أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت11%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 333440 / تحميل: 11883
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

يؤكّد كون الرواية لم تنقل كاملة ـ بل سقطت منها الكلمة التي هي على خلاف أهداف وأهواء القوم ـ ما أخرجه القندوزي الحنفي عن جابر بن سمرة قال : ( كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول: ( بعدي أثنا عشر خليفة ) ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي ما الذي أخفى صوته ؟ قال : قال : ( كلهم من بني هاشم ) ، وعن سماك بن حرب مثله )(١) ، ومن ذلك يتضح أنّ كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) كانت موجودة في الحديث ، ولعلّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( كلّهم من قريش من بني هاشم ) ، وهذا ما استشعره بعض علماء السنّة كابن الجوزي ، حيث قال في ( كشف المشكل ) : ( قد أطلت البحث عن معني هذا الحديث ، وتطلّبت مظانه ، سألت عنه ، فلم أقع على المقصود به ؛ لأنّ ألفاظه مختلفه ، ولا أشك أنّ التخليط فيها من الرواة )(٢) ، ويدعم هذا القول ما ذهب إليه ابن العربي ، بعد عجزه عن تفسير حديث الاثني عشر ، تفسيراً واقعياً ، قال : ( ولعلّه بعض حديث )(٣) ، ممّا يؤكّد سقوط كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) من الحديث .

٧ – الاثنا عشر خليفة أمان لأهل الأرض ، إذا ذهبوا ماجت الأرض بأهلها ، وإذا مضوا لا يبقى الدين قائماً ، ويفقد المسلمون منعتهم وصلاحهم ، وهذه المعاني التي جاءت في حديث الاثني عشر تلتقي وتلائم تمام الملائمة مع الروايات التي نقلها الفريقان بحق أهل البيت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقوله :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ٣١٥ ح ٩٠٨ .

(٢) نقلاً عن فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٣ .

(٣) شرح صحيح الترمذي : ج ٩ ص ٦٨ .

١٢١

أهل الأرض ) (١) .

٨ ـ قد افترضت نصوص الاثني عشر أنّ أولئك الخلفاء ( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) ، كما فهم هذا المعنى أيضاً ابن كثير في تفسيره عندما قال : ( ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ، ويعدل فيهم )(٢) ، ولا يجد المتتبّع تفسيراً واحداً من التفاسير لهذا الحديث ، يجمع فيه اثني عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، خصوصاً مع ما ذكرناه من وجوب كون أولئك الخلفاء سلسلة متكاملة ، ومتناسقة ومتوالية زماناً ، وهذا ما يثبت لنا عدم مصداقية أي تطبيق واقعي للحديث ، سوى أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين جعلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هداة مهديين من بعده ، وأمر بالتمسّك بهديهم ، وجعلهم عِدلاً للقرآن الكريم لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض .

٩ ـ من الخصائص المهمّة التي تضمّنتها أحاديث الاثني عشر قيموميّة أولئك الخلفاء على الدين والأمة ( اثنا عشر قيماً ) ، ولا شك أنّ القيموميّة تستدعي الرقابة والوصاية على الدين ، وعلى الأمّة الإسلامية ، وهذا المعنى لم يُدّع لأحد ، ولا ادّعاه غير أهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا هو مقتضى كونهم عِدلاً للقرآن الكريم ، وأيضاً مقتضى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( في كل خلوف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ؛ ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ ؛ انظر : المستدرك : الحاكم : ج ٢ ص ٤٤٨ ؛ قال فيه : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٠ ص ٢٠ ؛ النزاع والتخاصم : المقريزي : ص ١٣٢ ؛ وغيرها .

(٢) تفسير ابن كثير : ج ٢ ص ٣٤ .

١٢٢

توفدون ) (١) .

١٠ ـ إنّ الصخب ، واللغط ، والضجّة المفتعلة ، وقيام القوم وقعودهم ، وتصميتهم لجابر والحاضرين يثير الانتباه ، ويستدعي الريب ، ويكشف أنّ في الأمر شيئاً ، لا يريد القوم وصوله إلى مسامع الحاضرين ، ولم تكن هذه الحادثة فريدة نوعها ، بل فعل ذلك القوم أيضاً عندما ضجّوا ، وتنازعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما قال :( ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً ) ، فوقعت حينها الضجّة المفتعلة ، حتى قال بعضهم : إنّ النبي ليهجر ، وليس ذلك إلاّ للحرص على الخلافة ، وطمعاً بالملك والسلطان والإمارة وهو الذي قد أخبر عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مخاطبته لأصحابه بقوله :( إنّكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ) (٢) .

١١ ـ حديث ابن مسعود المتقدّم ، يكشف عن أنّ الصحابة هم الذين سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخلفاء من بعده ، وهذا يلفت النظر إلى نقطتين :

الأُولى : أنّه ليس من المنطقي أن يسأل الصحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأُمراء الذين يتسلّطون على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، وهو ذلك الرسول العظيم الذي ختم الرسالات فلا نبي بعده .

إذن لابد أن يكون السؤال عن الخلفاء الذين نصّبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، وهم أهل بيتهعليهم‌السلام بنص حديث الغدير وحديث الثقلين وغيرهما ، وهذا ديدن وطريقة اعتادها الصحابة آنذلك ، فقد سألوا أبا بكر وعمر عن الذي يلي الأمر من بعدهما .

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣١ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٤ ص ٣٥٥ ح ٧١٤٨ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٠ ص ٣٣٤ ؛ وغيرهما من المصادر الكثيرة .

١٢٣

الثانية : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من الإمرة والخلافة من يكون مؤهّلاً ومستحقّاً لها ، فلا معنى لحمل الحديث على أمثال معاوية ويزيد ومروان والوليد وأمثالهم ، الذين عاثوا في الأرض فساداً ، ولعبوا بمقدّرات الأمة الإسلامية بما شاءوا ورغبوا ، فالمراد من الخليفة هو مَن يستمد سلطته من الشارع الأقدس ، ومن أجل ذلك ذكر شارح سنن أبي داود في شرحه ( عون المعبود ) أنّ : ( السبيل في هذا الحديث ، وما يتعقّبه في هذا المعنى أن يحمل على المقسطين منهم ، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة )(١) .

١٢ ـ بعد أن صدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع بذكر الخلفاء من بعده ، وأنّهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ومن بني هاشم ، وكلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، لم يكتف بذلك ـ ولعلّه لما حصل من الضجّة واللغط المفتعل ـ بل قام خطيباً ، بعد رجوعه من حجّة الوداع في طريقه إلى المدينة في غدير خم ، ونصّب عليّاً خليفة من بعده ، فعيّن أوّل خليفة من الخلفاء الاثني عشر ، وبادر بعد ذلك قائلاً : ( إنّي تارك فيكم الخليفتين من بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) (٢) ، حينها عرف الناس مَن هم الخلفاء بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتمّ بذلك الحجّة على الخلق ، لكي يسدّ بذلك منافذ الريب والتشكيك ، ولئلاّ يقول أحد : إنّي لم أسمع ، أو خفي علي ، أو صمّنيها ، أو صمّتنيها الناس !! .

ـــــــــــــ

(١) عون المعبود : ج ١١ ص ٢٤٥ .

(٢) المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٦ ص ٣٠٩ ، كتاب السنّة ، عمرو بن أبي عاصم: ص ٣٣٧ ح ٧٥٤ ص ٦٢٩ ح ١٥٤٩ ؛ مسند أحمد : ج ٥ ص ١٨٢ ؛ المعجم الكبير: ج ٥ ص ١٥٣ ح ٤٩٢١ ص ١٥٤ ح ٤٩٢٢ ؛ مجمع الزوائد : ج ١ ص ١٧٠ قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله ثقات ) ، وكذا في ج ٩ ص ١٦٢ ، وقال في ص ١٦٣ : ( رواه أحمد وإسناده جيّد ) ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٤٠٢ ح ٢٦٣١ ؛ الدر المنثور : ج ٢ ص ٢٨٥ .

