أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت0%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد مهدي الصدر
تصنيف: الصفحات: 517
المشاهدات: 318330
تحميل: 11072

توضيحات:

أخلاق أهل البيت
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 318330 / تحميل: 11072
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فإذا ما أغفل المؤمن عبادة ربِّه نساه، وتلاشت في نفسه قِيَم الإيمان ومفاهيمه، وغدا عُرضةً للإغواء والضلال. فالعقيدة هي الدوحة الباسقة التي يستظلُّ المسلمون في ظلالها الوارفة النديّة، والعبادة هي التي تصونها وتمدّها بعوامل النموّ والازدهار.

والعبادة بعد هذا مِن أكبر العوامل على التعديل والموازنة، بين القوى الماديّة والروحيّة، التي تتجاذب الإنسان وتصطرع في نفسه ولا تتسنّى له السعادة والهناء إلاّ بتعادلها. ذلك، أنّ طُغيان القوى الماديّة واستفحالها يسترق الإنسان بزخرفها وسلطانها الخادع، وتجعله ميّالاً إلى الأثرة والأنانيّة، واقتراف الشرور والآثام، في تحقيق أطماعه الماديّة.

فلا مناصّ - والحالة هذه - من تخفيف جماح المادّة والحدّ من ضراوتها، وذلك عن طريق تعزيز الجانب الروحي في الإنسان، وإمداده بطاقات روحيّة، تعصمه من الشرور وتوجّهه وجهة الخير والصلاح. وهذا ما تحقّقه العبادة بإشعاعاتها الروحيّة، وتذكيرها المتواصل باللّه تعالى، والدأب على طاعته وطلب رضاه.

والعبادة بعد هذا وذاك: اختبار للمؤمن واستجلاء لأبعاد إيمانه. فالإيمان سرٌّ قلبيٌّ مكنون، لا يتبيّن إلاّ بما يتعاطاه المؤمن مِن ضروب الشعائر والعبادات، الكاشف عن مبلغ إيمانه وطاعته للّه تعالى.

وحيث كانت العبادة تتطلّب عناءً وجهداً، كان أداؤها والحفاظ عليها دليلاً على قوّة الإيمان ورسوخه، وإغفالها دليلاً على ضعفه وتسيّبه.

فالصلاة.. كبيرةٌ إلاّ على الخاشعين، والصيام.. كفّ النفس عن لذائذ الطعام والشراب والجنس، والحجّ.. يتطلّب البذل والمعاناة

٣٠١

في أداء مناسكه، والزكاة.. منح المال الذي تعتزّ به النفس وتحرص عليه، والجهاد: هو الإقدام على التضحية والفداء في سبيل الواجب، وكلّها أمورٌ شاقّة على النفس.

من أجل ذلك كان أداء العبادة والقيام بها بُرهاناً ساطعاً على إيمان صاحبها وطاعته للّه عزّ وجل.

٢ - الطاعة:

وهي الخضوع للّه عزّ وجل وامتثال جميع أوامره ونواهيه.

ولا ريب أنّها مِن أشرف المزايا، وأجل الخلال الباعثة على سعادة المطيع وفوزه بشرف الدنيا والآخرة، كما نوّهت بها الآيات الكريمة والأخبار الشريفة:

قال تعالى:( وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) ( الأحزاب: ٧١ ).

وقال سُبحانه:( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً ) ( الفتح: ١٧ ).

وقال الإمام الحسن الزكيعليه‌السلام : ( وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سلطان، فاخرج مِن ذلّ معصية اللّه إلى عزِّ طاعة اللّه عزّ وجل ).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( اصبروا على طاعة اللّه، وتصبّروا عن

٣٠٢

معصية اللّه، فإنما الدنيا ساعة، فما مضى فلست تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأت فلست تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنّك قد اغتبطت )(١).

٣ - الشكر:

وهو: عرفان نعمة المنعم، وشكره عليها، واستعمالها في مرضاته.

