أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت11%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 333366 / تحميل: 11880
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، وخمسين مرّة قل هو الله احد.

وصلاة فاطمة،عليها‌السلام ، ركعتان: يقرأ في الأولى منهما الحمد مرّة واحدة، وإنا أنزلناه مائة مرّة، وفي الثّانية الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وصلاة جعفر أربع ركعات بثلاثمائة مرّة « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر »: يبتدئ الصّلاة، فيقرأ الحمد ويقرأ في الأولى منهما إذا زلزلت. فإذا فرغ منها، سبّح خمس عشرة مرة، ثمَّ ليركع، ويقول ذلك عشرا. فإذا رفع رأسه، قاله عشرا. فإذا سجد، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود، قاله عشرا. فإذا سجد الثّانية، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود ثانيا، قاله عشرا. فهذه خمس وسبعون مرّة. ثمَّ لينهض إلى الثّانية، وليصلّ أربع ركعات على هذا الوصف، ويقرأ في الثّانية و « العاديات »، وفي الثّالثة إذا جاء نصر الله، وفي الرّابعة قل هو الله أحد ويقول في آخر سجدة منه « يا من لبس العزّ والوقار » إلى آخر الدّعاء.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم الغدير إذا بقي إلى الزّوال نصف ساعة بعد أن يغتسل ركعتين: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة، وقل هو الله أحد عشر مرّات وآية الكرسيّ

١٤١

عشر مرّات، وإنا أنزلناه عشر مرّات. فإذا سلّم، دعا بعدهما بالدعاء المعروف.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم المبعث، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب، اثنتي عشرة ركعة: يقرأ في كل واحدة منهما « الحمد ويس ». فان لم يتمكّن، قرأ ما سهل عليه من السّور. فإذا فرغ منها، جلس في مكانه، وقرأ أربع مرّات سورة الحمد، وقُلْ هو اللهُ أَحد مثل ذلك، والمعوذّتين، كلّ واحدة منهما أربع مرّات. ثمَّ يقول: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر » أربع مرّات، ويقول: « الله الله لا أشرك به شيئا » أربع مرّات.

ويستحبّ أن يصلّي ليلة النّصف من شعبان أربع ركعات: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وإذا أراد الإنسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه، يستحبّ له أن يصلّي ركعتين: يقرأ فيهما ما شاء من السّور، ويقنت في الثّانية. فإذا سلّم: دعا بما أراد، ثمَّ ليسجد وليستخر الله في سجوده مائة مرّة، يقول: « أستخير الله في جميع أموري »، ثمَّ يمضي في حاجته.

وإذا غرض للإنسان حاجة، فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، ثمَّ ليبرز تحت السّماء في يوم الجمعة وليصلّ

١٤٢

ركعتين، يقرأ فيهما بعد الحمد مأتي مرّة وعشر مرّات قل هو الله أحد على ترتيب صلاة التّسبيح، إلّا أنه يجعل بدل التّسبيح في صلاة جعفر، خمس عشرة مرّة قل هو الله أحد في الرّكوع والسّجود وفي جميع الأحوال. فإذا فرغ منها سأل الله حاجته.

وإذا قضيت حاجته، فليصلّ ركعتين شكرا لله تعالى: يقرأ فيهما الحمد وإِنا أَنزلناه أو سورة قُلْ هو اللهُ أَحد، ثمَّ ليشكر الله تعالى على ما أنعم في حال السّجود والرّكوع وبعد التّسليم، إن شاء الله.

باب الصلاة على الموتى

الصّلاة على الأموات فريضة. وفرضه على الكفاية، إذا قام به البعض، سقط عن الباقين. ولا يختلف الحكم في ذلك، سواء كان الميّت رجلا أو امرأة، حرّا أو عبدا، إذا كان له ستّ سنين فصاعدا، وكان على ظاهر الإسلام. فإن نقص سنّه عن ستّ سنين، لم تجب الصّلاة عليه، بل يصلّى عليه استحبابا وتقيّة.

وإذا حضر القوم للصّلاة عليه، فليتقدّم أولى النّاس به، أو من يأمره الوليّ بذلك. وإن حضر الإمام العادل، كان أولى بالصّلاة عليه. وإن حضر رجل من بني هاشم معتقد للحقّ،

١٤٣

كان أيضا أولى بالصّلاة عليه، إذا قدّمه الولي. ويستحب له تقديمه. فإن لم يفعل، فليس له أن يتقدّم للصّلاة عليه. والزّوج أحقّ بالصّلاة على المرأة من أخيها وأبيها.

وإذا كانوا جماعة، فليتقدّم الإمام ويقف الباقون خلفه صفوفا أو صفا واحدا. وإن كان فيهم نساء، فليقفن آخر الصّفوف، فلا يختلطن بالرّجال. فإن كان فيهنّ حائض، فلتقف وحدها في صفّ بارزة عنهن وعنهم. وإن كان من يصلّي على الميّت نفسين، فليتقدّم واحد ويقف الآخر خلفه سواء، ولا يقف على جنبه.

وينبغي أن يقف الإمام من الجنازة، إن كانت لرجل، عند وسطها، وان كانت لامرأة، عند صدرها. وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة فلتقدّم المرأة إلى القبلة، ويجعل الرّجل ممّا يليها، ويقف الإمام عند الرّجل. وان كان رجل وامرأة وصبي، فليقدّم الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ الرّجل. وإن كان معهم عبد فليقدّم أوّلا الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ العبد، ثمَّ الرّجل، ويقف الإمام عند الرّجل ويصلّي عليهم صلاة واحدة. وكذلك الحكم، إن زادوا في العدد على ما ذكرناه، ويكون على هذا ترتيبهم.

وينبغي أن يكون بين الإمام وبين الجنازة شي‌ء يسير، ولا يبعد منها. وليتحفّ عند الصّلاة عليه، ان كان عليه نعلان.

١٤٤

فإن لم يكن عليه نعل، أو كان عليه خفّ، فلا بأس أن يصلّي كذلك.

ثمَّ يرفع الإمام يده بالتّكبير، ويكبّر خمس تكبيرات، يرفع يده في أوّل تكبيرة منها حسب، ولا يرفع فيما عداها. هذا هو الأفضل. فإن رفع يده في التّكبيرات كلّها، لم يكن به بأس. وإذا كبّر الأولة، فليشهد: أن لا إله إلّا الله. وأنّ محمدا رسول الله، ثمَّ يكبّر الثّانية ويصلّي على النّبي وآله، ثمَّ يكبّر الثّالثة ويدعوا للمؤمنين، ثمَّ يكبّر الرّابعة ويدعوا للميّت إن كان مؤمنا.

فإن لم يكن كذلك، وكان ناصبا معلنا بذلك، لعنه في صلاته، وتبرّأ منه. وإن كان مستضعفا فليقل: ربنا اغفر( لِلَّذِينَ تابُوا ) إلى آخر الآية. وإن كان ممّن لا يعرف مذهبه، فليدع الله أن يحشره مع من كان يتولّاه. وإن كان طفلا فليسأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا. فإذا فرغ من ذلك، كبّر الخامسة.

ولا يبرح من مكانه حتّى ترفع الجنازة، فيراها على أيدي الرّجال، ومن فاته شي‌ء من التّكبيرات، فليتمّه عند فراغ الإمام من الصّلاة متتابعة. فإن رفعت الجنازة، كبّر عليها، وان كانت مرفوعة. وإن كانت قد بلغت إلى القبر، كبّر على القبر ما بقي له، وقد أجزأه. ومن كبّر تكبيرة قبل

١٤٥

الإمام، فليعدها مع الإمام.

