أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت0%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد مهدي الصدر
تصنيف: الصفحات: 517
المشاهدات: 318312
تحميل: 11072

توضيحات:

أخلاق أهل البيت
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 318312 / تحميل: 11072
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مصادفتهنّ في الطريق والتحدّث إليهنّ - ولو كُنَّ أُمّهات وأزواجاً أو شقيقات - تحبط أعمالهم وجهودهم الروحيّة )(١).

وهكذا كان المجتمع الغربي فيما خلا تلك العصور، يستخفّ بالمرأة ولا يقيم لها وزناً. ( فقد عُقِد في فرنسا اجتماع سنة ٥٨٦ م يبحث شأن المرأة، وما إذا كانت تُعَدّ إنساناً أو لا تُعَدّ إنساناً. وبعد النقاش، قرّر المجتمعون أنّ المرأة إنسان ولكنّها مخلوقةٌ لخدمة الرجل )(٢).

وفي انجلترا حرّم ( هنري الثامن ) على المرأة الانجليزيّة قراءة الكتاب المقدّس، وظلّت النساء حتّى سنة ١٨٥٠ م غير معدودات مِن المواطنين، وظللن حتّى سنة ١٨٨٢ م ليس لهنّ حقوق شخصيّة، ولا حقّ لهنّ في التملّك الخالص، وإنّما كانت المرأة ذائبة في أبيها أو زوجها(٣).

المرأة في المجتمع العربي الجاهلي:

وقد لخّص الأستاذ الندوي حياة المرأة في المجتمع العربي الجاهلي، حيث قال:

( وكانت المرأة في المجتمع الجاهلي عرضة غَبنٍ وحَيف، تُؤكَل حقوقها وتُبتزّ أموالها، وتُحرم مِن إرثها، وتُعضل بعد الطلاق أو وفاة الزوج مِن أنْ تنكح زوجاً ترضاه، وتورَث كما يُورَث المتاع أو الدابّة، وكانت المرأة

_____________________

(١) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، للسيّد الندوي ص ١٦٠.

(٢)، (٣) مقارنة الأديان، للدكتور احمد شلَبي ج ٣ ص ٢٠٠.

٤٠١

في الجاهليّة يُطفَّف معها الكيل، فيتمتّع الرجل بحقوقه ولا تتمتّع هي بحقوقها، ومِن المأكولات ما هو خالص للذكور ومحرّم على الإناث، وكان يسوغ للرجل أنْ يتزوّج ما يشاء مِن النساء مِن غير تحديد.

وقد بلغت كراهة البنات إلى حدّ الوأد، وكانوا يقتلون البنات بقسوة، فقد يتأخّر وأد الْمَوْؤُودَةُ لسفَر الوالد وشغله، فلا يئدها إلاّ وقد كبُرت وصارت تعقل، وكان بعضهم يلقي الأُنثى مِن شاهق )(١).

المرأة في الحضارة الغربية الحديثة:

ولمّا بلغت الحضارة الغربيّة الحديثة أوجّها، نالت المرأة فيها - بعد جهادٍ شاقٍّ وتضحياتٍ غالية - حرّيتها وحقوقها، وغدت تستشعر المساواة بالرجل، وتشاطره الأعمال في الدوائر والمتاجر والمصانع، ومختلف الشؤون والنشاطات الاجتماعيّة.

وابتهجت المرأة الغربيّة بهذه المكاسب التي نالتها بالدموع والمآسي، متجاهلة واقع غبنها وخُسرانها في هذا المجال. ولو أنّها حاكمت وعادلت في ميزان المنطق بين المغانم التي حقّقتها والمغارم التي حاقَت بها... لأحسّت بالأسى والخيبة والخُسران.

فقد خدعها دُعاة التحرّر في هذه الحضارة الماديّة، وغرّروا بها واستغلّوا سذاجتها استغلالاً ماكراً دنيئاً. استغلّوها لمضاربة الرجل،

_____________________

(١) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، للسيّد الندوي ص ٥٧، بتصرّف.

٤٠٢

ومكايدته حينما بدأ يُطالب بمضاعفة أُجور العمل وتخفيف ساعاته، فاستجابت لذلك... تعمل أعمال الرجل قانعةً بأجرٍ دون أجره.

واستغلّوا أُنوثتها في الحقل التجاري لمضاعفة الأرباح الماديّة، لقدرتها على اجتذاب الزبائن وتصريف البضائع، مستثيرين كوامن الجِنس في نفوسهم فأيّ استغلال أنكى وأسوأ مِن هذا الاستغلال ؟

وكان عليها بعد هذا أنْ تضطلع بمهامّها النسويّة مِن الحمل والوضع والتربية والتدبير المنزلي، إلى جانب كفاحها في سبيل العيش كيلا يمسّها السغب والحرمان لنكول الرجل عن إعالتها في الغالب.

