أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت11%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 333365 / تحميل: 11880
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، وخمسين مرّة قل هو الله احد.

وصلاة فاطمة،عليها‌السلام ، ركعتان: يقرأ في الأولى منهما الحمد مرّة واحدة، وإنا أنزلناه مائة مرّة، وفي الثّانية الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وصلاة جعفر أربع ركعات بثلاثمائة مرّة « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر »: يبتدئ الصّلاة، فيقرأ الحمد ويقرأ في الأولى منهما إذا زلزلت. فإذا فرغ منها، سبّح خمس عشرة مرة، ثمَّ ليركع، ويقول ذلك عشرا. فإذا رفع رأسه، قاله عشرا. فإذا سجد، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود، قاله عشرا. فإذا سجد الثّانية، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود ثانيا، قاله عشرا. فهذه خمس وسبعون مرّة. ثمَّ لينهض إلى الثّانية، وليصلّ أربع ركعات على هذا الوصف، ويقرأ في الثّانية و « العاديات »، وفي الثّالثة إذا جاء نصر الله، وفي الرّابعة قل هو الله أحد ويقول في آخر سجدة منه « يا من لبس العزّ والوقار » إلى آخر الدّعاء.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم الغدير إذا بقي إلى الزّوال نصف ساعة بعد أن يغتسل ركعتين: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة، وقل هو الله أحد عشر مرّات وآية الكرسيّ

١٤١

عشر مرّات، وإنا أنزلناه عشر مرّات. فإذا سلّم، دعا بعدهما بالدعاء المعروف.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم المبعث، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب، اثنتي عشرة ركعة: يقرأ في كل واحدة منهما « الحمد ويس ». فان لم يتمكّن، قرأ ما سهل عليه من السّور. فإذا فرغ منها، جلس في مكانه، وقرأ أربع مرّات سورة الحمد، وقُلْ هو اللهُ أَحد مثل ذلك، والمعوذّتين، كلّ واحدة منهما أربع مرّات. ثمَّ يقول: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر » أربع مرّات، ويقول: « الله الله لا أشرك به شيئا » أربع مرّات.

ويستحبّ أن يصلّي ليلة النّصف من شعبان أربع ركعات: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وإذا أراد الإنسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه، يستحبّ له أن يصلّي ركعتين: يقرأ فيهما ما شاء من السّور، ويقنت في الثّانية. فإذا سلّم: دعا بما أراد، ثمَّ ليسجد وليستخر الله في سجوده مائة مرّة، يقول: « أستخير الله في جميع أموري »، ثمَّ يمضي في حاجته.

وإذا غرض للإنسان حاجة، فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، ثمَّ ليبرز تحت السّماء في يوم الجمعة وليصلّ

١٤٢

ركعتين، يقرأ فيهما بعد الحمد مأتي مرّة وعشر مرّات قل هو الله أحد على ترتيب صلاة التّسبيح، إلّا أنه يجعل بدل التّسبيح في صلاة جعفر، خمس عشرة مرّة قل هو الله أحد في الرّكوع والسّجود وفي جميع الأحوال. فإذا فرغ منها سأل الله حاجته.

وإذا قضيت حاجته، فليصلّ ركعتين شكرا لله تعالى: يقرأ فيهما الحمد وإِنا أَنزلناه أو سورة قُلْ هو اللهُ أَحد، ثمَّ ليشكر الله تعالى على ما أنعم في حال السّجود والرّكوع وبعد التّسليم، إن شاء الله.

باب الصلاة على الموتى

الصّلاة على الأموات فريضة. وفرضه على الكفاية، إذا قام به البعض، سقط عن الباقين. ولا يختلف الحكم في ذلك، سواء كان الميّت رجلا أو امرأة، حرّا أو عبدا، إذا كان له ستّ سنين فصاعدا، وكان على ظاهر الإسلام. فإن نقص سنّه عن ستّ سنين، لم تجب الصّلاة عليه، بل يصلّى عليه استحبابا وتقيّة.

وإذا حضر القوم للصّلاة عليه، فليتقدّم أولى النّاس به، أو من يأمره الوليّ بذلك. وإن حضر الإمام العادل، كان أولى بالصّلاة عليه. وإن حضر رجل من بني هاشم معتقد للحقّ،

١٤٣

كان أيضا أولى بالصّلاة عليه، إذا قدّمه الولي. ويستحب له تقديمه. فإن لم يفعل، فليس له أن يتقدّم للصّلاة عليه. والزّوج أحقّ بالصّلاة على المرأة من أخيها وأبيها.

وإذا كانوا جماعة، فليتقدّم الإمام ويقف الباقون خلفه صفوفا أو صفا واحدا. وإن كان فيهم نساء، فليقفن آخر الصّفوف، فلا يختلطن بالرّجال. فإن كان فيهنّ حائض، فلتقف وحدها في صفّ بارزة عنهن وعنهم. وإن كان من يصلّي على الميّت نفسين، فليتقدّم واحد ويقف الآخر خلفه سواء، ولا يقف على جنبه.

وينبغي أن يقف الإمام من الجنازة، إن كانت لرجل، عند وسطها، وان كانت لامرأة، عند صدرها. وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة فلتقدّم المرأة إلى القبلة، ويجعل الرّجل ممّا يليها، ويقف الإمام عند الرّجل. وان كان رجل وامرأة وصبي، فليقدّم الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ الرّجل. وإن كان معهم عبد فليقدّم أوّلا الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ العبد، ثمَّ الرّجل، ويقف الإمام عند الرّجل ويصلّي عليهم صلاة واحدة. وكذلك الحكم، إن زادوا في العدد على ما ذكرناه، ويكون على هذا ترتيبهم.

وينبغي أن يكون بين الإمام وبين الجنازة شي‌ء يسير، ولا يبعد منها. وليتحفّ عند الصّلاة عليه، ان كان عليه نعلان.

١٤٤

فإن لم يكن عليه نعل، أو كان عليه خفّ، فلا بأس أن يصلّي كذلك.

ثمَّ يرفع الإمام يده بالتّكبير، ويكبّر خمس تكبيرات، يرفع يده في أوّل تكبيرة منها حسب، ولا يرفع فيما عداها. هذا هو الأفضل. فإن رفع يده في التّكبيرات كلّها، لم يكن به بأس. وإذا كبّر الأولة، فليشهد: أن لا إله إلّا الله. وأنّ محمدا رسول الله، ثمَّ يكبّر الثّانية ويصلّي على النّبي وآله، ثمَّ يكبّر الثّالثة ويدعوا للمؤمنين، ثمَّ يكبّر الرّابعة ويدعوا للميّت إن كان مؤمنا.

فإن لم يكن كذلك، وكان ناصبا معلنا بذلك، لعنه في صلاته، وتبرّأ منه. وإن كان مستضعفا فليقل: ربنا اغفر( لِلَّذِينَ تابُوا ) إلى آخر الآية. وإن كان ممّن لا يعرف مذهبه، فليدع الله أن يحشره مع من كان يتولّاه. وإن كان طفلا فليسأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا. فإذا فرغ من ذلك، كبّر الخامسة.

ولا يبرح من مكانه حتّى ترفع الجنازة، فيراها على أيدي الرّجال، ومن فاته شي‌ء من التّكبيرات، فليتمّه عند فراغ الإمام من الصّلاة متتابعة. فإن رفعت الجنازة، كبّر عليها، وان كانت مرفوعة. وإن كانت قد بلغت إلى القبر، كبّر على القبر ما بقي له، وقد أجزأه. ومن كبّر تكبيرة قبل

١٤٥

الإمام، فليعدها مع الإمام.

ومن فاتته الصّلاة على الجنازة، فلا بأس أن يصلّي على القبر بعد الدّفن يوما وليلة. فإن زاد على ذلك، لم يجز الصّلاة عليه. ويكره أن يصلّي على جنازة واحدة مرّتين.

ولا بأس أن يصلّى على الجنازة أيّ وقت كان من ليل أو نهار، ما لم يكن وقت فريضة. فإن كان وقت فريضة، بدئ بالفرض ثمَّ بالصّلاة على الميّت، اللهمّ إلّا أن يكون الميّت مبطونا أو ما أشبه ذلك ممّن يخاف عليه الحوادث، فإنّه يبدأ بالصّلاة عليه، ثمَّ بصلاة الفريضة.