ومن فاتته الصّلاة على الجنازة، فلا بأس أن يصلّي على القبر بعد الدّفن يوما وليلة. فإن زاد على ذلك، لم يجز الصّلاة عليه. ويكره أن يصلّي على جنازة واحدة مرّتين.

ولا بأس أن يصلّى على الجنازة أيّ وقت كان من ليل أو نهار، ما لم يكن وقت فريضة. فإن كان وقت فريضة، بدئ بالفرض ثمَّ بالصّلاة على الميّت، اللهمّ إلّا أن يكون الميّت مبطونا أو ما أشبه ذلك ممّن يخاف عليه الحوادث، فإنّه يبدأ بالصّلاة عليه، ثمَّ بصلاة الفريضة.

ولا بأس بالصّلاة على الجنائز في المساجد. وإن صلّي عليها في مواضعها المختصّة بذلك، كان أفضل. ومتى صلّي على جنازة، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّها كانت مقلوبة، سوّيت، وأعيد عليها الصّلاة، ما لم يدفن. فإن دفن، فقد مضت الصّلاة.

والأفضل أن لا يصلّي الإنسان على الجنازة إلّا على طهر. فإن فاجأته جنازة، ولم يكن على طهارة، تيمّم، وصلّى عليها. فإن لم يمكنه، صلّى عليها بغير طهر. وكذلك الحكم في من كان جنبا، والمرأة إذا كانت حائضا، فإنّه لا بأس أن يصليا عليه من غير اغتسال. فإن تمكّنا من الاغتسال، اغتسلا، فإنّ ذلك أفضل.

وإذا كبّر الإمام على الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين،

١٤٦

وأحضرت جنازة أخرى، فهو مخيّر بين أن يتمّ خمس تكبيرات على الجنازة الأولى، ثمَّ يستأنف الصّلاة على الأخرى، وبين أن يكبّر خمس تكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه، وقد أجزأه ذلك عن الصّلاة عليهما.

فإذا حضر جماعة من النساء للصّلاة على الميّت، ليس فيهنّ رجل، فلتقف واحدة منهنّ في الوسط، والباقيات عن يمينها وشمالها ويصلّين عليها. وكذلك إذا صلّوا جماعة عراة على الجنازة، فلا يتقدّم منهم أحد، بل يقف في الوسط، ويكبّر، ويكبّر الباقون معه. فإن كان الميّت عريانا، ترك في القبر أوّلا، وغطّى سوأته، ثمَّ صلّي عليه بعد ذلك، ودفن.

١٤٧

كتاب الصيام

باب ماهية الصوم ومن يجب عليه ذلك ومن لا يجب عليه

الصوم في اللغة هو الإمساك، وهو في الشّريعة كذلك، إلا أنّه إمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص.

والّذي يقع الإمساك عنه على ضربين: ضرب يجب الإمساك عنه، والآخر الأولى الإمساك عنه.

والذي يجب الإمساك عنه على ضربين: ضرب منهما متى لم يمسك الإنسان عنه، بطل صومه. والقسم الآخر متى لم يمسك عنه، كان مأثوما، وإن لم يبطل ذلك صومه.

فأما الذي يجب الإمساك عنه ممّا يبطل الصّوم بفعله. فهو الأكل والشّرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله وازدراد كلّ شي‌ء يفسد الصّيام والحقنة والقي‌ء على طريق العمد.

وأمّا الذي يجب الإمساك عنه، وإن لم يبطل الصّوم بفعله فهو النّظر إلى ما لا يجوز النظر اليه، والإصغاء إلى ما لا يحلّ

١٤٨

الإصغاء إليه من الغناء وقول الفحش، والكلام بما لا يسوغ التّكلّم به، ولمس ما لا يحلّ ملامسته، والمشي إلى المواضع المنهيّ عنها.

والذي الأولى الإمساك عنه، فالتّحاسد والتّنازع والمماراة وإنشاد الشعر، وما يجري مجرى ذلك ممّا نذكره من بعد في باب ما يفسد الصّيام وما لا يفسده.

والصّوم على ضربين: مفروض ومسنون.

فالمفروض على ضربين: ضرب يجب على كافّة المكلّفين مع التمكّن منه بالإطلاق. والضّرب الآخر يجب على من حصل فيه سبب وجوبه.

فالقسم الأوّل هو صوم شهر رمضان. فإنّه يلزم صيامه لسائر المكلّفين من الرّجال والنّساء والعبيد والأحرار، ويسقط فرضه عمّن ليس بكامل العقل من الصّبيان وغيرهما. ويستحبّ ان يؤخذ الصّبيان بالصّيام إذا أطافوه، وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجبا عليهم. ويسقط فرض الصّيام عن العاجز عنه بمرض أو كبر أو ما يجري مجراهما ممّا سنبيّنه فيما بعد، إن شاء الله.

والذين يجب عليهم الصّيام على ضربين: منهم من إذا لم يصم متعمّدا، وجب عليه القضاء والكفّارة أو القضاء. ومنهم من لا يجب عليه ذلك. فالذين يجب عليهم ذلك، كل من

١٤٩

كان ظاهره ظاهر الإسلام. والذين لا يجب عليهم، هم الكفّار من سائر أصناف من خالف الإسلام. فإنه وإن كان الصّوم واجبا عليهم، فإنّما يجب بشرط الإسلام. فمتى يصوموه، لم يلزمهم. القضاء ولا الكفّارة.

والقسم الثّاني مثل صوم النّذور والكفّارات وما يجري مجراهما ونحن نبيّن كلّ ذلك في أبوابه، إن شاء الله.

باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ووقت فرض الصوم ووقت الإفطار

علامة الشّهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع. فمتى رأيت الهلال في استقبال شهر رمضان، فصم بنيّة الفرض من الغد. فإن لم تره لتركك التّراءي له، ورؤي في البلد رؤية شائعة، وجب أيضا عليك الصّوم. فإن كان في السّماء علة، ولم يره جميع أهل البلد، ورآه خمسون نفسا، وجب أيضا الصّوم. ولا يجب الصّوم إذا رآه واحد أو اثنان، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السّماء علة، ولم ير في البلد الهلال أصلا، ورآه خارج البلد شاهدان عدلان، وجب أيضا الصّوم. وإن لم

١٥٠

يكن هناك علة، وطلب فلم ير الهلال، لم يجب الصّوم إلّا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنّهم رأوه.

ومتى لم ير الهلال في البلد، ولم يجي‌ء من الخارج من يخبر برؤيته، عددت من الشّهر الماضي ثلاثين يوما، وصمت بعد ذلك بنية الفرض. فان ثبت بعد ذلك بيّنة عادلة أنّه كان قد رئي الهلال قبله بيوم، قضيت يوما بدله.

والأفضل أن يصوم الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان. فان قامت له البيّنة بعد ذلك أنّه كان من رمضان، فقد وفّق له، وأجزأ عنه، ولم يكن عليه قضاء. وإن لم يصمه، فليس عليه شي‌ء. ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه، ولا أن يصومه وهو شاك فيه لا ينوي به صيام يوم من شعبان. فان صام على هذا الوجه، ثمَّ انكشف له أنّه كان من شهر رمضان، لم يجزئ عنه، وكان عليه القضاء.

