال الشّيخ الطوسي في التبيان أن الاستثناء هنا هو منقطع وقال آخرون كصاحب (روح البيان) أنّه متصل ، وهذا الاختلاف يرتبط كما ذكرنا بالتفسيرات المختلفة لمعنى الرهينة ، وما يطابق ما اخترناه من التّفسير هو أن الاستثناء هنا منقطع وعلى التفسير الثّاني يكون متصلا.

(٣) سورة هود ، الآية ١١٤.

(٤) تفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٦٨٧٨.

١٨٤

الثقلين والبعض الآخر أورده تذييلا لهذه الآيات.

ثمّ يضيف مبيّنا جانبا من أصحاب اليمين والجماعة المقابلة لهم :

( فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ ) (١) ( عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ) .

يستفاد من هذه الآيات أن الرابطة غير منقطعة بين أهل الجنان وأهل النّار ، فيمكنهم مشاهدة أحوال أهل النّار والتحدث معهم ، ولكن ماذا سيجيب المجرمون عن سؤال أصحاب اليمين؟ إنّهم يعترفون بأربع خطايا كبيرة كانوا قد ارتكبوها :

الاولى :( قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) .

لو كنّا مصلّين لذكّرتنا الصلاة بالله تعالى ، ونهتنا عن الفحشاء والمنكر ودعتنا إلى صراط الله المستقيم.

والأخرى :( وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ) .

وهذه الجملة وإن كانت تعطي معنى إطعام المحتاجين ، ولكن الظاهر أنه يراد بها المساعدة والإعانة الضرورية للمحتاجين عموما بما ترتفع بها حوائجهم كالمأكل والملبس والمسكن وغير ذلك.

وصرّح المفسّرون أنّ المراد بها الزكاة المفروضة ، لأنّ ترك الإنفاق المستحب لا يكون سببا في دخول النّار ، وهذه الآية تؤكّد مرّة أخرى على أنّ الزّكاة كانت قد فرضت بمكّة بصورة إجمالية ، وإن كان التشريع بجزئياتها وتعيين خصوصياتها وتمركزها في بيت المال كان في المدينة.

والثّالثة :( وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ) .

كنّا نؤيد ما يصدر ضدّ الحقّ في مجالس الباطل. نقوم بالترويج لها ، وكنّا معهم

__________________

(١) «يتساءلون» : وهو وإن كان من باب (تفاعل) الذي يأتي عادة في الأعمال المشتركة بين اثنين أو أكثر ، ولكنه فقد هذا المعنى هنا كما في بعض الموارد الأخرى ، ولمعنى يسألون ، وتنكير الجنات هو لتبيان عظمتها و (في جنات) خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هو في جنات.

١٨٥

أين ما كانوا ، وكيف ما كانوا ، وكنّا نصدق أقوالهم ، ونضفي الصحة على ما ينكرون ويكذبون ونلتذ باستهزائهم الحقّ.

«نخوض» : من مادة (خوض) على وزن (حوض) ، وتعني في الأصل الغور والحركة في الماء ، ويطلق على الدخول والتلوث بالأمور ، والقرآن غالبا ما يستعمل هذه اللفظة في الإشتغال بالباطل والغور فيه.

(الخوض في الباطل) له معان واسعة فهو يشمل الدخول في المجالس التي تتعرض فيها آيات الله للاستهزاء أو ما تروج فيها البدع ، أو المزاح الواقح ، أو التحدث عن المحارم المرتكبة بعنوان الافتخار والتلذذ بذكرها ، وكذلك المشاركة في مجالس الغيبة والاتهام واللهو واللعب وأمثال ذلك ، ولكن المعنى الذي انصرفت إليه الآية هو الخوض في مجالس الاستهزاء بالدين والمقدسات وتضعيفها وترويج الكفر والشرك.

وأخيرا يضيف :( وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ ) .

من الواضح أنّ إنكار المعاد ويوم الحساب والجزاء يزلزل جميع القيم الإلهية والأخلاقية ، ويشجع الإنسان على ارتكاب المحارم ، ويرفع كلّ مانع هذا الطريق ، خصوصا إذا استمر إلى آخر العمر ، على كل حال فإنّ ما يستفاد من هذه الآيات أنّ الكفار هم مكلّفون بفروع الدين ، كما هم مكلّفون بالأصول ، وكذلك تشير إلى أن الأركان الاربعة ، أي الصلاة والزّكاة وترك مجالس أهل الباطل ، والإيمان بالقيامة لها الأثر البالغ في تربية وهداية الإنسان ، وبهذا لا يمكن أن يكون الجحيم مكانا للمصلين الواقعيين ، والمؤتين الزّكاة ، والتاركين الباطل والمؤمنين بالقيامة.

بالطبع فإنّ الصلاة هي عبادة الله ، ولكنّها لا تنفع إذا لم يمتلك الإنسان الإيمان به تعالى ، ولهذا فإنّ أداءها رمز للإيمان والإعتقاد بالله والتسليم لأوامره ، ويمكن القول إنّ هذه الأمور الأربعة تبدأ بالتوحيد ينتهي بالمعاد ، وتحقق العلاقة والرابطة بين الإنسان والخالق ، وكذا بين المخلوقين أنفسهم.

١٨٦

والمشهور بين المفسّرين أنّ المراد من (اليقين) هنا هو الموت ، لأنّه يعتبر أمر يقيني للمؤمن والكافر ، وإذا شك الإنسان في شيء ما فلا يستطيع أن يشك بالموت ونقرأ أيضا في الآية (٩٩) من سورة الحجر :( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) .

ولكن ذهب البعض إلى أنّ اليقين هنا يعني المعرفة الحاصلة بعد موت الإنسان وهي التي تختص بمسائل البرزخ والقيامة ، وهذا ما يتفق نوعا ما مع التّفسير الأوّل.

وفي الآية الأخيرة محل البحث إشارة إلى العاقبة السيئة لهذه الجماعة فيقول تعالى :( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ) .

فلا تنفعهم شفاعة الأنبياء ورسل الله والائمّة ، ولا الملائكة والصديقين والشهداء والصالحين ، ولأنّها تحتاج إلى عوامل مساعدة وهؤلاء أبادوا كل هذه العوامل ، فالشفاعة كالماء الزلال الذي تسقى به النبتة الفتية ، وبديهي إذا ماتت النبتة الفتية ، لا يكن للماء الزلال أن يحييها ، وبعبارة أخرى كما قلنا في بحث الشفاعة ، فإنّ الشفاعة من (الشفع) وتعني ضم الشيء إلى آخر ، ومعنى هذا الحديث هو أنّ المشفّع له يكون قد قطع قسطا من الطريق وهو متأخر عن الركب في مآزق المسير ، فتضم إليه شفاعة الشافع لتعينه على قطع بقية الطريق(١) .