والشكر خلّة مثاليّة يقدّسها العقل والشرع، ويحتمها الضمير والوجدان، إزاء المحسنين من الناس. فكيف بالمنعم الأعظم الذي لا تحصى نعماؤه، ولا تُعدّ آلاؤه ؟

مِن أجل ذلك حثّت الشريعة على التحلّي به، في نصوص عديدة مِن الآيات والروايات.

قال تعالى:( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) ( إبراهيم: ٧ ).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن أُعطِيَ الشكر أُعطِي الزيادة، يقول اللّه عزّ وجل:( لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ) )(٢) .

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الطاعم الشاكر، له مِن الأجر كأجر الصائم المحتسب، والمعافى الشاكر، له مِن الأجر كأجر

_____________________

(١) الوافي، ج ٢ ص ٦٣، عن الكافي.

(٢) الوافي، ج ٢ ص ٦٧، عن الكافي.

٣٠٣

المبتلى الصابر. والمعطى الشاكر، له من الأجر كأجر المحروم القانع )(١).

٤ - التوكّل:

وهو: الاعتماد على اللّه عزّ وجل في جميع الأُمور، وتفويضها إليه، والإعراض عمّا سواه.

والتوكّل، هو من أجل خصائص المؤمنين ومزاياهم المشرفة، الموجبة لعزّتهم وسموّ كرامتهم وارتياح ضمائرهم، بترفعهم عن الاتّكال والاستعانة بالمخلوقين، ولجوئهم وتوكّلهم على الخلاق العظيم القدير في كسب المنافع ودرء المضار.

لذلك تواترت الآيات والآثار في تمجيد هذا الخُلق، والتشويق إليه.

قال تعالى:( إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) ( آل عمران: ١٦ ).

وقال تعالى: ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) ( الطلاق: ٣ ).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ الغنى والعزّ يجولان، فإذا ظفرا بموضع التوكّل أوطنا )(٢).

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصيّته للحسنعليه‌السلام : ( وألجئ نفسك في الأُمور كلّها إلى إلهك، فإنّك تلجئها إلى كهف حريز، ومانع عزيز )(٣).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٧ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٥٦ عن الكافي.

(٣) نهج البلاغة ( ومن شاء التوسّع في الأبحاث الثلاثة، الطاعة والشكر والتوكّل، فليرجع إلى القسم الأوّل من هذا الكتاب ).

٣٠٤

حقوق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

كان نبيّنا الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، المثل الأعلى في سائر نواحي الكمال، اصطفاه اللّه مِن الخَلق واختاره من العباد، وحباه بأرفع الخصائص والمواهب التي حبا بها الأنبياءعليهم‌السلام ، وجمع فيه ما تفرّق فيهم مِن صنوف العظمات والأمجاد ما جعله سيّدهم وخاتمهم.

وناهيك في عظمته أنّه استطاع بجهوده الجبّارة ومبادئه الخالدة، أنْ يحقّق في أقلِّ من ربع قرن من الانتصارات الروحيّة والمكاسب الدينيّة، ما لم يستطع تحقيقه سائر الأنبياء والشرائع في أكثر مِن قرون.

جاء بأكمل الشرائع الإلهيّة، وأشدّها ملائمة لأطوار الحياة، وأكثرها تكفّلاً بإسعاد الإنسان ماديّاً وروحيّاً، ديناً ودنياً، فأخرج الناس من ظلمة الكُفر إلى نور الإسلام، ومِن شقاء الجاهليّة إلى السعادة الأبديّة. وجعل أُمّته أكمل الأُمم ديناً، وأوفرهم عِلماً، واسماهم أدباً وأخلاقاً، وأرفعهم حضارةً ومجداً.

وقد عانى في سبيل ذلك مِن ضروب الشدائد والأهوال، ما لم يعانه أيُّ نبيّ.