وبالرغم ممّا حقّقته المرأة الأُوربيّة مِن صنوف الانجازات والمكاسب، فإنّها تُعتبر في المعيار المنطقي خاسرةً مُخفقة، قد خَسِرت إزاء تحرّرها دينها وأخلاقها وكرامتها، وأصبحت في حالة مزرية مِن التبذّل والإسفاف. كما شهِد به الغربيّون أنفسهم ممّا أوضحناه سالفاً ونزيده إيضاحاً في الأبحاث التالية.

تحرير المرأة في الإسلام

وندرك مِن هذا العرض السالف مبلغ التخبّط والتأرجُح في تقييم المرأة عِبر العصور القديمة والحديثة، دون أنْ تهتدي الأُمَم إلى القصد والاعتدال، ممّا أساء إلى المرأة والمجتمع الذي تعيشه إساءةً بالغة.

فلمّا انبثق فجر الإسلام وأطلّ على الدنيا بنوره الوضّاء، أسقط تلك التقاليد الجاهليّة وأعرافها البالية، وأشاد للإنسانيّة دستوراً خالداً يُلائم

٤٠٣

العقول النيّرة والفطرة السليمة، ويُواكب البشريّة عِبر الحياة.

فكان مِن إصلاحاته أنّه صحّح قِيَم المرأة وأعاد إليها اعتبارها، ومنَحها حقوقها الماديّة والأدبيّة بأُسلوبٍ قاصدٍ حكيم، لا إفراط فيه ولا تفريط، فتبوّأت المرأة المسلمة في عهده الزاهر منزلةً رفيعةً لم تبلغها نِساء العالم.

لقد أوضح الإسلام واقع المرأة، ومساواتها بالرجل في المفاهيم الإنسانية، واتّحادها معه في المبدأ والمعاد، وحرمة الدم والعرض والمال، ونيل الجزاء الأُخروي على الأعمال، ليُسقط المزاعم الجاهليّة إزاء تخلّف المرأة عن الرجل في هذه المجالات.

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) ( الحجرات: ١٣ ).

( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) ( النحل: ٩٧ ).

وكان بعض الأعراب يئدُ البنات ويقتلهنّ ظُلماً وعدواناً، فجاء ناعياً ومُهدّداً على تلك الجريمة النكراء، ومنَح البنت شرف الكرامة وحقّ الحياة.

( وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) ( التكوير: ٨ - ٩ ).

( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً ) ( الإسراء: ٣١ ).

وقضت الأعراف الجاهليّة أنْ تسوم المرأة ألوان التحكّم والافتئات، فتارة تقسرها على التزويج ممّن لا ترغب فيه، أو تعضلها مِن الزواج.

٤٠٤

وأُخرى تُورَث كما يُورث المَتاع، يتحكّم بها الوارث كيف يشاء، فله أنْ يزوّجها ويبتزّ مهرها، أو يعضلّها حتّى تفتدي نفسها منه أو تموت، فيرثُها كُرهاً واغتصاباً. وقد حرّرها الإسلام من ذلك الأسر الخانق والعبوديّة المقيتة، ومنَحها حريّة اختيار الزوج الكفوء، فلا يصحّ تزويجها إلاّ برضاها، وحرّم كذلك استيراثها قسراً وإكراها:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ) ( النساء: ١٩ ).

وكانت التقاليد الجاهليّة، وحتّى الغربيّة منها، إلى عهدٍ قريب تُمنع المرأة حقوق الملكيّة، كما حرمتها الجاهليّة العربيّة حقوق الإرث ؛ لأنّ الإرث في عرفهم لا يستحقّه إلاّ رجال القبيلة وحماتها المدافعون عنها بالسيف. وقد أسقط الإسلام تلك التقاليد الزائفة، ومنح المرأة حقوقها الملكيّة والإرثيّة، وقرّر نصيبها من الإرث.. أُمّاً كانت، أو بِنتاً، أو أُختا أو زوجة:

( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ) ( النساء: ٣٢ ).

( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ) ( النساء: ٧ ).

وفرض للزوجة على زوجها حقّ الإعالة، ولو كانت ثريّةً موسرة.

وقد عرَضنا في حقوق الزوجة طرَفاً مِن وصايا أهل البيتعليهم‌السلام في رعايتها وتكريمها، تعرب عن اهتمام الشريعة الإسلاميّة بشؤون المرأة ورفع معنوياتها.