وهذه الآية تؤكّد مرّة أخرى مسألة الشفاعة وتنوع وتعدد الشفعاء عند الله ، وهي جواب قاطع لمن ينكر الشفاعة ، وكذلك توكّد على أنّ للشفاعة شروطا وأنّها لا تعني إعطاء الضوء الأخضر لارتكاب الذنوب ، بل هي عامل مساعد لتربية الإنسان وإيصاله على الأقل إلى مرحلة تكون له القابلية على التشفع ، بحيث لا تنقطع وشائج العلاقة بينه وبين الله تعالى والأولياء.

* * *

__________________

(١) التّفسير الأمثل ، المجلد الأوّل ، ذيل الآية (٤٨) من سورة البقرة.

١٨٧

ملاحظة :

شفعاء يوم القيامة :

نستفيد من هذه الآيات والآيات القرآنية الأخرى أنّ الشفعاء كثيرون في يوم القيامة (مع اختلاف دائرة شفاعتهم) ويستفاد من مجموع الرّوايات الكثيرة والمنقولة من الخاصّة والعامّة أنّ الشفعاء يشفعون للمذنبين لمن فيه مؤهلات الشفاعة :

١ ـ الشفيع الأوّل هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كما نقرأ في حديث حيث قال : «أنا أوّل شافع في الجنّة»(١) .

٢ ـ الأنبياء من شفعاء يوم القيامة ، كما ورد في حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : «يشفع الأنبياء في كلّ من يشهد أن لا إله إلّا الله مخلصا فيخرجونهم منها»(٢) .

٣ ـ الملائكة من شفعاء يوم المحشر ، كما نقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : «يؤذن للملائكة والنّبيين والشّهداء أن يشفعوا»(٣) .

٤ ، ٥ ـ الأئمّة المعصومين وشيعتهم كما قال في ذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال : «لنا شفاعة ولأهل مودتنا شفاعة»(٤)

٦ ، ٧ ـ العلماء والشّهداء كما ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : «يشفع يوم القيامة الأنبياء ثمّ العلماء ثمّ الشّهداء»(٥) .

وورد في حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يشفع الشّهيد في سبعين إنسانا

__________________

(١) صحيح مسلم ، ج ٢ ، ص ١٣٠.

(٢) مسند أحمد ، ج ٣ ، ص ١٢.

(٣) مسند أحمد ، ج ٥ ، ص ٤٣.

(٤) الخصال للصدوقرحمه‌الله ، ص ٦٢٤.

(٥) سنن ابن ماجة ، ج ٢ ، ص ١٤٤٣.

١٨٨

من أهل بيته»(١) .

وفي حديث آخر نقله المجلسي في بحار الأنوار : «إنّ شفاعتهم تقبل في سبعين ألف نفر»(٢) .

ولا منافاة بين الرّوايتين إذ أنّ عدد السبعين والسبعين ألف هي من أعداد الكثرة.

٨ ـ القرآن كذلك من الشفعاء في يوم القيامة كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «واعلموا أنّه (القرآن) شافع مشفع»(٣) .

٩ ـ من مات على الإسلام فقد ورد عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا بلغ الرجل التسعين غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفّع في أهله»(٤) .

١٠ ـ العبادة : كما جاء في حديث عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة»(٥) .

١١ ـ ورد في بعض الرّوايات أنّ العمل الصالح كأداء الأمانة يكون شافعا في يوم القيامة.(٦)

١٢ ـ والطريف هو ما يستفاد من بعض الرّوايات من أنّ الله تعالى أيضا يكون شافعا للمذنبين في يوم القيامة ، كما ورد في الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يشفع النّبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار بقيت شفاعتي»(٧) .

والرّوايات كثيرة في هذه الباب وما ذكرناه هو جانب منها.(٨)

__________________

(١) سنن أبي داود ، ج ٢ ، ص ١٥.

(٢) بحار الأنوار ، ج ١٠٠ ، ص ١٤.

(٣) نهج البلاغة الخطبة ، ١٧٦.

(٤) مسند أحمد ، ج ٢ ، ص ٨٩.

(٥) مسند أحمد ، ج ٢ ، ص ١٧٤.

(٦) مناقب ابن شهر آشوب ، ج ٢ ، ص ١٤.

(٧) صحيح البخاري ، ج ٩ ، ص ١٤٩.

(٨) للاستيضاح يمكن مراجعة كتاب مفاهيم القرآن ، ج ٤ ، ص ٢٨٨ ـ ٣١١.

١٨٩

ونكرر أنّ للشفاعة شروطا لا يمكن بدونها التشفع وهذا ما جاء في الآيات التي بحثناها والتي تشير بصراحة الى عدم تأثير شفاعة الشفعاء في المجرمين ، فالمهم أن تكون هناك قابلية للتشفع ، لأنّ فاعلية الفاعل لوحدها ليست كافية (أوردنا شرحا مفصلا في هذا الباب في المجلد الأوّل في بحث الشفاعة)

* * *

١٩٠

الآيات

( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣)كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦) )

التّفسير

يفرّون من الحق كما تفرّ الحمر من الأسد :

تتابع هذه الآيات ما ورد في الآيات السابقة من البحث حول مصير المجرمين وأهل النّار ، وتعكس أوضح تصوير في خوف هذه الجماعة المعاندة ورعبها من سماع حديث الحقّ والحقيقة.

فيقول الله تعالى أوّلا :( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) (١) لم يفرّون من دواء

__________________

(١) «ما» مبتدأ و (لهم) خبر و (معرضين) حال الضمير لهم (وعن التذكرة) جار ومجرور ومتعلق بالمعرضين ، وقيل تقديم (عن التذكرة) على (معرضين) دلالة على الحصر أي أنّهم أعرضوا عن التذكرة المفيدة فقط ، على كل حال فإنّ المراد من التذكرة هنا كلّ ما هو نافع ومفيد وعلى رأسها القرآن المجيد.

١٩١

القرآن الشافي؟ لم يطعنون في صدر الطبيب الحريص عليهم؟ حقّا إنّه مثير( كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ) .

«حمر» : جمع (حمار) والمراد هنا الحمار الوحشي ، بقرينة فرارهم من قبضة الأسد والصياد ، وبعبارة أخرى أنّ هذه الكلمة ذات مفهوم عام يشمل الحمار الوحشي والأهلي.