ولا بأس بالصّلاة على الجنائز في المساجد. وإن صلّي عليها في مواضعها المختصّة بذلك، كان أفضل. ومتى صلّي على جنازة، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّها كانت مقلوبة، سوّيت، وأعيد عليها الصّلاة، ما لم يدفن. فإن دفن، فقد مضت الصّلاة.

والأفضل أن لا يصلّي الإنسان على الجنازة إلّا على طهر. فإن فاجأته جنازة، ولم يكن على طهارة، تيمّم، وصلّى عليها. فإن لم يمكنه، صلّى عليها بغير طهر. وكذلك الحكم في من كان جنبا، والمرأة إذا كانت حائضا، فإنّه لا بأس أن يصليا عليه من غير اغتسال. فإن تمكّنا من الاغتسال، اغتسلا، فإنّ ذلك أفضل.

وإذا كبّر الإمام على الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين،

١٤٦

وأحضرت جنازة أخرى، فهو مخيّر بين أن يتمّ خمس تكبيرات على الجنازة الأولى، ثمَّ يستأنف الصّلاة على الأخرى، وبين أن يكبّر خمس تكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه، وقد أجزأه ذلك عن الصّلاة عليهما.

فإذا حضر جماعة من النساء للصّلاة على الميّت، ليس فيهنّ رجل، فلتقف واحدة منهنّ في الوسط، والباقيات عن يمينها وشمالها ويصلّين عليها. وكذلك إذا صلّوا جماعة عراة على الجنازة، فلا يتقدّم منهم أحد، بل يقف في الوسط، ويكبّر، ويكبّر الباقون معه. فإن كان الميّت عريانا، ترك في القبر أوّلا، وغطّى سوأته، ثمَّ صلّي عليه بعد ذلك، ودفن.

١٤٧

كتاب الصيام

باب ماهية الصوم ومن يجب عليه ذلك ومن لا يجب عليه

الصوم في اللغة هو الإمساك، وهو في الشّريعة كذلك، إلا أنّه إمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص.

والّذي يقع الإمساك عنه على ضربين: ضرب يجب الإمساك عنه، والآخر الأولى الإمساك عنه.

والذي يجب الإمساك عنه على ضربين: ضرب منهما متى لم يمسك الإنسان عنه، بطل صومه. والقسم الآخر متى لم يمسك عنه، كان مأثوما، وإن لم يبطل ذلك صومه.

فأما الذي يجب الإمساك عنه ممّا يبطل الصّوم بفعله. فهو الأكل والشّرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله وازدراد كلّ شي‌ء يفسد الصّيام والحقنة والقي‌ء على طريق العمد.

وأمّا الذي يجب الإمساك عنه، وإن لم يبطل الصّوم بفعله فهو النّظر إلى ما لا يجوز النظر اليه، والإصغاء إلى ما لا يحلّ

١٤٨

الإصغاء إليه من الغناء وقول الفحش، والكلام بما لا يسوغ التّكلّم به، ولمس ما لا يحلّ ملامسته، والمشي إلى المواضع المنهيّ عنها.

والذي الأولى الإمساك عنه، فالتّحاسد والتّنازع والمماراة وإنشاد الشعر، وما يجري مجرى ذلك ممّا نذكره من بعد في باب ما يفسد الصّيام وما لا يفسده.

والصّوم على ضربين: مفروض ومسنون.

فالمفروض على ضربين: ضرب يجب على كافّة المكلّفين مع التمكّن منه بالإطلاق. والضّرب الآخر يجب على من حصل فيه سبب وجوبه.

فالقسم الأوّل هو صوم شهر رمضان. فإنّه يلزم صيامه لسائر المكلّفين من الرّجال والنّساء والعبيد والأحرار، ويسقط فرضه عمّن ليس بكامل العقل من الصّبيان وغيرهما. ويستحبّ ان يؤخذ الصّبيان بالصّيام إذا أطافوه، وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجبا عليهم. ويسقط فرض الصّيام عن العاجز عنه بمرض أو كبر أو ما يجري مجراهما ممّا سنبيّنه فيما بعد، إن شاء الله.

والذين يجب عليهم الصّيام على ضربين: منهم من إذا لم يصم متعمّدا، وجب عليه القضاء والكفّارة أو القضاء. ومنهم من لا يجب عليه ذلك. فالذين يجب عليهم ذلك، كل من

١٤٩

كان ظاهره ظاهر الإسلام. والذين لا يجب عليهم، هم الكفّار من سائر أصناف من خالف الإسلام. فإنه وإن كان الصّوم واجبا عليهم، فإنّما يجب بشرط الإسلام. فمتى يصوموه، لم يلزمهم. القضاء ولا الكفّارة.

والقسم الثّاني مثل صوم النّذور والكفّارات وما يجري مجراهما ونحن نبيّن كلّ ذلك في أبوابه، إن شاء الله.

باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ووقت فرض الصوم ووقت الإفطار

علامة الشّهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع. فمتى رأيت الهلال في استقبال شهر رمضان، فصم بنيّة الفرض من الغد. فإن لم تره لتركك التّراءي له، ورؤي في البلد رؤية شائعة، وجب أيضا عليك الصّوم. فإن كان في السّماء علة، ولم يره جميع أهل البلد، ورآه خمسون نفسا، وجب أيضا الصّوم. ولا يجب الصّوم إذا رآه واحد أو اثنان، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السّماء علة، ولم ير في البلد الهلال أصلا، ورآه خارج البلد شاهدان عدلان، وجب أيضا الصّوم. وإن لم

١٥٠

يكن هناك علة، وطلب فلم ير الهلال، لم يجب الصّوم إلّا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنّهم رأوه.

ومتى لم ير الهلال في البلد، ولم يجي‌ء من الخارج من يخبر برؤيته، عددت من الشّهر الماضي ثلاثين يوما، وصمت بعد ذلك بنية الفرض. فان ثبت بعد ذلك بيّنة عادلة أنّه كان قد رئي الهلال قبله بيوم، قضيت يوما بدله.

والأفضل أن يصوم الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان. فان قامت له البيّنة بعد ذلك أنّه كان من رمضان، فقد وفّق له، وأجزأ عنه، ولم يكن عليه قضاء. وإن لم يصمه، فليس عليه شي‌ء. ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه، ولا أن يصومه وهو شاك فيه لا ينوي به صيام يوم من شعبان. فان صام على هذا الوجه، ثمَّ انكشف له أنّه كان من شهر رمضان، لم يجزئ عنه، وكان عليه القضاء.

والنيّة واجبة في الصّيام. ويكفي في نيّة صيام الشّهر كلّه أن ينوي في أوّل الشّهر، ويعزم على أن يصوم الشّهر كلّه. وإن جدّد النيّة في كلّ يوم على الاستيناف، كان أفضل. فإن لم يفعلها، لم يكن عليه شي‌ء. وإن نسي أن يعزم على الصّوم في أوّل الشّهر، وذكر في بعض النّهار، جدّد النّيّة، وقد أجزأه. فان لم يذكرها، وكان من عزمه قبل

١٥١

حضور الشّهر صيام الشّهر إذا حضر، فقد أجزأه أيضا. فإن لم يكن ذلك في عزمه، وجب عليه القضاء.

وإذا صام الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان، ثمَّ علم بعد ذلك أنّه كان من شهر رمضان، فقد أجزأه. وكذلك إن كان في موضع لا طريق له إلى العلم بالشهر، فتوخّى شهرا فصامه، فوافق ذلك شهر رمضان، أو كان بعده، فقد أجزأه عن الفرض. وان انكشف له أنّه كان قد صام قبل شهر رمضان، وجب عليه استيناف الصّوم وقضاؤه.

وإذا نوى الإنسان الإفطار يوم الشّكّ، ثمَّ علم أنّه يوم من شهر رمضان، جدّد النّيّة ما بينه وبين الزّوال، وقد أجزأه، إذا لم يكن قد فعل ما يفسد الصّيام. وإن كان تناول ما يفسد الصّيام، أمسك بقيّة النّهار، وكان عليه القضاء. وإن لم يعلم الا بعد زوال الشمس، أمسك بقيّة النّهار عمّا يفسد الصّيام، وكان عليه قضاء ذلك اليوم.

والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطّعام والشّراب، هو طلوع الفجر المعترض الذي يجب عنده الصّلاة، وقد بيّناه فيما مضى من الكتاب ومحلّل الأكل والشّرب إلى ذلك الوقت. فأما الجماع، فإنه محلّل إلى قبل ذلك بمقدار ما يتمكّن الإنسان من الاغتسال. فإن غلب على ظنّه، وخشي أن يلحقه الفجر قبل الغسل، لم يحلّ له ذلك.

١٥٢

ووقت الإفطار سقوط القرص. وعلامته ما قدّمناه من زوال الحمرة من جانب المشرق، وهو الوقت الذي يجب فيه الصّلاة. والأفضل أن لا يفطر الإنسان إلا بعد صلاة المغرب. فإن لم يستطع الصّبر على ذلك، صلّى الفرض، وأفطر، ثمَّ عاد، فصلّى نوافله. فإن لم يمكنه ذلك، أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه، قدّم الإفطار. فإذا فرغ منه، قام إلى الصّلاة، فصلّى المغرب.

باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسده والفرق بين ما يلزم بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة

الذي على الصّائم اجتنابه على ضربين: ضرب يفسد الصّيام وضرب لا يفسده بل ينقضه. والذي يفسده على ضربين: ضرب منهما يجب منه القضاء والكفّارة، والضّرب الآخر يجب منه القضاء دون الكفّارة.

فأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، فالأكل، والشّرب، وازدراد كلّ شي‌ء يقصد به إفساد الصّيام والجماع، والإمناء على جميع الوجوه، إذا كان عند ملاعبة أو ملامسة، وان لم يكن هناك جماع. والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّةعليهم‌السلام ، متعمّدا مع الاعتقاد لكونه

١٥٣

كذبا، وشمّ الرائحة الغليظة التي تصل إلى الحلق، والارتماس في الماء، والمقام على الجنابة والاحتلام باللّيل متعمّدا إلى طلوع الفجر. وكذلك، من أصابته جنابة، ونام من غير اغتسال، ثمَّ انتبه، ثمَّ نام، ثمَّ انتبه ثانيا، ثمَّ نام إلى طلوع الفجر. فهذه الأشياء كلّها تفسد الصّيام، ويجب منها القضاء والكفّارة.

والكفّارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم. أيّ ذلك فعل، فقد أجزأه. فإن لم يتمكّن، فليتصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يتمكّن من الصّدقة، صام ثمانية عشر يوما. فإن لم يقدر، صام ما تمكّن منه. فإن لم يستطع، قضا ذلك اليوم، وليستغفر الله تعالى، وليس عليه شي‌ء. ومتى وطئ الرّجل امرأته نهارا في شهر رمضان، كان عليها أيضا القضاء والكفّارة، إن كانت طاوعته على ذلك. وإن كان أكرهها، لم يكن عليها شي‌ء، وكان عليه كفّارتان.

وأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء دون الكفّارة، فمن أجنب في أوّل اللّيل، ونام، ثمَّ انتبه، ولم يغتسل، فنام ثانيا، واستمرّ به النّوم الى طلوع الفجر، كان عليه القضاء، وصيام ذلك اليوم، وليس عليه كفّارة. ومن تمضمض للتبرّد دون الطّهارة، فدخل الماء حلقه، وجب عليه

١٥٤

القضاء دون الكفّارة. وكذلك من تقيّأ متعمّدا، وجب عليه القضاء دون الكفّارة. فإن ذرعه القي‌ء، لم يكن عليه شي‌ء. وليبصق بما يحصل في فيه. فإن بلعه، كان عليه القضاء.

ومن أكل أو شرب عند طلوع الفجر من غير أن يرصده، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، كان عليه القضاء. فإن رصده ولم يتبيّنه لم يكن عليه شي‌ء. فإن بدأ بالأكل، فقيل له: قد طلع الفجر، فلم يمتنع، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء. ومن قلّد غيره في أنّ الفجر لم يطلع، ثمَّ تبيّن أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء.

ومن شكّ في دخول اللّيل لوجود عارض في السّماء، ولم يعلم بدخول الليل، ولا غلب على ظنّه ذلك، فأفطر، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان نهارا، كان عليه القضاء. فإن كان قد غلب على ظنّه دخول اللّيل، ثمَّ تبيّن أنّه كان نهارا، لم يكن عليه شي‌ء.

وجميع ما قدّمناه ممّا يفسد الصّيام، ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، أو القضاء وحده، متى فعله الإنسان ناسيا وساهيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومتى فعله متعمّدا، وجب عليه ما قدّمناه، وكان على الإمام أن يعزّره بحسب ما يراه. فإن تعمّد الإفطار ثلاث مرّات، يرفع فيها إلى الإمام: فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه، قتله الإمام في الثّالثة والرّابعة. وإن لم

١٥٥

يكن عالما، لم يكن عليه شي‌ء.

ويكره للصّائم الكحل إذا كان فيه مسك. وإن لم يكن فيه ذلك، لم يكن به بأس.

ولا بأس للصّائم أن يحتجم ويفتصد، إذا احتاج إلى ذلك، ما لم يخف الضّعف. فإن خاف، كره له ذلك، إلّا عند الضّرورة اليه.

ويكره له تقطير الدّهن في أذنه إلّا عند الحاجة اليه، ويكره له أن يبلّ الثّوب على جسده. ولا بأس أن يستنقع في الماء الى عنقه، ولا يرتمس فيه حسب ما قدّمناه. ويكره ذلك للنّساء. ويكره للصّائم السّعوط. وكذلك الحقنة بالجامدات. ولا يجوز له الاحتقان بالمائعات. ويكره له دخول الحمّام إذا خاف الضّعف. فإن لم يخف، فليس به بأس.

ولا بأس بالسّواك للصّائم بالرّطب منه واليابس. فان كان يابسا، فلا بأس أن يبلّه أيضا بالماء. وليحفظ نفسه من ابتلاع ما حصل في فيه من رطوبته. ويكره له شمّ النّرجس وغيره من الرّياحين. وليس كراهية شمّ النّرجس مثل الرّياحين بل هي آكد. ولا بأس أن يدّهن بالأدهان الطيّبة وغير الطيّبة. ويكره له شمّ المسك وما يجري مجراه.

ويكره للصّائم أيضا القبلة، وكذلك مباشرة النّساء وملاعبتهنّ. فإن باشرهنّ بما دون الجماع أو لاعبهن بشهوة،

١٥٦

فأمذى، لم يكن عليه شي‌ء. فإن أمنى، كان عليه ما على المجامع. فإن أمنى من غير ملامسة لسماع كلام أو نظر، لم يكن عليه شي‌ء. ولا يعود إلى ذلك.

ولا بأس للصّائم أن يزقّ الطّائر، والطّباخ أن يذوق المرق، والمرأة أن تمضغ الطّعام للصّبي ولا تبلغ شيئا من ذلك. ولا يجوز للصائم مضغ العلك. ولا بأس ان يمص الخاتم والخرز وما أشبههما.

باب حكم المريض والعاجز عن الصيام

المريض الذي لا يقدر على الصّيام أو يضرّ به، يجب عليه الإفطار، ولا يجزي عنه إن صامه، وكان عليه القضاء إذا برأ منه. فإن أفطر في أوّل النّهار، ثمَّ صحّ فيما بقي منه، أمسك تأديبا، وكان عليه القضاء.

فإن لم يصحّ المريض، ومات من مرضه الذي أفطر فيه، يستحبّ لولده الأكبر من الذّكور أن يقضي عنه ما فاته من الصّيام. وليس ذلك بواجب عليه. فإن برأ من مرضه ذلك، ولم يقض ما فاته، ثمَّ مات، وجب على وليّه القضاء عنه. وكذلك إن كان قد فاته شي‌ء من الصّيام في السفر، ثمَّ مات قبل أن يقضي، وكان متمكّنا من القضاء، وجب على وليّه أن يصوم عنه.