من أجل ذلك، فإن القلم عاجز عن تعداد أياديه، وحصر حقوقه

٣٠٥

على المسلمين سيّما في هذه الرسالة الوجيزة. فلا بدّ من الإشارة إليها والتلويح عنها.

وهي، بعد الإيمان بنبوته، وتصديقه فيما جاء به من عند اللّه عزّ وجل، والاعتقاد بأنّه سيّد الرسل، وخاتم الأنبياء:

١ - طاعته:

وطاعة النبيّ فرضٌ محتّمٌ على الناس، كطاعة اللّه تعالى، إذ هو سفيره إلى العباد، وأمينه على الوحي، ومنار هدايته الوضّاء.

وواقع الطاعة هو: إتباع شريعته، وتطبيق مبادئه الخالدة، التي ما سعِد المسلمون ونالوا آمالهم وأمانيهم، إلاّ بالتمسّك بها والحفاظ عليها. وما تخلفوا واستكانوا إلا بإغفالها والانحراف عنها.

أنظر كيف يحرض القرآن الكريم على طاعة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويحذّر مغبّة عصيانه ومخالفته، حيث قال:

( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( الحشر: ٧ ).

وقال تعالى:( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً ) ( الأحزاب: ٣٦ ).

وقال سُبحانه:( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن

٣٠٦

تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) ( النساء: ١٣ - ١٤ ).

وقال عزّ وجل:( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (المجادلة: ٢٠ - ٢١).

٢ - محبّته:

تختلف دواعي الحبّ والإعجاب باختلاف نزَعات المُحبّين وميولهم، فمِن الناس مَن يحب الجمال ويُقّدسه، ومنهم مَن يحبّ البطولة والأبطال ويمجدهم، ومنهم من يحب الأريَحيّة ويشيد بأربابها.

وقد اجتمع في النبيّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ ما يفرض المحبّة ويدعو إلى الإعجاب، حيث كان نموذجاً فذاً، ونمطاً فريداً بين الناس. لخصّ اللّه فيه آيات الجمال والكمال، وأودع فيه أسرار الجاذبيّة، فلا يملك المرء إزائه إلاّ الحبّ والإجلال، وهذا ما تشهد به شخصيّته المثاليّة، وتأريخه المجيد.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو يصف شمائل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( كان نبيُّ اللّه أبيضَ اللون، مُشرباً حمرة، أدعج العين، سبط الشعر، كث اللحية، ذا وفرة، دقيق المسربة، كأنّما عنقه إبريق فضّة يجري في تراقيه الذهب، له شعر مِن لبَّتِه إلى سرّته كقضيب خيط، وليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى

٣٠٧

كأنّه ينقلع مِن صخر، إذا أقبل كأنّما ينحدر مِن صب، إذا التفت التفت جميعاً بأجمعه، ليس بالقصير ولا بالطويل، كأنّما عرَقه في وجهه اللؤلؤ، عرقه أطيبُ مِن المسك )(١).

وقالعليه‌السلام وهو يصف أخلاق الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( كان أجود الناس كفّاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجةً، وأوفاهم ذمّةً، وأليَنُهم عريكةً، وأكرمهم عِشرةً، مَن رآه بديهة هابه، ومَن خالطه فعرفه أحبّه، لم أر مثله قبله ولا بعده )(٢).

ولأجل تلك الشمائل والمآثر، أحبّه الناس على اختلاف ميولهم في الحبّ: أحبّه الأبطال لبطولته الفذّة التي لا يجاريه فيها بطلٌ مغوار، وأحبّه الكرام إذ كان المثل الأعلى في الأريحيّة والسخاء، وأحبّه العُبَّاد لتولّهه في العبادة وفنائه في ذات اللّه، وأحبّه أصحابه المخلصون لمثاليّته الفذّة في الخَلق والخُلق.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( جاء رجلٌ مِن الأنصار إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: يا رسول اللّه، ما استطيع فراقك، وإنّي لأدخل منزلي فأذكرك، فأترك ضَيعتي وأقبِل حتّى أنظر إليك حبّاً لك، فذكرت إذا كان يوم القيامة، وأدخلتَ الجنّة، فرُفِعت في أعلى عِليّين، فكيف لي بك يا نبيّ اللّه ؟، فنزل:( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ

_____________________

(١) البحار م ٦ في أوصاف خَلقه وشمائله.