واستطاع الإسلام بفضل مبادئه وسموّ آدابه أنْ يجعل المرأة المسلمة

٤٠٥

قدوةً مثالية لبناء الأُمم، في رجاحة العقل وسموّ الإيمان وكرم الأخلاق، ورفع منزلتها الاجتماعيّة، حتّى استطاعت أنْ تناقش وتحاجّ الخليفة الثاني إبّان خلافته، وهو يخطب في المسلمين وينهاهم عن المُغالاة في المهور، فانبَرت له امرأةٌ مِن صفّ الناس، وقالت: ما ذاك لك.

فقال: ولِمَه ؟

أجابت: لأنّ اللّه تعالى يقول:( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ) ( النساء: ٢ ).

فرجع عمر عن رأيه، وقال: أخطأ عمر وأصابت امرأة.

وقد سجّل التاريخ صفحات مشرّقة بأمجاد المرأة المسلمة ومواقفها البطوليّة في نصرة الإسلام، يقصّها الرواة بأُسلوب رائع ممتع يستثير الإعجاب والإكبار.

فهذه ( نسيبة المازنيّة ) كانت تخرج مع رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في غزَواته، وكان ابنها معها، فأراد أنْ ينهزم ويتراجع، فحملت عليه، فقالت: يا بني، إلى أين تفرّ عن اللّه وعن رسوله ؟ فردّته.

فحمل عليه رجل فقتله، فأخذت سيف ابنها، فحملت على الرجل فقتلته. فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( بارك اللّه عليك يا نسيبة ).

وكانت تقي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بصدرها وثديها، حتّى أصابتها جراحات كثيرة(١).

وحجّ معاوية سنة من سنيّه، فسأل عن امرأة مِن بني كنانة كانت

_____________________

(١) عن سفينة البحار ج ٢ ص ٥٨٥.

٤٠٦

تنزل بالجحون، يُقال لها: ( دارميّة الجحون ) وكانت سوداء كثيرة اللحم، فأخبر بسلامتها، فبعث إليها. فجيء بها، فقال: ما حالك يابنة حام ؟ قالت: لستُ لحام إنْ عبتني، إنّما أنا امرأةٌ من بني كنانة، ثمت من بني أبيك.

قال: صدقت، أ تدرين لِمَ بعثت إليك ؟

قالت: لا يعلم الغيب إلاّ اللّه.

قال: بعثت إليك لأسألك، علامَ أحببت عليّاً وأبغضتني، وواليته وعاديتني ؟

قالت: أوَ تعفيني يا أمير المؤمنين.

قال: لا أعفيك.

قالت: أمّا إذا أبيت، فأنّي أحببتُ عليّاً على عدلِه في الرعيّة، وقسمه بالسويّة. وأبغضتُك على قتالِ مَن هو أولى منك بالأمر، وطلْبَتك ما ليس لك بحق. ووالَيت عليّاً على ما عقَد له رسول اللّه مِن الولاء، وعلى حبّه للمساكين، وإعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سفكِ الدماء، وشقّك العصا وجَورك في القضاء، وحكمك بالهوى.

قال: فلذلك انتفخ بطنك.

قالت: يا هذا، بهندٍ واللّه، يُضرب المثل في ذلك لا بي.

قال معاوية: يا هذه، أربعي، فإنّا لم نقل إلاّ خيراً، فرجَعت وسكَنَت.

فقال لها: يا هذه، هل رأيت عليّاً ؟

٤٠٧

قالت: أي واللّه لقد رأيته.

قال: فكيف رأيتيه.

قالت: رأيته واللّه، لم يفتنه المُلك الذي فتَنَك، ولم تشغَلُه النِّعمة التي شغَلَتك.

قال: هل سمِعتِ كلامه ؟

قالت: نعم واللّه، كان يجلو القلوب مِن العمى كما يجلو الزيت الصدأ.

قال: صدَقتِ، فهل لك مِن حاجة ؟

قالت: أوَ تفعل إذا سألتك ؟ قال: نعم.

قالت: تعطيني مِئة ناقة حمراء فيها فحلُها وراعيها.

قال: تصنعين بها ماذا ؟

قالت: أغدو بألبانها الصغار، واستحيي بها الكبار، واكتسب بها المكارم، وأصلح بها العشائر.

قال: فإنْ أعطيتك ذلك، فهل أحلّ عندك محلّ عليّ ؟

قالت: ماء ولا كصدّاء، ومرعى ولا كالسعدان، وفتى ولا كمالك.

ثمّ قال: أما واللّه لو كان عليّ حيّاً ما أعطاك منها شيئاً.

قالت: لا واللّه، ولا وبْرة واحدة مِن مال المسلمين.