«قسورة» : من مادة (قسر) أي القهر والغلبة ، وهي أحد أسماء الأسد ، وقيل هو السهم ، وقيل الصيد ، ولكن المعنى الأوّل أنسب.

والمشهور أنّ الحمار الوحشي يخاف جدّا من الأسد ، حتى أنّه عند ما يسمع صوته يستولي عليه الرعب فيركض إلى كلّ الجهات كالمجنون ، خصوصا إذا ما حمل الأسد على فصيل منها ، فإنّها تتفرق في كل الجهات بحيث يعجب الناظر من رؤيتها.

وهذا الحيوان وحشي ويخاف من كل شيء ، فكيف به إذا رأى الأسد المفترس؟!

على كل حال فإنّ هذه الآية تعبير بالغ عن خوف المشركين وفرارهم من الآيات القرآنية المربية للروح ، فشبههم بالحمار الوحشي لأنّهم عديمو العقل والشعور ، وكذلك لتوحشّهم من كل شيء ، في حين أنّه ليس مقابلهم سوى التذكرة.

( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) (١) ، وذلك لتكبّرهم وغرورهم الفارغ بحيث يتوقعون من الله تعالى أن ينزل على كلّ واحد منهم كتابا.

وهذا نظير ما جاء في الآية (٩٣) من سورة الإسراء :( وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى

__________________

(١) «صحف» : جمع صحيفة ، وهي الورقة التي لها وجهان ، وتطلق كذلك على الرسالة والكتاب.

١٩٢

تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ ) .

وكذا في الآية (١٢٤) من سورة الأنعام حيث يقول :( قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ) .

وعلى هذا فإنّ كلّا منهم يتنظر أن يكون نبيّا من اولي العزم! وينزل عليه كتابا خاصّا من الله بأسمائهم ، ومع كل هذا فليس هناك من ضمان في أن يؤمنوا بعد كل ذلك.

وجاء في بعض الرّوايات أنّ أبا جهل وجماعة من قريش قالوا للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا نؤمن بك حتى تأتينا بصحف من السماء عليها فلان ابن فلان من ربّ العالمين ، ويأتي الأمر علنا باتباعك والإيمان بك.(١)

ولذا يضيف في الآية الأخرى :( كَلَّا ) ليس كما يقولون ويزعمون ، فإنّ طلب نزول مثل لهذا الكتاب وغيره هي من الحجج الواهية ، والحقيقة( بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ ) .

إذا كانوا يخافون الآخرة فما كانوا يتذرعون بكل هذه الذرائع ، ما كانوا ليكذبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كانوا ليستهزئوا بآيات الله تعالى ، ولا بعدد ملائكته ، ومن هنا يتّضح أثر الإيمان بالمعاد في التقوى والطهارة من المعاصي والذنوب الكبيرة ، والحقّ يقال إن الإيمان بعالم البعث والجزاء وعذاب القيامة يهب للإنسان شخصية جديدة يمكنه أن يغير إنسانا متكبرا ومغرورا وظالما إلى إنسان مؤمن متواضع ومتق عادل.

ثمّ يؤكّد القرآن على أنّ ما يفكرون به فيما يخصّ القرآن هو تفكّر خاطئ :( كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) .

إنّ القرآن الكريم قد أوضح الطريق ، ودعانا إلى التبصر فيه ، وأنار لنا السبيل

__________________

(١) تفسير القرطبي ، والمراغي ، وتفاسير اخرى.

١٩٣

ليرى الإنسان موضع أقدامه ، وفي الوقت نفسه لا يمكن ذلك إلّا بتوفيق من الله وبمشيئته تعالى ، وما يذكرون إلّا ما يشاء الله.

ولهذا الآية عدّة تفاسير :

إحداها : كما ذكرناه سابقا ، وهو أن الإنسان لا يمكنه الحصول على طريق الهداية إلّا بالتوسل بالله تعالى وطلب الموفقية منه.

وطبيعي أن هذا الإمداد والتوفيق الإلهي لا يتمّ إلّا بوجود أرضية مساعدة لنزوله.

والتّفسير الآخر : ما جاء في الآية السابقة :( فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) يمكن أن يوجد وهما وأنّ كل شيء مرتبط بإرادة الإنسان نفسه ، وأنّ إرادته مستقلة في كل الأحوال ، وتقول هذه الآية رافعة بذلك هذا الاشتباه ، إنّ الإنسان مرتبط بالمشيئة الإلهية ، وإن هذه الآية مختارا حرّا وهذه المشيئة هي الحاكمة على كل هذا العالم الموجود ، وبعبارة اخرى : إنّ هذا الاختبار والحرية والمعطاة للإنسان في بمشيئته تعالى وإرادته ، ويمكن سلبها أنّى شاء.

وأمّا التّفسير الثّالث فإنّه يقول : إنّهم لا يمكنهم الإيمان إلّا أن يشاء الله ذلك ويجبرهم ، ونعلم أنّ الله لا يجبر أحدا على الإيمان أو الكفر ، والتّفسير الأوّل والثّاني أنسب وأفضل.

وفي النهاية يقول :( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) .

فهو أهل لأن يخافوا من عقابه وأن يتقوا في اتّخاذهم شريكا له تعالى شأنه ، وأن يأملوا مغفرته ، وفي الحقيقة ، أنّ هذه الآية إشارة إلى الخوف والرجاء والعذاب والمغفرة الإلهية ، وهي تعليل لما جاء في الآية السابقة ، لذا نقرأ

في حديث ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في تفسير هذه الآية أنّه قال : «قال الله : أنا أهل

١٩٤

أن اتقى ولا يشرك بي عبدي شيئا وأنا أهل إن لم يشرك بي شيئا أن ادخله الجنّة»(١) .

وبالرغم من أنّ المفسّرين ـ كما رأينا ـ قد أخذوا التقوى هنا بمعناها المفعولي ، وقالوا إنّ الله تعالى أهل لأن يتّقى من الشرك والمعصية ، ولكن هناك احتمالا آخر ، وهو أنّ تؤخذ بمعناها الفاعلي ، أي أن الله أهل للتقوى من كلّ أنواع الظلم والقبح ومن كل ما يخاف الحكمة ، وما عند العباد من التقوى هو قبس ضعيف من ما عند الله ، وإنّ كان التعبير بالتقوى بمعناه الفاعلي والذي يقصد به الله تعالى قليل الاستعمال ، على كل حال فإنّ الآية قد بدأت بالإنذار والتكليف ، وانتهت بالدعوة إلى التقوى والوعد بالمغفرة.

ونتعرض هنا بالدعاء إليه خاضعين متضرعين تعالى :

ربّنا! اجعلنا من أهل التقوى والمغفرة.