١٥٧

فإن فات المريض صوم شهر رمضان، واستمرّ به المرض إلى رمضان آخر، ولم يصحّ فيما بينهما، صام الحاضر، وتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدين من طعام. فإن لم يمكنه فبمد منه. فان لم يتمكّن، لم يكن عليه شي‌ء، وليس عليه قضاء. فإن صحّ فيما بين الرّمضانين، ولم يقض ما عليه، وكان في عزمه القضاء قبل الرّمضان الثّاني، ثمَّ مرض، صام الثّاني، وقضى الأوّل، وليس عليه كفّارة. فإن أخّر قضاءه بعد الصحّة توانيا، وجب عليه أن يصوم الثّاني، ويتصدّق عن الأوّل ويقضيه أيضا بعد ذلك. وحكم ما زاد على الرّمضانين حكم رمضانين على السّواء. وكذلك لا يختلف الحكم في أن يكون الذي فاته الشّهر كلّه أو بعضه، بل الحكم فيه سواء.

والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين، ثمَّ مات، تصدّق عنه عن شهر، ويقضي عنه وليّه شهرا آخر.

والمرأة أيضا، حكمها حكم ما ذكرناه، في أنّ ما يفوتها من الصّيام بمرض أو طمث، لا يجب على أحد القضاء عنها، إلا أن تكون قد تمكّنت من القضاء، فلم تقضه، فإنّه يجب القضاء عنها. ويجب أيضا القضاء عنها ما يفوتها بالسّفر حسب ما قدّمناه في حكم الرّجال.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإفطار، إذا علم الإنسان من

١٥٨

نفسه: أنه إن صام، زاد ذلك في مرضه، أو أضرّ به. وسواء الحكم أن يكون المرض في الجسم، أو يكون رمدا، أو وجع الأضراس. فإن عند جميع ذلك يجب الإفطار مع الخوف من الضّرر.

والشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة، إذا عجزا عن الصّيام، أفطرا وتصدّقا عن كل يوم بمدّين من طعام. فإن لم يقدرا عليه فبمدّ منه. وكذلك الحكم فيمن يلحقه العطاش ولا يقدر معه على الصّوم. وليس على واحد منهم القضاء. والحامل المقرب والمرضع القليلة اللّبن لا بأس أن تفطرا، إذا أضرّ بهما الصّوم وتتصدّقا عن كلّ يوم وتقضيا ذلك اليوم فيما بعد.

وكلّ هؤلاء الذين ذكرنا: أنه يجوز لهم الإفطار، فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام، ولا أن يشربوا ريّا من الشراب، ولا يجوز لهم أن يواقعوا النّساء.

باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله والحائض إذا طهرت والمريض إذا برأ

من أسلم في شهر رمضان، وقد مضت منه أيّام، فليس عليه قضاء شي‌ء ممّا فاته من الصّيام، وعليه صيام ما يستأنف من الأيام. وحكم اليوم الذي يسلم فيه، إن أسلم قبل طلوع الفجر، كان عليه صيام ذلك اليوم. فإن لم يصمه. كان عليه

١٥٩

القضاء. وإذا أسلم بعد طلوع الفجر، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم، وكان عليه أن يمسك تأديبا إلى آخر النّهار.

وحكم من بلغ في شهر رمضان أيضا ذلك الحكم في أنّه يجب عليه صيام ما بقي من الأيام بعد بلوغه، وليس عليه قضاء ما قد مضى ممّا لم يكن بالغا فيه.

والمسافر إذا قدم أهله، وكان قد أفطر، فعليه أن يمسك بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليه القضاء. فإن لم يكن قد فعل شيئا ينقض الصّوم، وجب عليه الإمساك، ولم يكن عليه القضاء. فإن طلع الفجر، وهو بعد خارج البلد، كان مخيّرا بين الإمساك ممّا ينقض الصّوم، ويدخل بلده، فيتمّ صومه ذلك اليوم، وبين أن يفطر، فإذا دخل إلى بلده، أمسك بقيّة نهاره تأديبا، ثمَّ قضاه حسب ما قدّمناه. والأفضل، إذا علم أنّه يصل إلى بلده، أن يمسك عمّا ينقض الصّيام. فإذا دخل الى بلده، تمّم صومه، ولم يكن عليه قضاء.

والحائض، إذا طهرت في وسط النّهار، أمسكت بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليها القضاء، سواء كانت أفطرت قبل ذلك، أو لم تفطر. ويجب عليها قضاء ما فاتها من الصّيام في أيّام حيضها.

والمريض، إذا برأ من مرضه في وسط النّهار، أو قدر على الصّوم، وكان قد تناول ما يفسد الصّوم، كان عليه الإمساك

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

مصادفتهنّ في الطريق والتحدّث إليهنّ - ولو كُنَّ أُمّهات وأزواجاً أو شقيقات - تحبط أعمالهم وجهودهم الروحيّة )(١).

وهكذا كان المجتمع الغربي فيما خلا تلك العصور، يستخفّ بالمرأة ولا يقيم لها وزناً. ( فقد عُقِد في فرنسا اجتماع سنة ٥٨٦ م يبحث شأن المرأة، وما إذا كانت تُعَدّ إنساناً أو لا تُعَدّ إنساناً. وبعد النقاش، قرّر المجتمعون أنّ المرأة إنسان ولكنّها مخلوقةٌ لخدمة الرجل )(٢).

وفي انجلترا حرّم ( هنري الثامن ) على المرأة الانجليزيّة قراءة الكتاب المقدّس، وظلّت النساء حتّى سنة ١٨٥٠ م غير معدودات مِن المواطنين، وظللن حتّى سنة ١٨٨٢ م ليس لهنّ حقوق شخصيّة، ولا حقّ لهنّ في التملّك الخالص، وإنّما كانت المرأة ذائبة في أبيها أو زوجها(٣).

المرأة في المجتمع العربي الجاهلي:

وقد لخّص الأستاذ الندوي حياة المرأة في المجتمع العربي الجاهلي، حيث قال:

( وكانت المرأة في المجتمع الجاهلي عرضة غَبنٍ وحَيف، تُؤكَل حقوقها وتُبتزّ أموالها، وتُحرم مِن إرثها، وتُعضل بعد الطلاق أو وفاة الزوج مِن أنْ تنكح زوجاً ترضاه، وتورَث كما يُورَث المتاع أو الدابّة، وكانت المرأة

_____________________

(١) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، للسيّد الندوي ص ١٦٠.

(٢)، (٣) مقارنة الأديان، للدكتور احمد شلَبي ج ٣ ص ٢٠٠.

٤٠١

في الجاهليّة يُطفَّف معها الكيل، فيتمتّع الرجل بحقوقه ولا تتمتّع هي بحقوقها، ومِن المأكولات ما هو خالص للذكور ومحرّم على الإناث، وكان يسوغ للرجل أنْ يتزوّج ما يشاء مِن النساء مِن غير تحديد.

وقد بلغت كراهة البنات إلى حدّ الوأد، وكانوا يقتلون البنات بقسوة، فقد يتأخّر وأد الْمَوْؤُودَةُ لسفَر الوالد وشغله، فلا يئدها إلاّ وقد كبُرت وصارت تعقل، وكان بعضهم يلقي الأُنثى مِن شاهق )(١).

المرأة في الحضارة الغربية الحديثة:

ولمّا بلغت الحضارة الغربيّة الحديثة أوجّها، نالت المرأة فيها - بعد جهادٍ شاقٍّ وتضحياتٍ غالية - حرّيتها وحقوقها، وغدت تستشعر المساواة بالرجل، وتشاطره الأعمال في الدوائر والمتاجر والمصانع، ومختلف الشؤون والنشاطات الاجتماعيّة.

وابتهجت المرأة الغربيّة بهذه المكاسب التي نالتها بالدموع والمآسي، متجاهلة واقع غبنها وخُسرانها في هذا المجال. ولو أنّها حاكمت وعادلت في ميزان المنطق بين المغانم التي حقّقتها والمغارم التي حاقَت بها... لأحسّت بالأسى والخيبة والخُسران.

فقد خدعها دُعاة التحرّر في هذه الحضارة الماديّة، وغرّروا بها واستغلّوا سذاجتها استغلالاً ماكراً دنيئاً. استغلّوها لمضاربة الرجل،

_____________________

(١) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، للسيّد الندوي ص ٥٧، بتصرّف.

