أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت7%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 333439 / تحميل: 11883
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

( مَن مات ولم يعرف إمام زمانه ماتَ ميتةً جاهليّة )(١).

الإمام هو خليفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وممثله في أُمّته، يبلغها عنه أحكام الشريعة، ويسعى جاهداً في تنظيم حياتها، وتوفير سعادتها، وإعلاء مجدها. وحيث كان الإمام كذلك، وجَب على كلّ مسلم معرفته، كما صرّح بذلك الحديث الشريف، ليكون على بصيرةٍ مِن عقيدته وشريعته، وليسير على ضوء توجيهه وهداه.

فإذا أغفل المسلم معرفة إمامه، ولم يستهد به، وهو الدليل المُخلص، والرائد الأمين، ضلّ عن نهج الإسلام وواقعه، ومات كافراً منافقاً.

وقد أشعر الحديث بضرورة وجود الإمام ووجوب معرفته مدى الحياة ؛ لأنّ إضافة الإمام إلى الزمان تستلزم استمراريّة الإمامة، وتجدّدها عبر الأزمنة والعصور.

وهكذا توالت الأحاديث النبويّة، المتواترة بين الفريقين، والمؤكّدة على ضرورة معرفة الأئمّة الطاهرين، والاهتداء بهم، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( في كلٍّ خلف مِن أُمّتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين، وانتحال المُبطلين، وتأويل الجاهلين. ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى اللّه، فانظروا مَن توفدون )(٢).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ( كما جاء في صحيح مسلم ):

_____________________

(١) انظر مصادر الحديث ورواته في الغدير، للحجّة الأميني ج ١٠ ص ٣٥٩ - ٣٦٠.

(٢) المراجعات، ص ٢١.

٣٢١

( لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش ).

وهذا الحديث شاهدٌ على وجود الإمامة حتّى قيام الساعة، وقصرها على الأئمّة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام ، دون غيرهم من ملوك الأمويين والعباسيين لزيادتهم عن هذا العدد.

٢ - موالاتهم:

معرفة الإمام لا تجدي نفعاً، ولا تحقّق الأماني والآمال المعقودة عليه، إلاّ إذا اقترنت بولائه، والسير على هداه. ومتى تجرّدت المعرفة مِن ذلك غدت هزيلةً جوفاء.

ذلك أنّ الإمام هو خليفة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحامل لواء الإسلام، ورائد المسلمين نحو المثل الإسلاميّة العليا، يبيّن لهم حقائق الشريعة، ويجلو أحكامها، ويصونها من كيد المُلحدين ودسّهم، ويعمل جاهداً في حماية المسلمين، ونصرهم، وإسعادهم ماديّاً وروحيّاً، ديناً ودُنياً.

من أجل ذلك كان التخلّف عن موالاة الإمام والاهتداء به، مَدعاةً للزيغ والضلال، والانحراف عن خطّ الإسلام ونهجه المرسوم. كما نوّه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك، وأوضح للمسلمين أنّ الهدى والفوز في ولاء الأئمة الطاهرين من أهل البيتعليهم‌السلام ، وأنّ الضلال والشقاء في مجافاتهم ومخالفتهم.

٣٢٢

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّما مثَل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها غرق )(١).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّي تركت فيكم ما إنْ تمسّكتم به لنْ تضلّوا بعدي: كتاب اللّه حبلٌ ممدودٌ مِن السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولنْ يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما )(٢).

وقد أوضح أمير المؤمنينعليه‌السلام معنى العترة:

فعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: سئل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن معنى قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّي مخلّفٌ فيكم الثقلين، كتاب اللّه وعترتي )، مَن العترة ؟

فقال: ( أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة مِن ولد الحسين، تاسعهم مهديّهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب اللّه ولا يفارقهم، حتّى يردا على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله حوضه )(٣).

وهذا الحديث يدلّ بوضوح أنّ القرآن الكريم والعترة النبويّة الطاهرة، صِنوان مقترنان مدى الدهر، لا ينفكّ احدهما عن قرينه، وأنّه كما يجب أنْ يكون القرآن دستوراً للمسلمين وحجّةً عليهم، كذلك وجَب أنْ يكون في كلّ عصر إمامٍ من أهل البيتعليهم‌السلام يتولّى إمامة المسلمين، ويوجّههم وجهة الخير والصلاح.

_____________________

(١) المراجعات، ص١٧.

(٢) المراجعات ص ١٤.

(٣) سفينة البحار، عن معاني الأخبار وعيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

٣٢٣

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن أحبَّ أنْ يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنّة التي وعَدَني ربّي وهي جنّة الخُلد، فليتولّ عليّاً وذرّيته من بعده، فإنهم لنْ يخرجوكم مِن باب هدىً، ولنْ يدخلوكم باب ضلالة )(١) .

إلى كثير من الأحاديث النبوية المحرضة على موالاة أهل البيتعليهم‌السلام والاقتداء بهم.

٣ - طاعتهم:

قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) ( النساء: ٥٩).

ولقد أوجب اللّه تعالى على المسلمين في الآية الكريمة طاعة الأئمّة مِن آلِ محمّدٍ بِصفتهم خُلفاء رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأُمراء المسلمين، وقادة الفكر الإسلامي، ليستضيئوا بهُداهم، وينتفعوا بتوجيههم الهادف البنّاء، ولا ينحرفوا عن واقع الإسلام، ونهجه الأصيل.

فرَض طاعتهم، كما فرض طاعته وطاعة رسوله، سَواء ٌبسواء. وهذا ما يشعر بخلافتهم الحقّة عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعصمتهم مِن الآثام ؛ لأنّ الطاعة المطلقة لا يستحقّها إلاّ الإمام المعصوم، الذي فرض اللّه طاعته على العباد.

_____________________

(١) المراجعات ص ١٥٦.

٣٢٤

فمِن الخطأ الكبير تأويل ( أُولي الأمر ) وحملها على سائر أُمراء المسلمين، لمخالفة الكثيرين منهم للّه تعالى ورسوله، وانحرافهم عن خطّ الإسلام.

يُحدّثنا زرارة، وهو مِن أجلّ المحدّثين والرواة، عن فضل موالاة الأئمّة مِن أهل البيتعليهم‌السلام ، وضرورة طاعتهم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: ( بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والولاية ) قال زرارة: فقلت وأيّ شيء مِن ذلك أفضل ؟ قال: ( الولاية ؛ لأنّها مفتاحهنّ، والوالي هو الدليل عليهن..)

إلى أنْ قال: ثمّ قالعليه‌السلام : ( ذروة الأمر، وسنامه، ومفتاحه، وباب الأشياء، ورضا الرحمان.... الطاعة للإمام، بعد معرفته. إنّ اللّه عزّ وجل يقول:

( مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) ( النساء: ٨٠ ).

أما لو أنّ رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ دهره، ولم يَعرف ولاية وليّ اللّه فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللّه حقٌّ في ثواب، ولا كان من أهل الإيمان ) الخبر(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( وصل اللّه طاعة وليّ أمره.. بطاعة رسوله، وطاعة رسوله... بطاعته، فمَن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع

_____________________

(١) سفينة البحار ج ٢، ص ٦٩١ نقل بتصرّف.

٣٢٥

اللّه ولا رسوله )(١).

٤ - أداء حقّهم مِن الخُمس:

قال تعالى:( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ( الأنفال: ٤١ ).

وهذا الحقّ فرضٌ محتّم على المسلمين، شرّعه اللّه عزّ وجل لأهل البيتعليهم‌السلام ومَن يمُتّ إليهم بشرف القُربى والنسَب.