(٢) سفينة البحار م ٢ ص ٤١٤.

٣٠٨

رَفِيقاً ) (النساء: ٦٩)

فدعا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الرجلَ فقرأها عليه وبشّره بذلك )(١).

وقال أنَس: جاء رجلٌ من أهل البادية، وكان يُعجبنا أنْ يأتي الرجل من أهل البادية يسأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: يا رسول اللّه متى قيام الساعة ؟

فحضرت الصلاة، فلمّا قضى صلاته، قال: ( أين السائل عن الساعة ؟)

قال: أنا يا رسول اللّه. قال: ( فما أعددتَ لها ؟)

قال: واللّه ما أعددت لها مِن كثير عمل صلاة ولا صوم، إلا أنّي أحبّ اللّه ورسوله.

فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( المرء مع من أحبّ ).

قال أنَس: فما رأيت المسلمين فرِحوا بعد الإسلام بشيء أشدّ مِن فرحهم بهذا(٢) .

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، قال: ( كان رجلٌ يبيع الزيت، وكان يحبّ رسول اللّه ( صلّي اللّه عليه وآله ) حبّاً شديداً، كان إذا أراد أنْ يذهب في حاجة لم يمضِ حتّى ينظر إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد عُرِف ذلك منه، فإذا جاء تطاول له حتّى ينظر إليه. حتّى إذا كان ذات يوم، دخل فتطاول له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى نظر إليه ثمّ مضى في حاجته، فلم يكن بأسرع مِن أنْ رجَع، فلمّا رآه رسول اللّه

_____________________

(١) البحار م ٦ في باب وجوب طاعته وحبّه.

(٢) البحار م ٦، باب وجوب طاعته وحبّه، عن عِلل الشرائع.

٣٠٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله قد فعل ذلك، أشار إليه بيده اجلس، فجلس بين يديه، فقال: مالك فعلت اليوم شيئاً لم تكن تفعله قبل ؟

فقال: يا رسول اللّه، والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، لغشى قلبي شيء مِن ذكرك، حتّى ما استطعت أنْ أمضي في حاجتي، رجعت إليك. فدعا له وقال له خيراً.

ثمّ مكث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيّاماً لا يراه، فلمّا فقده سأل عنه، فقيل له: يا رسول اللّه، ما رأيناه منذ أيّام. فانتعل رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانتعل معه أصحابه، فانطلق حتّى أتى سوق الزيت، فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد، فسأل عنه جيرته، فقالوا: يا رسول اللّه، مات... ولقد كان عندنا أميناً صدوقاً، إلاّ انّه قد كان فيه خصلة، قال: وما هي ؟ قالوا: كان يَزهَق ( يعنون، يتبع النساء ). فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد كان يحبّني حُبّاً، لو كان بخّاساً لغفر اللّه له )(١) .

٣ - الصلاة عليه:

قال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ( الأحزاب: ٥٦ ).

_____________________

(١) الوافي ج ٣، ص ١٤٣ - ١٤٤. الزَّهق: غشيان المحارم. والبَخس: النقص في المكيال والميزان.

٣١٠

درَج الناس على إجلال العظماء وتوقيرهم بما يستحقّونه من صور الإجلال والتوقير، تكريماً لهم وتقديراً لجهودهم ومساعيهم في سبيل أُممهم.

ومن هنا كان السلام الجمهوري والتحيّة العسكريّة فرضاً على الجنود، تبجيلاً لقادتهم وإظهاراً لإخلاصهم لهم.