٤٠٢

ومكايدته حينما بدأ يُطالب بمضاعفة أُجور العمل وتخفيف ساعاته، فاستجابت لذلك... تعمل أعمال الرجل قانعةً بأجرٍ دون أجره.

واستغلّوا أُنوثتها في الحقل التجاري لمضاعفة الأرباح الماديّة، لقدرتها على اجتذاب الزبائن وتصريف البضائع، مستثيرين كوامن الجِنس في نفوسهم فأيّ استغلال أنكى وأسوأ مِن هذا الاستغلال ؟

وكان عليها بعد هذا أنْ تضطلع بمهامّها النسويّة مِن الحمل والوضع والتربية والتدبير المنزلي، إلى جانب كفاحها في سبيل العيش كيلا يمسّها السغب والحرمان لنكول الرجل عن إعالتها في الغالب.

وبالرغم ممّا حقّقته المرأة الأُوربيّة مِن صنوف الانجازات والمكاسب، فإنّها تُعتبر في المعيار المنطقي خاسرةً مُخفقة، قد خَسِرت إزاء تحرّرها دينها وأخلاقها وكرامتها، وأصبحت في حالة مزرية مِن التبذّل والإسفاف. كما شهِد به الغربيّون أنفسهم ممّا أوضحناه سالفاً ونزيده إيضاحاً في الأبحاث التالية.

تحرير المرأة في الإسلام

وندرك مِن هذا العرض السالف مبلغ التخبّط والتأرجُح في تقييم المرأة عِبر العصور القديمة والحديثة، دون أنْ تهتدي الأُمَم إلى القصد والاعتدال، ممّا أساء إلى المرأة والمجتمع الذي تعيشه إساءةً بالغة.

فلمّا انبثق فجر الإسلام وأطلّ على الدنيا بنوره الوضّاء، أسقط تلك التقاليد الجاهليّة وأعرافها البالية، وأشاد للإنسانيّة دستوراً خالداً يُلائم

٤٠٣

العقول النيّرة والفطرة السليمة، ويُواكب البشريّة عِبر الحياة.

فكان مِن إصلاحاته أنّه صحّح قِيَم المرأة وأعاد إليها اعتبارها، ومنَحها حقوقها الماديّة والأدبيّة بأُسلوبٍ قاصدٍ حكيم، لا إفراط فيه ولا تفريط، فتبوّأت المرأة المسلمة في عهده الزاهر منزلةً رفيعةً لم تبلغها نِساء العالم.

لقد أوضح الإسلام واقع المرأة، ومساواتها بالرجل في المفاهيم الإنسانية، واتّحادها معه في المبدأ والمعاد، وحرمة الدم والعرض والمال، ونيل الجزاء الأُخروي على الأعمال، ليُسقط المزاعم الجاهليّة إزاء تخلّف المرأة عن الرجل في هذه المجالات.

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) ( الحجرات: ١٣ ).

( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ( النحل: ٩٧ ).

وكان بعض الأعراب يئدُ البنات ويقتلهنّ ظُلماً وعدواناً، فجاء ناعياً ومُهدّداً على تلك الجريمة النكراء، ومنَح البنت شرف الكرامة وحقّ الحياة.

( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) ( التكوير: ٨ - ٩ ).

( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً ) ( الإسراء: ٣١ ).

وقضت الأعراف الجاهليّة أنْ تسوم المرأة ألوان التحكّم والافتئات، فتارة تقسرها على التزويج ممّن لا ترغب فيه، أو تعضلها مِن الزواج.

٤٠٤

وأُخرى تُورَث كما يُورث المَتاع، يتحكّم بها الوارث كيف يشاء، فله أنْ يزوّجها ويبتزّ مهرها، أو يعضلّها حتّى تفتدي نفسها منه أو تموت، فيرثُها كُرهاً واغتصاباً. وقد حرّرها الإسلام من ذلك الأسر الخانق والعبوديّة المقيتة، ومنَحها حريّة اختيار الزوج الكفوء، فلا يصحّ تزويجها إلاّ برضاها، وحرّم كذلك استيراثها قسراً وإكراها:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ) ( النساء: ١٩ ).

وكانت التقاليد الجاهليّة، وحتّى الغربيّة منها، إلى عهدٍ قريب تُمنع المرأة حقوق الملكيّة، كما حرمتها الجاهليّة العربيّة حقوق الإرث ؛ لأنّ الإرث في عرفهم لا يستحقّه إلاّ رجال القبيلة وحماتها المدافعون عنها بالسيف. وقد أسقط الإسلام تلك التقاليد الزائفة، ومنح المرأة حقوقها الملكيّة والإرثيّة، وقرّر نصيبها من الإرث.. أُمّاً كانت، أو بِنتاً، أو أُختا أو زوجة:

( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ) ( النساء: ٣٢ ).

( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ) ( النساء: ٧ ).

وفرض للزوجة على زوجها حقّ الإعالة، ولو كانت ثريّةً موسرة.

وقد عرَضنا في حقوق الزوجة طرَفاً مِن وصايا أهل البيتعليهم‌السلام في رعايتها وتكريمها، تعرب عن اهتمام الشريعة الإسلاميّة بشؤون المرأة ورفع معنوياتها.

واستطاع الإسلام بفضل مبادئه وسموّ آدابه أنْ يجعل المرأة المسلمة

٤٠٥

قدوةً مثالية لبناء الأُمم، في رجاحة العقل وسموّ الإيمان وكرم الأخلاق، ورفع منزلتها الاجتماعيّة، حتّى استطاعت أنْ تناقش وتحاجّ الخليفة الثاني إبّان خلافته، وهو يخطب في المسلمين وينهاهم عن المُغالاة في المهور، فانبَرت له امرأةٌ مِن صفّ الناس، وقالت: ما ذاك لك.

فقال: ولِمَه ؟

أجابت: لأنّ اللّه تعالى يقول:( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ) ( النساء: ٢ ).

فرجع عمر عن رأيه، وقال: أخطأ عمر وأصابت امرأة.

وقد سجّل التاريخ صفحات مشرّقة بأمجاد المرأة المسلمة ومواقفها البطوليّة في نصرة الإسلام، يقصّها الرواة بأُسلوب رائع ممتع يستثير الإعجاب والإكبار.

فهذه ( نسيبة المازنيّة ) كانت تخرج مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزَواته، وكان ابنها معها، فأراد أنْ ينهزم ويتراجع، فحملت عليه، فقالت: يا بني، إلى أين تفرّ عن اللّه وعن رسوله ؟ فردّته.

فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها، فحملت على الرجل فقتلته. فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( بارك اللّه عليك يا نسيبة ).

وكانت تقي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصدرها وثديها، حتّى أصابتها جراحات كثيرة(١).

وحجّ معاوية سنة من سنيّه، فسأل عن امرأة مِن بني كنانة كانت

_____________________

(١) عن سفينة البحار ج ٢ ص ٥٨٥.

٤٠٦

تنزل بالجحون، يُقال لها: ( دارميّة الجحون ) وكانت سوداء كثيرة اللحم، فأخبر بسلامتها، فبعث إليها. فجيء بها، فقال: ما حالك يابنة حام ؟ قالت: لستُ لحام إنْ عبتني، إنّما أنا امرأةٌ من بني كنانة، ثمت من بني أبيك.

قال: صدقت، أ تدرين لِمَ بعثت إليك ؟

قالت: لا يعلم الغيب إلاّ اللّه.

قال: بعثت إليك لأسألك، علامَ أحببت عليّاً وأبغضتني، وواليته وعاديتني ؟

قالت: أوَ تعفيني يا أمير المؤمنين.

قال: لا أعفيك.

قالت: أمّا إذا أبيت، فأنّي أحببتُ عليّاً على عدلِه في الرعيّة، وقسمه بالسويّة. وأبغضتُك على قتالِ مَن هو أولى منك بالأمر، وطلْبَتك ما ليس لك بحق. ووالَيت عليّاً على ما عقَد له رسول اللّه مِن الولاء، وعلى حبّه للمساكين، وإعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سفكِ الدماء، وشقّك العصا وجَورك في القضاء، وحكمك بالهوى.

قال: فلذلك انتفخ بطنك.

قالت: يا هذا، بهندٍ واللّه، يُضرب المثل في ذلك لا بي.