اللهم! إن لم تشملنا ألطافك فإنّنا لا نصل إلى مرادنا ، فامنن علينا بعنايتك.

اللهم! أعنّا على طريق مليء بالمنعطفات والهموم والمصائد الشيطانية الصعبة ، وأعنا على الشيطان المتهيئ لإغوائنا ، فبغير عونك لا يمكننا المسير في هذا الطريق.

آمين يا ربّ العالمين.

نهاية سورة المدّثّر

* * *

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٥.

١٩٥
١٩٦

سورة

القيامة

مكيّة

وعدد آياتها أربعون آية

١٩٧
١٩٨

«سورة القيامة»

محتوى السورة :

كما هو واضح من اسم السورة فإنّ مباحثها تدور حول مسائل ترتبط بالمعاد ويوم القيامة إلّا بعض الآيات التي تتحدث حول القرآن والمكذبين ، وأمّا الآيات المرتبطة بيوم القيامة فإنّها تجتمع في أربعة محاور :

١ ـ المسائل المرتبطة بأشراط الساعة.

٢ ـ المسائل المتعلقة بأحوال الصالحين والطالحين في ذلك اليوم.

٣ ـ المسائل المتعلقة باللحظات العسيرة للموت والانتقال إلى العالم الآخر.

٤ ـ الأبحاث المتعلقة بالهدف من خلق الإنسان ورابطة ذلك بمسألة المعاد.

فضيلة السورة :

في حديث روي عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة القيامة شهدت أنا وجبرائيل له يوم القيامة أنّه كا مؤمنا بيوم القيامة ، وجاء ووجهه مسفر على وجوه الخلائق يوم القيامة»(١) .

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام قال : «من أدمن قراءة( لا أُقْسِمُ ) وكان يعمل بها ، بعثها الله يوم القيامة معه في قبره ، في أحسن صورة

__________________

(١) مجمع البيان ، ١٠ ـ ، ص ٣٩٣.

١٩٩

تبشّره وتضحك في وجهه ، حتى يجوز الصراط والميزان»(١) .

والجدير بالملاحظة أنّ ما كنّا نستفيد منه في القرائن التي في فضائل تلاوة السور القرآنية قد صرّح بها الإمام هنا في هذه الرّواية حيث يقول : «من أدمن قراءة لا اقسم وكان يعمل بها» ولذا فإنّ كل ذلك هو مقدمة لتطبيق المضمون.

* * *

__________________

(١) المصدر السّابق.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

فإذا ما أغفل المؤمن عبادة ربِّه نساه، وتلاشت في نفسه قِيَم الإيمان ومفاهيمه، وغدا عُرضةً للإغواء والضلال. فالعقيدة هي الدوحة الباسقة التي يستظلُّ المسلمون في ظلالها الوارفة النديّة، والعبادة هي التي تصونها وتمدّها بعوامل النموّ والازدهار.

والعبادة بعد هذا مِن أكبر العوامل على التعديل والموازنة، بين القوى الماديّة والروحيّة، التي تتجاذب الإنسان وتصطرع في نفسه ولا تتسنّى له السعادة والهناء إلاّ بتعادلها. ذلك، أنّ طُغيان القوى الماديّة واستفحالها يسترق الإنسان بزخرفها وسلطانها الخادع، وتجعله ميّالاً إلى الأثرة والأنانيّة، واقتراف الشرور والآثام، في تحقيق أطماعه الماديّة.

فلا مناصّ - والحالة هذه - من تخفيف جماح المادّة والحدّ من ضراوتها، وذلك عن طريق تعزيز الجانب الروحي في الإنسان، وإمداده بطاقات روحيّة، تعصمه من الشرور وتوجّهه وجهة الخير والصلاح. وهذا ما تحقّقه العبادة بإشعاعاتها الروحيّة، وتذكيرها المتواصل باللّه تعالى، والدأب على طاعته وطلب رضاه.

والعبادة بعد هذا وذاك: اختبار للمؤمن واستجلاء لأبعاد إيمانه. فالإيمان سرٌّ قلبيٌّ مكنون، لا يتبيّن إلاّ بما يتعاطاه المؤمن مِن ضروب الشعائر والعبادات، الكاشف عن مبلغ إيمانه وطاعته للّه تعالى.

وحيث كانت العبادة تتطلّب عناءً وجهداً، كان أداؤها والحفاظ عليها دليلاً على قوّة الإيمان ورسوخه، وإغفالها دليلاً على ضعفه وتسيّبه.

فالصلاة.. كبيرةٌ إلاّ على الخاشعين، والصيام.. كفّ النفس عن لذائذ الطعام والشراب والجنس، والحجّ.. يتطلّب البذل والمعاناة

٣٠١

في أداء مناسكه، والزكاة.. منح المال الذي تعتزّ به النفس وتحرص عليه، والجهاد: هو الإقدام على التضحية والفداء في سبيل الواجب، وكلّها أمورٌ شاقّة على النفس.

من أجل ذلك كان أداء العبادة والقيام بها بُرهاناً ساطعاً على إيمان صاحبها وطاعته للّه عزّ وجل.

٢ - الطاعة:

وهي الخضوع للّه عزّ وجل وامتثال جميع أوامره ونواهيه.

ولا ريب أنّها مِن أشرف المزايا، وأجل الخلال الباعثة على سعادة المطيع وفوزه بشرف الدنيا والآخرة، كما نوّهت بها الآيات الكريمة والأخبار الشريفة:

قال تعالى:( وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) ( الأحزاب: ٧١ ).

وقال سُبحانه:( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً ) ( الفتح: ١٧ ).

وقال الإمام الحسن الزكيعليه‌السلام : ( وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سلطان، فاخرج مِن ذلّ معصية اللّه إلى عزِّ طاعة اللّه عزّ وجل ).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( اصبروا على طاعة اللّه، وتصبّروا عن

٣٠٢

معصية اللّه، فإنما الدنيا ساعة، فما مضى فلست تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأت فلست تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنّك قد اغتبطت )(١).

٣ - الشكر:

وهو: عرفان نعمة المنعم، وشكره عليها، واستعمالها في مرضاته.

والشكر خلّة مثاليّة يقدّسها العقل والشرع، ويحتمها الضمير والوجدان، إزاء المحسنين من الناس. فكيف بالمنعم الأعظم الذي لا تحصى نعماؤه، ولا تُعدّ آلاؤه ؟

مِن أجل ذلك حثّت الشريعة على التحلّي به، في نصوص عديدة مِن الآيات والروايات.