والنيّة واجبة في الصّيام. ويكفي في نيّة صيام الشّهر كلّه أن ينوي في أوّل الشّهر، ويعزم على أن يصوم الشّهر كلّه. وإن جدّد النيّة في كلّ يوم على الاستيناف، كان أفضل. فإن لم يفعلها، لم يكن عليه شي‌ء. وإن نسي أن يعزم على الصّوم في أوّل الشّهر، وذكر في بعض النّهار، جدّد النّيّة، وقد أجزأه. فان لم يذكرها، وكان من عزمه قبل

١٥١

حضور الشّهر صيام الشّهر إذا حضر، فقد أجزأه أيضا. فإن لم يكن ذلك في عزمه، وجب عليه القضاء.

وإذا صام الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان، ثمَّ علم بعد ذلك أنّه كان من شهر رمضان، فقد أجزأه. وكذلك إن كان في موضع لا طريق له إلى العلم بالشهر، فتوخّى شهرا فصامه، فوافق ذلك شهر رمضان، أو كان بعده، فقد أجزأه عن الفرض. وان انكشف له أنّه كان قد صام قبل شهر رمضان، وجب عليه استيناف الصّوم وقضاؤه.

وإذا نوى الإنسان الإفطار يوم الشّكّ، ثمَّ علم أنّه يوم من شهر رمضان، جدّد النّيّة ما بينه وبين الزّوال، وقد أجزأه، إذا لم يكن قد فعل ما يفسد الصّيام. وإن كان تناول ما يفسد الصّيام، أمسك بقيّة النّهار، وكان عليه القضاء. وإن لم يعلم الا بعد زوال الشمس، أمسك بقيّة النّهار عمّا يفسد الصّيام، وكان عليه قضاء ذلك اليوم.

والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطّعام والشّراب، هو طلوع الفجر المعترض الذي يجب عنده الصّلاة، وقد بيّناه فيما مضى من الكتاب ومحلّل الأكل والشّرب إلى ذلك الوقت. فأما الجماع، فإنه محلّل إلى قبل ذلك بمقدار ما يتمكّن الإنسان من الاغتسال. فإن غلب على ظنّه، وخشي أن يلحقه الفجر قبل الغسل، لم يحلّ له ذلك.

١٥٢

ووقت الإفطار سقوط القرص. وعلامته ما قدّمناه من زوال الحمرة من جانب المشرق، وهو الوقت الذي يجب فيه الصّلاة. والأفضل أن لا يفطر الإنسان إلا بعد صلاة المغرب. فإن لم يستطع الصّبر على ذلك، صلّى الفرض، وأفطر، ثمَّ عاد، فصلّى نوافله. فإن لم يمكنه ذلك، أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه، قدّم الإفطار. فإذا فرغ منه، قام إلى الصّلاة، فصلّى المغرب.

باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسده والفرق بين ما يلزم بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة

الذي على الصّائم اجتنابه على ضربين: ضرب يفسد الصّيام وضرب لا يفسده بل ينقضه. والذي يفسده على ضربين: ضرب منهما يجب منه القضاء والكفّارة، والضّرب الآخر يجب منه القضاء دون الكفّارة.

فأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، فالأكل، والشّرب، وازدراد كلّ شي‌ء يقصد به إفساد الصّيام والجماع، والإمناء على جميع الوجوه، إذا كان عند ملاعبة أو ملامسة، وان لم يكن هناك جماع. والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّةعليهم‌السلام ، متعمّدا مع الاعتقاد لكونه

١٥٣

كذبا، وشمّ الرائحة الغليظة التي تصل إلى الحلق، والارتماس في الماء، والمقام على الجنابة والاحتلام باللّيل متعمّدا إلى طلوع الفجر. وكذلك، من أصابته جنابة، ونام من غير اغتسال، ثمَّ انتبه، ثمَّ نام، ثمَّ انتبه ثانيا، ثمَّ نام إلى طلوع الفجر. فهذه الأشياء كلّها تفسد الصّيام، ويجب منها القضاء والكفّارة.

والكفّارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم. أيّ ذلك فعل، فقد أجزأه. فإن لم يتمكّن، فليتصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يتمكّن من الصّدقة، صام ثمانية عشر يوما. فإن لم يقدر، صام ما تمكّن منه. فإن لم يستطع، قضا ذلك اليوم، وليستغفر الله تعالى، وليس عليه شي‌ء. ومتى وطئ الرّجل امرأته نهارا في شهر رمضان، كان عليها أيضا القضاء والكفّارة، إن كانت طاوعته على ذلك. وإن كان أكرهها، لم يكن عليها شي‌ء، وكان عليه كفّارتان.

وأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء دون الكفّارة، فمن أجنب في أوّل اللّيل، ونام، ثمَّ انتبه، ولم يغتسل، فنام ثانيا، واستمرّ به النّوم الى طلوع الفجر، كان عليه القضاء، وصيام ذلك اليوم، وليس عليه كفّارة. ومن تمضمض للتبرّد دون الطّهارة، فدخل الماء حلقه، وجب عليه

١٥٤

القضاء دون الكفّارة. وكذلك من تقيّأ متعمّدا، وجب عليه القضاء دون الكفّارة. فإن ذرعه القي‌ء، لم يكن عليه شي‌ء. وليبصق بما يحصل في فيه. فإن بلعه، كان عليه القضاء.

ومن أكل أو شرب عند طلوع الفجر من غير أن يرصده، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، كان عليه القضاء. فإن رصده ولم يتبيّنه لم يكن عليه شي‌ء. فإن بدأ بالأكل، فقيل له: قد طلع الفجر، فلم يمتنع، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء. ومن قلّد غيره في أنّ الفجر لم يطلع، ثمَّ تبيّن أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء.

ومن شكّ في دخول اللّيل لوجود عارض في السّماء، ولم يعلم بدخول الليل، ولا غلب على ظنّه ذلك، فأفطر، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان نهارا، كان عليه القضاء. فإن كان قد غلب على ظنّه دخول اللّيل، ثمَّ تبيّن أنّه كان نهارا، لم يكن عليه شي‌ء.

وجميع ما قدّمناه ممّا يفسد الصّيام، ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، أو القضاء وحده، متى فعله الإنسان ناسيا وساهيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومتى فعله متعمّدا، وجب عليه ما قدّمناه، وكان على الإمام أن يعزّره بحسب ما يراه. فإن تعمّد الإفطار ثلاث مرّات، يرفع فيها إلى الإمام: فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه، قتله الإمام في الثّالثة والرّابعة. وإن لم

١٥٥

يكن عالما، لم يكن عليه شي‌ء.

ويكره للصّائم الكحل إذا كان فيه مسك. وإن لم يكن فيه ذلك، لم يكن به بأس.

ولا بأس للصّائم أن يحتجم ويفتصد، إذا احتاج إلى ذلك، ما لم يخف الضّعف. فإن خاف، كره له ذلك، إلّا عند الضّرورة اليه.

ويكره له تقطير الدّهن في أذنه إلّا عند الحاجة اليه، ويكره له أن يبلّ الثّوب على جسده. ولا بأس أن يستنقع في الماء الى عنقه، ولا يرتمس فيه حسب ما قدّمناه. ويكره ذلك للنّساء. ويكره للصّائم السّعوط. وكذلك الحقنة بالجامدات. ولا يجوز له الاحتقان بالمائعات. ويكره له دخول الحمّام إذا خاف الضّعف. فإن لم يخف، فليس به بأس.