قال معاوية: يا هذه، أربعي، فإنّا لم نقل إلاّ خيراً، فرجَعت وسكَنَت.

فقال لها: يا هذه، هل رأيت عليّاً ؟

٤٠٧

قالت: أي واللّه لقد رأيته.

قال: فكيف رأيتيه.

قالت: رأيته واللّه، لم يفتنه المُلك الذي فتَنَك، ولم تشغَلُه النِّعمة التي شغَلَتك.

قال: هل سمِعتِ كلامه ؟

قالت: نعم واللّه، كان يجلو القلوب مِن العمى كما يجلو الزيت الصدأ.

قال: صدَقتِ، فهل لك مِن حاجة ؟

قالت: أوَ تفعل إذا سألتك ؟ قال: نعم.

قالت: تعطيني مِئة ناقة حمراء فيها فحلُها وراعيها.

قال: تصنعين بها ماذا ؟

قالت: أغدو بألبانها الصغار، واستحيي بها الكبار، واكتسب بها المكارم، وأصلح بها العشائر.

قال: فإنْ أعطيتك ذلك، فهل أحلّ عندك محلّ عليّ ؟

قالت: ماء ولا كصدّاء، ومرعى ولا كالسعدان، وفتى ولا كمالك.

ثمّ قال: أما واللّه لو كان عليّ حيّاً ما أعطاك منها شيئاً.

قالت: لا واللّه، ولا وبْرة واحدة مِن مال المسلمين.

* * *

واستدعى معاوية امرأة مِن أهل الكوفة تُسمّى ( الزرقاء بنت عديّ ) كانت تعتمد الوقوف بين الصفوف وترفع صوتها صارخة، يا أصحاب عليّ، تُسمِعهم كلامها كالصوارم، مستحثّة لهم بقولٍ لو سمعه الجبان لقاتل،

٤٠٨

والمُدبر لأقبَل، والمسالِم لحارب، والفارّ لكرّ، والمتزَلزِل لاستقر.

فلمّا قدِمت على معاوية، قال لها: هل تعلمين لِم بعثتُ إليك ؟

قالت: لا يعلم الغيب إلاّ اللّه سُبحانه وتعالى.

قال: ألستِ الراكبة الجَمل الأحمر يوم صفّين، وأنتِ بين الصفوف توقدين نار الحرب، وتحرّضين على القتال ؟

قالت: نعم. قال: فما حمَلَك على ذلك ؟

قالت: يا أمير المؤمنين، إنّه قد مات الرأس، وبُتِرَ الذنَب، ولنْ يعود ما ذهَب، والدهر ذو غِيَر، ومَن تفكّر أبصَر، والأمر يحدُث بعده الأمر.

قال: صدَقت، فهل تعرفين كلامك وتحفظين ما قلت ؟

قالت: لا واللّه، ولقد أنسيته.

قال: للّه أبوك، فلقد سمِعتك تقولين: ( أيّها الناس، ارعوا وارجعوا، إنّكم أصبحتم في فتنة، غشّتكم جلابيب الظلم، وجارَت بكم عن قَصد المحجّة، فيا لها فتنةٌ عمياء صمّاء بكماء، لا تسمع لِناعِقها ولا تَسلس لقائدها. إنّ المصباح لا يضيء في الشمس، وإنّ الكواكب لا تنير مع القمر، وإنّ البغل لا يسبق الفرس، ولا يُقطع الحديد إلاّ بالحديد، ألا مَن استرشَد أرشدناه، ومَن سألَنا أخبرناه.

أيّها الناس: إنّ الحقّ كان يَطلب ضالّته فأصابها، فصبراً يا معشر المهاجرين والأنصار على الغصص، فكأنّكم وقد التأم شمل الشتات، وظهَرت كلمة العدل، وغلَب الحقّ باطله، فإنّه لا يستوي المُحقّ والمبطِل. أفمن

٤٠٩

كان مؤمناً كمَن كان فاسقاً لا يستوون. فالنزال النزال، والصبر الصبر، ألا إنّ خضاب النساء الحنّاء، وخضاب الرجال الدماء، والصبر خير الأُمور عاقبة، أئتوا الحرب غير ناكصين، فهذا يوم له ما بعده ).

ثمّ قال: يا زرقاء، أليس هذا قولك وتحريضك ؟

قالت: لقد كان ذلك.

قال: لقد شاركت عليّاً في كلّ دمٍ سفَكَه.

فقالت: أحسنَ اللّه بشارتك أمير المؤمنين، وأدام سلامتك، فمثلك مَن بشّر بخير، وسرّ جليسه.

فقال معاوية: أوَ يسرّك ذلك ؟

قالت: نعم واللّه، لقد سرّني قولك، وأنّى لي بتصديق الفعل. فضحِك معاوية، وقال: واللّه لوفاؤكم له بعد موته أعجبُ عندي مِن حبّكم له في حياته(١) .

وهذه أمّ وهَب ابن عبد اللّه بن خباب الكلبي، قالت لابنها يوم عاشوراء: قم يا بني، فانصر ابن بنت رسول اللّه.

فقال: أفعَل يا أمّاه ولا أقصّر.

فبرَز وهو يقول رجزه المشهور، ثمّ حمَل فلَم يزَل يقاتل، حتّى قتَل منهم جماعة، فرجع إلى أُمه وامرأته، فوقف عليهما فقال: يا أماه، أرضيت ؟

فقالت: ما رضيت، أو تُقتَل بين يديّ الحسينعليه‌السلام .

_____________________

(١) هاتان القصتان ( الثانية والثالثة ) عن قصص العرب ج ٢، وقد نقلتا بتصرّف واختصار.

٤١٠

فقالت امرأته: باللّه، لا تفجعني في نفسك.

فقالت أُمّه: يا بني، لا تقبل قولها وارجع فقاتل بين يديّ ابن بنت رسول اللّه، فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي اللّه.

فرجَع ولم يزَل يُقاتل حتّى قتَل تسعة عشر فارساً واثني عشَر راجلاً، ثمّ قُطِعت يداه. وأَخذَت أُمّه عموداً وأقبَلت نحوه وهي تقول: فداك أبي وأُمّي، قاتل دون الطيّبين - حرم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله -. فأقبل كي يردّها إلى النساء، فأخذت بجانب ثوبه: ( لنْ أعود أو أموت معك ).

فقال الحسينعليه‌السلام : ( جُزيتم مِن أهل بيتٍ خيراً، ارجعي إلى النساء، رحِمَك اللّه ).

فانصرفت. وجعل يُقاتل حتّى قُتِل رضوان اللّه عليه(١) .

هذه لمحة خاطفة مِن عرضٍ تاريخي طويل زاخر بأمجاد المرأة المسلمة، ومواقفها البطوليّة الخالدة، اقتصرنا عليها خشية الإطالة.

وأين مِن هذه العقائل المصونات، نِساء المسلمين اليوم، اللاتي يتشدّق الكثيرات منهنّ بالتبرّج، ونبذ التقاليد الإسلاميّة، ومحاكاة المرأة الغربيّة، في تبرّجها وخلاعتها. فخسِرن بذلك أضخم رصيد ديني وأخلاقي تملكه المرأة المسلمة وتعتزّ به، وغدَونَ عاطلات مِن محاسن الإسلام، وفضائله المثاليّة.

_____________________

(١) نفس المهموم للشيخ عبّاس القمّي (ره) بتصرّف وتلخيص.

٤١١

المساواة بين الرجل والمرأة

لقد غزَت الشرق فيما غزاه مِن صنوف البِدَع والضلالات، فكرة المساواة التامّة بين الرجل والمرأة، ومشاطرتها له في مختلف نشاطاته السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.

وانخدع أغرار المسلمين بهذه الفكرة، وراحوا يُنادون بها ويدعون إليها، جهلاً بزيفها ومخالفتها مبادئ الفطرة والوجدان، للفوارق العديدة بين الجِنسين، واختلاف مؤهّلاتهما في مجالات الحياة.

ومتى ثبتت المُفارقات بين الرجل والمرأة، تجلّى خطأ هذه الفكرة، واستبان ما فيها مِن تفريط وتضييع لخصائص كلٍّ منهما وكفاءته.