وهو حقٌّ طبيعي يفرضه العقل والوجدان، كما يفرضه الشرع. فقد درجت الدوَل على تكريم موظّفيها والعاملين في حقولها، فتمنحهم راتباً تقاعديّاً يتقاضوه عِند كبر سنّهم، ويورّثونه لأبنائهم، وذلك تقديراً لجهودهم في صالح أُممهم وشعوبهم.

وقد فرض اللّه الخُمس لآل محمّد وذراريهم، تكريماً للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقديراً لجهاده الجبّار، وتضحياته الغالية، في سبيل أُمّته، وتنزيهاً لآله عن الصدقة والزكاة.

وقد أوضح أمير المؤمنينعليه‌السلام مفهوم ذي القربى، فقال: ( نحن واللّه الذين عنى اللّه بذي القربى، الذين قرنهم اللّه بنفسه ونبيّه، فقال:( مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ) ( الحشر:٧ )

منّا خاصّة ؛ لأنّه لم يجعل لنا سَهماً

_____________________

(١) سفينة البحار ج ٢، ص ٦٩١.

٣٢٦

في الصدقة، وأكرم اللّه نبيّه، وأكرمنا أنْ يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس )(١).

وعن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : أصلحك اللّه، ما أيسر ما يدخل به العبد النار ؟ قال: ( مِن أكل مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم )(٢)

وقد دار الجدال والنقاش بين الإمامية وغيرهم، حول مفهوم الغنيمة، أهي مختصّة بغنائم الحرب، أم عامّة لجميع الفوائد والمنافع ؟ وتحقيق ذلك يخرج هذا الكتاب عن موضوعه الأخلاقي، ومرجعه المصادر الفقهيّة.

٥ - الإحسان إلى ذرّيتهم:

من دلائل مودّة الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام ، ومقتضيات ولائهم، والوفاء لهم... رعاية ذراريهم، والبِرّ بِهم، والإحسان إليهم. وهم جديرون بذلك، لشرف انتمائهم إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانحدارهم مِن سلالة أبنائه المعصومينعليهم‌السلام .

وقد أعرب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن اغتباطه وحبّه لمُبجّليهم ومكرميهم، كما أوضح استنكاره وسخطه على مؤذيهم والمسيئين إليهم.

فعن الرضا عن آبائه عن عليّعليه‌السلام ، قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أربعةٌ أنا لهم شفيع يوم القيامة: المُكرم لذُرّيتي مِن

_____________________

(١) الوافي ج ٦، ص ٣٨، عن الكافي.

(٢) البحار م ٢٠، ص ٤٨، عن كمال الدين للصدوق، وتفسير العيّاشي.

٣٢٧

بعدي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمولهم عند اضطرارهم، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه )(١).

وعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا قمتُ المقام المحمود، تشفّعت في أصحاب الكبائر مِن أُمّتي، فيُشفّعني اللّه فيهم. واللّه لا تشّفعت فيمَن آذى ذرّيتي )(٢).

٦ - مدحهم ونشر فضلهم:

طبع النُّبلاء على تقدير العظماء والمجلّين في ميادين الفضائل والمكرمات، فيطرونهم بما يستحقّونه مِن المدح والثناء، تكريماً لهم وتخليداً لمآثرهم.

وحيث كان الأئمّة الطاهرون أرفع الناس حسباً ونسباً، وأجمعهم للفضائل، وأسبقهم في ميادين المآثر والأمجاد، استحقّوا مِن مواليهم ومحبّيهم أنْ يعربوا عمّا ينطوون عليه مِن عواطف الحبّ والولاء، وبواعث الإعجاب والإكبار، وذلك بمدحهم، ونشر فضائلهم، والإشادة بمآثرهم الخالدة، تكريماً لهم، وتقديراً لجهادهم الجبّار، وتضحياتهم الغالية في خدمة الإسلام والمسلمين.

وناهيك في فضلهم أنّهم كانوا غياث المسلمين، وملاذهم في كلّ خَطب، لا يألون جُهداً في إنقاذهم، وتحريرهم مِن سطوة الطغاة والجائرين،

_____________________

(١) البحار م ٢٠، ص ٥٧، عن عيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

(٢) البحار م ٢٠، ص ٥٧، عن أمالي الصدوق.

٣٢٨

وإمدادهم بأسمى مفاهيم العزّة والكرامة، ما وسَعهم ذلك حتّى استشهدوا في سبيل تلك الغاية السامية.

والناس إزاء أهل البيت، فريقان:

فريقٌ حاقد مُبغض، ينكر فضائلهم ومُثلهم الرفيعة ويتعامى عنها، رغم جمالها وإشراقها، فهو كما قال الشاعر:

ومَن يك ذا فَمٍ مُرّ مريضٍ

يجِد مُرّاً به الماء الزلالا

وفريقٌ والهٌ بحبّهم وولائهم، شغوفٌ بمناقبهم، طروبٌ لسماعها، ويلهج بترديدها والتنويه عنها، وإنْ عانى في سبيل ذلك ضروب الشدائد والأهوال. وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

( لو ضَربتُ خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أنْ يبغضني ما أبغضني، ولو صبَبت الدنيا بجماتها على المنافق، على أنْ يحبّني ما أحبّني، وذلك أنّه قضى فانقضى على لسان النبيّ الأُمّيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: يا علي، لا يبغضك مؤمن، ولا يحبّك منافق ).

مِن أجل ذلك كان العارفون بفضائلهم، والمتمسّكون بولائهم، يتبارون في مدحهم، ونشر مناقبهم، معربين عن حبّهم الصادق وولائهم الأصيل، دونما طلبِ جزاءٍ ونوال.

وكان الأئمّةعليهم‌السلام يستقبلون مادحيهم بكلّ حفاوة وترحاب، شاكرين لهم عواطفهم الفيّاضة، وأناشيدهم العذبة، ويكافؤنهم عليها بما وسِعت يداهم مِن البرِّ والنوال، والدعاء لهم بالغفران، وجزيل الأجر والثواب.

٣٢٩

فقد جاء في ( خزانة الأدب ): حكى ( صاعد ) مولى الكميت، قال: دخلت مع الكميت على عليّ بن الحسينعليه‌السلام فقال: إنّي قد مدحتك بما أرجو أنْ يكون لي وسيلة عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أنشده قصيدته التي أوّلها:

مَن لقلب متيم مستهام

غير ما صبوة ولا أحلام

فلمّا أتى على آخرها، قال له: ( ثوابك نعجز عنه، ولكن ما عجزنا عنه فإنّ اللّه لا يعجز عن مكافأتك، اللهمّ اغفر للكميت ). ثمّ قسط له على نفسه وعلى أهله أربعمِئه ألف درهم، وقال له: ( خذ يا أبا المستهل ). فقال له: لو وصلتني بدانق لكان شرفاً لي، ولكن إنْ أحببت أنْ تحسن إليّ فادفع إليّ بعض ثيابك أتبرّك بها، فقام فنزع ثيابه ودفعها إليه كلّها، ثمّ قال: ( اللهم إنّ الكميت جاد في آل رسولك وذرّية نبيّك بنفسه حين ضنّ الناس، وأظهر ما كتمه غيره من الحقّ، فأحيه سعيداً، وأمته شهيداً، وأره الجزاء عاجلاً، وأجزل له المثوبة آجلاً، فإنّا قد عجزْنا عن مكافأته ).

قال الكُميت: مازلت أعرف بركة دعائه(١) .