قال تعالى:( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) ( إبراهيم: ٧ ).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن أُعطِيَ الشكر أُعطِي الزيادة، يقول اللّه عزّ وجل:( لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ) )(٢) .

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الطاعم الشاكر، له مِن الأجر كأجر الصائم المحتسب، والمعافى الشاكر، له مِن الأجر كأجر

_____________________

(١) الوافي، ج ٢ ص ٦٣، عن الكافي.

(٢) الوافي، ج ٢ ص ٦٧، عن الكافي.

٣٠٣

المبتلى الصابر. والمعطى الشاكر، له من الأجر كأجر المحروم القانع )(١).

٤ - التوكّل:

وهو: الاعتماد على اللّه عزّ وجل في جميع الأُمور، وتفويضها إليه، والإعراض عمّا سواه.

والتوكّل، هو من أجل خصائص المؤمنين ومزاياهم المشرفة، الموجبة لعزّتهم وسموّ كرامتهم وارتياح ضمائرهم، بترفعهم عن الاتّكال والاستعانة بالمخلوقين، ولجوئهم وتوكّلهم على الخلاق العظيم القدير في كسب المنافع ودرء المضار.

لذلك تواترت الآيات والآثار في تمجيد هذا الخُلق، والتشويق إليه.

قال تعالى:( إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) ( آل عمران: ١٦ ).

وقال تعالى: ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) ( الطلاق: ٣ ).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ الغنى والعزّ يجولان، فإذا ظفرا بموضع التوكّل أوطنا )(٢).

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصيّته للحسنعليه‌السلام : ( وألجئ نفسك في الأُمور كلّها إلى إلهك، فإنّك تلجئها إلى كهف حريز، ومانع عزيز )(٣).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٧ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٥٦ عن الكافي.

(٣) نهج البلاغة ( ومن شاء التوسّع في الأبحاث الثلاثة، الطاعة والشكر والتوكّل، فليرجع إلى القسم الأوّل من هذا الكتاب ).

٣٠٤

حقوق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

كان نبيّنا الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، المثل الأعلى في سائر نواحي الكمال، اصطفاه اللّه مِن الخَلق واختاره من العباد، وحباه بأرفع الخصائص والمواهب التي حبا بها الأنبياءعليهم‌السلام ، وجمع فيه ما تفرّق فيهم مِن صنوف العظمات والأمجاد ما جعله سيّدهم وخاتمهم.

وناهيك في عظمته أنّه استطاع بجهوده الجبّارة ومبادئه الخالدة، أنْ يحقّق في أقلِّ من ربع قرن من الانتصارات الروحيّة والمكاسب الدينيّة، ما لم يستطع تحقيقه سائر الأنبياء والشرائع في أكثر مِن قرون.

جاء بأكمل الشرائع الإلهيّة، وأشدّها ملائمة لأطوار الحياة، وأكثرها تكفّلاً بإسعاد الإنسان ماديّاً وروحيّاً، ديناً ودنياً، فأخرج الناس من ظلمة الكُفر إلى نور الإسلام، ومِن شقاء الجاهليّة إلى السعادة الأبديّة. وجعل أُمّته أكمل الأُمم ديناً، وأوفرهم عِلماً، واسماهم أدباً وأخلاقاً، وأرفعهم حضارةً ومجداً.

وقد عانى في سبيل ذلك مِن ضروب الشدائد والأهوال، ما لم يعانه أيُّ نبيّ.

من أجل ذلك، فإن القلم عاجز عن تعداد أياديه، وحصر حقوقه

٣٠٥

على المسلمين سيّما في هذه الرسالة الوجيزة. فلا بدّ من الإشارة إليها والتلويح عنها.

وهي، بعد الإيمان بنبوته، وتصديقه فيما جاء به من عند اللّه عزّ وجل، والاعتقاد بأنّه سيّد الرسل، وخاتم الأنبياء:

١ - طاعته:

وطاعة النبيّ فرضٌ محتّمٌ على الناس، كطاعة اللّه تعالى، إذ هو سفيره إلى العباد، وأمينه على الوحي، ومنار هدايته الوضّاء.

وواقع الطاعة هو: إتباع شريعته، وتطبيق مبادئه الخالدة، التي ما سعِد المسلمون ونالوا آمالهم وأمانيهم، إلاّ بالتمسّك بها والحفاظ عليها. وما تخلفوا واستكانوا إلا بإغفالها والانحراف عنها.

أنظر كيف يحرض القرآن الكريم على طاعة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويحذّر مغبّة عصيانه ومخالفته، حيث قال:

( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( الحشر: ٧ ).

وقال تعالى:( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً ) ( الأحزاب: ٣٦ ).

وقال سُبحانه:( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن

٣٠٦

تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) ( النساء: ١٣ - ١٤ ).

وقال عزّ وجل:( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (المجادلة: ٢٠ - ٢١).

٢ - محبّته:

تختلف دواعي الحبّ والإعجاب باختلاف نزَعات المُحبّين وميولهم، فمِن الناس مَن يحب الجمال ويُقّدسه، ومنهم مَن يحبّ البطولة والأبطال ويمجدهم، ومنهم من يحب الأريَحيّة ويشيد بأربابها.

وقد اجتمع في النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ ما يفرض المحبّة ويدعو إلى الإعجاب، حيث كان نموذجاً فذاً، ونمطاً فريداً بين الناس. لخصّ اللّه فيه آيات الجمال والكمال، وأودع فيه أسرار الجاذبيّة، فلا يملك المرء إزائه إلاّ الحبّ والإجلال، وهذا ما تشهد به شخصيّته المثاليّة، وتأريخه المجيد.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو يصف شمائل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( كان نبيُّ اللّه أبيضَ اللون، مُشرباً حمرة، أدعج العين، سبط الشعر، كث اللحية، ذا وفرة، دقيق المسربة، كأنّما عنقه إبريق فضّة يجري في تراقيه الذهب، له شعر مِن لبَّتِه إلى سرّته كقضيب خيط، وليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى

٣٠٧

كأنّه ينقلع مِن صخر، إذا أقبل كأنّما ينحدر مِن صب، إذا التفت التفت جميعاً بأجمعه، ليس بالقصير ولا بالطويل، كأنّما عرَقه في وجهه اللؤلؤ، عرقه أطيبُ مِن المسك )(١).

وقالعليه‌السلام وهو يصف أخلاق الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( كان أجود الناس كفّاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجةً، وأوفاهم ذمّةً، وأليَنُهم عريكةً، وأكرمهم عِشرةً، مَن رآه بديهة هابه، ومَن خالطه فعرفه أحبّه، لم أر مثله قبله ولا بعده )(٢).