فالرجل غالباً: هو أضخم هيكلاً مِن المرأة، وأصلَب عوداً، وأقوى جلداً على معاناة الشدائد والأهوال، كما هو أوسع أُفقاً، وأبعَد نظراً، وأوفَر خبرةً في تجارب الحياة.

والمرأة غالباً، هي أجمل صورة مِن الرجل، وأضعَف جِسماً وطاقة، وأرقَّ عاطفةً، وأرهف حسّاً، تيسيراً لما أُعدّت له مِن وظائف الأُمومة ورسالتها الإنسانيّة في الحياة.

ويزداد التغاير والتباين بين الجنسين فيما ينتاب الإناث خاصّة، مِن أعراض الحيض والحمل والإرضاع، ممّا يؤثّر تأثيراً بالغاً في حياة المرأة وحالتها الصحيّة.

فهي تُعاني أعراضاً مرَضيّة خلال عاداتها الشهريّة، تخرجها عن طورها المألوف.

قال الطبيب( جب هارد ) : ( قلّ مِن النساء مَن لا تعتلّ بعلّة في المحاض، ووجَدنا أكثرهن يَشكينَ الصداع والنصَب والوجَع تحت السرّة،

٤١٢

وقِلّة الشهوة للطعام، ويصبحن شرِسات الطباع، مائلات إلى البكاء. فنظراً لهذه العوارض كلّها يصحّ القول، أنّ المرأة في محاضها تكون في الحقّ مريضة، وينتابها هذا المرض مرّةً في كلّ شهر، وهذه التغييرات في جسم المرأة تؤثّر لا محالة في قواها الذهنيّة وفي أفعال أعضائها ).

وهكذا أعرب الباحثون عن امتناع المساواة بين الجنسين.

قال الباحث الطبيعي الروسي( انطون نميلاف ) في كتابه الذي أثبت فيه عدم المساواة الفطريّة بينهما، بتجارب العلوم الطبيعيّة ومشاهداته: ( ينبغي أنْ لا نخدع أنفسنا بزعم أنّ إقامة المساواة بين الرجل والمرأة في الحياة العمليّة أمرٌ هيّنٌ ميسور. الحقّ أنّه لم يجتهد أحد في الدنيا لتحقيق هذه المساواة بين الصنفين مثل ما اجتهدنا في روسيا السوفيتيّة، ولم يوضع في العالم مِن القوانين السمحة البريئة من التعصّب في هذا الباب مثل ما وضِع عندنا، ولكنّ الحقّ إنّ منزلة المرأة قلّما تبدّلت في الأُسرة، ولا في الأُسرة فحسب، بل قلّما تبدّلت في المجتمع أيضاً ).

ويقول في مكان آخر: ( لا يزال تصوّر عدم مساواة الرجل والمرأة ذلك التصوّر العميق راسخاً، لا في قلوب الطبَقات ذات المستوى الذهني البسيط، بل في قلوب الطبقات السوفيتيّة العُليا أيضاً )(١).

وقال الدكتور( الكسيس كاريل ) الحائز على جائزة نوبل: ( يجب أنْ يبذل المربّون اهتماماً شديداً للخصائص العضويّة والعقليّة في الذكر والأنثى، كذا لوظائفهما الطبيعيّة، فهناك اختلافات لا تُنقض بين الجنسين

_____________________

(١) الحِجاب، للمودودي ص ٢٥٦.

٤١٣

ولذلك فلا مناصَ مِن أنْ نحسب حساب هذه الاختلافات في إنشاء عالَم متمدّن )(١).

ولا يعتبر تفوّق الرجل على المرأة في المجالات العمليّة والنظريّة مِقياساً عامّاً شاملاً لجميع الرجال، فقد تَبُذُّ المرأة الرجل وتفوقه في ذلك، ولكن هذا لا ينفي تخلّفها عن أغلب الرجال.

وعزا بعضهم تخلّف المرأة عن الرجل إلى التقاليد الاجتماعيّة، والنظُم التربويّة التي تكتنف حياتها.

وفاتهم أنّ تلك التقاليد والنظُم قد تلاشت في أغلب الدول المُتحلّلة، وانعدمت فيها الفوارق بين الجنسين، وغدَت المرأة تتمتّع بجميع فرَص التكافؤ التي يتمتّع بها الرجل. وبالرغم مِن ذلك فإنّها تعتبر في المرتبة الثانية منه.

ومِن هنا ندرك امتناع المساواة المُطلقة بين الرجل والمرأة، ونعتبرها ضرباً مِن الحماقة والسُّخف.

فهل يسع دعاة المساواة أنْ يطوّروا واقع الرجل ويجعلوه مشاركاً للمرأة في مؤهّلاتها الخاصّة، ووظائفها النسويّة التي يعجز عنها هو، كذلك لا يسعهم أنْ يسترجلوا المرأة ويمنحوها خصائص الرجل ووظائفه التي تعجز عنها هي.

إنّ الحكمة الإلهيّة قد كيّفت كلاًّ مِن الجنسين وأعدّته إعداداً خاصّاً، يؤهّله لأداء وظائفه ومهمّاته في الحياة، فلا مناص مِن تنويع الأعمال بينهما

_____________________

(١) الإنسان ذلك المجهول ص ١١٧.

٤١٤

حسب كفاءتهما ومؤهّلاتهما... وكُل مُيسّر لما خُلق له.

فوظيفة الرجل هي: ممارسة الأعمال الشاقّة، والشئون الخارجيّة عن المنزل، والكدح في توفير وسائل العيش لأُسرته، والدأب على حمايتها وإسعادها ماديّاً وأدبيّاً، ممّا تنوء به المرأة ولا تستطيع إتقانه وإجادته.

ووظيفة المرأة هي: أنْ تكون ربّة بيت وراعيةَ منزل، وأُمّاً مثاليّةً تُنشئ الأكفّاء من الرجال، وهي وحدها التي تستطيع أنْ تجعل البيت فردوساً للرجل، يستشعر فيه الراحة مِن متاعب الحياة، وينعم الأطفال فيه بدفء الحنان ودواعي النموّ والازدهار.

فإقحام المرأة في ميادين الرجل، ومنافستها له في أعماله... تضييع لكفاءتها ومؤهّلاتها، ثمّ هو تجميد للرجل عن ممارسة نشاطاته الحيويّة التي يجيدها ولا تجيدها المرأة، وتعطيل له عن إنشاء أُسرةٍ وتكوين بيت.

وقد أحدَثت منافسة المرأة للرجل في وظائفه ونشاطاته الخاصّة في الجاهليّة الحديثة... شروراً أخلاقيّة واجتماعيّة ونفسيّة خطيرة، وكانت مضّارها أكثر مِن نفعها أَضعافاً مُضاعفة.

وأصبحت المرأة هناك تُعاني مرارة الكفاح ومهانة الابتذال في سبيل العيش، كي لا تمسّها الفاقة لنكول الرجل عن إعالتها، ممّا عاقها عن أداء وظائفها الخاصّة من تدبير المنزل ورعاية الأُسرة وتربية الأبناء تربيةً صالحة.

وبتقاعس المرأة عن أداء واجبها الأصيل، وانخراطها في المجتمع الخليط، أُصيبت الأُسرة هناك بالتبعثر والتسيّب والشقاء، وشاع فيها التفسّخ والتهتّك والانهيار الخُلقي، كما شهِد بذلك الباحث الطبيعي الروسي( انطون

٤١٥

نيميلاف ) في كتابه الآنف الذكر:

( الحقّ أنّ جميع العمّال قد بدت فيهم أعراض الفوضى الجنسيّة، وهذه حالة جدّ خطرة، تُهدّد النظام الاشتراكي بالدمار، فيجب أنْ نُحارب بكلّ ما أمكن مِن الطُرق ؛ لأنّ المحاربة في هذه الجبهة ذات مشاكل وصعوبات، ولي أنْ أدُلّكم على آلافٍ مِن الأحداث، يُعلم منها أنّ الإباحية الجنسيّة قد سرَت عدواها لا في الجهّال الأغرار فحسب، بل في الأفراد المثقّفين مِن طبقة العمّال )(١).

وحسبُنا هذه الشهادة عِظةً وعبرةً على بطلان المساواة بين الجنسين، وأضرار اختلاطهما في الوظائف والأعمال، فهل مِن متّعظ ؟!