١٢٤

١٣ ـ ما ورد من الأحاديث المتضافرة التي نصّت على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ، والتي تناولت الأئمّة الاثني عشر بذكر أسمائهم على نحو التفصيل ، وهي كثيرة جدّاً نكتفي بذكر بعضها :

١ ـ ما جاء في فرائد السمطين للحمويني المصري(١) : ( عن مجاهد عن ابن عباس قال : قدم يهودي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال له : نعثل ، فقال : يا محمد إنّي أسألك عن أشياء ـ إلى أن قال ـ : فأخبرني عن وصيّك مَن هو ؟ ، فما من نبي إلاّ وله وصي ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، فقال :نعم ، إنّ وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وبعده سبطاي : الحسن ثم الحسين ، يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار ، قال : يا محمد فسمّهم لي ؟

قال :نعم ، إذا مضى الحسين فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحجّة ابن الحسن ، أئمّة عدد نقباء بني اسرائيل ، فهذه اثنا عشر )(٢) .

٢ ـ ونقل الحمويني أيضاً في فرائده : عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أيّها الناس

ـــــــــــــ

(١) أطرى عليه الذهبي ت / ٧٤٨ هـ في تذكرة الحفاظ قال : الإمام المحدث الأوحد الأكمل فخر الإسلام صدر الدين ، إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الخراساني الجويني شيخ الصوفية كان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الاجزاء ، حسن القراءة مليح الشكل مهيباً ديّناً صالحاً مات سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة تذكرة الحفّاظ ، الذهبي : ج ٤ ص ١٥٠٦ .

(٢) فرائد السمطين ، الحمويني : ج ٢ ص ١٣٣ ص ١٣٤ ح ٤٣١ ، وبنفس الألفاظ ما جاء في ينابيع المودة للقندوزي ، ج ٣ ص ٢٨٢.

١٢٥

إنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي ولكن أوصيائي منهم : أوّلهم أخي ، ووزيري ، ووارثي ، وخليفتي في أُمّتي ، وولي كل مؤمن بعدي ، هو أوّلهم ثم ابني الحسن ، ثم ابني الحسين ، ثم التسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض ) (١) ـ وهكذا ينقل الحمويني ذلك في مواطن عديدة ، وروايات عديدة وبطرق مختلفة ؛ فراجع .

٣ ـ الحافظ أبو محمد بن أبي الفوارس في كتابه ( الأربعين )(٢) .

كذلك أخرج ذكر الخلفاء من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسمائهم .

٤ ـ العلاّمة أبو مؤيد موفق بن أحمد المتوفّى (سنة ٥٦٨) في كتابه ( مقتل الحسين ) : ذكر الخلفاء أيضاً بأسمائهم المتقدّمة(٣) .

٥ ـ العلاّمة فاضل الدين محمد بن محمد بن إسحاق الحمويني الخراساني في ( منهاج الفاضلين )(٤) .

٦ ـ كذلك الحمويني في ( درر السمطين )(٥) .

٧ ـ العلاّمة الشيخ إبراهيم بن سليمان في كتاب ( المحجّة على ما في

ـــــــــــــ

(١) فرائد السمطين ، الحمويني ، السمط الأول : ج ١ ص ٣١٥ ـ ٣١٨ ح ٢٥٠ .

(٢) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٥٩ ؛ نقلاً عن كتاب الأربعين ، ابن أبي الفوارس : ص ٣٨ .

(٣) مقتل الحسين ، الخوارزمي : ص ١٤٦ ـ ١٤٧ .

(٤) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٦٨ ؛ نقلاً عن كتاب منهاج الفاضلين ، الحمويني : ص ٢٣٩ .

(٥) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ٤ ص ٩٣ ـ ٩٤ ؛ نقلاً عن كتاب درر السمطين ، الحمويني : ص ٧٢٢ .

١٢٦

ينابيع المودّة )(١) ، أيضاً ذكرهم بأسمائهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨ ـ العلاّمة المولى محمد صالح الكشفي الحنفي الترمذي ، في كتابه ( المناقب الرضوية )(٢) .

إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي تؤكّد هذا المعنى .

وعلى ضوء ما سلف ، يتحصّل أنّ العترة الطاهرة يمثّلون امتداداً طبيعياً لحركة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أبعاد الحياة ، وقد فرضوا شخصيّتهم رغم أنف الأعداء ، وقد أجمعت الأمة على أعلميّتهم وأهليّتهم للخلافة ، وأنّهم الأسوة الحسنة ، ويعد ذلك من أفضل الأدلة لإثبات أحقيّتهم ، وأهليّتهم للإمامة والقيادة ، وعصمتهم ؛ لأنّهمعليهم‌السلام جسّدوا النظرية الإسلامية على الواقع العملي ، فعندما نرصد حياة الأئمّةعليهم‌السلام ، وكيف كانوا إسلاماً متحركاً على الأرض ، وقرآناً ناطقاً يعيش بين الناس ؛ نستنتج مباشرة أن هذا المستوى الرفيع من الأسوة والقدوة لا يمكن أن تعكسه إلاّ شخصيات معصومة ، استجمعت فيها الصفات التي تؤهّلها لأن تكون منبع الهداية للبشرية ؛ لذا أجمعت الأمة على أنّ هؤلاء العترة لهم من الخصائص والمميزات ما لم تكن لغيرهم ، رغم ما عانوه من ظلم واضطهاد ، فهم الذين تنطبق عليهم خصوصيات الاثني عشر ، التي بيّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحاديث الأثني عشر المتقدمة ، ولكن أصحاب المطامع آلوا على أنفسهم إلاّ أن يُقصوا وينحّوا أهل البيتعليهم‌السلام عن مناصبهم ومراتبهم التي رتّبهم الله فيها ، ولم يكتفوا بذلك بل تمادوا في تعريض أهل البيتعليهم‌السلام لألوان الظلم والاضطهاد ، والمعاملة السيّئة الفظّة الغليظة ، التي يندى لها الجبين ، وتعتصر منها القلوب ألماً ومرارة ، ولم يكن لهم ذنب سوى أنّهم كانوا الامتداد الإلهي لخط الرسالة ، وكانوا أمناءها ، والرقباء عليها ، فهم الثقل الموازي للقرآن الكريم .

ـــــــــــــ

(١) المحجّة على ما في ينابيع المودّة ، الشيخ هاشم بن سليمان : ص ٤٢٧ .

(٢) المناقب المرتضوية ، محمد صالح الترمذي : ص ١٢٧ .

١٢٧

إذن ، ينبغي علينا كمسلمين أن نستنير بنور هؤلاء الهداة الميامين ، ونكون بذلك ممتثلين لأوامر الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وممّا تقدّم اتضحت الإجابة بخصوص ما قد يقال : من أنّ وصف عزّة الإسلام بأولئك الخلفاء الاثني عشر لا ينطبق على أئمّة الشيعة ، حيث الموقع السامي والريادي والمكانة العظيمة التي يمتلكها أهل البيتعليهم‌السلام في نفوس الأمة الإسلامية ، وهو ما أكّده علماء السنّة في أغلب كتبهم ، وبالإضافة إلى ذلك نقول :

إنّ عزة الإسلام وصلاحه وبقائه إلى قيام الساعة ، من المهام ، والوظائف الأساسية ، التي أناط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسؤوليتها ، وتحقيقها بأهل البيتعليهم‌السلام ، كما يكشف عن ذلك حديث الثقلين وحديث الغدير ، وأنّهم عِدل القرآن ، وأنّ النجاة والأمان والعزّة عند الله لا تنال إلاّ بالاعتصام والتمسّك بهم ، ومَن يتبعهم يكون عزيزاً بعزّة الله ، مرضيّاً عنده تعالى .

كما أخرج ذلك الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأُمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (١) ، ثم علّق عليه قائلاً : هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٤٩ .