* * *

واستدعى معاوية امرأة مِن أهل الكوفة تُسمّى ( الزرقاء بنت عديّ ) كانت تعتمد الوقوف بين الصفوف وترفع صوتها صارخة، يا أصحاب عليّ، تُسمِعهم كلامها كالصوارم، مستحثّة لهم بقولٍ لو سمعه الجبان لقاتل،

٤٠٨

والمُدبر لأقبَل، والمسالِم لحارب، والفارّ لكرّ، والمتزَلزِل لاستقر.

فلمّا قدِمت على معاوية، قال لها: هل تعلمين لِم بعثتُ إليك ؟

قالت: لا يعلم الغيب إلاّ اللّه سُبحانه وتعالى.

قال: ألستِ الراكبة الجَمل الأحمر يوم صفّين، وأنتِ بين الصفوف توقدين نار الحرب، وتحرّضين على القتال ؟

قالت: نعم. قال: فما حمَلَك على ذلك ؟

قالت: يا أمير المؤمنين، إنّه قد مات الرأس، وبُتِرَ الذنَب، ولنْ يعود ما ذهَب، والدهر ذو غِيَر، ومَن تفكّر أبصَر، والأمر يحدُث بعده الأمر.

قال: صدَقت، فهل تعرفين كلامك وتحفظين ما قلت ؟

قالت: لا واللّه، ولقد أنسيته.

قال: للّه أبوك، فلقد سمِعتك تقولين: ( أيّها الناس، ارعوا وارجعوا، إنّكم أصبحتم في فتنة، غشّتكم جلابيب الظلم، وجارَت بكم عن قَصد المحجّة، فيا لها فتنةٌ عمياء صمّاء بكماء، لا تسمع لِناعِقها ولا تَسلس لقائدها. إنّ المصباح لا يضيء في الشمس، وإنّ الكواكب لا تنير مع القمر، وإنّ البغل لا يسبق الفرس، ولا يُقطع الحديد إلاّ بالحديد، ألا مَن استرشَد أرشدناه، ومَن سألَنا أخبرناه.

أيّها الناس: إنّ الحقّ كان يَطلب ضالّته فأصابها، فصبراً يا معشر المهاجرين والأنصار على الغصص، فكأنّكم وقد التأم شمل الشتات، وظهَرت كلمة العدل، وغلَب الحقّ باطله، فإنّه لا يستوي المُحقّ والمبطِل. أفمن

٤٠٩

كان مؤمناً كمَن كان فاسقاً لا يستوون. فالنزال النزال، والصبر الصبر، ألا إنّ خضاب النساء الحنّاء، وخضاب الرجال الدماء، والصبر خير الأُمور عاقبة، أئتوا الحرب غير ناكصين، فهذا يوم له ما بعده ).

ثمّ قال: يا زرقاء، أليس هذا قولك وتحريضك ؟

قالت: لقد كان ذلك.

قال: لقد شاركت عليّاً في كلّ دمٍ سفَكَه.

فقالت: أحسنَ اللّه بشارتك أمير المؤمنين، وأدام سلامتك، فمثلك مَن بشّر بخير، وسرّ جليسه.

فقال معاوية: أوَ يسرّك ذلك ؟

قالت: نعم واللّه، لقد سرّني قولك، وأنّى لي بتصديق الفعل. فضحِك معاوية، وقال: واللّه لوفاؤكم له بعد موته أعجبُ عندي مِن حبّكم له في حياته(١) .

وهذه أمّ وهَب ابن عبد اللّه بن خباب الكلبي، قالت لابنها يوم عاشوراء: قم يا بني، فانصر ابن بنت رسول اللّه.

فقال: أفعَل يا أمّاه ولا أقصّر.

فبرَز وهو يقول رجزه المشهور، ثمّ حمَل فلَم يزَل يقاتل، حتّى قتَل منهم جماعة، فرجع إلى أُمه وامرأته، فوقف عليهما فقال: يا أماه، أرضيت ؟

فقالت: ما رضيت، أو تُقتَل بين يديّ الحسينعليه‌السلام .

_____________________

(١) هاتان القصتان ( الثانية والثالثة ) عن قصص العرب ج ٢، وقد نقلتا بتصرّف واختصار.

٤١٠

فقالت امرأته: باللّه، لا تفجعني في نفسك.

فقالت أُمّه: يا بني، لا تقبل قولها وارجع فقاتل بين يديّ ابن بنت رسول اللّه، فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي اللّه.

فرجَع ولم يزَل يُقاتل حتّى قتَل تسعة عشر فارساً واثني عشَر راجلاً، ثمّ قُطِعت يداه. وأَخذَت أُمّه عموداً وأقبَلت نحوه وهي تقول: فداك أبي وأُمّي، قاتل دون الطيّبين - حرم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله -. فأقبل كي يردّها إلى النساء، فأخذت بجانب ثوبه: ( لنْ أعود أو أموت معك ).