فإقحام المرأة في ميدان أعمال الرجال خطأٌ فاضح، وجنايةٌ كُبرى على المرأة والمجتمع الذي تعيشه، وهدرٌ لكرامتهما معاً.

نعم... يُستساغ للمرأة أنْ تمارس أعمالاً تخصّها وتليق بها، كتعليم البنات، وتطبيب النساء وتوليدهن، وفي حالة فقدان المرأة مَن يعولها، أو عجزِه عن إعالتها، فإنّها والحالة هذه تستطيع مزاولة الأعمال والمكاسب التي يؤمَن عليها مِن مفاتن المجتمع الخليط، ويُؤمن عليه مِن فتنتها كذلك.

ولكنّ الإسلام، صان كرامة المرأة المعوزة، وكفل رزقها من بيت المال، دون أنْ يحوجها إلى تلك المعاناة، فلو أدّى المسلمون زكاة أموالهم ما بقيَ محتاج.

_____________________

(١) الحِجاب، للمودودي ص ٢٥٧.

٤١٦

فماذا يريد دعاة المساواة ؟ أ يُريدون إعزاز المرأة وتحريرها من الغبن الاجتماعي ؟ فقد حرّرها الإسلام ورفَع منزلتها ومنَحها حقوقها الماديّة والأدبيّة، أم يريدون مخادعة المرأة وابتذالها، لتكون قريبةً من عيون الذئاب ومغازلاتهم ؟

وماذا تريد المرأة المتحرّرة ؟ أَ تُريد المساواة التامّة بالرجل، أَم تريد حريّة الخلاعة والابتذال ؟

وكلّها غايات داعرة، حرّمها الإسلام على المرأة والرجل ليقيهما مزالق الفتن ومآسي الاختلاط.

التمايز بين الجنسين

لقد حرّر الإسلام المرأة من تقاليد الجاهليّة وأعرافها المَقيتة، وأعزّها ورفَع منزلتها، وقرّر مساواتها بالرجل في الإنسانيّة ووحدة المبدأ والمعاد، وحرمة الدم والعرض والمال، ونيل الجزاء الأُخروي على الأعمال.

وحدّد قِيم المرأة ومنزلتها مِن الرجل تحديداً عادلاً حكيماً ؛ فهو يُساوي بينها وبين الرجل فيما تقتضيه الحكمة والصواب، ويُفرّق بينهما في بعض الحقوق وبعض الواجبات والأحكام، حيث يجدر التفريق ويَحسن التمايز نظَراً لاختلاف خصائصهما ومسؤوليّاتهما في مجالات الحياة.

وهو في هذا وذاك يستهدف الحكمة والصلاح، والتقييم العادل لطبائع البشر وخصائصهم الأصيلة. فلم يكن في تمييزه الرجل في بعض الأحكام

٤١٧

ليستهين بالمرأة أو يبخس حقوقها، وإنما أراد أنْ يحقّق العدل، ويمنح كلاً منهما ما يستحقّه ويلائم كفاءته وتكاليفه.

وسنبحث في المواضيع التالية أهمّ مواطن التفريق والتمايز بين الرجل والمرأة ؛ لنستجلي حكمة التشريع الإسلامي وسموّ مبادئه في ذلك.

١ - القوامة:

الأُسرة هي الخليّة الأُولى، التي انبثقت منها الخلايا الاجتماعيّة العديدة، والمجتمع الصغير الذي نما واتّسع منه المجتمع العام الكبير.

ومِن الثابت أنّ كلّ مجتمع - ولو كان صغيراً - لا بدّ له مِن راعٍ كفؤ يرعى شئونه، وينظم حياته، ويسعى جاهداً في رُقيّه وازدهاره.

لذلك كان لا بدّ للأُسرة مِن راعٍ وقِيَم، يسوسها بحُسن التنظيم والتوجيه ويوفّر لها وسائل العيش الكريم، ويحوطها بالعزّة والمنَعة، وتلك مهمّةٌ خطيرة تستلزم الحنكة والدُّربة، وقوّة الإرادة، ووفرة التجربة في حقول الحياة.

فأيّ الشخصين الرجل أو المرأة أحقّ برعاية الأُسرة والقوامة عليها ؟

إنّ الرجل بحكم خصائصه ومؤهّلاته أكثرُ خبرةً وحذَقاً في شئون الحياة مِن المرأة، وأكفأ منها على حماية الأُسرة ورعايتها أدبيّاً وماديّاً، وأشدّ قوّةً وجَلَداً على تحقيق وسائل العيش ومستلزمات الحياة ؛ لذلك كان هو أحقّ برعاية الأُسرة والقوامة عليها، وهذا ما قرّره الدستور الإسلامي

٤١٨

الخالد:( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) ( النساء: ٣٤ ).

وليس معنى القوامة هو التحكّم بالأُسرة وسياستها بالقسوة والعنف، فذلك منافٍ لأخلاق الإسلام وآدابه. والقوامة الحقّة هي التي ترتكز على التفاهم والتآزر والتجاوب الفكري والعاطفي بين راعي الأُسرة ورعيّته:( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) ( البقرة: ٢٢٨ ).

أمّا المرأة فإنّها بحكم أُنوثتها، رقيقةَ العاطفة، مُرهفة الحسّ، سريعة التأثّر، تتغلّب عواطفها على عقلِها ومشاعرها ؛ وذلك ما يؤهّلها لأداء رسالة الأُمومة، ووظائفها المستلزمة لتلك الخلال، ويقصيها عن مركز القيادة في الأُسرة الذي يتطلّب الحنكة، واتّزان العواطف، وقوّة الجَلَد والحزْم، المتوفّرة في الرجل، وهذا ما يُؤثره عليها في رعاية الأُسرة والقوامة.

هذا إلى أنّ المرأة السويّة بحكم أُنوثتها تستخفّ بالزوج المائع الرخو، وتكبره إذا كان ذا شخصيّة قويّة جذّابة، تستشعر في ظلال رجولته مفاهيم العزّة والمنعة، وترتاح إلى حُسن رعايته وتدبيره.

٢ - إيثار الرجل على المرأة في الإرث:

وهكذا قضت حكمة التشريع الإسلامي أنْ تُؤثر الرجل على المرأة،

٤١٩

بضعف نصيبها من الإرث، ممّا حسِبَه المغفّلون انتقاصاً لكرامة المرأة وبَخساً لحقوقها

لا... لم يكن الإسلام لِيَستهين بالمرأة أو يَبخَس حقوقها، وهو الذي أعزّها ومنَحها حقوقها الأدبيّة والماديّة، وإنّما ضاعف نصيب الرجل عليها في الإرث تحقيقاً للعدل والإنصاف، ونظراً لتكاليفه ومسؤوليّاته الجسيمة.

فالرجل مكلّفٌ بالإنفاق على زوجته وأُسرته وتوفير ما تحتاجه مِن طعام وكِساء وسكن، وتعليم وتطبيب، والمرأة معفوّة من كلّ ذلك. وكذلك هو مسؤول عن حماية الإسلام والجهاد في نصرته، والمرأة غير مكلّفة به. والرجل مكلّف بالإسهام في ديّة العاقلة ونحوها مِن الالتزامات الاجتماعيّة، والمرأة مُعفاة منها.

وعلى ضوء هذه الموازنة بين الجهد والجزاء، نجد أنّ مِن العدل والإنصاف تفوّق الرجل على المرأة في الإرث، وإنّها أسعد حالاً، وأوفَر نصيباً منه، لتكاليفه الأُسريّة والاجتماعيّة، التي هي غيرُ مسؤولةٍ عنها. وهذا ما شرّعه الإسلام:( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) ( النساء: ١١ ) على أنّ تفضيل الرجل على المرأة في الإرث لا يعمّ حقوقها الملكيّة، وأموالها المكتسبة، فإنّها والرجل سيّان، ولا يحقّ له أنْ يبتزّ فِلساً واحداً منها إلا برضاها وإذنها.

٣- الشهادة:

وهكذا تجلّت حكمة التشريع الإسلامي في تقييم شهادة المرأة، واعتبار شهادة امرأتين بشهادة رجلٍ واحد. وقد أراد الإسلام بهذا الإجراء أنْ

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517