وقال دعبل: دخلت على عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام - بخراسان - فقال لي: ( أنشدني شيئاً ممّا أحدثت )، فأنشدته:

مدارس آياتٍ خلت مِن تلاوة

ومنزل وحي مقفرٍ العرصات

حتّى انتهيت إلى قولي:

إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم

أكفّاً عن الأوتار منقبضاتِ

_____________________

(١) الغدير ج ٢، ص ١٨٩.

٣٣٠

فبكى حتّى أُغمي عليه، وأومأ إليّ خادم كان على رأسه: أنْ اسكت، فسكتُّ فمكث ساعة ثمّ قال لي: أعد. فأعدتُ حتّى انتهيت إلى هذا البيت أيضاً، فأصابه مثل الذي أصابه في المرّة الأولى، وأومأ الخادم إليّ أنْ أسكت، فسكت. فمكث ساعة أُخرى، ثمّ قال لي: أعد. فأعدت حتّى انتهيت إلى آخرها، فقال لي: أحسنت، ثلاث مرّات. ثمّ أمر لي بعشرة آلاف درهم، ممّا ضرب باسمه، ولم تكن دُفِعت إلى أحدٍ بعد. وأمر لي مِن في منزله، بحليّ كثيرٍ أخرجه إليّ الخادم، فقدِمت العراق، فبعت كلّ درهم منها بعشرة دراهم، اشتراها منّي الشيعة، فحصل لي مِئة ألف درهم، فكان أوّل مالٍ اعتقدته.

قال ابن مهرويه: وحدّثني حذيفة بن محمّد، أنّ دعبلاً قال له: إنّه استوهب مِن الرضاعليه‌السلام ثوباً قد لبسه، ليجعله في أكفانه. فخلع جبّةً كانت عليه، فأعطاه إيّاها. فبلغ أهل قم خبرها، فسألوه أنْ يبيعهم إيّاها بثلاثين ألف درهم، فلم يفعل، فخرجوا عليه في طريقه، فأخذوها منه غصباً، وقالوا له: إنْ شئت أنْ تأخذ المال فافعل، وإلاّ فأنت أعلم. فقال لهم: إنّي واللّه لا أعطيكم إيّاها طوعاً، ولا تنفعكم غصباً، وأشكوكم إلى الرضاعليه‌السلام . فصالحوه، على أنْ أعطَوه الثلاثين ألف درهم وفردكم مِن بطانتها، فرضي بذلك. فأعطوه فردَكم فكان في أكفانه(١).

وكم لهذه القصص مِن أشباهٍ ونظائر، يطول عرضها وتعدادها في هذا المجال المحدود.

_____________________

(١) الغدير ج ٢، ص ٣٥٠ - ٣٥١.

٣٣١

٧ - زيارة مشاهدهم:

ومِن حقوقهم على مواليهم وشيعتهم، زيارة مشاهدهم المشرّفة، والتسليم عليهم. فإنّها مِن مظاهر الحبّ والولاء، ومصاديق الوفاء والإخلاص فهم سيّان، أحياءً وأمواتاً.

قال الشيخ المفيد أعلى اللّه مقامه:

( إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة مِن عترته خاصّة، لا يخفى عليهم بعد الوفاة أحوال شيعتهم في دار الدنيا، بإعلام اللّه تعالى لهم ذلك حالاً بعد حال، ويسمعون كلام المناجي لهم في مشاهدهم المكرّمة العظام، بلطيفةٍ من لطائف اللّه تعالى، بيّنهم بها مِن جمهور العباد، وتبلغهم المناجاة من بُعد، كما جاءت به الرواية، وهذا مذهب فقهاء الإمامية كافّة...

وقد قال اللّه تعالى فيما يدلّ على جملته:( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءً عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) ( آل عمران: ١٦٩ - ١٧٠ )

وقال في قصّة مؤمن آل فرعون:( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) ( ياسين: ٢٦- ٢٧ ).

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن سلّم عليّ عند قبري سمعته،

٣٣٢

ومَن سلّم عليّ مِن بعيد بلغته ). سلام اللّه عليهم ورحمته وبركاته.

ثمّ الأخبار في تفصيل ما ذكرناه، مِن الجُمل عن أئمّة آل محمّد، بما وصفناه نصّاً ولفظاً، أكثر(١).

وقد تواترت نصوص أهل البيتعليهم‌السلام ، في فضل زيارة مشاهدهم، وما تشتمل عليه من الخصائص الجليلة، والثواب الجم.

فعن الوشّا، قال: سمعت الرضاعليه‌السلام يقول: ( إنّ لكلّ إمامٍ عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ مِن تمام الوفاء بالعهد وحُسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة )(٢).

وعن زيد الشحّام قال: قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : ما لِمَن زار واحداً منكم ؟ قال: ( كمَن زار رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

وعن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال: ( إذا كان يوم القيامة، كان على عرش الرحمان أربعةٌ مِن الأوّلين، وأربعةٌ مِن الآخرين، فأمّا الأربعة الذين هُم مِن الأوّلين: فنوحٌ وإبراهيم وموسى وعيسى، وأمّا الأربعة مِن الآخرين: محمّدٌ وعليّ والحسن والحسينعليهم‌السلام . ثمّ يُمدّ الطعام فيقعد

_____________________

(١) أوائل المقالات للشيخ المفيد (ره).

(٢) البحار م ٢٢، ص ٦ عن عيون أخبار الرضا، وعلل الشرائع وكامل الزيارة لابن قولويه.

(٣) البحار م ٢٢ ص ٦، عن عيون أخبار الرضا، وعلل الشرائع وكامل الزيارة لابن قولويه.

٣٣٣

معنا مَن زار قبور الأئمّة، ألا إنّ أعلاهم درجة وأقربهم حبوةً زوّار قبر ولدي )(١).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : زارنا رسول اللّه، وقد أهدت لنا أُمّ أيمن لبناً وزبداً وتمراً، قدّمنا منه، فأكل، ثمّ قام إلى زاوية البيت فصلّى ركعات، فلمّا كان في آخر سجوده بكى بكاءً شديداً، فلَم يسأله أحدٌ منّا إجلالاً وإعظاماً، فقام الحسين في الحجرة وقال له: يا أبه لقد دخلت بيتنا، فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك، ثمّ بكيت بكاءً غمّاً، فما أبكاك ؟ فقال: يا بني، أتاني جبرئيل آنفاً، فأخبرني أنّكم قتلى ؟ وأنّ مصارعكم شتّى. فقال: يا أبه، فما لِمَن يزور قبورنا على تشتّتها ؟ فقال: يا بني، أُولئك طوائف من أُمّتي، يزورونكم، فيلتمسون بذلك البركة، وحقيقٌ عليّ أنْ آتيهم يوم القيامة حتّى أُخلّصهم مِن أهوال الساعة مِن ذنوبهم، ويسكنهم اللّه الجنّة )(٢).

_____________________

(١) البحار م ٢٢، ص ٨، عن الكافي.

(٢) البحار م ٢٢، ص ٧ عن كامل الزيارة، وأمالي ابن الشيخ الطوسي (ره)

٣٣٤

حقُوق العلماء

فضل العلم والعلماء:

العلم... أجلّ الفضائل، وأشرف المزايا، وأعزّ ما يتحلّى به الإنسان. فهو أساس الحضارة، ومصدر أمجاد الأُمم، وعنوان سموّها وتفوّقها في الحياة، ورائدها إلى السعاة الأبديّة، وشرف الدارين.

والعلماء... هُم ورثة الأنبياء، وخزّان العلم، ودُعاة الحقّ، وأنصار الدين، يهدون الناس إلى معرفة اللّه وطاعته، ويوجهونّهم وُجهة الخير والصلاح.

مِن أجل ذلك تضافرت الآيات والأخبار على تكريم العِلم والعُلماء، والإشادة بمقامهما الرفيع.