فلا غرابة أنْ يكون من حقوق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على أمته - وهو سيّد الخلق وأشرفهم جميعاً - تعظيمه والصلاة عليه، عند ذكر اسمه المبارك أو سماعه، وغيرهما من مواطن الدعاء.

وقد أعرَبت الآية الكريمة عن بالغ تكريم اللّه تعالى وملائكته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ )، ثمّ وجّهَت الخطاب إلى المؤمنين بضرورة تعظيمه والصلاة والسلام عليه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ).

وجاءت نصوص أهل البيتعليهم‌السلام توضّح خصائص ورغبات الصلاة عليه، بأُسلوبٍ شيّق جذّاب.

فمِن ذلك ما جاء عن ابن أبي حمزة عن أبيه، قال: سألت أبا عبد اللّهعليه‌السلام عن قول اللّه عزَّ وجل:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) .

فقال: ( الصلاة مِن اللّه عزّ وجل رحمة، ومِن الملائكة تزكية، ومِن الناس دُعاء. وأمّا قوله عزّ وجل:( وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ، فإنّه يعني بالتسليم له فيما ورد عنه ). قال: فقلت له: فكيف نصلّي على محمّدٍ وآله ؟

قال: ( تقولون: صلوات اللّه وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع

٣١١

خلقه على محمّدٍ وآل محمّدٍ، والسلام عليه وعليهم ورحمة اللّه وبركاته ).

قال: فقلت فما ثواب من صلّى على النبيّ وآله بهذه الصلاة ؟

قال: الخروج من الذنوب، واللّه، كهيئة يومٍ ولدته أُمّه(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( من صلّى على محمٍّد وآل محمّدٍ عشراً صلّى اللّه عليه وملائكته مِئة مرّة، ومَن صلىّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ مِئة صلّى اللّه عليه وملائكته ألفاً، أما تسمع قول اللّه تعالى:( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ) (٢) ( الأحزاب: ٤٣ ).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( كلّ دعاء يُدعى اللّه تعالى به، محجوبٌ عن السماء حتّى يُصلّى على محمّدٍ وآل محمّد )(٣).

وعن احدهماعليهما‌السلام قال: ( ما في الميزان شيءٌ أثقل من الصلاة على محمّدٍ وآل محمّد، وإنّ الرجل ليوضَع أعمالَه في الميزان فيميل به، فيُخرجصلى‌الله‌عليه‌وآله ( الصلاة عليه ) فيضعها في ميزانه، فيرجح به )(٤) .

وقال الرضاعليه‌السلام : ( مَن لم يقدر على ما يُكفّر به ذنوبه، فليُكثر مِن الصلاة على محمّد وآله، فإنّها تهدِم الذنوب هَدماً )(٥).

_____________________

(١) البحار م ١٩، ص ٧٨، عن معاني الأخبار للصدوق (ره).

(٢) الوافي ج ٥، ص ٢٢٨، عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٥، ص ٢٢٧، عن الكافي.

(٤) الوافي ج ٥، ص ٢٢٨، عن الكافي.

(٥) البحار م ١٩، ص٧٦، عن عيون أخبار الرضا وأمالي الشيخ الصدوق (ره).

٣١٢

وجاء في الصواعق (ص ٨٧)، قال: ويُروى ( لا تصلّوا عليَّ الصلاة البتراء ). فقالوا: وما الصلاة البتراء ؟ قال: ( تقولون: اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وتمسكون، بل قولوا: اللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد )(١).

٤ - مودّة أهل بيته الطاهرين:

الذين فرضَ اللّه مودّتهم في كتابه، وجعلها أجر الرسالة، وحقّاً مفروضاً من حقوق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال تعالى:( قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) ( الشورى: ٢٣ ).