ولأجل تلك الشمائل والمآثر، أحبّه الناس على اختلاف ميولهم في الحبّ: أحبّه الأبطال لبطولته الفذّة التي لا يجاريه فيها بطلٌ مغوار، وأحبّه الكرام إذ كان المثل الأعلى في الأريحيّة والسخاء، وأحبّه العُبَّاد لتولّهه في العبادة وفنائه في ذات اللّه، وأحبّه أصحابه المخلصون لمثاليّته الفذّة في الخَلق والخُلق.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( جاء رجلٌ مِن الأنصار إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: يا رسول اللّه، ما استطيع فراقك، وإنّي لأدخل منزلي فأذكرك، فأترك ضَيعتي وأقبِل حتّى أنظر إليك حبّاً لك، فذكرت إذا كان يوم القيامة، وأدخلتَ الجنّة، فرُفِعت في أعلى عِليّين، فكيف لي بك يا نبيّ اللّه ؟، فنزل:( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ

_____________________

(١) البحار م ٦ في أوصاف خَلقه وشمائله.

(٢) سفينة البحار م ٢ ص ٤١٤.

٣٠٨

رَفِيقاً ) (النساء: ٦٩)

فدعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الرجلَ فقرأها عليه وبشّره بذلك )(١).

وقال أنَس: جاء رجلٌ من أهل البادية، وكان يُعجبنا أنْ يأتي الرجل من أهل البادية يسأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: يا رسول اللّه متى قيام الساعة ؟

فحضرت الصلاة، فلمّا قضى صلاته، قال: ( أين السائل عن الساعة ؟)

قال: أنا يا رسول اللّه. قال: ( فما أعددتَ لها ؟)

قال: واللّه ما أعددت لها مِن كثير عمل صلاة ولا صوم، إلا أنّي أحبّ اللّه ورسوله.

فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( المرء مع من أحبّ ).

قال أنَس: فما رأيت المسلمين فرِحوا بعد الإسلام بشيء أشدّ مِن فرحهم بهذا(٢) .

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، قال: ( كان رجلٌ يبيع الزيت، وكان يحبّ رسول اللّه ( صلّي اللّه عليه وآله ) حبّاً شديداً، كان إذا أراد أنْ يذهب في حاجة لم يمضِ حتّى ينظر إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد عُرِف ذلك منه، فإذا جاء تطاول له حتّى ينظر إليه. حتّى إذا كان ذات يوم، دخل فتطاول له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى نظر إليه ثمّ مضى في حاجته، فلم يكن بأسرع مِن أنْ رجَع، فلمّا رآه رسول اللّه

_____________________

(١) البحار م ٦ في باب وجوب طاعته وحبّه.

(٢) البحار م ٦، باب وجوب طاعته وحبّه، عن عِلل الشرائع.

٣٠٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله قد فعل ذلك، أشار إليه بيده اجلس، فجلس بين يديه، فقال: مالك فعلت اليوم شيئاً لم تكن تفعله قبل ؟

فقال: يا رسول اللّه، والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، لغشى قلبي شيء مِن ذكرك، حتّى ما استطعت أنْ أمضي في حاجتي، رجعت إليك. فدعا له وقال له خيراً.

ثمّ مكث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيّاماً لا يراه، فلمّا فقده سأل عنه، فقيل له: يا رسول اللّه، ما رأيناه منذ أيّام. فانتعل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانتعل معه أصحابه، فانطلق حتّى أتى سوق الزيت، فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد، فسأل عنه جيرته، فقالوا: يا رسول اللّه، مات... ولقد كان عندنا أميناً صدوقاً، إلاّ انّه قد كان فيه خصلة، قال: وما هي ؟ قالوا: كان يَزهَق ( يعنون، يتبع النساء ). فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد كان يحبّني حُبّاً، لو كان بخّاساً لغفر اللّه له )(١) .

٣ - الصلاة عليه:

قال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ( الأحزاب: ٥٦ ).

_____________________

(١) الوافي ج ٣، ص ١٤٣ - ١٤٤. الزَّهق: غشيان المحارم. والبَخس: النقص في المكيال والميزان.

٣١٠

درَج الناس على إجلال العظماء وتوقيرهم بما يستحقّونه من صور الإجلال والتوقير، تكريماً لهم وتقديراً لجهودهم ومساعيهم في سبيل أُممهم.

ومن هنا كان السلام الجمهوري والتحيّة العسكريّة فرضاً على الجنود، تبجيلاً لقادتهم وإظهاراً لإخلاصهم لهم.

فلا غرابة أنْ يكون من حقوق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على أمته - وهو سيّد الخلق وأشرفهم جميعاً - تعظيمه والصلاة عليه، عند ذكر اسمه المبارك أو سماعه، وغيرهما من مواطن الدعاء.

وقد أعرَبت الآية الكريمة عن بالغ تكريم اللّه تعالى وملائكته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ )، ثمّ وجّهَت الخطاب إلى المؤمنين بضرورة تعظيمه والصلاة والسلام عليه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ).

وجاءت نصوص أهل البيتعليهم‌السلام توضّح خصائص ورغبات الصلاة عليه، بأُسلوبٍ شيّق جذّاب.

فمِن ذلك ما جاء عن ابن أبي حمزة عن أبيه، قال: سألت أبا عبد اللّهعليه‌السلام عن قول اللّه عزَّ وجل:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) .

فقال: ( الصلاة مِن اللّه عزّ وجل رحمة، ومِن الملائكة تزكية، ومِن الناس دُعاء. وأمّا قوله عزّ وجل:( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ، فإنّه يعني بالتسليم له فيما ورد عنه ). قال: فقلت له: فكيف نصلّي على محمّدٍ وآله ؟

قال: ( تقولون: صلوات اللّه وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع

٣١١

خلقه على محمّدٍ وآل محمّدٍ، والسلام عليه وعليهم ورحمة اللّه وبركاته ).

قال: فقلت فما ثواب من صلّى على النبيّ وآله بهذه الصلاة ؟

قال: الخروج من الذنوب، واللّه، كهيئة يومٍ ولدته أُمّه(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( من صلّى على محمٍّد وآل محمّدٍ عشراً صلّى اللّه عليه وملائكته مِئة مرّة، ومَن صلىّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ مِئة صلّى اللّه عليه وملائكته ألفاً، أما تسمع قول اللّه تعالى:( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ) (٢) ( الأحزاب: ٤٣ ).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( كلّ دعاء يُدعى اللّه تعالى به، محجوبٌ عن السماء حتّى يُصلّى على محمّدٍ وآل محمّد )(٣).