قال تعالى:( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ( الزمر: ٩).

وقال تعالى:( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) (المجادلة: ١١).

وقال تعالى:( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) ( فاطر: ٢٨).

وقال تعالى:( وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ ) ( العنكبوت:٤٣ ).

٣٣٥

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن سلَك طريقاً يطلب فيه عِلماً، سلَك اللّه به طريقاً إلى الجنّة، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، وإنّه يستغفر لطالب العِلم مَن في السماء ومَن في الأرض، حتّى الحوت في البحر. وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر. وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورّثوا العلم، فمَن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر )(١) .

وقال الباقرعليه‌السلام : ( عالمٌ يُنتفع بعلمه أفضل مِن سبعين ألفَ عابد )(٢).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إذا كان يوم القيامة، جمع اللّه عزّ وجل الناس في صعيد واحد، ووضعت الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مِداد العلماء على دماء الشهداء )(٣).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إذا كان يوم القيامة، بعث اللّه عزّ وجل العالم والعابد، فإذا وقفا بين يدي اللّه عزّ وجل، قيل للعابد انطلق إلى الجنّة، وقيل للعالم قِف تشفّع للناس بحسن تأديبك لهم )(٤).

_____________________

(١) الوافي ج ١، ص ٤٢، عن الكافي.

(٢) الوافي ج ١، ص ٤٠ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ١ ص ٤٠، عن الفقيه.

(٤) البحار م ١، ص ٧٤، عن عِلل الشراع، وبصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفّار.

٣٣٦

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( يا كُميل، هلك خزّان الأموال وهُم أحياء، والعلماء باقون ما بقيَ الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة )(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام ، قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يجيء الرجل يوم القيامة، وله مِن الحسنات كالسحاب الركام، أو كالجبال الراوسي، فيقول: يا ربِّ، أنّى لي هذا ولم أعملها ؟ فيقول: هذا عِلمك الذي علّمته الناس، يُعمل به مِن بعدك )(٢).

ولا غرابة أنْ يحظى العُلماء بتلك الخصائص الجليلة، والمزايا الغرّ. فهم حماة الدين، وأعلام الإسلام، وحفَظَة آثاره الخالدة، وتراثه المدخور. يحملون للناس عبر القرون، مبادئ الشريعة وأحكامها وآدابها، فتستهدي الأجيال بأنوار علومهم، ويستنيرون بتوجيههم الهادف البنّاء.

وبديهيّ أنّ تلك المنازل الرفيعة، لا ينالها إلاّ العلماء المخلصون. المجاهدون في سبيل العقيدة والشريعة، والسائرون على الخطّ الإسلامي، والمتحلّون بآداب الإسلام وأخلاقه الكريمة.

ولهؤلاء فضلٌ كبير، وحقوقٌ مرعيّة في أعناق المسلمين، جديرةٌ بكلّ عنايةٍ واهتمام، وهي:

_____________________

(١) نهج البلاغة.

(٢) البحار م ١، ص ٧٥ عن بصائر الدرجات.

٣٣٧

١ - توقيرهم:

وهو في طليعة حقوقهم المشروعة، لتحلّيهم بالعلم والفضل، وجهادهم في صيانة الشريعة الإسلامية وتعزيزها، ودأبهم على إصلاح المُجتمع الإسلامي وإرشاده.

وقد أعرب أهل البيتعليهم‌السلام عن جلالة العلماء، وضرورة تبجيلهم وتوقيرهم، قولاً وعملاً، حتّى قرّروا أنّ النظر إليهم عبادة، وأنّ بُغضهم مَدعاة للهلاك، كما شهِد بذلك الحديث الشريف:

فعن موسى بن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : النظر في وجه العالم حبّاً له عبادة )(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أغد عالماً أو متعلّماً، أو أُحِبَّ العلماء، ولا تكُن رابعاً فتهلَك ببغضهم )(٢).

وهكذا كانواعليهم‌السلام يبجّلون العلماء، ويرعونهم بالحفاوة والتكريم، يحدّثنا الشيخ المفيد (ره)، عن توقير الإمام الصادقعليه‌السلام لهشام بن الحكم - وكان مِن ألمع أصحابه وأسماهم مكانة عنده -: ( أنّه دخل عليه بمنى، وهو غلامٌ أوّل ما اختلط عارضاه، وفي مجلسه شيوخ الشيعة، كحمران بن أعيَن، وقيس الماصر، ويونس بن يعقوب، وأبي جعفر الأحوَل

_____________________

(١) البحار م١، ص ٦٤، عن نوادر الراوندي.

(٢) البحار م ١، ص ٥٩، عن خصال الصدوق(ره).

٣٣٨

وغيرهم، فرفَعه على جماعتهم، وليس فيهم إلاّ مَن هو أكبر سنّاً منه ).

فلمّا رأى أبو عبد اللّهعليه‌السلام أنّ ذلك الفعل كبر على أصحابه، قال: ( هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده )(١).

وجاء عن أحمد البزنطي، قال: ( وبعث إليّ الرضاعليه‌السلام بحمارٍ له، فجئت إلى صريا، فمَكث عامّة الليل معه، ثمّ أتيت بعشاء، ثمّ قال: ( افرشوا له ). ثمّ أتيت بوسادة طبريّة ومرادع وكساء قياصري وملحفة مروي، فلمّا أصبت مِن العشاء، قال لي: ( ما تريد أنْ تنام ؟).

قلت: بلى، جُعلت فداك. فطرح عليّ الملحفة والكساء، ثمّ قال: ( بيّتك اللّه في عافية ).

وكنّا على سطح، فما نزل مِن عندي، قلت في نفسي: قد نلت مِن هذا الرجل كرامة ما نالها أحدٌ قطّ(٢).

٢ - بِرّهم:

همّة العلماء، وهدفهم الأسمى، خدمة الدين، وبثّ التوعية الإسلاميّة، وتوجيه المسلمين نحو الخُلق الكريم والسُلوك الأمثل، وهذا ما يقتضيهم وقتاً واسعاً، وجهداً ضخماً، يعوقهم عن اكتساب الرزق وطلب المعاش كسائر الناس.

فلا بدّ والحالة هذه، للمؤمنين المعنيين بشؤون الدين، والحريصين على

_____________________

(١) سفينة البحار ج ٢، ص ٧١٩.

(٢) سفينة البحار ج ١، ص ٨١.

٣٣٩

كيانه... أنْ يوفّروا للعُلماء وسائل الحياة الكريمة، والعيش اللائق. وذلك بأداء الحقوق الشرعيّة إليهم، التي أمر اللّه بها، وندب إليها، مِن الزكاة والخُمس، ووجوه الخيرات والمبرّات. فهم أحقّ الناس بها، وأهمّ مصاديقها، ليستطيعوا تحقيق أهدافهم، والاضطلاع بمهامّهم الدينيّة، دون أنْ يعوقهم عنها طلب المعاش.

وقد كان الغيارى مِن المسلمين الأوّلين، يتطوّعون بأريحيّة وسخاء، في رصد الأموال، وإيجاد الأوقاف، واستغلالها لصالح العلماء، وتوفير معاشهم.

وكلّما تجاهل الناس أقدار العلماء، وغمطوا حقوقهم، أدّى إلى قلّة العلماء، وهبوط الطاقات الروحيّة، وضعف النشاط الديني. ممّا يُعرّض المجتمع الإسلامي لغزو المبادئ الهدّامة، وخطر الزيغ والانحراف.