وقد اتّصف أهل البيتعليهم‌السلام بجميع دواعي الإعجاب والإكبار، وبواعث الحبِّ والولاء، كما وصَفهم الشاعر:

مِن معشرٍ حُبّهم دينٌ وبُغضهم

كفرٌ وقُربهم منجىً ومعتصمُ

إنْ عُدّ أهلُ التقى كانوا أئمّتهم

أو قيل مِن خيرِ أهل الأرضِ قِيل هُمُ

نَعَم هُم صفوةُ الخَلق، وحُجج العباد، وسُفن النجاة، وخير مَن أقلّته الأرض وأظلّته السماء - بعد جدّهم الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله - حسَباً ونسَباً وفضائل وأمجاداً.

وكيف يرتضي الوجدان السليم محبّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله دون أهل بيته الطاهرين، الجديرين بأصدَق مفاهيم الحبِّ والودِّ، إنّها ولا ريب

_____________________

(١) فضائل الخمسة، من الصحاح الستّة.

٣١٣

محبّةٌ زائفة تنُمّ عن نفاقٍ ولؤم، كما جاء عن عبد اللّه بن مسعود قال: كنا مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض أسفاره، إذ هتَف بنا أعرابي بصوتٍ جمهور، فقال: يا محمّدٍ. فقال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما تشاء ؟ فقال: المرء يحبّ القوم ولا يعمل بأعمالهم.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( المرء مع من أحبّ ). فقال: يا محمّد، اعرض عليَّ الإسلام. فقال: ( أشهد أنْ لا إله إلاّ اللّه، وانّي رسول اللّه، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحجّ البيت ).

فقال: يا محمّد، تأخذ على هذا أجرأ ؟ فقال: ( لا، إلاّ المودّة في القربى ).

قال: قرباي أو قرباك ؟ فقال: ( بل قرباي ). قال: هلمّ يدك حتّى أُبايعك، لا خير فيمن يودّك ولا يودّ قرباك(١).

وقد أجمع الإماميّة أنّ المراد بالقربى في الآية الكريمة، هُم الأئمّة الطاهرون مِن أهل البيتعليهم‌السلام ، ووافقهم على ذلك ثُلّة مِن أعلام غيرهم مِن المفسّرين والمحدّثين، كأحمد بن حنبل، والطبراني، والحاكم عن ابن عبّاس. كما نصّ عليه ابن حجَر، في الفصل الأوّل من الباب الحادي عشر من صواعقه، قال: لمّا نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول اللّه مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( عليّ وفاطمة وابناهما )(٢) .

_____________________

(١) البحار م ٧، ص ٣٨٩، عن مجالس الشيخ المفيد (ره).

(٢) انظر الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء، للإمام شرف الدين (ره) ص ١٨.

٣١٤

انظر، كيف يحرّض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أُمّته على مودّة قرباه وأهل بيته، كما يحدّثنا به رواة الفريقين:

فمّما ورد من طرقنا:

عن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أحبّنا أهل البيت فليحمد اللّه على أوّل النِّعَم ).

قيل: وما أوّل النعم ؟ قال: ( طيب الولادة، ولا يحبّنا إلاَّ مَن طابت ولادته )(١) .

وعن أبي جعفر الباقر عن أبيه عن جدّهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : حُبّي وحبُّ أهل بيتي نافعٌ في سبعةِ مواطن، أهوالهنّ عظيمة: عند الوفاة، وفي القبر، وعند النشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الميزان، وعند الصراط )(٢).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أنّ عبداً عبَد اللّه ألف عام، ثمّ يُذبح كما يُذبح الكبش، ثمّ أتى اللّه ببغضنا أهل البيت، لرُدّ اللّه عليه عمله )(٣).

وعن الباقرعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ( لا تزول قدَم (قدما خ ل) عبدٍ يوم القيامة مِن بين يدَيّ اللّه، حتّى يسأله عن أربع خِصال: عمرِك فيما أفنيته، وجسدِك فيما أبليته، ومالك من أين

_____________________

(١) البحار م ٧، ص ٣٨٩، عن علل اِلشرائع ومعاني الأخبار وأمالي الصدوق(ره).