ولا بأس بالسّواك للصّائم بالرّطب منه واليابس. فان كان يابسا، فلا بأس أن يبلّه أيضا بالماء. وليحفظ نفسه من ابتلاع ما حصل في فيه من رطوبته. ويكره له شمّ النّرجس وغيره من الرّياحين. وليس كراهية شمّ النّرجس مثل الرّياحين بل هي آكد. ولا بأس أن يدّهن بالأدهان الطيّبة وغير الطيّبة. ويكره له شمّ المسك وما يجري مجراه.

ويكره للصّائم أيضا القبلة، وكذلك مباشرة النّساء وملاعبتهنّ. فإن باشرهنّ بما دون الجماع أو لاعبهن بشهوة،

١٥٦

فأمذى، لم يكن عليه شي‌ء. فإن أمنى، كان عليه ما على المجامع. فإن أمنى من غير ملامسة لسماع كلام أو نظر، لم يكن عليه شي‌ء. ولا يعود إلى ذلك.

ولا بأس للصّائم أن يزقّ الطّائر، والطّباخ أن يذوق المرق، والمرأة أن تمضغ الطّعام للصّبي ولا تبلغ شيئا من ذلك. ولا يجوز للصائم مضغ العلك. ولا بأس ان يمص الخاتم والخرز وما أشبههما.

باب حكم المريض والعاجز عن الصيام

المريض الذي لا يقدر على الصّيام أو يضرّ به، يجب عليه الإفطار، ولا يجزي عنه إن صامه، وكان عليه القضاء إذا برأ منه. فإن أفطر في أوّل النّهار، ثمَّ صحّ فيما بقي منه، أمسك تأديبا، وكان عليه القضاء.

فإن لم يصحّ المريض، ومات من مرضه الذي أفطر فيه، يستحبّ لولده الأكبر من الذّكور أن يقضي عنه ما فاته من الصّيام. وليس ذلك بواجب عليه. فإن برأ من مرضه ذلك، ولم يقض ما فاته، ثمَّ مات، وجب على وليّه القضاء عنه. وكذلك إن كان قد فاته شي‌ء من الصّيام في السفر، ثمَّ مات قبل أن يقضي، وكان متمكّنا من القضاء، وجب على وليّه أن يصوم عنه.

١٥٧

فإن فات المريض صوم شهر رمضان، واستمرّ به المرض إلى رمضان آخر، ولم يصحّ فيما بينهما، صام الحاضر، وتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدين من طعام. فإن لم يمكنه فبمد منه. فان لم يتمكّن، لم يكن عليه شي‌ء، وليس عليه قضاء. فإن صحّ فيما بين الرّمضانين، ولم يقض ما عليه، وكان في عزمه القضاء قبل الرّمضان الثّاني، ثمَّ مرض، صام الثّاني، وقضى الأوّل، وليس عليه كفّارة. فإن أخّر قضاءه بعد الصحّة توانيا، وجب عليه أن يصوم الثّاني، ويتصدّق عن الأوّل ويقضيه أيضا بعد ذلك. وحكم ما زاد على الرّمضانين حكم رمضانين على السّواء. وكذلك لا يختلف الحكم في أن يكون الذي فاته الشّهر كلّه أو بعضه، بل الحكم فيه سواء.

والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين، ثمَّ مات، تصدّق عنه عن شهر، ويقضي عنه وليّه شهرا آخر.

والمرأة أيضا، حكمها حكم ما ذكرناه، في أنّ ما يفوتها من الصّيام بمرض أو طمث، لا يجب على أحد القضاء عنها، إلا أن تكون قد تمكّنت من القضاء، فلم تقضه، فإنّه يجب القضاء عنها. ويجب أيضا القضاء عنها ما يفوتها بالسّفر حسب ما قدّمناه في حكم الرّجال.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإفطار، إذا علم الإنسان من

١٥٨

نفسه: أنه إن صام، زاد ذلك في مرضه، أو أضرّ به. وسواء الحكم أن يكون المرض في الجسم، أو يكون رمدا، أو وجع الأضراس. فإن عند جميع ذلك يجب الإفطار مع الخوف من الضّرر.

والشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة، إذا عجزا عن الصّيام، أفطرا وتصدّقا عن كل يوم بمدّين من طعام. فإن لم يقدرا عليه فبمدّ منه. وكذلك الحكم فيمن يلحقه العطاش ولا يقدر معه على الصّوم. وليس على واحد منهم القضاء. والحامل المقرب والمرضع القليلة اللّبن لا بأس أن تفطرا، إذا أضرّ بهما الصّوم وتتصدّقا عن كلّ يوم وتقضيا ذلك اليوم فيما بعد.

وكلّ هؤلاء الذين ذكرنا: أنه يجوز لهم الإفطار، فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام، ولا أن يشربوا ريّا من الشراب، ولا يجوز لهم أن يواقعوا النّساء.

باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله والحائض إذا طهرت والمريض إذا برأ

من أسلم في شهر رمضان، وقد مضت منه أيّام، فليس عليه قضاء شي‌ء ممّا فاته من الصّيام، وعليه صيام ما يستأنف من الأيام. وحكم اليوم الذي يسلم فيه، إن أسلم قبل طلوع الفجر، كان عليه صيام ذلك اليوم. فإن لم يصمه. كان عليه

١٥٩

القضاء. وإذا أسلم بعد طلوع الفجر، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم، وكان عليه أن يمسك تأديبا إلى آخر النّهار.

وحكم من بلغ في شهر رمضان أيضا ذلك الحكم في أنّه يجب عليه صيام ما بقي من الأيام بعد بلوغه، وليس عليه قضاء ما قد مضى ممّا لم يكن بالغا فيه.

والمسافر إذا قدم أهله، وكان قد أفطر، فعليه أن يمسك بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليه القضاء. فإن لم يكن قد فعل شيئا ينقض الصّوم، وجب عليه الإمساك، ولم يكن عليه القضاء. فإن طلع الفجر، وهو بعد خارج البلد، كان مخيّرا بين الإمساك ممّا ينقض الصّوم، ويدخل بلده، فيتمّ صومه ذلك اليوم، وبين أن يفطر، فإذا دخل إلى بلده، أمسك بقيّة نهاره تأديبا، ثمَّ قضاه حسب ما قدّمناه. والأفضل، إذا علم أنّه يصل إلى بلده، أن يمسك عمّا ينقض الصّيام. فإذا دخل الى بلده، تمّم صومه، ولم يكن عليه قضاء.

والحائض، إذا طهرت في وسط النّهار، أمسكت بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليها القضاء، سواء كانت أفطرت قبل ذلك، أو لم تفطر. ويجب عليها قضاء ما فاتها من الصّيام في أيّام حيضها.

والمريض، إذا برأ من مرضه في وسط النّهار، أو قدر على الصّوم، وكان قد تناول ما يفسد الصّوم، كان عليه الإمساك

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

( مَن مات ولم يعرف إمام زمانه ماتَ ميتةً جاهليّة )(١).

الإمام هو خليفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وممثله في أُمّته، يبلغها عنه أحكام الشريعة، ويسعى جاهداً في تنظيم حياتها، وتوفير سعادتها، وإعلاء مجدها. وحيث كان الإمام كذلك، وجَب على كلّ مسلم معرفته، كما صرّح بذلك الحديث الشريف، ليكون على بصيرةٍ مِن عقيدته وشريعته، وليسير على ضوء توجيهه وهداه.

فإذا أغفل المسلم معرفة إمامه، ولم يستهد به، وهو الدليل المُخلص، والرائد الأمين، ضلّ عن نهج الإسلام وواقعه، ومات كافراً منافقاً.