٣ - الاهتداء بهم:

لا يستغني كلّ واعٍ مستنير، عن الرجوع إلى الأخصّائيّين في مختلف العلوم والفنون، للإفادة من معارفهم وتجاربهم، كالأطباء والكيمياويّين والمهندسين ونحوهم من ذوي الاختصاص.

وحيث كان العلماء الروحانيّون متخصّصين بالعلوم الدينيّة، والمعارف الإسلاميّة، قد أوقفوا أنفسهم على خدمة الشريعة الإسلاميّة، ونشر مبادئها وأحكامها، وهداية الناس وتوجيههم وجهة الخير والصلاح.. فجدير

٣٤٠

بالمسلمين أنْ يستهدوا بهم ويجتنوا ثمرات علومهم، ليكونوا على بصيرةٍ من عقيدتهم وشريعتهم، ويتفادوا دعايات الغاوين والمُضلّلين مِن أعداء الإسلام.

فإذا ما تنكّروا للعلماء المخلصين، واستهانوا بتوجيههم وإرشادهم... جهلوا واقع دينهم ومبادئه وأحكامه، وغدوا عرضةً للزيغ والانحراف.

أنظروا كيف يحرض أهل البيتعليهم‌السلام على مجالسة العلماء، والتزوّد من علومهم وآدابهم، في نصوص عديدة:

فعن الصادق، عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة )(١) والمراد بأهل الدين، علماء الدين العارفون بمبادئه، العاملون بأحكامه.

وجاء في حديث الرضا عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مجالسة العلماء عبادة )(٢).

وقال لقمان لابنه:( يا بني، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإنّ اللّه عزّ وجل يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الأرض بوابل السماء ) (٣) .

وعن الرضا عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : العلم خزائن، ومفتاحه (مفتاحها خ ل) السؤال، فاسألوا

_____________________

(١) البحار م ١ ص ٦٢، عن ثواب الأعمال، وأمالي الصدوق.

(٢) البحار م ١ ص ٦٤، عن كشف الغمّة.

(٣) البحار م ١ ص ٦٤، عن روضة الواعظين.

٣٤١

يرحمكم اللّه، فإنّه يؤجر فيه أربعة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمحبّ لهم )(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّما يهلك الناس لأنّهم لا يسألون )(٢).

_____________________

(١) البحار م ١ ص ٦٢، عن صحيفة الرضاعليه‌السلام وعيون أخبار الرضا.

(٢) الوافي ج ١ ص ٤٦، عن الكافي.

٣٤٢

حقوق الأساتذة والطلاب

الأساتذة المخلصون، المتحلّون بالإيمان والخلق الكريم، لهم مكانة سامية، وفضلٌ كبير على المجتمع، بما يسدون إليه مِن جهودٍ مشكورة في تربية أبنائهم، وتثقيفهم بالعلوم والآداب. فهم رواد الثقافة، ودعاة العلم، وبناة الحضارة، وموجهو الجيل الجديد.

لذلك كان للأساتذة على طلابهم حقوق جديرة بالرعاية والاهتمام. وأوّل حقوقهم على الطلاب، أنْ يوقّروهم ويحترموهم احترام الآباء، مكافأة لهم على تأديبهم، وتنويرهم بالعلم، وتوجيههم وجهة الخير والصلاح. كما قيل للإسكندر: إنّك تعظّم معلّمك أكثر مِن تعظيمك لأبيك !!! فقال: لأنّ أبي سبب حياتي الفانية، ومؤدّبي سبب الحياة الباقية.

قم للمعلّم وفّه التبجيلا

كاد المعلّم أنْ يكون رسولا

أرأيت أكرم أو أجلّ مِن الذي

يبني ويُنشئ أنفساً وعُقولا

وحسبُك في فضل المعلّم المُخلص وأجره الجزيل، ما أعربت عنه نصوص أهل البيتعليهم‌السلام :

فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يجيء الرجل يوم القيامة، وله مِن الحسنات كالسحاب الركام،

٣٤٣

أو الجبال الراوسي. فيقول: يا ربِّ، أنّى لي هذا ولم أعملها ؟ فيقول: هذا علمك الذي علمته الناس، يعمل به من بعدك )(١) .

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( مَن علّم بابَ هدىً فله مثل أجرِ مَن عمِل به، ولا ينقص أولئك مِن أُجورهم شيئاً، ومَن علّم بابَ ضلالٍ كان عليه مثل أوزار مَن عمِل به، ولا ينقص مِن أوزارهم شيئاً )(٢).

ومِن حقوق الأساتذة على الطلاّب: تقدير جهودهم ومكافأتهم عليها بالشكر الجزيل، وجميل الحفاوة والتكريم، واتّباع نصائحهم العلميّة، كاستيعاب الدروس وإنجاز الواجبات المدرسيّة.

ومِن حقوقهم كذلك: التسامح والإغضاء عمّا يبدر منهم مِن صرامة أو غلظة تأديبيّة، تهدف إلى تثقيف الطالب وتهذيب أخلاقه.

وأبلغ وأجمع ما أُثر في حقوق الأساتذة المربّين، قول الإمام عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام : ( وحقّ سايسك بالعلم: التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، وأنْ لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتّى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدّث في مجلسه أحداً، ولا تغتاب عنده أحداً، وأنْ تدفع عنه إذا ذُكر عندك بسوء، وأنْ تستر عيوبه، وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوّاً، ولا تعادِ له وليّاً. فإذا فعلت ذلك، شهد لك ملائكة اللّه بأنّك قصدته، وتعلّمت علمه للّه جلّ اسمه، لا للناس )(١).

_____________________

(١) البحار م ١ ص ٧٥، عن بصائر الدرجات للشيخ محمّد بن الحسن الصفّار.

(٢) الوافي ج ١ ص ٤٢، عن الكافي.

(٣) رسالة الحقوق للإمام السجّادعليه‌السلام .

٣٤٤

حقوق الطلاّب

لطلاّب العلم فضلهم وكرامتهم، باجتهادهم في تحصيل العِلم، وحفظ تراثه، ونقله للأجيال الصاعدة، ليبقى الرصيد العلمي زاخراً نامياً مدى القرون والأجيال.

من أجل ذلك، نوّهت أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام بفضل طلاب العلم، وشرف أقدارهم وجزيل أجرهم.

فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : طالب العِلم بين الجهّال كالحيّ بين الأموات )(١) .

وعن أبي عبد اللّه، قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن سلَك طريقاً يطلب فيه عِلماً، سلَك اللّه به طريقاً إلى الجنّة. وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العِلم رضاً به، وإنّه ليستغفر لطالب العلم مَن في السماء ومَن في الأرض حتّى الحوت في البحر. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر )(٢).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

_____________________

(١) البحار م ١ ص ٥٨، عن أمالي الشيخ أبي علي ابن الشيخ الطوسي.

(٢) الوافي ج ١ ص ٤٢، عن الكافي.

٣٤٥

( طلب العِلم فريضة على كلّ مسلمٍ، ألاّ إنّ اللّه يحبّ بُغاة العلم )(١).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : العالم والمتعلّم شريكان في الأجر، للعالم أجران وللمتعلّم أجرٌ، ولا خيرَ في سِوى ذلك )(٢).

ومِن الواضح أنّ تلك الخصائص الرفيعة، والمزايا المشرّفة، لا ينالها إلاّ طلاّب العلم المخلصون، المتذرّعون بطلبه إلى تزكية نفوسهم وتهذيب أخلاقهم، وكسب معرفة اللّه عزَّ وجل وشرف طاعته ورضاه، فإذا ما تجرّدوا مِن تلك الخصائص والغايات، حُرِموا تلك المآثر الخالدة، ولم يجنوا إلاّ المآرب الماديّة الزائلة.