١٢٨

وبنفس المضمون ما ورد في عدّة كثيرة من المصادر عن عمر : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( في كل خلوف من أُمّتي عدول أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن توفدون ) (١) .

وعن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن ، غرسها ربّي ، فليوال عليّاً ، وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ) (٢) .

وعن عمار بن ياسر ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أوصي مَن آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب ، مَن تولاّه فقد تولاّني ، ومَن تولاّني فقد تولّى الله عزّ وجلّ ، ومَن أحبّه فقد أحبّني ، ومَن أحبّني فقد أحبّ الله تعالى ، ومَن أبغضه فقد أبغضني ، ومَن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجلّ ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد : ( رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا )(٣) .

وقد أخرجها ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق بطرق كثيرة(٤) .

وعن وهب بن حمزة قال : ( صحبت عليّاً إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره ، فقلت لأن رجعت لأشكونّك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قدمت لقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــ

(١) ذخائر العقبى ، محي الدين الطبري : ص ١٧ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٥٢ ؛ رشفة الصادي ، أبو بكر الحضرمي : ص ١٧ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١١٤ .

(٢) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٢٤٠ ؛ حلية الأولياء ، الحافظ أبي نعيم الأصفهاني : ج ١ ص ٨٦ .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٨ ، ١٠٩ .

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٢ ص ٢٣٩ وما بعدها .

١٢٩

فقلت : رأيت من علي كذا وكذا ، فقال :لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي )(١) .

وعن زيد بن أرقم قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن أحبّ أن يحيا حياتي ويموت موتتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فإنّ ربّي عزّ وجلّ غرس قصباتها بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، فإنّه لن يخرجكم من هديي ولن يدخلكم في ضلالة ) (٢) ، قد أخرجه الحاكم في المستدرك وقال عنه : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

إلى غير ذلك من المصادر الكثيرة ، والروايات المتواترة معنىً ومضموناً ، مع صحّتها وصراحتها ، وأدنى ما نجيب عمّن أراد التشكيك بها : أنّها تفيد القطع واليقين ؛ لتعدّد ألفاظها ، وكثرة طرقها ، والمصادر التي نقلتها ، فهي أحاديث نبويّة يقوّي بعضها بعضاً لإثبات مضمونها بالقطع واليقين ، وهو وجوب التمسّك بولاية أهل البيتعليهم‌السلام واتّباع هديهم .

إذن بأهل البيتعليهم‌السلام وباتباعهم تتحقق عزّة الإسلام ، والحفاظ على وجوده الحقيقي وقيمه ومبادئه الأصيلة ، من التقوى والإخلاص والاستقامة والصلاح وغيرها من المعارف الروحية والقيم الأخلاقية ، وليست عزّة الإسلام بالتظاهر بالإسلام ، واتخاذه شعاراً للتسلّط على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، ومن هنا نجد أنّ الحكم الإسلامي على يد الظلمة تحوّل إلى ما كان عليه قبل الإسلام من كونه ملكاً عضوضاً لا يحمل من قيم الإسلام شيئاً .

إذن عزّة الإسلام لا تتحقق إلاّ في حفظ الإسلام الحقيقي ، الذي لا يتحقق إلاّ باتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢٢ ص ١٣٥ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٠٩ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٤ ص ٤٧٠ ـ ٤٧١ .

(٢) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ١٩٤ .

(٣) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٣٠ .

١٣٠

الأُمّة لم تجتمع على أهل البيتعليهم‌السلام

وأمّا عبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) ، وأنّ أهل البيتعليهم‌السلام ما أجتمعت عليهم الأُمّة فجوابها :

١ ـ إنّ رواية الاثني عشر خليفة المتضمّنة لعبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) لم ترد في الكتب الحديثية ، والمصادر السنّية ، إلاّ في سنن أبي داود ومسند البزار ، ولم يخرجاها إلاّ بسند واحد ضعيف ، كما ذكر ذلك الألباني ، في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، حيث قال : ( وأخرجه أبو داود ( ٢ / ٢٠٧) من طريق إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه ، عن جابر بلفظ : لا يزال هذا الدين قائماً ، حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة ، كلّهم من قريش ، وأخرجه البزار (١٥٨٤ ـ كشف) عن أبي جحيفة نحوه ، وهذا سند ضعيف ، رجاله كلهم ثقات ، غير أبي خالد هذا ، وهو الأحمسي ، وقد تفرّد بهذه الجملة ( كلهم تجتمع عليه الأمة ) ، فهي منكرة )(١) ، والتضعيف ذاته ذكره أيضاً في تعليقته على سنن أبي داود ، حيث قال بعد أن أورد الحديث : ( صحيح : دون قوله ( تجتمع عليه الأمة ) )(٢) .

٢ ـ من الشواهد التي تؤكّد عدم صحّة صدور هذه العبارة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عدم انطباقها على الواقع أصلاً ، حيث لم نجد شخصاً اجتمعت عليه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل البعض ممّن ادعي كونه من الخلفاء الاثني عشر ، لم يجتمع عليه أغلب الأمة ، فضلاً عن جميعها .

ـــــــــــــ

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : مج ١ ، ق ٢ ، ص ٧٢٠ ح ٣٧٦ .

(٢) صحيح سنن أبي داود الألباني : ج ٣ ص ١٩ ح ٤٢٧٩ .

١٣١

ولذا قال ابن كثير في البداية والنهاية ( فإن قال : أنا لا اعتبر إلاّ مَن اجتمعت الأمة عليه ، لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولا ابنه ؛ لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما ؛ وذلك أنّ أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما ، ولم يقيّد بأيام مروان ، ولا ابن الزبير كأنّ الأمّة لم تجتمع على واحد منهما )(١) .

وهذا ما اعترف به ابن حجر العسقلاني أيضاً في فتح الباري(٢) .

٣ ـ إن أكثر مَن أدعي اجتماع الأمة عليه ، كيزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، والوليد ، و مروان الحمار ، وغيرهم لم يكن متوفّراً على خصائص الخلفاء الاثني عشر ، من كونهم يعملون بالهدى ودين الحق ، وأنّهم قيّمون على الدين ، والدين قائم بهم ، وغير ذلك من الصفات السامية ، التي تقدّم ذكر بعضها .

الخلاصة

١ ـ إنّ حديث الاثني عشر ، حقيقة صادرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تواترت الروايات من الفريقين بنقلها بألسن مختلفة ، كلّها تشير إلى مضمون واحد ، ومن هذه الروايات قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٦ ص ٢٨٠ .

(٢) فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٢ .

(٣) مسند أحمد : ج ٥ ص ٩٧ ص ١٠٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ٦١٨ ؛ انظر : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٩٠ وقد صحّحه .

١٣٢

٢ ـ إنّ أهل السنّة لم يتمكّنوا أن يقدّموا تفسيراً واقعيّاً لحقيقة الاثني عشر خليفة ، وإنّ تفسيراتهم المضطربة والمتناقضة فيما بينها خير شاهد على عجزهم عن فهمها وتفسيرها ، على الرغم ممّا ارتكبوه من تكلّف ظاهر على حدّ تعبير بعضهم ، لا سيّما وأنّ البعض(١) قد أوكل تفسير حديث الاثني عشر إلى الله تعالى بعد أن عجز عن تفسيره تفسيراً صحيحاً .

٣ ـ إنّ الخصائص والمميزات التي تحملها أحاديث الاثني عشر ، لا تنطبق في الواقع الخارجي إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام ، فمثل صفة ( صلاح أمر الأُمّة والناس بهم ) و( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) و( إذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) ، ونحوها ، لا تنسجم ولا تنطبق إلاّ على عترة أهل البيتعليهم‌السلام ، فضلاً عمّا يحمله أهل البيتعليهم‌السلام من خصائص ومميّزات استثنائية ، وما يحملونه من مؤهّلات علمية وعملية بإجماع أهل العلم ، وعلى جميع المستويات الفكرية والروحية ونحوها ، كل هذا يؤكّد ويدعم كون حديث الاثني عشر لا يمكن انطباقه إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٢ ص ٢٠٣ .