وعن احدهماعليهما‌السلام قال: ( ما في الميزان شيءٌ أثقل من الصلاة على محمّدٍ وآل محمّد، وإنّ الرجل ليوضَع أعمالَه في الميزان فيميل به، فيُخرجصلى‌الله‌عليه‌وآله ( الصلاة عليه ) فيضعها في ميزانه، فيرجح به )(٤) .

وقال الرضاعليه‌السلام : ( مَن لم يقدر على ما يُكفّر به ذنوبه، فليُكثر مِن الصلاة على محمّد وآله، فإنّها تهدِم الذنوب هَدماً )(٥).

_____________________

(١) البحار م ١٩، ص ٧٨، عن معاني الأخبار للصدوق (ره).

(٢) الوافي ج ٥، ص ٢٢٨، عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٥، ص ٢٢٧، عن الكافي.

(٤) الوافي ج ٥، ص ٢٢٨، عن الكافي.

(٥) البحار م ١٩، ص٧٦، عن عيون أخبار الرضا وأمالي الشيخ الصدوق (ره).

٣١٢

وجاء في الصواعق (ص ٨٧)، قال: ويُروى ( لا تصلّوا عليَّ الصلاة البتراء ). فقالوا: وما الصلاة البتراء ؟ قال: ( تقولون: اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وتمسكون، بل قولوا: اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد )(١).

٤ - مودّة أهل بيته الطاهرين:

الذين فرضَ اللّه مودّتهم في كتابه، وجعلها أجر الرسالة، وحقّاً مفروضاً من حقوق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال تعالى:( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) ( الشورى: ٢٣ ).

وقد اتّصف أهل البيتعليهم‌السلام بجميع دواعي الإعجاب والإكبار، وبواعث الحبِّ والولاء، كما وصَفهم الشاعر:

مِن معشرٍ حُبّهم دينٌ وبُغضهم

كفرٌ وقُربهم منجىً ومعتصمُ

إنْ عُدّ أهلُ التقى كانوا أئمّتهم

أو قيل مِن خيرِ أهل الأرضِ قِيل هُمُ

نَعَم هُم صفوةُ الخَلق، وحُجج العباد، وسُفن النجاة، وخير مَن أقلّته الأرض وأظلّته السماء - بعد جدّهم الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله - حسَباً ونسَباً وفضائل وأمجاداً.

وكيف يرتضي الوجدان السليم محبّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دون أهل بيته الطاهرين، الجديرين بأصدَق مفاهيم الحبِّ والودِّ، إنّها ولا ريب

_____________________

(١) فضائل الخمسة، من الصحاح الستّة.

٣١٣

محبّةٌ زائفة تنُمّ عن نفاقٍ ولؤم، كما جاء عن عبد اللّه بن مسعود قال: كنا مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض أسفاره، إذ هتَف بنا أعرابي بصوتٍ جمهور، فقال: يا محمّدٍ. فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما تشاء ؟ فقال: المرء يحبّ القوم ولا يعمل بأعمالهم.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( المرء مع من أحبّ ). فقال: يا محمّد، اعرض عليَّ الإسلام. فقال: ( أشهد أنْ لا إله إلاّ اللّه، وانّي رسول اللّه، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحجّ البيت ).

فقال: يا محمّد، تأخذ على هذا أجرأ ؟ فقال: ( لا، إلاّ المودّة في القربى ).

قال: قرباي أو قرباك ؟ فقال: ( بل قرباي ). قال: هلمّ يدك حتّى أُبايعك، لا خير فيمن يودّك ولا يودّ قرباك(١).

وقد أجمع الإماميّة أنّ المراد بالقربى في الآية الكريمة، هُم الأئمّة الطاهرون مِن أهل البيتعليهم‌السلام ، ووافقهم على ذلك ثُلّة مِن أعلام غيرهم مِن المفسّرين والمحدّثين، كأحمد بن حنبل، والطبراني، والحاكم عن ابن عبّاس. كما نصّ عليه ابن حجَر، في الفصل الأوّل من الباب الحادي عشر من صواعقه، قال: لمّا نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول اللّه مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( عليّ وفاطمة وابناهما )(٢) .

_____________________

(١) البحار م ٧، ص ٣٨٩، عن مجالس الشيخ المفيد (ره).

(٢) انظر الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء، للإمام شرف الدين (ره) ص ١٨.

٣١٤

انظر، كيف يحرّض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أُمّته على مودّة قرباه وأهل بيته، كما يحدّثنا به رواة الفريقين:

فمّما ورد من طرقنا:

عن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أحبّنا أهل البيت فليحمد اللّه على أوّل النِّعَم ).

قيل: وما أوّل النعم ؟ قال: ( طيب الولادة، ولا يحبّنا إلاَّ مَن طابت ولادته )(١) .

وعن أبي جعفر الباقر عن أبيه عن جدّهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حُبّي وحبُّ أهل بيتي نافعٌ في سبعةِ مواطن، أهوالهنّ عظيمة: عند الوفاة، وفي القبر، وعند النشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الميزان، وعند الصراط )(٢).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أنّ عبداً عبَد اللّه ألف عام، ثمّ يُذبح كما يُذبح الكبش، ثمّ أتى اللّه ببغضنا أهل البيت، لرُدّ اللّه عليه عمله )(٣).

وعن الباقرعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ( لا تزول قدَم (قدما خ ل) عبدٍ يوم القيامة مِن بين يدَيّ اللّه، حتّى يسأله عن أربع خِصال: عمرِك فيما أفنيته، وجسدِك فيما أبليته، ومالك من أين

_____________________

(١) البحار م ٧، ص ٣٨٩، عن علل اِلشرائع ومعاني الأخبار وأمالي الصدوق(ره).

(٢) البحار م ٧، ص ٣٩١، عن الخصال.

(٣) البحار م ٧، ص ٣٩٧، عن محاسن البرقي.

٣١٥

اكتسبته وأين وضعته، وعن حبنا أهل البيت )(١) .

وعن الحكم بن عتيبة، قال: بينا أنا مع أبي جعفرعليه‌السلام ، والبيت غاصٌّ بأهله، إذ أقبل شيخٌ يتوكّأ على عنزة له، حتّى وقف على باب البيت فقال: السلام عليك يابن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته، ثمّ سكت. فقال أبو جعفر: ( وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته ). ثمّ أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم، ثمّ سكت، حتّى أجابه القوم جميعاً وردّواعليه‌السلام .