وإليك مجملاً مِن حقوق الطلاّب:

١ - يجدر بأولياء الطلاّب والمعنيّون بتربيتهم وتعليمهم، أنْ يختاروا لهم أساتذة أكفّاء، متحلّين بالإيمان وحُسن الخُلق، ليكونوا قدوةً صالحة ونموذجاً حسناً لتلامذتهم.

فالطالب شديد التأثّر والمحاكاة لأساتذته ومربّيه، سرعان ما تنعكس في نفسه صفاتهم وأخلاقهم، ومِن هنا وجب اختيار المدرّسين المتّصفين بالاستقامة والصلاح.

٢ - ومن حقوق الطلاب: أنْ يستشعروا مِن أساتذتهم اللطف والإشفاق، فيُعامَلون معاملة الأبناء، ويتفادون جهدهم عن احتقارهم واضطهادهم ؛ لأنّ ذلك يحدث ردّ فعلٍ سيّئٍ فيهم، يوشك أنْ ينفّرهم مِن

_____________________

(١) الوافي ج ١ ص ٣٦، عن الكافي.

(٢) البحار م ١ ص ٥٦، عن بصائر الدرجات.

٣٤٦

تحصيل العلم.

لذلك كان مِن الحكمة في تهذيب الطلاّب وتشجيعهم على الدرس، مكافأة المُحسن بالمدح والثناء، وزجر المقصّر منهم بالتأنيب والتقريع، الذي لا يجرح العاطفة ويهدر الكرامة ويُحدث ردّ فعلٍ في الطالب.

انظر كيف يوصي الإمام زين العابدين بالمتعلّمين، في رسالته الحقوقيّة، فيقولعليه‌السلام : ( وأمّا حقّ رعيتك بالعلم، فإنّ تعلّم أنّ اللّه عزَّ وجل إنّما جعلك قيّماً لهم فيما أتاك من العلم، وفتح لك مِن خزائنه، فإنْ أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم، ولم تضجر عليهم، زادك اللّه مِن فضله، وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك، كان حقّاً على اللّه عزّ وجل أنْ يسلبك العلم وبهاءه، ويسقط من القلوب محلك ).

٣ - وهكذا يجدر بالأساتذة أنْ يُراعوا استعداد الطالب ومستواه الفكري، فيتدرّجوا به في مراقي العِلم حسب طاقته ومؤهّلاته الفكريّة، فلا يطلعونهم على ما يسمو على أفهامهم، وتقصر عنه مداركهم. مراعين إلى ذلك اتّجاه الطالب ورغبته فيما يختار مِن العلوم، حيث لا يحسن قسرِه على علم لا يرغب فيه، ولا يميل إليه.

٤ - ويحقّ للطلاّب على أساتذتهم أنْ يتعاهدوهم بالتوجيه والإرشاد، في المجالات العلميّة وغيرها من آداب السيرة والسلوك، لينشأ الطلاّب نشأةً مثاليّة، ويكونوا نموذجاً رائعاً في الاستقامة والصلاح.

وألزم النصائح وأجدرها بالإتّباع، أنْ يعلم الطالب اللبيب أنّه يجب أنْ تكون الغاية مِن طلب العلم هي - كما أشرنا إليه - تزكية النفس،

٣٤٧

وتهذيب الضمير، والتوصّل إلى شرف طاعة اللّه تعالى ورضاه. وكسب السعادة الأبديّة الخالدة.

فإنْ لم يستهدف الطالب تلك الغايات السامية، كان ماديّاً هزيل الغاية والمأرب، لم يستثمر العلم استثماراً واعياً.

وأصدق شاهد على ذلك، الأُمم المتحضّرة اليوم، فإنّها رغم سبقها وتفوّقها في ميادين العلم والاكتشاف، تعيش حياة مزرية مِن تفسّخ الأخلاق، وتسيّب القِيَم الروحيّة، وطغيان الشرور فيها لنزعتها الماديّة، وتجرّدها مِن الدين والأخلاق، وغدت مِن جرّاء ذلك تتبارى بأفتك الأسلحة للقضاء على خصومها ومنافسيها، ممّا صيّر العالم بركاناً يُنذر البشريّة بالدمار والهلاك.

هذه لمحات خاطفة من حقوق الأساتذة والطلاّب، ومَن شاء التوسّع فيها فليرجع إلى ما كتبه علماء الأخلاق في آداب المعلّمين والمتعلّمين، وحقوق كلٍّ منهما على الآخر.

٣٤٨

حقوق الوالدين والأولاد

حقوق الوالدين

كيف يستطيع هذا القلم أنْ يصوّر جلالة الأبوين، وفضلهما على الأولاد، فهما سبب وجودهم، وعماد حياتهم، وقوام فضلهم، ونجاحهم في الحياة.

وقد جهد الوالدان ما استطاعا في رعاية أبنائهما ماديّاً ومعنويّاً، وتحمّلا في سبيلهم أشدّ المتاعب والمشاقّ. فاضطلعت الأُمّ بأعباء الحمل، وعناء الوضع، ومشقّة الإرضاع، وجهد التربية والمداراة.

واضطلع الأب بأعباء الجهاد، والسعي في توفير وسائل العَيش لأبنائه، وتثقيفهم وتأديبهم، وإعدادهم للحياة السعيدة الهانئة.

تحمّل الأبوان تلك الجهود الضخمة، فرحين مغتبطين، لا يريدان مِن أولادهما ثناءً ولا أجراً.

وناهيك في رأفة الوالدين وحنانهما الجمّ، أنّهما يُؤثران تفوّق أولادهم عليهم في مجالات الفضل والكمال، ليكونوا مثاراً للإعجاب ومدعاةً للفخر والاعتزاز، خلافاً لما طبع عليه الإنسان مِن حبّ الظهور والتفوّق على غيره.

من أجل ذلك كان فضل الوالدين على الولد عظيماً وحقّهما جسيماً، سما على كلّ فضل وحقٌّ، بعد فضل اللّه عزّ وجل وحقّه.

٣٤٩

برّ الوالدين:

وهذا ما يحتّم على الأبناء النُّبلاء أنْ يُقدّروا فضل آبائهم وعظيم إحسانهم، فيجازونهم بما يستحقّونه مِن حُسن الوفاء، وجميل التوقير والإجلال، ولطف البرّ والإحسان، وسموّ الرعاية والتكريم، أدبيّاً وماديّاً.

أنظر كيف يعظم القرآن الكريم شأن الأبوين، ويحضّ على إجلالها ومصاحبتهما بالبرّ والمعروف، حيث قال:( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) ( لقمان: ١٤ - ١٥ ).

وقال تعالى:( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) ( الإسراء: ٢٣ - ٢٤ ).

فقد أعربت هاتان الآيتان عن فضل الوالدين ومقامهما الرفيع، وضرورة مكافأتهما بالشكر الجزيل، والبرِّ والإحسان اللائقين بهما، فأمرت الآية الأُولى بشكرهما بعد شكر اللّه تعالى، وقرنت الثانية الإحسان إليهما بعبادته عزّ وجل، وهذا غاية التعزيز والتكريم.

وعلى هدي القرآن وضَوئه تواترت أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام :

٣٥٠

قال الباقرعليه‌السلام : ( ثلاث لم يجعل اللّه تعالى فيهنّ رخصة: أداء الأمانة إلى البَرِّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبَرِّ والفاجر، وبرّ الوالدين بريّن كانا أو فاجرين )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ رجُلاً أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: يا رسول اللّه، أوصني. فقال: لا تشرك باللّه شيئاً، وإنْ حُرِقت بالنار وعذّبت إلاّ وقلبك مطمئنٌّ بالإيمان. ووالديك، فأطعهما وبرّهما حيّين كانا أو ميّتين، وإنْ أمَراك أنْ تخرج مِن أهلِك ومالك فافعل، فإنّ ذلك من الإيمان )(٢).