١٣٣

الفصل الثالث: غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف)

الشبهة :

١ ـ ما الفائدة من وجود إمام غائب ؟

٢ ـ إنّ الحجّة عند الشيعة لا تقوم إلاّ بإمام ، فكيف يترك الإمامة ويغيب ؟

الجواب :

قبل البدء ينبغي ذكر تمهيد مختصر له مدخليّة في الإجابة .

تمهيد :

إنّ الشريعة التي جاء بها الدين الإسلامي ما هي ـ في مجملها ، وحقيقتها ، وبكل جوانبها ـ إلاّ خطّة إلهيّة أُعدّت بإحكام ، ووُضعت من أجل ترشيد المجتمع البشري نحو الأصلح والأقوم ، وبلوغ السعادة في الدارين .

وقد وعد الله تعالى البشرية ـ التي عانت طوال حياتها من الظلم ، والجور ـ أن يسودها العدل والأمان في الأرض .

قال تعالى :( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ ) (١) .

وقال تعالى أيضاً :( وَنُرِيدُ أَن نمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٢) .

إلاّ أنّ تحقق هذا الهدف على أرض الواقع يتوقّف على توفّر شرائطه ، التي شاء الله عزّ وجلّ بحكمته أن تكون من طرقها الطبيعية ، وضمن ما هو المألوف ، لا بشكل إعجازي وخارق لما هو المعتاد .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٣٣ .

(٢) القصص : ٥ .

١٣٤

وحيث إنّ الله تعالى ـ لحكمته ولطفه بعباده ـ قد نصّب أولياء هداة معصومين ، يمثّلون امتداداً طبيعياً للرسالة المحمّديّة ، فهم أُمناء الوحي والرسالة ، وحجّة الله على العباد ، وهم الأئمّة الاثنا عشرعليهم‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوّلهم الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وآخرهم الإمام المهديعليه‌السلام ، وقد ثبت ذلك مسبقاً ، بمقتضى عدد وافر من الآيات القرآنية ، كآية الولاية ، وآية أُولي الأمر ، وآية التطهير ، وآيات البلاغ في الغدير ، وآية المودّة في القربى(١) وغيرها ، مضافاً إلى عدد كبير جداً من الأحاديث النبويّة التي رواها أصحاب الصحاح من أهل السنّة ، كحديث الثقلين المتواتر الذي مفاده أنّ أهل البيتعليهم‌السلام لن يفترقوا عن القرآن حتى يردوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض(٢) ، فكما أنّ القرآن باقٍ إلى يوم القيامة كذلك أهل البيتعليهم‌السلام ، وكحديث الخلفاء الاثني عشر (كلّهم من قريش)(٣) ، وحديث السفينة(٤) ، وأهل بيتيعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض(٥) وأتاهم ما يوعدون ، وغير ذلك من الأحاديث الدالّة على بقاء الإمامة الإلهية ، واستمرارها في الأرض .

ـــــــــــــ

(١) الآيات : المائدة : ٥٥ ، النساء : ٥٩ ، الأحزاب : ٣٣ ، المائدة : ٦٧ .

(٢) السنن الكبرى ، النسائي : ج ٥ ص ٤٥ ص ١٣٠ ؛ خصائص أمير المؤمنين : النسائي : ص ٩٣ ؛ المعجم الصغير ، الطبراني : ج ١ ص ١٣١ ص ١٣٥ .

(٣) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ٨٧ ـ ٨٨ .

(٤) مجمع الزوائد : الهيثمي ، ج ٩ ص ١٦٨ ، المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٨٥ .

(٥) شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ .

١٣٥

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ خلفائي ، وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي ، الاثنا عشر ، أوّلهم عليّ ، وآخرهم ولدي المهدي ) (١) .

وشاءت الإرادة الإلهية أن يكون الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ـ الذي يمثّل الحلقة الأخيرة من سلسلة الأئمّة الهداة ـ مصلحاً للبشرية ، ومحققاً للهدف النهائي ، والثمرة الكبيرة والمرجوّة من رسالات السماء وبعث الأنبياء ، قال تعالى :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنّ اللهَ قَوِيّ عَزِيزٌ ) (٢) .

إذن فلابدّ ـ بحسب التخطيط الإلهي ـ من إقامة العدل ، والسلام في العالم ، بعد انتشار الظلم والجور والفساد في ربوع الأرض وأرجائها ، وهو ما نشاهده ونراه بالحس والعيان في كل حدب وصوب ، وهذا ما يتطابق مع ما تنبّأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( تملأ الأرض ظلماً وجوراً ، ثم يخرج رجل من عترتي ، يملك سبعاً أو تسعاً ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ) (٣) ، فكما أنّ الأرض مُلئت وستُملأ بالجور والفساد والظلم ، لابدّ لها من يوم تُملأ فيه عدلاً وقسطاً ، على يد الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٢٩٥ .

(٢) الحديد : ٢٥ .

(٣) سنن أبي داود ، السجستاني : ج ٤ ص ٧١٢ ح ٤٢٧٦ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٣ ص ٢٨ ص ٣٦ ص ٧٠ ؛ المستدرك الحاكم : ج ٤ ص ٥٥٧ ؛ وانظر مجمع الزوائد : الهيثمي : ج ٧ ص ٣١٤ ، وقال فيه : ( رواه الترمذي وغيره باختصار ، رواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلى باختصار ، ورجالهما ثقات ) ؛ وانظر : المصنف : الصنعاني : ج ١١ ص ٣٧٢ ـ ٣٧٣ .

١٣٦

إلاّ أنّ النقطة الجديرة بالذكر هي أنّ تحقق هذا الهدف ، وهو إقامة العدل والقسط في الأرض ، يتوقّف على توفّر شرائطه التي أراد الله تعالى بحكمته أن تكون من الطريق الطبيعي لا الإعجازي ، وهذا ما جرت عليه السنن الإلهية في هذا العالم ، فقد قال تبارك وتعالى :( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ ) (١) ، وقال تعالى أيضاً :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقال تعالى :( وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلُِيمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ ) (٣) ، وقال :( وَتِلْكَ الأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ * وَلِيُمَحّصَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ ) (٤) ، وغير ذلك من الآيات المباركة ، التي تكشف عن أنّ التخطيط الإلهي لجريان السنن في هذا العالم مبنيّ على السير الطبيعي للبشرية ، إلاّ في الظروف الخاصّة والاستثنائية ، التي تقتضي فيها الحكمة الإلهية إنجاز الهدف والوصول إليه عن طريق الإعجاز وخرق المعتاد ، وذلك كإثبات أصل نبوّة الأنبياء مثلاً .

وإقامة العدل على هذه الأرض جاء ضمن ذلك الإطار ، فلكي يتحقق على أرض الواقع ويحين أجله ، لابد من اكتمال جميع شرائطه ، وعلى ضوء ذلك كانت غيبة إمامنا المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) جزءاً من هذا التخطيط والحكمة الإلهية ، من أجل أن تكتمل باقي الشرائط لظهور الحق وإقامة العدل ، تلك الشرائط التي يتحقق معظمها في أحضان الغيبة ، وهذا ما أخبر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في روايات عديدة من كتب الفريقين :

ـــــــــــــ

(١) الأنفال : ٣٧ .

(٢) الأنفال : ٤٢ .

(٣) آل عمران : ١٥٤ .

(٤) آل عمران : ١٤٠ ـ ١٤٢ .

١٣٧

منها : ما أخرجه الإربلي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لمّا أنزل الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمَن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هم خلفائي من بعدي يا جابر ، وأئمة الهدى بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه عنّي السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم سميّي وكنيّي ، وحجّة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده محمد بن الحسن بن عليّ ، ذلك الذي يفتح الله عزّ وجلّ على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الذي يغيب عن شيعته ، وأوليائه ، غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان ) ، فقال جابر : فقلت : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أي والذي بعثني بالحق ، إنّهم ليستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سر الله ، ومخزون علم الله ، فاكتمه إلاّ عن أهله ) (٢) .