وقد أشعر الحديث بضرورة وجود الإمام ووجوب معرفته مدى الحياة ؛ لأنّ إضافة الإمام إلى الزمان تستلزم استمراريّة الإمامة، وتجدّدها عبر الأزمنة والعصور.

وهكذا توالت الأحاديث النبويّة، المتواترة بين الفريقين، والمؤكّدة على ضرورة معرفة الأئمّة الطاهرين، والاهتداء بهم، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( في كلٍّ خلف مِن أُمّتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين، وانتحال المُبطلين، وتأويل الجاهلين. ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى اللّه، فانظروا مَن توفدون )(٢).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ( كما جاء في صحيح مسلم ):

_____________________

(١) انظر مصادر الحديث ورواته في الغدير، للحجّة الأميني ج ١٠ ص ٣٥٩ - ٣٦٠.

(٢) المراجعات، ص ٢١.

٣٢١

( لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش ).

وهذا الحديث شاهدٌ على وجود الإمامة حتّى قيام الساعة، وقصرها على الأئمّة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام ، دون غيرهم من ملوك الأمويين والعباسيين لزيادتهم عن هذا العدد.

٢ - موالاتهم:

معرفة الإمام لا تجدي نفعاً، ولا تحقّق الأماني والآمال المعقودة عليه، إلاّ إذا اقترنت بولائه، والسير على هداه. ومتى تجرّدت المعرفة مِن ذلك غدت هزيلةً جوفاء.

ذلك أنّ الإمام هو خليفة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحامل لواء الإسلام، ورائد المسلمين نحو المثل الإسلاميّة العليا، يبيّن لهم حقائق الشريعة، ويجلو أحكامها، ويصونها من كيد المُلحدين ودسّهم، ويعمل جاهداً في حماية المسلمين، ونصرهم، وإسعادهم ماديّاً وروحيّاً، ديناً ودُنياً.

من أجل ذلك كان التخلّف عن موالاة الإمام والاهتداء به، مَدعاةً للزيغ والضلال، والانحراف عن خطّ الإسلام ونهجه المرسوم. كما نوّه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك، وأوضح للمسلمين أنّ الهدى والفوز في ولاء الأئمة الطاهرين من أهل البيتعليهم‌السلام ، وأنّ الضلال والشقاء في مجافاتهم ومخالفتهم.

٣٢٢

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّما مثَل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق )(١).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّي تركت فيكم ما إنْ تمسّكتم به لنْ تضلّوا بعدي: كتاب اللّه حبلٌ ممدودٌ مِن السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولنْ يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما )(٢).

وقد أوضح أمير المؤمنينعليه‌السلام معنى العترة:

فعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: سئل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن معنى قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّي مخلّفٌ فيكم الثقلين، كتاب اللّه وعترتي )، مَن العترة ؟

فقال: ( أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة مِن ولد الحسين، تاسعهم مهديّهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب اللّه ولا يفارقهم، حتّى يردا على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله حوضه )(٣).

وهذا الحديث يدلّ بوضوح أنّ القرآن الكريم والعترة النبويّة الطاهرة، صِنوان مقترنان مدى الدهر، لا ينفكّ احدهما عن قرينه، وأنّه كما يجب أنْ يكون القرآن دستوراً للمسلمين وحجّةً عليهم، كذلك وجَب أنْ يكون في كلّ عصر إمامٍ من أهل البيتعليهم‌السلام يتولّى إمامة المسلمين، ويوجّههم وجهة الخير والصلاح.

_____________________

(١) المراجعات، ص١٧.

(٢) المراجعات ص ١٤.

(٣) سفينة البحار، عن معاني الأخبار وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

٣٢٣

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن أحبَّ أنْ يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنّة التي وعَدَني ربّي وهي جنّة الخُلد، فليتولّ عليّاً وذرّيته من بعده، فإنهم لنْ يخرجوكم مِن باب هدىً، ولنْ يدخلوكم باب ضلالة )(١) .

إلى كثير من الأحاديث النبوية المحرضة على موالاة أهل البيتعليهم‌السلام والاقتداء بهم.

٣ - طاعتهم:

قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) ( النساء: ٥٩).

ولقد أوجب اللّه تعالى على المسلمين في الآية الكريمة طاعة الأئمّة مِن آلِ محمّدٍ بِصفتهم خُلفاء رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأُمراء المسلمين، وقادة الفكر الإسلامي، ليستضيئوا بهُداهم، وينتفعوا بتوجيههم الهادف البنّاء، ولا ينحرفوا عن واقع الإسلام، ونهجه الأصيل.

فرَض طاعتهم، كما فرض طاعته وطاعة رسوله، سَواء ٌبسواء. وهذا ما يشعر بخلافتهم الحقّة عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعصمتهم مِن الآثام ؛ لأنّ الطاعة المطلقة لا يستحقّها إلاّ الإمام المعصوم، الذي فرض اللّه طاعته على العباد.

_____________________

(١) المراجعات ص ١٥٦.

٣٢٤

فمِن الخطأ الكبير تأويل ( أُولي الأمر ) وحملها على سائر أُمراء المسلمين، لمخالفة الكثيرين منهم للّه تعالى ورسوله، وانحرافهم عن خطّ الإسلام.

يُحدّثنا زرارة، وهو مِن أجلّ المحدّثين والرواة، عن فضل موالاة الأئمّة مِن أهل البيتعليهم‌السلام ، وضرورة طاعتهم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: ( بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والولاية ) قال زرارة: فقلت وأيّ شيء مِن ذلك أفضل ؟ قال: ( الولاية ؛ لأنّها مفتاحهنّ، والوالي هو الدليل عليهن..)

إلى أنْ قال: ثمّ قالعليه‌السلام : ( ذروة الأمر، وسنامه، ومفتاحه، وباب الأشياء، ورضا الرحمان.... الطاعة للإمام، بعد معرفته. إنّ اللّه عزّ وجل يقول:

( مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) ( النساء: ٨٠ ).

أما لو أنّ رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ دهره، ولم يَعرف ولاية وليّ اللّه فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللّه حقٌّ في ثواب، ولا كان من أهل الإيمان ) الخبر(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( وصل اللّه طاعة وليّ أمره.. بطاعة رسوله، وطاعة رسوله... بطاعته، فمَن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع

_____________________

(١) سفينة البحار ج ٢، ص ٦٩١ نقل بتصرّف.

٣٢٥

اللّه ولا رسوله )(١).

٤ - أداء حقّهم مِن الخُمس:

قال تعالى:( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ( الأنفال: ٤١ ).

وهذا الحقّ فرضٌ محتّم على المسلمين، شرّعه اللّه عزّ وجل لأهل البيتعليهم‌السلام ومَن يمُتّ إليهم بشرف القُربى والنسَب.

وهو حقٌّ طبيعي يفرضه العقل والوجدان، كما يفرضه الشرع. فقد درجت الدوَل على تكريم موظّفيها والعاملين في حقولها، فتمنحهم راتباً تقاعديّاً يتقاضوه عِند كبر سنّهم، ويورّثونه لأبنائهم، وذلك تقديراً لجهودهم في صالح أُممهم وشعوبهم.

وقد فرض اللّه الخُمس لآل محمّد وذراريهم، تكريماً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقديراً لجهاده الجبّار، وتضحياته الغالية، في سبيل أُمّته، وتنزيهاً لآله عن الصدقة والزكاة.