وعن أبي الحسنعليه‌السلام قال ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كن بارّاً، واقتصر على الجنّة، وإنْ كنت عاقّاً فاقتصر على النار )

وعنهعليه‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نظر الولد إلى والدَيه حبّاً لهما عبادة )(٤).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن أحبّ أنْ يُخفّف اللّه عزّ وجل عنه سكَرات الموت، فليكن لقرابته وصولاً، وبوالديه بارّاً، فإذا كان كذلك هوّن اللّه عليه سكَرات الموت، ولم يُصبه في حياته فقرٌ أبداً )(٥).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٩٣، عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٩١ - ٩٢، عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٣ ص ١٥٥، عن الكافي.

(٤) البحار م ١٦ ج ٤ ص ٢٤، عن كشف الغمّة الأربلي.

(٥) البحار م ١٦ ج ٤ ص ٢١، عن أمالي الشيخ الصدوق، وأمالي ابن الشيخ الطوسي.

٣٥١

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام : ( إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتته أُختٌ له مِن الرضاعة، فلمّا نظر إليها سرّ بها وبسط ملحفته لها، فأجلسها عليها، ثمّ أقبل يُحدّثها ويضحك في وجهها. ثمّ قامت فذهبت، وجاء أخوها فلم يصنع به ما صنّع بها. فقيل له: يا رسول اللّه، صنعت بأُخته ما لم تصنع به، وهو رجل ! فقال: ( لأنّها كانت أبرّ بوالديها منه )(١) .

* * *

وفي الوقت الذي أوصت الشريعة الإسلامية ببرِّ الوالدين والإحسان إليهما، فقد آثرت الأُمّ بالقسط الأوفر مِن الرعاية والبر، نظراً لما انفردت به مِن جهودٍ جبّارة وأتعابٍ مُضنية في سبيل أبنائها، كالحمل والرضاع، ونحوهما مِن وظائف الأُمومة وواجباتها المُرهقة.

فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( جاء رجلٌ إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا رسول اللّه، مَن أبرّ ؟ قال: أُمّك. قال: ثمّ مَن ؟ قال: أُمّك. قال: ثمّ مَن ؟ قال: أُمّك. قال: ثمّ مَن ؟ قال: أباك )(٢).

وعن إبراهيم بن مهزم قال: خرجت مِن عند أبي عبد اللّهعليه‌السلام ليلةً ممسياً، فأتيت منزلي في المدينة، وكانت أُمّي معي. فوقع بيني وبينها كلام، فأغلظت لها. فلمّا كان مِن الغد، صلّيت الغداة، وأتيت أبا عبد اللّهعليه‌السلام ، فلمّا دخلت عليه، قال لي مبتدئاً: ( يا أبا مهزم، مالك ولِخالدة ؟ أغلظت في كلامها البارحة، أما علِمت أنّ بطنها منزلٌ قد سكنته،

______________________________

(١) الوافي ج٣ ص٩٢، عن الكافي.

(٢) الوافي ج٣ ص٩٢، عن الكافي.

٣٥٢

وأنّ حِجرها مهدٌ قد غمزته، وثديها وعاءٌ قد شربته ؟ ) قال قلت: بلى. قال: فلا تغلظ لها(١).

واستمع إلى الإمام السجّادعليه‌السلام ، وهو يوصي بالأمّ، مُعدّداً جهودها وفضلها على الأبناء، بأُسلوبٍ عاطفيٍّ أخّاذ، فيقولعليه‌السلام :

( وأمّا حقّ أُمّك: أنْ تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحدٌ أحداً، وأعطتك مِن ثمرة قلبها ما لا يُعطي أحدٌ أحداً، ووَقَتك بجميع جوارحها، ولم تُبال أنْ تجوع وتُطعِمك، وتَعطش وتسقيك، وتعري وتكسوك، وتَضحى وتظلّك، وتهجر النوم لأجلك، ووَقَتك الحرّ والبرد لتكون لها، فإنّك لا تطيق شكرها إلاّ بعون اللّه وتوفيقه )(٢).

* * *

وبِرّ الوالدين، وإنْ كان له طيبتُه ووقعه الجميل في نفس الوالدين، بيد أنّه يزداد طيبةً ووقْعاً حسَناً عند عجزهما وشدّة احتياجهما إلى الرعاية والبر، كحالات المرض والشيخوخة، وإلى هذا أشار القرآن الكريم:( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ).

وقد ورد أنّ رجلاً جاء إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال:

_____________________

(١) البحار م ١٦ ج ٤ص ٢٣، عن بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفّار.

(٢) رسالة الحقوق للإمام السجادعليه‌السلام .

٣٥٣

يا رسول اللّه، إنّ أبَويّ بلغا مِن الكِبَر أنّي ألي منهما ما ولياني في الصغر، فهل قضيتهما حقّهما ؟ قال: ( لا، فإنّهما كانا يفعلان ذلك وهُما يحبّان بقاءك، وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما )(١) .

وعن إبراهيم بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : إنّ أبي قد كبُر جدّاً وضعُف، فنحن نحمله إذا أراد الحاجة.

فقال: ( إنْ استطعت أنْ تلي ذلك منه فافعل، ولقّمه بيدك، فإنّه جنّةٌ لك غداً )(٢).

* * *

وليس البرّ مقصوراً على حياة الوالدين فحسب، بل هو ضروري في حياتهما وبعد وفاتهما، لانقطاعهما عن الدنيا وشدّة احتياجهما إلى البرّ والإحسان.

فعن الصادقعليه‌السلام قال: ( ليس يتبع الرجل بعد موته مِن الأجر إلاّ ثلاث خصال: صدقةٌ أجراها في حياته وهي تجري بعد موته، وسنّة هدىً سَنّها فهي يُعمل بها بعد موته، أو ولدٌ صالح يدعو له )(٣).

مِن أجل ذلك فقد حرّضت وصايا أهل البيتعليهم‌السلام على برّ الوالدين بعد وفاتهما، وأكّدت عليه وذلك بقضاء ديونهما الماليّة أو العباديّة، وإسداء الخيرات والمبرّات إليهما، والاستغفار لهما، والترحّم عليهما. واعتبرت إهمال ذلك ضرباً مِن العقوق.

_____________________

(١) عن شرح الصحيفة السجاديّة، للسيّد علي خان.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٩٢، عن الكافي.

(٣) الوافي ج ١٣ ص ٩٠، عن الكافي والتهذيب.

٣٥٤

قال الباقرعليه‌السلام : ( إنّ العبد ليكون بارّاً بوالديه في حياتهما، ثمّ يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ولا يستغفر لهما، فيكتبه اللّه عاقّاً، وإنّه ليكون عاقّاً لهما في حياتهما غير بارٍّ بهما، فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما، فيكتبه اللّه تعالى بارّاً )(١).

وعن الصادق عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيّد الأبرار يوم القيامة، رجلٌ برّ والديه بعد موتهما )(٢) .

عقوق الوالدين

مِن الواضح أنّ نكران الجميل ومكافأة الإحسان بالإساءة، أمران يستنكرهما العقل والشرع، ويستهجنهما الضمير والوجدان، وكلّما عظُم الجميل والإحسان، كان جحودها أشدّ نكراً وأفظع جريرةً وإثماً.