وعن علي بن علي الهلالي ، عن أبيه قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه قال : فبكت حتى ارتفع صوتها ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إليها فقال :حبيبتي فاطمة ،

ـــــــــــــ

(١) النساء : ٥٩ .

(٢) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٣ ص ٣٩٩ .

١٣٨

ما الذي يبكيك ، فقالت :أخشى الضيعة بعدك ، فقال :يا حبيبتي ، أما علمت أن الله ـ عزّ وجلّ ـ اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته ، ثم أطلع إلى الأرض اطلاعه فاختار منها بعلك ، وأوحى إليّ أن أنكحك إيّاه ، يا فاطمة ، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تُعط لأحد قبلنا ولا تُعطى أحداً بعدنا : أنا خاتم النبيّين ، وأكرم النبيّين على الله ، وأحب المخلوقين إلى الله عزّ وجلّ وأنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو عمّك حمزة بن عبد المطلب ، وعمّ بعلك ، ومنّا مَن له جناحان أخضران يطير مع الملائكة في الجنّة حيث شاء ، وهو ابن عم أبيك ، وأخو بعلك ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة ، وهما ابناك الحسن والحسين ، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما ـ والذي بعثني بالحق ـ خير منهما يا فاطمة ـ والذي بعثني بالحق ـ إنّ منهما مهدي هذه الأُمّة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن ، وتقطّعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً ، فيبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منهما مَن يفتح حصون الضلالة ، وقلوباً غلفاً يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ، ويملأ الدنيا عدلاً كما مُلئت جوراً ، يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي ، فإنّ الله عزّ وجلّ أرحم بك وأرأف عليك منّي ؛ وذلك لمكانك من قلبي ، وزوّجك الله زوجاً ، وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً ، وأرحمهم بالرعيّة ، وأعدلهم بالسوية ، وأبصرهم بالقضية ، وقد سألت ربّي عزّ وجلّ أن تكوني أوّل مَن يلحقني من أهل بيتي ، قال علي رضي الله عنه :فلمّا قُبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تبق فاطمة رضي الله عنهابعده إلاّ خمسة

١٣٩

وسبعين يوماً حتى ألحقها الله عزّوجلّ به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه : الهيثم بن حبيب ، قال أبو حاتم : منكر الحديث وهو متهم بهذا الحديث(١) .

أقول : ولم يجدوا في الهيثم بن حبيب مطعناً سوى روايته لهذا الحديث في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، وله نظائر كثيرة !!

وعن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة :نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة ، ومنّا مَن له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث شاء وهو ابن عمّ أبيك جعفر ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة الحسن والحسين وهما ابناك ومنّا المهدي .

رواه الطبراني في الصغير وفيه قيس بن الربيع وهو ضعيف وقد وثق ، وبقيّة رجاله ثقات(٢) .

ومنها : ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري أيضاً : قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة ، تضل فيها الأُمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها عدلاً كما مُلئت جوراً ) (٣)

وغير ذلك من الروايات ، الدالة على ضرورة الغيبة ، من أجل اكتمال شرائط الظهور ، وإقامة العدل والقسط ؛ وذلك من خلال تخطّي البشرية لمراحل عديدة من التمحيص والفتن والحيرة ، والابتلاء .

ـــــــــــــ

(١) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٦٥ ـ ١٦٦ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٩ ص ١٦٦ .

(٣) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٣٨٦ .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وقال أبو الحسنعليه‌السلام : ( إنّ اللّه تعالى إذا أراد بعبدٍ خيراً لم يُمِته حتّى يريه الخلَف )(١) .

وقال حكيمٌ في ميّت: ( إنّ كان له ولد فهو حي، وإنْ لم يكن له ولد فهو ميّت ).

وفضل الولد الصالح ونفعه لوالديه لا يقتصر على حياتهما فحسب، بل يسري حتّى بعد وفاتهما، وانقطاع أملهما من الحياة.

عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( ليس يتبع الرجل بعد موته مِن الأجر إلاّ ثلاث خِصال: صدقةٌ أجراها في حياته وهي تجري بعد موته، وسنّة هدىً سنّها فهي يُعمل بها بعد موته، أو ولدٌ صالح يدعو له )(٢).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مرّ عيسى بن مريم بقبرٍ يُعذّب صاحبه، ثمّ مرّ به مِن قابل فإذا هو لا يعذّب. فقال: يا ربّ، مررت بهذا القبر عام أوّل وكان يُعذّب !. فأوحى اللّه إليه. إنّه أدرك له ولدٌ صالح فأصلح طريقاً، وآوى يتيماً، فلهذا غفرت له بما فعل ابنه. ثمّ قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ميراث اللّه من عبده المؤمن ولدٌ يعبده مِن بعده ).

ثمّ تلا أبو عبد اللّهعليه‌السلام آية زكريّا على نبيّنا وآله وعليه‌السلام :( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً ) ( مريم: ٥ - ٦ )(٣).

_____________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ١٩٧، عن الفقيه.

(٢) الوافي ج ١٣ ص ٩٠، عن الكافي.

(٣) الوافي ج ١٢ ص ١٩٧، عن الكافي.

٣٦١

ومِن الواضح أنّ صلاح الأبناء واستقامتهم لا يتسنّيان عفَواً وجزافاً، وإنّما يستلزمان رعايةً فائقة، واهتماماً بالغاً في إعدادهم وتوجيههم وجهة الخير والصلاح.

مِن أجل ذلك وجَب على الآباء تأديب أولادهم وتنشئتهم على الاستقامة والصلاح، ليجدوا ما يأملون فيهم مِن قرّة عين، وحسن هدىً وسلوك.

قال الإمام السجادعليه‌السلام : ( وأمّا حقّ ولدك: فأنْ تعلم أنّه منك، ومضافٌ إليك في عاجلِ الدنيا بخيره وشرّه. وإنّك مسؤولٌ عمّا وليته من حسن الأدب، والدلالة له على ربّه عزَّ وجل، والمعونة له على طاعته. فاعمل في أمره عمَلَ مَن يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه، معاقبٌ على الإساءة إليه )(١).

فالآباء مسؤولون عن تهذيب أبنائهم وإعدادهم إعداداً صالحاً، فإنْ أغفلوا ذلك أساؤا إلى أولادهم، وعرّضوهم لأخطار التخلّف والتسيّب الديني والاجتماعي.

ويحسن بالآباء أنْ يبادروا أبناءهم بالتهذيب والتوجيه، منذ حداثتهم ونعومة أظفارهم، لسرعة استجابتهم إلى ذلك قبل تقدّمهم في السن، وروسوخ العادات السيّئة والأخلاق الذميمة فيهم، فيغدون آنَ ذاك أشدُّ استعصاءً على التأديب والإصلاح.

_____________________

(١) رسالة الحقوق، للإمام عليّ بن الحسينعليه‌السلام .

٣٦٢

حكمة التأديب:

وهكذا يجدر بالآباء أنْ يتحرّوا القصد، والاعتدال في سلطتهم، وأساليب تأديب أبنائهم، فلا يسوسونهم بالقسوة والعنف ممّا يعقّدهم نفسيّاً، ويبعثهم على النفرة والعقوق. ولا يتهاونوا في مؤاخذتهم على الإساءة والتقصير، فيستخفّون بهم ويتمرّدون عليهم، فإنّ ( مَن أمِن العقوبة أساء الأدب ).

وخير الأساليب في ذلك هو التدرّج في تأديب الأبناء وتقويمهم، وذلك بتشجيعهم على الإحسان، بالمدح والثناء وحسن المكافأة، وبنصحهم على الإساءة. فإنْ لم يجدهم ذلك، فبالتقريع والتأنيب، وإلاّ فبالعقوبة الرادعة، والتأنيب الزاجر.