فقال الحسينعليه‌السلام : ( جُزيتم مِن أهل بيتٍ خيراً، ارجعي إلى النساء، رحِمَك اللّه ).

فانصرفت. وجعل يُقاتل حتّى قُتِل رضوان اللّه عليه(١) .

هذه لمحة خاطفة مِن عرضٍ تاريخي طويل زاخر بأمجاد المرأة المسلمة، ومواقفها البطوليّة الخالدة، اقتصرنا عليها خشية الإطالة.

وأين مِن هذه العقائل المصونات، نِساء المسلمين اليوم، اللاتي يتشدّق الكثيرات منهنّ بالتبرّج، ونبذ التقاليد الإسلاميّة، ومحاكاة المرأة الغربيّة، في تبرّجها وخلاعتها. فخسِرن بذلك أضخم رصيد ديني وأخلاقي تملكه المرأة المسلمة وتعتزّ به، وغدَونَ عاطلات مِن محاسن الإسلام، وفضائله المثاليّة.

_____________________

(١) نفس المهموم للشيخ عبّاس القمّي (ره) بتصرّف وتلخيص.

٤١١

المساواة بين الرجل والمرأة

لقد غزَت الشرق فيما غزاه مِن صنوف البِدَع والضلالات، فكرة المساواة التامّة بين الرجل والمرأة، ومشاطرتها له في مختلف نشاطاته السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.

وانخدع أغرار المسلمين بهذه الفكرة، وراحوا يُنادون بها ويدعون إليها، جهلاً بزيفها ومخالفتها مبادئ الفطرة والوجدان، للفوارق العديدة بين الجِنسين، واختلاف مؤهّلاتهما في مجالات الحياة.

ومتى ثبتت المُفارقات بين الرجل والمرأة، تجلّى خطأ هذه الفكرة، واستبان ما فيها مِن تفريط وتضييع لخصائص كلٍّ منهما وكفاءته.

فالرجل غالباً: هو أضخم هيكلاً مِن المرأة، وأصلَب عوداً، وأقوى جلداً على معاناة الشدائد والأهوال، كما هو أوسع أُفقاً، وأبعَد نظراً، وأوفَر خبرةً في تجارب الحياة.

والمرأة غالباً، هي أجمل صورة مِن الرجل، وأضعَف جِسماً وطاقة، وأرقَّ عاطفةً، وأرهف حسّاً، تيسيراً لما أُعدّت له مِن وظائف الأُمومة ورسالتها الإنسانيّة في الحياة.

ويزداد التغاير والتباين بين الجنسين فيما ينتاب الإناث خاصّة، مِن أعراض الحيض والحمل والإرضاع، ممّا يؤثّر تأثيراً بالغاً في حياة المرأة وحالتها الصحيّة.

فهي تُعاني أعراضاً مرَضيّة خلال عاداتها الشهريّة، تخرجها عن طورها المألوف.

قال الطبيب( جب هارد ) : ( قلّ مِن النساء مَن لا تعتلّ بعلّة في المحاض، ووجَدنا أكثرهن يَشكينَ الصداع والنصَب والوجَع تحت السرّة،

٤١٢

وقِلّة الشهوة للطعام، ويصبحن شرِسات الطباع، مائلات إلى البكاء. فنظراً لهذه العوارض كلّها يصحّ القول، أنّ المرأة في محاضها تكون في الحقّ مريضة، وينتابها هذا المرض مرّةً في كلّ شهر، وهذه التغييرات في جسم المرأة تؤثّر لا محالة في قواها الذهنيّة وفي أفعال أعضائها ).

وهكذا أعرب الباحثون عن امتناع المساواة بين الجنسين.

قال الباحث الطبيعي الروسي( انطون نميلاف ) في كتابه الذي أثبت فيه عدم المساواة الفطريّة بينهما، بتجارب العلوم الطبيعيّة ومشاهداته: ( ينبغي أنْ لا نخدع أنفسنا بزعم أنّ إقامة المساواة بين الرجل والمرأة في الحياة العمليّة أمرٌ هيّنٌ ميسور. الحقّ أنّه لم يجتهد أحد في الدنيا لتحقيق هذه المساواة بين الصنفين مثل ما اجتهدنا في روسيا السوفيتيّة، ولم يوضع في العالم مِن القوانين السمحة البريئة من التعصّب في هذا الباب مثل ما وضِع عندنا، ولكنّ الحقّ إنّ منزلة المرأة قلّما تبدّلت في الأُسرة، ولا في الأُسرة فحسب، بل قلّما تبدّلت في المجتمع أيضاً ).