وقد أوضح أمير المؤمنينعليه‌السلام مفهوم ذي القربى، فقال: ( نحن واللّه الذين عنى اللّه بذي القربى، الذين قرنهم اللّه بنفسه ونبيّه، فقال:( مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ) ( الحشر:٧ )

منّا خاصّة ؛ لأنّه لم يجعل لنا سَهماً

_____________________

(١) سفينة البحار ج ٢، ص ٦٩١.

٣٢٦

في الصدقة، وأكرم اللّه نبيّه، وأكرمنا أنْ يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس )(١).

وعن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : أصلحك اللّه، ما أيسر ما يدخل به العبد النار ؟ قال: ( مِن أكل مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم )(٢)

وقد دار الجدال والنقاش بين الإمامية وغيرهم، حول مفهوم الغنيمة، أهي مختصّة بغنائم الحرب، أم عامّة لجميع الفوائد والمنافع ؟ وتحقيق ذلك يخرج هذا الكتاب عن موضوعه الأخلاقي، ومرجعه المصادر الفقهيّة.

٥ - الإحسان إلى ذرّيتهم:

من دلائل مودّة الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام ، ومقتضيات ولائهم، والوفاء لهم... رعاية ذراريهم، والبِرّ بِهم، والإحسان إليهم. وهم جديرون بذلك، لشرف انتمائهم إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانحدارهم مِن سلالة أبنائه المعصومينعليهم‌السلام .

وقد أعرب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن اغتباطه وحبّه لمُبجّليهم ومكرميهم، كما أوضح استنكاره وسخطه على مؤذيهم والمسيئين إليهم.

فعن الرضا عن آبائه عن عليّعليه‌السلام ، قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أربعةٌ أنا لهم شفيع يوم القيامة: المُكرم لذُرّيتي مِن

_____________________

(١) الوافي ج ٦، ص ٣٨، عن الكافي.

(٢) البحار م ٢٠، ص ٤٨، عن كمال الدين للصدوق، وتفسير العيّاشي.

٣٢٧

بعدي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمولهم عند اضطرارهم، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه )(١).

وعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا قمتُ المقام المحمود، تشفّعت في أصحاب الكبائر مِن أُمّتي، فيُشفّعني اللّه فيهم. واللّه لا تشّفعت فيمَن آذى ذرّيتي )(٢).

٦ - مدحهم ونشر فضلهم:

طبع النُّبلاء على تقدير العظماء والمجلّين في ميادين الفضائل والمكرمات، فيطرونهم بما يستحقّونه مِن المدح والثناء، تكريماً لهم وتخليداً لمآثرهم.

وحيث كان الأئمّة الطاهرون أرفع الناس حسباً ونسباً، وأجمعهم للفضائل، وأسبقهم في ميادين المآثر والأمجاد، استحقّوا مِن مواليهم ومحبّيهم أنْ يعربوا عمّا ينطوون عليه مِن عواطف الحبّ والولاء، وبواعث الإعجاب والإكبار، وذلك بمدحهم، ونشر فضائلهم، والإشادة بمآثرهم الخالدة، تكريماً لهم، وتقديراً لجهادهم الجبّار، وتضحياتهم الغالية في خدمة الإسلام والمسلمين.

وناهيك في فضلهم أنّهم كانوا غياث المسلمين، وملاذهم في كلّ خَطب، لا يألون جُهداً في إنقاذهم، وتحريرهم مِن سطوة الطغاة والجائرين،

_____________________

(١) البحار م ٢٠، ص ٥٧، عن عيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

(٢) البحار م ٢٠، ص ٥٧، عن أمالي الصدوق.

٣٢٨

وإمدادهم بأسمى مفاهيم العزّة والكرامة، ما وسَعهم ذلك حتّى استشهدوا في سبيل تلك الغاية السامية.

والناس إزاء أهل البيت، فريقان:

فريقٌ حاقد مُبغض، ينكر فضائلهم ومُثلهم الرفيعة ويتعامى عنها، رغم جمالها وإشراقها، فهو كما قال الشاعر:

ومَن يك ذا فَمٍ مُرّ مريضٍ

يجِد مُرّاً به الماء الزلالا

وفريقٌ والهٌ بحبّهم وولائهم، شغوفٌ بمناقبهم، طروبٌ لسماعها، ويلهج بترديدها والتنويه عنها، وإنْ عانى في سبيل ذلك ضروب الشدائد والأهوال. وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

( لو ضَربتُ خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أنْ يبغضني ما أبغضني، ولو صبَبت الدنيا بجماتها على المنافق، على أنْ يحبّني ما أحبّني، وذلك أنّه قضى فانقضى على لسان النبيّ الأُمّيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: يا علي، لا يبغضك مؤمن، ولا يحبّك منافق ).

مِن أجل ذلك كان العارفون بفضائلهم، والمتمسّكون بولائهم، يتبارون في مدحهم، ونشر مناقبهم، معربين عن حبّهم الصادق وولائهم الأصيل، دونما طلبِ جزاءٍ ونوال.

وكان الأئمّةعليهم‌السلام يستقبلون مادحيهم بكلّ حفاوة وترحاب، شاكرين لهم عواطفهم الفيّاضة، وأناشيدهم العذبة، ويكافؤنهم عليها بما وسِعت يداهم مِن البرِّ والنوال، والدعاء لهم بالغفران، وجزيل الأجر والثواب.

٣٢٩

فقد جاء في ( خزانة الأدب ): حكى ( صاعد ) مولى الكميت، قال: دخلت مع الكميت على عليّ بن الحسينعليه‌السلام فقال: إنّي قد مدحتك بما أرجو أنْ يكون لي وسيلة عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أنشده قصيدته التي أوّلها:

مَن لقلب متيم مستهام

غير ما صبوة ولا أحلام

فلمّا أتى على آخرها، قال له: ( ثوابك نعجز عنه، ولكن ما عجزنا عنه فإنّ اللّه لا يعجز عن مكافأتك، اللهمّ اغفر للكميت ). ثمّ قسط له على نفسه وعلى أهله أربعمِئه ألف درهم، وقال له: ( خذ يا أبا المستهل ). فقال له: لو وصلتني بدانق لكان شرفاً لي، ولكن إنْ أحببت أنْ تحسن إليّ فادفع إليّ بعض ثيابك أتبرّك بها، فقام فنزع ثيابه ودفعها إليه كلّها، ثمّ قال: ( اللهم إنّ الكميت جاد في آل رسولك وذرّية نبيّك بنفسه حين ضنّ الناس، وأظهر ما كتمه غيره من الحقّ، فأحيه سعيداً، وأمته شهيداً، وأره الجزاء عاجلاً، وأجزل له المثوبة آجلاً، فإنّا قد عجزْنا عن مكافأته ).

قال الكُميت: مازلت أعرف بركة دعائه(١) .

وقال دعبل: دخلت على عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام - بخراسان - فقال لي: ( أنشدني شيئاً ممّا أحدثت )، فأنشدته:

مدارس آياتٍ خلت مِن تلاوة

ومنزل وحي مقفرٍ العرصات

حتّى انتهيت إلى قولي:

إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم

أكفّاً عن الأوتار منقبضاتِ

_____________________

(١) الغدير ج ٢، ص ١٨٩.