المدرسة الأولى للطفل:

والبيت هو المدرسة الأولى للطفل، يترعرع في ظلاله، وتتكامل فيه شخصيّته، وتنمو فيه سجاياه، متأثّراً بأخلاق أبَويه وسلوكهما. فعليهما أنْ يكونا قدوةً حسنة، ومثلاً رفيعاً، لتنعكس في نفسه مزاياهم وفضائلهم.

٣٦٣

منهاج التأديب:

١ - وأوّل ما يُبدأ به في تهذيب الطفل، تعليمه آداب الأكل والشرب: كغسل اليدين قبل الطعام وبعده، والأكل بيمينه، وإجادة المضغ، وترك النظر في وجوه الآكلين، والرضا والقنوع بالمقسوم مِن الرزق. ونحو ذلك مِن الآداب.

٢ - ويراضُ الطفلُ على أدب الحديث، والكلام المهذّب، والقول الحسن، ومنعه عن الفُحش، والبَذاء، والاغتياب، والثرثرة، وما إلى ذلك من مساوئ اللسان وأنْ يُحسن الإصغاء، كما يُحسن الحديث، فلا يقاطع متحدثاً حتى ينتهي من حديثه.

٣ - وأهمّ ما يعني به في توجيه الأولاد، غرس المفاهيم الدينيّة فيهم، وتنشئتهم على العقيدة والإيمان، بتعليمهم أُصول الدين وفروعه بأُسلوبٍ يلائم مستواهم الفكري، ليكونوا على بصيرةٍ مِن عقيدتهم وشريعتهم، مُحصنّين ضدّ الشُّبَه المُضلِّلة مِن أعداء الإسلام:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ( التحريم: ٦ ).

٤ - وعلى الآباء أنْ يروّضوا أبناءهم على التخلّق بالأخلاق الكريمة والسجايا النبيلة: كالصدق، والأمانة، والصبر، والاعتماد على النفس.

وتحريضهم على حسن معاشرة الناس: كتوقير الكبير، والعطف على

٣٦٤

الصغير، وشكر المُحسن، والتجاوز ما وسعهم عن المسيء، والتحنّن على البؤساء والمعوزين.

٥ - ومِن المهمّ جدّاً منع الأبناء مِن معاشرة القرناء المنحرفين الأشرار، وتحبيذ مصاحبة الأخدان الصلحاء لهم، لسرعة تأثّرهم بالأصدقاء، واكتسابهم مِن أخلاقهم وطباعهم، كما قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ).

وقد شهِد الناس كثيراً مِن مآسي الشباب الذين انحرفوا عن النهج السويّ، وتدهوروا في مهاوي الرذيلة والفساد، لتأثّرهم بقُرناء السوء، وأخدان الشر.

٦ - وهكذا يُحسن بالآباء أنْ يستطلعوا مواهب أبنائهم وكفاءاتهم، ليوجّهوهم، في ميادين الحياة وطرائق المعاش، حسب استعدادهم ومؤهّلاتهم الفكريّة والجسميّة: مِن طلب العلم، أو ممارسة الصناعة، أو التجارة ؛ ليستطيعوا الاضطلاع بأعباء الحياة، ويعيشوا عيشاً كريماً.

٣٦٥

الحقوق الزوجيّة

فضل الزواج

الزواج: هو الرابطة الشرعيّة المقدّسة، وشركة الحياة بين الزوجين. شرّعه اللّه عزّ وجل لحفظ النوع البشري وتكاثره، وعمران الأرض وازدهار الحياة فيها.

وقد رغّبت فيه الشريعة الإسلاميّة وحرّضت عليه كتاباً وسنّة:

قال تعالى:( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ( النور: ٣٢ ).

وقال سُبحانه:( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ( الروم:٢١ ).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما بُنيَ بناءً في الإسلام أحبُّ إلى اللّه مِن التزويج )(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن تزوّج أحرَز نصف دينه، فليتقّ اللّه في النصف الآخر )(٢).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( النكاح سنّتي، فمَن رغِب عن سنّتي، فليس منّي )(٣).

_____________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ١١، عن الفقيه.

(٢) الوافي ج ١٢ ص ١١، عن الكافي.

(٣) البحار م ٢٣ ص ٥١، عن مكارم الأخلاق للطبرسي.

٣٦٦

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( تزوّجوا فإنّي مكاثر بكم الأُمَم غداً يوم القيامة، حتّى أنّ السقط يجيء محبنطئاً على باب الجنّة، فيُقال له أدخل، فيقول: لا، حتّى يدخل أبواي قبلي )(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( ركعتان يُصلّيهما المتزوّج أفضل مِن سبعين ركعة يُصلّيها أعزب )(٢).

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لركعتان يُصلّيهما متزوّج، أفضل مِن رجلٍ عزب يقوم ليله ويصوم نهاره )(٣).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( رذاّل موتاكم العزّاب )(٤).

١ - فوائد الزواج:

ولا عجَب أنْ تؤكّد هذه النصوص على الزواج تأكيدها المُلِحّ، وتُحرّض عليه بالترغيب تارةً ويالترهيب أُخرى، لما ينطوي عليه مِن صنوف الخصائص والمنافع:

١ - فمِن خصائصه: أنّه الوسيلة الوحيدة لكسب الذريّة الطيبة،

_____________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ١١، عن الفقيه، ( المحبنطئ: المغتاظ ).

(٢) الوافي ج ١٢ ص ١١، عن الفقيه والكافي.

(٣) الوافي ج ١٢ ص ١١، عن الفقيه.

(٤) الوافي ج ١٢ ص ١١، عن الفقيه.

٣٦٧

والأبناء الصُلَحاء، وهُم زينةُ الحياة الدنيا، وأعزُّ ذخائرها، وألذُّ مُتَعِها وأشواقها، بهم يستشعر الآباء العِزَّة والمُتعة، وامتداد الحياة، وطيب الذكر، وحُسن المكافأة، وجزيل الأجر عند اللّه عزّ وجل، كما أوضَحته النصوص السالفة في فضل الولد الصالح.

٢ - ومِن منافع الزواج:

أنّه باعث على عفّة المتزوّج وحصانته ضدّ الفجور والآثام الجنسيّة، وهذا ما عناه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: ( مَن تزوّج أحرَز نصف دينه، فليتق الّله في النصف الآخر ).

مِن أجل ذلك كان عقاب الزاني المُحصَن رجماً بالحجارة حتّى الموت، لتحصّنه بالزواج، واستهتاره بقدسيّة الأعراض وكرامتها المصونة.

٣ - ومِن آثار الزواج:

أنّه مِن دواعي رغَد العيش، وسكينة النفس، وراحة الضمير والوجدان. ذلك أنّ الرجل كثيراً ما يُعاني أزَمات الحياة، ومتاعب الكِفاح في سبيل العيش، فيجد في ظلاله زوجته الحبيبة المُخلصة مِن حسن الرعاية ولطف المؤانسة، ورقّة الحنان، ما يُخفّف عناءه ويسري عنه الكثير مِن المتاعب والهموم:( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا

٣٦٨

وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ).

وعن أبي عبد اللّه عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما استفاد امرؤٌ مسلمٌ فائدةً بعد الإسلام أفضل مِن زوجةٍ مسلمة، تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها، في نفسها وماله )(١).

السعادة الزوجيّة:

ومِن الثابت أنّ السعادة الزوجيّة لا تتحقّق، ولا ينال الزوجان ما يصبوان إليه مِن رغَد وهناء، إلاّ إذا أحسَن كلٌّ منهما اختيار صاحبه، وشريك حياته، واصطفاه على ضوء القِيَم الأصيلة والمقاييس الثابتة، التي مِن شأنها أنْ توثّق الروابط الزوجيّة، وتنشر السعادة والسلام في ربوع الحياة الزوجيّة. كما أنّ سوء الاختيار كثيراً ما يُعرّضها للفشل والإخفاق.