ويقول في مكان آخر: ( لا يزال تصوّر عدم مساواة الرجل والمرأة ذلك التصوّر العميق راسخاً، لا في قلوب الطبَقات ذات المستوى الذهني البسيط، بل في قلوب الطبقات السوفيتيّة العُليا أيضاً )(١).

وقال الدكتور( الكسيس كاريل ) الحائز على جائزة نوبل: ( يجب أنْ يبذل المربّون اهتماماً شديداً للخصائص العضويّة والعقليّة في الذكر والأنثى، كذا لوظائفهما الطبيعيّة، فهناك اختلافات لا تُنقض بين الجنسين

_____________________

(١) الحِجاب، للمودودي ص ٢٥٦.

٤١٣

ولذلك فلا مناصَ مِن أنْ نحسب حساب هذه الاختلافات في إنشاء عالَم متمدّن )(١).

ولا يعتبر تفوّق الرجل على المرأة في المجالات العمليّة والنظريّة مِقياساً عامّاً شاملاً لجميع الرجال، فقد تَبُذُّ المرأة الرجل وتفوقه في ذلك، ولكن هذا لا ينفي تخلّفها عن أغلب الرجال.

وعزا بعضهم تخلّف المرأة عن الرجل إلى التقاليد الاجتماعيّة، والنظُم التربويّة التي تكتنف حياتها.

وفاتهم أنّ تلك التقاليد والنظُم قد تلاشت في أغلب الدول المُتحلّلة، وانعدمت فيها الفوارق بين الجنسين، وغدَت المرأة تتمتّع بجميع فرَص التكافؤ التي يتمتّع بها الرجل. وبالرغم مِن ذلك فإنّها تعتبر في المرتبة الثانية منه.

ومِن هنا ندرك امتناع المساواة المُطلقة بين الرجل والمرأة، ونعتبرها ضرباً مِن الحماقة والسُّخف.

فهل يسع دعاة المساواة أنْ يطوّروا واقع الرجل ويجعلوه مشاركاً للمرأة في مؤهّلاتها الخاصّة، ووظائفها النسويّة التي يعجز عنها هو، كذلك لا يسعهم أنْ يسترجلوا المرأة ويمنحوها خصائص الرجل ووظائفه التي تعجز عنها هي.

إنّ الحكمة الإلهيّة قد كيّفت كلاًّ مِن الجنسين وأعدّته إعداداً خاصّاً، يؤهّله لأداء وظائفه ومهمّاته في الحياة، فلا مناص مِن تنويع الأعمال بينهما

_____________________

(١) الإنسان ذلك المجهول ص ١١٧.

٤١٤

حسب كفاءتهما ومؤهّلاتهما... وكُل مُيسّر لما خُلق له.

فوظيفة الرجل هي: ممارسة الأعمال الشاقّة، والشئون الخارجيّة عن المنزل، والكدح في توفير وسائل العيش لأُسرته، والدأب على حمايتها وإسعادها ماديّاً وأدبيّاً، ممّا تنوء به المرأة ولا تستطيع إتقانه وإجادته.

ووظيفة المرأة هي: أنْ تكون ربّة بيت وراعيةَ منزل، وأُمّاً مثاليّةً تُنشئ الأكفّاء من الرجال، وهي وحدها التي تستطيع أنْ تجعل البيت فردوساً للرجل، يستشعر فيه الراحة مِن متاعب الحياة، وينعم الأطفال فيه بدفء الحنان ودواعي النموّ والازدهار.

فإقحام المرأة في ميادين الرجل، ومنافستها له في أعماله... تضييع لكفاءتها ومؤهّلاتها، ثمّ هو تجميد للرجل عن ممارسة نشاطاته الحيويّة التي يجيدها ولا تجيدها المرأة، وتعطيل له عن إنشاء أُسرةٍ وتكوين بيت.

وقد أحدَثت منافسة المرأة للرجل في وظائفه ونشاطاته الخاصّة في الجاهليّة الحديثة... شروراً أخلاقيّة واجتماعيّة ونفسيّة خطيرة، وكانت مضّارها أكثر مِن نفعها أَضعافاً مُضاعفة.

وأصبحت المرأة هناك تُعاني مرارة الكفاح ومهانة الابتذال في سبيل العيش، كي لا تمسّها الفاقة لنكول الرجل عن إعالتها، ممّا عاقها عن أداء وظائفها الخاصّة من تدبير المنزل ورعاية الأُسرة وتربية الأبناء تربيةً صالحة.