٣٣٠

فبكى حتّى أُغمي عليه، وأومأ إليّ خادم كان على رأسه: أنْ اسكت، فسكتُّ فمكث ساعة ثمّ قال لي: أعد. فأعدتُ حتّى انتهيت إلى هذا البيت أيضاً، فأصابه مثل الذي أصابه في المرّة الأولى، وأومأ الخادم إليّ أنْ أسكت، فسكت. فمكث ساعة أُخرى، ثمّ قال لي: أعد. فأعدت حتّى انتهيت إلى آخرها، فقال لي: أحسنت، ثلاث مرّات. ثمّ أمر لي بعشرة آلاف درهم، ممّا ضرب باسمه، ولم تكن دُفِعت إلى أحدٍ بعد. وأمر لي مِن في منزله، بحليّ كثيرٍ أخرجه إليّ الخادم، فقدِمت العراق، فبعت كلّ درهم منها بعشرة دراهم، اشتراها منّي الشيعة، فحصل لي مِئة ألف درهم، فكان أوّل مالٍ اعتقدته.

قال ابن مهرويه: وحدّثني حذيفة بن محمّد، أنّ دعبلاً قال له: إنّه استوهب مِن الرضاعليه‌السلام ثوباً قد لبسه، ليجعله في أكفانه. فخلع جبّةً كانت عليه، فأعطاه إيّاها. فبلغ أهل قم خبرها، فسألوه أنْ يبيعهم إيّاها بثلاثين ألف درهم، فلم يفعل، فخرجوا عليه في طريقه، فأخذوها منه غصباً، وقالوا له: إنْ شئت أنْ تأخذ المال فافعل، وإلاّ فأنت أعلم. فقال لهم: إنّي واللّه لا أعطيكم إيّاها طوعاً، ولا تنفعكم غصباً، وأشكوكم إلى الرضاعليه‌السلام . فصالحوه، على أنْ أعطَوه الثلاثين ألف درهم وفردكم مِن بطانتها، فرضي بذلك. فأعطوه فردَكم فكان في أكفانه(١).

وكم لهذه القصص مِن أشباهٍ ونظائر، يطول عرضها وتعدادها في هذا المجال المحدود.

_____________________

(١) الغدير ج ٢، ص ٣٥٠ - ٣٥١.

٣٣١

٧ - زيارة مشاهدهم:

ومِن حقوقهم على مواليهم وشيعتهم، زيارة مشاهدهم المشرّفة، والتسليم عليهم. فإنّها مِن مظاهر الحبّ والولاء، ومصاديق الوفاء والإخلاص فهم سيّان، أحياءً وأمواتاً.

قال الشيخ المفيد أعلى اللّه مقامه:

( إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة مِن عترته خاصّة، لا يخفى عليهم بعد الوفاة أحوال شيعتهم في دار الدنيا، بإعلام اللّه تعالى لهم ذلك حالاً بعد حال، ويسمعون كلام المناجي لهم في مشاهدهم المكرّمة العظام، بلطيفةٍ من لطائف اللّه تعالى، بيّنهم بها مِن جمهور العباد، وتبلغهم المناجاة من بُعد، كما جاءت به الرواية، وهذا مذهب فقهاء الإمامية كافّة...

وقد قال اللّه تعالى فيما يدلّ على جملته:( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءً عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) ( آل عمران: ١٦٩ - ١٧٠ )

وقال في قصّة مؤمن آل فرعون:( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) ( ياسين: ٢٦- ٢٧ ).

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن سلّم عليّ عند قبري سمعته،

٣٣٢

ومَن سلّم عليّ مِن بعيد بلغته ). سلام اللّه عليهم ورحمته وبركاته.

ثمّ الأخبار في تفصيل ما ذكرناه، مِن الجُمل عن أئمّة آل محمّد، بما وصفناه نصّاً ولفظاً، أكثر(١).

وقد تواترت نصوص أهل البيتعليهم‌السلام ، في فضل زيارة مشاهدهم، وما تشتمل عليه من الخصائص الجليلة، والثواب الجم.

فعن الوشّا، قال: سمعت الرضاعليه‌السلام يقول: ( إنّ لكلّ إمامٍ عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ مِن تمام الوفاء بالعهد وحُسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة )(٢).

وعن زيد الشحّام قال: قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : ما لِمَن زار واحداً منكم ؟ قال: ( كمَن زار رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

وعن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال: ( إذا كان يوم القيامة، كان على عرش الرحمان أربعةٌ مِن الأوّلين، وأربعةٌ مِن الآخرين، فأمّا الأربعة الذين هُم مِن الأوّلين: فنوحٌ وإبراهيم وموسى وعيسى، وأمّا الأربعة مِن الآخرين: محمّدٌ وعليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام . ثمّ يُمدّ الطعام فيقعد

_____________________

(١) أوائل المقالات للشيخ المفيد (ره).

(٢) البحار م ٢٢، ص ٦ عن عيون أخبار الرضا، وعلل الشرائع وكامل الزيارة لابن قولويه.

(٣) البحار م ٢٢ ص ٦، عن عيون أخبار الرضا، وعلل الشرائع وكامل الزيارة لابن قولويه.

٣٣٣

معنا مَن زار قبور الأئمّة، ألا إنّ أعلاهم درجة وأقربهم حبوةً زوّار قبر ولدي )(١).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : زارنا رسول اللّه، وقد أهدت لنا أُمّ أيمن لبناً وزبداً وتمراً، قدّمنا منه، فأكل، ثمّ قام إلى زاوية البيت فصلّى ركعات، فلمّا كان في آخر سجوده بكى بكاءً شديداً، فلَم يسأله أحدٌ منّا إجلالاً وإعظاماً، فقام الحسين في الحجرة وقال له: يا أبه لقد دخلت بيتنا، فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك، ثمّ بكيت بكاءً غمّاً، فما أبكاك ؟ فقال: يا بني، أتاني جبرئيل آنفاً، فأخبرني أنّكم قتلى ؟ وأنّ مصارعكم شتّى. فقال: يا أبه، فما لِمَن يزور قبورنا على تشتّتها ؟ فقال: يا بني، أُولئك طوائف من أُمّتي، يزورونكم، فيلتمسون بذلك البركة، وحقيقٌ عليّ أنْ آتيهم يوم القيامة حتّى أُخلّصهم مِن أهوال الساعة مِن ذنوبهم، ويسكنهم اللّه الجنّة )(٢).

_____________________

(١) البحار م ٢٢، ص ٨، عن الكافي.

(٢) البحار م ٢٢، ص ٧ عن كامل الزيارة، وأمالي ابن الشيخ الطوسي (ره)

٣٣٤

حقُوق العلماء

فضل العلم والعلماء:

العلم... أجلّ الفضائل، وأشرف المزايا، وأعزّ ما يتحلّى به الإنسان. فهو أساس الحضارة، ومصدر أمجاد الأُمم، وعنوان سموّها وتفوّقها في الحياة، ورائدها إلى السعاة الأبديّة، وشرف الدارين.

والعلماء... هُم ورثة الأنبياء، وخزّان العلم، ودُعاة الحقّ، وأنصار الدين، يهدون الناس إلى معرفة اللّه وطاعته، ويوجهونّهم وُجهة الخير والصلاح.

مِن أجل ذلك تضافرت الآيات والأخبار على تكريم العِلم والعُلماء، والإشادة بمقامهما الرفيع.

قال تعالى:( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ( الزمر: ٩).

وقال تعالى:( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) (المجادلة: ١١).

وقال تعالى:( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) ( فاطر: ٢٨).

وقال تعالى:( وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ ) ( العنكبوت:٤٣ ).

٣٣٥

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن سلَك طريقاً يطلب فيه عِلماً، سلَك اللّه به طريقاً إلى الجنّة، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، وإنّه يستغفر لطالب العِلم مَن في السماء ومَن في الأرض، حتّى الحوت في البحر. وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر. وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورّثوا العلم، فمَن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر )(١) .