وقد عالج أهل البيتعليهم‌السلام هذا الجانب الموضوعي مِن حياة الناس، فأوضحوا محاسن ومساوئ كلٍّ من الرجل والمرأة، ليكون كلٌّ منهما على بصيرةٍ مِن اختيار زوجه وشريك حياته.

الزوج المثالي:

والزوج المثالي: هو الرجل الكفوء الذي تُسعد المرأة في ظلاله،

_____________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ١٦، عن الكافي والفقيه.

٣٦٩

وتنعم بحياة زوجيّة هانئة.

فليست الكفاءة كما يتوهّمها غالب الناس - منوطةً بالزخارف الماديّة فحسب، كالقصر الفخم، أو السيّارة الفارهة، أو الرصيد المالي الضخم.

وليست هي كذلك منوطة بالشهادة العالية، أو الوظيفة المرموقة، أو الحسَب الرفيع.

وفقد تتوفّر هذه الخلال في الرجل، وهي رغم ذلك لا تحقّق سعادة الزوجة وأمانيها في الحياة، كما أعرَبت عن ذلك زوجة معاوية، وقد سئمت في كنفه مظاهر الترَف والبذَخ والسلطان والثراء، وحنّت إلى فتى أحلامها، وإنْ كان خلواً مِن كلِّ ذلك:

لبيتٌ تخفق الأرواح فيه

أحبّ إليّ مِن قصرٍ مُنيفِ

ولبسُ عباءةٍ وتقرّ عيني

أحبّ إليّ مِن لبس الشفوفِ

وخرق مِن بني عمّي نجيب

أحبُّ إليّ مِن عِلج عنيفِ

فالكفاءة الحقّة، هي مزيج مِن عناصر ثلاث: التمسّك بالدين، والتحلّي بحسن الخُلق، والقدرة على إعالة الزوجة ورعايتها ماديّاً وأدبيّاً. وبذلك يغدو الرجل كُفئاً وزوجاً مثاليّاً في عُرف الإسلام.

فعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا جاءكم مَن ترضون خُلقه ودينه، فزوّجوه، إنْ لا تفعلوه تكُن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( الكفوء أنْ يكون عفيفاً وعنده يسار )(٢).

_____________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ١٧، عن الكافي.

(٢) الوافي ج ١٢ ص ١٨، عن الكافي والفقيه والتهذيب.

٣٧٠

لذلك كان مكروهاً في الشريعة الإسلاميّة تزويج الفاسق، وشارب الخمر، والمخنّث، وسيّئ الخُلق، ونحوهم ممّن لا يُوثَق بدينه وأخلاقه.

الزوجة المثاليّة:

والزوجة المثاليّة: هي المتحلّية بالإيمان، والعفاف، وكرَم الأصل، وجمال الخَلق والخُلق، وحسن العشرة مع زوجها.

وقد صوّرت نصوص أهل البيتعليهم‌السلام خصائص النساء، وصفاتهن الكريمة والذميمة، لتكون علامة فارقة بين الزوجة المثاليّة وغيرها.

عن جابر بن عبد اللّه قال: كنّا عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: ( إنّ خير نِسائكم الولود، الودود، العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرّجة مع زوجها، الحِصان على غيره، التي تسمَع قوله وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها، ولم تبذل كتبذل الرجل ).

ثمّ قال: ( ألا أخبركم بشرار نسائكم ؟ الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود، التي لا تورع مِن قبيح، المتبرّجة إذا غاب عنها بعلُها، الحِصان معه إذا حضَر، لا تسمع قوله، ولا تطيع أمره، وإذا خلا بها بعلُها تمنّعت منه، كما تمنع الصعبة مِن ركوبها، ولا تقبل له عذراً ولا تغفر له ذنباً )(١) .

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام عن أبيه عن آبائهعليهم‌السلام قال:

_____________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ١٤، عن الكافي والتهذيب.

٣٧١

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أفضل نساء أُمّتي أصبَحهُنَّ وجهاً، وأقلّهُنَّ مهراً )(١).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن تزوج امرأة لا يتزوّجها إلاّ لجمالها لم يرَ فيها ما يحب، ومَن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلاّ له وكله اللّه إليه، فعليكُم بذات الدين )(٢).

وقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خطيباً فقال: ( أيّها الناس، إيّاكم وخضراء الدمَن. قيل يا رسول اللّه: وما خضراء الدمَن ؟ قال: ( المرأة الحسناء في منبت السوء )(٣).

وقد نهى الحديث عن تزوّج المرأة الوضيئة الحسناء إذا كانت مِن أسرة مغموزة في عفّتها ونجابتها.

رعاية الحقوق:

والزوجان بعد هذا لا يكسبان السعادة الزوجيّة والهناء العائلي، إلاّ برعاية كلٍّ منهما حقوق الآخر وأداء واجباته، جرياً على قانون الأخذ والعطاء. وبذلك ينعمان بحياة سعيدة، آمنة مِن مثيرات النكَد والتنغيص.

وقد أولَت الشريعة الإسلاميّة الحياة الزوجيّة عنايةً بالغةً، بصفتها

_____________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ١٥، عن الكافي والفقيه.

(٢) الوافي ج ١٢ ص ١٣، عن التهذيب.

(٣) الوافي ج ١٢ ص ١٢، عن الكافي والفقيه.

٣٧٢

الخليّة الأُولى مِن خلايا المجتمع الكبير، ورعتها بالتنظيم والتوجيه، وقرّرت الحقوق المشتركة بين الزوجين، والحقوق الخاصّة بكلٍّ منهما على انفراد.

فالحقوق المشتركة التي يجدر تبادلها بين الزوجين، هي: الإخلاص، الثقة، الأمانة، التعاطف، والتآزر. وهذه هي عناصر الحياة الزوجيّة الناجحة، ومقوّماتها الأصيلة.

وأمّا الحقوق الخاصّة فسنعرضها في مطاوي هذا البحث:

حقوق الزوج

للزوج حقوقٌ على زوجه بحكم رعايته لها وقوامته عليها، وهي:

١ - الطاعة:

وهي أوّل متطلّبات الزوج وحقوقه المفروضة على زوجه. فهي مسؤولة عن طاعته وتلبية رغَباته المشروعة، ومفاداة كلّ ما يسيئه ويغيظه، كالخروج مِن الدار بغير رضاه، والتبذير في ماله، وإهمال وظائفها المنزليّة، ونحو ذلك ممّا يُعرّض الحياة الزوجيّة لأخطار التباغض والفرقة.

فعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( جاءت امرأة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت: يا رسول اللّه، ما حقّ الزوج على المرأة ؟ فقال لها: ( أنْ تطيعه ولا تعصيه، ولا تصّدّق مِن بيته إلاّ بإذنه، ولا تصوم طوعاً

٣٧٣

إلاّ بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإنْ كانت على ظهر قتَب، ولا تخرج مِن بيتها إلاّ بإذنه، وإنْ خرجَت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض، وملائكة الغضَب وملائكة الرحمة، حتّى ترجع إلى بيتها. فقالت: يا رسول اللّه، مَن أعظم الناس حقّاً على الرجل ؟

قال: والده.

قالت: فمَن أعظم الناس حقّاً على المرأة ؟

قال: زوجها...)(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( إنّ رجُلاً مِن الأنصار على عهد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خرَج في بعض حوائجه، فعهد إلى امرأته عهداً، أنْ لا تخرج مِن بيتها حتّى يقدِم ).

قال: ( وإنّ أباها مرض، فبعثت المرأة إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت: إنّ زوجي خرَج وعهد إليّ أنْ لا أخرج مِن بيتي حتّى يقدِم، وإنّ أبي قد مرِض، فتأمرني أنْ أعوده ؟

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا، اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك.

قال: فثقل، فأرسلت إليه ثانياً بذلك، فقالت: فتأمرني أنْ أعوده ؟

فقال: اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك.