وبتقاعس المرأة عن أداء واجبها الأصيل، وانخراطها في المجتمع الخليط، أُصيبت الأُسرة هناك بالتبعثر والتسيّب والشقاء، وشاع فيها التفسّخ والتهتّك والانهيار الخُلقي، كما شهِد بذلك الباحث الطبيعي الروسي( انطون

٤١٥

نيميلاف ) في كتابه الآنف الذكر:

( الحقّ أنّ جميع العمّال قد بدت فيهم أعراض الفوضى الجنسيّة، وهذه حالة جدّ خطرة، تُهدّد النظام الاشتراكي بالدمار، فيجب أنْ نُحارب بكلّ ما أمكن مِن الطُرق ؛ لأنّ المحاربة في هذه الجبهة ذات مشاكل وصعوبات، ولي أنْ أدُلّكم على آلافٍ مِن الأحداث، يُعلم منها أنّ الإباحية الجنسيّة قد سرَت عدواها لا في الجهّال الأغرار فحسب، بل في الأفراد المثقّفين مِن طبقة العمّال )(١).

وحسبُنا هذه الشهادة عِظةً وعبرةً على بطلان المساواة بين الجنسين، وأضرار اختلاطهما في الوظائف والأعمال، فهل مِن متّعظ ؟!

فإقحام المرأة في ميدان أعمال الرجال خطأٌ فاضح، وجنايةٌ كُبرى على المرأة والمجتمع الذي تعيشه، وهدرٌ لكرامتهما معاً.

نعم... يُستساغ للمرأة أنْ تمارس أعمالاً تخصّها وتليق بها، كتعليم البنات، وتطبيب النساء وتوليدهن، وفي حالة فقدان المرأة مَن يعولها، أو عجزِه عن إعالتها، فإنّها والحالة هذه تستطيع مزاولة الأعمال والمكاسب التي يؤمَن عليها مِن مفاتن المجتمع الخليط، ويُؤمن عليه مِن فتنتها كذلك.

ولكنّ الإسلام، صان كرامة المرأة المعوزة، وكفل رزقها من بيت المال، دون أنْ يحوجها إلى تلك المعاناة، فلو أدّى المسلمون زكاة أموالهم ما بقيَ محتاج.

_____________________

(١) الحِجاب، للمودودي ص ٢٥٧.

٤١٦

فماذا يريد دعاة المساواة ؟ أ يُريدون إعزاز المرأة وتحريرها من الغبن الاجتماعي ؟ فقد حرّرها الإسلام ورفَع منزلتها ومنَحها حقوقها الماديّة والأدبيّة، أم يريدون مخادعة المرأة وابتذالها، لتكون قريبةً من عيون الذئاب ومغازلاتهم ؟

وماذا تريد المرأة المتحرّرة ؟ أَ تُريد المساواة التامّة بالرجل، أَم تريد حريّة الخلاعة والابتذال ؟

وكلّها غايات داعرة، حرّمها الإسلام على المرأة والرجل ليقيهما مزالق الفتن ومآسي الاختلاط.

التمايز بين الجنسين

لقد حرّر الإسلام المرأة من تقاليد الجاهليّة وأعرافها المَقيتة، وأعزّها ورفَع منزلتها، وقرّر مساواتها بالرجل في الإنسانيّة ووحدة المبدأ والمعاد، وحرمة الدم والعرض والمال، ونيل الجزاء الأُخروي على الأعمال.

وحدّد قِيم المرأة ومنزلتها مِن الرجل تحديداً عادلاً حكيماً ؛ فهو يُساوي بينها وبين الرجل فيما تقتضيه الحكمة والصواب، ويُفرّق بينهما في بعض الحقوق وبعض الواجبات والأحكام، حيث يجدر التفريق ويَحسن التمايز نظَراً لاختلاف خصائصهما ومسؤوليّاتهما في مجالات الحياة.

وهو في هذا وذاك يستهدف الحكمة والصلاح، والتقييم العادل لطبائع البشر وخصائصهم الأصيلة. فلم يكن في تمييزه الرجل في بعض الأحكام

٤١٧

ليستهين بالمرأة أو يبخس حقوقها، وإنما أراد أنْ يحقّق العدل، ويمنح كلاً منهما ما يستحقّه ويلائم كفاءته وتكاليفه.

وسنبحث في المواضيع التالية أهمّ مواطن التفريق والتمايز بين الرجل والمرأة ؛ لنستجلي حكمة التشريع الإسلامي وسموّ مبادئه في ذلك.

١ - القوامة:

الأُسرة هي الخليّة الأُولى، التي انبثقت منها الخلايا الاجتماعيّة العديدة، والمجتمع الصغير الذي نما واتّسع منه المجتمع العام الكبير.

ومِن الثابت أنّ كلّ مجتمع - ولو كان صغيراً - لا بدّ له مِن راعٍ كفؤ يرعى شئونه، وينظم حياته، ويسعى جاهداً في رُقيّه وازدهاره.