وبهذا المقياس ندرك بشاعة عقوق الوالدين وفظاعة جرمه، حتّى عدّ مِن الكبائر الموجبة لدخول النار. ولا غرابة فالعقوق - فضلاً عن مخالفته المبادئ الإنسانيّة، وقوانين العقل والشرع - دالٌّ على موت الضمير، وضعف الإيمان، وتلاشي القِيَم الإنسانية في العاق.

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٩٣، عن الكافي.

(٢) البحار م ١٦ ج ٤ ص ٢٦، عن كتاب الإمامة والتبصرة لعليّ بن بابويه.

٣٥٥

فقد بذل الأبوان طاقات ضخمة وجهوداً جبّارة، في تربية الأبناء وتوفير ما يبعث على إسعادهم وازدهار حياتهم مادّيا وأدبيّاً، ما يعجز الأولاد عن تثمينه وتقديره.

فكيف يسوغ للأبناء تناسي تلك العواطف والألطاف ومكافأتها بالإساءة والعقوق ؟

مِن أجل ذلك حذّرت الشريعة الإسلاميّة مِن عقوق الوالدين أشدّ التحذير، وأوعدت عليه بالعقاب العاجل والآجل.

فعن أبي الحسنعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كن بارّاً، واقتصر على الجنّة، وإنْ كنت عاقّاً، فاقتصر على النار )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( لو عِلم اللّه شيئاً هو أدنى مِن أُفٍّ، لنهى عنه، وهو مِن أدنى العقوق، ومِن العقوق أنْ ينظر الرجل إلى والديه، فيحدّ النظر إليهما )(٢).

وقال الباقرعليه‌السلام : ( إنّ أبي نظر إلى رجلٍ ومعه ابنه يمشي، والابن مُتّكئ على ذراع الأب،قال: فما كلّمه أبيعليه‌السلام مقتاً له حتّى فارق الدنيا )(٣).

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة مِن الذنوب، تعجّل عقوبتها ولا تؤخّر إلى الآخرة: عقوق

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٥٥، عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٥٥، عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٣ ص ١٥٥، عن الكافي.

٣٥٦

الوالدين، والبغي على الناس، وكفر الإحسان )(١).

مساوئ العقوق:

وللعقوق مساوئٌ خطيرة، وآثارٌ سيّئة تنذر العاقّ وتتوعّده بالشقاء الدنيوي والأُخروي.

فمن آثاره أنّ العاقّ يعقّه ابنه... جزاءً وفاقاً على عقوقه لأبيه. وقد شهِد الناس صوراً وأدواراً مِن هذه المكافأة على مسرح الحياة.

مِن ذلك ما حكاه الأصمعي قال: حدّثني رجلٌ مِن الأعراب قال: خرجت من الحيّ أطلب أعقّ الناس وأبرّ الناس. فكنت أطوف بالأحياء، حتّى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل، يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجر والحرّ الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء من قدٍّ ملوي، يضربه به، قد شقّ ظهره بذلك الحبل.

فقلت له: أما تتّقي اللّه في هذا الشيخ الضعيف، أما يكفيه ما هو فيه مِن هذا الحبل حتّى تضربه ؟

قال: إنّه مع هذا أبي.

قلت: فلا جزاك اللّه خيراً.

قال: اسكت، فهكذا كان يصنع هو بأبيه، وكذا كان يصنع أبوه بجدّه.

_____________________

(١) البحار م ١٦ ج ٤ ص ٢٣، عن أمالي أبي علي ابن الشيخ الطوسي.

٣٥٧

فقلت: هذا أعقّ الناس.

ثمّ جلت أيضاً حتّى انتهيت إلى شابٍّ في عنقه زبيل، فيه شيخ كأنّه فرخ، فيضعه بين يديه في كلّ ساعة، فيزقّه كما يزقّ الفرخ.

فقلت له: ما هذا ؟

فقال: أبي، وقد خرف، فأنا أكفله.

قلت: فهذا أبرّ العرب. فرجعت وقد رأيت أعقّهم وأبرّهم(١).

ومِن آثار العقوق:

أنّه موجبٌ لشقاء العاق، وعدم ارتياحه في الحياة، لسخط الوالدين ودعائهما عليه.

وقد جاء في الحديث النبوي: ( إيّاكم ودعوة الوالد، فإنّها أحدّ مِن السيف ).

ومن آثار العقوق:

أنّ العاق يُشاهد أهوالاً مريعة عند الوفاة، ويُعاني شدائد النزع وسكرات الموت.

فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام : ( إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله حضَر شابّاً عند وفاته، فقال له: قل لا إله إلاّ اللّه. قال: فاعتقل لسانه مراراً ).

فقال لامرأة عند رأسه: ( هل لهذا أُم ؟ )

قالت: نعم، أنا أُمّه.

_____________________

(١) المحاسن والمساوئ، للبيهقي ج ٢ ص ١٩٣.

٣٥٨

قال: أَ فساخطةٌ أنتِ عليه ؟

قالت: نعم، ما كلّمته مُنذ ستّ حجج.

قال لها: ( ارضِ عنه ). قالت: رضي اللّه عنه برضاك يا رسول اللّه.

فقال له رسول اللّه: قل لا إله إلاّ اللّه. قال: فقالها.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ترى ؟

فقال أرى رجلاً أسوداً قبيح المنظر، وسِخ الثياب، منتن الريح، قد وليَني الساعة فأخذ بكظمي.

فقال له النبيّ: قل: ( يا مَن يقبل اليسير ويعفو عن الكثير، اقبل مّني اليسير واعفُ عن الكثير، إنّك أنت الغفور الرحيم ). فقالها الشاب.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنظر، ماذا ترى ؟

قال: أرى رجلاً أبيض اللون، حسن الوجه، طيّب الريح، حسن الثياب قد وليَني، وأرى الأسود قد تولّى عنّي.

قال: أعد، فأعاد.

قال: ما ترى ؟ قال: لست أرى الأسود، وأرى الأبيض قد وليَني ثمّ طغى على تلك الحال )(١).

ومِن آثار العقوق:

أنّه مِن الذنوب الكبائر التي توعّد اللّه عليها بالنار، كما صرّحت بذلك الأخبار.

والجدير بالذكر، أنّه كما يجب على الأبناء طاعة آبائهم وبرّهم والإحسان

_____________________

(١) البحار م١٦ ج٤ ص ٢٣، عن أمالي أبي عليّ ابن الشيخ الطوسي.

٣٥٩

إليهم، كذلك يجدر بالآباء أنْ يسوسوا أبناءهم بالحكمة، ولطف المداراة، ولا يخرقوا بهم ويضطروهم إلى العقوق والعصيان.

فعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يلزم الوالدين مِن العقوق لولدهما، إذا كان الولد صالحاً، ما يلزم الولد لهما )(١).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لعن اللّه والدين حمَلا ولدَهما على عقوقهما، ورحِم اللّه والدَين حمَلا ولدَهما على برّهما )(٢).

حقوق الأولاد:

الأولاد الصُلحاء هم زينة الحياة، وربيع البيت، وأقمار الأسرة، وأعزّ آمالها وأمانيها، وأجل الذخائر وأنفسها. لذلك أثنى عليهم أهل البيت وغيرهم من الحكماء والأدباء.

عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الولد الصالح ريحانةٌ مِن رياحين الجنّة )(٣).

وفي حديثٍ آخر، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مِن سعادة الرجل الولدُ الصالح )(٤).

_____________________

(١) البحار م ١٦ ج ٤ ص ٢٢، عن خصال الصدوق.

(٢) الوافي ج ١٤ ص ٥٠، عن الفقيه.

(٣) الوافي ج ١٢ ص ١٩٦، عن الكافي.

(٤) الوافي ج ١٢ ص ١٩٦، عن الفقيه.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517