قال: فمات أبوها، فبعثت إليه: إنّ أبي قد مات، فتأمرني أنْ أصلّي عليه ؟

_____________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ١١٤، عن الكافي والفقيه.

٣٧٤

فقال: لا، اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك.

قال: فدفن الرجل، فبعث إليها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ اللّه تعالى قد غفَر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك )(١).

وقال أبو عبد اللّهعليه‌السلام : ( أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخطٌ في حقٍّ، لم تُقبل منها صلاة حتّى يرضى عنها )(٢).

٢ - المداراة:

وعلى الزوجة أنْ تحيط زوجها بحسن العشرة، وجميل الرعاية، ولطف المداراة، وذلك بتفقّد شؤونه، وتوفير وسائل راحته النفسيّة والجسميّة، وحسن التدبير المنزلي، ورعاية عياله، ليستشعر منها العطف والولاء، وتغدو الزوجة بذلك حظيّة عند زوجها، أثيرة لديه، يُبادلها الحبّ والإخلاص. وتكون إلى ذلك قدوةً حسنةً لأبنائها، يستلهمون منها كريم الأخلاق وحُسن الأدب.

ومِن أهمّ صور المداراة أنْ تتفادى المرأة جهدها، عن إرهاق زوجها بالتكاليف الباهضة، والمآرب التي تنوء بها إمكاناته الاقتصاديّة، فذلك ممّا يُسبّب إرباكه واغتمامه، ومِن ثمّ يستثير سخَطه ونفاره مِن زوجته.

_____________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ١١٥، عن الكافي.

(٢) الوافي ج ١٢ ص ١١٤، عن الكافي والفقيه.

٣٧٥

فعن أبي إبراهيمعليه‌السلام قال: ( جهاد المرأة حُسن التبعّل )(١).

ولا ريبَ أنّ حُسن تبعّل الزوجة وكرَم أخلاقها، يشُدّ أزر الزوج، ويرفع معنويّاته، ويمدّه بطاقات جسميّة ونفسيّة ضخمة، تضاعف مِن قدرته على مواصلة الكفاح والجهاد في سبيل العيش، ويزيده قوّةً وصلابة على معاناة الشدائد والأزمات، كما أنّ شراستها وتمرّدها يُوهن كيانه، ويُضعف طاقته، ويهرمه قبل أوان الهرَم، وفي التاريخ دلائل وشواهد على ذلك.

منها: قصّة الإخوة الثلاثة مِن بني غنّام، حينما جاءهم نفرٌ يحكّمونهم في مشكلة أعياهم حلّها، فانتهوا إلى واحدٍ منهم، فرأوا شيخاً كبيراً، فقال لهم: ادخلوا إلى أخي ( فلان ) فهو أكبر منّي، فاسألوه.

فدخلوا عليه، فخرَج شيخٌ كهل، فقال: سلوا أخي الأكبر منّي.

فدخلوا على الثالث، فإذا هو في المنظر أصغر. فسألوه أولاً عن حالهم، ثمّ أوضح مبيّناً لهم، فقال:

أمّا أخي الذي رأيتموه أوّلاً، هو الأصغر، فإنّ له امرأةُ سوء تسوؤه وقد صبَر عليها مخافة أنْ يُبتلى ببلاءٍ لا صبرَ له عليه، فهَرَمته.

وأمّا أخي الثاني فإنّ عنده زوجة تسوؤه وتسرّه، فهو متماسك الشباب.

وأمّا أنا، فزوجتي تسرّني، ولا تسوؤني، لم يلزمني منها مكروهٌ قط مُنذ صحِبَتني، فشبابي معها متماسك(٢).

_____________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ١١٤، عن الكافي.

(٢) عن سفينة البحار ج ١ ص ١٣٣ بتصرّف واختصار.

٣٧٦

وهذه وصيّةٌ بليغةٌ لأعرابيّةٍ حكيمة، توصي بها ابنتها ليلة البناء بها: ( أي بنيّة، إنّك فارقت بيتك الذي منه خرَجتِ، وعشّكِ الذي فيه درَجتِ، إلى وكرٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لم تألفيه، فكوني له أمةً يكن لك عبداً، واحفظي له خِصالاً عشراً:

أمّا الأُولى والثانية: فاصحبيه بالقناعة، وعاشريه بحُسن السمع والطاعة.

وأمّا الثالثة والرابعة: فالتفقّد لموضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشمّ منك إلاّ أطيب ريح.

وأمّا الخامسة والسادسة: فالتفقّد لوقت منامه وطعامه، فإنّ تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.

وأمّا السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله، والارعاء على حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حُسن التقدير، وفي العِيال حُسن التدبير.

وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سرّا، فإنّك إنْ خالفتيه أغَرْت صدره، وإنْ أفشيت سرّه لم تأمني غدره.

ثمّ إيّاك والفرح بين يديه إذا كان مهتمّاً، والكآبة بين يديه إذا كان فرِحاً، فانّ الخصلة الأُولى مِن التقصير، والثانية مِن التكدير.

وكوني له أشدّ الناس له إعظاماً يكن أشدّهم لك إكراماً، واعلمي أنّك لا تصلين إلى ما تحبّين، حتّى تُؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحبَبت وكرهت. واللّه يخير لك )(١).

_____________________

(١) مختارات المنفلوطي ص ٢٤٠.

٣٧٧

٣ - الصيانة:

وأهمّ واجبات الزوجة، صيانة شرف زوجها وسمعته، فتتفادى جهدها عمّا يسيئهما ويخدشهما، كالخلاعة والميوعة، وإفشاء أسرار الزوج، وكشف ما يحرص على إخفائه مِن صور الفاقة والعوز، فذلك ممّا يضعف ثقة الزوج بها ويهدّدها بالنفرة والفرقة.

٣٧٨

حقوق الزوجة

وهكذا أولت الشريعة الإسلامية الزوجة عنايةً كُبرى ومنحتها حقوقها الماديّة والأدبيّة، إزاء حقوق الزوج عليها. مُشرّعةً ذلك على أساس الحكمة والعدل، ورعاية مصلحة الزوجين وخيرهما معاً، وهي أُمور:

١ - النفقة:

وهي حقٌّ محتّم على الزوج، يجب أداؤه إليها، وتوفير حاجاتها المعاشيّة، مِن الملبَس والمطعَم والمسكَن، ونحو ذلك مِن مستلزمات الحياة حسب شأنها وعادتها.

والنفقة حقٌّ معلومٌ للزوجة، تتقاضاه من زوجها، وإنْ كانت ثريّةً موسرة، لا يسقط إلاّ بنشوزها وتمرّدها على الزوج. وليس له قسرها على الخدمات المنزليّة، أو إرضاع طفله، إلاّ أنْ تتطوّع بذلك عن رغبةً وإيثاراً.

٣٧٩

التوسعة على العيال:

وقد يسترقّ البُخل بعض النفوس فتنزع إلى الشحّ والتقتير على العيال، متغاضية عن أشواقهم ومآربهم. ومن هنا جاءت أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام مُحذّرةً من ذلك الإمساك، ومرغّبةً في البِرّ بهم، والتوسعةِ عليهم.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي )(١).

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( عيال الرجل أُسراؤه، وأحبّ العباد إلى اللّه تعالى أحسنُهم صنيعاً إلى أُسرائه )(٢).

وقال أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام : ( عيال الرجل أُسراؤه، فمَن أنعم اللّه عليه نعمةً فليوسّع على أُسرائه، فإنْ لم يفعل أوشك أنْ تزول تلك النعمة )(٣).

وهكذا أثبتت أحاديثهمعليهم‌السلام وباركت جهود الكادحين، في طلب الرزق الحلال، لتموين أزواجهم وعوائلهم، وتوفير وسائل العيش لهم.

_____________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ١١٧، عن الفقيه.

(٢) الوافي ج ١٢ ص ١١٧، عن الفقيه.

(٣) الوافي ج ١٢ ص ١١٧، عن الفقيه.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517