وقال الباقرعليه‌السلام : ( عالمٌ يُنتفع بعلمه أفضل مِن سبعين ألفَ عابد )(٢).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إذا كان يوم القيامة، جمع اللّه عزّ وجل الناس في صعيد واحد، ووضعت الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مِداد العلماء على دماء الشهداء )(٣).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إذا كان يوم القيامة، بعث اللّه عزّ وجل العالم والعابد، فإذا وقفا بين يدي اللّه عزّ وجل، قيل للعابد انطلق إلى الجنّة، وقيل للعالم قِف تشفّع للناس بحسن تأديبك لهم )(٤).

_____________________

(١) الوافي ج ١، ص ٤٢، عن الكافي.

(٢) الوافي ج ١، ص ٤٠ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ١ ص ٤٠، عن الفقيه.

(٤) البحار م ١، ص ٧٤، عن عِلل الشراع، وبصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفّار.

٣٣٦

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( يا كُميل، هلك خزّان الأموال وهُم أحياء، والعلماء باقون ما بقيَ الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة )(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يجيء الرجل يوم القيامة، وله مِن الحسنات كالسحاب الركام، أو كالجبال الراوسي، فيقول: يا ربِّ، أنّى لي هذا ولم أعملها ؟ فيقول: هذا عِلمك الذي علّمته الناس، يُعمل به مِن بعدك )(٢).

ولا غرابة أنْ يحظى العُلماء بتلك الخصائص الجليلة، والمزايا الغرّ. فهم حماة الدين، وأعلام الإسلام، وحفَظَة آثاره الخالدة، وتراثه المدخور. يحملون للناس عبر القرون، مبادئ الشريعة وأحكامها وآدابها، فتستهدي الأجيال بأنوار علومهم، ويستنيرون بتوجيههم الهادف البنّاء.

وبديهيّ أنّ تلك المنازل الرفيعة، لا ينالها إلاّ العلماء المخلصون. المجاهدون في سبيل العقيدة والشريعة، والسائرون على الخطّ الإسلامي، والمتحلّون بآداب الإسلام وأخلاقه الكريمة.

ولهؤلاء فضلٌ كبير، وحقوقٌ مرعيّة في أعناق المسلمين، جديرةٌ بكلّ عنايةٍ واهتمام، وهي:

_____________________

(١) نهج البلاغة.

(٢) البحار م ١، ص ٧٥ عن بصائر الدرجات.

٣٣٧

١ - توقيرهم:

وهو في طليعة حقوقهم المشروعة، لتحلّيهم بالعلم والفضل، وجهادهم في صيانة الشريعة الإسلامية وتعزيزها، ودأبهم على إصلاح المُجتمع الإسلامي وإرشاده.

وقد أعرب أهل البيتعليهم‌السلام عن جلالة العلماء، وضرورة تبجيلهم وتوقيرهم، قولاً وعملاً، حتّى قرّروا أنّ النظر إليهم عبادة، وأنّ بُغضهم مَدعاة للهلاك، كما شهِد بذلك الحديث الشريف:

فعن موسى بن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : النظر في وجه العالم حبّاً له عبادة )(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أغد عالماً أو متعلّماً، أو أُحِبَّ العلماء، ولا تكُن رابعاً فتهلَك ببغضهم )(٢).

وهكذا كانواعليهم‌السلام يبجّلون العلماء، ويرعونهم بالحفاوة والتكريم، يحدّثنا الشيخ المفيد (ره)، عن توقير الإمام الصادقعليه‌السلام لهشام بن الحكم - وكان مِن ألمع أصحابه وأسماهم مكانة عنده -: ( أنّه دخل عليه بمنى، وهو غلامٌ أوّل ما اختلط عارضاه، وفي مجلسه شيوخ الشيعة، كحمران بن أعيَن، وقيس الماصر، ويونس بن يعقوب، وأبي جعفر الأحوَل

_____________________

(١) البحار م١، ص ٦٤، عن نوادر الراوندي.

(٢) البحار م ١، ص ٥٩، عن خصال الصدوق(ره).

٣٣٨

وغيرهم، فرفَعه على جماعتهم، وليس فيهم إلاّ مَن هو أكبر سنّاً منه ).

فلمّا رأى أبو عبد اللّهعليه‌السلام أنّ ذلك الفعل كبر على أصحابه، قال: ( هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده )(١).

وجاء عن أحمد البزنطي، قال: ( وبعث إليّ الرضاعليه‌السلام بحمارٍ له، فجئت إلى صريا، فمَكث عامّة الليل معه، ثمّ أتيت بعشاء، ثمّ قال: ( افرشوا له ). ثمّ أتيت بوسادة طبريّة ومرادع وكساء قياصري وملحفة مروي، فلمّا أصبت مِن العشاء، قال لي: ( ما تريد أنْ تنام ؟).

قلت: بلى، جُعلت فداك. فطرح عليّ الملحفة والكساء، ثمّ قال: ( بيّتك اللّه في عافية ).

وكنّا على سطح، فما نزل مِن عندي، قلت في نفسي: قد نلت مِن هذا الرجل كرامة ما نالها أحدٌ قطّ(٢).

٢ - بِرّهم:

همّة العلماء، وهدفهم الأسمى، خدمة الدين، وبثّ التوعية الإسلاميّة، وتوجيه المسلمين نحو الخُلق الكريم والسُلوك الأمثل، وهذا ما يقتضيهم وقتاً واسعاً، وجهداً ضخماً، يعوقهم عن اكتساب الرزق وطلب المعاش كسائر الناس.

فلا بدّ والحالة هذه، للمؤمنين المعنيين بشؤون الدين، والحريصين على

_____________________

(١) سفينة البحار ج ٢، ص ٧١٩.

(٢) سفينة البحار ج ١، ص ٨١.

٣٣٩

كيانه... أنْ يوفّروا للعُلماء وسائل الحياة الكريمة، والعيش اللائق. وذلك بأداء الحقوق الشرعيّة إليهم، التي أمر اللّه بها، وندب إليها، مِن الزكاة والخُمس، ووجوه الخيرات والمبرّات. فهم أحقّ الناس بها، وأهمّ مصاديقها، ليستطيعوا تحقيق أهدافهم، والاضطلاع بمهامّهم الدينيّة، دون أنْ يعوقهم عنها طلب المعاش.

وقد كان الغيارى مِن المسلمين الأوّلين، يتطوّعون بأريحيّة وسخاء، في رصد الأموال، وإيجاد الأوقاف، واستغلالها لصالح العلماء، وتوفير معاشهم.

وكلّما تجاهل الناس أقدار العلماء، وغمطوا حقوقهم، أدّى إلى قلّة العلماء، وهبوط الطاقات الروحيّة، وضعف النشاط الديني. ممّا يُعرّض المجتمع الإسلامي لغزو المبادئ الهدّامة، وخطر الزيغ والانحراف.

٣ - الاهتداء بهم:

لا يستغني كلّ واعٍ مستنير، عن الرجوع إلى الأخصّائيّين في مختلف العلوم والفنون، للإفادة من معارفهم وتجاربهم، كالأطباء والكيمياويّين والمهندسين ونحوهم من ذوي الاختصاص.

وحيث كان العلماء الروحانيّون متخصّصين بالعلوم الدينيّة، والمعارف الإسلاميّة، قد أوقفوا أنفسهم على خدمة الشريعة الإسلاميّة، ونشر مبادئها وأحكامها، وهداية الناس وتوجيههم وجهة الخير والصلاح.. فجدير

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517