(٢) البحار م ٧، ص ٣٩١، عن الخصال.

(٣) البحار م ٧، ص ٣٩٧، عن محاسن البرقي.

٣١٥

اكتسبته وأين وضعته، وعن حبنا أهل البيت )(١) .

وعن الحكم بن عتيبة، قال: بينا أنا مع أبي جعفرعليه‌السلام ، والبيت غاصٌّ بأهله، إذ أقبل شيخٌ يتوكّأ على عنزة له، حتّى وقف على باب البيت فقال: السلام عليك يابن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته، ثمّ سكت. فقال أبو جعفر: ( وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته ). ثمّ أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم، ثمّ سكت، حتّى أجابه القوم جميعاً وردّواعليه‌السلام .

ثمّ أقبل بوجهه على أبي جعفرعليه‌السلام ، ثمّ قال: يابن رسول اللّه، أدنني منك، جعلني اللّه فداك، فو اللّه إنّي لأحبّكم وأحبُّ مَن يحبّكم، وواللّه ما أحبّكم وما أحبّ مَن يحبّكم لطمعٍ في دنيا. وإنّي لأبغض عدوّكم وأبرأ منه، وواللّه ما أبغضه وأبرأ منه لوترٍ كان بيني وبينه. واللّه إنّي لأُحلّ حلالكم، وأُحرّم حرامكم، وأنتظر أمركم. فهل ترجو لي، جعلني اللّه فِداك ؟!

فقال أبو جعفرعليه‌السلام : ( إليّ... إليّ )، حتّى أقعَده إلى جنبه.

ثمّ قال: ( أيّها الشيخ، إنّ أبي عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، أتاه رجلٌ فسأله عن مثل الذي سألتني عنه، فقال له أبي: إنْ تمُت ترِد على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسينعليهم‌السلام ، ويثلج قلبُك، ويبرد فؤادُك، وتقرّ عينيك، وتستقبل بالرَّوح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسك هاهنا - وأهوى بيده إلى حلقه - وإنْ تعش ترَ ما يقرُّ اللّه به عينك، وتكون معنا في السنام

_____________________

(١) البحار م ٧، ص ٣٨٩، عن مجالس الشيخ المفيد.

٣١٦

الأعلى ) - الخ(١).

وممّا جاء مِن طُرق إخواننا:

وأخرج ابن حنبل والترمذي، كما في الصواعق ص ٩١: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ بيد الحسنَين، وقال: ( مَن أحبّني، وأحبَّ هذين وأباهما وأُمّهما، كان معي في درجتي يوم القيامة )(٢).

وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير، قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( ألا مَن مات على حبِّ آل محمّدٍ مات شهيداً، ألا ومَن مات على حبِّ آل محمّدٍ مات مغفوراً له، ألا ومَن مات على حبّ آل محمّدٍ مات تائباً، ألا ومَن مات على حبِّ آل محمّدٍ مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حبِّ آل محمّدٍ بشّره ملَك الموت بالجنّة، ثمّ منكر ونكير، ألا ومات على حبِّ آل محمّدٍ يُزَفُّ إلى الجنّة كما تُزفّ العروس إلى بيت زوجها، ألا ومِن مات على حبّ آل محمّدٍ فُتِح له في قبره بابان إلى الجنّة، ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة، ألا ومن مات على بُغض آل محمّدٍ جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيسٌ مِن رحمة اللّه ) - الحديث(٣).

وأورد ابن حجَر ص ١٠٣ من صواعقه حديثاً، هذا نصّه:

_____________________

(١) الوافي ج ٣، ص ١٣٩، عن الكافي.

(٢) الفصول المهمّة للإمام شرف الدين، ص ٤١.

(٣) الفصول المهمّة للإمام شرف الدين، ص ٤٢.