ثمّ أقبل بوجهه على أبي جعفرعليه‌السلام ، ثمّ قال: يابن رسول اللّه، أدنني منك، جعلني اللّه فداك، فو اللّه إنّي لأحبّكم وأحبُّ مَن يحبّكم، وواللّه ما أحبّكم وما أحبّ مَن يحبّكم لطمعٍ في دنيا. وإنّي لأبغض عدوّكم وأبرأ منه، وواللّه ما أبغضه وأبرأ منه لوترٍ كان بيني وبينه. واللّه إنّي لأُحلّ حلالكم، وأُحرّم حرامكم، وأنتظر أمركم. فهل ترجو لي، جعلني اللّه فِداك ؟!

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ( إليّ... إليّ )، حتّى أقعَده إلى جنبه.

ثمّ قال: ( أيّها الشيخ، إنّ أبي عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، أتاه رجلٌ فسأله عن مثل الذي سألتني عنه، فقال له أبي: إنْ تمُت ترِد على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسينعليهم‌السلام ، ويثلج قلبُك، ويبرد فؤادُك، وتقرّ عينيك، وتستقبل بالرَّوح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسك هاهنا - وأهوى بيده إلى حلقه - وإنْ تعش ترَ ما يقرُّ اللّه به عينك، وتكون معنا في السنام

_____________________

(١) البحار م ٧، ص ٣٨٩، عن مجالس الشيخ المفيد.

٣١٦

الأعلى ) - الخ(١).

وممّا جاء مِن طُرق إخواننا:

وأخرج ابن حنبل والترمذي، كما في الصواعق ص ٩١: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ بيد الحسنَين، وقال: ( مَن أحبّني، وأحبَّ هذين وأباهما وأُمّهما، كان معي في درجتي يوم القيامة )(٢).

وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( ألا مَن مات على حبِّ آل محمّدٍ مات شهيداً، ألا ومَن مات على حبِّ آل محمّدٍ مات مغفوراً له، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّدٍ مات تائباً، ألا ومَن مات على حبِّ آل محمّدٍ مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حبِّ آل محمّدٍ بشّره ملَك الموت بالجنّة، ثمّ منكر ونكير، ألا ومات على حبِّ آل محمّدٍ يُزَفُّ إلى الجنّة كما تُزفّ العروس إلى بيت زوجها، ألا ومِن مات على حبّ آل محمّدٍ فُتِح له في قبره بابان إلى الجنّة، ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة، ألا ومن مات على بُغض آل محمّدٍ جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيسٌ مِن رحمة اللّه ) - الحديث(٣).

وأورد ابن حجَر ص ١٠٣ من صواعقه حديثاً، هذا نصّه:

_____________________

(١) الوافي ج ٣، ص ١٣٩، عن الكافي.

(٢) الفصول المهمّة للإمام شرف الدين، ص ٤١.

(٣) الفصول المهمّة للإمام شرف الدين، ص ٤٢.

٣١٧

إنّ النبيّ خرَج على أصحابه ذات يوم، ووجهه مشرقٌ كدائرة القمر. فسأله عبد الرحمان بن عوف عن ذلك، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( بشارةٌ أتتني من ربّي في أخي وابن عمّي وابنتي، بأنّ زوِّج عليّاً من فاطمة، وأمَر رَضوان خازن الجِنان فهزّ شجرة طوبى، فحملت رِقاقاً ( يعني صكاكاً ) بعدد مُحبّي أهل بيتي، وأنشأ تحتها ملائكةً مِن نور، دفع إلى كلّ ملَك صكّاً، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق، فلا يبقى محبٌّ لأهل البيت إلاّ دفعت إليه صكّاً فيه فكاكه مِن النار، فصار أخي وابن عمّي وابنتي فِكاك رِقاب رجالٍ ونِساءٍ من أُمّتي مِن النار )(١).

وجاء في مستدرك الصحيحين ج ٣، ١٢٧، عن ابن عبّاس قال: نظر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّعليه‌السلام فقال: ( يا عليّ، أنت سيّدٌ في الدنيا وسيّدٌ في الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب اللّه، وعدوّك عدوّي، وعدوّي عدوّ اللّه، والويل لِمَن أبغضك بعدي )(٢).

وأخرج الحافظ الطبري، في كتاب الولاية، بإسناده عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: ( لا يحبّني ثلاثة: ولدُ زنا، ومنافق، ورجلٌ حمَلت به أُمّه في بعض حيضها )(٣).

وأخرج الطبراني في الأوسط، والسيوطي في إحياء الميّت، وابن حجَر في صواعقه في باب الحثّ على حبّهم:

_____________________

(١) الفصول المهمّة، للإمام شرف الدين، ص ٤٣.

(٢) فضائل الخمسة، من الصحاح الستّة ج ١، ص ٢٠٠.

(٣) الغدير ج ٤، ص ٣٢٢.

٣١٨

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الزموا مودّتنا أهل البيت، فإنّه مَن لقيَ اللّه وهو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفة حقّنا )(١) إلى كثير من النصوص التي يطول عرضها في هذا المختصر.

ولا ريب أنّ المراد بأهل البيتعليهم‌السلام ، هُم الأئمّة الاثنا عشر المعصومون صلوات اللّه عليهم، دون سواهم ؛ لأنّ هذه الخصائص الجليلة، والمزايا الفذّة، لا يستحقّها إلاّ حُججُ اللّه تعالى على العباد، وخلفاء رسوله الميامين.

_____________________

(١) المراجعات، للإمام شرف الدين، ص ٢٢.

٣١٩

حقوق الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام

فضلهم:

لقد حاز الأئمّة الطاهرون من أهل البيتعليهم‌السلام السبق في ميادين الفضل والكمال، ونالوا الشرف الأرفع في الأحساب والأنساب. فهم آل رسول اللّه وأبناؤه، نشأوا في ربوع الوصي، وترعرعوا في كنَف الرسالة، واستلهموا حقائق الإسلام ومبادئه عن جدّهم الأعظم، فكانوا ورَثه علمه، وخزّان حكمته، وحماة شريعته الغرّاء، وخُلفاءه الميامين.

وقد جاهدوا في نصرة الدين وحماية المسلمين، جهاداً منقطع النظير، وفدوا أنفسهم في سبيل اللّه تعالى، حتّى استشهدوا في سبيل العقيدة والمبدأ، لا تأخذهم في اللّه لومةُ لائم، ولا تخدعهم زخارف الحياة.

وكم لهم مِن أيادٍ وحقوق على المسلمين، ينوء القلم بشرحها وتعدادها. بيد أنّي أُشير إليها إشارةً خاطفة، وهي:

١ - معرفتهم:

كما جاء في الحديث المتواتر بين الفريقين، وفي الصحاح المعتبرة، قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517