لذلك كان لا بدّ للأُسرة مِن راعٍ وقِيَم، يسوسها بحُسن التنظيم والتوجيه ويوفّر لها وسائل العيش الكريم، ويحوطها بالعزّة والمنَعة، وتلك مهمّةٌ خطيرة تستلزم الحنكة والدُّربة، وقوّة الإرادة، ووفرة التجربة في حقول الحياة.

فأيّ الشخصين الرجل أو المرأة أحقّ برعاية الأُسرة والقوامة عليها ؟

إنّ الرجل بحكم خصائصه ومؤهّلاته أكثرُ خبرةً وحذَقاً في شئون الحياة مِن المرأة، وأكفأ منها على حماية الأُسرة ورعايتها أدبيّاً وماديّاً، وأشدّ قوّةً وجَلَداً على تحقيق وسائل العيش ومستلزمات الحياة ؛ لذلك كان هو أحقّ برعاية الأُسرة والقوامة عليها، وهذا ما قرّره الدستور الإسلامي

٤١٨

الخالد:( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) ( النساء: ٣٤ ).

وليس معنى القوامة هو التحكّم بالأُسرة وسياستها بالقسوة والعنف، فذلك منافٍ لأخلاق الإسلام وآدابه. والقوامة الحقّة هي التي ترتكز على التفاهم والتآزر والتجاوب الفكري والعاطفي بين راعي الأُسرة ورعيّته:( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) ( البقرة: ٢٢٨ ).

أمّا المرأة فإنّها بحكم أُنوثتها، رقيقةَ العاطفة، مُرهفة الحسّ، سريعة التأثّر، تتغلّب عواطفها على عقلِها ومشاعرها ؛ وذلك ما يؤهّلها لأداء رسالة الأُمومة، ووظائفها المستلزمة لتلك الخلال، ويقصيها عن مركز القيادة في الأُسرة الذي يتطلّب الحنكة، واتّزان العواطف، وقوّة الجَلَد والحزْم، المتوفّرة في الرجل، وهذا ما يُؤثره عليها في رعاية الأُسرة والقوامة.

هذا إلى أنّ المرأة السويّة بحكم أُنوثتها تستخفّ بالزوج المائع الرخو، وتكبره إذا كان ذا شخصيّة قويّة جذّابة، تستشعر في ظلال رجولته مفاهيم العزّة والمنعة، وترتاح إلى حُسن رعايته وتدبيره.

٢ - إيثار الرجل على المرأة في الإرث:

وهكذا قضت حكمة التشريع الإسلامي أنْ تُؤثر الرجل على المرأة،

٤١٩

بضعف نصيبها من الإرث، ممّا حسِبَه المغفّلون انتقاصاً لكرامة المرأة وبَخساً لحقوقها

لا... لم يكن الإسلام لِيَستهين بالمرأة أو يَبخَس حقوقها، وهو الذي أعزّها ومنَحها حقوقها الأدبيّة والماديّة، وإنّما ضاعف نصيب الرجل عليها في الإرث تحقيقاً للعدل والإنصاف، ونظراً لتكاليفه ومسؤوليّاته الجسيمة.

فالرجل مكلّفٌ بالإنفاق على زوجته وأُسرته وتوفير ما تحتاجه مِن طعام وكِساء وسكن، وتعليم وتطبيب، والمرأة معفوّة من كلّ ذلك. وكذلك هو مسؤول عن حماية الإسلام والجهاد في نصرته، والمرأة غير مكلّفة به. والرجل مكلّف بالإسهام في ديّة العاقلة ونحوها مِن الالتزامات الاجتماعيّة، والمرأة مُعفاة منها.

وعلى ضوء هذه الموازنة بين الجهد والجزاء، نجد أنّ مِن العدل والإنصاف تفوّق الرجل على المرأة في الإرث، وإنّها أسعد حالاً، وأوفَر نصيباً منه، لتكاليفه الأُسريّة والاجتماعيّة، التي هي غيرُ مسؤولةٍ عنها. وهذا ما شرّعه الإسلام:( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) ( النساء: ١١ ) على أنّ تفضيل الرجل على المرأة في الإرث لا يعمّ حقوقها الملكيّة، وأموالها المكتسبة، فإنّها والرجل سيّان، ولا يحقّ له أنْ يبتزّ فِلساً واحداً منها إلا برضاها وإذنها.

٣- الشهادة:

وهكذا تجلّت حكمة التشريع الإسلامي في تقييم شهادة المرأة، واعتبار شهادة امرأتين بشهادة رجلٍ واحد. وقد أراد الإسلام بهذا الإجراء أنْ

٤٢٠