٣١٧

إنّ النبيّ خرَج على أصحابه ذات يوم، ووجهه مشرقٌ كدائرة القمر. فسأله عبد الرحمان بن عوف عن ذلك، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( بشارةٌ أتتني من ربّي في أخي وابن عمّي وابنتي، بأنّ زوِّج عليّاً من فاطمة، وأمَر رَضوان خازن الجِنان فهزّ شجرة طوبى، فحملت رِقاقاً ( يعني صكاكاً ) بعدد مُحبّي أهل بيتي، وأنشأ تحتها ملائكةً مِن نور، دفع إلى كلّ ملَك صكّاً، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق، فلا يبقى محبٌّ لأهل البيت إلاّ دفعت إليه صكّاً فيه فكاكه مِن النار، فصار أخي وابن عمّي وابنتي فِكاك رِقاب رجالٍ ونِساءٍ من أُمّتي مِن النار )(١).

وجاء في مستدرك الصحيحين ج ٣، ١٢٧، عن ابن عبّاس قال: نظر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّعليه‌السلام فقال: ( يا عليّ، أنت سيّدٌ في الدنيا وسيّدٌ في الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب اللّه، وعدوّك عدوّي، وعدوّي عدوّ اللّه، والويل لِمَن أبغضك بعدي )(٢).

وأخرج الحافظ الطبري، في كتاب الولاية، بإسناده عن عليّعليه‌السلام أنّه قال: ( لا يحبّني ثلاثة: ولدُ زنا، ومنافق، ورجلٌ حمَلت به أُمّه في بعض حيضها )(٣).

وأخرج الطبراني في الأوسط، والسيوطي في إحياء الميّت، وابن حجَر في صواعقه في باب الحثّ على حبّهم:

_____________________

(١) الفصول المهمّة، للإمام شرف الدين، ص ٤٣.

(٢) فضائل الخمسة، من الصحاح الستّة ج ١، ص ٢٠٠.

(٣) الغدير ج ٤، ص ٣٢٢.

٣١٨

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الزموا مودّتنا أهل البيت، فإنّه مَن لقيَ اللّه وهو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفة حقّنا )(١) إلى كثير من النصوص التي يطول عرضها في هذا المختصر.

ولا ريب أنّ المراد بأهل البيتعليهم‌السلام ، هُم الأئمّة الاثنا عشر المعصومون صلوات اللّه عليهم، دون سواهم ؛ لأنّ هذه الخصائص الجليلة، والمزايا الفذّة، لا يستحقّها إلاّ حُججُ اللّه تعالى على العباد، وخلفاء رسوله الميامين.

_____________________

(١) المراجعات، للإمام شرف الدين، ص ٢٢.

٣١٩

حقوق الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام

فضلهم:

لقد حاز الأئمّة الطاهرون من أهل البيتعليهم‌السلام السبق في ميادين الفضل والكمال، ونالوا الشرف الأرفع في الأحساب والأنساب. فهم آل رسول اللّه وأبناؤه، نشأوا في ربوع الوصي، وترعرعوا في كنَف الرسالة، واستلهموا حقائق الإسلام ومبادئه عن جدّهم الأعظم، فكانوا ورَثه علمه، وخزّان حكمته، وحماة شريعته الغرّاء، وخُلفاءه الميامين.

وقد جاهدوا في نصرة الدين وحماية المسلمين، جهاداً منقطع النظير، وفدوا أنفسهم في سبيل اللّه تعالى، حتّى استشهدوا في سبيل العقيدة والمبدأ، لا تأخذهم في اللّه لومةُ لائم، ولا تخدعهم زخارف الحياة.

وكم لهم مِن أيادٍ وحقوق على المسلمين، ينوء القلم بشرحها وتعدادها. بيد أنّي أُشير إليها إشارةً خاطفة، وهي:

١ - معرفتهم:

كما جاء في الحديث المتواتر بين الفريقين، وفي الصحاح المعتبرة، قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

٣٢٠